
Super User
وَهُوَ الَّذِي أَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ نَبَاتَ كُلِّ شَيْءٍ فَأَخْرَجْنَا مِنْهُ خَضِرًا نُّخْرِجُ مِنْهُ حَبًّا مُّتَرَاكِبًا
لقاء أميركي ــ سوري: الإرهاب عدونا المشترك
لم تخل ترتيبات اللقاء الذي عقد بعيداً عن الاعلام، في نهاية شهر أيار الماضي في برشلونة من تعقيدات على مستوى الشكل والمضمون. الجانب السوري اقترح أنّ يكون ممثله فيه رجل دين يحظى، في الوقت نفسه، باعتبار شبه رسمي، وبمكانة معنوية واسلامية ووطنية كبيرة. أما الجانب الأميركي فأرسل موفداً رفيع المستوى من وزارة الخارجية، ليس بالطبع السفير روبرت فورد الذي على ما يبدو تاه في صحراء إخفاقات حساباته الخاصة بتوحيد المعارضة السورية. وكان مقرراً أن يكون إلى جانب الموفد الأميركي، أثناء اللقاء، سفير الولايات المتحدة الأميركية في برشلونة ألان سلومون، لكن اللحطة الأخيرة تقرر استبعاده. وأبدى ممثل وزارة الخارجية الأميركية في الاجتماع مع الشخصية السورية الدينية، اقتناع واشنطن بأنّ المجموعات السلفية المتشددة التابعة للقاعدة اخترقت المعارضة السورية على نحو بنيوي، وأصبحت تشكّل خطراً كبيراً، وأنه من الأهمية بمكان اكمال العمل من أجل استئصالهم. ومن ناحيته، رجل الدين السوري، عرض لحقيقة الخطر على الاسلام المعتدل الذي تمثله «جبهة النصرة» وأخواتها المسيطرون حالياً على مساحات من الأرض السورية.
وقال إنّ الحرب الاعلامية نجحت في تغطية الحقائق السورية، وأنّ المسلمين السنة في سوريا هم بيئة الاسلام المعتدل والمتسامح، وأن غالبيتهم مع الرئيس بشار الأسد وضد المجموعات المتطرفة، التي تغزو سوريا اليوم من كل أصقاع العالم.
وكانت حاذقة فكرة ارسال دمشق للاجتماع رجل دين ذا مكانة كبيرة، فمقابل طرح باريس اسم رجل دين مثل أحمد معاذ الخطيب، وقيامها باقناع واشنطن بذكاء اختيارها، أسهمت خطوة إرسال القامة الدينية السورية للقاء برشلونة، بإظهار أنّ الغرب منفصل عن واقع الاجتماع الحقيقي لسوريا، وأن الكلام الذي يجب أن تسمعه واشنطن مغيّب وراء ستار كثيف من التضليل الإعلامي. وبالأساس ظهر خلال لقاء برشلونة أن واشنطن ليست بعيدة عن فكرتين؛ الأولى أهمية استمرار القتال ضد الإرهاب في سوريا حتى استئصاله، وثانيتهما أنّ الحل السياسي هو الطريق الوحيد الذي يؤدي إلى إعادة الاستقرار لسوريا ولاقليمها، إضافة إلى التمسك بالشراكة مع روسيا في هذا المسعى. وفي اطار مستجدات الموقف الأميركي من الأزمة السورية، يظهر تطور هام، وهو ميل واضح وجديد للرئيس الأميركي باراك أوباما إلى بناء خصوصية في مقاربة الأزمة السورية مع «البنتاغون» والقيادة الوسطى في الجيش الأميركي على حساب خلية الأزمة القائمة منذ بدء الأحداث السورية، والمتشكلة حصراً من مسؤولين في وزارة الخارجية الأميركية، أبرزهم السفير روبرت فورد.
وبحسب معلومات دبلوماسية حديثة جداً، فإنّ أوباما يتجه منذ فترة إلى جعل القرار الأميركي بخصوص الأزمة السورية منسقاً على نحو أعمق بين البيت الأبيض والبنتاغون، الذي انتدب لمهمة التنسيق هذه، شخصية منه، هو مساعد وزير الدفاع الأميركي للشؤون الأمنية ديريك شوليه، المعروف بعلاقته الشخصية الوثيقة مع أوباما. ويعني هذا التطور أنّ الرئيس الأميركي بدا يولي اعتباراً أكبر لرأي الجيش الأميركي ووزارة الدفاع خلال صياغة قرار إدارته بشأن الحدث السوري. وترسم معلومات دبلوماسية التوزيعة الجديدة التي باتت تؤثر فعلياً على قرار البيت الأبيض بشأن سوريا على النحو التالي:
ـــ وزير الخارجية جون كيري المهتم بتطبيقات نظريته الأساسية المعروفة اصطلاحاً بـ«شراكة كيري - لافروف في انتاج الحل السياسي عبر مؤتمر جنيف ٢».
ــ روبرت فورد كمساعد تقني لكيري، حول شؤون المعارضة السورية. ويلاحظ هنا أن فورد تراجعت أهميته في هذا الملف منذ ذهاب هيلاري كلينتون من منصب وزيرة الخارجية. وكانت الأخيرة تعتمد على فورد في تنسيق عمليات تصليب المعارضة في الميدان، وفق نظرية اسقاط الرئيس بشار الأسد بالقوة أو أقله اضعافه حتى يصبح ناضجاً للحل الانتقالي من دونه. ومشهود في هذا المجال أن فورد هو صاحب نظرية «إنّ الشيطان الذي لا نعرفه (أي المجموعات السلفية المسلحة) هو أحسن من الشيطان الذي نعرفه (أي الأسد)». وأيضاً نظرية «يجب أن نجعل الأسد يخاف من أن تدخل جبهة النصرة إلى غرفة نومه، وبذلك نستطيع تطويعه».
ــ الرجل الذي يصعد نجمه من وراء الكواليس في قرار أوباما حول سوريا، هو ديريك شوليه، بوصفه موضع ثقة الرئيس من جهة وممثلاً لوجهة نظر القيادة الوسطى في الجيش الأميركي بالتشارك مع البنتاغون، من جهة ثانية. ويبدو أنّ وجهة نظر الجيش صار لها الاعتبار الأهم في مقاربة هذه المرحلة على الأقل من مسار الأزمة السورية التي تشهد اختراقاً بنيوياً للقاعدة داخل المعارضة السورية، والتي تحفل أيضاً باحتمالات انتقال خطرها انطلاقاً من سوريا إلى دول الجوار، وبالأخص لبنان والأردن. وانطلاقاً من هذه الاعتبارات الخاصة بحجم الدور المستجد للجيش الأميركي داخل قرار أوباما في هذه المرحلة من الأزمة السورية وتداعياتها، فانه يتم تسجيل مواقف مغايرة ليس فقط على مستوى ضرورة مواجهة الإرهاب في سوريا بحسم، بل أيضاً في لبنان، ولا سيما في طرابلس التي تواكب واشنطن عبر رسائل من البيت الأبيض لبيروت ومباشرة من قيادة الجيش الأميركي لقائد الجيش العماد جان قهوجي، عملية حسم الفلتان الأمني الجاري هناك.
وكشفت مصادر دبلوماسية معطيات عن جوهر التغير المستجد على مستوى بنية التفكير بالأزمة السورية، في واشنطن، وذلك انطلاقاً من حديث خاص منسوب لديريك شوليه خلال الأسبوع الماضي. ويقول شوليه إنّ «السياسة الأميركية العميقة منذ بدء الأزمة السورية كانت تفكر بأمرين اثنين: انتقال السلطة مقابل إدارة النتائج بعد هذا الانتقال (transition vs/ management)».
ويضيف: من الممكن، وما زال، التخلص من نظام الرئيس بشار الأسد حيث لدينا القدرة على ذلك، نحن
وحلفاؤنا. ولكن ماذا بعد هذا الأمر؟
ويسأل: كيف يمكن إدارة سوريا المنهكة والمجزأة مذهبياً وطائفياً والمدمرة والمفلسة؟ ليجيب: هذا الأمر مكلف للغاية على كل الصعد.
ويتابع: «نحن لا نريد إرسال جيش أميركي إلى سوريا»، مضيفاً «أساساً هذا ما نصحنا به حلفاؤنا في المنطقة، قالوا لنا لا ترسلوا جيشاً إلى سوريا، فهذا أفضل لنا جميعاً؛ لنا ولكم». ويؤكد شوليه أنّ الإدارة الأميركية جادة تماماً في إيجاد حل مع روسيا في سوريا عبر «جنيف ٢»، وروسيا جدية أيضاً ذلك. «إن مصلحتها تقضي بايجاد حل لمعضلة قد لا تترك لها شيئاً في سوريا لتستفيد منه، بل إنها تزيد من خصومها خاصة في العالم السني الذي يحيد بها». ويكشف شوليه، أن «أمام «جنيف ٢» مشاكل صعبة وقد لا يحقق النتائج المنشودة منه، ونحن وروسيا نواجه مشاكل بخصوص أنه كيف يمكننا وضع كل هذه الأضداد حول طاولة حوار واحدة، خاصة بعد سقوط هذا العدد الهائل من الضحايا. لكن أميركا ستستمر في السعي لأنها قلقة من أن تستحيل الأزمة السورية إلى أزمة دولية حادة تهدد السلم الاقليمي وأبعد منه». وشدد على أن «اميركا تجهد الآن لمنع انتقال النار السورية إلى الجوار، وضبط إيقاعات الإرهاب وضربه».
الأخبار
موسكو: تحريف وقائع القصير نفاق غير مقبول
دعا وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف جميع اللاعبين الدوليين إلى بذل ما بوسعهم لبدء العملية السياسية في سوريا، مشيراً إلى أن «هناك مخاطر كبيرة من تدويل الأزمة السورية»، فيما رأت مستشارة الرئيس السوري، بثينة شعبان، أن المتآمرين على بلادها لن ينجحوا في اعادة رسم خريطة المنطقة عبرها.
وطالب لافروف، في مؤتمر صحافي مع الأمين العام لمنظمة التعاون الإسلامي أكمل الدين إحسان أوغلو أمس، القوى الدولية بتحديد موقفها إن كانت تريد «العملية السياسية»، وبالتالي العمل «على جعل (جميع الأطراف) تجلس إلى طاولة الحوار» أم «تريد دعم تغيير النظام»، معبراً عن قلقه من التصريحات التي تطلقها قيادة «الجيش السوري الحر» وبعض ممثلي الولايات المتحدة، والزاعمة بأن دعم المعارضة السورية المسلحة سيستمر حتى استعادة التوازن العسكري على الأرض، مشدداً على «أنه طريق لا يفضي الى شيء».
وأكد لافروف تأييد بلاده «لأوسع مشاركة للمعارضة السورية وللدول المؤثرة في الإقليم في مؤتمر «جنيف 2»، مؤكداً ضرورة مشاركة الاطراف المؤثرة في الازمة السورية في المؤتمر. وأشار إلى أن «النداءات التي نسمعها والمطالبة بالتمديد للعمليات الحربية في القصير هي تصريحات منافقة»، كاشفاً أن «هناك خبراء أجانب لتدريب المسلحين في القصير، وأي تحريف لما جرى فيها نفاق غير مقبول».
من جهته، أشار الامين العام، إحسان أوغلو، إلى أن الوضع في سوريا يزداد سوءاً يوماً بعد يوم، حيث بدأت أعمال العنف تتجاوز حدود سوريا وتنتشر نحو دول الجوار. وشدد على ضرورة وضع حد فوري لإراقة الدماء في البلاد. وأعرب عن أمله في أن يساعد عقد مؤتمر «جنيف 2» على وضع حد للعنف والافعال الوحشية في سوريا.
في السياق، رأت مستشارة الرئيس السوري، بثينة شعبان، أن «ما يحصل اليوم في سوريا هو جزء من اعادة رسم خريطة المنطقة»، مشددةً على «أنهم لن ينجحوا برسم هذه الخريطة».
