
Super User
عندما بكت "أم الدنيا" على إبنها الشهيد حسن شحاته
في الليلة التي أسقط فيها الشعب المصري نظام حسني مبارك، وتحديدا في اللحظة التي تلا فيها عمر سليمان بيان تنحي الرئيس عن السلطة ، كتبت مقالا تحت عنوان "المصريون هم من بنى الاهرامات!!".
قلت في جانب من ذلك المقال "منذ وقت طويل والجدل قائم حول هوية الجهة التي بنت الاهرامات في مصر، الا ان الايام المحصورة بين الخامس والعشرين من كانون الثاني/يناير والحادي عشر من شباط/فبراير 2011، اغلقت ملف هذا الجدل والى الابد.
هناك من كان يشكك قبل هذا التاريخ، بأن المصريين هم الذين بنوا الاهرامات، لماذا؟ لان الاهرامات معجزة بمعنى الكلمة، ومن المستحيل ان يكون هذا البناء المعجز هو من صنع البشر، البعض قال انه من فعل النبي ادريس مدعوما بقوة غيبية، البعض الاخر تواضع وقال انه من عمل عمالقة قوم عاد، فيما شطح الخيال بالبعض الاخر ووجد ضالته في كائنات فضائية غير بشرية نزلت على الارض وبنت الاهرامات.
الا ان المصريين ومنذ اليوم اغلقوا هذا الجدل نهائيا والى الابد، واكدوا بما لايقبل الشك انهم لاغيرهم من بنى هذه الاهرامات، وكل ما قيل في هذا الشأن باطل لا أساس له، وأما الدليل العيني والملموس على ذلك فقدموه خلال 17 يوما، دليل اكد عبقرية هذا الشعب صانع التاريخ والحضارات والاهرامات، ففي هذه الايام قام هذا الشعب بعمل معجز لا تقل هندسة اعجازه شيئا عن اعجاز هندسة الاهرامات، فاسقط خلالها وبهندسة ذكية لا يحسنها الا هو، اخر فراعنته، ويكون بذلك قد تجاوز مرحلة بناء المقابر لفراعنته وبدأ مرحلة تسخير عبقريته لهندسة مستقبله الذي لن يكون في اي حال من الاحوال أقل روعة من روعة اهراماته".
ما ذكرته في ذلك المقال لم يكن الا جانبا من اعجاب قديم اكنه، كما يكنه جميع مثقفي العالم مهما اختلفت مشاربهم وتوجهاتهم، لمصر واهلها وازهرها وعلمائها وفلاسفتها ومفكريها وكتابها ومثقفيها وصحفيها وفنانيها وحضارتها وثقافتها وروحها الوثابة المعتدلة.
للاسف، واكرر اسفي، انه لم يمر وقت طويل على تاريخ كتابة هذا المقال حتى صُدمت، وانا اشاهد مذهولا شريطا مصورا، قصيرا في مدته، كارثيا في مضمونه، نزل علي كوقع الصاعقة، وهو يصور جريمة شنعاء ارتكبت قبل كل شىء ضد التاريخ والحضارة و ضد "أم الدنيا" بالذات.
هذه الجريمة للاسف وقعت في مدينة الاهرام ذاتها التي بدأ منها التاريخ وانطلقت منها الحضارة، فاذا بي اشاهد مجاميع من الغوغاء وهي تقوم باخراج اربعة رجال من الشيعة المسلمين المصريين، بينهم الشيخ حسن شحاته، من احد البيوت، الذين اجتمعوا فيه بمناسبة دينية، بعد ان حطموا جدرانه وانهالوا عليهم بالضرب الوحشي حتى فقدوا الوعي، ثم قاموا بسحلهم وهم احياء، وغطت اجسادهم العارية الدماء، البعض انهال عليهم ضربا بالعصي والسكاكين والحجارة، وهم يهتفون "الله اكبر" و"كفار"، حتى لفظ الرجال انفاسهم الاخيرة.
واراد بعض الغوغاء صلبهم على اعمدة الكهرباء ليكونوا عبرة للاخرين، الا ان الفكرة لم ترق للبعض واكتفوا برمي جثثهم في شاحنات تابعة للشرطة التي كانت تتفرج على مايحدث، كما اكد اكثر من شاهد عيان.
**حقا ان ماجرى وقع في مصر؟
الحقيقة لم يخطر ببالي ان تشهد مصر مثل هذه الاحداث الوحشية يوما، حتى انني كنت اكذّب نفسي مرارا، ان يكون هذا الذي يجري يجري في مصر، وانا اشاهد هذا الشريط الكارثي. فهذا الفعل الشنيع هو انسلاخ كامل عن مصر وثقافتها، وان من فعلها لا يمت باي صلة لروح مصر وتاريخها، وكنت اقنع نفسي ان الذي قام بهذه الفعلة الشنيعة هم اناس اندسوا بين المصريين وليسوا من اهل مصر.
لكن للاسف الحقيقة لم تكن كذلك، فالجريمة ارتكبها بعص المصريين من الذين مسخت شخصيتهم بفعل عوامل تراكمت منذ سياسة الانفتاح التي انتهجها الرئيس المصري الاسبق محمد انور السادات في بداية سبعينيات القرن الماضي، عندما هاجر مئات الالاف من المصريين للعمل في بلدان الخليج الفارسي لاسيما السعودية، وعادوا للاسف الى البلاد بعد سنوات من الغربة وهم يحملون في حقائبهم الاموال وفي عقولهم قراءة غريبة عن القراءة الازهرية المصرية عن الاسلام.
وهذه الحقيقة المرة اعترف بها غالبية المثقفين المصريين وحذروا من خطورتها على المجتمع المصري، الا ان تحذيراتهم كانت صرخة في واد، في ظل ضجيج الانفتاح والازمة الاقتصادية وسحر الدولار النفطي، بالاضافة الى عدم وجود تيار فكري قوي يمكن ان يتصدى للقراءة المشوهة للاسلام ويكشف خطورتها، الى ان وصل الامر ان تنتشر ظاهرة السلفية، بشتى اشكالها، في المجتمع المصري كظاهرة معترف بها الى جانب الازهر.
الظاهرة السلفية التكفيرية المتشبعة بالفكر الوهابي، والبعيدة كل البعد عن الفكر الازهري المصري، وانطلاقا من دينها المطبوع على التكفير والخلاف ونفي الاخرين جملة وتفصيلا، لم تجد لديمومة وجودها سوى التحريض ضد المسلمين الشيعة، الذين اعتبرتهم الحلقة الاضعف من مجموع اعدائها وهم كثر من الازهريين والقوميين واللبراليين والمثقفين وحتى جماعة الاخوان المسلمين، فاخذت موقف الهجوم ضد المسلمين الشيعة، لاسيما بعد انتصار الثورة المصرية عام 2011، حيث انطلقت العشرات من الفضائيات السلفية وهي تنفخ ليل نهار بنار الفتنة المذهبية وتصف الشيعة المسلمين بابشع النعوت، اقلها وقعا هو وصف السلفي محمد حسان للشيعة المسلمين بـ"الروافض الاجناس" ودعا اخرون على وقع التصريحات المتطرفة والبغيظة للشيخ يوسف القرضاوي ضد المسلمين الشيعة، حيث دعا سلفيون الى رصد المسلمين الشيعة في مصر والقضاء عليهم وتطهير البلاد منهم.
**لماذا سكت مرسي على فتاوى تكفير الشيعة؟
اما القشة التي قصمت ظهر وحدة النسيج الاجتماعي في مصر هي ذلك المؤتمر الذي عرف بمؤتمر الصالة المغطاة حول نصرة سوريا والتي حضرها جهابذة السلفيين والتكفيريين بالاضافة الى الرئيس المصري محمد مرسي، حيث تم قرع طبول الحرب في المؤتمر ضد المسلمين الشعية، بعد ان اخرجوهم من الملة والدين، وقال الشيخ السلفي محمد عبد المقصود مخاطبا الرئيس المصري مرسي: "مهما استطعنا أن نستغى عن هؤلاء الأنجاس الذين لا يعترفون بالنبي وآل بيته فلنفعل، وأعلم أن التركة ثقيلة، ولكنها عواطف أحببت أن اسمعها للسيد الرئيس".
اما الرئيس المصري، الذي بدأ منذ تولية السلطة مغازلة السلفيين وحتى الجماعة الاسلامية التي وضعت للتو السلاح جانبا، بهدف تشكيل جبهة موحدة ضد معارضية، واخذ يبتعد شيئا فشيئا عن القوى الحقيقية التي فجرت الثورة، بدى في هذا الموتمر اكثر ميلا الى حلفائه عندما ايد ضمنيا تكفيرهم للشيعة بعد ان صمت ازاء كل تصريحاتهم الشاذة، لاسيما عندما اعلن قطع علاقات بلاده بسوريا واغلاق السفارة السورية في القاهرة وسط تاييد السلفيين، في الوقت الذي مازال العلم الاسرائيلي يرفرف فوق ارض الكنانة بمكان غير بعيد عن منصة خطاب مرسي.
مشاركة مرسي في مؤتمر نصرة سوريا الى جانب السلفيين والجاهديين تحت الصالة المغطاة لم تكن الاولى فقبل ذلك شارك في مؤتمر عقد في القاهرة ايضا حضره اكثر الشخصيات كراهية للشيعة في مقدمهم القرضاوي والعريفي وحسان ومن لف لفهم، حيث كفروا الجميع واستثنوا انفسهم.
بعد مؤتمر الصالة المغطاة في ملعب، او "الصالة الفضيحة" كما يسميها بعض المصريين، وجدت الفتاوى التكفيرية التي انطلقت من تحتها وبحضور الرئيس المصري، وجدت طريقها الى التطبيق على الارض، وذلك عندما حرض السلفيون بعض الغوغاء للهجوم على منزل في حي الهرم بقرية ابو مسلم بمحافظة الجيزة في مصر يوم الأحد الموافق 23 يونيو 2013، فقتلوا الشيخ حسن شحاته وثلاثة اخرين، ومثلوا بجثثهم.
**الجميع استنكر الجريمة وحملوا الحكومة مسؤوليتها
الازهر، وللاسف الشديد، الذي اجتمع يوما الى السلفيين بهدف الوصول الى حل ناجع لكيفية التصدي للمد الشيعي وبناء الحسينيات في مصر، لم يجد مفرا من وصف جريمة قتل اربعة من اتباع اهل البيت (عليهم السلام) بانها من اكبر الكبائر واشد المنكرات التي يحرمها الشرع الحكيم ويعاقب عليها القانون ويحرمها الدستور.
وأكد الأزهر على حرمة الدماء وأن الإسلام ومصر والمصريين لا يعرفون القتل بسبب العقيدة أو المذهب أو الفكر وتلك الأحداث غريبة عليهم، ويراد بها النيل من استقرار الوطن في هذه اللحظات الحرجة وتجرنا إلى فتن لابد أن ننتبه لها جميعا حكومة وشعبا.
اما الكاتب حسنين هيكل فقال، أن تلك الواقعة أساءت لصورة مصر أمام العالم، والرئيس يتحمل جزءا من مسؤولية التحريض على قتل الشيعة، مؤكداً أنه لم يكن يجوز للرئيس الحديث على الشيعة.
اما حزب التحالف الشعبي الاشتراكي بالمنيا، اصدر بيانا حمل فيه الرئيس محمد مرسي، مسؤولية تأجيج الصراع "السني - الشيعي" في مصر، بسبب مهاجمة الشيعة في مؤتمر "نصرة سوريا".
وذكر بيان الحزب، "أن الخطاب الديني المتطرف، وإسلام الصحراء الوهابي، هو ما تسبب في مقتل 4 من الشيعة، فتوصيف المسلمين الشيعة من مشايخ الصحراء بأنهم أنجاس أمام رئيس الدولة هو الذي حرض الأغبياء على القتل"، بحسب البيان.
ووجه البيان رسالة لمرتكبي الواقعة، جاء فيها "يا تجار الدين هذا الفعل عار عليكم وعلى فهمكم للإسلام، وعار على مصر والإسلام أن نحمي هذه الأفكار من مصريين جهلة، فالإرهابيون وتجار الدين هم المسؤولون عما حدث بسبب بثهم لأفكار دموية".
وقال بيان حزب التحالف الشعبي الاشتراكي بالمنيا، لرئيس الجمهورية، "الشيعة مسلمون، والأزهر بناه شيعة وظل يدرس مذهبهم لمائتي عام، ويعترف بمذهب الإثنا عشرية الجعفرية، ولعلك يا مرسي لا تعرف أن قانون الأحوال الشخصية المصري استعان ببعض الآراء الفقهية الشيعية في باب المواريث، ولم يبق سوى أن نرى التفجيرات في المساجد كما يحدث في العراق وباكستان وسوريا".
اعتبر رئيس حزب العمل الإسلامي الجديد مجدي أحمد حسين: بأنه حادث خطير سيدخل مصر في مرحلة جديدة، واصفا عملية قتلهم بأنها أمر حقير ودنيء وجديد على مصر. هذا الحادث كان حادثا صادما ومؤلما وخطيرا وعلامة من علامات التحول الى مرحلة في منتهى الخطورة على أرض مصر، وانا حذرت منذ عدة شهور من سيناريو الإغتيالات وهذا الأمر هو أخطر ما في هذا الموضوع لأنه ليس حادثا منعزلا".
من جهته قال الدكتور محمد البرادعي رئيس حزب الدستور الليبرالي المعارض في تغريدة على صفحته على موقع تويتر ان "قتل وسحل مصريين بسبب عقيدتهم نتيجة بشعة لخطاب ديني مقزز ترك ليستفحل".
كما اتهمت منظمة هيومن رايتس ووتش التي تعني بحقوق الانسان جماعة الاخوان المسلمين الحاكمة في مصر بالتحريض على الكراهية الدينية التي أدت الى قتل أربعة مسلمين شيعة خارج نطاق القانون.
وقال جو ستورك مدير ادارة الشرق الاوسط بمنظمة هيومن رايتس ووتش ومقرها نيويورك "القتل الطائفي الوحشي خارج نطاق القانون لاربعة من الشيعة يأتي بعد عامين من خطاب كراهية معاد لأقلية دينية تغاضت عنه جماعة الاخوان المسلمين ..بل وشاركت فيه أحيانا".
وقالت المنظمة "الرد الرسمي ازاء اعمال القتل يعكس تقصيرا كبيرا بشأن الاجراءات اللازمة لحماية الشيعة في مصر من التعرض لهجوم في المستقبل وحماية حقهم في الحرية الدينية".
**لماذا بكت "ام الدنيا" على إبنها الشهيد حسن شحاته؟
العارفون بكواليس المشهد السياسي المصري وانطلاقا من المامهم بافكار وتوجهات الجماعات التي تلبس لبوس الاسلام ، يؤكدون ان هذه الجريمة التي ارتكبت وبهذا الشكل الفظيع في الجيزة، ليست الا مقدمة لما ينتظر مصر وشعبها، من ويلات وكوارث.
فالذي حدث من قتل همجي للشيخ حشن شحاته، اراد مرتكبوه ان تكون بروفة ودرسا عمليا في كيفية قتل القيم والاخلاق والروح المصرية السمحة في نفوس ابناء مصر، وجعل مشاهد السحل والتمثيل بالجثث مشهدا مألوفا، حتى تستوطن هذه المشاهد النفوس وتصبح بحكم الواقع المعاش، كما اصبحت الظاهرة السلفية من قبل واقعا معاشا في المجتمع المصري بعد ان كانت نتوءا شاذا، لذلك يتخوف العارفون بدهاليز هذه الجماعات ان تتكرر مشاهد القتل ولكن بطرق ابشع واشنع، والهدف الاول والاخير قتل ابناء "ام الدنيا" الاصلاء اذا لم يكن بالامكان سلخهم عن تقاليدهم وعاداتهم وقيمهم التي وروثوها عن امهم "ام الدنيا" ...
لهذه الاسباب وغيرها ذرفت وتذرف "ام الدنيا" الدموع على ابنها البار الشيخ حسن شحاته، فهي تعرف حق المعرفة انه لن يكون الاخير، فهناك من يتربص بأبنائها النجباء، فهي تحس بألم حز السكين قبل ان تصل الى رقاب ابنائها ... فهي تسمع صوت عاصم عبد الماجد العضو القيادي في الجماعة الإسلامية المتحالفة مع جماعة الإخوان مخاطبا مؤيديه، إن تظاهرات 30 يونيو "مكيدة" دبرها "عملاء وخونة"، وان هؤلاء وضعوا رقابهم تحت المقصلة ولا بد أن ندوس الآن على السكين ... بعد كل هذا الا يحق ل"ام الدنيا" ان تبكي على ابنائها.
**بقلم ماجد حاتمي
دعوات لرحيل مرسي من السلطة طوعا او كرها
تتواصل الاحتجاجات في العاصمة المصرية القاهرة وبقية المدن الاخرى، حيث تطالب المعارضة بتنحي الرئيس مرسي واجراء انتخابات مبكرة في وقت تتمسك جماعة الاخوان المسلمين بشرعيته.
وفي وقت دعت جبهة الانقاذ المعارضة لمواصلة الاعتصام حتى رحيل مرسي، اعلنت الرئاسة المصرية أنها تبذل جهودا للتغلب على حالة انسداد الافق السياسي في البلاد.
واعلنت مصادر طبية مقتل سبعة اشخاص وجرح العشرات في اشتباكات بين مؤيدين ومعارضين لمرسي في عدة محافظات .
القيادي في جبهة الإنقاذ الوطني المصرية حمدين صباحي دعا الجيش الى التدخل اذا لم يستجب الرئيس محمد مرسي لارادة الشعب التي تطالبه بالرحيل.
وقال صباحي إن هناك احتمالين، الاول أن يستجيب مرسي طائعا لارادة الشعب المصري التي برهن عليها في الساحات أو أن يرفض، فيضطر للاستجابة مكرها.
واوضح أن انصياع مرسي لهذه الارادة سيؤمن له مخرجا آمنا ولجماعة الاخوان المسلمين.
من جانبه، حث زعيم حزب النور السلفي يونس مخيون الرئيس مرسي على تقديم تنازلات لتجنب اراقة الدماء واعلن استعداده للقيام بدور الوساطة مع المتظاهرين.
وقال مخيون في مقابلة صحفية إنه يتعين على الرئيس مرسي تقديم تنازلات حتى اذا كانت صعبة ومريرة لحقن دماء المصريين.
وعبر عن قلقه من حصول تصعيد يتجه فيه الشارع الى المواجهات المسلحة.
واكد أنه لم يعد بامكان مرسي اجتياز الاحتجاجات ببساطة مثلما حدث في السابق وعبر عن اعتقاده بأن مرسي قد يجبر على اجراء استفتاء حول بقائه في السلطة.
إنتل ست ويوتل ست يحجبان القنوات الإيرانية ومنها العالم
أوقفت أقمار "إنتل سات" و"يوتل ست" و"غالاكسي" الاصطناعية ابتداءاً من اليوم بث القنوات الإيرانية؛ ومنها قناة العالم الإخبارية.
وكان مسؤولون في الشركة المكلفة بعرض الخدمات لقمر" إنتل سات " الصناعي التي تتخذ من " لوكزامبورغ " مقراً لها، قد بعثوا بخطاب لمكتب وكالة أنباء الإذاعة والتلفزيون للجمهورية الإسلامية في إيران، أوضحوا فيه أن الحظر الأميركي غير القانوني ضد إيران هو السبب الرئيس وراء إيقاف بث القنوات الإيرانية على هذا القمر.
وأضافوا أنه سيتم إيقاف القنوات الإيرانية "العالم" الناطقة باللغة العربية و"برس تي في" الناطقة باللغة الانجليزية و" هيسبان تي في " الناطقة باللغة الاسبانية اعتباراً من اليوم الأول من شهر يوليو/تموز 2013.
وادعى المسؤولون بهذه الشركة أنه يجب عليهم "تنفيذ" الحظر الأميركي المفروض ضد جمهورية إيران الإسلامية، إلا أن "مايكل مان" المتحدث باسم منسقة السياسة الخارجية الأوروبية "كاترين أشتون" قال في هذا الصدد خلال مقابلة أجرته معه قناة "برس تي في" الفضائية الإيرانية، إن الحظر الذي تم فرضه ضد الجمهورية الإسلامية في إيران لايشمل القطاع الإعلامي.
يذكر أن الدول الأوروبية مارست ضغوطاً شديدة على قناة "برس تي في" والقنوات الإيرانية الأخرى منذ يناير/كانون الثاني الماضي حيث طلبت من الشركات التي تقوم بعرض الخدمات للفضائيات، إيقاف بث القنوات الإيرانية وذلك استمراراً لنهجها العدائي ضد إيران.
وقالت شركة "إنتل ست" إنها ستمتنع، بضغط من الحكومة الأميركية، عن تمديد رخصة الإذاعة والتلفزيون الإيراني، وستقوم بوقف بث القنوات الإيرانية إبتداءً من 1 يوليو، وذلك في خطوة جديدة ضمن سياسة محاربة الأصوات المناصرة للمظلومين والمعادية للاستكبار العالمي والكيان الإسرائيلي، من قبل مدعي حرية التعبير.
وأعلنت "إنتل ست" في التاسع عشر من يونيو أن الإدارة الأميركية أمرتها بعدم تمديد رخصة الإذاعة والتلفزيون الإيراني، ولذلك فإنها وانطلاقاً من 1 يوليو ستوقف بث القنوات الإيرانية.
واعتبر المحلل السياسي رالف شوينمان في تصريح لقناة "برس تي في" أن مكتب الأمن القومي الفدرالي في أميركا ضغط على الشركة المشغلة للأقمار الاصناعية "إنتل ست" لقطع بث القنوات الإيرانية من على قمرها.
وأضاف شوينمان أن حجب القنوات الإيرانية مرتبط بشكل مباشر بالنشاطات التجسسية لوكالة الأمن القومي الأميركية.
ويرى شوينمان أن الهدف من هذه الخطوة الأميركية هو حجب الحقيقة عن الناس في خصوص نشاطات وعمليات هذا البلد.
يشار إلى أن شركة "يوتل سات"(Eutelsat) المشغلة للأقمار الصناعية قررت حجب ترددات باقة القنوات الإيرانية مبررة ذلك بأنها خطوة تأتي في إطار تطبيق الحظر الأوروبي ضد رئيس جهاز الإعلام الوطني عزت الله ضرغامي، ومن بين القنوات التي تم حجبها، قناة "العالم" الناطقة بالعربية، وقناة "برس تي في" الناطقة بالإنجليزية، وقناة "هيسبان تي في" الناطقة باللغة الاسبانية، وقناة "آي فيلم" للدراما الإيرانية الناطقة بالعربية، إضافة إلى عدد من القنوات الدينية مثل "الكوثر" و "سحر".
هذا وتعتبر شركة يوتل سات الفرنسية إحدى ثلاث شركات عملاقة مهيمنة على مجال تشغيل الأقمار الصناعية في العالم، وتغطي خدماتها كافة القارة الأوربية وافريقيا والشرق الأوسط والهند، إضافة إلى أجزاء كبيرة من آسيا والأميركتين.
يشار إلى أن وكالة الأمن القومي الأميركية وإثر الكشف عن النشاطات السرية لها تواجه فضيحة على الصعيدين الداخلي والخارجي.
