رئيس المجلس الأعلا لجمعية المدرّسين في الحوزة العلمية بمدينة قم

قيم هذا المقال
(0 صوت)

 

بسم الله الرحمن الرحيم

التأريخ: 14 ارديبهشت 1392 ه. ش.

العدد: 16376 / 451

ممثّل الوليّ الفقيه في شؤون الحجّ والزيارة ومسؤول الحجّاج الإيرانيين، المحترم

سماحة السيّد علي قاضي عسكر (زيد عزّه)

السلام عليكم ورحمة الله

جواباً على كتابِكم المرقَّم 154359 المؤرّخ 5 / 2 / 92 نُعلِمُكُم بما يَلي:

قالَ اللهُ تعالى: «وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ». (الأنعام، الآية: 108)

إنَّ القرآنَ الكريم يَنهَى بِصراحةٍ عَن سَبِّ الذينَ يَنحَرفُونَ عن طريقِ الصَوابِ ولَعْنِهِم، لأنَّ ذلك يَجعَلُهُم يَتَفَوَّهُونَ بكلامٍ غير لائقٍ عَن اللهِ تبارك وتعالى. لو تأمَلْنا في هذه الآيةِ المباركةِ لَلاحَظْنا أنَّها قَد عَيَّنَتْ ملاكاً كلّياً، وهو النَهيُ عن العملِ الذي يُثيرُ عداءَ الآخَرين ويجعلُهُم يَرتكبونَ فعلاً قبيحاً؛ لذا فإنَّ القيامَ بلعنِ الذينَ يَحظُونَ باحترامِ فِئَةٍ من الناسِ وسبِّهِم، ولا سيّما الذينَ يُجسِّدونَ رمزاً دينياً، هو فعلٌ خاطئٌ وإذا ما تَسبَّبَ في مَقتَلِ بعضِ الناس أو إتلافِ أموالِهِم أو التعدّي على أعراضِهِم فهو بكلِّ تأكيدٍ حرامٌ ومخالفٌ للشريعةِ البَيِّنَة، ومَن يَفعَلْ ذلك فهو مسؤولٌ في الدُنيا والآخِرَة. ولا فرقَ بينَ كونِ هذا العمل من لَعنٍ وسبٍّ على شكلِ خِطابٍ أو شعرٍ أو أُنشودةٍ، أو حتّى عَزاءٍ وتأبينٍ أو مِسْرَحيَةٍ أو مَشهَدٍ سينمائيٍّ، ولا فرقَ بينَ القيام به في الأجواءِ الحقيقيةِ أو الافتراضيةِ. فلا فرقَ في طبيعةِ هذا العمل لأنَّه يَتَسبَّبُ في مَقتَلِ الناس وهَتْكِ حُرُماتِهم وإتلافِ أموالِهِم وإباحةِ أعراضِهم.

وحَسَبَ هذه المقدّمة العامّة التي ذَكَرنَاهَا، فَفي هذا العالَم الذي لا يَبقى فيه شيءٌ خفيٌّ بسببِ الأقمارِ الصُناعيةِ التي تُغَطّي الأجواءَ والقُوّاتِ الاستخبارية والجاسوسيةِ التي تَنتَشِرُ في الأصْقاعِ، ونَظَراً لوجودِ وسائلِ الاتِّصالِ الجَماعيةِ الحَديثةِ التي تَنقُلُ الأحداثَ بسرعَةٍ عَبْرَ الإنترنيت والراديو والتلفزيون والهاتف النقّال وسائِرِ وَسائلِ التقارير الخبرية؛ فإنَّ القيامَ بلعنِ وسبِّ أربابِ المذاهبِ الدينيةِ، ولا سيَّما الأنبياء الكرام والخلفاء ومَن يَنُوبُ عنهُم وخصوصاً، الشخصيات الإسلامية البارزة، وبعبارةٍ أخَصّ خلفاءُ صَدر الإسلامِ وأبناءُ النَبيّ (صلى الله عليه وآله) وزوجاتُهُ هو عملٌ غير جائزٍ؛ لأنَّه منشأٌ لنَزاعاتٍ عديدةٍ في مختلفِ البُلدان الإسلاميةِ، وبالتأكيد هو حرامٌ، والسنّةُ العَمَليةُ لأئمَّةِ الهُدى (عليهم السلام) وأفعالُهم، ولا سيّما أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب (عليه السلام)، دليلٌ على ذلك.

وبشكلٍ عامٍّ، فإنَّ اللعنَ والسبَّ في جميعِ الأحيانِ ليسَ لَهما أيَّ دورٍ أو تأثيرٍ لبيانِ الحقِّ مطلقاً. كما يجبُ الالتفاتُ إلى أنَّ البَحثَ العِلمي لإثباتِ حَقيقةٍ ما بِواسطَةِ العلماءِ والمفكّرين والنُخبَةِ بِشكلٍ فرديٍّ أو جَماعيٍّ في أجواءٍ علميةٍ وتعليميةٍ وبحثيةٍ وفي نطاقِ الحَوزات العلمية والجامعات، قد تمَّ ويتمُّ بَعيداً عن الميولِ السياسيةِ والتَحَزُّبِ والتَعصُّب، والكثيرُ من التطوّرات العلميةِ في جمَيعِ فروعِ العُلُوم الإنسانيةِ والمسائِل الدينيةِ والعَقائِديَةِ أو في سائِرِ الفروعِ العلميةِ هي في الحقيقةِ رهينةٌ لهذه الأجواءِ التي كانتْ ولا زالتْ بعيدةً عن مَشاعِرِ المحبَّةِ والعَداوَة.

نأمُلُ من جميعِ فئاتِ الأُمَّةِ الإسلاميةِ الاهتمامَ أكثرَ بهذه المسائل عَبْرَ معرفةِ واقعِ الزمان وظروفِ العالَم المعاصرِ، وعلينا التَصَرُّف بشَكلٍ أصوليٍّ ومعقولٍ ومنطقيٍّ أكثر لكَي يَحفَظُنا اللهُ عزّ وجلّ.

إن شاء الله تعالى

محمّد اليزدي

رئيس المجلس الأعلا لجمعية المدرّسين في الحوزة العلمية بمدينة قم

قراءة 3170 مرة