ولفتت شعبان، في حديث تلفزيوني، إلى أن «العالم كله يمر بمخاض في منطقة تشهد صراعاً دولياً».
من جهة أخرى، أكد نائب وزير الخارجية مبعوث الرئيس الروسي إلى الشرق الأوسط، ميخائيل بوغدانوف، أن مؤتمر «جنيف ـ 2» سيفضي إلى إنشاء هيئة انتقالية توافقية من الحكومة السورية والمعارضة الوطنية، مشدداً على أن هذه الهيئة يجب أن تمتلك كافة الصلاحيات التنفيذية في المرحلة الانتقالية.
وشدد بوغدانوف في حديث لقناة «روسيا اليوم» على أن «المعارضة التي يجب أن تتمثل في هذه الهيئة هي المعارضة الوطنية»، مشيراً إلى أن «جميع القوى الراديكالية المتطرفة التي تقاتل على الأراضي السورية يجب ألا يكون لها أي مكان في عملية التسوية المستقبلية» في البلاد. وأعرب الدبلوماسي الروسي عن أمله في أن يتمكن الجانب الأميركي من اقناع «الائتلاف» المعارض بتحديد وفده التفاوضي إلى «جنيف ـ 2» قبل اللقاء التشاوري القادم لجنيف في 25 حزيران.
كذلك أعلن بوغدانوف عن مشاورات قريبة بين موسكو وواشنطن بشأن الاستخدام المحتمل للسلاح الكيميائي في سوريا، على مستوى خبراء مجلسي الأمن القومي.
من جهتها، أكدت واشنطن أن المعلومات التي تسلّمتها من باريس حول استعمال السلاح الكيميائي في سوريا غير كافية لاصدار أحكام نهائية، مؤكدةً على مواصلة جمع الأدلة. وشددت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الأميركية جي بساكي على أن «واشنطن غير معنية بوضع مهلة زمنية للتحقيق الاممي حول استعمال السلاح الكيميائي، لأن الأهم بالنسبة إليها أن تكون الأدلة قاطعة».
في موازارة ذلك، اعلن وزير الداخلية الفرنسي مانويل فالس أمس أن على الاتحاد الاوروبي أن يستعد للتصدي للتهديد الذي يطرحه الشبان الاوروبيون الاسلاميون، الذين التحقوا بصفوف المجموعات الجهادية للقتال في سوريا.
وكشف فالس، في اجتماع خصص لهذا الموضوع للمعنيين في الاتحاد الاوروبي في لوكسومبورغ أمس، أن اكثر من 600 مواطن اوروبي، بينهم 120 فرنسياً توجهوا إلى سوريا منذ اندلاع الازمة، وهناك حالياً اربعون فرنسياً في سوريا.
وشدد على أن انضمام العديد من الشباب إلى تنظيم القاعدة ظاهرة «مقلقة جداً لاتساعها».
وأوضح فالس «علينا أن نتخذ خطوات ملموسة في تعاوننا الذي يجب أن يصبح عملانياً»، مؤكداً أن «الامن الوطني مسؤولية الدول، لكن اوروبا قادرة على التحرك من خلال ايجاد معايير قانونية تسمح بتجريم التدرب على الارهاب».
في سياق آخر، جدد السيناتور الاميركي جون ماكين «دعوته إدارة الرئيس الاميركي باراك أوباما إلى التدخل الفوري والمباشر في الحرب السورية وضرب الجيش السوري من اجل مساعدة المعارضة السورية المسلحة وإنقاذها من براثن الهزيمة»، مؤكداً أنه «ليس هناك حاجة لنشر القوات الأميركية في سوريا».
وحذر ماكين، في كلمته المخصصة للسياسة الخارجية في معهد «بروكينغز» بواشنطن، من «احتمال تفكك سوريا وانزلاق النزاع فيها إلى صراع إقليمي ينتقل إلى لبنان والعراق والأردن وإسرائيل»، داعياً إلى «إقامة منطقة حظر جوي، وتوفير ملاذ آمن للمعارضة السورية يجري الاعتراف به على غرار ما فعلنا في مدينة بنغازي الليبية».
ولفت إلى أن «الرئيس السوري بشار الأسد لن يقبل حلاً سلمياً ما لم تتغير موازين القوى العسكرية».
إلى ذلك، طالب مجلس الامن في بيان وافق عليه جميع اعضائه، ومن بينهم روسيا، أمس، السلطات السورية بالسماح للمنظمات الانسانية بالدخول بحرية إلى مدينة القصير.
الإمام الخامنئي يستقبل المشاركين في مسابقات القرآن الكريم العالمية
استقبل سماحة آية الله العظمى السيد علي الخامنئي قائد الثورة الإسلامية صباح يوم السبت 08/06/2013 م أساتذة القرآن الكريم و قرّاءه و حفاظه المشاركين في الدورة الثلاثين من مسابقات القرآن العالمية في طهران، و اعتبر أن من الأوامر المهمة التي خاطب بها القرآن الكريم المسلمين حفظ الاتحاد و التلاحم، مؤكداً: كل حنجرة تدعو المسلمين اليوم إلى الوحدة هي حنجرة إلهية، و كل حنجرة و لسان يدعو و يحرّض المسلمين و المذاهب الإسلامية ضد بعضهم فهو لسان شيطاني.
و شدّد الإمام الخامنئي في هذا اللقاء على ضرورة مزيد من تعرّف المسلمين على القرآن الكريم و أنسهم به و بمعارفه الباعثة على السعادة و العزة، مردفاً: من خطابات القرآن الكريم للمسلمين الاتحاد حول حبل الله و عدم التفرّق. و في مقابل ذلك يوجد التعليم و النهج الاستعماري الذي يأمر و يدعو إلى الخلافات بين الأمة الإسلامية و تشديد العصبيات الطائفية العمياء.
و أشار سماحته إلى انخداع بعض الحكومات و الدول الإسلامية و لعبها في أرض العدو ملفتاً: الاتحاد و الاتفاق بين المسلمين فريضة فورية.
و اعتبر قائد الثورة الإسلامية المذابح و سفك الدماء و الإرهاب الأعمى و الفجائع التي يخلقها هذا الإرهاب و توفير الفرص للكيان الصهيوني الغاصب من نتائج الاختلاف و التفرقة بين الأمة الإسلامية، قائلاً: اليوم يوم امتحان للمسلمين و الدول الإسلامية، و على الشعوب المسلمة أن تتحلى بتمام الوعي و اليقظة.
و لفت آية الله العظمى السيد الخامنئي إلى موجة مناهضة الإسلام التي يطلقها الغرب ضد العالم الإسلامي مؤكداً: لقد شهر الأعداء الغربيون السيف على المسلمين بكل صراحة، لذلك على الأمة الإسلامية تعزيز عوامل اقتدارها الداخلية، و من أهم هذه العوامل الاتحاد و التلاحم و الاجتماع على نقاط الاشتراك.
و أشار قائد الثورة الإسلامية إلى أن العالم الإسلامي اليوم متعطش للحقائق القرآنية مردفاً: خلافاً للماضي حيث كان البارزون في العالم الإسلامي يرفعون الشعارات الاشتراكية و الشيوعية لإيصال صوتهم المطالب بالحرية، إذا أراد اليوم من أراد أن يرفع شعارات العدالة و الاستقلال و الحرية و العزة من شرق العالم الإسلامي إلى غربه، فإنه يرفع الشعارات القرآنية.
و اعتبر سماحته إقامة الجلسات و المسابقات القرآنية وسيلة لمزيد من الاقتراب إلى حقيقة القرآن الكريم و روحه، ملفتاً: تعلم المعارف القرآنية أرضية لتحقيق السلامة و الأمن و العزة و تنظيم حياة المسلمين في ظل تعاليم القرآن الكريم.
الإمام الخامنئي يستقبل مسؤولي الدولة و سفراء البلدان الإسلامية بمناسبة يوم المبعث النبوي
تزامناً مع يوم المبعث النبوي الشريف التقى مسؤولو النظام الإسلامي و ممثلو و سفراء البلدان الإسلامية و جمع من عوائل الشهداء الكريمة صباح يوم الجمعة 07/06/2013 م بسماحة آية الله العظمى السيد علي الخامنئي قائد الثورة الإسلامية.
و بارك آية الله العظمى السيد علي الخامنئي في هذا اللقاء عيد المبعث النبوي الشريف، و اعتبر الواجب الأهم للأمة الإسلامية في الظروف الراهنة هو اليقظة و معرفة خارطة طريقها، و كذلك مخططات الأعداء، مؤكداً: المخطط الرئيس للأعداء هو بث الخلافات و النزاعات بين المسلمين، لذا فإن الاتحاد و الوفاق و التعاون و الوئام من أهم ما يحتاجه العالم الإسلامي في الظرف الراهن.
و أشار سماحته إلى المضايقات و المعارضات التي واجهها الأنبياء الإلهيون دوماً و واجهتها دعواتهم إلى الحق، مردفاً: هذه المعارضات و المواجهات كانت حيال دعوة رسول الإسلام (ص) أكبر و أشمل، و استمرت بأشكال مختلفة إلى أواخر العمر الشريف للرسول الأكرم (ص).
و أكد قائد الثورة الإسلامية على وجود معارضات و عداء مقابل نداء الإسلام في الوقت الحاضر أيضاً، ملفتاً: بعد أن عجزت الدعوات غير الإلهية سواء دعوات المدارس الماركسية أو الليبرالية من تأمين سعادة البشرية، راحت القلوب و الأنظار اليوم تتجه صوب الإسلام، لذا فإن العداء تجاه الإسلام باعتباره قطب الأفكار الداعية إلى العدالة و كرامة الإنسان، كبير جداً.
و عدّ آية الله العظمى السيد علي الخامنئي توجيه الإهانات لرسول الإسلام الكريم (ص) نموذجاً لهذا العداء مردفاً: لا يمكن التصديق بأن توجيه الإهانة للإسلام و محاربة الإسلام في العالم يأتي من دون تخطيط الأجهزة الاستخبارية للقوى الكبرى و دعمها المالي.
و أكد سماحته على أن بعض سلوكيات المسلمين و ممارساتهم من قبيل الجمود و التحجّر تعطي الذريعة للقوى المهيمنة لمحاربة الإسلام، قائلاً: على المسلمين الدعوة للإسلام بصراحة و شجاعة و صدق و عدالة ليجتذبوا بذلك القلوب إليهم.
و لفت قائد الثورة الإسلامية قائلاً: على المسلمين الوقوف و المقاومة مقابل الدعاء لرسالة الإسلام كما وقف رسول الإسلام (ص) و كل المؤمنين بالإسلام على مرّ التاريخ.
و شدّد آية الله العظمى السيد الخامنئي على ضرورة تحلّي الأمة الإسلامية بالبصيرة و معرفة المسلمين لخارطة طريقهم، و خارطة طريق الأعداء، منوّهاً: خارطة الطريق الأصلية للأعداء هي بث الخلافات و النزاعات بين المسلمين، و إثارة العصبيات بين المذاهب الإسلامية ضد بعضها، و ذلك من أجل صرف اهتمام الأمة الإسلامية من القطب الرئيس للعداء ضدهم و هو الرأسمالية الفاسدة و الصهيونية الغاصبة القاسية.
و أكد سماحته قائلاً: الأمة الإسلامية سواء الشعوب أو الساسة أو المثقفون يجب أن يعرفوا خارطة طريق الأعداء هذه ليستطيعوا تدبير أمورهم مقابلها و لا يخطئوا في تصرفاتهم و ممارساتهم.
و أضاف قائد الثورة الإسلامية يقول: تريد القوى المهيمنة عن طريق بث الخلافات بين المسلمين صرف اهتمام المسلمين عن قضاياهم الأصلية و كذلك التقدم الذي يحتاجونه.
و لفت آية الله العظمى السيد الخامنئي قائلاً: تابع الغربيون هذا الهدف في الماضي عن طريق الاستعمار، و يتابعونه اليوم من خلال بث الخلافات بين المسلمين.