هذا وتتعرض القنوات الإيرانية منذ بداية عام 2012 إلى هجمة شعواء من قبل الحكومات والشركات الأوروبية المشغلة للأقمار الاصطناعية حيث تم منع بثها في العديد من الدول الغربية ومنها بريطانيا وفرنسا وألمانيا وإسبانيا.
وفيما تبرر الشركات الأوروبية خطوتها بأنها تأتي في إطار تطبيق الحظر المفروض على إيران ، يقول المتحدث باسم رئيسة الشؤون الخارجية في الاتحاد الأوروبي أن هذا الحظر لا يشمل الاتحادات الإعلامية الإيرانية.
يشار إلى أن الناشطين الإعلاميين يصفون الهجمة التي يتعرض لها القطاع الإعلامي الإيراني بأنها هجوم على حرية التعبير، وقد بدأت هذه الخطوة من قبل دول أوروبية تتشدق بحرية التعبير.
يذكر أن بث "قناة العالم" الإخبارية مازال متواصلاً على قمر "هوتبيرد" وكذلك عبر البث الحي على الإنترنت.
امير قطر يودع السلطة وخطاب التخلي اليوم
اعلن الديوان الاميري القطري الاثنين ان امير البلاد الذي اكدت مصادر متطابقة عزمه التخلي عن الحكم لنجله ولي العهد الشيخ تميم، سيتوجه الى الشعب القطري صباح اليوم الثلاثاء الذي اعلن بهذه المناسبة يوم عطلة رسمية.
وأوضح الديوان في بيان مقتضب ان امير قطر الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني أمير البلاد "سيوجه كلمة إلى الشعب القطري الكريم في الساعة الثامنة من صباح يوم غد الثلاثاء".
وذكر البيان الذي نشرته وكالة الانباء القطرية الرسمية انه "تقرر اعتبار هذا اليوم عطلة رسمية في الدولة".
وقد أبلغ أمير قطر، الاثنين، الأسرة الحاكمة وأعيان البلاد قراره تسليم السلطة إلى نجله ولي العهد الشيخ تميم بن حمد آل ثاني.
وقد نقلت وكالة "فرانس برس" الأسبوع الماضي أن "أمير قطر الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني يستعد لتسليم السلطة إلى نجله ولي العهد الشيخ تميم".
يُذكر أن الشيخ تميم من مواليد عام 1980، وهو الابن الثاني للأمير والشيخة موزة بنت ناصر المسند، ويشغل منصب نائب قائد القوات المسلحة ورئيس اللجنة الأولمبية.
هجوم على القصر الرئاسي في كابول ودوي انفجارات
شن مسلحون فجر اليوم الثلاثاء هجوما استهدف القصر الرئاسي وسط العاصمة الافغانية كابول، حسب ما اعلنت الشرطة فيما سمع دوي عدة انفجارات وتبادل لاطلاق النار بالقرب من المنطقة التي يوجد فيها القصر الجمهوري ووزارة الدفاع.
ودوت اصوات الانفجارات في المدينة عند الساعة 6,30 بالتوقيت المحلي.
ووقع الهجوم عند البوابة الشرقية للمبنى بالقرب من وزارة الدفاع الافغانية فيما كان صحفيون مجتمعون من أجل لقاء صحفي مع الرئيس حامد كرزاي.
وقالت الشرطة ان هجوما لمن وصفتهم ب"المتمردين جار وسط كابول".
كما سمع تبادل لاطلاق نار وشوهدت اعمدة من الدخان ترتفع من منطقة الهجوم.
من جهتها تبنت جماعة طالبان افغانستان الهجوم وذكرت اه استهدف القصر الجمهوري ووزارة الدفاع.
الجيش اللبناني يسيطر بالكامل على مجمع الاسير
أحكم الجيش اللبناني السيطرة الكاملة على مجمع الأسير في عبرا بمدينة صيدا جنوبي البلاد وبدأ بعملية تطهيره من المسلحين، فيما أكد مسؤولون لبنانيون اثنين ان قوى الجيش ستواصل تنفيذ اجراءاتها في منطقة صيدا في جنوب البلاد حتى الانتهاء من المظاهر المسلحة.
وأفاد المراسلون ان الجيش استقدم تعزيزات إضافية في وقت تتواصل الاشتباكات بينه وبين مجموعة مسلحة على الكورنيش البحري للمدينة.
وذكرت مصادر اعلامية أن الجيش قتل عشرات المسلحين، بينهم المسؤول العسكري لجماعة الأسير، عبد الرحمن شمندر وأصاب واعتقل آخرين، معظمهم من جنسيات غير لبنانية.
وقالت قناة المنار اللبنانية إن ناقلات الجند دخلت إلى المربع الأمني فيما يقوم الجنود بعمليات التمشيط في المباني التي كان يستخدمها الإرهابيون لإطلاق رصاص القنص على الجيش اللبناني.
وأضافت القناة أن 30 عنصرا من إرهابيي الأسير سلموا أنفسهم لجنود الجيش اللبناني مشيرة إلى أنه تم توقيف عناصر من كتائب الفاروق التابعة لما يسمى "الجيش الحر" ومصادرة أعلام لـ "جبهة النصرة".
إلى ذلك اكد مسؤولون لبنانيون اليوم الاثنين ان قوى الجيش ستواصل تنفيذ اجراءاتها في منطقة صيدا في جنوب البلاد حتى "الانتهاء من المظاهر المسلحة وازالة المربع الامني" في اشارة الى مقر الشيخ السلفي المتشدد احمد الاسير المتحصن مع انصاره في مجمع يشهد محيطه منذ يوم امس اشتباكات عنيفة بين الجيش وانصار الاسير.
وجاء ذلك في بيان صدر بعد اجتماع برئاسة رئيس الجمهورية ميشال سليمان وضم قائد الجيش جان قهوجي والوزراء والمسؤولين عن الاجهزة الامنية.
واكد المجتمعون، بحسب البيان، "وجوب استمرار قوى الجيش تؤازرها باقي القوى العسكرية والامنية في تنفيذ اجراءاتها حتى الانتهاء من المظاهر المسلحة وازالة المربع الامني وتوقيف المعتدين والمحرضين على الجيش".
وخصص الاجتماع للاطلاع على "سير العملية العسكرية التي تنفذها قوى الجيش بعد الاعتداء الذي تعرض له حاجز الجيش بالامس". كما بحث في "احتياجات قوى الجيش لتمكينها من القيام بمهامها".
ودعت قيادة الجيش في بيان "المسلحين الذين قاموا بالاعتداء على مراكز الجيش والمواطنين ... الى إلقاء السلاح وتسليم انفسهم فورا الى قوى الجيش، حرصاً على عدم اراقة المزيد من الدماء"، مؤكدة ان هؤلاء "معروفون بالنسبة اليها فردا فردا".
وتابع البيان ان الجيش لن يوقف "عملياته العسكرية حتى اعادة الامن الى المدينة وجوارها بصورة كاملة وانضواء الجميع تحت سقف القانون والنظام".
وبعد ظهر اليوم، أصدرت السلطات القضائية "بلاغات بحث وتحر" في حق 123 شخصا متورطين في الاشتباكات، في مقدمهم الاسير.
هذا وأصدر رئيس حكومة تصريف الاعمال نجيب ميقاتي اليوم مذكرة تقضي بإعلان الحداد العام غدا الثلاثاء على الضحايا العسكريين، والتوقف عن العمل لمدة ساعة ظهرا.
بدورِه حرم مفتي الجمهورية الشيخ محمد رشيد قباني الاعتداء على الجيشِ ووصفه بالجريمة بحق لبنان، وقال لا يجوز التقاتل مع الجيشِ تحت أيِ ذريعة.
الى ذلك تحدثت مصادر عن سقوط عشرات القتلى والجرحى في صفوف المسلحين معظمهم من جنسيات غير لبنانية، فيما ارتفع عدد ضحايا الجيش إلى أكثر من عشرين بينهم ثلاث ضباط بالإضافة إلى عشرات الجرحى.
الجيش يدمر 8 مواقع للمسلحين ويقبض على 6 قناصين بريف دمشق
افاد المراسلون ان الجيش السوري صعد من حملته العسكرية على حي برزة، وان المصادر اكدت تدمير 8 مواقع عسكرية في ظهر المسطاح وإلقاء القبض على 6 قناصين في البساتين المطلعة على طريق مشفى تشرين بريف دمشق.
وعن الحملة العسكرية التي تشنها القوات السورية في المحور الشمالي الشرقي لريف العاصمة والتي شملت القابون وحرستا وبرزة، أوضح مراسنا ان الوحدات القتالية تقدمت وفقا لمصادر الجيش في البساتين التي تشرف على طريق دمشق حمص الدولي الذي يشرف على هذا المحور، وقامت بتثبيت الحواجز العسكرية لمنع دخول المسلحين الى حرستا القريبة من العاصمة.
من جهة أخرى قتل 6 اشخاص وجرح آخرون جراء انفجار سيارة مفخخة في حي المزة بالعاصمة السورية دمشق، وفي العاصمة أيضا سقط عدد من الضحايا جراء هجوم استهدف مقرا للشرطة في حي ركن الدين، هذا وتمكنت قوى الأمن من قتل 3 مسلحين حاولوا دخول أحد المخافر.
وقال المراسلون ان أكثر من 15 شخصا وقعوا بين قتيل وجريح جراء انفجار سيارة مفخخة في حي المزة 86 المعروف بكثفاته السكانية، وأفاد أحد المواطنين لقناتنا: جميعنا دمنا جاهز، اذا عطشت هذه الارض فدمنا جاهز بأي لحظة، كل هذه الناس المجتمعة دمها جاهز وستدافع عن وطنها.
وأضافوا أنه في تصعيد جديد للجماعات المسلحة أقدم ثلاثة أشخاص على تفجير انفسهم أثناء محاولتهم دخول مبنى شرطة قسم ركن الدين في العاصمة دمشق .
واودت التفجيرات بحياة 5 قتلى و9 جرحى، كما جاء في بيان وزارة الداخلية التي اعتبرت ان طبيعة الانفجار وطريقة تنفيذه تدل بشكل مباشر على ضلوع جبهة النصرة في تنفذ الهجوم.
وقال احد الحراس الذين كانوا يقومون بمهمة حراسة قسم الشرطة: قام 3 عناصر ارهابيون بالهجوم على المبنى وأطلقوا النار على الباب الرئيسي واشتبكنا معهم وتمكنا من اصابة احدهم في قدمه في حين فجر الآخر نفسه بحزام ناسف كان يرتديه بعد ان القى قنبلة يدوية علينا، وفي هذه الاثناء ركض الارهابي الآخر الى الطابق الثاني وفجر نفسه هناك أيضا.
كما أدى الانفجار إلى أضرار كبيرة في الممتلكات العامة والخاصة والمباني الرسمية والمنازل السكنية والآليات المتواجدة في المكان.
في ذكرى ولادة الإمام المهدي المنتظر (ع) (*)
المهدي المنتظر في القرآن والسنة
ولد ـ سلام الله عليه ـ في دار أبيه الحسن العسكري((عليه السلام)) في مدينة سامراء أواخر ليلة الجمعة الخامس عشر من شعبان وهي من الليالي المباركة التي يُستحب إحياؤها بالعبادة وصوم نهارها طبقاً لروايات شريفة مروية عن أهل البيت((عليهم السلام))(1)، وكذلك جاء مثلها في كتب أهل السنّة المعتبرة مثل سنن ابن ماجة وسنن الترمذي وغيرهما(2) .
وكانت سنة ولادته (255 هـ ) على أشهر الروايات، وثمة روايات أُخرى تذكر أن سنة الولادة هي (256 هـ ) أو (254 هـ ) مع الاتفاق على يومها وروي غير ذلك، إلاّ أن الأرجح هو التاريخ الأوّل لعدة شواهد، منها وروده في أقدم المصادر التي سجلت خبر الولادة وهو كتاب الغيبة للشيخ الثقة الفضل بن شاذان الذي عاصر ولادة المهدي ((عليه السلام)) وتوفي قبل وفاة أبيه الحسن العسكري((عليهما السلام)) بفترة وجيزة(3)، ومنها أن معظم الروايات الأُخرى تذكر أنّ يوم الولادة كان يوم جمعة منتصف شهر شعبان وإن اختلفت في تحديد سنة الولادة، ومن خلال مراجعتنا للتقويم التطبيقي(4) وجدنا أن النصف من شعبان صادف يوم جمعة في سنة (255 هـ ) وجدها دون السنين الاُخرى المذكورة في تلك الروايات.
ومثل هذا الاختلاف أمر طبيعي جار مع تواريخ ولادات ووفيات آبائه وحتى مع جده الرسول الأعظم ((صلى الله عليه وآله)) ، دون أن يؤثر ذلك على ثبوت ولادتهم ((عليهم السلام)) ، كما أنه طبيعي للغاية بملاحظة سرّيّة الولادة عند وقوعها حفظاً للوليد المبارك كما سنلاحظ ذلك لاحقاً.
تواتر خبر ولادته ((عليه السلام))
روى قصة الولادة أو خبرها الكثير من العلماء بأسانيد صحيحة أمثال أبي جعفر الطبري والفضل بن شاذان والحسين بن حمدان وعليّ بن الحسين المسعودي والشيخ الصدوق والشيخ الطوسي والشيخ المفيد وغيرهم، ونقلها بصورة كاملة أو مختصرة أو نقل خبرها عدد من علماء أهل السنّة من مختلف المذاهب الإسلامية أمثال نورالدين عبدالرحمن الجامي الحنفي في شواهد النبوة والعلاّمة محمّد مبين المولوي الهندي في وسيلة النجاة والعلاّمة محمّد خواجه بارسا البخاري في فصل الخطاب والحافظ سليمان القندوزي الحنفي في ينابيع المودة، كما نقل خبر الولادة ما يناهز المائة وثلاثين من علماء مختلف الفرق الإسلامية بينهم عشرات المؤرخين ستة منهم عاصروا فترة الغيبة الصغرى أو ولادة الإمام المهدي ((عليه السلام))، والبقية من مختلف القرون الى يومنا هذا في سلسلة متصلة وهذا الاحصاء يشمل جانباً من المصادر الإسلامية وليس كلها. وبين هؤلاء عدد كبير من العلماء والمؤرخين المشهورين أمثال ابن خلكان وابن الأثير وأبي الفداء والذهبي وابن طولون الدمشقي وسبط ابن الجوزي ومحي الدين ابن عربي والخوارزمي والبيهقي والصفدي واليافعي والقرماني وابن حجر الهيثمي وغيرهم كثير. ومثل هذا الإثبات مما لم يتوفر لولادات الكثير من أعلام التاريخ الإسلامي(5).
كيفية وظروف الولادة
يُستفاد من الروايات الواردة بشأن كيفية ولادته ((عليه السلام)) ، أنّ والده الإمام الحسن العسكري ـ سلام الله عليه ـ أحاط الولادة بالكثير من السرية والخفاء، فهي تذكر أنّ الإمام الحسن العسكري قد طلب من عمته السيّدة حكيمة بنت الإمام الجواد أن تبقى في داره ليلة الخامس عشر من شهر شعبان وأخبرها بأنه سيُولد فيها ابنه وحجّة الله في أرضه، فسألته عن أُمّه فأخبرها أنها نرجس فذهبت إليها وفحصتها فلم تجد فيها أثراً للحمل، فعادت للإمام وأخبرته بذلك، فابتسم ((عليه السلام)) وبيّن لها أن مثلها مثل أم موسى ((عليه السلام)) التي لم يظهر حملها ولم يعلم به أحد الى وقت ولادتها لأنّ فرعون كان يتعقب أولاد بني إسرائيل خشية من ظهور موسى المبشر به فيذبح أبناءهم ويستحيي نساءهم، وهذا الأمر جرى مع الإمام المهدي((عليه السلام)) أيضاً لأنّ السلطات العباسية كانت ترصد ولادته إذ قد تنبأت بذلك طائفة من الأحاديث الشريفة كما سنشير لاحقاً.
ويُستفاد من نصوص الروايات أنّ وقت الولادة كان قبيل الفجر وواضح أنّ لهذا التوقيت أهمية خاصة في إخفاء الولادة; لأنّ عيون السلطة عادةً تغطُّ في نوم عميق. كما يُستفاد من الروايات أنه لم يحضر الولادة سوى حكيمة التي لم تكن تعرف بتوقيتها بشكل دقيق أيضاً(6).
وتوجد رواية واحدة يرويها الشيخ الطوسي في كتاب الغيبة تصرح باستقدام عجوز قابلة من جيران الإمام لمساعدة حكيمة في التوليد مع تشديد الوصية عليها بكتمان الأمر وتحذيرها من إفشائه(7).
الإخبار المسبّق عن خفاء الولادة
أخبرت الكثير من الأحاديث الشريفة بأنّ ولادة المهدي من الحسن العسكري ستُحاط بالخفاء والسرية ، ونسبت الإخفاء الى الله تبارك وتعالى وشبهت بعضها إخفاء ولادته بإخفاء ولادة موسى وبعضها بولادة إبراهيم ((عليهما السلام)) ، وبيّنت علّة ذلك الإخفاء بحفظه ((عليه السلام)) حتى يؤدي رسالته، نستعرض هنا نماذج قليلة منها.
فمثلاً روى الشيخ الصدوق في إكمال الدين والخزاز في كفاية الأثر مسنداً عن الإمام الحسن بن عليّ ((عليهما السلام)) ضمن حديث قال فيه:
«أما علمتم أنه ما منّا إلاّ وتقع في عنقه بيعة لطاغية زمانه، إلاّ القائم الذي يصلّي عيسى بن مريم خلفه ؟ ! وإن الله عزّ وجلّ يُخفي ولادته ويغيّب شخصه لئلاّ يكون لأحد في عنقه بيعة إذا خرج، ذلك التاسع من ولد أخي الحسين ابن سيدة النساء يطيل الله عمره في غيبته ثم يظهره بقدرته...»(8).
وفي حديث رواه الصدوق بطريقين عن الإمام عليّ ((عليه السلام)) قال: « ... إن القائم منا إذا قام لم يكن لأحد في عنقه بيعة ، فلذلك تُخفى ولادته ويغيب شخصه »(9).
وروى عن الإمام السجاد ((عليه السلام)) أنه قال: «في القائم منا سنن من الأنبياء ... وأما من إبراهيم فخفاء الولادة واعتزال الناس...»(10).
وروي عن الإمام الحسين ((عليه السلام)) أنه قال: « في التاسع من ولدي سنّة من يوسف وسنّة من موسى بن عمران وهو قائمنا أهل البيت يصلح الله أمره في ليلة واحدة»(11).
وروى الكليني في الكافي بسنده عن الإمام الباقر ((عليه السلام)) أنه قال ـ في حديث ـ : « انظروا من خفي ] عمي [ على الناس ولادته فذاك صاحبكم، إنه ليس منا أحد يُشار إليه بالأصابع ويمضغ بالألسن إلاّ مات غيضاً أو رغم أنفه»(12).
والأحاديث بهذا المعنى كثيرة والكثير منها مروي بأسانيد صحيحة تخبر صراحة ـ وقبل وقوع ولادة الإمام المهدي ((عليه السلام)) ـ بخفائها ، وفي ذلك دلالة وجدانية صريحة على صحتها حتى لو كان في أسانيد بعضها ضعف أو مجهولية لأنها أخبرت عن شيء قبل وقوعه ثم جاء الواقع مصدقاً لما أخبرت عنه، وهذا ما لا يمكن صدوره إلاّ من جهة علام الغيوب تبارك وتعالى الأمر الذي يثبت صدورها عن ينابيع الوحي وبإخبار من الرسول الأكرم ((صلى الله عليه وآله)).
خفاء الولادة علامة المهدي الموعود((عليه السلام))
ويُلاحظ أنّ هذه الأحاديث الشريفة تصرح بأنّ خفاء الولادة من العلائم البارزة المشخصة لهوية المهدي الموعود والقائم من ولد فاطمة الذي بشرت به الأحاديث النبوية، وهذا أحد الأهداف المهمة للتصريح بذلك وهو تعريف المسلمين بإحدى العلائم التي يكشفون بها زيف مزاعم مدّعي المهدوية كما شهد التاريخ الإسلامي الكثير منهم ولم تنطبق على أي منهم هذه العلامة ، فلم تُحَطْ ولادة أي منهم بالخفاء كما هو ثابت تاريخياً(13).
وتشير الأحاديث الشريفة المتقدّمة الى علة إخفاء ولادته ((عليه السلام)) وأنها العلة نفسها التي أوجبت إخفاء ولادة نبي الله موسى ((عليه السلام)) ، وهي حفظه من سطو الفراعنة ومساعيهم لقتله إتماماً لحجة الله تبارك وتعالى على عباده ورعاية له لكي يقوم بدوره الإلهي المرتقب في إنقاذ بني إسرائيل والصدع بالديانة التوحيدية ومواجهة الجبروت الفرعوني بالنسبة لموسى الكليم ـ سلام الله عليه ـ ، وهكذا إنقاذ البشرية جمعاء وإنهاء الظلم والجور وإقامة القسط والعدل وإظهار الإسلام على الدين كله بيد المهدي المنتظر ـ عجل الله فرجه ـ . وهذا ما كان يعرفه أئمة الجور من خلال النصوص الواردة بهذا الشأن، ففرعون مصر كان على علم بالبشارات الواردة بظهور منقذ لبني إسرائيل منهم، لذلك سعى في تقتيل أبنائهم بهدف منع ظهوره، وكذلك حال بني العباس إذ كانوا على علم بأنّ المهدي الموعود هو من ولد فاطمة ـ سلام الله عليها ـ ، وأنه الإمام الثاني عشر من أئمة أهل البيت((عليهم السلام)) وقد انتشرت الأحاديث النبوية المصرحة بذلك بين المسلمين ودوّنها علماء الحديث قبل ولادة المهدي بعقود عديدة، كما كانوا يعلمون بأنّ الإمام الحسن العسكري هو الإمام الحادي عشر من أئمة العترة النبوية ((عليهم السلام)) ، لذا فمن الطبيعي أن يسعوا لقطع هواجس ظهور المهدي الموعود بالإجتهاد من أجل قطع نسل والده العسكري ((عليهما السلام)) .
ومن الواضح أنّ مجرد احتمال صحة هذه الأحاديث كان كافياً لدفعهم نحو إبادته، فكيف الحال وهم على علم راجح بذلك خاصةً وأن ليس بين المسلمين سلسلة تنطبق عليهم مواصفات تلك الأحاديث الشريفة مثلما تنطبق على هؤلاء الأئمة الاثني عشر ((عليهم السلام)) كما لاحظنا مفصلاً في البحوث السابقة ؟ !
