آیة الله الشيخ عبد الله الجوادي الآملي (مدّ ظلّه العالي)

قيم هذا المقال
(0 صوت)

إنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) لم يسبّ أحداً، حتّى الأصنام.

قال آية الله الجوادي الآملي (مدّ ظلّه العالي): (نحن لا نعيش لوحدنا في هذا العالم، فلدينا مشاكلٌ وطنيةٌ وإقليميةٌ ودولية ينبغي لنا حلّها بعقلانيةٍ. ويجب ضمّ مسألتي الولاية والبراءة إلى جانب مسألة الأمن، وهذا الأمر هو واجبٌ سياسيٌّ واجتماعيٌّ).

أفادت وكالة أنباء "إيسنا" نقلاً عن وكالة أنباء "جهان" أنّ آية الله عبد الله الجوادي الآملي (مدّ ظلّه العالي) تطرّق إلى تفسير الآيات الأولى من سورة الأحزاب المباركة في درس تفسير القرآن الذي أقيم عصر اليوم السابع عشر من فروردين في مسجد "أعظم" - بمدينة قم - وقال:

(نزلت سورة الأحزاب المباركة في المدينة المنوّرة وتمحورت حول القضايا الحكومية والسياسية. يذكر أنّ السُّور المدنية قد طرحت مواضيع حول تأسيس نظام الحكم والجيش الإسلامي والقاعدة الاقتصادية في الإسلام ووضّحتها، وفي سورة الأحزاب المباركة جاء ذكر (المرجفين) وهم الذين ينقلون للمجتمع أخباراً مزعزعةً ومزلزلةً وأراجيف، والخبر المرجف هو الذي لا أساس له من الصحّة ويجعل المجتمع غير آمنٍ.

لقد تكرّرت عبارة «يا أَيُّهَا النَّبِيُّ» خمس مرّاتٍ في سورة الأحزاب، وهذا التكرار دليلٌ على أهمية الموضوع الذي يتمحور أحياناً حول قضايا عسكريةٍ أو عائليةٍ، فهذه القضايا العائلية قد تصبح فيما بعد مصدراً للكثير من المخاطر، وإلا فإنّ القضايا العائلية لو لم تكن هامّةً إلى هذا الحدّ لما قال تبارك وتعالى: «يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاء» وهذا الأمر يدلّ على وجود خطرٍ يهدّد المجتمع مصدره هذا البيت؛ وقال عزّ شأنه أيضاً: «وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى»، فحرب الجمل كان مصدرها هذا البيت.

رسول الله (صلى الله عليه وآله) لم يسبّ الأصنام مطلقاً:

وفي إشارته إلى قوله تعالى: «يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ وَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا»، قال آية الله الجوادي الآملي: علينا أن نعلم أنّ تأسيس حكومةٍ هو ليس بالأمر السهل، وعبارة «يا أَيُّهَا» هي نداءٌ للتنبّه والخروج من الغفلة أو أنّه نداءٌ للتذكّر والتأكيد على أهميّة الموضوع. ونستلهم من عبارة «يا أَيُّهَا النَّبِيُّ» حساسية الموضوع وأهميّته، ولم يخاطب القرآن نبيّنا الكريم (صلى الله عليه وآله وسلم) باسمه المبارك مطلقاً، وعندما ذكر اسمه في بعض السُّور كسورتي آل عمران والفتح فكان يقصد إفهام الناس بأنّه صاحب منصبٍ اسمه (رسول الله ونبي الله)، فهو يريد القول بأنّه ذو منصبٍ. إنّ الله تعالى لم يتعامل مع نبيّنا الكريم (صلى الله عليه وآله وسلم) كما تعامل مع سائر أنبيائه حينما ذكر أسماءهم، وهذا يدلّ على أنّنا أيضاً مكلّفون بالتحدّث معه بأدبٍ واحترامٍ.

وأضاف هذا المفسر القدير: الله عزّ وجلّ في الآية الأولى من سورة الأحزاب يقول لنبيّنا الكريم (صلى الله عليه وآله) كُن متّقياً لأنّك مكلّفٌ بأمرٍ هامٍّ لا يتحقّق إلا بعد صعود قمّة التقوى، فسوف تواجه حروباً وإراقة دماءٍ وسوف يُؤسر أصحابك ويُقتلون، وستفقد أعزّ أقربائك في هذا الطريق، كما ستتعرّض لأذىً كبيرٍ؛ وطيّ هذا الطريق ليس ممكناً إلا بالتقوى. ومن الصعب أن يتعامل هذا النبيّ مع المجتمع بأسلوبٍ عاديٍّ، لذا عليه أن يرقى إلى قمّة التقوى. فالنبيّ إبراهيم وولده إسماعيل (عليهما السلام) قد بنيا الكعبة المشرّفة، ولكن بعد زمنٍ أصبحت مركزاً للأصنام حيث جعل - المشركون - فيها جميع الأصنام. لكنّ نبيّنا الأكرم (صلى الله عليه وآله) لم يسبّ هذه الأصنام ولو لمرّةٍ واحدةٍ، وقال إنّها لا تقدر على فعل شيءٍ.