و أكد سماحته يقول: طبعاً لن يستطيع الغربيون عن طريق رفعهم شعارات مناصرة حقوق الإنسان و دعم الديمقراطية محو وصمة عار الاستعمار عن جبينهم.
و لخّص قائد الثورة الإسلامية كلمته بالقول: بالنظر لخارطة طريق الأعداء، على المسلمين و من خلال تحلّيهم بالبصيرة و تشخيص الأعداء و مخططاتهم، معرفة خارطة طريقهم بصورة صحيحة ألا و هي الاتحاد و الوفاق و التعاون و الوئام.
الإمام الخامنئي يلقي كلمة في مراسم الذكري الرابعة و العشرين لرحيل الإمام الخميني (رض)
تجمعت صباح يوم الثلاثاء 04/06/2013 م حشود هائلة من أبناء الشعب الإيراني المؤمن الثوري من مختلف أرجاء البلاد في المرقد الطاهر للإمام الخميني الراحل (رض) لإحياء الذكري السنوية الرابعة و العشرين لرحيله، جاعلين من الوفاء للإمام الخميني حبلاً متيناً لوحدة الشعب الإيراني و مسؤوليه و شموخهم، و تجديد عهدهم مع إمامهم العزيز الراحل.
و ألقي سماحة آية الله العظمي السيد علي الخامنئي قائد الثورة الإسلامية في هذه المراسم كلمة اعتبر فيها ثقة الإمام الخميني بالله و الشعب و بنفسه الممهد لانتصار الثورة الإسلامية و استمرارها و تقدمها المقتدر، و قدّم توصيات مهمة علي أعتاب انتخابات رئاسة الجمهورية و انتخابات المجالس البلدية، و قال مخاطباً الشعب و المرشحين: بعون من الله سيخلق الشعب الإيراني بعد عشرة أيام ملحمة عظيمة أخري، و يخرج مرفوع الرأس من الاختبار الكبير في الرابع و العشرين من خرداد.
و اعتبر آية الله العظمي السيد الخامنئي نهضة الخامس عشر من خرداد التاريخية في سنة 1342 (5 حزيران 1963 م) مرحلة مهمة جداً من التاريخ الإيراني مردفاً: بعد اعتقال الإمام الخميني (رض) إثر كلمته في الثالث عشر من خرداد سنة 42 اجتاحت موجهة عظيمة من تحركات الشعب الإيراني مدن طهران و قم و غيرهما، عرضت الأواصر المتينة بين الشعب و رجال الدين و المرجعية أمام النظام الطاغوتي آنذاك.
و أكد قائد الثورة الإسلامية علي الوشائج بين الشعب و رجال الدين هي الضمانة للتقدم و الوصول إلي الذري و بالتالي الانتصار في النهضة قائلاً: حين ينزل الشعب إلي الساحة و تكون مشاعرهم و أفكارهم رصيداً و دعامة للنهضة فستكون في تلك النهضة و الحركة إمكانية الاستمرار و الانتصار.
و أشار آية الله العظمي السيد الخامنئي إلي انكشاف الوجه العنيف و القاسي للطاغوت في حادثة الخامس عشر من خرداد سنة 42 مردفاً: من النقاط المهمة في تلك الحادثة صمت المحافل و المؤسسات الدولية التي تدعي الدفاع عن حقوق الإنسان، و التي لم يسمع منها أي اعتراض .
و أكد سماحته قائلاً: علي الرغم من كل هذه الأمور، عرض الإمام الخميني (رض) لوحده، و لكن بإسناد من الشعب، صورة لقائد سماوي و معنوي حاسم مصمم، و قدّمها لكل الناس و التاريخ.
و أشار قائد الثورة الإسلامية إلي المعتقدات الثلاثة للإمام الخميني الراحل مؤكداً: الاعتقاد بالله، و الإيمان بالشعب، و الثقة بالذات كانت كلها متوفرة في شخصية الإمام الخميني و قراراته و كل تحركاته.
و تابع قائد الثورة الإسلامية كلمته بالحديث عن الانتخابات الحساسة للدورة الحادية عشرة من رئاسة الجمهورية في إيران و نوّه بنقاط حولها.
و اعتبر آية الله العظمي السيد الخامنئي الانتخابات مظهراً لمعتقدات الإمام الخميني الثلاثة مردفاً: الانتخابات مظهر الإيمان بالله، لأنه يجب المشاركة في تقرير مصير البلاد بناء علي التكليف الإلهي.
و لفت سماحته قائلاً: الانتخابات أيضاً تجسيد للإيمان بالشعب لأن الشعب في الانتخابات يختار بنفسه المسؤولين عن البلاد.
و قال قائد الثورة الإسلامية: و الانتخابات مظهر و تبلور للإيمان بالذات، لأن كل صوت يوضع في صناديق الاقتراع هو في الواقع مشاركة و تدخل في مصير البلاد.
و اعتبر آية الله العظمي السيد الخامنئي الموضوع الأهم في الانتخابات هو خلق ملحمة سياسية و مشاركة حماسية كبيرة للشعب عند صناديق الاقتراع مؤكداً: كل صوت يمنحه أبناء الشعب لأحد المرشحين الثمانية المحترمين هو بالدرجة الأولي تصويت للجمهورية الإسلامية و منح الثقة بآليات الانتخابات.
و لفت سماحته قائلاً: و هذه الأصوات بالدرجة الثانية هي للشخص الذي يختاره كل مصوّت حسب رأيه و تشخيصه و انتخابه لأنه يتصوره أنفع لمستقبل البلاد.
و ألمح قائد الثورة الإسلامية إلي مساعي الأعداء لتبديل الانتخابات إلي تهديد مناهض للنظام الإسلامي قائلاً: إنهم يأملون إما أن تقام الانتخابات ببرود، أو أن تحصل بعد الانتخابات فتنة كما حصلت في سنة 1388 ، لكن الأعداء مخطئون في تخطيطاتهم لأنهم لم يعرفوا الشعب الإيراني، و قد نسوا يوم التاسع من دي.
و أكد سماحته قائلاً: بتوفيق من الله و خلافاً لإرادة الأعداء و مخططاتهم ستكون انتخابات الرابع و العشرين من خرداد فرصة كبري لنظام الجمهورية الإسلامية.
و أضاف آية الله العظمي السيد الخامنئي: يتصور الأعداء أن هناك أكثرية صامتة و معارضة للنظام في البلاد، و الحال أنهم نسوا يوم الثاني و العشرين من بهمن حيث كانت تشارك طوال الأعوام الأربعة و الثلاثين الماضية حشود هائلة للدفاع عن النظام الإسلامي، و تتظاهر في الشوارع، و ترفع شعارات الموت لأمريكا.
و أكد سماحته علي أن خصوم الشعب الإيراني و غرف عملياتهم لجأوا من أجل التثبيط في أجواء الانتخابات إلي دعايات و ممارسات إعلامية كاذبة و غير منصفة من قبيل التحدث عن هندسة الانتخابات و شرعنة الانتخابات و عدم حريتها، ملفتاً: في أي مكان من العالم يسمح لمرشحي الانتخابات، من الشخصيات المعروفة إلي الأشخاص المغمورين، بأن يستفيدوا من الإذاعة و التلفزيون (وسيلة الإعلام الوطنية الكبري في البلاد) بشكل متساو و متكافئ؟
و قدّم قائد الثورة الإسلامية في جانب آخر من حديثه مجموعة من التوصيات للمرشحين في الانتخابات.
و أكد سماحته قائلاً: لينتقد المرشحون المحترمون أي شيء يريدون انتقاده، و لكن ليأخذوا بنظر الاعتبار أن النقد لا يعني عدم الإنصاف و النظرة السلبية و السوداوية، إنما جوهر النقد يعني العزيمة و النيّة و المساعي الدؤوبة لحل المشكلات و السير في درب زاخر بالمفاخر.
و لفت الإمام الخامنئي قائلاً: مع أن وسائل الإعلام الأجنبية ستحاول بغيضها و انتهازيتها نسبة كلامي هذا لبعض المرشحين، لكن كلامي هذا غير موجّه لمرشح أو مرشحين دون غيرهم، بل هو موجّه لكل المرشحين.
و أضاف سماحته يقول: ليس من لوازم النقد إنكار الجوانب الإيجابية، و عليه، من يريد أن يكسب ثقة الشعب يجب أن لا ينكر البرامج و الخطط و الأعمال الأساسية و المميزة التي أنجزت من قبل هذه الحكومة و الحكومات السابقة، و كان من شأنها تقدم البلاد.
و ألمح آية الله العظمي السيد الخامنئي إلي المشكلات الاقتصادية بما في ذلك الغلاء و التضخم، مردفاً: أمل الشعب و أملنا كلنا هو أن يكون منتخب الشعب في انتخابات الرابع و العشرين من خرداد حلالاً للمشكلات الاقتصادية، و لكن لا ينكر المرشحون الأعمال و الإنجازات السابقة عند عرض خططهم لحل المشكلات الاقتصادية.
و كانت التوصية الانتخابية الأخري التي قدّمها قائد الثورة الإسلامية للمرشحين الثمانية هي أن لا يعطوا وعوداً غير ممكنة.
و خاطب سماحته المرشحين قائلاً: تحدثوا بطريقة لو بثوا شريط حديثكم في خرداد من العام المقبل لم تخجلوا لمشاهدته و سماع وعودكم، و لم تتذرعوا، و لم تلقوا اللوم و الذنب علي هذا و ذاك.
ثم دعا قائد الثورة الإسلامية المرشحين إلي عرض برامجهم و خططهم و إعطاء الشعب عدة عهود: أن يعطوا للشعب عهداً بالعمل علي أساس العقل و الدراية و العلم و العمل الدؤوب و بثبات أقدام. و أن يعطوا كذلك عهداً للشعب باستخدام كل إمكانيات الدستور لأداء المسؤوليات الكبري لرئاسة الجمهورية، و أن يديروا أوضاع البلاد، و أن يولوا القضايا الاقتصادية التي تحولت إلي ساحة لتحديات الأجانب، اهتماماً كافياً.
في ذكرى البعثة النبوية المباركة وارهاصاتها(*)
لقد سطع إسم محمّد بن عبدالله ((صلى الله عليه وآله)) في مجتمع الجزيرة العربية في وقت كان الوهن والتفكك قد بدا على أواصر ذلك المجتمع بكل نواحيه وكانت شخصيّة محمّد بن عبدالله ((صلى الله عليه وآله)) تزداد تألّقاً وسموّاً.
وبدأت تظهر استقامة شخصيته في كل جوانب سلوكه وكمالاته الاخلاقية. الى جانب الأصالة العائلية المتمثلة في كرم المحتد وطهارة المولد يرفده الإمداد الغيبي والتسديد الإلهي الذي يصونه عن كلّ المعاصي والمساوئ.
ولقد كان علي بن أبي طالب أكثر الناس التصاقاً ومعرفة بالرسول((صلى الله عليه وآله))، وكلامه عن الرسول أصدق قول حيث قال: «ولقد قرن الله به ((صلى الله عليه وآله)) من لَدن أن كان فطيماً أعظم ملك من ملائكته يسلك به طريق المكارم، ومحاسن أخلاق العالم، ليله ونهاره (1)».
وقد روي عنه ((صلى الله عليه وآله)) مدى بغضه للأصنام منذ الطفولة ففي قصة سفره إلى الشام مع عمه أبي طالب نجده يرفض أن يقيم وزناً للأوثان(2).
لقد اختار محمّد ((صلى الله عليه وآله)) لنفسه ولبناء شخصيته منهجاً خاصّاً حقّق له حياة زاخرة بالمعنوية والقيم السامية فلم يكن كَلاًّ على أحد ولا عاطلاً عن العمل، فقد رعى الأغنام لأهله حين كان فتىً يافعاً(3) وسافر للتجارة في عنفوان شبابه(4); وفي جانب آخر من شخصيته الفذّة نلمس جمال الإنسانية متجليّاً في كمال الرحمة وغاية العطف على الضعفاء والفقراء وخير نموذج على ذلك تعامله مع زيد بن حارثة الذي رفض العودة الى أبيه وفضّل الحياة الكريمة مع محمد ((صلى الله عليه وآله (5))).