وعلى ضوء هذه الحقيقة يمكن أن نفهم سر ظاهرة قصر الأعمار التي ميزت تاريخ الأئمة الثلاثة الذين سبقوا الإمام المهدي ((عليهم السلام)) من آبائه، فقد استشهد أبوه العسكري وهو ابن ثمان وعشرين(14) واستشهد جدّه الإمام الهادي وهو ابن أربعين سنة(15) واستشهد الإمام الجواد وهو ابن خمس وعشرين سنة(16)، وهذه ظاهرة جديرة بالدراسة، وتكفي وحدها للكشف عن المساعي العباسية الحثيثة لإبادة هذا النسل للحيلولة دون ظهور المهدي الموعود(17) حتى لو لم يسجل التاريخ محاولات العباسيين لاغتيال وقتل هؤلاء الأئمة، فكيف الحال وقد سجل عدداً من هذه المحاولات تجاههم((عليهم السلام)) ، حتى ذكر المؤرخون مثلاً أنهم قد سجنوا الإمام العسكري وسعوا لاغتياله عدة مرات، كما فعلوا مع آبائه ((عليهم السلام))(18)؟!
يقول الإمام الحسن العسكري معللاً هذه الحرب المحمومة ضدهم((عليهم السلام)) فيما رواه عنه معاصره الشيخ الثقة الفضل بن شاذان:
قال: حدّثنا عبدالله بن الحسين بن سعد الكاتب قال: قال أبو محمّد ] الإمام العسكري ((عليه السلام)) [ : «قد وضع بنو اُمية وبنو العباس سيوفهم علينا لعلتين : إحداهما أنّهم كانوا يعلمون أنّه ليس لهم في الخلافة حقّ فيخافون من ادعائنا إيّاها وتستقر في مركزها، وثانيتهما أنّهم قد وقفوا من الأخبار المتواترة على أنّ زوال ملك الجبابرة والظلمة على يد القائم منا، وكانوا لا يشكّون أنّهم من الجبابرة والظلمة ، فسعوا في قتل أهل بيت رسول الله((صلى الله عليه وآله)) وإبادة نسله طمعاً منهم في الوصول الى منع تولد القائم ((عليه السلام)) أو قتله، فأبى الله أن يكشف أمره لواحد منهم (إِلاَّ أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ)»(19).
المهدي المنتظر الموعود في القرآن والسنة
إنّ أبرز ما تتميز به عقيدة مدرسة أهل البيت((عليهم السلام)) في المهدي الموعود عن غيرها من الفرق الإسلامية هو القول بوجوده بالفعل وغيبته وتحدد هويته بأنّه الإمام الثاني عشر من أئمة العترة النبوية الطاهرة، وأنه قد ولد بالفعل من الحسن العسكري((عليه السلام)) سنة (255 هـ ) وتولى مهام الإمامة بعد وفاة أبيه العسكري سنة 260 للهجرة وكانت له غيبتان الاُولى وهي الصغرى استمرت الى (329هـ ) كان الإمام يتصل خلالها بشيعته عبر سفرائه الخاصين، ثم بدأت الغيبة الكبرى المستمرة حتى يومنا هذا والى أن يأذن الله عزّ وجلّ بالظهور لأنجاز مهمته الكبرى في إقامة الدولة الإسلامية العالمية التي يسيطر فيها العدل والقسط على أرجاء الأرض إن شاء الله تعالى.
ويتفق أهل السنّة على انتماء المهدي الموعود لأهل البيت((عليهم السلام)) وأنّه من ولد فاطمة((عليها السلام)) وقد اعتقد جمع منهم بولادته لكن بعضهم ذهب الى أنه سيُولد ويظهر في آخر الزمان ليحقق مهمته الموعودة دون أن يستند الى دليل نقلي ولا عقلي في ذلك سوى الإستناد الى الأحاديث المشيرة الى أنّ ظهوره يكون في آخر الزمان. وليس هذا دليلاً تاماً على أنّ ولادته ستكون في آخر الزمان أيضاً كما أنه ليس فيه نفي للغيبة; لأنها والظهور لا يكونان في زمن واحد لكي يُقال بأنَّ إثبات الظهور في آخر الزمان يعني نفي الغيبة دفعاً لإجتماع النقيضين المحال عقلاً، فرأي الإمامية هو أنّ الغيبة تكون قبل الظهور فلا تعارض بينهما.
ومدرسة أهل البيت((عليهم السلام)) تقدّم الأدلة لإثبات الغيبة بتفصيل في كتبها العقائدية المشهورة(20).
وقد لاحظنا سابقاً أن البشارات السماوية الواردة في الأديان السابقة بشأن المنقذ العالمي الموعود في آخر الزمان لا تنطبق بالكامل إلاّ على المهدي ابن الحسن العسكري((عليهما السلام)) الذي تؤمن به مدرسة أهل البيت ((عليهم السلام))، بل وتصرّح بغيبته وهذا أهم ما يميّز رأي الإمامية كما تصرّح بأنه خاتم الأئمة الاثني عشر وتشير الى خصائص لا تنطبق على سواه، الأمر الذي جعل التعرّف على عقيدة الإماميّة في المهدي المنتظر وسيلة ناجحة في حل الاختلاف في تحديد هوية المنقذ العالمي إستناداً الى المنهج العلمي في دراسة هذه البشارات.
ونعرض هنا مجموعةً من الآيات الكريمة التي تدل بصورة مباشرة على حتمية أن يكون في كلّ زمان إمام حقّ يهدي الناس الى الله ويشهد على أعمالهم ليكون حجّة الله عزّ وجلّ على أهل زمانه في الدنيا والآخرة، والتي تحدد له صفات لا تنطبق ـ في عصرنا الحاضر ـ على غير الإمام المهدي الذي تقول مدرسة أهل البيت((عليهم السلام)) بوجوده وغيبته. فتكون هذه الآيات دالة على صحة عقيدة الإمامية في المهدي المنتظر، وهي في الواقع من الآيات المثبتة لاستحالة خلو الأرض من إمام الحقّ في أي زمان، ودلالتها على المقصود واضحة لا تحتاج الى المزيد من التوضيح إلاّ أنّ الخلافات السياسية التي شهدها التاريخ الإسلامي وانعكاساتها في تشكيل الآراء العقائدية; أدّت الى التغطية على تلك الدلالات الواضحة وصرفها الى تأويلات بعيدة عن ظواهرها البيّنات.
ونكمل هذا البحث بدراسة لدلالات طائفة من الأحاديث الشريفة التي صحت روايتها عن الرسول الأكرم((صلى الله عليه وآله)) في الكتب الستة المعتبرة عند أهل السنّة وغيرها من الكتب المعتبرة عند جميع فرق المسلمين; فهي تشكل حجّة عليهم جميعاً; وهي تكمّل دلالات الآيات الكريمة المشار إليها وتشخص المصاديق التي حددت الآيات صفاتها العامة. وتثبت أنّ المهدي الموعود الذي بشر به رسول الله((صلى الله عليه وآله)) هو الإمام الثاني عشر من أئمة العترة النبوية وهو ابن الحسن العسكري سلام الله عليه.
1 ـ عدم خلو الزمان من الإمام
قال الله تعالى: ( يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُنَاس بِإِمَامِهِمْ فَمَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَأُولئِكَ يَقْرَءُونَ كِتَابَهُمْ وَلاَ يُظْلَمُونَ فَتِيلاً* وَمَن كَانَ فِي هذِهِ أَعْمَى فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَعْمَى وَأَضَلُّ سَبِيلاً)(21).
وهذا نصٌّ صريح على أنّ لكلّ أهل زمان «كلّ اُناس» إمام يُدعون به يوم القيامة. ويكون الإحتجاج به عليهم أو ليكون شاهداً عليهم يوم الحساب وهذا أيضاً يتضمن معنى الإحتجاج عليهم. فَمن هو «الإمام» المقصود في الآية الكريمة الاُولى؟
للإجابة يلزم الرجوع الى المصطلح القرآني نفسه لمعرفة المعاني المرادة منه والإهتداء به لمعرفة المنسجم مع منطوق النص القرآني المتقدم.
لقد اُطلق لفظ «الإمام» في القرآن الكريم على مَن يُقتدى به من الأفراد، وهو على نوعين لا ثالث لهما في الاستخدام القرآني وهما: الإمام المنصوب من قبل الله تبارك وتعالى لهداية الخلق إليه بأمره عزّ وجلّ، كما في قوله عزّ وجلّ: ( وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا )(22)، وقوله: (إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاماً)(23)، وقوله: (وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ)(24)، وقوله: (وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاماً)(25). فيُلاحظ في جميع هذه الموارد أنها تنسب جعل الإمامة الى الله سبحانه مباشرة.
أما النوع الثاني فهو مَن يُقتدى به للضلال كما في قوله تعالى: (فَقَاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ )(26)، وقوله: (وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ لاَ يُنصَرُونَ)(27).
هذا في الأفراد أما في غير الأفراد فقد أُستخدم في معنيين وبصورة المفرد فقط في حين ورد بالمعاني السابقة بصيغة المفرد وصيغة الجمع، والمعنى الأوّل هو التوراة كما في قوله تعالى: (وَمِن قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَى إِمَاماً وَرَحْمَةً)(28)، وربّما يُستفاد من هذا الاستخدام صدق وصف «الإمام» على الكتب السماوية الأُخرى أو الرئيسة منها على الأقل. أما المعنى الثاني فهو اللوح المحفوظ كما في قوله تعالى:(وَكُلَّ شَيْء أَحْصَيْنَاهُ فِي إِمَام مُبِين )(29).
الإمام المقصود في الآية
فمَن هو «الإمام» المقصود في الآية والذي لا يخلو زمان من مصداق له ويُدعى به أهل عصره يوم القيامة؟ هل هو شخصٌ معيّنٌ أم هو أحد الكتب السماوية في كلّ عصر أم هو اللوح المحفوظ؟
لا يمكن أن يكون المراد هنا الكتب السماوية ولا اللوح المحفوظ، لأنّ الآية عامة وصريحة بأنّ مدلولها ـ وهو عدم خلو أي زمان، وقوم من إمام ـ يشمل الأولين والآخرين، في حين أنّ من الثابت قرآنياً وتاريخياً أنّ أوّل الكتب السماوية التشريعية هو كتاب نوح((عليه السلام))، فالقول بأنّ المراد بالإمام في الآية أحدها في كلّ عصر يعني إخراج الأزمنة التي سبقت نوحاً((عليه السلام)) من حكم الآية وهذا خلاف صريح منطوقها بشمولية دلالتها لكلّ عصر كما يدلّ عليه قوله((عليه السلام)) (كلّ اُناس).
كما لا يمكن تفسير الإمام في الآية باللوح المحفوظ لأنه واحدٌ لا يختص بأهل زمان معين عن غيرهم في حين أن الآية الكريمة تصرّح بأنّ لكلّ اُناس إماماً.
إذن لا يبقى إلاّ القولان الأولان، فالمتعين أن يكون المراد من الإمام في الآية من يأتم به أهل كلّ زمان في سبيلي الحقّ أو الباطل. أو أن يكون المراد فيها إمام الحقّ خاصة وهو الذي يجتبيه الله سبحانه في كلّ زمان لهداية الناس بأمره تبارك وتعالى ويكون حجّة الله عزّ وجلّ عليهم يدعوهم به يوم القيامة للاحتجاج به عليهم سواءٌ كان نبيّاً كإبراهيم الخليل ومحمّد ـ عليهما وآلهما الصلاة والسلام ـ أو غير نبي كأوصياء الأنبياء((عليهم السلام)).
ويكون المراد بالدعوة في الآية هو الإحضار، أي أنّ كلّ اُناس ـ في كلّ عصر ـ محضرون بإمام عصرهم، ثم يُؤتى مَن اقتدى بإمام الحقّ كتابه بيمينه ويظهر عمى مَن عمي عن معرفة الإمام الحقّ في عصره وأعرض عن إتباعه.
وهذا ما يعطيه التدبر في الآيتين الكريمتين مورد البحث كما يقول العلاّمة الطباطبائي في تفسيرهما(30)، وقد عرض في بحثه لجميع أقوال المفسّرين الأُخرى في تفسير معنى الإمام هنا وبيّن عدم إنسجامها مع الاستخدام القرآني وظاهر الآيتين، وهي أقوال واضحة البطلان، ولعل أهمها القول بأنّ المراد من الإمام: النبيّ العام لكلّ أُمّة، كأن يُدعى بأُمّة إبراهيم أو أُمّة موسى أو أُمّة عيسى أو أُمّة محمّد ـ صلوات الله عليهم أجمعين ـ ، وهذا القول أيضاً غير منسجم مع ظاهر الآيتين أيضاً لأنه يُخرج من حكمها العام الأُمم التي لم يكن فيها نبي وهذا خلاف ظاهرهما كما أنه مدحوض بالآيات الأُخرى التي سنتناولها لاحقاً إن شاء الله.
الإمام المنقذ من الضلالة
وعليه يكون محصّل الآيتين الكريمتين هو الدلالة على حتمية وجود إمام حقّ يُهتدى به في كلّ عصر، يكون حجّة الله عزّ وجلّ على أهل زمانه في الدنيا والآخرة، فتكون معرفة وإتباعه في الدنيا وسيلة النجاة يوم الحشر; فيما يكون العمى عن معرفته وإتباعه في الدنيا سبباً للعمى والضلال الأشد في الآخرة يوم يُدعى كلّ أُناس بإمام زمانهم الحقّ، ويُقال للضالين عنه: هذا إمامكم الذي كان بين أظهركم فلماذا عميتم عنه؟ وبذلك تتم الحجّة البالغة عليهم، وتتضح حكمة دعوتهم وإحضارهم به يوم القيامة.
ونصل الآن للسؤال المحوري المرتبط بما دلّت عليه هاتان الآيتان، وهو: ـ مَن هو إمام الحقّ الذي يمثّل حجّة الله على خلقه في عصرنا هذا، والذي لابد له من مصداق في سائر العصور كما نصت عليه الآيتان المتقدمتان وغيرهما كما سنرى؟
للإجابة على هذا السؤال من خلال النصوص القرآنية وحدها بإعتبارها حجّة على الجميع ـ ينبغي معرفة الصفات التي تحددها الآيات الكريمة لإمام الحقّ ثم البحث عمن تنطبق عليه في زماننا هذا.
المواصفات القرآنية لإمام المهدى
والمستفاد من تفسير الآيتين المتقدمتين أنّ الإمام المقصود يجب أن تتوفر فيه الصفات التي تؤهله للاحتجاج به على قومه يوم القيامة من القدرة على الهداية والأهلية لأنّ يكون إتباعه موصلاً للهدى وطاعته معبّرةً عن طاعة الله تبارك وتعالى، وأن يكون قادراً على معرفة حقائق أعمال الناس وليس ظواهرها، أي أن يكون هادياً لقومه وشهيداً على أعمالهم، الأمر الذي يستلزم أن يكون قادراً على تلقي الهداية الإلهية وحفظها ونقلها للناس، كما يجب أن يكون أهلاً لأنّ يتفضل عليه الله عزّ وجلّ بعلم الكتاب والأسباب التي تؤهله لمعرفة حقائق أعمال الناس للشهادة بشأنها والإحتجاج به عليهم يوم القيامة. وسيأتي المزيد من التوضيح لذلك في الفقرتين اللاحقتين.
كما ينبغي أن يكون متحلّياً بأعلى درجات العدالة والتُّقى لكي لا يخلّ بأمانة نقل الهداية الإلهية الى قومه، وكذلك لكي لا يحيف في شهادته عليهم يوم القيامة. أي أن يتحلى بدرجة عالية من العصمة، وهذا ما يُصرح به القرآن الكريم في قوله تعالى: ( وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَات فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاماً قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَتِي قَالَ لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ )(31). فالإمامة «عهد» من الله تبارك وتعالى لا ينال من تلبس بظلم مطلقاً ومعلومٌ أنّ ارتكاب المعاصي مصداق من مصاديق الظلم، لذا فالمؤهل للإمامة يجب أن يكون معصوماً.
وحيث إنّ الله تبارك وتعالى قد أقرَّ طلب خليله إبراهيم النبيّ((عليه السلام)) في جعل الإمامة في ذريته ولم يقيّدها إلاّ بأنها لا تنال غير المعصومين، نفهم أنّ الذرية الإبراهيمية لا تخلو من متأهل للإمامة الى يوم القيامة، وهذا ما يؤكده قوله عزّ وجلّ: (وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ)(32).
ولما كانت الإمامة عهداً إلهياً، كان الإمام مختاراً لها من الله عزّ وجلّ ـ وهو الأعلم حيث يجعل رسالته ـ وهذا ما تؤكده الآيات الكريمة فقد نسبت جعل الإمام الى الله مباشرة ولم تنسبه لغيره كما هو واضحٌ في الآيتين المتقدمتين من سورتي الزخرف والبقرة وغيرهما. ويتحقق هذا الاختيار الإلهي لشخص معيّن للإمامة من خلال النص الصادر من ينابيع الوحي ـ القرآن والسنّة ـ أو مَن ثبتت إمامته وعصمته، أو ظهور المعجزات الخارقة للعادة على يديه حيث تثبت صحة إدعائه الإمامة.
إذن فإمام زماننا الذي دلّت آيتا سورة الإسراء على حتمية وجوده يجب أن يكون هادياً لقومه وشهيداً على أعمالهم ليصح الإحتجاج به يوم القيامة، وأن يكون معصوماً ومن الذرية الإبراهيمية التي ثبت بقاء الإمامة فيها، وأن يكون منصوصاً عليه من قبل الرسول الأعظم((صلى الله عليه وآله)) أو مَن ثبتت إمامته، أو أن يكون قد ظهرت على يديه من المعجزات التي تُثبت إرتباطه بالسماء وصحة إدعائه الإمامة.
مصداق الإمام في عصرنا الحاضر
فمَن الذي تتوفر فيه هذه الصفات في عصرنا الحاضر؟ من الواضح أنه لا يوجد شخص ظاهر تنطبق عليه هذه الصفات وليس ثمّة شخصٌ ظاهرٌ يدعيها أيضاً، فهل يكون عدم وجود شخص ظاهر تتوفر فيه هذه الصفات يعني خلو عصرنا من مثل هذا الإمام؟
الجواب سلبي بالطبع; لأنه يناقض صريح دلالة آيتي سورة الإسراء، فلا يبقى أمامنا إلاّ القول بوجوده وغيبته وقيامه بالمقدار اللازم للإحتجاج به على أهل زمانه يوم القيامة والذي هو من مهام الإمام، حتى في غيبته.
وهذا ما تقوله مدرسة أهل البيت((عليهم السلام)) في المهدي المنتظر((عليه السلام)) وتتميز به عمّا سواها، وتقيم الأدلة النقلية والعقلية الدالة على توفر جميع الشروط والصفات المتقدّمة فيه من العصمة والنص عليه من الرسول الأعظم((صلى الله عليه وآله)) ومَن ثبتت إمامته من آبائه((عليهم السلام))، كما ثبت صدور المعجزات عنه في غيبته الصغرى بل والكبرى أيضاً وقيامه عملياً بما يتيسّر له من مهام الإمامة في غيبته كي يتحقق الإحتجاج به على أهل زمانه، كما هو مدوّن في الكتب التي صنّفها علماء هذه المدرسة(33).
وتكفي هنا الإشارة الى أنّ بعض هذه الكتب قد دوّنت قبل ولادة الإمام المهدي((عليه السلام)) بفترة طويلة تفوق القرن وفيها أحاديث شريفة تضمّنت النص على إمامته والإخبار عن غيبته وطول هذه الغيبة قبل وقوعها وهذا أوضح شاهد على صحتها كما استدل بذلك العلماء إذ جاءت الغيبة مصدّقة لما أخبرت عنه النصوص المتقدّمة عليها وفي ذلك دليل واضح على صدورها من ينابيع الوحي(34).
2 ـ في كلّ زمان إمام شهيد على أُمته
قال تعالى: (فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِن كُلِّ أُمَّة بِشَهِيد وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هؤُلاَءِ شَهِيداً)(35).
وقال: ( وَيَوْمَ نَبْعَثُ مِن كُلِّ أُمَّة شَهِيداً ثُمَّ لاَ يُؤْذَنُ لِلَّذِينَ كَفَرُوا وَلاَ هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ)(36).
وقال: ( وَيَوْمَ نَبْعَثُ فِي كُلِّ أُمَّة شَهِيداً عَلَيْهِم مِنْ أَنفُسِهِمْ وَجِئْنَا بِكَ شَهِيداً عَلَى هؤُلاَءِ)(37).
وقال: (وَنَزَعْنَا مِن كُلِّ أُمَّة شَهِيداً فَقُلْنَا هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ فَعَلِمُوا أَنَّ الْحَقَّ لِلّهِ وَضَلَّ عَنْهُم مَّا كَانُوا يَفْتَرُونَ)(38).
إنّ هذه الآيات الكريمة تتحدّث عن الإحتجاج الإلهي على البشر يوم القيامة، وهو الإحتجاج نفسه الذي لاحظناه في آيتي سورة الإسراء المتقدمتين، وهي تدعم وتؤكد دلالتهما على حتمية وجود إمام حقّ في كلّ عصر يحتج به الله جلّ وعلا على أهل كلّ عصر «كلّ أُمة، كلّ اُناس» فيما يرتبط بالهداية والضلال وإنطباق أعمالهم على الدين الإلهي القيّم.
واضحٌ أنّ مقتضى كونه حجّة لله على خلقه أن يكون عالماً بالشريعة الإلهية من جهة لكي يكون قادراً على هداية الخلق إليها وأن يكون بين أظهرهم للقيام بذلك، هذا أولاً، وثانياً أن يكون محيطاً بأعمال قومه لكي يكون شهيداً عليهم، أي يستطيع الشهادة يوم القيامة بشأن مواقفهم تجاه الدين القيّم.
وواضح أنّ الشهادة المذكورة في هذه الآيات مطلقة، «وظاهر الجميع على إطلاقها هو الشهادة على أعمال الأُمم وعلى تبليغ الرسل أيضاً»(39) وقد صرّح الزمخشري في الكشاف بذلك وقال: «لأنّ أنبياء الأُمم شهداء عليهم يشهدون بما كانوا عليه»(40)، وأن الشهيد: «يشهد لهم وعليهم بالإيمان والتصديق والكفر والتكذيب»(41). والشهيد يجب أن يكون حيّاً معاصراً لهم غير متوفى كما يشير لذلك قوله تعالى على لسان عيسى((عليه السلام)): (وَكُنتُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْء شَهيدٌ)(42).
يُستفاد من هذه الآية أنّ إعلان نتاج الشهادة يكون في يوم القيامة لكن الإحاطة بموضوعها أي أعمال القوم يكون في الدنيا وخلال معاصرة الشهيد لأُمته لقوله تعالى: (وَكُنتُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي...)، لذلك يجب أن يكون الشهيد الذي يحتج به الله يوم القيامة معاصراً لمَن يشهد عليهم، لذا لا يمكن حصر الشهداء على الأُمم بالأنبياء((عليهم السلام)) كما فعل الزمخشري في تفسيره(43)، بل يجب القول بأنّ في كلّ عصر شهيدٌ على أعمال معاصريه، كما صرّح بذلك الفخر الرازي في تفسيره حيث قال: أما قوله تعالى: (وَنَزَعْنَا مِن كُلِّ أُمَّة شَهِيداً)، فالمراد ميّزنا واحداً ليشهد عليهم، ثم قال بعضهم هم الأنبياء يشهدون بأنهم بلّغوا القوم الدلائل وبلّغوا في إيضاحها كلّ غاية ليُعلم أن التقصير منهم ]أي من الناس [فيكون ذلك زائداً في غمّهم.
