- وفاء العم
لفهم حقيقة الموقفين السعودي والإماراتي تجاه الخرطوم وأسبابهما وحيثياتهما، لا بد من الوقوف على جملة من الاعتبارات والمعطيات.
- تدرك الدول الخليجية أهمية السودان، وما يتمتّع به من موقع استراتيجي مهم، يجعله محلَّ تنافس إقليمي.
تتسارع التطورات في السودان، من الانقلاب، إلى تشكيل مجلس سيادة جديد بقيادة الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان. وتوازيها تظاهرات مناهضة لما اعتُبر محاولة لفرض حكم العسكر.
تطورات تبدو فيها عدةُ مواقف إقليمية عامةً وغيرَ حاسمة أحياناً، وتكون أحياناً أخرى مثارَ تساؤل ومحطَّ جدل واتهام، كموقف الرياض وأبو ظبي، اللتين اتُّهِمتا بالوقوف خلف هذا الانقلاب، بحسب ما ورد في بعض الصحف العربية والأجنبية. ولفهم حقيقة الموقف الخليجي (السعودي، الإماراتي)، وأسبابه وحيثياته، لا بد من الوقوف عند جملة من الاعتبارات والمعطيات.
أوّلها العودة إلى خلفية ما بعد سقوط نظام البشير، بحيث لم تُخفِ السعودية والإمارات دعمهما مجلسَ السيادة السوداني في إبّان اندلاع الثورة في نيسان/ أبريل 2019، إذ منحتا المجلس دعماً مالياً وصل إلى 3 مليارات دولار، وكان الهدف حينها تحييدَ قطر وتركيا، اللتين كانتا تمتّعتان بعلاقة مميزة بالبشير، الذي لم يشفع له إرساله 15 ألف جندي سوداني من أجل المشاركة في حرب اليمن، طمعاً في إرضاء الرياض. بالتوازي، نسجت الأخيرة وجارتها أبو ظبي علاقة خاصة بجنرالات العسكر، وعلى رأسهم عبد الفتاح البرهان ونائبه محمد حمدان دقلو، عبر استقبالهما في عدد من الزيارات خلال العامين الماضيين. وكان لذلك مفاعيله السياسية والاقتصادية، بالحصول على دعم مالي يعزّز المرحلة الانتقالية في السودان من جهة، ويجذّر هذه العلاقة من جهة أخرى.
عموماً، العلاقة بالرجلين لم تكن وليدة اللحظة، فلقد أدّى الاثنان دوراً بارزاً في الحرب على اليمن، فبينما أشرف البرهان على القوات السودانية البرية، تولّى دقلو قيادة قوات الدعم السريع.
وسواء نجح الانقلاب أو تعرقل يبدو أن الرياض وأبو ظبي تميلان أكثر إلى التعامل مع الجنرالات، وتفضّلان سيناريو أقرب إلى التجربة المصرية؛ أي قيادة عسكرية ذات وجه مدني. وإن لم تكن لديهما مشكلة مع مجلس السيادة، أو رئيس الوزراء عبد الله حمدوك، فإن التعامل مع طرف قوي أفضلُ بالنسبة إلى الدولتين الخليجيتين من التعامل مع قوى سياسية متجاذبة ومتعثرة، قد تأتي معها رياح المستقبل بما لا تشتهيه السفن من خصوم إقليميين.
عزَّزت أبو ظبي، منذ البداية، علاقتها بنائب رئيس المجلس العسكري الانتقالي، محمد دقلو، وهو الذي تولّى الحُكم بعد إزاحة البشير، وقدّمت عَبْرَه دعماً اقتصادياً مُجْزِياً إلى السودان، من أجل تمكينه سياسياً، وتأمين المرحلة الانتقالية في البلاد. فعلى سبيل المثال، استوردت الإمارات من الذهب السوداني ما يقارب 16 مليار دولار خلال أقل من عامين.