وهكذا نعرف أن محمداً ((صلى الله عليه وآله)) كان قبل بعثته رجلاً لبيباً فاضلاً رشيداً طوى سنوات شبابه وهو يملك أسمى مقوّمات التعامل الإنساني والاجتماعي في مجتمع الجزيرة الجاهلي وقد فاق بشخصيته المُثلى جميع من سواه في عامة المجتمع الإنساني آنذاك، وبذلك شهد له التنزيل قائلاً له: ( وإنّك لعلى خُلُق عظيم (6)) .
تمثل نصوص القرآن الكريم أقدم النصوص التاريخية التي تتمتع بالصحة والدقة والمعاصرة لأحداث عصر الرسالة الإسلامية، والمنهج العلمي يفرض علينا أن لا نتجاوز نصوص القرآن الكريم فيما يخص عصر النبيّ ((صلى الله عليه وآله)) الذي نزلت فيه الآيات حين بعثته واستمرت بالنزول حتى وفاته.
وإذا عرفنا أن الروايات التاريخية المتمثلة في كتب الحديث والسيرة قد تأخّر تدوينها عن عصر وقوع الحوادث أوّلاً، كما أ نّها قريبة من الدس وتطرق التزوير إليها ثانياً; كان من الطبيعي والمنطقي أن نعرضها على محكمات الكتاب والسنة والعقل لنأخذ ما يوافقها ونرفض ما يخالفها.
وينبغي أن لا يغيب عنا أن النبوة سفارة ربّانية ومهمة إلهية تتعيّن من قبله سبحانه وتعالى لغرض رفد البشرية بالهداية اللازمة لها على مدى الحياة. وأن الله إنما يصطفي من عباده مَن يتمتّع بخصائص فذة تجعله قادراً على أداء المهامّ الكبرى المرادة منه وتحقيقها بالنحو اللائق.
إذن لابدّ أن يكون المرسَل من قبله تعالى مستوعباً للرسالة وأهدافها وقادراً على أداء الدور المطلوب منه على مستوى التلقيّ والتبليغ والتبيين والتطبيق والدفاع والصيانة . وكل هذه المستويات من المسؤولية تتطلب العلم والبصيرة (المعرفة ) وسلامة النفس وصلاح الضمير والصبر والإستقامة والشجاعة والحلم والإنابة والعبوديّة لله والخشية منه والإخلاص له والعصمة (التسديد الرباني ) على طول الخط.
ولم يكن خاتم المرسلين بدعاً من الرسل بل هو أكملهم وأعظمهم فهو أجمع لصفات كمالهم والله أعلم حيث يجعل رسالته.
ومن أبده القضايا ومن مقتضيات طبائع الأشياء أن يكون المرشَّح لمهمّة ربانيّة كبرى على استعداد تام لتقبّلها وتنفيذها قبل أن يتولّى تلك المهمة أو يرشّح لأدائها. إذن لابد للنبي الخاتم أن يكون قد أحرز كل متطلّبات حمل هذه المسؤولية الإلهية وتوفّر على كل الخصائص اللازمة لتحقيق هذه المهمة الربانية قبل البعثة المباركة. وهذا هو الّذي تؤيده نصوص القرآن الكريم.
1 ـ قال تعالى: (كَذلِكَ يُوحِي إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكَ اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ)(7).
2 ـ وقال أيضاً: (وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ إِلاَّ رِجَالاً نُوحِي إِلَيْهِم مِنْ أَهْلِ الْقُرَى )(8).
3 ـ وقال أيضاً: (وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُول إِلاَّ نُوحِي إِلَيْهِ أَ نَّهُ لاَ إِلهَ إِلاَّ أَنَا فَاعْبُدُونِ )(9).
4 ـ وقال أيضاً: (وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلاَةِ وَإِيتَاءَ الزَّكَاةِ وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ)(10).
إذن مصدر الوحي هو الله العزيز الحكيم. والمرسَلون رجالٌ يُوحي اليهم الله سبحانه معالم توحيده وعبادته ويجعلهم أ ئمةً يهدون بأمره كما يوحي إليهم تفاصيل الشريعة من فعل الخيرات وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وهم القدوة لغيرهم في العبادة والتجسيد الحي للاسلام الحقيقي لله سبحانه.
وفيما يخص خاتم النبيين يقول سبحانه وتعالى :
1 ـ ( وَكَذلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ قُرْآناً عَرَبِيّاً لِتُنذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا وَتُنذِرَ يَوْمَ الْجَمْعِ لاَ رَيْبَ فِيهِ...)(11).
2 ـ (شَرَعَ لَكُم مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحاً وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلاَ تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَن يُنِيبُ*... فَلِذلِكَ فَادْعُ وَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَقُلْ آمَنتُ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ مِن كِتَاب وَأُمِرْتُ لاَِعْدِلَ بَيْنَكُمُ اللَّهُ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ لاَ حُجَّةَ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ اللَّهُ يَجْمَعُ بَيْنَنَا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ)(12).
3 ـ (اللَّهُ الَّذِي أَنزَلَ الْكِتَـبَ بِالْحَقِّ وَالْمِيزَانَ)(13).
4 ـ (أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِباً فَإِن يَشَإِ اللَّهُ يَخْتِمْ عَلَى قَلْبِكَ وَيَمْحُ اللَّهُ الْبَاطِلَ وَيُحِقُّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ)(14).
5 ـ (وَمَا كَانَ لِبَشَر أَن يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلاَّ وَحْياً أَوْ مِن وَرَاءِ حِجَاب أَوْ يُرْسِلَ رَسُولاً فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ* وَكَذلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنتَ تَدْرِي مَا الْكِتابُ وَلاَ الإِيمَانُ وَلكِن جَعَلْنَاهُ نُوراً نَهْدِي بِهِ مَن نَّشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاط مُّسْتَقِيم)(15) .
إنّ الذين عاصروا الرسول الكريم قبل بعثته وحتى وفاته لم يقدّموا لنا تصويراً صحيحاً وواضحاً عن الرسول قبل بعثته بل وحين البعثة. ولعلّ أقدم النصوص وأتقنها هو ما جاء عن ربيب الرسول وابن عمه ووصيّه الذي لم يفارقه قبل بعثته وعاشره طيلة حياته، إلى جانب أمانته في النقل ودقته في تصوير هذه الشخصية الفذة. فقد قال عن الفترة التي سبقت البعثة النبوية وهو يتحدّث عن الرسول ((صلى الله عليه وآله)):
«ولقد قرن الله به ((صلى الله عليه وآله)) من لدن أن كان فطيماً اعظم ملك من ملائكته يسلك به طريق المكارم ومحاسن أخلاق العالم. ليله ونهاره. ولقد كنت أ تّبعه اتّباع الفصيل أ ثَر اُمّه. يرفع لي في كل يوم من أخلاقه علماً. وقد كان يُجَاور في كلِّ سَنَة بحراء فأراه ولا يراه غيري»(16).
ويتوافق هذا النص مع قوله تعالى: (وإنك لعلى خلق عظيم)(17). فقد نزل هذا النص في بداية البعثة. والخُلق ملكة نفسية متجذرة في النفس لا تستحدث خلال أيام، فوصفه بعظمة خُلُقه يكشف عن سبق اتصافه بهذه الصفة قبل البعثة المباركة.
وتتضح بجلاء بعض معالم شخصيته((صلى الله عليه وآله)) قبل البعثة من خلال نص حفيده الإمام الصادق((عليه السلام)): «إنّ الله عزّ وجلّ أدّب نبيّه فأحسن أدبه فلمّا أكمل له الأدب قال: (وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُق عَظِيم) ثم فوّض اليه أمر الدين والاُمّة ليسوسَ عباده»(18).
على أنّ الخلق العظيم جامع لتمام المكارم التي فسّرها النص الوارد عن النبيّ((صلى الله عليه وآله)) حيث يقول: «إنما بُعثت لاُتمم مكارم الأخلاق»(19). فكيف يراد له تتميم مكارم الاخلاق وهو لم يتصف بها بعدُ؟! اذن لابدّ من القول بأنّ النبيّ((صلى الله عليه وآله)) كان قبل البعثة قد أحرز جميع المكارم ليكون وصفه بالخلق العظيم وصفاً صحيحاً ومنطقياً.
فالرسول قبل بعثته كان مثال الشخصية المتّزنة المتعادلة والواعية المتكاملة والجامعة لمكارم الأخلاق ومعالي الصفات وحميد الأفعال.
والنصوص القرآنية التي تشير الى ظاهرة الوحي الرسالي وكيفية تلقي الرسول ((صلى الله عليه وآله)) له تصرّح بشكل لايقبل الترديد بما كان عليه الرسول من الطمأنينة والثبات والاستجابة التامة لأوامر الله تعالى ونواهيه التي كان يتلقّاها قلبه الكريم.
لاحظ ما سقناه اليك من نصوص سورة الشورى، واقرأ أيضاً ما جاء في غيرها مثل قوله تعالى:
1 ـ (وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى* مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى* وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى* إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى* عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى* ذُو مِرَّة فَاسْتَوَى* وَهُوَ بِالأُفُقِ الأَعْلَى* ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى* فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى* فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى* مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى)(20).
2 ـ ( قُلْ إِنِّي عَلَى بَيِّنَة مِن رَبِّي )(21).
3 ـ (قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ)(22).
4 ـ (قُلْ إِنَّمَا أُنذِرُكُم بِالْوَحْي )(23).
5 ـ (قُلْ إِنَّمَا يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلهُكُمْ إِلهٌ وَاحِدٌ )(24).
6 ـ (وَلاَ تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِن قَبْلِ أَن يُقْضَى إِلَيْكَ وَحْيُهُ وَقُل رَبِّ زِدْنِي عِلْماً)(25).
7 ـ (وَإِنِ اهْتَدَيْتُ فَبِمَـا يُوحِى إِلَيَّ رَبِّي )(26).
8 ـ ( قُلْ هذِهِ سَبِيلي أَدْعُوا إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَة أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي )(27).
واذا عرفت ما جاء في هذه النصوص القرآنية المباركة تستطيع أن تولّي وجهك شطر المصادر الحديثية والتأريخية لتقف على محكماتها ومتشابهاتها.
قال الإمام أحمد: حدثنا عبد الرزاق، حدثنا معمر عن الزهري عن عروة عن عائشة أ نّها قالت: «أول ما بدئ به رسول الله ((صلى الله عليه وآله)) من الوحي الرؤيا الصادقة في النوم، فكان لا يرى رؤيا إلاّ جاءت مثل فلق الصبح. ثم حبّب اليه الخلاء. وكان يخلو بغار حراء فيتحنث فيه... ثم يرجع الى خديجة فيتزود لمثلها، حتى جاءه الحق وهو في غار حراء».
وليس في بداية هذا النص ما يدعو للإستغراب سوى أن عائشة لم تكن حين بدأ الوحي، والنص لا يفصح أ نّها عمّن استقت هذه المعلومات؟ وهي لم تروه عن رسول الله ((صلى الله عليه وآله)) مباشرة. ولكن في ذيل النص ما هو مدعاة للاستغراب طبعاً.
قالت: «ثم انطلقت به خديجة حتى أتت به ورقة بن نوفل بن أسد بن عبدالعزى بن قصي، وهو ابن عم خديجة أخي أبيها، وكان امريءً قد تنصّر في الجاهلية وكان يكتب الكتاب العربي فكتب بالعربيّة من الإنجيل ـ ما شاء الله أن يكتب ـ وكان شيخاً كبيراً قد عمي، فقالت خديجة: أي ابن عم اسمع من ابن أخيك، فقال ورقة: ابن أخي! ما ترى؟ فأخبره رسول الله ((صلى الله عليه وآله)) ما رأى. فقال ورقة: هذا الناموس الذي اُنزل على موسى((عليه السلام))، يا ليتني فيها جذعاً، ليتني أكون حيّاً حين يخرجك قومك، فقال رسول الله: «أَوَمُخرِجيّ هم؟ فقال ورقة: نعم. لم يأت رجل قط بما جئت به إلاّ عودي، وإن يدركني يومك أنصرك نصراً مؤزراً، ثم لم ينشب(28) ورقة أن توفي»(29).