وقال آخرون: بل هم الشهداء الذين يشهدون على الناس في كلّ زمان، ويدخل في جملتهم الأنبياء، وهذا أقرب لأنه تعالى عمَّ كلّ أُمة وكلّ جماعة بأنّ ينزع منهم الشهيد فيدخل فيه الأحوال التي لم يُوجد فيها النبيّ وهي أزمنة الفترات والأزمنة التي حصلت بعد محمّد((صلى الله عليه وآله)) فعلموا حينئذ أنّ الحقّ لله ولرسوله...»(44).
إذن فلابدّ من وجود شهيد على الأُمة في هذا العصر كما هو الحال في كلّ عصر، يؤيد ذلك استخدام آيتي سورة النساء والنحل لاسم الإشارة «هؤلاء» في الحديث عن شهادة الرسول الأكرم محمّد((صلى الله عليه وآله)): (وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هؤُلاَءِ شَهِيداً) إشارة الى معاصريه فيما يكون شهداء آخرون على الأجيال اللاحقة(45). فمَن هو الشهيد علينا في هذا العصر؟! نعود الى الآيات الكريمة لمتابعة ما تحدده من الصفات الهادية الى معرفته والإجابة على هذا التساؤل.
صفات الشهيد الإمام
إنّ الآية (89) من سورة النحل تصرّح بأنه من البشر أنفسهم (شَهِيداً عَلَيْهِم مِنْ أَنفُسِهِمْ ) وهو المستفاد من الآيات الأُخرى فهي تستخدم «من» التبعيضية في قوله تعالى: (مِن كُلِّ أُمَّة شَهِيداً).
فالشهيد هو كالأنبياء بشرٌ، لا هو من الملائكة ولا من الجن ولا من الكتب السماوية ولا اللوح المحفوظ، وفي هذا تأييد لما تقدّم في الحديث عن آيتي سورة الإسراء أنّ المقصود فيهما من الإمام شخص لا كتاب سماوي، إذ أن الآيتين تتحدثان عن الإحتجاج الإلهي به على أُمّته وهذا هو دور الشهيد في هذه الآيات أيضاً، فالمقصود واحد في كلتا الحالتين، فالإمام هو أيضاً منهم.
والآيات الكريمة تستخدم صيغة المفرد في وصفه، أي إنّ الشهيد على قومه واحد في زمانه الذي يعاصره حيّاً، وهذا ينسجم مع استخدام آية سورة الإسراء المتقدّمة لصيغة المفرد في ذكر الإمام (كُلَّ أُنَاس بِإِمَامِهِمْ ). الأمر الذي ينفي التفسير القائل بأنّ الأُمّة الإسلامية جمعاء أو جماعة المؤمنين الآمرة بالمعروف والناهية عن المنكر هي الشهيدة على أعمال قومها أو الأقوام الأُخرى المعاصرة لها، والأمر نفسه يصدق على نفي القول بأنّ مصداق هذه الآيات هم «الأبدال» الذين لا يخلو منهم زمان كما ورد في الروايات المروية من طريق الفريقين(46). بل شهيد الأعمال في زمانه واحدٌ لا أكثر.
وحيث إنّ دوره هو الشهادة على أعمال أُمته بالكفر والتكذيب أو الإيمان والتصديق كما تقدّم القول عن الزمخشري وهذه حالات قلبية وحيث إن: «من الواضح أن هذه الحواس العادية التي فينا والقوى المتعلّقة بها منا لا تتحمّل إلاّ صور الأفعال والأعمال فقط، وذلك التحمل أيضاً إنّما يكون في شيء يكون موجوداً حاضراً عند الحس لا معدوماً ولا غائباً عنه، وأما حقائق الأعمال والمعاني النفسانية من الكفر والإيمان والفوز والخسران، وبالجملة كلّ خفي عن الحس، ومستبطن عند الإنسان ـ وهي التي تكسب القلوب وعليه يدور حساب ربّ العالمين يوم تبلى السرائر كما قال تعالى: (وَلكِن يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ )(47) ـ فهي ممّا ليس في وسع الإنسان إحصاؤها والإحاطة بها وتشخيصها من الحاضرين فضلاً عن الغائبين إلاّ رجل يتولى الله أمره ويكشف ذلك له بيده»(48).
لذلك يجب أن تكون للشهيد على أُمته إحاطة علمية ربانية بحقائق أعمالهم لأنّ قيمة الأعمال في الميزان الإلهي هي لحقائقها الباطنية ودوافعها ونواياها كما هو واضح، لذلك لا يمكن أن يكون هذا الشهيد على أُمته شخصاً عادياً بل من الذين يحظون بنعمة التسديد الإلهي المباشر ومن الذين ارتضاهم الله سبحانه فأطلعهم على غيبه إذ من مصاديق غيبه معرفة بواطن أعمال الناس.
«ومن المعلوم أنّ هذه الكرامة لا ينالها جميع أفراد الأُمّة، إذْ ليست ]هي [إلاّ كرامة خاصة للأولياء الطاهرين منهم، وأما مَن دونهم من المتوسطين في السعادة والعدول من أهل الإيمان فليس لهم ذلك... إنّ أقل ما يتصف به الشهداء ـ وهم شهداء الأعمال ـ أنهم تحت ولاية الله ونعمته وأصحاب الصراط المستقيم»(49).
الشهيد عنده «علم الكتاب»
وواضح أنّ هذا الإطلاع على بواطن الناس غير ممكن بالأسباب الطبيعية المتعارفة بل يحتاج الى نمط خاص من العلم يتفضل به الله تبارك وتعالى بحكمته على مَن يشاء من عباده ـ وهو عزّ وجلّ الأعلم حيث يجعل رسالته(50) ـ فيتمكن به العبد من تجاوز ما تعارف عليه الناس من الأسباب الطبيعية والقيام بما يمكن القيام به بواسطة هذه الأسباب فتكون له مرتبة من الولاية التكوينية وتجاوز الأسباب الطبيعية بإذن الله، وهذا النمط الخاص من العلم هو ما سُمّي في القرآن الكريم بـ «علم الكتاب».
كما نلاحظ ذلك في قصة إتيان آصف بن برخيا بعرش بلقيس من اليمن الى فلسطين في طرفة عين فقد علل القرآن قدرته على القيام بهذا العمل في زمن قصير للغاية بحيث لا يتصوّر تحقّقه على وفق الأسباب الطبيعية، بما كان لديه من علم الكتاب» لاحظ قوله عزّ وجلّ: ( قَالَ الَّذِي عِندَهُ عِلْمٌ مِّنَ الْكِتابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرّاً عِندَهُ قَالَ هذَا مِن فَضْلِ رَبِّي)(51).
وكان آصف بن برخيا وصيّاً لسليمان النبيّ((عليه السلام)) أراد أن يعرّف الناس بأنه الحجّة من بعده بإبراز علمه المأخوذ من الكتاب(52)، وكان عنده مقدار معيّن من علم الكتاب وليس كلّه كما هو واضح من استخدام «من» التبعيضية في الآية المتقدّمة.
ومنه يتّضح أنّ الذي لديه علم الكتاب كلّه تكون له مرتبة أعلى من هذه الولاية التكوينية والتصرّف في الأسباب والقدرة على الإحاطة ببواطن أعمال الناس وتقديم الشهادة الكاملة بأحقيّّة الرسالة الإلهية.
وعليه فالشهيد على قومه ينبغي أن يكون لديه علم من الكتاب ـ كلاً أو بعضاً ـ أو يمكن القول كحدٍّ أدنى بأنّ الذي عنده هذا النمط الخاص من العلم قادرٌ على ذلك. يقول عزّ من قائل في آخر سورة الرعد: ( وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَسْتَ مُرْسَلاً قُلْ كَفَى بِاللَّهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِندَهُ عِلْمُ الْكِتابِ)(53).
وقد ثبت من طرق أهل السنّة ـ كما نقل ذلك الحاكم الحسكاني في شواهد التنزيل(54) ـ ومن عدة طرق، وكذلك ثبت من طرق مذهب أهل البيت((عليهم السلام))(55): إنّ الآية الكريمة نزلت في الإمام عليّ((عليه السلام))، وإنَّ علم الكتاب عنده وعند الأئمة من أولاده((عليهم السلام)).. وليس هناك من يدعيه غيرهم وقد صدّقت سيرتهم((عليهم السلام)) ذلك والكثير مما نقله عنهم حفاظ أهل السنّة والشيعة يشهد على صدق مدّعاهم هذا.
إذن فالمتحصل من الآيات الكريمة المتقدّمة:
1 ـ حتمية وجود من يجعله الله تبارك وتعالى شهيداً على أعمال العباد في كلّ عصر بحيث يحتج به على أهل عصره وأمته يوم القيامة، فهو إمام زمانهم الذي يُدعون به، ويكون من أنفسهم.
2 ـ وهذا الإمام الشهيد قد يكون نبياً وقد يكون من الأوصياء في الفترات التي ليس فيها نبيّ كما هو حال عصرنا الحاضر والعصور التي تلت عصر خاتم الأنبياء محمّد((صلى الله عليه وآله)). إذ الآيات مطلقة تشمل كلّ الأزمان كما هو ظاهر. فالإمام الشهيد موجود إذن في عصرنا الحاضر.
3 ـ والإمام الشهيد في عصرنا الحاضر حيٌّ أيضاً كما هو المستفاد مما حكاه القرآن الكريم على لسان عيسى((عليه السلام)).
4 ـ ولابدّ أن يكون هذا الإمام الشهيد على أهل زمانه مسدداً بالعناية الإلهية ممن تفضّل الله عزّ وجلّ عليه بنمط من الولاية التكوينية التي يصل بها الى حقائق أعمال من يشهد لهم أو عليهم يوم القيامة. ومظهر هذا التسديد والفضل الإلهي هو أن يكون لديه علم من الكتاب أو علم الكتاب كلّه.
5 ـ وحيث إنّ مثل هذا الشخص غير ظاهر فلابدّ من القول بغيبته الظاهرية، وقيامه بما يؤهله لأنّ يحتج الله تبارك وتعالى به يوم القيامة خلال غيبته.
6 ـ قد ثبت ـ من طرق أهل السنّة والشيعة ـ أن لدى الإمام عليّ والأئمة من أولاده((عليهم السلام)) علم الكتاب حسب ما نص عليه القرآن الكريم بالوصف الذي لا ينطبق على غيره.
وقد أثبت المفسر الكبير العلاّمة محمّد حسين الطباطبائي في كتابه القيّم (الميزان في تفسير القرآن)، عدم إنسجام الأقوال الاُخرى مع منطوق الآية الأخيرة من سورة الرعد لذلك فإن المواصفات المستفادة من الآيات الكريمة تنطبق عليهم، وحيث لم يدّعِ غيرهم ذلك فانحصر الأمر بهم. وقولهم في الإمام الثاني عشر منهم، وهو محمّد بن الحسن العسكري ـ عليهم السلام جميعاً ـ بغيبته وقيامه بمهام الإمامة وما تقتضيه مهمة الشهادة على أهل زمانه يوم القيامة; ينسجم بشكل كامل مع دلالات الآيات الكريمة المتقدّمة التي لا تنطبق على غيره كما هو واضح بالاستقراء لعقائد الفرق الأُخرى.
إنّ هذه الطائفة من الآيات الكريمة تهدي الى حتمية وجود مهدي آل البيت((عليهم السلام)) وغيبته وقيامه بما تقتضيه مسؤولية الشهادة الإحتجاجية يوم القيامة. وهذا ما تؤكده ـ كما سوف نرى ـ الآيات اللاحقة.
3 ـ لا يخلو زمان من هاد الى الله بأمره
قال تعالى: ( وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلا أُنزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِن رَّبِّهِ إِنَّمَا أَنتَ مُنذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْم هَاد )(56).
تصرّح الآية الكريمة وعلى نحو الإطلاق بأنّ (لِكُلِّ قَوْم هَاد). واستناداً الى إطلاقها يُستفاد أن ثمة هاد الى الحقّ في كلّ عصر.
وهذه الحقيقة منسجمة مع ما تدل عليه الآيات الكريمة وصحاح الأحاديث الشريفة والبراهين العقلية من أنّ ربوبية الله لخلقه اقتضت أن يجعل سبحانه وتعالى لهم في كلّ عصر حجّة له عليهم يهديهم الى الحقّ، طبقاً لسنّته الجارية في جميع مخلوقاته في هدايتهم الى الغاية من خلقها فهو كما قال: ( الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى* وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى)(57). وهذه السنّة جارية على بني الإنسان أيضاً فهو تعالى الذي خلقهم وقدّر بأنّ يهديهم الى كمالاتهم المقدّرة لهم ويدلهم على مافيه صلاحهم في دنياهم واُخراهم.
يقول السيّد الطباطبائي في معنى الآية الكريمة: ]أنّ الكفار[ يقترحون عليك ]أيّها النبيّ الخاتم((صلى الله عليه وآله))[ آية; وعندهم القرآن أفضل آية; وليس إليك شيءٌ من ذلك، وإنما أنت هاد تهديهم من طريق الإنذار، وقد جرت سنة الله في عباده أن يبعثَ في كلّ قوم هادياً يهديهم»(58).
معنى «الهادي» في القرآن
يقول السيّد الطباطبائي: «والآية ]التي ذكرت أعلاه[ تدل على أنّ الأرض لا تخلو من هاد يهدي الناس الى الحقّ أما نبي منذر وأما هاد غيره يهدي بأمر الله»(59). وإطلاق الآية الكريمة ينفي حصر مصداق «الهادي» في الآية بالأنبياء((عليهم السلام)) كما ذهب لذلك الزمخشري في الكشاف في تفسير الآية، لأنّ هذا الحصر يخرج الفترات التي لم يكن فيها نبيّ من حكم الآية
الكريمة العام وهذا خلاف ظاهرها المصرّح بوجود هاد في كلّ عصر لا تخلو الأرض منه.
فمَن هو الهادي في عصرنا الحاضر؟ نرجع الى القرآن الكريم للحصول على الإجابة، فنلاحظ الآيات الكريمة تحصر أمر الهداية الى الحقّ على نحو الأصالة بالله تبارك وتعالى، ثم تثبتها للهادين بأمره على نحو التبعية، يقول عزّ وجلّ: ( قُلْ هَلْ مِن شُرَكَائِكُم مَن يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ قُلِ اللَّهُ يَهْدِي لِلْحَقِّ أَفَمَن يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَن يُتَّبَعَ أَمْ مَن لاَ يَهِدِّي إِلاَّ أَن يُهْدَى فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ)(60).
تلخّص الآية الكريمة وبلغة إحتجاجية الرؤية القرآنية لموضوع الهداية الى الحقّ التي فصلتها العديد من الآيات الكريمة، وهي حصر الهداية الى الحقّ بالله تبارك وتعالى على نحو الإطلاق: (قُلِ اللَّهُ يَهْدِي إِلىَ الْحَقِّ).
ثم قررت الآية الكريمة أن الذي يجب إتباعه من الخلق ليس الذي (لا يستطيع أن يهدي إلاّ أن يهتدي بغيره من البشر)، بل الذي يكون مهتدياً بنفسه دون الحاجة الى غيره من البشر، فإنّ الكلام في الآية ـ كما يقول العلاّمة الطباطبائي في تفسيرها: «قد قوبل فيه قوله: (يَهْدِي إِلىَ الْحَقِّ) بقوله (مَن لاَ يَهِدِّي) مع أن الهداية الى الحقّ يقابلها عدم الهداية الى الحقّ، وعدم الإهتداء الى الحقّ يقابله الإهتداء الى الحقّ، فلازمُ هذه المقابلة الملازمةُ بين الإهتداء بالغير وعدم الهداية الى الحقّ، وكذا الملازمة بين الهداية الى الحقّ والإهتداء بالذات فالذي يهدي الى الحقّ يجب أن يكون مهتدياً بنفسه لا بهداية غيره والذي يهتدي بغيره ليس يهدي الى الحقّ أبداً.
هذا ما تدل عليه الآية بحسب ظاهرها الذي لا ريب فيه وهو أعدل شاهد على أنّ الكلام موضوع فيها على الحقيقة دون التجوزات المبنية على المساهلة التي نبني عليها ونتداولها فيما بيننا معاشر أهل العرف فننسب الهداية الى الحقّ الى كلّ مَن تكلّم بكلمة حقٍّ ودعا إليها وإن لم يعتقد بها أو اعتقد ولم يعمل بها أو عمل ولم يتحقق بمعناها، وسواءٌ اهتدى إليها بنفسه أو هداه إليها غيره.
بل الهداية الى الحقّ أعني الإيصال الى صريح الحقّ ومتن الواقع ليس إلاّ لله سبحانه أو لمن اهتدى بنفسه أي هداه الله سبحانه من غير واسطة تتخلل بينه وبينه، فاهتدى بالله وهدى غيره بأمر الله سبحانه... وقد تبيّن بما قدّمناه في معنى الآية أُمور:
أحدها: أنّ المراد بالهداية الى الحقّ ماهو بمعنى الإيصال الى المطلوب دون ماهو بمعنى إراءة الطريق المنتهي الى الحقّ فإن من الضروري أنّ وصف طريق الحقّ يتأتى من كلّ أحد سواءٌ اهتدى الى الحقّ بنفسه أو بغيره أو لم يهتد.
وثانيها: أنّ المراد بقوله: (مَن لاَ يَهِدِّي إِلاَّ أَن يُهْدَى) هو من لا يهتدي بنفسه، وهذا أعم من أن يكون ممّن يهتدي بغيره أو يكون ممن لا يهتدي أصلاً لا بنفسه ولا بغيره...
وثالثها: أن الهداية الى الحقّ (بمعنى الإيصال إليه) إنما هي شأن مَن يهتدي بنفسه: أي لا واسطة بينه وبين الله سبحانه في أمر الهداية إما من بادئ أمره أو بعناية خاصة من الله سبحانه كالأنبياء والأوصياء من الأئمة. وأما الهداية بمعنى إراءة الطريق ووصف السبيل فلا يختص به تعالى ولا بالأئمة من الأنبياء والأوصياء، كما يحكيه الله تعالى عن مؤمن آل فرعون إذ يقول: ( وَقَالَ الَّذِي آمَنَ يَاقَوْمِ اتَّبِعُونِ أَهْدِكُمْ سَبِيلَ الرَّشَادِ )(61)...
وأما قوله تعالى خطاباً للنبي((صلى الله عليه وآله)) وهو إمام: (إِنَّكَ لاَ تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَاءُ )(62) وغيرها من الآيات فهي مسوقة لبيان الأصالة والتبع كما في آيات التوفّي وعلم الغيب ونحو ذلك مما سيقت لبيان أنّ الله سبحانه هو المالك لها بالذات والحقيقة، وغيره يملكها بتمليك الله ملكاً تبعياً أو عرضياً ويكون سبباً لها بإذن الله، قال تعالى: ( وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا)(63)، وفي الأحاديث إشارة الى ذلك وأن الهداية الى الحقّ شأن النبيّ وأهل بيته «صلوات الله عليهم أجمعين». إنتهى قول العلاّمة الطباطبائي في تفسير الآية ملخصاً وقد عرض الأقوال الأُخرى الواردة في تفسير الآية وبيّن عدم إنسجامها مع منطوق الآية نفسها(64).
والمتحصّل من التدبر فيها هو حصر الهداية الى الحقّ بمعنى الإيصال الى صريحه بالله تبارك وتعالى بالأصالة وبالتبع بمن كان مهدياً بنفسه من قبل الله تبارك وتعالى إذ يتحلّى بدرجة عالية من الاستعداد الذاتي لتلقي المنح الخاصة بالهداية من الله تبارك وتعالى سواء عن طريق الوحي إذا كان نبيّاً أو عن طريق الإلهام الإلهي الخاص إذا لم يكن نبيّاً; وكذلك للحصول على «أمر الله» للقيام بمهمة الهداية إليه عزّ وجلّ، ومراجعة الآيات التي تتحدث عن «أمر الله» تقودنا ـ وبوضوح ـ الى معرفة أنه يشمل الولاية التكوينية والتصرّف الخاص إذ لا تجد آية في القرآن الكريم تذكر «أمر الله» دون أن يقتصر معناه على ولايته التكوينية أو يشملها الى جانب الولاية التشريعية «فالإمام هاد يهدي بأمر ملكوتي يصاحبه، فإلامامة بحسب الباطن نحو ولاية للناس في أعمالهم»(65).
وبهذه الولاية التكوينية يستطيع الهادي الى الله بأمره أن يتصرّف بالأسباب ويصل الى حقائق وبواطن العباد فيعطيهم من حقائق الهداية ما يناسبهم، وهذا التصرّف هو الذي ساقنا إليه التدبر في الآيات الناصة على وجود شهيد في كلّ زمان على أهل عصره.
الهادي منصوب من الله
وبالرجوع ثانية الى القرآن الكريم نجده يصرّح بأنّ الذي يكون هادياً للناس بأمر الله تبارك وتعالى هو الإمام المنصوب لذلك من قبل الله تعالى كما هو واضحٌ من قوله تعالى: (وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا)(66).
وفي هذا تأكيد لما دلّت عليه آيات الإمامة وأنها عهد إلهي يجعله الله فيمن يختاره من عباده، كما أشرنا لذلك في الحديث عن آيات سورة الاسراء وصفات الإمام.
نعود للآية مورد البحث من سورة الرعد فهي تصرّح بأنه (لِكُلِّ قَوْم هَاد) على نحو الإطلاق ومصداق الهادي المراد فيها لا يمكن أن يكون أحد الكتب السماوية للسبب نفسه الذي أوردناه في معرفة مصداق «الإمام» في آية سورة الإسراء، كما لا يمكن حصر المصداق بالنبي لما قلنا من أنه يخرج الفترات التي ليس فيها نبي من حكم الآية وهذا خلاف ظاهر الآية العام الذي يشمل جميع الأزمان.
كما لا يمكن أن يكون المصداق المقصود في الآية هو الله سبحانه وتعالى لأنّ هدايته تشمل جميع الأزمنة دونما تخصيص بقوم دون قوم وهذا خلاف ظاهر الآية خاصة وأنّ لفظة «هاد» جاءت بصيغة النكرة الأمر الذي يفيد تعدد الهداة.
يُضاف الى كلّ ذلك أنّ الهداية الإلهية للناس تكون بواسطة هداة من أنفسهم مرتبطين به تبارك وتعالى يتلقون منه الهداية وينقلونها الى عباده، وهؤلاء هم المهتدون بأنفسهم منه تبارك وتعالى دونما واسطة كما تقدّم في تفسير آية سورة يونس وهم الذين يهدون بأمره تعالى. وهم الأئمة المنصوبون للهداية بأمره تعالى كما تقدّم حيث لم يرد في القرآن الكريم وصف الهداية بأمره إلاّ في موردين اقترن فيهما بوصفي «الأئمة» وإختيارهم لذلك من قبل الله تعالى، والموردان هما آية سورة الأنبياء المتقدّمة وآية سورة السجدة: (وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا )(67).