في الحقيقة، تدرك الدول الخليجية أهمية السودان، وما يتمتّع به من موقع استراتيجي مهم، يجعله محلَّ تنافس إقليمي. فهو يقع في قلب وادي النيل والقرن الأفريقي، وفي منظومة البحر الأحمر، ويمتلك ثروة هائلة من الغاز الطبيعي والذهب والفضة والمعادن. ويبدو أن اللاّعبين الإقليميين والدوليين بدأوا العودة إلى البلاد السمراء.
الروس، مثلاً، ما زالوا يسعون لإبرام اتفاق لمدة 25 عاماً من أجل إنشاء قاعدة بحرية روسية جديدة في ميناء بورتسودان، وهم الذين رفضوا توصيف ما جرى في السودان بالانقلاب، في دعم واضح للجنرالات. هذا ما عبَّر عنه بوضوح نائب المندوب الروسي لدى الأمم المتحدة، دميتري بوليانسكي، الذي قال إن على الشعب السوداني أن يحدِّد بنفسه ما إذا كانت الأحداث في بلاده انقلاباً، أم لا.
وبدأت الولايات المتحدة الأميركية، عملياً، البحث عن موطئ قدم لها بعد سنوات من القطيعة والعقوبات ضد السودان في إبّان حُكم البشير.
وتأتي، إقليمياً، تركيا وقطر بطموحيهما، لتَدخلا في لعبة ترتيب الأوراق وفرض النفوذ. وهذا أكثر ما يُقلق السعودية والإمارات ومصر. لقد حاولت أنقرة، في إبّان حُكم البشير، توقيع اتفاق تطوير ميناء سواكين وبناء قاعدة بحرية ذات أغراض عسكرية في شمالي شرقي السودان، ودخلت بعدها قطر على خطّ تطوير الميناء، الأمر الذي من شأنه أن يؤمّن نفوذاً تركياً قطرياً في البحر الأحمر ينافس الإمارات والسعودية في منطقة القرن الأفريقي، ويهدّد جنوبيّ مصر، وهو ما يحوّل التنافس السياسي إلى هاجس أمني في تلك المنطقة من العالم، ويجعل الهدفَ، سعودياً وإماراتياً ومصرياً، عدمَ السماح بوجود خصوم إقليميين، بل حلفاء أقوياء في الداخل السوداني، قادرين على فرض الأمن تحت سلطة مركزية.
إذاً، هو الأمن على لسان المسؤولين الخليجيين. هذا ما عبَّر عنه وزير الخارجية السعودي، فيصل بن فرحان، الذي قال إن لأمن السودان أهمية قصوى بالنسبة إلى المملكة.
وعلى الرغم من أن واشنطن تمارس الضغط على البرهان من أجل إعادة العملية السياسية إلى مربَّعها الأول، وتريد من أبو ظبي والرياض دعم إعادة حمدوك إلى السلطة، فإن المعطيات تشير إلى أن الدول الثلاث (السعودية والإمارات ومصر) تفضّل دعم الجنرالات من أجل الإمساك بزمام السلطة.
وقَّعت الرياض وأبو ظبي بياناً مشتركاً، مع واشنطن ولندن، يطالب بضرورة عودة الحكومة المدنية الانتقالية وإنهاء حالة الطوارئ، إلاّ أنهما، واقعاً، تفضّلان جنرالات في بزّات مدنية، يعزّز حظوظَهم التطبيعُ مع "إسرائيل"، الذي أدّوا فيه دوراً بارزاً بالتعاون مع الإمارات، التي استضافت العام الماضي مسؤولين سودانيين بارزين، جمعتهم مع مسؤولين إسرائيليين عدةَ مرات.
باختصار، يمكن القول إن أمن السودان هو أولوية الخليج، وليس العملية السياسية الديمقراطية، إذ تأتي الاعتبارات السياسية لاحقاً. وتبقى الأفضلية لوجود جنرالات يتماشون مع مشروع التطبيع الإقليمي، وخصوصاً إذا ما تحوَّل السودان إلى بؤرة تجاذُب وتنافُس إقليميَّين ودوليَّين.
المصدر:المیادین