إن ورقة الذي لم يُسلِم بعد هو عارفٌ بما سيجري على النبيّ فضلاً عن علمه بنبوته! بينما صاحب الدعوة والرسالة نفسه لم يتضح له الامر بعد! وكأنّ ورقة هو الذي يفيض عليه الطمأنينة! والقرآن قد صرّح بأنّ النبيّ((صلى الله عليه وآله)) على بيّنة من ربّه، كما عرفت ذلك في أكثر من آية تنصّ على أن الرسل هم مصدر الهداية للناس وهم أصحاب البيّنات وليس العكس هو الصحيح، بينما يشير هذا الحديث الى أن ورقة هو الذي عرف رسالة النبيّ قبله فبعث فيه الطمأنينة.
وهذا هو الذي فتح الطريق لأهل الكتاب للغمز في رسالة النبيّ محمد((صلى الله عليه وآله)) إذ قالوا بأن نبيّكم ـ بموجب نصوصكم هذه ـ لم يطمئن الى أنه رسول من الله إلاّ بعد تطمين ورقة المسيحي له، وقد تجرأ البعض حتى ادّعى أن محمداً((صلى الله عليه وآله)) قسيس من القساوسة الذين ربّاهم ورقة استناداً إلى هذا النص الذي نقلته كتب الحديث وتداوله المؤرخون! وهذه ثغرة حصلت من الإبتعاد عن محكمات العقل والكتاب والسنة جميعاً.
وهل يصدّق بهذا عاقل عرف المنطق القرآني وتعرّف على شخصية الأنبياء في القرآن الكريم؟ وكيف يمكن له أن يؤمن بمضمون هذا النص على أنه حقيقة; لمجرد زعم انتسابه إلى عائشة زوجة النبيّ ((صلى الله عليه وآله))؟!
وثمة نصّ آخر في تاريخ الطبري هو أكثر فظاعة من هذا وأدعى للريب في محتواه حيث يذكر أن النبيّ ((صلى الله عليه وآله)) كان نائماً وجاءه الملك وعلّمه مطلع سورة العلق.. يقول النص بعد ذلك: «وهببت من نومي وكأنما كتب في قلبي كتاباً. قال: ولم يكن من خلق الله أحدٌ أبغض إليّ من شاعر أو مجنون، كنت لا أطيق أن أنظر اليهما، قال: قلت: إن الأبعد ـ يعنى نفسه ـ لشاعر أو مجنون! لا تحدّث بها عني قريش أبداً! لأعمدنّ إلى حالق من الجبل فلأطرحنّ نفسي منه فلأقتلنّها فلأستريحن. قال: فخرجت أريد ذلك حتى إذا كنت في وسط الجبل سمعت صوتاً من السماء يقول: يا محمد أنت رسول الله وأنا جبريل»(30).
إن اضطراب النبيّ وخوفه يبلغ به النهاية حتى يريد الانتحار بينما يريد الله اختياره للنبوة وهداية الناس ودعوتهم إلى الحق، فهل يتناسب ما في الرواية مع حقائق الرسالة التي هي من الوضوح بمكان ؟ !
وهكذا نستطيع أن نعرض نصوص التاريخ على محكمات العقل والكتاب والسنّة لنخرج بنتائج واضحة تاركين ما لا يصمد أمام النقد العلمي البنّاء.
وبعد ملاحظة النصوص الصريحة من الكتاب العزيز ـ إذا لاحظنا ما ورد في بعض مصادر الحديث والسيرة مما يرتبط باللقاء الأوّل للرسول ((صلى الله عليه وآله)) مع الوحي الإلهي وما رافقه من غرائب تأباها النصوص القرآنية ـ جاز لنا أن نطمئن الى تَسرُّب الإسرائيليات إليها.
ويحسن بنا أن نقارن بين هذا النص الروائي وبين نص آخر ورد في بحار الأنوار للعلاّمة المجلسي (رضوان الله تعالى عليه ) فيما يخصّ إرهاصات الوحي الرسالي وماتبعه من نتائج لوحظت على نفس الرسول ((صلى الله عليه وآله)) وشخصيته وسلوكه.
فعن الإمام علي بن محمد الهادي ((عليهما السلام)): أنّ رسول الله ((صلى الله عليه وآله)) لمّا ترك التجارة إلى الشام وتصدّق بكل ما رزقه الله تعالى من تلك التجارات كان يغدو كلَّ يوم إلى حراء يصعده وينظر من قُلله الى آثار رحمة الله، وإلى أنواع عجائب رحمته وبدائع حكمته وينظر إلى أكناف السماء وأقطار الأرض والبحار والمفاوز والفيافي، فيعتبر بتلك الآثار، ويتذكّر بتلك الآيات، ويعبد الله حقّ عبادته.
فلمّا استكمل أربعين سنة ونظر الله عزّ وجلّ إلى قلبه فوجده أفضل القلوب وأجلّها وأطوعها وأخشعها وأخضعها أذن لأبواب السماء ففتحت ومحمّد ينظر إليها، وأذن للملائكة فنزلوا ومحمّد ينظر إليهم، وأمر بالرحمة فاُنزلت عليه من لدن ساق العرش إلى رأس محمد وغرّته، ونظر إلى جبرئيل الروح الأمين المطوّق بالنور طاووس الملائكة هبط إليه وأخذ بضبعه(31) وهزّه وقال:
يا محمد اقرأ، قال: وما اقرأ ؟ قال يا محمّد (اقرأ باسم ربّك الّذي خلق * خلق الإنسان من علق * اقرأ وربّك الأكرم * الّذي علّم بالقلم * علّم الإنسان ما لم يعلم)(32).
ثمّ أوحى إليه ما أوحى إليه ربّه عزّ وجلّ ثمّ صعد إلى العلو.
ونزل محمّد ((صلى الله عليه وآله)) من الجبل وقد غشيه من تعظيم جلال الله وورد عليه من كبير شأنه ما ركبه الحمّى والنافض ... وقد اشتدّ عليه ما يخافه من تكذيب قريش في خبره ونسبتهم إيّاه إلى الجنون، وإنّه يعتريه شياطين، وكان من أوّل أمره أعقل خلق الله، وأكرم براياه، وأبغض الأشياء إليه الشيطان وأفعال المجانين وأقوالهم، فأراد الله عزّ وجلّ أن يشرح صدره; ويشجّع قلبه، فأنطق الله الجبال والصخور والمدر، وكلّما وصل إلى شيء منها ناداه: السلام عليك يا محمّد، السلام عليك يا وليّ الله، السلام عليك يا رسول الله أبشر، فإنّ الله عزّ وجلّ قد فضّلك وجمّلك وزيّنك وأكرمك فوق الخلائق أجمعين من الأوّلين والآخرين، لا يحزنك أن تقول قريش إنّك مجنون، وعن الدين مفتون، فإنّ الفاضل من فضّله ربّ العالمين، والكريم من كرّمه خالق الخلق أجمعين، فلا يضيقنّ صدرك من تكذيب قريش وعتاة العرب لك، فسوف يبلغك ربّك أقصى منتهى الكرامات، ويرفعك إلى أرفع الدرجات، وسوف ينعّم ويفرّح أولياءك بوصيّك عليّ بن أبي طالب، وسوف يبثّ علومك في العباد والبلاد بمفتاحك وباب مدينة حكمتك: علي بن أبي طالب، وسوف يقرّ عينك ببنتك فاطمة، وسوف يخرج منها ومن عليّ : الحسن والحسين سيّدي شباب أهل الجنّة، وسوف ينشر في البلاد دينك وسوف يعظّم اُجور المحبّين لك ولأخيك، وسوف يضع في يدك لواء الحمد فتضعه في يد أخيك عليّ، فيكون تحته كلّ نبيّ وصدّيق وشهيد، يكون قائدهم أجمعين إلى جنّات النعيم(33).
وحين نقارن بين هذا النص الروائي وما سبقه مما رواه الطبري نلاحظ البون الشاسع والفرق الكبير بين الصورتين عن بداية البعثة وشخصية الرسول((صلى الله عليه وآله)). فبينما كانت تصوّره الرواية الاُولى : شاكّاً ومضطرباً ـ اضطراباً ناشئاً عن الجهل بحقيقة ما يجري له! ـ تصوّره الرواية الأخيرة : عالماً مطمئناً متفائلاً بمستقبل رسالته منذ بداية الطريق . وهذه الصورة هي التي تنسجم مع محكمات الكتاب والسنّة والتاريخ .
مراحل حركة الرسالة في العصر المكي
1 ـ بناء الخلية الإيمانية الاُولى :
وبعد اللقاء الأوّل مع وحي النبوّة أخذت تتدرّج الآيات القرآنية بالنزول، ويبدو أنه بعد أن نزلت عليه الآيات الاُولى من سورة المزملّ شرع النبيّ ((صلى الله عليه وآله)) يهيّئ نفسه للخطوات التالية في طريق نشر الرسالة الإسلامية وبناء المجتمع الإسلامي، وكان عليه أن يعدّ العدّة لمواجهة الصعاب الكثيرة والمشاكل المتوقّعة، وأن يُحكم خطّته واُسلوبه في العمل.
إنّ أوّل ما بدأ به هو دعوة أهل بيته. أمّا خديجة (رضي الله عنها) فكان من الطبيعي أن تُصدّق النبيّ ((صلى الله عليه وآله)) حيث عاشرته عمراً طويلاً ووجدت فيه منتهى السموّ الأخلاقي والطهر الروحي والتعلق بالسماء.
ولم يتكلّف النبيّ ((صلى الله عليه وآله)) جهداً في دعوة ابن عمه وربيبه علي بن أبي طالب((عليه السلام)) الذي كان يحمل بين جوانحه قلباً طاهراً لم تلوّثه عبادة الأصنام قطّ، فبادر إلى التصديق به فكان أوّل القوم إسلاماً(34).
وكان اختيار النبيّ ((صلى الله عليه وآله)) لعلي صائباً وموفّقاً لما كان يملكه عليّ ((عليه السلام)) من مؤهلات الطاعة والانقياد والقوة والاندفاع في الوقت الذي كان النبيّ ((صلى الله عليه وآله)) بأَمسّ الحاجة إلى الناصر والمؤازر، فكان علي ((عليه السلام)) يمثّل ذراع النبوة في تبليغ الرسالة منذ انطلاقتها والعين الباصرة، ولسان الدعوة الناطق بها.
فأوّل من آمن علي ((عليه السلام)) حيث كان يرافق النبيّ ((صلى الله عليه وآله)) في خلواته في حراء ثمّ خديجة وهما أوّل من صلّى مع رسول الله ((صلى الله عليه وآله)) بعد أن كانا يوحّدان الله كالنبي((صلى الله عليه وآله)) متحدّيَيْنِ معه قوى الشرك والضلالة.(35) ثم التحق بهما زيد بن حارثة فكانوا هم المجموعة الخيّرة والنواة الأولى التي انفلق منها المجتمع الإسلامي .
2 ـ أدوار العصر المكّي :
لقد مرّ تبليغ الرّسالة الإسلامية على يدي النبيّ العظيم بثلاثة أدوار على الأقل حتى تهيّأت الظروف لتأسيس أوّل دولة إسلامية مباركة وهي كما يلي:
1 ـ دور إعداد القاعدة الأولى للرسالة الإسلامية. واصطلح البعض على هذا الدور بدور الخفاء أو دور الدعوة الخاصة.
2 ـ دور الدعوة المحدودة بالأقربين والصراع المحدود مع الوثنية.
3 ـ دور الصراع الشامل.