وتكون النتيجة المتحصلة من التدبر في الآية الكريمة مورد البحث هي حتمية وجود إمام هاد الى الله بأمره تبارك وتعالى منصوب لذلك من قبله عزّ وجلّ في كلّ عصر فلا تخلو الأرض منه سواء أكان نبيّاً أو غير نبيّ. وحيث أن مثل هذا الشخص غير ظاهر في عصرنا الحاضر; إذ لا يوجد بين المسلمين ـ من أي فرقة كانت ـ مَن يقول بوجود إمام ظاهر هاد بأمر الله منصوب من قبله تعالى ورد النص عليه ممن قوله حجّة إلهية كما تقدّم في البحث عن آية سورة الإسراء; لذا فلا مناص من القول بغيبته واستتاره، وقيامه بمهام الإمامة والهداية مستتراً بأستار الغيبة، فيكون الانتفاع به مثل الانتفاع بالشمس إذا غيّبتها عن الأبصار السحب كما ورد في الأحاديث الشريفة(68). وهذا ما تقول به مدرسة أهل البيت((عليهم السلام)) في الإمام المهدي وغيبته.
المهدي الموعود وغيبته في المتّفق عليه من السُنّة
الى جانب الآيات الكريمة المتقدّمة توجد بين أيدينا الكثير من الأحاديث الشريفة التي صحت روايتها عند أهل السنّة والشيعة عن سيد المرسلين((صلى الله عليه وآله)) بطرق كثيرة ، تؤكد دلالات الطائفة المتقدّمة من الآيات الكريمة وتفصل مجملاتها وتكمل الصورة التي ترسمها فيما يرتبط بالدلالة على وجود الإمام المهدي الموعود((عليه السلام)) بالفعل وغيبته وتصرح بالمصداق الذي دلت عليه الآيات الكريمة بذكر صفاته العامة.
ونختار هنا نماذج من الأحاديث الشريفة المتواترة أو المستفيضة المروية بأسانيد صحيحة عند أهل السنّة والمروية في الكتب الستة المعتمدة عندهم لأنّ الإحتجاج بها أبلغ، ولأنّ تفسيرها وتقديم المصداق المعقول لها غير ممكن إلاّ على ضوء عقيدة أهل البيت في المهدي المنتظر((عليه السلام)) فيما يرتبط بعصرنا الحاضر خاصة; ولأنّ الرسول الأعظم ((صلى الله عليه وآله)) ، قد صرح في
هذه الأحاديث المختارة بالأهمية القصوى التى تحظى بها مضامينها كما سنرى.
1 ـ حديث الثقلين
وهو من الأحاديث المتواترة، رواه حفاظ أهل السنّة والشيعة بأسانيد صحيحة عن جم غفير من أصحاب رسول الله ((صلى الله عليه وآله))، عدَّ ابن حجر ـ من علماء أهل السنّة ـ أكثر من عشرين منهم في كتابه الصواعق المحرقة(69)، وألّف الحافظ أبو الفضل المقدسي المعروف بابن القيسراني ـ وهو من كبار حفّاظ أهل السنّة ـ كتاباً خاصاً عن طرق هذا الحديث الشريف(70). كما أثبتت العديد من الدراسات الحديثية تواتره بما لا يدع أي مجال للنقاش أو التشكيك ، نظير ما فعل العلاّمة المتتبع المير حسين حامد الموسوي في موسوعة عبقات الأنوار وغيره من العلماء(71).
ويتضح من روايات هذا الحديث الشريف أنّ النبيّ المكرم ((صلى الله عليه وآله)) قد كرر مضمونه بعبارات وألفاظ متقاربة في عدة مناسبات ، منها في يوم عرفة من حجّة الوداع، وموقف يوم الغدير في طريق عودته منها وبعد إنصرافه من الطائف، وفي الجحفة، وفي خطبة له في مسجده بالمدينة بعد عودته من هذه الحجّة، وفي حجرته أيام مرضه ((صلى الله عليه وآله)) وقد امتلأت الحجرة بالصحابة(72). وكلّ ذلك يكشف عن أهمية الوصية النبوية التي تضمنها الحديث بالنسبة للإسلام والمسلمين وإلاّ لما أولاها ـ وهو الحريص على المؤمنين الرؤوف الرحيم بهم ـ كلّ هذا الإهتمام في التكرار والتبليغ في تلك المواطن المهمة التي تجمع أكبر عدد من المسلمين ، خاصة وأنه((صلى الله عليه وآله)) كان يبادر لإعلان هذه الوصية ويؤكدها على الملأ العام دون أن ينتظر مَن يسأله عنها.
ويستفاد من بعض الروايات أنّ مضمون الوصية التي تضمنها هذا الحديث الشريف، هو الذي أراد رسول الله محمّد ((صلى الله عليه وآله)) كتابته للمسلمين في الأيام الأخيرة من حياته المباركة عندما طلب أن يأتوه بكتف ودواة ليملي عليهم وصية لكي لا يضلّوا بعده ، كما ورد في نص حديث الكتف والدواة المروي في صحيح البخاري(73) وغيره فمنعوه من ذلك ووقع الاختلاف فصرفهم كما في حديث رزية يوم الخميس المشهور دون أن يدون الوصية ، إذْ يُلاحظ أنّ عبارة «لن تضلوا بعدي » المذكورة في حديث طلبه كتابة الوصية عبارة متكررة في حديث الثقلين أيضاً، كما تكررت وصيته بأهل بيته وعترته خيراً في حديث الثقلين وفي وصاياه في الساعات الأخيرة من حياته المباركة.
ويظهر من ذلك بوضوح أنّ النبيّ الأكرم ((صلى الله عليه وآله)) أراد تسجيل مضمون الحديث الشريف في وثيقة نبوية حاسمة للجدال مدونة بحضور كبار صحابته قطعاً للجدال وتوكيداً للأمر. وكلّ ذلك يبيّن أنّ الموضوع الذي يتضمنه مهم للغاية وإلاّ لما أكد عليه هادي الأُمم ((صلى الله عليه وآله)) بهذه الدرجة المشددة، وهذا الأمر يكشف عنه نص الحديث نفسه المصرّح بأنّ العمل بالوصية التي يتضمنها هو سبيل النجاة من الضلالة بعده ((صلى الله عليه وآله))... كما سيتضح أكثر خلال دراسة نصه.
كما أنّ ثبوت تواتر الحديث الشريف عند المسلمين كافة يجعل من الممكن الإستناد إليه في المسائل الاعتقادية كما هو ثابت في علم الكلام الاسلامي، لذا يمكن الإستناد إليه في قضية الإمامة .
اللفظ المتواتر : كتاب الله وعترتي
واللفظ المتواتر لهذا الحديث الشريف هو الذي ورد فيه ذكر القرآن الكريم وأهل بيت النبيّ أو عترته ـ صلوات الله وسلامه عليه وعليهم ـ كمصداق للثقلين والأمر بالتمسك بهما منجاة من الضلالة الى يوم القيامة، طبق ما رواه البخاري في كتابه التاريخ الكبير ومسلم في صحيحه والترمذي في سننه وكذلك النسائي في خصائصه وابن ماجه في سننه ، وأحمد بن حنبل في مسنده، والحاكم في مستدركه وصححه على شرط الشيخين ووافقه في ذلك الذهبي، وغيرهم كثير(74)، وما أخرجه مسلم في صحيحه عن زيد بن أرقم هو قوله: «... قام رسول الله((صلى الله عليه وآله)) فينا خطيباً بماء يدعى خماً بين مكة والمدينة فحمد الله وأثنى عليه ووعظ وذكّر ، ثم قال :
«أما بعد، أيّها الناس، فإنما أنا بشر ويوشك أن يأتي رسول ربي فأجيب، وأنا تارك فيكم ثقلين: أولّهما كتاب الله فيه الهدى والنور، فخذوا بكتاب الله واستمسكوا به... وأهل بيتي اذكركم الله في أهل بيتي، اذكركم الله في أهل بيتي، اذكركم الله في أهل بيتي »(75).
وأخرج الترمذي في سننه بسنده عن أبي سعيد الخدري عن رسول الله((صلى الله عليه وآله)) قال: « إني تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلّوا بعدي، أحدهما أعظم من الآخر: كتاب الله حبل ممدودٌ من السماء الى الأرض، وعترتي أهل بيتي ولن يتفرقا حتى يردا عليَّ الحوض، فانظروا كيف تخلفوني فيهما »(76).
وأخرج الحاكم في مستدركه ما نصّه:
«كأنني قد دعيت فأجبت ، إني قد تركت فيكم الثقلين أحدهما أكبر من الآخر : كتاب الله تعالى وعترتي، فانظروا كيف تخلفوني فيهما، فإنهما لن يفترقا ]يتفرقا[ حتى يردا عليَّ الحوض، إن الله عزّ وجلّ مولاي، وأنا مولى كلّ مؤمن ـ ثم أخذ بيد عليّ((رضي الله عنه)) فقال: مَنْ كنت مولاه فهذا وليّه. اللهم وال من والاه وعادِ مَن عاداه »(77).
وفي لفظ آخر أورده ابن حجر في صواعقه، قال: «وفي رواية صحيحة: «(انّي تارك فيكم أمرين لن تضلّوا إن تبعتموهما، وهما: كتاب الله وأهل بيتي عترتي)، زاد الطبراني: (انّي سألت ذلك لهما، فلا تقدموهما فتهلكوا، ولا تقصروا عنهما فتهلكوا، ولا تعلموهم، فإنّهم أعلم منكم)»(78) .
والألفاظ الأُخرى التي أخرجها باقي الحفّاظ مقاربة لهذه النصوص. وفي جميعها ورد الحديث بلفظ «كتاب الله وعترتي»، وهو اللفظ المتواتر، لذا فلا إعتبار في مقابله باللفظ المحرف الذي استبدل عبارة « عترتي أهل بيتي» بكلمة «سنّتي» ، فأهداف هذا التحريف واضحة والإصرار على ترويجه إرتبط بمصالح الأمويين والعباسيين السياسية، يُضاف الى ذلك أن هذا اللفظ المحرف لم يُروَ في المصادر المعتبرة(79)، وهو في أفضل الأحوال من روايات الآحاد الضعيفة التي لا تفيد علماً ولا عملاً خاصة في مسألة عقائدية مهمة كالتي يتناولها مضمون الحديث.
وحتى لو فرضنا صحة رواية هذا اللفظ المحرف ـ كما فعل ابن حجر في صواعقه ـ فانّ ذلك لا يعارض اللفظ المتواتر ولا ينقص من دلالته العقائدية المهمة ، بل إنّ الجمع بينهما ممكن وهو يضيف تأكيداً لحقيقة أنّ سنّة الرسول ((صلى الله عليه وآله)) هي عند أئمة عترته فهم العلماء بالكتاب والسنّة ، كما أشار لذلك ابن حجر حيث قال: «... وفي رواية (كتاب الله وسنّتي) وهي المراد من الأحاديث المقتصرة على الكتاب لأنّ السنّة مبينة له; فأغنى ذكره عن ذكرها، والحاصل أن الحث وقع على التمسك بالكتاب وبالسنة وبالعلماء بهما من أهل البيت، ويُستفاد من مجموع ذلك بقاء الأُمور الثلاثة الى قيام الساعة»(80).
دلالات الحديث على وجود الإمام
دلالات الحديث الشريف كثيرة ، وقد استدل به العلماء لإثبات معظم مسائل الإمامة حسب مذهب أهل البيت ((عليهم السلام))(81)، نقتصر هنا على ذكر أهمها ممّا يرتبط بموضوع بحثنا خاصة.
1 ـ صرّح الحديث الشريف بأنّ سبيل النجاة من الضلالة بعد وفاة الرسول ((صلى الله عليه وآله))، إنما يكون بالتمسك بالقرآن والعترة النبوية معاً : « ما إن تمسكتم بهما »، وليس بواحد منهما فقط، بمعنى أنّ التمسك بأحدهما لا يكون تاماً وحقيقياً ولن يضمن النجاة من الضلالة إلا إذا اقترن وقاد الى التمسك بالآخر، فلن يكون مدعي التمسك بأحدهما صادقاً في إدعائه لأنهما « لن يفترقا» .
2 ـ حدّد الحديث بوضوح هوية الثقل الثاني بقوله ((صلى الله عليه وآله)) : « عترتي أهل بيتي » ، والعترة كما يقول علماء اللغة : «نسل الإنسان، قال الأزهري: وروى ثعلب عن ابن الأعرابي أنّ العترة ولد الرجل وذريته وعقبه من صلبه ولا تعرف العرب من العترة غير ذلك »(82).
وبهذا تخرج نساء النبيّ ((صلى الله عليه وآله)) من مصداق الحديث.
بل وحتى مع الأخذ بوصف « أهل بيتي » مجرداً تخرج نساء النبيّ من المصداق لما أخرجه مسلم في صحيحه في ذيل حديث الثقلين حيث وضّح راوي الحديث عن زيد بن أرقم المقصود عندما سألوه : «مَن أهل بيته، نساؤه؟ قال : لا وأيم الله ، إنّ المرأة تكون مع الرجل العصر من الدهر ثم يطلقها فترجع الى أبيها وقومها . أهل بيته أصله وعصبته الذين حرموا الصدقة بعده»(83).
مصداق أهل البيت((عليهم السلام))
وقد حدّد رسول الله ((صلى الله عليه وآله)) نفسه مصداق « أهل البيت » بعد نزول آية التطهير ، حيث خصصها ببيت فاطمة ((عليها السلام)) ، فقد جاء في الحديث: «إنه كان يمر ببيت فاطمة رضي الله عنها ستة أشهر إذا خرج الى الفجر فيقول: الصلاة يا أهل البيت، (إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً )، كما روى ذلك أحمد بن حنبل في مسنده(84).
يُضاف الى ذلك تصريحه بأنّ هؤلاء هم أهل بيته في حديث الكساء المشهور وإخراجه زوجته أُم المؤمنين أُم سلمة منهم وقوله لها إنها على خير لكنها ليست من أهل البيت. وحديث الكساء رواه مسلم في صحيحه والسيوطي في الدر المنثور بعدة أسانيد صحيحة طبق طرق أهل السنّة(85).
والثابت أن الإمام عليّاً ((عليه السلام)) أدخله في مصداق «أهل البيت » وإن لم يكن من صلبه كما هو ظاهر مما تقدّم.
عصمة الإمام وتوفر شروط الحديث
3 ـ إنّ معرفة مصداق « أهل بيتي وعترتي » في الحديث الشريف تبين صفة أُخرى للثقل الثاني هي تحلّيه بالعصمة كما هو واضح من دلالة آية التطهير المباركة(86)، وهذا ما ينسجم مع دلالة الحديث نفسه على عصمة الثقل الثاني، فهو يؤكد عدم افتراق الثقلين أبداً وفي أي حال كما هو المستفاد من استخدام أداة «لن» التأبيدية، ومن الثابت أنّه لا باطل في القرآن أبداً، لذا فعدم افتراق الثقل الثاني عنه دالّ على عصمته وإلاّ لافترق عن القرآن في حالات صدور الخطأ أو المعصية وكلّ مصاديق الباطل، وهذا ما ينفيه الحديث صراحةً الأمر الذي يدل على عصمة العترة.
ويُضاف الى ذلك أن الأمر بالتمسك بهما معاً مطلق ـ كما هو واضح لأنّه لم يُقيّد بشيء ـ ; لذلك فهو يشمل مختلف الأحوال والأزمان، ولو جاز وقوع العترة بما يخالف العصمة لأدّى ذلك الى القول بأنّ رسول الله ((صلى الله عليه وآله)) أمر بالتمسك بها حتى في الحالات التي تقع في الخطأ وما يخالف القرآن، وهذا محال.
كما يتّضح ممّا تقدّم إخراج غير المعصومين من ذرية الرسول من مصداق الثقل الثاني المأمور بالتمسك به، يقول ابن حجر في دراسته لهذا الحديث : «ثم إنّ الذين وقع الحث عليهم منهم إنما هم العارفون بكتاب الله وسنة رسوله، إذ هم الذين لا يفارقون الكتاب الى الحوض ويؤيده الخبر السابق: «ولا تعلموهم فإنهم أعلم منكم» وتميزوا بذلك عن بقية العلماء لأنّ الله أذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً وشرفهم بالكرامات الباهرة والمزايا المتكاثرة وقد مر بعضها»(87).
وقد أثبت الواقع التاريخي انحصار توفر هذا الشرط بعد رسول الله((صلى الله عليه وآله)) في الإمام عليّ والأحد عشر إماماً من أولاده وأولاد فاطمة بنت رسول الله أي من ذرية رسول الله ((صلى الله عليه وآله)) ، كما نسب نبي الله عيسى الى إبراهيم من جهة البنت. فالإمامية مجمعون على عصمتهم وسائر فرق أهل السنّة مجمعة على محبتهم ونزاهتهم ولم يدع أحد صدور أي شيء يخالف عصمتهم رغم حرص الحكومات المعاصرة لهم على الحصول على أي شيء من هذا القبيل كما هو ثابت تاريخياً أيضاً(88).
4 ـ كما أنّ الأمر بالتمسك بالقرآن والعترة مطلقٌ زمانياً أيضاً كما هو واضحٌ من قوله ((صلى الله عليه وآله)) : «من بعدي » دونما تقييد ، فهو نافذ المفعول الى يوم القيامة لخلود الشريعة المحمّدية حيث لا نبيّ بعده ((صلى الله عليه وآله)) ، وحيث إنّ القرآن محفوظ من الله تبارك وتعالى ، والعترة هي الثقل الملازم له الذي لن يفترق عنه، لذلك فهي محفوظة من الله تبارك وتعالى الى يوم القيامة أيضاً.
من هنا يتضح أنّ في هذا الحديث الشريف المتواتر نصاً صريحاً على حتمية وجود ممثل لأهل بيت النبيّ وعترته ((صلى الله عليه وآله)) يتحلّى بالعصمة وملازمة القرآن في كلّ عصر لكي يتمسك العباد به وبالذكر الإلهي المحفوظ بهدف النجاة من الضلالة عملاً بوصية نبيهم الخاتم محمّد ((صلى الله عليه وآله)) ، وإلاّ لبطل مضمون هذا الحديث المتواتر الذي ثبت صدوره عمن لا ينطق عن الهوى.
فلابدّ إذن من وجود إمام معصوم من العترة النبوية في عصرنا الحاضر يكون مصداقاً للثقل الثاني ويكون التمسك به ممكناً. وقد تنبه لهذه الحقيقة والدلالة الواضحة في حديث الثقلين عدد من كبار علماء أهل السنّة وصرح بعضهم بها، مثل ابن حجر الهيتمي حيث قال: «وفي أحاديث الحث على التمسك بأهل البيت إشارة الى عدم انقطاع متأهل منهم للتمسك به الى يوم القيامة كما أنّ الكتاب العزيز كذلك، ولهذا كانوا أماناً لأهل الأرض كما يأتي ويشهد لذلك الخبر السابق : «في كلّ خلف من أُمتي عدول من أهل بيتي ... »(89).
مصداق الحديث في العصر الحاضر
إذن الحديث الشريف يدل بصراحة على وجود متأهل من عترة النبيّ((صلى الله عليه وآله)) للتمسك به الى جانب القرآن الكريم في عصرنا الحاضر ويشترط فيه أن يكون معصوماً أيضاً، فمَن هو هذا الإمام؟
من الواضح أنّ ليس ثمّة إمام ظاهر يدعي ذلك أو تنطبق عليه الصفات المستفادة من هذا الحديث الشريف، فلابدّ إذن من القول بوجوده وغيبته لأنّ القول بعدم وجوده مردود بدلالة حديث الثقلين المتواتر، وهذه هي خلاصة عقيدة مذهب أهل البيت ((عليهم السلام)) في المهدي الموعود القائمة على الكثير من الأدلة النقلية والعقلية والقائلة بوجوده وغيبته عن الأبصار دون أن تمنع غيبته إمكانية الإنتفاع به كما ينتفع بالشمس إذا غيبتها عن الأبصار السحب.
2 ـ أحاديث الخلفاء الاثني عشر
روى أحاديث الخلفاء أو النقباء أو الأمراء أو القيمين الاثني عشر، أصحاب الصحاح والمسانيد المعتبرة عند أهل السنّة بأسانيد صحيحة عن جابر ابن سمرة، كما روَوها عن أنس بن مالك وابن مسعود وعبدالله بن عمر وحذيفة بن اليمان، وكلّها مسندة الى رسول الله ((صلى الله عليه وآله))، ومضمون الحديث مروي ـ بتفصيل أكثر ـ وبتواتر من طرق أتباع أهل البيت ((عليهم السلام)) وقد نقل آية الله الشيخ لطف الله الصافي أكثر من (270) حديثاً بهذا الشأن(90).
فهذه الأحاديث من المتفق عليه بين الفرق الإسلامية فلا مجال للتشكيك في صحة المقدار المشترك بينها على الأقل. لكننا نكتفي هنا بالنصوص المروية في الكتب المعتبرة عند أهل السنّة وتحديد دلالتها ومصداقها ـ على الرغم من خلوها من التفصيلات الموجودة في أحاديث الطرق الأُخرى لأسباب واضحة ـ لكي تكون النتيجة حجّة على الجميع .
ألفاظ الأحاديث
روى البخاري في صحيحه بسنده عن جابر بن سمرة قال: سمعت النبيّ ((صلى الله عليه وآله)) يقول: «يكون إثنا عشر أميراً»، فقال كلمة لم أسمعها ، فقال أبي: إنه قال: «كلّهم من قريش»(91).
ورواه مسلم في صحيحه من عدة طرق عن جابر بن سمرة وبعدة ألفاظ وفي بعضها لفظ:
«إنّ هذا الأمر لا ينقضي حتى يمضي منهم إثنا عشر خليفة...».
« لا يزال أمر الناس ماضياً ما وليهم إثنا عشر رجلاً...»(92).
« لا يزال الإسلام عزيزاً الى إثني عشر خليفة...».
وتشترك هذه الأحاديث في أنه لم يسمع ذيل الحديث فأخبره والده بلفظ «كلّهم من قريش » وهي التتمة الواردة في معظم نصوص الحديث.
ورواه الترمذي بلفظ : « يكون من بعدي إثنا عشر أميراً ...»(93) وأبو داود بلفظ: «لا يزال هذا الدين عزيزاً الى اثني عشر خليفة ، فكبّر الناس وضجوا ثم قال كلمة خفيت، قلت لأبي : يا أبه ما قال ؟ قال: كلّهم من قريش»(94).
ورواه أحمد في مسنده بطرق كثيرة منها بلفظ : « لا يزال الدين قائماً حتى تقوم الساعة، ... »، وفي بعضها أنّ ما قاله رسول الله ((صلى الله عليه وآله)) هو: «لا يزال هذا الدين ظاهراً على مَن ناواه، لا يضره مخالف ولا مفارق حتى يمضي من أُمتي إثنا عشر أميراً ...»، وفي روايات أُخرى أنه قاله في عرفات، وفي أُخرى في يوم جمعة عشية رجم الأسلمي، وفي بعضها أن الرسول عقب عليه بالقول : « ... وإذا أعطى الله تبارك وتعالى أحدكم خيراً فليبدأ بنفسه وأهله وأنا فرطكم على الحوض » ، وفي بعضها أنّ قريشاً جاءت إليه ((صلى الله عليه وآله)) وسألته عما يكون بعد ذلك فقال : «الهرج»(95).
