حين تظهر العنصرية بلباس التمدن.. فرنسا مثالا

قيم هذا المقال
(0 صوت)
حين تظهر العنصرية بلباس التمدن.. فرنسا مثالا

في نهاية القرن العشرين وبداية القرن الحادي والعشرين كانت المفاوضات بين تركيا والاتحاد الاوروبي لانضمام انقرة الى التكتل تشهد شروطا اوروبية قاسية. حينها خرج مسؤول تركي وقالها صريحة "لا يريدوننا في الاتحاد الاوروبي لاننا دولة مسلمة". كانت حقيقة تبلورت مع السنين لتصل الى واقع يقوم على قاعدة ثابتة هي شيطنة المسلمين ونشر الاسلاموفوبيا.

لطالما تبجحت فرنسا بانها دولة مدنية ديمقراطية تسمح بحرية التعبير. كل هذه الاوصاف جميلة لكن ماذا عن التطبيق؟ التطبيق مقتصر على المعادلة التالية.. حين تنتقد الاسلام والمسلمين وتتطاول على مقدساتهم فنحن معك حتى الاخير وسندافع عنك في وجه اي مسلم او متعاطف مع المسلمين. اما ان تنتقد ولو بكلمات لطيفة عادية "الكيان الاسرائيلي" واليهود... فهنا تنتهي حرية التعبير وتتهم بمعاداة السامية ولا مانع من محاكمتك او طردك من عملك في الحد الادنى.

هناك مرض يسمى (CVD) أي Color Vision Deficiency أو ما يسمى "عمى الالوان" والذي يعني عدم قدرة المصاب به على التمييز بين الالوان. فرنسا (ويمكن اعتبارها نموذجا لكثير من الدول الاوروبية والغربية) مصابة بمرض عمى الالوان، واقصد هنا الوان الشعارات والمبادئ الانسانية. وتشخيص هذا المرض في السياسة الفرنسية سهل.

= من الطبيعي حين تتبنى شعارا او مبدأ انسانيا ان تطبقه في كل الحالات والاحداث. لكن في حالة فرنسا ذلك غير موجود. من هذه المبادئ عدم التعميم، حيث خرج الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون ليقول ان الاسلام يعاني من ازمة على مساحة العالم. كلام فيه تعميم واضح.

مبدا اخر هو حرية التعبير، والتي يجب ان تكون متاحة لكل الناس دون تمييز. وهنا ايضا بينما تنتقد فرنسا دولا اخرى بانها غير ديمقراطية ولا تسمح بحرية التعبير تقوم هي بتبني معاييز مزدوجة فيما يتعلق بهذا الامر.

= لم يجد ايمانويل ماكرون وحكومة باريس في الرسوم المسيئة للرسول الاكرم (ص) اي انتهاك لحقوق الانسان ولا للحريات ولا لمقدسات الاخرين، كما لم يجد سلفه فرانسوا هولاند عيبا في رسومات مسيئة سابقة. لكن ماكرون وجد عيبا وانتهاكا في رد فعل المسلمين حول العالم الرافض لموقفه. وهنا لا بد من القول ان جريمة نشر الرسومات المسيئة للرسول الاكرم من قبل صحيفة شالي هيبدو لا تقل خطوورة عن جريمة قطع رأس المدرس الفرنسي من قبل احد الارهابيين ولاكثر من سبب

بداية من الرسومات

الرسوم التي تنشرها شارلي هيبدو تنبع من مبدا معاداة الاسلام وهي نظرية مسموح بها في الدول الغربية التي تقيم الدنيا ولا تقعدها اذا ما انتقد احدهم الكيان الاسرائيلي او شكك بواقعية الهولوكوست. وبالتالي لم يكن اي رسم نشرته الصحيفة ضد الاسلام نابعا من ايمان بحرية التعبير او من انتقاد بناء. وبالتالي اذا ما كنا سنحكم على النوايا فيجب محاكمة الصحيفة لانها تنشر الكراهية وتحرض على العنف ونبذ الاخر

مرورا بجريمة قتل المدرس

هذه الجريمة لا يختلف اثنان على انها جريمة ارهابية ونابعة من خلفيات متطرفة. لكن الم تكن فرنسا ومعها بريطانيا والمانيا ودول اخرى هي من صدرت الارهابيين الى منطقة الشرق الاوسط؟ الم تكن هي من دعمت هؤلاء بحجة نشر الديمقراطية في سوريا وليبيا والعراق وغيرها؟ اذا ما قام به الارهابي من قطع لراس المدرس الفرنسي هو في جزء منه نتيجة سياسات باريس وعواصم اوروبية اخرى. وبالتالي اذا كانت فرنسا مهتمة فعلا بتصحيح المسار عليها اولا ان تصحح سياساتها وان تتوقف عن الكيل بمكيالين وخداع مجتمعها.

وصولا الى تبعات الموقف الفرنسي

حين تشجع ماكرون وقال انه يدعم نشر الرسوم المسيئة للرسول الاكرم، كان واضحا انه تحمس اكثر مما يلزم، ولم يعد بامكانه التراجع. خاصة ان موقفه قد يعود اليه ببعض النفع من حيث كسب ود اللوبي الصهيوني اضافة الى التقرب من اليمين المتطرف المتنامي في فرنسا واوروبا قبل الانتخابات الرئاسية العام المقبل.

لكن ما اظهره المسلمون حول العالم من رد طبيعي عقلاني ايماني وتمسك بمقدساتهم ورفضهم للنيل منها، اوصل الرسالة واضحة لماكرون ومفادها اننا نستطيع التطاول على رموزكم لكن ديننا لا يعلمنا هكذا. لكنه يعلمنا ان ناخذ حقنا بالطرق الانسانية واحد هذه الطرق المقاطعة التي بلا شك لو استمرت بقوة ستؤدب كل من يتبجح بحرية التعبير للتطاول على مقدسات الاخرين.. (اراد ماكرون ان يستفز ردة فعل عنيفة على موقفه لتبرير تصريحاته)

هناك مقولة شهيرة في علم السياسة تقول "اذا اردت ان افهمك..حدد مصطلحاتك"

اذا ارادت فرنسا ان تكون فعلا دولة حريات عليها ان تحدد مبادءها والا تجعلها ورقة تلعبها كلما اقتضت مصالحها ذلك لان مقدسات الاديان ورموزها ايا كانت هذه الاديان ليست لعبة، خاصة لمن هم مصابون بعمى الوان المبادئ.

حسين الموسوي

المصدر:العالم

قراءة 735 مرة