2/1 ـ دور إعداد القاعدة الاولى :
تحرك النبيّ ((صلى الله عليه وآله)) داعياً إلى الإسلام بعد أن أمره الله تعالى بالقيام والانذار(36) ساعياً لبناء كتلة إيمانية تكون بؤرة نور وإشعاع لهداية المجتمع واستمر الحال هكذا حوالي ثلاث سنين مسدّداً بالغيب معصوماً من الزلل.
وكان التحرك الرسالي هذا محفوفاً بالمخاطر والصعوبات ولكنه كان متقناً متكاملاً.
وكان من أُسلوب الرسول((صلى الله عليه وآله)) في هذه المرحلة من الدعوة أن ينوّع الاختيار من حيث الانتماء القبلي والموقع الجغرافي والعمر لأتباعه ليوضح شمولية الرسالة ويضمن لها الانتشار في المجتمع الى أقصى ما يمكن; فاستجاب له ـ في بداية البعثة ـ المستضعفون والفقراء إذ كانت الرسالة الإسلامية منطلقاً نحو التسامي والحياة الكريمة والأمان، كما استجاب له من الأشراف من كان ذا نفس طيّبة وعقل منفتح وذا نزوع إلى السلوك النزيه.
ولم يتحسّس جبابرة قريش خطورة الرسالة وحسبوا أن الأمر لايعدو تكهّنات وتأملات لها سوابق اندثرت; فلم يشدّدوا على محاربتهم للرسالة للقضاء عليها في مهدها.
وفي هذا الوقت القصير استطاع الرسول ((صلى الله عليه وآله)) أن يصوغ من النفوس التي آمنت برسالته عناصر فعالة تحمل قيم الرسالة لتنطلق بها للناس، وهم أشد حرصاً على إسلامهم وأكثر يقيناً بإيمانهم مستنكرين بذلك ما كان عليه آباؤهم من شرك وخلق منحرف حتى تزايد الاستعداد لديهم لتحمل آثار الجهر بالرسالة.
ويروى أن النبيّ ((صلى الله عليه وآله)) وأصحابه ـ في هذه الفترة ـ كانوا إذا جاء وقت العصر تفرقوا في الشِعاب فصلّوا فرادى ومثنى، فبينما رجلان من المسلمين يصليان في بعض شعاب مكّة اِذ ظهر عليهما رجلان من المشركين ـ كانا فاحشين ـ فناكراهما وعابا عليهما ما يصنعان ثم تضاربوا، وانصرفا(37).
ويبدو تكرر مثل هذه المواجهة مع المشركين(38). من هنا استعان النبيّ((صلى الله عليه وآله)) ببعض الدور للتخفي لممارسة العبادة والإتصال المنتظم به((صلى الله عليه وآله)) بعيداً عن أنظار قريش فكانت دار الأرقم بن أبي الأرقم(39) خير ملجأ للمسلمين حينئذ.
2/2 ـ دور المواجهة الاُولى وإنذار الأقربين:
وحين شاع خبر الإسلام في أرجاء الجزيرة العربية وفي الوقت الذي بلغت فيه الفئة المؤمنة المستوى الروحي الذي يؤهلها لخوض الصراع كان لابد من الانتقال الى مرحلة الإعلان العام وكانت أوّل خطواته إنذار الأقربين وذلك في مجتمع تسوده الإعتبارات القَبَليّة . فمن الأولى إنذارهم قبل إنذار الناس كافة، وهكذا نزل الأمر الإلهي قائلاً بصراحة: (وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ)(40); من هنا دعا النبيّ((صلى الله عليه وآله)) عشيرته الأقربين وأوضح لهم أمر الرسالة وهدفها ومستقبلها وكان فيهم من يرتجى خيره ويؤمّل إيمانه. ولئن نهض أبو لهب معلناً المعاداة والكراهية فقد تبنّى أبو طالب((عليه السلام)) دعم النبيّ((صلى الله عليه وآله)) وحماية رسالته.
وقد روى المؤرّخون أنّه ما إن نزلت آية إنذار العشيرة الأقربين أمر النبيّ((صلى الله عليه وآله)) عليّاً بإعداد وليمة ثمّ دعا عشيرته وكانوا أربعين رجلاً. وحين تأهب الرسول((صلى الله عليه وآله)) للحديث قاطعه عمّه عبد العُزّى ـ المعروف بأبي لهب ـ وحذّره من الاستمرار في التبليغ والإنذار، وحال دون تحقيق هدف الرسول((صلى الله عليه وآله)) فانفضّ المجلس. ولمّا كان من غد جدّد النبيّ ((صلى الله عليه وآله)) أمره لعليّ بدعوته لعشيرته وبعد أن فرغوا من الطعام بادرهم النبيّ((صلى الله عليه وآله)) بقوله: «يا بني عبد المطلب إني والله ما أعلم شاباً في العرب جاء قومه بأفضل مما جئتكم به، إني جئتكم بخير الدنيا والآخرة وقد أمرني الله عزّ وجلّ أن أدعوكم إليه فأيّكم يؤمن بي ويؤازرني على هذا الأمر على أن يكون أخي ووصيي وخليفتي فيكم؟» فسكتوا جميعاً إلاّ علي بن أبي طالب إذ نهض قائلاً: «أنا يا رسول الله أكون وزيرك على ما بعثك الله». فأمره رسول الله بالجلوس، وكرر الرسول ((صلى الله عليه وآله)) دعوته; فلم يجبه غير علي ((عليه السلام)) ملبياً الدعوة معلناً المؤازرة والنصرة. وعندها التفت رسول الله ((صلى الله عليه وآله)) الى الحاضرين من عشيرته وقال: «إن هذا أخي ووصيي وخليفتي فيكم (أو عليكم) فاسمعوا له وأطيعوا». فنهض القوم من مجلسهم وهم يخاطبون أبا طالب ساخرين: «قد أمرك أن تسمع لابنك وتطيع»(41).
2/3 ـ دور المواجهة الشاملة
ورغم احتياطات النبيّ ((صلى الله عليه وآله)) في المرحلة السابقة وتجنّبه من الدخول في مواجهة مباشرة مع قوى الشرك والوثنية فإنه كان يتعرّض خلالها للنقد واللوم اللاذع له ولبقيّة المسلمين.
وكان لدعوة بني هاشم الى الدين الجديد الأثر البالغ والذكر الشائع في أوساط القبائل العربية فقد تبين لهم صدق الدّعوة وجدّية النبوّة التي أعلنها محمّد ((صلى الله عليه وآله)) وآمن بها من آمن من أقربائه وغيرهم.
وبانقضاء السنوات الثلاث ـ أو الخمس ـ من بداية الدعوة نزل الأمر الإلهي بالصدع بالرسالة الإلهية والإنذار العام ليخرج الأمر عن الاتصال الفردي الذي كان يتمّ بعيداً عن الأنظار، لِيدعو الجميع إلى رسالة الإسلام والإيمان بالله الواحد الأحد الفرد الصمد، وقد وعد الله نبيّه ((صلى الله عليه وآله)) بتسديد خُطاه في مواجهة المستهزئين والمعاندين وذلك كما في قوله تعالى جلّ ذكره: (فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ* إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ)(42).
فتحرك النبيّ ((صلى الله عليه وآله)) صادعاً بأمر الله بثقة مطلقة وعزيمة راسخة متحدياً كل قوى الشر والشرك، وقام على الصفا ونادى قريشاً من كل ناحية فأقبلوا نحوه فقال ((صلى الله عليه وآله)): «أرأيتكم إن أخبرتكم أنّ العدو مصبحكم أو ممسيكم ما كنتم تصدقونني؟ قالوا: بلى، قال: فإني نذير لكم بين يدي عذاب شديد. فنهض أبو لهب ليردّ على رسول الله فقال: تبّاً لك سائر هذا اليوم ألهذا جمعتنا؟! ـ فأنزل الله تعالى: (تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَب وَتَبَّ )»(43).
لقد كان هذا إنذاراً صارخاً أفزع قريشاً إذ أصبح تهديداً علنياً لكل معتقداتهم وتحذيراً من عاقبة مخالفتهم لأمر الرسول ((صلى الله عليه وآله)) ... واتضح أمر الدين الجديد لأهل مكّة بل كل أطراف الجزيرة إذ أدركوا أنّ إنقلاباً حقيقياً سيحلّ بمسيرة البشرية ويرفع من شأنها في القيم والثقافة والمعايير والمواقع الاجتماعية وفق تعاليم السماء وينسف الشر من جذوره فكانت المواجهة مع قادة الشرك والطغيان مواجهة حقيقية لايمكن أن تنتهي إلى نقاط وفاق.
وخلال هذه الفترة كان دخل في الإسلام عدد من العرب وغير العرب حتى بلغوا أربعين رجلاً أو أكثر، ولم تتمكن قريش من تحطيم هذه النهضة الفتية إذ أن المؤمنين بها كانوا ينتمون إلى قبائل شتى، ومن هنا توسّلت قريش بالمواجهة السلميّة ابتداءً وحذّروا أبا طالب حامي الرسول وناصره في دعوته ورسالته.
ولكن أبا طالب ردّهم ردّاً جميلاً، فانصرفوا عنه((صلى الله عليه وآله))(44).
مراحل حركة الرسالة في العصر المدني:
تأسيس الدولة الإسلامية الاُولى
1 ـ الهجرة إلى يثرب :
لكي تتكامل حركة الرسالة وتتحقق للنبوّة أهدافها الربّانية المنشودة لابد أن تسدد وتؤيد بقوى الخير وعناصر تملك اليقين اللازم بالعقيدة وتؤثر العقيدة على نفسها وتستعد للتضحية على الدوام مع مؤهلات تصونها من الإنحراف.
لقد كان علي بن أبي طالب((عليه السلام)) ذلك العنصر الفذّ الذي قال له رسول الله ((صلى الله عليه وآله)): «يا علي إنّ قريشاً اجتمعت على المكر بي وقتلي وإنه أوحي إليّ عن ربي أن أهجر دار قومي، فنَم على فراشي والتحف ببردي الحضرمي لتخفي بمبيتك عليهم أثري فما أنت قائل وصانع؟»
فقال عليّ((عليه السلام)): أَوَ تَسلَمنَّ بمبيتي هناك يا نبي الله؟
قال: نعم، فتبسم علي ((عليه السلام)) ضاحكاً مسروراً وأهوى إلى الأرض ساجداً شاكراً لله تعالى لما أنبأه رسول الله ((صلى الله عليه وآله)) من سلامته وقال ((عليه السلام)): إمض لما اُمرت فداك سمعي وبصري وسويداء قلبي(45).
وخرج رسول الله ((صلى الله عليه وآله)) بعد منتصف الليل من داره تحيط به العناية الإلهية مخترقاً طوق قوات الشرك المحيطة بداره تاركاً عليّاً في فراشه.
وكم كانت خيبة أعداء الله حين اقتحموا دار النبيّ ((صلى الله عليه وآله)) صباحاً شاهرين سيوفهم تفوح منها رائحة الموت، ويفيض الحقد من وجوههم يتقدمهم خالد بن الوليد، فوثب علي((عليه السلام)) من مضجعه في شجاعة فائقة فارتدّ القوم على أدبارهم وتملّكتهم دهشة وذهول وهم يرون فشل تخطيطهم وخيبة سعيهم وفقدانهم للرسول((صلى الله عليه وآله)).
وتوسّلت قريش بكلّ حيلة لتردّ هيبتها الضائعة لعلّها تدرك محمداً((صلى الله عليه وآله)) فأرسلت العيون، وركبت في طلبه الصعب والذلول حتّى وضعت مائة ناقة جائزة لمن يأتي بمحمد حياً أو ميتاً. وقادهم الدليل الحاذق مقتفياً أثر قدم الرسول((صلى الله عليه وآله)) إلى باب غار ثور فانقطع عنه الأثر فقال: ما جاوز محمّد ومن معه هذا المكان، إما أن يكونا صعدا إلى السماء أو دخلا في الأرض.