ورواه الطبراني في المعجم الكبير وفي أوله : « يكون لهذه الأُمة إثنا عشر قيّماً لا يضرهم من خذلهم ... »(96).
ورواه المتقي الهندي في كنز العمال عن أنس بن مالك بلفظ : « لن يزال هذا الدين قائماً الى اثني عشر من قريش فإذا هلكوا ماجت الأرض بأهلها(97)»(98).
دلالاتها على وجود الإمام المهدي((عليه السلام))
هذه هي النصوص المروية في المصادر المعتبرة عند أهل السنّة، وبعد عرضها نثبت الدلالات المستفادة منها كما يلي:
1 ـ المستفاد من روايات الحديث الشريف أنه جاء ضمن خطبة مهمة ألقاها الرسول الأكرم ((صلى الله عليه وآله)) على المسلمين في الأيام الأخيرة من حياته الشريفة ، وتصرح مجموعة من رواياته أنها كانت في عرفات في حجّة الوداع الشهيرة وهي الخطبة نفسها التي أعلن فيها وصيته الشهيرة بالتمسك بالقرآن وعترته في حديث الثقلين المتواتر الذي دل ـ كما عرفنا ـ على حتمية وجود متأهل من أهل البيت ((عليهم السلام)) للتمسك به الى جانب القرآن والى يوم القيامة. وهي الحجّة نفسها التي بلغ في طريق عودته منها الأمر القرآني بتنصيب الإمام عليّ ولياً ومرجعاً للمسلمين من بعده يخلفه في ذلك.
وهذا التقارن بين هذه الأحاديث الثلاثة وجمع تبليغها في الأيام الأخيرة من حياته الشريفة وإحاطتها بكثير من الأهمية يكشف عن أهمية مضامينها فيما يرتبط بهداية المسلمين الى ما يضمن لهم النجاة على المستويين الفردي والاجتماعي واستمرار تحرك المسيرة الإسلامية من بعده على الصراط المستقيم والمحجة البيضاء.
فهي تشترك في الموضوع المستقبلي الذي تدور عليه مضامينها، لذلك لا يمكن القول بأنّ رسول الله ((صلى الله عليه وآله)) اراد من أحاديث الأئمة الاثني عشر مجرد الإخبار عن واقع تاريخي سيجري بعد وفاته، فهذا ما لا يمكنه تفسير الأهمية القصوى التي أحاط بها تبليغه لمضمون هذا الحديث، بل واضحٌ أنّ تبليغ هذا الحديث في الأيام الأخيرة من حياته الشريفة يأتي في ضمن مساعيه لهداية المسلمين الى ماينقذهم من الضلالة والإنحراف بعده وهو الهدف الذي صرح به في حديث الثقلين، لذا فذكر الأئمة أو الخلفاء الاثني عشر والإخبار عن مجيئهم بعده هو لهداية المسلمين وصوناً لمستقبل مسيرتهم من بعده وإتماماً للحجّة عليهم. وهذه نقطة محورية مهمة يجب أخذها بنظر الإعتبار لدراسة هذا الحديث ولمعرفة مصداقه.
ترابط أحاديث حجّة الوداع
2 ـ وعلى ضوء اشتراك الأحاديث الثلاثة في موضوع واحد، فإن مما يعين على فهم هذا الحديث الشريف مورد البحث، ملاحظة إرتباطه بالحديثين الآخرين اللذين بلغهما الرسول محمّد ((صلى الله عليه وآله)) في حجّة الوداع نفسها أو على الأقل في فترة زمنية واحدة هي الأيام الأخيرة من حياته الشريفة . وحقيقة الأمر أنّ الأحاديث الثلاثة ترسم صورة متكاملة لطريق اهتداء المسلمين لما يضمن مستقبل مسيرتهم من بعده ((صلى الله عليه وآله)) .
فحديث الثقلين يصرح ـ كما بيّنا سابقاً ـ بأنّ النجاة من الضلالة بعد رسول الله ((صلى الله عليه وآله)) تكون بالتمسك بالقرآن والعترة وأن لكلّ زمان رجلاً من أهل بيته وعترته جديراً بأنّ يكون التمسك به الى جانب القرآن منجاة من الضلالة.
أما حديث الغدير فإنه يصرح باسم الإمام عليّ ((عليه السلام)) كولي للأُمة بعده ((صلى الله عليه وآله)) يجب عليهم التمسك بولايته كما وجب التمسك بولاية خاتم المرسلين، وهذا ما يدل عليه أخذه ((صلى الله عليه وآله)) الإقرار من المسلمين بأنه أولى بالمؤمنين من أنفسهم ثم قوله : « مَن كنتُ مولاه فهذا عليّ مولاه »(99).
أما حديث الأئمة الاثني عشر فإنه يصرح بأنّ الدين يبقى قائماً الى يوم القيامة بوجود هؤلاء الأئمة وبهذا العدد لا يزيد ولا ينقص، ويهدي الى التمسك بهم.
فتكون الصورة التي ترسمها الأحاديث الثلاثة معاً ـ وقد صدرت في حجّة واحدة أو على الأقل في فترة زمنية واحدة هي الأيام الأخيرة من حياته الشريفة وضمن مسعى واحد هو هداية المسلمين الى سبيل النجاة من الإنحراف والضلالة بعده وهي: أن النجاة من الضلالة وحفظ قيام الدين تكون بالتمسك بالقرآن الكريم وبأئمة العترة الطاهرة الذين لا يخلو زمانٌ من أحدهم وأن أولهم الإمام عليّ ((عليه السلام)) وعددهم إثنا عشر إماماً لا يزيد ولا ينقص.
مصداق الخلفاء الاثني عشر
وعندما نرجع للواقع التاريخي الاسلامي لا نجد مصداقاً للنتيجة المتحصلة سوى أئمة أهل البيت الاثني عشر بدءً بالإمام عليّ وانتهاءً بالمهدي المنتظر ـ سلام الله عليهم ـ لا يزيد عددهم عن الأثني عشر ولا ينقص فجاءوا المصداق الوحيد لما أخبر به الرسول الأكرم ((صلى الله عليه وآله)) إذْ لم يدّع غيرهم ذلك، تحقيقاً للنبوّة المحمّدية الثابتة عند المسلمين جميعاً.
وحيث قد ثبتت عند المسلمين كافة وفاة الأئمة الأحد عشر من هؤلاء الأئمة الاثني عشر، وثبت عند الإمامية عدموفاة الثاني عشر منهم، في حين أنّ الحديث المتقدم ينص على استمرار وجودهم الى يوم القيامة; لذا فلا مناص من القول بوجود الإمام الثاني عشر وغيبته ـ إذ من الثابت للجميع عدم ظهوره ـ وقيام الدين بوجوده في غيبته أيضاً تصديقاً لما نص عليه الحديث المتقدم . فيكون هذا الحديث الشريف دليلاً على وجود المهدي الإمامي وغيبته.
دراسة الأحاديث مستقلة
3 ـ الدلالة نفسها يمكن التوصل إليها من خلال دراسة الحديث المتقدم بصورة مستقلة وبغض النظر عن إرتباطه بحديثي الثقلين والغدير ، وإستناداً الى الدلالات المستفادة من الحديث نفسه وطبقاً للمروي في كتب أهل السنّة. فنصوصه تجمع على أن موضوعه الأوّل إخبارُ المسلمين بأنّ إثني عشر شخصاً سيخلفون النبيّ ((صلى الله عليه وآله)) لقوله: « يكون من بعدي » ، أي في الفاصلة الزمنية بين رحيله والى يوم القيامة كما هو المستفاد من قوله في مقدمة الحديث : « إن هذا الأمر لا ينقضي » كما في صحيح مسلم وغيره والصيغ الأُخرى دالة على الأمر نفسه.
وعليه فالصفات والدلالات التي يشتمل عليها الحديث الشريف لا تنطبق على أكثر من إثني عشر شخصاً بعد رسول الله ((صلى الله عليه وآله)) والى يوم القيامة، وإلاّ لما حصر رسول الله ((صلى الله عليه وآله)) الأمر بهم. فمَنْ هم هؤلاء ؟
وللإجابة على هذا السؤال نرجع الى نصوص الحديث الشريف نفسه لمعرفة الصفات التي تحددها لهم ثم نلاحظ على مَن تنطبق .
إنّ الصفات التي تذكرها النصوص هي: امراءٌ ، قرشيون ، كونهم خلفاء، بقاء الإسلام عزيزاً بهم، قيام الدين بهم، قيّمون على الأُمّة، خذلان البعض لهم وتعريضهم للمعاداة. فلندرس كلّ واحدة من هذه الصفات.
إنّ معنى الإنتماء لقريش واضح ، وقد أجمعت معظم المذاهب الإسلامية على اشتراطه في الإمام . أما صفة «الخليفة» أو «الأمير» فالمعنى المتبادر منها هو مَن يخلف رسول الله ((صلى الله عليه وآله)) في قيادة المسلمين أو مَن يلي أمرهم، فهل الوصف هذا يراد به من تولّى حكم المسلمين السياسي بعد وفاته ((صلى الله عليه وآله)) ؟!
من الواضح أنه لا يمكن حمل الوصف المذكور على هذا المعنى ، إذ إنّ هذا تنفيه أحاديث أُخرى صحت حتى عند إخواننا أهل السنّة وهي المصرحة بأنّ الخلافة بهذا المعنى لن تستمر بعد رسول الله ((صلى الله عليه وآله)) لأكثر من ثلاثين عاماً ثم تصبح ملكاً(100). في حين أن الحديث الشريف يصرح باستمرار وجود هؤلاء الاثني عشر الى يوم القيامة. فلا معنى لحصر البحث عن مصاديق الحديث الشريف فيمن تولى حكم المسلمين بالفعل.
دلالة الواقع التاريخي
يُضاف الى ذلك أن الواقع التاريخي الاسلامي ينفي أن يكون المقصود بالخليفة هذا المعنى، إذْ انّ عدد مَن وصل للحكم من المسلمين بعد وفاة رسول الله((صلى الله عليه وآله)) وتسمى بهذا الاسم يفوق الاثني عشر بكثير.
أجل يمكن القول بأنّ الاثني عشر المقصودين في الحديث الشريف قد يكون بعضهم من هؤلاء الذين وصلوا الى الحكم وهم الجامعون للأوصاف الواردة في النصوص وليس مجرد تسلم حكم المسلمين بطريقة أو بأُخرى يجعلهم مصداقاً للخلفاء والاُمراء في هذا الحديث الشريف.
فإنّ الخلافة والإمرة بالمعنى المعروف والمتداول بين المسلمين هو أمر منقوض ومردود بتصريح الأحاديث الشريفة بسرعة زوال الخلافة بهذا المعنى كما تقدّم، ولأنه يستلزم أن يكونوا متفرقين على مدى التاريخ الإسلامي وهذا ما تنقضه الدلالات الأُخرى المستفادة من الحديث الشريف، لأنّ مصاديق هذا المفهوم قد انقطعت منذ مدة طويلة في حين أنّ الحديث ينص على استمرار وجود هؤلاء الخلفاء الاثني عشر الى يوم القيامة دونما انقطاع كما سنرى لاحقاً.
ولذلك لابدّ من حمل معنى «الخليفة» في هذا الحديث على ماهو أعم من التولي المباشر للحكم السياسي، أي أن يكون المقصود خلافته ((صلى الله عليه وآله)) في الوصاية على الدين والولاية على الأُمّة وهدايتها الى الصراط المستقيم سواء استلم الخليفة الحكم عملياً أو لم يستلمه، فالرسول ((صلى الله عليه وآله)) كان يقوم بهذه المهمة عندما كان في مكة يتابع نشر دعوته بسرية وعندما أعلنها وتعرض للأذى من المشركين وعندما هاجر الى المدينة وأقام دولته وتولى حكومتها. فقد كان((صلى الله عليه وآله)) قيّماً على الدين الحقّ حافظاً له وداعياً إليه في كلّ الأحوال، دون أن يكون لاستلامه الفعلي للحكم علاقة بإنجاز هذه المهمة وإن كان هو الأجدر باستلام الحكم في كلّ الأحوال.
وهذا ما يشير إليه تشبيهه ((صلى الله عليه وآله)) لهؤلاء الاثني عشر بنقباء بني إسرائيل وأوصياء موسى ((عليه السلام)) كما في حديث ابن مسعود المروي في مسند أحمد بن حنبل وغيره(101). وهذا ما يدل عليه الحديث الشريف نفسه عندما يربط ـ في بعض نصوصه ـ بين وجودهم وبين قيام الدين أي حفظه ، فهم أوصياء رسول الله((صلى الله عليه وآله)) وخلفاؤه في الوصاية على دينه والهداية إليه.
اتصال وجود الخلفاء الاثني عشر
وهذه الصفة ـ أي قيام الدين بهم ـ تدل على استمرار وجودهم ما بين وفاة رسول الله ((صلى الله عليه وآله)) ويوم القيامة، لأنّ القول بتفرقهم وخلو بعض الأزمان من أحدهم مع ربط قيام الدين بهم، يعني ضياع الإسلام وعدم قيامه في بعض الأزمان وهذا خلاف ما يدل عليه الحديث الشريف بعبارات من قبيل « لا يزال الدين قائماً » « لا يزال الإسلام عزيزاً ».
من هنا لا يمكن أن يكون مصداق الحديث الشريف أشخاصاً متفرقين على طول التاريخ الإسلامي بل يجب أن لا يخلو زمان من واحد منهم. فيكون وجودهم متصلاً.
كما أنّ صفة قيام الدين بهم تؤكد أنّ المعنى المراد من الخلافة لرسول الله((صلى الله عليه وآله)) هو المعنى الشمولي المتقدم الذي يشمل بالدرجة الأُولى الوصاية على الدين الحقّ وحفظه والدعوة له والهداية إليه، الأمر الذي يؤهلهم للقيمومة على الأُمّة والولاية الشرعية عليهم المنتزعة من الولاية النبوية كما في حديث الغدير المشار إليه.
وهذا يستلزم تحليهم بالدرجة العليا من العلم بالدين الحقّ والعمل على وفقه لكي يكونوا أهلاً لحفظه وهداية الخلق إليه، وهذا ما يشير إليه قوله ((صلى الله عليه وآله)) في وصفه لهم : « كلّهم يعمل بالهدى ودين الحقّ » الوارد في ذيل بعض نصوص هذا الحديث الشريف(102).
وعلى ضوء ما تقدّم نفهم الصفة الاخرى التي يذكرها الحديث الشريف لهم وهي أنهم سيُعرضون للكثير من أشكال المعاداة والخذلان ـ ولو لم يكن كثيراً لما استحق الذكر ـ دون أن يضرهم ذلك ، فهذا العداء والخذلان لن يضرهم بمعنى أنّه لا يصدهم عن تحقيق مهمتهم الأساسية بالحفاظ على قيام الدين وعزته رغم كلّ الصعاب وبقائه محفوظاً عندهم في كلّ الأزمان رغم أنّ الكيان السياسي للمسلمين تعرض لحقب تاريخية عديدة أصابه فيها الذل والهوان وتولى حكمه فيها أبعد الخلق عن معنى خلافة رسول الله ((صلى الله عليه وآله)) .
هذه هي صفات الخلفاء الأئمة الاثني عشر المستفادة من دلالات الحديث الشريف طبقاً لنصوصه المروية في أفضل الكتب المعتمدة عند إخواننا أهل السنّة ، فعلى من تنطبق؟
أئمة العترة هم المصداق الوحيد
الواقع التاريخي يثبت أنّ المصداق الوحيد الذي تنطبق عليه هم الأئمة الاثنا عشر من عترة النبيّ الأعظم ((صلى الله عليه وآله)) . وهم يختصون بهذا العدد تاريخياً كما هو معلوم وتنطبق عليهم الأوصاف المستفادة من دلالات الحديث الشريف، كما سنشير لذلك فيما يلي:
أدلة التطبيق
أوّلاً : إنّ الحديث يدلّ بصورة واضحة على لزوم توفر تلك الأوصاف في هؤلاء الخلفاء الاثني عشر والتي تؤهلهم لكي يكون الدين قائماً بهم. بمعنى أن يكونوا جميعاً معبرين عن خط واحد ومنهج واحد في الدفاع عن الدين وحفظه وتبليغه ـ كما فعل رسول الله ((صلى الله عليه وآله)) ـ ، وقد توفرت هذه الصفات في أئمة العترة النبوية الطاهرة الذين ثبت أنّ علوم النبيّ ((صلى الله عليه وآله)) عندهم وثبت عنه وصيته بالتمسك بهم للنجاة من الضلالة كما في حديث الثقلين ، وقد أخذ الكثير من المسلمين ـ ومنهم أئمة المذاهب الأربعة ـ علوم الدين منهم كما هو ثابت تاريخياً وثبت في روايات مختلف الفرق الإسلامية لجوء الجميع إليهم وفقرهم إليهم في علوم الدين واستغناؤهم ((عليهم السلام)) عن الجميع في ذلك(103).
كما أثبتت سيرتهم تفانيهم في الدفاع عن الإسلام ونشر علومه وإغاثة المسلمين عندما هاجمتهم الغزوات الفكرية . وإحتجاجاتهم على الملحدين وأرباب الديانات الأُخرى مدونة في كتب المسلمين وهي تثبت حقيقة قيام الدين بهم وخلافتهم للرسول الأعظم ((صلى الله عليه وآله)) في ذلك، وأهليتهم لقيادة المسلمين أيضاً كما صرح بذلك الذهبي مثلاً حيث قال بأهلية الإمام الحسن والحسين والسجاد والباقر((عليهم السلام)) ثم قال: وكذلك جعفر الصادق كبير الشأن من أئمة العلم كان أولى بالأمر من أبي جعفر المنصور ، وكان ولده موسى: كبير القدر جيد العلم أولى بالخلافة من هارون(104).
ثانياً: إنّ سيرتهم ((عليهم السلام)) تنسجم مع تصريح الحديث الشريف بتعريض الخلفاء الاثني عشر للمعاداة والخذلان دون أن يضر ذلك في قيامهم بإنجاز مهمتهم الأساسية في حفظ الدين والدفاع عنه كما لاحظنا ذلك في الفقرة السابقة، ومن المعروف تاريخياً أنّهم تعرضوا للأذى والملاحقة الشديدة من قِبَل السلطات الحاكمة التي لم تألُ جُهداً لإبادتهم مثل ما جرى في واقعة الطف للإمام الحسين ((عليه السلام)) وأهل بيته وأصحابه وتعريضهم للسجن والاغتيال بالقتل أو السم الأمر الذي أدى في نهاية المطاف الى ضرورة غيبة خاتمهم الإمام الثاني عشر((عليه السلام)) ، ولكن كلّ أشكال التعسّف والقهر والعداء والخذلان لم يُثنهم عن حفظ سنّة جدهم ((صلى الله عليه وآله)) وتبليغها حيث حفلت الأحاديث المروية عنهم والمدونة في كتب علماء مدرستهم بكلّ ما يحتاجه الإنسان في مختلف شؤونه الفردية والاجتماعية(105).
ثالثاً: تنطبق عليهم دلالة الحديث على استمرار وجودهم بصورة متصلة ما بين وفاة جدهم ((صلى الله عليه وآله)) وقيام الساعة، في سلسلة ذهبية لم تؤد الى قطعها كلّ حملات العداء والخذلان التي تعرِّضوا لها، وإن أدت الى غيبة خاتمهم الإمام المهدي((عليه السلام)) فاستمر دوره في حفظ الدين وقيامه بذلك من خلف استار الغيبة بأساليب متنوعة أثبتت أنّ الإنتفاع بوجوده متحقق مثلما ينتفع بالشمس إذا غيّبتها السُحب عن الأبصار كما ورد في الأحاديث الشريفة(106).
وبذلك يتّضح أنّ عقيدة مدرسة أهل البيت ((عليهم السلام)) كيف تفسر عدم تناسب طول الفترة الزمنية بين وفاة الرسول ((صلى الله عليه وآله)) وبين قيام الساعة، مع تحديد الحديث الشريف لعدد الخلفاء القيّمين على الإسلام بإثني عشر رجلاً لا أكثر، يستمر وجودهم متصلاً الى يوم القيامة لأنّ قيام الدين يكون بهم.
وبذلك يكون الحديث الشريف من الأحاديث المتفق على صحتها بين المسلمين والدالة على وجود الإمام المهدي وغيبته لأنه لا ينطبق على غير الأئمة الاثني عشر من أئمة العترة النبوية الذين أدى خذلانهم الى غيبة خاتمهم((عليه السلام)) .
الإتفاق على أنّ المهدي خاتم الخلفاء الاثني عشر
يؤيد ذلك موافقة عدد كبير من علماء أهل السنّة لعقيدة أهل البيت((عليهم السلام)) في كون المهدي المنتظر هو الخليفة الثاني عشر من الخلفاء الاثني عشر الذين أخبر الرسول ((صلى الله عليه وآله)) عن خلافتهم الدينية، أمثال أبي داود في سننه(107)وابن كثير في تفسيره(108) وغيرهم. وصرح بذلك المجمع الفقهي التابع للأمانة العامة لرابطة العالم الإسلامي في جوابه على استفتاء مسلم من كينيا بشأن الإمام الموعود، حيث ورد في جواب المجمع : «هو ]المهدي الموعود [آخر الخلفاء الراشدين الاثني عشر الذين أخبر عنهم النبيّ صلوات الله وسلامه عليه في الصحاح ...»(109) .
ولعلّ مستندهم في ذلك حديث الأُمّة الظاهرة القائمة بأمر الله الذي يتحدّث عن المصداق الذي يتحدث عنه حديث الأئمة الاثني عشر الذي يصرح بأنّ آخر اُمراء هذه الأُمّة الظاهرة هو المهدي الموعود كما سنلاحظ.
3 ـ حديث الأُمة الظاهرة القائمة بأمر الله
وهو من الأحاديث المشهورة المروية في الكتب الستة وغيرها من المجاميع الروائية المعتبرة عند إخواننا أهل السنّة من طرق كثيرة فقد رواه مثلاً أحمد بن حنبل وحده من سبعة وعشرين طريقاً(110).
فقد رواه البخاري في صحيحه بلفظ « لا يزال ناس من أُمّتي ظاهرين حتى يأتيهم أمر الله وهم ظاهرون »(111).
ورواه الطيالسي في مسنده بلفظ : «لا تزال طائفة من أُمتي على الحقّ حتى يأتي أمر الله عزّ وجلّ»(112).
ورواه البخاري في صحيحه ومسلم وأحمد بلفظ : « مَن يرد الله به خيراً يفقهه في الدين ولن
تزال ] من [ هذه الأُمّة أُمّة قائمة على أمر الله، لا يضرهم مَن خالفهم حتى يأتي أمر الله وهم ظاهرون على الناس»(113).
ورواه مسلم وأحمد وغيرهم عن جابر بن سمرة : « لن يبرح هذا الدين قائماً تقاتل عليه عصابة من المسلمين حتى تقوم الساعة »(114). وفيه أنّه((صلى الله عليه وآله)) قال ذلك في حجّة الوداع، وجابر هو نفسه راو حديث الأئمة الاثني عشر من قريش.