وأنتم أيضاً لو أردتم العيش بطمأنينةٍ، ومن ناحيةٍ أخرى لو رغبتم في أن لا يكون بينكم من يكفّر الآخرين، وإذا شئتم عدم حدوث مجازر يوميةٍ مؤلمةٍ في ميانمار وبنغلادش والشرق، يجب عليكم العمل بهذا المنهج، أي اتّباع سيرة رسول الله (صلى الله عليه وآله)؛ فهو لم يصدر منه أيّ سبابٍ أبداً.

المجازر التي ترتكب ضدّ المسلمين ليست أقلّ أهميّةً من الطاقة النووية:

وصرّح آية الله الجوادي الآملي (دامت بركاته) قائلاً: إنّ ما يمكن أن تفعلوه بدوركم هو السير في الطريق الصحيح، والله تعالى سوف يعينكم في ذلك. وإذا أراد أحدٌ أن يؤسّس نظام حكمٍ إسلاميٍّ فهناك أُسس خاصّة عليه اتّباعها، حيث ينبغي له مراعاة الأدب الاجتماعي والشعبي والتعامل مع عبدة الأوثان عن طريق البرهان وما شابهه، لأنّ سبّ الصنم لا يحلّ المشلكة، وبالفعل فإنّ السبّ واللعن ليسا حلاً للمشكلة. نحن لا نعيش لوحدنا في هذا العالم، فلدينا مشاكل وطنيةٌ وإقليميةٌ ودوليةٌ ينبغي لنا حلّها بعقلانيةٍ، ويجب علينا ضمّ مسألتي الولاية والبراءة إلى جانب مسألة الأمن، وهذا الأمر هو واجبٌ سياسيٌّ واجتماعيٌّ. فالمسائل الفقهية يجب أن تُحلّ بواسطة المراجع والعلماء والأصوليين، ولكن يجب ضمّ أصل التولّي والبراءة وإقرار الأمن وحفظ دماء المسلمين إلى بعضها البعض، وهذا الأمر لا يقلّ أهميّةً عن قضية الطاقة النووية.

من ناحيةٍ يستمرّ السبّ واللعن ومن ناحيةٍ أخرى فإنّ المجازر متواصلةٌ وكلّ يومٍ تسمعون بحدوث مجزرةٍ، وبالطبع فإنّ ما يحدث له حلٌّ. يجب علينا أن نتألّم للمجازر التي ترتكب في ميانمار وباكستان وبنغلادش. لو أنّ هذا الدين قد جاء لإقرار الأمن، فلا بدّ أنّه يتضمّن حلولاً أيضاً، وهذه الحلول ليست فقهيةً وأصوليةً فحسب كي تتكفّل بها الحوزة العلمية، فهي حلولٌ أمنيةٌ كالمحادثات وما شابهها. نحن مجبرون على البكاء والتأسّف بعض الشيء، وقد أصبح الأنين والتأسّف وإقامة مجالس التأبين ديدننا.

وفي جوابه على سؤالٍ حول الاختلاف بين اللعن والسبّ، قال: إنّ اللعن يكون في الأمور الكلّية، حيث قال تعالى بشكلٍ كلّي: «أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِين»، نحن أيضاً نوافق على اللعن بشكلٍ كلّي وكذلك فإنّ الآخرين يوافقون عليه، ولكن تطبيقه على الجزئيات فيه تفصيلٌ.

في العهود الماضية، عندما كانت تحدث حربٌ بين بلدين ويموت وليّ عهد أحدهما، فإنّ إطلاق النار يتوقّف لمدّة أسبوعٍ ثمّ يُستأنف بعد ذلك، لكن عندما يموت ولي عهد السعودية فإنّ البعض يوزّعون الحلوى والمكسّرات قرب سفارة هذا البلد، وهذا الأمر بالطبع ليس واجباً ولا مستحبّاً ولا معقولاً ولا منقولاً؛ ومن الممكن منع حدوث هكذا تصرّفاتٍ. ومع هذه التصرّفات فنحن نرجو أن يبسطوا سجاداً أحمر تحت أقدام حجّاجنا! إنّ الوظائف العلمية والفقهية للحوزات العلمية في مكانها، ولكن لو أُريد لها أن تدخل حيّز التنفيذ وأن تصبح عالميةً، يجب حينها على الجميع - شعوباً وأُمماً – التعاضد، كما يتعاملون مع موضوع الطاقة النووية.

إلى متى يجب تحمّل كلّ هذه الآلام؟!

قراءة 4458 مرة