وفي داخل الغار كان صاحب النبيّ((صلى الله عليه وآله)) قد غلب عليه الخوف وهو يسمع صوت رجال قريش تنادي: اُخرج يا محمد، ويرى أقدامهم تقترب من باب الغار ورسول الله ((صلى الله عليه وآله)) يقول: (لاَتَحْزَنْ إِنَّ اللّهَ مَعَنَا)(46) .
وعادت عيون قريش خائبة لأنّها لا تعلم أن النبيّ ((صلى الله عليه وآله)) في الغار بعد أن رأت العنكبوت قد نسج بيته على باب الغار وعندها بَنت الحَمامة عُشّها وباضت فيه(47).
وفي المساء التقى علي«(عليه السلام)» وهند بن أبي هالة بالنبي ((صلى الله عليه وآله)) بعد أن علما بمكانه وقد أدلى النبيّ ((صلى الله عليه وآله)) بوصاياه لعليّ((عليه السلام)) من حفظ ذمّته وأداء أمانته ـ إذ كان محمد((صلى الله عليه وآله)) مستودع أمانات العرب ـ وأمره أن يبتاع رواحل له وللفواطم ويلحق به فقال له مطَمْئِناً: «إنهم لن يصلوا من الآن إليك يا علي بأمر تكرهه حتى تقدم عليّ، فأدِّ أمانتي على أعين الناس ظاهراً ثم إني مستخلفك على فاطمة ابنتي ومستخلف ربي عليكما ومستحفظه فيكما»(48).
وبعد ثلاثة أيام حين عرف النبيّ ((صلى الله عليه وآله)) أنّه قد سكن الناس عن طلبه، تحرّك نحو يثرب يُسرع في السير ولا يعبأ بمشقة مستعيناً بالله واثقاً من نصره.
وحينما وصل منطقة (قباء) تريّث فيها أياماً ينتظر قدوم ابن عمّه علي ابن أبي طالب والفواطم عليه ليدخلوا جميعاً يثرب التي كانت تموج بالفرح والبهجة لقدوم النبيّ ((صلى الله عليه وآله)) في حين دخل صاحب النبيّ ورفيق سفره إلى يثرب تاركاً الرسول((صلى الله عليه وآله)) في قباء!
وحين وصل عليّ بن أبي طالب((عليه السلام)) منهكاً من تعب الطريق ومخاطره ـ حيث كانت قريش قد تعقّبتهم حين علمت بخروجه بالفواطم ـ إعتنقه رسول الله((صلى الله عليه وآله)) وبكى رحمةً لما به(49).
وأقام رسول الله ((صلى الله عليه وآله)) بـ (قباء) عدة أيام وكان أوّل عمل قام به هو كسر الأصنام(50) فيها، ثم أسّس مسجدهم ثم خرج يوم الجمعة فأدركته صلاة الظهر في بطن وادي (رانوناء) فكانت أول صلاة جمعة في الإسلام وخرج مسلمو يثرب بزينتهم وسلاحهم يستقبلون رسول الله ((صلى الله عليه وآله)) ويحيطون بركبه وكلٌ يريد أن يتطلّع إليه ويملأ عينيه من هذا الرجل الذي آمنوا به وأحبّوه(50).
وما كان يمر رسول الله ((صلى الله عليه وآله)) بمنزل أحد من المسلمين إلاّ ويأخذ بزمام ناقته ويعرض عليه المقام عنده وهو يقابلهم بطلاقة الوجه والبشر متجنّباً إحراج أيّ منهم وكان يقول: «خلّوا الناقة إنّها مأمورة».
وأخيراً بركت الناقة عند مربد(51) يعود لغلامين يتيمين من بني النجار أمام دار أبي أيّوب الأنصاري فأسرعت زوجته فأدخلت رحل رسول الله ((صلى الله عليه وآله)) في دارها فنزل عندهم رسول الله ((صلى الله عليه وآله)) إلى أن تمّ بناء المسجد النبوي وبيته ((صلى الله عليه وآله))(52).
وقد غيّر النبيّ ((صلى الله عليه وآله)) إسم يثرب إلى (طيبة)(53) واعتبر هجرته اليها مبدءاً للتاريخ الإسلامي(54).
2 ـ بناء المسجد النبوي:
لقد اجتاز النبيّ ((صلى الله عليه وآله)) ـ حين هاجر بالمسلمين ـ دائرة بناء الفرد. وبوصوله الى يثرب شرع في التخطيط لتكوين الدولة التي تحكمها قوانين السماء والشريعة الإسلامية السمحاء ومن ثم بناء الحضارة الإسلامية لتشمل كل الإنسانية في مرحلة ما بعد الدولة.
ومن أُولى العقبات أمام تأسيس الدولة الإسلامية وجود النظام القبلي الذي كان يحكم العلاقات في مجتمع الجزيرة، كما أن ضعف المسلمين كان لابدّ له من معالجة واقعية، فكان المنطلق بناء المسجد ليكون مكاناً لمهامّ متعددة، ومركزاً للسلطة المركزية التي تدير شؤون الدولة. وتمّ تعيين الأرض وشرع المسلمون بهمّة وشوق في العمل الجادّ لبناء المسجد وما يتطلبه من مستلزمات، وكان الرسول هو القدوة والأسوة ومنبع الطاقة التي تُحرِّك المسلمين في العمل فشارك بنفسه في حمل الحجارة واللبن، وبينما كان ذات يوم ينقل حجراً على بطنه، إستقبله اُسيد بن حضير فقال: يا رسول الله أعطني أحمل عنك قال ((صلى الله عليه وآله)): لا، إذهب فاحمل غيره.
وتمّ أيضاً بناء دار للرسول ((صلى الله عليه وآله)) ولأهل بيته ولم يكن البناء ذا كلفة كبيرة فقد كان بسيطاً كحياتهم، ولم ينس النبيّ ((صلى الله عليه وآله)) الفقراء الذين لم يجدوا لهم مسكناً يأوون إليه فألحق لهم مكاناً بجانب المسجد(55).
وأصبح المسجد مركزاً ومرتكزاً في حياة المسلمين العبادية والسياسيّة وذا دور فاعل في بناء الفرد والمجتمع.
3 ـ المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار:
ثم خطا النبيّ الأعظم((صلى الله عليه وآله)) خطوة اُخرى لإقامة الدولة الجديدة والقضاء على بعض قيم النظام القبلي من دون أن يمس القبيلة بشيء ، مستثمراً حالة التعاطف وحرارة الإيمان التي بدت من المسلمين فجعل أساس العلاقة بين الأفراد رابطة العقيدة والدين متجاوزاً علقة الدم والعصبية، فقال ((صلى الله عليه وآله)): تآخوا في الله أخوين أخوين، ثم أخذ بيد علي بن أبي طالب فقال: هذا أخي(56)، وأخذ كل رجل من الأنصار أخاً له من المهاجرين يشاركه الحياة. وبذا طوت المدينة على الصفحات الدامية من تأريخها ; إذ كانت لا تخلو أيامها من صراع مرير بين الأوس والخزرج يؤججه اليهود بخبثهم ودسائسهم وانفتح للمسلمين على العالم عهد جديد من الحياة الإنسانية الراقية حيث زرع رسول الله((صلى الله عليه وآله)) بذلك كلّ عناصر بقاء الاُمة، وفاعليتها الإيمانية.
الهوامش
*اقتبس هذا المقال من موسوعة أعلام الهداية ج1 (محمد المصطفى خاتم الأنبياء / الناشر: المجمع العالمي لأهل البيت عليهم السلام).
(1) نهج البلاغة: 311/ ضمن الخطبة 192 (الخطبة القاصعة)
(2) السيرة النبوية لابن هشام: 1 / 182، (قصه بحيرى) الطبقات الكبرى: 1 / 154 (ذكر علامات النبوّة فيه قبل أن يوحى إليه(صلى الله عليه وآله)).
(3) الطبقات الكبرى1: 126 (ذكر رعيه(صلى الله عليه وآله) للغنم)، السيرة الحلبية 1: 126 (باب رعيته(صلى الله عليه وآله) للغنم).
(4) الطبقات الكبرى 1: 129-130 (ذكر خروجه(صلى الله عليه وآله) الى الشام ثانيةً)، المنتظم لابن الجوزي2: 313 (ذكر الحوادث في سنة خمس و عشرين من مولده(صلى الله عليه وآله)).
(5) الاستيعاب 2: 116 - 117 (ترجمة زيد، رقم 848)، الوافي بالوفيات 15: 28 - 29 (ترجمة زيد رقم 32).
(6) القلم (68): 4.
(7) الشورى (42): 3.
(8) يوسف (12) : 109.
(9) الأنبياء (21) : 25.
(10) الأنبياء (21): 73.
(11) الشورى (42): 7 .
(12) الشورى (42): 13 ـ 15.
(13) الشورى (42): 17 .
(14) الشورى (42): 24.
(15) الشورى (42): 51 ـ 52.
(16) نهج البلاغة: 311 /ضمن الخطبة 192 (الخطبة القاصعة).
(17) القلم (68) : 4 .
(18) الكافي 1: 266 / ح 4 (باب التفويض الى رسول الله(صلى الله عليه وآله)).
(19) بحار الأنوار 16: 210، مجمع الزوائد 9: 15 (باب في حسن خلقه(صلى الله عليه وآله)).
(20) النجم (53) : 1 ـ 11.
(21) الأنعام (6): 57.
(22) الكهف (18): 110.
(23) الأنبياء (21): 45.
(24) الأنبياء (21): 108.
(25) طه (20) : 114.
(26) سبأ (34): 50.
(27) يوسف (12): 108.
(28) لم ينشب: لم يلبث.
(29) مسند أحمد 6: 232 - 233، (ما أسند عن عائشة).
(30) تاريخ الطبري 2: 48-49 (ذكر الخبر عمّا كان من أمرالنبيّ((صلى الله عليه وآله)) عند ابتداء نزول الوحي).
(31) الضبع: وسط العضد وفي المصدر: بضبعيه. وهزه: حركه.
(32) العلق (96): 1 ـ 5.
(33) بحار الأنوار 18: 205 ـ 208/ ح 36 نقلا عن التفسير المنسوب الى الإمام العسكري((عليه السلام)).
(34) السيرة النبوية لابن هشام : 1/245 (باب أن علي بن أبي طالب(رضي الله عنه) أوّل ذكر أسلم)، حلية الأولياء 1: 61/ (ترجمة علي بن أبي طالب(عليه السلام))، رقم 4.
(35) اُسد الغابة: 4 / 18 (في إسلام علي(عليه السلام))، حلية الأولياء: 1 / 66، (ترجمة علي(عليه السلام)) رقم 4، شرح نهج البلاغة ابن أبي الحديد: 3 / 256، مستدرك الحاكم: 3 / 112 (في إسلام علي(عليه السلام)).
(36) كما ورد في مطلع سورة المدّثر.
(37) المستدرك للحاكم 4: 52 (ذكر أروى بنت عبدالمطلب).
(38) السيرة النبوية لابن هشام: 1 / 263 و282 (خروج الرسول بأصحابه الى الشعاب).
(39) المستدرك للحاكم 3: 502 (ذكر مناقب الأرقم)، السيرة الحلبية 1: 283، (باب استخفائه(صلى الله عليه وآله) في دار الأرقم).
(40) الشعراء (26) : 214.
(41) روى هذا الحديث أرباب السير و التواريخ بألفاظ متفاوتة، راجع تاريخ الطبري 2: 62 - 63 (ذكر أوّل من أسلم)، الكامل في التاريخ 2: 62 -63 (ذكر أمر الله فيه(صلى الله عليه وآله) بإظهار دعوته)، شرح النهج لابن أبي الحديد 13: 210 - 211 (ذكر خبر الوزارة)، السيرة الحلبية 1: 285 - 286 (باب استخفائه(صلى الله عليه وآله) وأصحابه).
(42) الحجر (15): 94 ـ 95.
(43) المناقب لابن شهر أشوب : 1 / 46 (فصل في مبعث النبيّ(صلى الله عليه وآله))، تاريخ الطبري 2: 62 (ذكر أوّل من أسلم)، الكامل في التاريخ 2: 60-61 (ذكر أمر الله فيه (صلى الله عليه وآله) بإظهار دعوته).