وفي رواية لمسلم : « لا تزال عصابة من أُمّتي يُقاتلون على أمر الله قاهرين لعدوهم لا يضرهم من خالفهم حتى تأتيهم الساعة وهم على ذلك »(115).
وفي رواية صحيحة أخرجها أحمد بن حنبل في مسنده عن عمران بن حصين أنّ رسول الله((صلى الله عليه وآله)) قال: « لا تزال طائفة من أُمّتي على الحقّ ظاهرين على مَن ناواهم حتى يأتي أمر الله تبارك وتعالى، وينزل عيسى بن مريم»(116).
وفي رواية لمسلم وأحمد : « لا تزال طائفةٌ من أُمّتي على الحقّ ظاهرين الى يوم القيامة ، قال: فينزل عيسى بن مريم ((عليه السلام)) ، فيقول أميرهم : تعال صلّ بنا، فيقول : لا ، إنّ بعضكم على بعض أُمراء تكرمة الله لهذه الأُمّة»(117).
والحديث الشريف جاء في حجّة الوداع كما يصرح بذلك جابر بن سمرة فيما رواه عنه مسلم وأحمد والحاكم كما تقدّم، وهذه الحجّة هي نفسها التي بلّغ فيها رسول الله ((صلى الله عليه وآله)) أحاديث الثقلين والغدير والأئمة الاثني عشر، لذا فهو يأتي في إطار التخطيط النبوي لهداية المسلمين الى ما يحفظ مسيرتهم بعده أو ما ينقذهم من الضلالة وميتة الجاهلية، فهو غير بعيد عن أجواء الأحاديث السابقة.
على أنّ من الواضح للمتدبر في هذا الحديث الشريف وحديث الأئمة الاثني عشر أنّ كليهما يتحدّثان عن مصداق واحد لا أكثر، كما هو مشهود في إشتراكهما في ذكر صفات تتحدّث وتهدي الى مصداق واحد، خاصة ما يصرح بربط قيام الدين وحفظه بوجود هذه الأُمّة الظاهرة القائمة بأمر الله في الحديث الثاني وبوجود الأئمة الاثني عشر في الحديث الأوّل . لأنّ ذلك يعني امتلاك هذه الجهة للقيمومة على الدين ومرجعيتها في معرفة حقائق الدين الحقّ وتعريضها بسبب ذلك للمعاداة والخذلان وهذا ما يشترك الحديثان في ذكره وفي التصريح بعدم إضراره في أصل مهمة هذه العصابة وهي الدفاع عن الدين الحقّ وحفظه .
ويؤكد حديث الأُمّة الظاهرة صراحة ـ فيما تقدّم من نصوصه ـ مادل عليه حديث الأئمة الاثني عشر ضمنياً من استمرار وجود هؤلاء الأئمة الى يوم القيامة وكذلك من أن مهمتهم الأساسية خلافة رسول الله ((صلى الله عليه وآله)) في الدفاع عن الدين الحقّ وحفظه دون أنّ يؤثر في إنجاز أصل هذه المهمة إستلامهم الفعلي للحكم أو عدم استلامه وإن كانوا هم الأجدر بذلك.
كما أنه يصرح بأنّ خاتم أمراء هذه الأُمّة الظاهرة هو الإمام المهدي الموعود ـ كما دل على ذلك ضمنياً حديث الأئمة الاثني عشر ـ ، فهو يصرح باستمرار وجودها الى نزول عيسى ((عليه السلام)) ومناصرته لأميرها وصلاته خلفه وهذه الحادثة ترتبط بالإمام المهدي ـ عجل الله فرجه ـ باتفاق المسلمين.
ويصرح حديث الأُمّة الظاهرة بلزوم أن يكون هؤلاء الأئمة الإثنا عشر أئمة حق قائمين بأمر الله كما تصرح بذلك النصوص المتقدّمة، فهم يمثلون خطاً واحداً منسجماً في خلافة رسول الله الحقيقيّة والوصاية على شريعته، خطّاً متصلاً دون إنقطاع الى يوم القيامة، وهذا ما لا ينسجم بحال من الأحوال مع تاريخ خلفاء الدولة الإسلامية الذين حكموها فعلاً. لذلك فإنّ جميع الذين غفلوا عن هذه الدلالات في الحديثين المتقدمين وسعوا للعثور على مصاديق الأئمة الاثني عشر في الذين وصلوا للحكم بعد رسول الله ((صلى الله عليه وآله)) بأي طريقة كانت، تاهوا في متاهات غريبة ولم يستطيعوا تقديم مصداق معقول ينسجم مع دلالات هذه الأحاديث الشريفة ولا مع الواقع التاريخي. فتعددت آراؤهم وعمدوا الى تأويلات باردة لما صرّحت به الأحاديث الشريفة الأمر الذي يتعارض بالكامل مع هدف الرسول الأكرم ((صلى الله عليه وآله)) من إخبار المسلمين بهؤلاء القائمين بأمر الله وهو الهداية إليهم وإرجاعهم ودعوتهم للتمسك بهم.
فأي انسجام في الخط والمنهج وتمثيل الدين الحقّ والصدق في التعبير عن خلافة رسول الله ((صلى الله عليه وآله)) بين الإمام عليّ ((عليه السلام)) ومعاوية، أو بين الإمام الحسين ((عليه السلام)) ويزيد بن معاوية لكي يعتبروهم جميعاً من الخلفاء الاثني عشر الذين يقوم بهم الدين ؟ ! وكيف يمكن القول بأنّ أمثال يزيد بن معاوية أو الوليد بن عبدالملك يمكن أن يصدق عليهم الوصف النبوي للأمة الظاهرة والأئمة الاثني عشر بأنهم على الحقّ وقائمون بأمر الله وخلفاء رسوله وكيف ذاك وسيرتهم شاهدة بأنهم أبعد الناس عن العلم بالدين وممثلو نهج رسول الله((صلى الله عليه وآله)) .
هذا بعض ما يُقال بشأن المصاديق التي عرضها للأئمة الاثني عشر العلماء الذين راعوا دلالة الأحاديث على اتصال سلسلة هؤلاء الأئمة وأغفلوا عدم إنطباق الصفات الأُخرى عليهم كما لاحظنا. يُضاف الى ذلك إغفالهم لتصريح الأحاديث باستمرار وجود هؤلاء الأئمة الى يوم القيامة; إذ أنّ المصاديق التي عرضوها تنتهي بإنتهاء العصر الأُموي(118) !
أما الذين سعوا لمراعاة الصفات الأُخرى فيمن حكموا المسلمين فقد أغفلوا دلالة الحديث على استمرار وجودهم دون انقطاع إذْ تركوا الخلفاء الذين أعقبوا معاوية الى عمر بن عبدالعزيز ليجعلوه خامس أو سادس الاثني عشر وتركوا ما بعده الى هذا أو ذاك من الخلفاء العباسيين ممن رأوهم أقرب الى الصفات التي يذكرها الحديث ورغم ذلك لم يكتمل العدد حتى قال السيوطي: «وبقي الاثنان المنتظران أحدهما المهدي لأنه من آل بيت محمّد صلّى الله عليه وسلّم»(119) . وأما الثاني فسكت عنه!!
وما كانوا بحاجة الى كلّ هذه التأويلات الباردة والمتاهات المحيرة لو تدبروا بموضوعية في تلك الأحاديث الشريفة واستندوا الى مدلولاتها الواضحة التي تنطبق بالكامل على الأئمة الاثني عشر من عترة رسول الله((صلى الله عليه وآله)) وعلى القول بعدم انقطاع سلسلتهم الى يوم القيامة في ظل القول بوجود الإمام الثاني عشر المهدي الموعود((عليه السلام)) وغيبته وقيامه حتى في ظل غيبته عن الأبصار بمهام حفظ الدين ولو بأساليب خفية لكنها كاملة في إتمام حجّة الله على خلقه كما دلت على ذلك الأحاديث المتقدّمة وتدل عليه أيضاً الأحاديث اللاحقة.
4 ـ أحاديث عدم خلو الزمان من الإمام القرشي المنقذ من الميتة الجاهلية
وهي أيضاً من الأحاديث الشريفة المروية من طريق الفريقين ، نختار منها المروي في الكتب المعتبرة عند أهل السنّة، فقد روى البخاري ومسلم في صحيحيهما وأحمد بن حنبل في مسنده وغيرهم بأسانيدهم عن رسول الله ((صلى الله عليه وآله)) أنّه قال: « لا يزال هذا الأمر في قريش ما بقي من الناس اثنان»(120).
وروى أحمد في مسنده وابن حبان في صحيحه والطيالسي في مسنده والطبراني والهيثمي وغيرهم بألفاظ متقاربة وأسانيد عديدة عن رسول الله((صلى الله عليه وآله)) أنّه قال واللفظ للطيالسي : « مَن مات بغير إمام مات ميتةً جاهلية ، ومَن نزع يداً من طاعة جاء يوم القيامة لا حجّة له »(121).
وعلّق ابن حبان على الحديث موضحاً معناه بقوله : قال أبو حاتم: قوله ((صلى الله عليه وآله)) : «مات ميتة الجاهلية» معناه : مَن مات ولم يعتقد أنّ له إماماً يدعو الناس الى طاعة الله حتى يكون قوام الإسلام به عند الحوادث والنوازل، مقتنعاً في الإنقياد على مَن ليس نعته ما وصفنا مات ميتةً جاهلية(122).
معنى « الأمر » في الكتاب والسنّة
إنّ الحديث الأوّل قد صرّح ببقاء «الأمر» في قريش ما بقي ناسٌ على الأرض فلا تخلو الأرض من قرشي يكون له « الأمر » ، فما هو المقصود من « الأمر » هنا ؟ ! وهل يمكن تفسيره بالاستلام الفعلي للحكم الظاهري للمسلمين ؟ !
الجواب: أنّ الواقع التاريخي ينفي هذا التفسير، وعلى الأقل منذ سقوط الخلافة العباسية الى اليوم لم يكن حكم المسلمين لقرشي كما هو معلوم، لذا لا يمكن تفسير « الأمر » بغير القول بمعنى الخلافة العامة لرسول الله ((صلى الله عليه وآله)) في الوصاية على الدين وحفظه والدفاع عنه وهداية الخلق إليه، الأمر الذي يؤهل صاحبه لقيادة المسلمين والحكم الظاهري ، فالأمر هنا هو من نوع «الأمر » الوارد في سورة النساء في آية الطاعة، وهي قوله تعالى: ( يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ )(123) ، وهي الآية الدالة على عصمة اُولي الأمر لاشتراكهم في الأمر بالطاعة مع الرسول ((صلى الله عليه وآله)) ولأنّ : «الله تعالى أمر بطاعة اُولي الأمر على سبيل الجزم في هذه الآية، ومَن أمر بطاعته على سبيل الجزم والقطع لابد وأن يكون معصوماً عن الخطأ... كما قال الفخر الرازي في تفسيره(124) .
فلابدّ أن يكون في زماننا الحاضر أيضاً قرشي يكون له « الأمر » هذا ويقوم به الدين ويتحلى بالعصمة ويخلف رسول الله ((صلى الله عليه وآله)) في مهمة حفظ الدين والهداية إليه إذ لا يخلو زمان من مصداق لذلك كما ينص الحديث الشريف المتقدم، وحيث إنّه لا يوجد إمام ظاهر يدعي ذلك فلابد من القول بوجوده واستتاره وغيبته وقيامه بمهمة حفظ الدين تصديقاً للحديث الشريف وهذه هي عقيدة أهل البيت ((عليهم السلام)) في المهدي وغيبته.
يُضاف الى ذلك أنّ أحاديث الخلفاء الاثني عشر قد حصرت عدد خلفاء الرسول بهذا المعنى الى يوم القيامة باثني عشر ، وقد إتّضحت دلالتها على وجود الإمام المهدي وغيبته، لذلك يكون حديث عدم خلو الزمان من الإمام القرشي مؤكداً لهذه الدلالة.
والدلالة نفسها يمكن التوصل إليها من أحاديث وجوب معرفة إمام الزمان وإتباعه والتي تقدّم نموذج لها، حيث تنصّ على أن لا حجّة يوم القيامة لمن عمي عن معرفته وخرج عن طاعته كما رأينا، لذا فلا مناص من القول بحتمية وجوده وإمكانية التعرف عليه والتمسك بعرى طاعته وإلاّ لما كان للاحتجاج الإلهي على الغافلين عن معرفته وطاعته معنى، إذْ كيف يكون الإحتجاج بمن لا وجود له.
وحيث إنّ أمر الطاعة له مطلق فهو دال على عصمته ويؤكده صدر الحديث على أن عدم معرفته والتمسك به يقود الى ميتة الجاهلية، وأنّ طاعته واجبة لأنه يدعو الى طاعة الله وبه يكون قوام الإسلام كما صرح بذلك ابن حبان فيما نقله عن أبي حاتم من دلالة الحديث الواضحة، ولذلك صرح أبو حاتم بأنّ طاعة غيره ممن لم يتصف بهذه الصفات تؤدي الى ميتة الجاهلية. وهذا هو المستفاد من الحديث الأوّل فالدلالة مشتركة وتكون المحصلة : حتمية وجود إمام معصوم قرشي يكون الإسلام به قائماً يدعو الى طاعة الله ويكون له الأمر ويتحمل مسؤولية حفظ الدين الحقّ، وحيث إنّ مثل هذا الإمام غير ظاهر فلابد من القول بغيبته وقيامه بهذه المهام من خلف أستار الغيبة الى حين زوال الأسباب التي أدت الى غيبته فيظهر حينئذ ليقيم الدولة العادلة على أساس قيم الدين الذي حفظه .
ولا يمكن القول بتعدد الغائبين لأنّ أحاديث الأئمة الاثني عشر حصرت عدد خلفاء الرسول ((صلى الله عليه وآله)) بهذا العدد وثبت أنّ المصداق الوحيد الذي تنطبق عليه الشروط المستفادة من دلالات هذه الأحاديث هم أئمة أهل البيت النبوي، وقد ثبتت وفاة الأئمة الأحد عشر ولم يبق إلاّ خاتمهم المهدي الموعود(125) فلابد من القول باستمرار وجوده الى يوم القيامة استناداً الى الأحاديث المتقدّمة، ولأنّ الصحيح من الأقوال هو أنّ الأرض لا تخلو من حجّة كما يقول ابن حجر العسقلاني في شرحه لصحيح البخاري: وفي صلاة عيسى((عليه السلام)) خلف رجل من هذه الأُمّة مع كونه في آخر الزمان وقرب قيام الساعة دلالة للصحيح من الأقوال : «إنّ الأرض لا تخلو من قائم لله بحجّة»، والله أعلم(126).
ولابدّ من الإشارة هنا الى أن الدلالات المستفادة من هذه الأحاديث الشريفة على وجود المهدي الإمامي وغيبته هي دلالات واضحة إلاّ أنّ مما أثار بعض الغموض عليها وأوجد الحاجة الى الاستدلال عليها والتحليل المفصل لها هو السكوت عنها والتعتيم عليها أو محاولات تأويلها وصرفها عن المصداق الحقيقي بسبب طغيان الخلافات السياسية التي شهدها العالم الإسلامي وانعكاساتها على الأُمور العقائدية وهو السبب نفسه الذي أدى الى إحجام بعض المحدثين عن نقل وتدوين طائفة أُخرى من الأحاديث التي صحت عن رسول الله((صلى الله عليه وآله)) والتي صرّحت بما أشارت إليه هذه الأحاديث وشخصت مصاديقها، لأنّ المصالح السياسية للحكام الأمويين والعباسيين منعت من اشتهار مثل هذه الأحاديث ومنعت من انتشار الكتب التي تنقلها . كما هو واضح لمن راجع التاريخ الإسلامي.
الهوامش
* اقتبس هذا المقال من موسوعة أعلام الهداية ج14 (الإمام المهدي المنتظر خاتم الأوصياء / الناشر: المجمع العالمي لأهل البيت عليهم السلام).
(1) ثواب الأعمال للشيخ الصدوق : 77، مصباح المتهجد للشيخ الطوسي : 798، 829، إقبال الأعمال للسيّد ابن طاووس : 718، الأمالي، الصدوق: 79، ح 46/1.
(2) سنن ابن ماجة 1: 444 ـ 445، 1388، 1389، 1390، سنن الترمذي 3: 116 / 739، المعجم الكبير، الطبراني 20: 108 / 215.
(3) راجع هذه الروايات في كتاب النجم الثاقب للميرزا النوري 1:141 ومابعدها من الترجمة العربية، وراجع الكافي 1: 514 باب مولد الصاحب((عليه السلام)) ، كمال الدين : 424 باب (42) ما روي في ميلاد القائم((عليه السلام)).
(4) نقصد بالتقويم التطبيقي التقويم الذي يطبق بين أيام تقويم السنّة الشمسية مع ما يصادفها من أيام تقويم السنّة القمرية، وقد أعدت عدة تقاويم من هذا النوع على شكل كتب أو برامج كومبيوترية حددت ما يصادف كلّ يوم من أيام السنة الهجرية القمرية مع تقويم السنة الهجرية الشمسية والسنة الميلادية الشمسية، وقد راجعنا في البحث التقويم التطبيقي الذي أصدرته جامعة طهران والذي يبدأ بالتطبيق من اليوم الأوّل من السنة الاُولى لهجرة النبيّ الأكرم((صلى الله عليه وآله)) الى نهاية القرن الهجري الخامس عشر.
(5) راجع تفصيلات أقوالهم في الاحصائية التي أوردها السيّد ثامر العميدي في كتابه دفاع عن الكافي:
1: 546 ـ 592 .
(6) راجع غيبة الشيخ الطوسي الفصل الخاص بإثبات ولادة صاحب الزمان ((عليه السلام)) : 74 وما بعدها، وكتاب كمال الدين للشيخ الصدوق: 424 باب (42) ما روي في ميلاد القائم((عليه السلام)) .، وراجع الروايات التي جمعها السيّد البحراني بشأن قصة الولادة من المصادر المعتبرة في كتابه تبصرة الولي : 6 وما بعدها، وكذلك التلخيص الذي أجراه الميرزا النوري في النجم الثاقب 1: 141 وما بعدها .
(7) غيبة الشيخ الطوسي : 234 / ح208، وعنه المجلسي في بحار الأنوار 51: 20 / 27.
(8) كمال الدين: 315 ـ 316، كفاية الأثر : 225 ـ 226.
(9) كمال الدين : 303/ ح14.
(10) كمال الدين : 321 ـ 322.
(11) كمال الدين : 316 ـ 317 / ح1.
(12) الكافي 1: 324 / 26، الغيبة، النعماني: 171 / ح7.
(13) ذكر تراجمهم الدكتور محمّد مهدي خان مؤسس صحيفة الحكمة في القاهرة في كتابه «باب الأبواب» الذي خصص جانباً منه لدراسة حركات أدعياء المهدوية.
(14) الصواعق المحرقة، ابن حجر 2: 601، الفصول المهمة لابن الصباغ المالكي : 1090، وذكر ابن طلحة الشافعي في مطالب السؤول: 477 أنّه((عليه السلام)) مات عن 29 سنة.
(15) مروج الذهب للمسعودي: 4/ 169، مطالب السؤول، ابن طلحة: 474، الفصول المهمة لابن الصباغ: 1077، الصواعق المحرقة لابن حجر 2: 599.
(16) الفصول المهمة لابن الصباغ المالكي : 1057، مطالب السؤول: 470.
(17) لقد امتدّت هذه المحاولات الى داخل بيت الإمام((عليه السلام)) فزرعت العيون من النساء لمراقبة ما يحدث داخل بيت الإمام((عليه السلام))، للقضاء على الإمام المهدي((عليه السلام)) إن وَلد، بل قد امتدت هذه الجهود للحيلولة دون ولادة الإمام((عليه السلام)) ومن هنا لم يتزوّج الإمام الحسن العسكري((عليه السلام)) بشكل رسمي كما هو المتعارف والمتداول حينذاك.
(18) راجع الفصل الخاص بذلك في كتاب حياة الإمام العسكري ((عليه السلام)) للشيخ الطبسي : 421 ـ 424.
(19) إثبات الهداة للحر العاملي 3: 570/ 685 ب (32)، منتخب الأثر للشيخ لطف الله الصافي : 359 ب 34 ح 4 عن كشف الحقّ للخاتون آبادي وبذيله ما يدل عليه من سائر الأخبار غير القليلة ، معجم أحاديث الإمام المهدي، عليّ الكوراني: 221 وذكر له عدّة مصادر منها إثبات الرجعة للفضل بن شاذان على ما نقله الحرّ العاملي في إثبات الهداة.
(20) مثل رسائل الشيخ المفيد في الغيبة وهي خمس رسائل إضافة الى كتاب الفصول العشرة في الغيبة، وكتاب المقنع في الغيبة للسيّد المرتضى، وكتاب الغيبة للشيخ الطوسي، وكتاب إكمال الدين للشيخ الصدوق، وكتاب الغيبة للشيخ النعماني، وعموم كتب الإمامة كالشافي وتلخيصه وغيرها فقد حفلت بأشكال الأدلة على هذا الموضوع وهي كثيرة للغاية.
(21) الإسراء (17): 71 ـ 72.
(22) الأنبياء (21): 73.
(23) البقرة(2): 124.
(24) القصص (28): 5.
(25) الفرقان (25): 74.
(26) التوبة (9): 12.
(27) القصص (28): 41. والجعل هنا بمعنى «تصييرهم سابقين في الضلال يقتدي بهم اللاحقون» الميزان: 16/38، فليس هنا بمعنى النصب كما هو حال أئمة الهدى.
(28) هود (11): 17.
(29) يس (26): 12.
(30) تفسير الميزان: 13/ 165 ـ 169، وما أوردناه مستفادٌ من بحثه التفسيري لهما.
(31) البقرة (2): 124.
(32) الزخرف (43): 28، ولاحظ قوله تعالى (وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِ النُّبُوَّةَ وَالْكِتابَ)العنكبوت (29): 27.
(33) راجع في الباب مثلاً كتاب منتخب الأثر في الإمام الثاني عشر لآية الله الشيخ لطف الله الصافي فقد جمع الكثير من النصوص المروية من طرق أهل السنّة والشيعة، وراجع أيضاً كتاب إثبات الهداة بالنصوص والمعجزات للحر العاملي، وفرائد السمطين للحمويني الشافعي، وينابيع المودة للحافظ القندوزي الحنفي وغيرها كثير.
(34) راجع هذا الاستدلال في مقدمة كتاب كمال الدين للشيخ الصدوق: 12، والفصل الخامس من الفصول العشرة في الغيبة للشيخ المفيد، وكذلك الرسالة الخامسة من رسائل الغيبة. وكتاب الغيبة للشيخ الطوسي: 101 وما بعدها، وإعلام الورى للشيخ الطبرسي: 2/257 وما بعدها وكشف المحجة للسيّد ابن طاووس: 104، وغيرها.
(35) النساء (4): 41.
(36) النحل (16): 84.
(37) النحل (16): 89.
(38) القصص (28): 75.
(39) تفسير الميزان: 1/320.
(40) تفسير الكشاف: 3/189 تفسير آية (75) سورة القصص.
(41) تفسير الكشاف: 2/423 تفسير آية (84) سورة النحل.
(42) المائدة (5): 117.
(43) تفسير الكشاف: 3/189 تفسير آية (75) سورة القصص.