(44) السيرة النبوية لابن هشام1: / 265 (وفد قريش مع أبي طالب(عليه السلام))، تأريخ الطبري2: 64-65 (أمر الله بالصدع بالدعوة)، الكافي في التاريخ 2: 63 (ذكر أمر الله فيه(صلى الله عليه وآله) بإظهار الدعوة).
(45) أمالي الطوسي: 465 - 466 / ح 1031، المناقب لابن شهر آشوب 1: 183 (فصل في هجرته(صلى الله عليه وآله))، بحار الأنوار 19: 60/ ح 18. و قد أورده البعض بألفاظ مختلفة ومختصرة.
راجع مسند أحمد 1: 331 (ما أسند عن عبدالله بن عباس)، خصائص أمير المؤمنين للنسائي: 63 (قول النبيّ إنّ الله لا يخزي عليّاً أبداً)، المستدرك للحاكم 3:4 (كتاب الهجرة). و هناك مصادر كثيرة تجد ذكرها في إحقاق الحقّ 3: 23 - 45.
(46) التوبة (9): 40.
(47) راجع الخرائج والجرائح 1: 144-145 / ح 231-232، بحار الأنوار 19: 73-74 / 26.
(48) أمالي الطوسي: 467-468 / 1031، حلية الأبرار 1: 146-147، ب 15، ح 1، بحار الأنوار 19: 62 / 189.
(49) راجع الكامل في التاريخ: 2 / 106 (ذكر هجرة النبيّ(صلى الله عليه وآله)).
(50) البدء والتاريخ: 4 / 176 ـ 177.
(51) وصل النبيّ((صلى الله عليه وآله)) مدينة يثرب في 12 ربيع الأوّل، راجع الكامل في التاريخ 2: 107 (ذكر هجرة النبيّ(صلى الله عليه وآله)).
(52) المربد: كلّ موضع للإبل، كتاب العين للفراهيدي 8: 31.
(53) إعلام الورى بأعلام الهدى1: 154 - 155 (فصل 8 من باب 3)، المناقب لابن شهر آشوب 1: 185-186 (فصل في هجرته(صلى الله عليه وآله))، السيرة النبوية لابن هشام 2: 494 - 496، الطبقات الكبرى 1: 236 - 237 (ذكر خروجه(صلى الله عليه وآله) الى المدينة).
(54) تاريخ المدينة المنوّرة، عمر بن شبة النميري 1: 163 - 165 (الرسول يغيّر الاسم من يثرب الى طابة).
(55) تاريخ الطبري2:110-112 (ذكر الوقت الذي عمل فيه التاريخ)، البداية والنهاية لابن كثير 3: 251 (وقائع السنة الأولى من الهجرة).
(56) إعلام الورى بأعلام الهدى 1: 159 (فصل 8 من الباب 3)، بحار الأنوار 19: 112/ح 1.
(57) المناقب لابن شهر آشوب 2: 185 (فصل في الأُخوة مع النبيّ(صلى الله عليه وآله))، السيرة النبوية لابن هشام 2: 504 - 505 (المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار).
معهد اسرائيلي: أميركا ستضطر لتقديم الكثير من التنازلات في حال الحوار مع إيران
في تقرير له ناقش العلاقات "الإسرائيلية" الأميركية، ذكر معهد "دراسات الأمن القومي" الصهيوني أنه بالنظر إلى أن الولايات المتحدة ستضطر ـ في حال الحوار مستقبلا مع إيران ـ لتقديم الكثير من التنازلات، فإن نزاعات ومساجلات ستنشب بين أميركا و"إسرائيل" على خلفية ملفات عديدة منها "المظلة النووية"، ومذكرة التفاهم، وغيرها من الاتفاقيات غير الرسمية.
وأشار التقرير الذي أعده فريق بحث برئاسة "اود أران" إلى ثبات العلاقات الأميركية الإسرائيلية على مدى التاريخ رغم بعض التحديات، موضحا أن الزيارة الأخيرة للرئيس الاميركي باراك اوباما في مارس 2013، وعلى الرغم من فتحها لصفحة جديدة من العلاقات بين الطرفين، إلا أنها لم تستطع حل الخلافات بينهما حول قضايا من قبيل فلسطين والملف النووي الإيراني.
واستعراضا لبعض افاق السياسة الخارجية والدفاعية الأميركية، من قبل التركيز على الشرق الأقصى وتأثير الضغوط لتقليص الموازنة على التواجد العسكري الأميركي، أوضح التقرير أن الاضطرابات في بعض دول الشرق الأوسط جعلت أميركا في حيرة من أمرها بين دعم الحكومات الجديدة والشعوب الثائرة أو عدم دعمها، مضيفا: "على الرغم من كل تلك المشاكل لم تقرر أميركا لحد الآن ترك المنطقة".
وتنويها بعلاقات الزعماء الأميركان والصهاينة أكد المعهد أنه لا ينبغي توقع تحسن العلاقات بين "اوباما" و"نتانياهو" محذرا من أن استمرار البرود بين مسؤولي الجانبين لن يسهم أبدا في تحسين علاقاتهما وعليهما أن يسعيا لحل التوتر قبل وقوع أي كارثة.
وفيما يرتبط بالقضية الفلسطينية وإصرار أميركا على التدخل من خلال السعي لحل مشاكل الفلسطينيين الاقتصادية والغذائية لإقناع الزعماء الفلسطينيين بالجلوس إلى طاولة المفاوضات شدد المعهد على أنه إذا رفعت أميركا دعمها عن الكيان الصهيوني فسيتعرض الأخير لأزمة حقيقية ستؤثر على مسألة ترسيم الحدود وسيوتر العلاقات بينه وبين الولايات المتحدة.
أما فيما يتصل بالملف الإيراني فقد أوضح التقرير أن السياسة الأميركية تتسم باجتناب أي تدخل عسكري واللجوء إلى الحلول الدبلوماسية وفرض الحظر الشديد لأن أميركا وبعد حربي العراق وأفغانستان ليست مستعدة للدخول في حرب عسكرية باهضة الثمن.
وكشف المعهد عن اختلاف في وجهات النظر بين أميركا وكيان العدو في هذا الشأن حول ما سيلي السيناريوهات غير العسكرية في حال فشلها ومن هو الطرف البادئ بالضربة وما هو توقيتها وكيفيتها وأردف قائلا: "على "إسرائيل" أن لا تسمح بانجرار أميركا لتوقيع معاهدات غير محبذة مع الجانب الإيراني يردعها عن ضرب إيران مما سيرغم "إسرائيل" إما على ضرب إيران عسكريا أو الموافقة على برنامجها النووي (...) على "إسرائيل" أن تظهر بوضوح أن خيار ضرب إيران سيكون خطرا للغاية".
وأوصى التقرير بضرورة تقريب وجهات النظر الصهيونية والأميركية حول قضايا المنطقة كسقوط بعض الحكومات العربية مردفا: "إذا سعت أميركا لتحسين العلاقات بين "إسرائيل" وتركيا ـ التي لا يبدو أنها ستتحسن في المدى القريب ـ فعلى "إسرائيل" أن تغض الطرف عن بعض القضايا كعلاقات تركيا بحركة حماس".
مستشار اوباما السابق: على واشنطن الاذعان بحقوق ايران النووية
أقر المستشار السابق للرئيس الأميركي "دنيس روس" أن الضغوط الاقتصادية لم تنجح في تغيير مسار البرنامج النووي الإيراني، ولا بد من اتباع استراتيجية جديدة تضمن حقوق إيران النووية السلمية وتخصيب اليورانيوم في إطار محدود.
نشرت صحيفة "واشنطن بوست" تحليلاً حول استراتيجية الولايات المتحدة الأميركية تجاه النشاطات النووية للجمهورية الإسلامية بقلم كل من "دينس روس" المستشار السابق في معهد سياسة الشرق الأدنى في واشنطن وأحد مستشاري الرئيس الأميركي باراك أوباما منذ عام 2009 حتى عام 2011، و"ديفيد مكوفيسكي" أحد أعضاء المعهد المذكور.
جاء في جانب من هذا التحليل: «في الوقت الذي تستقطب الأزمة السورية أنظار المجتمع الدولي نحوها فإن البرنامج النووي الإيراني يتواصل على قدم وساق وتم نصب جيل جديد من أجهزة الطرد المركزي التي تقوم بإنتاج اليورانيوم المخصب أسرع من السابق، كما توقفت المحادثات مع مجموعة الستة. والضغوط الاقتصادية بدورها قد أدت إلى تأزيم الأوضاع في إيران أكثر من السابق لكنها لم تفلح في عرقلة البرنامج النووي، لذا قد يحين الوقت لاستخدام القوة العسكرية ضد إيران. فلو قررت الإدارة الأميركية منح إيران فرصة دبلوماسية أخيرة فلا بد لها من تغيير استراتيجيتها في المحادثات أيضاً لزرع أواصر الثقة، وذلك عن طريق منح طهران بعض الحوافز في برنامجها النووي في إطار سلمي والتعامل معها بوضوح».
وزعم الكاتبان أن اتفاقاً محدوداً في هذا الصدد وتقليص نطاق إنتاج اليورانيوم الذي يتم تخصيبه بنسبة 20 بالمائة من شأنه ردع الجمهورية الإسلامية عن إنتاج وقود كافٍ لإنتاج سلاح نووي، وإدعيا أن طهران لا تزال تواصل نصب أجهزة الطرد المركزية من الجيلين الأول والثاني، وحتى لو قرر المجتمع الدولي منعها من تخصيب اليورانيوم أو تحديد ذلك فإنها قادرة على انتاج أربع أو خمس قنابل نووية اعتماداً على اليورانيوم المخصب بدرجة متدنية.
واقترح الكاتبان على الإدارة الأميركية وحلفائها الغربيين تغيير استراتيجيتهم قبل الانتخابات الرئاسية المزمع عقدها في الجمهورية الإسلامية في الرابع عشر من شهر حزيران / يونيو المقبل، بما في ذلك عدم معارضة امتلاك طهران طاقة نووية غير عسكرية بمعنى تخصيب اليورانيوم بشكل محدود وتحت رقابة دقيقة، وهذا الأمر من شأنه ردعها من امتلاك أسلحة نووية تهدد العالم-حسب زعمهما.
اختتام مؤتمر طهران حول سوريا بالدعوة للحوار ورفض التدخل
اختتم مساء الاربعاء في العاصمة الايرانية الاجتماع الدولي حول الأزمة السورية بمشاركة أكثر من أربع وأربعين دولة ومنظمة دولية، واكد المجتمعون في بيانهم الختامي أن الحل في سوريا سياسي رافضين التهديدات العسكرية.
واشار وزير الخارجية الايراني علي اكبر صالحي في مؤتمر صحفي عقب اختتام اجتماع اصدقاء سوريا في طهران، الى الكلمات التي القيت في اجتماع اليوم والتوصل الى نقاط مشتركة وقال: لقد اكد المشاركون في المؤتمر على ضرورة تعزيز الحوار الوطني باعتباره الطريق الوحيد لحل الازمة السورية.
ولفت الوزير صالحي الى ان الاجتماع شدد على رفض اي تدخل اجنبي والاعتداء على الاراضي السورية وقتل المواطنين، مؤكدا ضرورة وقف العنف في سوريا واستتباب الامن والاستقرار بالمنطقة.
وكان مؤتمر طهران قد انطلق بعد ظهر الاربعاء الماضي بكلمة وزير الخارجية الايراني الذي اكد خلال افتتاحه المؤتمر ان ما يجري في سوريا سيؤدي الى انعدام الاستقرار في المنطقة والعالم.
وطالب الوزير صالحي بالحوار السياسي بدلا من الحل العسكري لتجاوز الازمة السورية، واصفاً مؤتمر طهران الدولي حول سوريا بانه كان جيدا حيث شاركت فيه وفود من 44 بلدا ومنظمة دولية ما يدل على ازدياد عدد الدول التي تريد حل الازمة السورية سلمياً.