(44) التفسير الكبير: 25/12 ـ 13 راجع في ذلك مجمع البيان 7: 454 في ذلك الآية (75) سورة القصص.
(45) التفسير الكبير 20: 98، وتفسير الكشاف 2: 424 ، بحار الأنوار، المجلسي 7: 309، تفسير ابن كثير 2: 603، تفسير آية (89) سورة النحل.
(46) راجع معجم أحاديث الإمام المهدي: 1/274، نقلاً عن مسند أحمد وغيره من المجاميع الروائية لأهل السنّة.
(47) البقرة (2): 225.
(48) تفسير الميزان: 1/320 ـ 321.
(49) تفسير الميزان: 1/321.
(50) إشارة الى قوله تعالى: (اللّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ) الأنعام: 124.
(51) النمل (27): 40.
(52) الاختصاص، الشيخ المفيد: 93، مناقب آل أبي طالب، ابن شهر آشوب 3: 507 .
(53) الرعد (13): 43.
(54) شواهد التنزيل 1: 400 ـ 405 / ح422 ـ 427 نقل ستة أحاديث مسندة الى أبي سعيد الخدري، وابن عباس، وابن الحنفية، والإمام الباقر وأبي صالح، وكلّهم يقول انّه عليّ بن أبي طالب((عليه السلام))، تفسير الثعلبي 5: 303 نقل حديثين أحدهما بسنده الى الإمام الباقر((عليه السلام)) والثاني الى محمّد بن الحنفية، فيهما أنّ من عنده علم الكتاب هو عليّ بن أبي طالب.
(55) بصائر الدرجات، محمّد بن الحسن الصفار: 232 ـ 236، ح1 ـ 21 باب مما عند الأئمة عليهم الصلاة والسلام من اسم الله الأعظم وعلم الكتاب، الكافي، الكليني 1: 228 باب: أنّه لم يجمع القرآن كلّه إلاّ الأئمة((عليهم السلام)) وأنّهم يعلمون علمه كلّه.
(56) سورة الرعد (13): 7.
(57) الأعلى (87) 2 ـ 3 وراجع تفسيرها في الجزء العشرين من تفسير الميزان.
(58) تفسير الميزان 11: 305.
(59) تفسير الميزان 11: 305.
(60) يونس (10): 35.
(61) المؤمن (40): 38.
(62) القصص (28): 56.
(63) الأنبياء (21): 73.
(64) تفسير الميزان: 10/ 56 ـ 61.
(65) تفسير الميزان: 1/272.
(66) الأنبياء (21): 73.
(67) السجدة (32): 24.
(68) كمال الدين، الصدوق: 207 / ح22، و 485 / ح4، الغيبة، الشيخ الطوسي: 290/ح247، الخرائج والجرائح،قطب الدين الراوندي 3: 1113/ح30.
(69) الصواعق المحرقة 2: 440.
(70) أهل البيت في المكتبة العربية للسيّد عبدالعزيز الطباطبائي : 277 ـ 279.
(71) أصدرت دار التقريب الإسلامية في مصر رسالة مفصلة ألفها أحد أعضاء الدار عن هذا الحديث استوفى فيها أسانيد الحديث في الكتب المعتمدة عند أهل السنّة. وقال بتواتره أبو المنذر المصري في كتابه «الزهرة العطرة في حديث العترة»، وكذلك أبو الفتوح التليدي في كتابه «الأنوار الباهرة»، والحديث موضع اتفاق المسلمين جميعاً فلا حاجة الى تتبع طرقه وإثبات صحتها فإنّ ذلك من الفضول.
(72) الصواعق المحرقة لابن حجر 2: 440، أهل البيت في المكتبة العربية : 279.
(73) صحيح البخاري 4: 31 باب دعاء النبيّ((صلى الله عليه وآله)) الى الإسلام والنبوّة 5: 137 باب مرض النبيّ((صلى الله عليه وآله)) ووفاته 7: 9 باب كتاب المرضى والطلب 8: 161 باب قول النبيّ((صلى الله عليه وآله)) لا تسألوا أهل الكتاب عن شيء.
(74) راجع تلخيص وتعريب السيّد عليّ الميلاني للجزء الخاص بطرق حديث الثقلين من موسوعة عبقات الأنوار وقد طبع هذا التلخيص مرتين. الأولى في مجلدين والثانية في ثلاث مجلدات.
(75) صحيح مسلم 7: 123.
(76) سنن الترمذي : 5/ 328 / 3874.
(77) المستدرك على الصحيحين 3: 118 / 4576 وقال الحاكم عنه: «هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه بطوله».
(78) الصواعق المحرقة 2: 439.
(79) راجع رسالة الثقلين الصادرة عن دار التقريب الإسلامية في مصر : 18 وراجع مناقشة السيّد محمّد تقي الحكيم لإعتبار هذه الرواية ضمن حديثه عن دلالات حديث الثقلين في فصل السنة من كتابه الأصول العامة للفقه المقارن.
(80) الصواعق المحرقة 2: 439.
(81) راجع مثلاً كتاب «حديث الثقلين، تواتره ، فقهه» للسيّد عليّ الميلاني.
(82) المصباح المنير للفيومي 2: 391، مادة العترة.
(83) صحيح مسلم 4: 1873 / 2408.
(84) مسند أحمد بن حنبل 3: 259 / 13754.
(85) راجع صحيح مسلم 4: 1501/ 2424، وما رواه الحاكم في المستدرك وصححه على شرط البخاري في 3: 159 / 4707، والدر المنثور للسيوطي 6: 603، مسند أحمد بن حنبل 7: 455 / 26206، مشكل الآثار، الطحاوي 1: 334 ـ 335.
(86) راجع البحث القرآني الذي أورده العلاّمة الطباطبائي((رحمه الله)) في تفسير الميزان، في تفسير الآية الكريمة ودلالاتها.
(87) الصواعق المحرقة 2: 442.
(88) راجع تراجمهم ـ سلام الله عليهم ـ فيما كتبه علماء الرجال من أهل السنّة، وقد ألف العديد منهم كتباً خاصة بالأئمة الاثني عشر من أهل البيت (عليهم السلام) ، أمثال ابن طولون الدمشقي والفصول المهمة لابن الصباغ المالكي ومطالب السؤول في مناقب آل الرسول، لابن طلحة الشافعي، وهناك مصادر كثيرة أُخرى أفردت لهم فصول مطوّلة كرشفة الصادي للحضرمي، والصواعق لابن حجر، والاتحاف بحب الأشراف للشبراوي وغيرهم الكثير.
(89) الصواعق المحرقة 2: 442.
(90) راجع كتابه : منتخب الأثر في الإمام الثاني عشر.
(91) صحيح البخاري 6: 2640 / 6796.
(92) صحيح مسلم 3: 1452 / 1821.
(93) سنن الترمذي 4: 501 / 2223.
(94) سنن أبي داود 2: 508 / 4280.
(95) مسند أحمد بن حنبل 5: 87 ـ 108 / 20833 ـ 21088.
(96) المعجم الكبير: 196/1794 .
(97) كنز العمال 12: 60 / 33861.
(98) راجع هذه النصوص والتعريف بمصادرها في كتاب منتخب الأثر ومعجم أحاديث الإمام المهدي ((عليه السلام)): 2 / 255 ـ 265 ، وكذلك كتاب أحاديث المهدي في مسند أحمد بن حنبل.
(99) عن دلالات حديث الغدير وتواتره وطرقه راجع موسوعة الغدير للعلامة الأميني((رحمه الله)) ، والجزء الخاص به من عبقات الأنوار وغيرها.
(100) ذكره الحافظ ابن حجر في كتابه فتح الباري 8: 77، وأشار الى مصادره حيث قال: «وإشارته بهذا الكلام تطابق الحديث الذي أخرجه أحمد وأصحاب السنن وصحيحة ابن حبّان وغيره من حديث السفينة أن النبيّ((صلى الله عليه وآله)) قال: «الخلافة بعدي ثلاثون سنة ثم تصير ملكاً عضوضاً».
(101) مسند أحمد 1: 398/3781، المعجم الكبير للطبراني 10: 157 / 10310 ، المستدرك للحاكم: 4/ 546/8529.
(102) فتح الباري في شرح صحيح البخاري لابن حجر العسقلاني 13: 213، نقله عن ابن الجوزي والأخير نقله عن المسند الكبير.
(103) راجع «الإمام الصادق والمذاهب الأربعة» للشيخ أسد حيدر، وما ورد بشأنهم في تاريخ دمشق لابن عساكر وفي تاريخ بغداد للخطيب البغدادي والصواعق المحرقة لابن حجر وسير أعلام النبلاء للذهبي ووفيات الأعيان لابن خلكان وغيرها. وسائر من ترجم لهم ((عليهم السلام)) من مختلف الفرق الإسلامية.
(104) سير أعلام النبلاء: 13/ 120 وراجع ما جمعه الشيخ الطبرسي في كتاب الإحتجاج تجد نماذج كثيرة لدفاعهم عن الإسلام بوجه الأفكار الدخيلة.
(105) جمعت هذه الأحاديث الشريفة في موسوعات ضخمة مثل بحار الأنوار للعلاّمة المجلسي ووسائل الشيعة للحر العاملي.
(106) مثل إصداره «التوقيعات» وهي الرسائل التي كان((عليه السلام)) يبعثها للمؤمنين ويجيب فيها عن أسئلتهم الدينية المختلفة وقد دونت كتب الغيبة عدداً كبيراً منها، تجدها في كتاب «كلمة الإمام المهدي» والصحيفة المهدوية وغيرها.
(107) فقد وضع أبو داود حديث جابر بن سمرة (الأئمة إثنا عشر من قريش) في أوّل كتاب المهدي من سننه وهذا يدلل على أنّ أبا داود فهم أنّ المهدي هو من الأئمة الإثني عشر وهو آخرهم بالنتيجة.
(108) تفسير القرآن العظيم 2: 45 في تفسير الآية 12 من سورة المائدة، حيث قال بعد ذكره الحديث الاثني عشر: «والظاهر أنّ منهم المهدي المبشّر به في الأحاديث».
(109) راجع النسخة المصوّرة لفتوى رابطة العالم الإسلامي، المجمع الفقهي المنشورة في كتاب أحاديث المهدي من مسند أحمد بن حنبل : 162 ـ 166.
(110) راجع كتاب «أحاديث المهدي ((عليه السلام)) من مسند أحمد بن حنبل» ، إعداد السيّد محمّد جواد الجلالي: 68 ـ 76 .
(111) صحيح البخاري 3: 1331 / 3441.
(112) مسند الطيالسي 1: 9 / 38، مسند الشهاب 2: 76 / 913.
(113) صحيح البخاري 3: 1134 / 2948، وصحيح مسلم: 3/1524 حديث 1037 ، ومسند أحمد: 4/101 ح16973.
(114) صحيح مسلم 3: 1524 / 1922، مسند أحمد 5: 98 / 20970، مسند الطيالسي 1: 104/756.
(115) صحيح مسلم 3: 1524 / 1924.
(116) مسند أحمد: 4/429/ 19864 وعلق عليها محقق المسند شعيب الأرناؤوط قال: «إسناده صحيح على شرط الشيخين».
(117) صحيح مسلم 1: 137 / 156، مسند أحمد 3: 384 / 15167، وللوقوف أكثر على هذه الأحاديث راجع معجم أحاديث الإمام المهدي: 1/ 51 ـ 68، فقد ذكر لكلّ حديث الكثير من المصادر من المجاميع الروائية المعتبرة عند أهل السنّة وقد أخترنا بعضها من المتن والبعض الآخر من الهوامش.
(118) وهذا أضعف الآراء وأبعدها عن دلالات الحديث الشريف ورغم ذلك رجحه ابن باز في تعليقه على محاضرة الشيخ عبدالمحسن العباد عن المهدي الموعود، وقد طبعت المحاضرة والتعليقة في كتاب بعنوان «عقيدة أهل السنّة والأثر في المهدي المنتظر» راجع ص6 منه.
(119) تاريخ الخلفاء، السيوطي 1: 16، وراجع أيضاً في مناقشة هذه الآراء ما ذكره الشيخ لطف الله الصافي في كتابه منتخب الأثر: في الهامش، ودلائل الصدق للشيخ محمّد حسن المظفر، 2: 315 وما بعدها، وما أورده الحكيم صدر الدين الشيرازي في شرح أصول الكافي : 463 ـ 470 من الطبعة الحجرية.
(120) صحيح البخاري 3: 1290/3310، صحيح مسلم 3: 1452/ 1820، مسند أحمد 2: 29/ 4832، و2: 93/5677 .
(121) مسند أحمد 4: 96 / 16922، صحيح ابن حبان 10: 434 / 4573، مسند الطيالسي 1: 259 / 1913، المعجم الكبير للطبراني 19: 388/ 910، مجمع الزوائد 5: 393/ 9102.
(122) صحيح ابن حبان 10: 434.
(123) النساء (4): 59 .
(124) التفسير الكبير: 10/ 144 ، وراجع البحث المفصل الذي أورده العلاّمة الطباطبائي في تفسير هذه الآية الكريمة ودلالاتها في تفسير الميزان: 4/ 387 ـ 401 .
(125) يُلاحظ هنا أنّ كلّ المؤرخين من مختلف المذاهب الإسلامية الذين ترجموا للأئمة الاثني عشر من أهل البيت((عليهم السلام)) ذكروا تواريخ وفيات الأئمة الأحد عشر باستثناء المهدي بن الحسن العسكري فقد ذكروا تاريخ ولادته فقط. وهذا الأمر يصدق حتى على الذين لم يقولوا بأنه هو المهدي الموعود المبشر به في صحاح الأحاديث النبوية.
(126) فتح الباري بشرح صحيح البخاري لابن حجر العقسلاني: 6/ 494.
الإمام المهدي المنتظر(ع) في بشارات الأديان (*)
إنّ قضية الإمام المهدي المنتظر الذي بشّر به الإسلام وبشّرت به الأديان من قبل، قضية إنسانية قبل أن تكون دينية أو إسلامية ; فإنّها تعبير دقيق عن ضرورة تحقّق الطموح الإنساني بشكله التام.
وقد تميّز مذهب أهل البيت((عليهم السلام)) بالاعتعقاد بإمامة محمّد بن الحسن المهدي((عليه السلام)) الذي ولد في سنة 255 هـ (1) ، واستلم زمام الأمر وتصدى لمسؤولياته القيادية سنة 260 هـ وهو الآن حيٌّ يرزق يقوم بمهامّه الرسالية من خلال متابعته الأحداث فهو يعاصر التطورات ويرقب الظروف التي لابدّ من تحققها كي يظهر الى العالم الإنساني بعد أن تستنفذ الحضارات الجاهلية كلّ ما لديها من قدرات وطاقات، وتتفتح البشرية بعقولها وقلوبها لتلقّي الهدي الإلهي من خلال قائد ربّاني قادر على قيادة العالم أجمع، كما يريد الله له.
عراقة الإيمان بالمصلح العالمي
يعتبر الإيمان بحتمية ظهور المصلح الديني العالمي وإقامة الدولة الإلهية العادلة في كلّ الأرض من نقاط الإشتراك البارزة بين جميع الأديان، والاختلاف فيما بينها إنّما هو في تحديد هوية هذا المصلح الديني العالمي الذي يحقق جميع أهداف الأنبياء ((عليهم السلام)).
وقد استعرض الدكتور محمّد مهدي خان في الأبواب الستة الاُولى من كتابه «مفتاح باب الأبواب» آراء الأديان الستة المعروفة بشأن ظهور النبيّ الخاتم((صلى الله عليه وآله)) ثم بشأن المصلح العالمي المنتظر وبيّن أنّ كلَّ دين منها بشّر بمجيء هذا المصلح الإلهي في المستقبل، أو في آخر الزمان ليصلح العالم وينهي الظلم والشرّ، ويحقق السعادة المنشودة للمجتمع البشري(2). كما تحدث عن ذلك الميرزا محمّد الإسترابادي في كتابه «ذخيرة الأبواب» بشكل تفصيلي، ونقل طرفاً من نصوص وبشارات الكثير من الكتب السماوية لمختلف الأقوام بشأنه.
وهذه الحقيقة من الواضحات التي أقرَّ بها كلّ مَن درس عقيدة المصلح العالمي حتى الذين أنكروا صحتها، أو شككوا فيها كبعض المستشرقين مثل جولد تسيهر المجري في كتابه «العقيدة والشريعة في الإسلام»(3)، فاعترفوا بأنها عقيدة عريقة للغاية في التاريخ الديني وجدت حتى في القديم من كتب ديانات المصريين والصينيين والمغول والبوذيين والمجوس والهنود والأحباش فضلاً عن الديانات الكبرى الثلاث: اليهودية والنصرانية والإسلامية(4).
البشارات بالمنقذ في الكتب المقدسة
والملاحظ في عقائد هذه الأديان بشأن المصلح العالمي أنها تستند الى نصوص واضحة في كتبهم المقدسة القديمة وليس الى تفسيرات عرضها علماؤهم لنصوص غامضة حمّالة لوجوه تأويلية متعددة(5).
وهذه الملاحظة تكشف عراقة هذه العقيدة وكونها تمثل أصلاً مشتركاً في دعوات الأنبياء ـ صلوات الله عليهم ـ ، حيث إن كلّ دعوة نبوية ـ وعلى الأقل الدعوات الرئيسة والكبرى ـ تُمثل خطوة على طريق التمهيد لظهور المصلح الديني العالمي الذي يحقق أهداف هذه الدعوات كافة(6).
كما أنّ للتبشير بحتمية ظهور هذا المصلح العالمي تأثيراً على هذه الدعوات فهو يشكل عامل دفع لأتباع الأنبياء للتحرك باتجاه تحقيق أهداف رسالتهم والسعي للمساهمة في تأهيل المجتمع البشري لتحقيق أهداف جميع الدعوات النبوية كاملة في عصر المنقذ الديني العالمي.
ولذلك كان التبشير بهذه العقيدة عنصراً أصلياً في نصوص مختلف الديانات والدعوات النبوية.
الإيمان بالمهدي ((عليه السلام)) تجسيد لحاجة فطرية
إنّ ظهور الإيمان بفكرة حتمية ظهور المنقذ العالمي في الفكر الإنساني عموماً يكشف عن وجود أُسس متينة قوية تستند إليها تنطلق من الفطرة الإنسانية، بمعنى أنها تعبّر عن حاجة فطرية عامة يشترك فيها بنو الإنسان عموماً، وهذه الحاجة تقوم على ما جُبل عليه الإنسان من تطلّع مستمر للكمال بأشمل صوره وأنّ ظهور المنقذ العالمي وإقامة دولته العادلة في اليوم الموعود يُعبّر عن وصول المجتمع البشري الى كماله المنشود.
يقول العلاّمة الشهيد السيّد محمّد باقر الصدر ((قدس سره)): «ليس المهدي ((عليه السلام)) تجسيداً لعقيدة إسلامية ذات طابع ديني فحسب، بل هو عنوانٌ لطموح اتجهت إليه البشرية بمختلف أديانها ومذاهبها، وصياغة لإلهام فطري أدرك الناس من خلاله ـ على الرغم من تنوع عقائدهم ووسائلهم الى الغيب ـ أنّ للإنسانية يوماً موعوداً على الأرض تحقق فيه رسالات السماء بمغزاها الكبير وهدفها النهائي. وتجد فيه المسيرة المكدودة للإنسان على مرِّ التاريخ استقرارها وطمأنينتها بعد عناء طويل.
بل لم يقتصر الشعور بهذا اليوم الغيبي، والمستقبل المنتظر على المؤمنين دينياً بالغيب، بل امتد الى غيرهم أيضاً وانعكس حتى على أشد الايدلوجيات والاتجاهات العقائدية رفضاً للغيب والغيبيات، كالمادية الجدلية التي فسرت التاريخ على أساس التناقضات وآمنت بيوم موعود، تُصفّى فيه كلّ تلك التناقضات ويسودُ فيه الوئامُ والسلامُ.
وهكذا نجد أن التجربة النفسية لهذا الشعور والتي مارستها الإنسانية على مرَّ الزمن من أوسع التجارب النفسية وأكثرها عموماً بين أفراد الإنسان»(7).
إذن الإيمان بالفكرة التي يجسدها المهدي الموعود هي من أكثر وأشد الأفكار إنتشاراً بين بني الإنسان كافة لأنها تستند الى فطرة التطلّع للكمال بأشمل صوره، أي أنها تعبّر عن حاجة فطرية، ولذلك فتحققها حتمي; لأنّ الفطرة لا تطلب ماهو غير موجود كما هو معلوم.
موقف الفكر الإنساني من غيبة المهدي ((عليه السلام))
إنّ الفكر الإنساني لا يرى مانعاً من طول عمر هذا المصلح العالمي الذي يتضمنه الإيمان بغيبته وفقاً لمذهب أهل البيت ((عليه السلام))، بل يرى طول عمره أمراً ضرورياً للقيام بمهمته الإصلاحيّة الكبرى كما لاحظنا في كلام المفكر الإيرلندي برناردشو. وعليه فالفكر الإنساني العام لا يرفض مبدئياً الإيمان بالغيبة إذا كانت الأدلة المثبتة لها مقبولة عقلياً.
وقد تناول العلماء ايضاح الإمكان العقلي لطول عمر الإمام المهدي وعدم تعارضه مع أي واحد من القوانين العقلية، كما فعل الشيخ المفيد في كتابه «الفصول العشرة في الغيبة»(8) والعلاّمة الكراجكي في رسالته «البرهان على طول عمر إمام الزمان ((عليه السلام))» التي تضمنها كتابه كنز الفوائد في جزئه الثاني(9)، والشيخ الطبرسي في «اعلام الورى»(10)، والسيّد الصدر في بحثه عن المهدي(11) وغيرهم كثير، بل قلّما يخلو كتاب من كتب الغيبة من مناقشة هذا الموضوع والاستدلال عليه.
الفكر الديني يؤمن بظهور المصلح العالمي بعد غيبة
إنّ الإجماع على حتمية ظهور المصلح العالمي مقترنٌ بالإيمان بأنّ ظهوره يأتي بعد غيبة طويلة، فقد آمن اليهود بعودة عزير أو منحاس بن العازر بن هارون، وآمن النصارى بغيبة المسيح وعودته، وينتظر مسيحيو الأحباش عودة ملكهم تيودور كمهدي في آخر الزمان، وكذلك الهنود آمنوا بعودة فيشنوا، والمجوس بحياة أوشيدر، وينتظر البوذيون عودة بوذا ومنهم مَن ينتظر عودة إبراهيم ((عليه السلام)) وغير ذلك(12).
إذن قضية الغيبة قبل ظهور المصلح العالمي ليست مستغربة لدى الأديان السماوية، ولا يمكن لمنصف أن يقول بأنها كلّها قائمة على الخرافات والأساطير، فالخرافات والأساطير لا يمكن أن توجد فكرة متأصلة بين جميع الأديان دون أن ينكر أي من علمائها أصل هذه الفكرة، فلم ينكر أحدٌ منهم أصل فكرة الغيبة وإن أنكر مصداق الغائب المنتظر في غير الدين الذي اعتنقه وآمن بالمصداق الذي إرتضاه.
إنّ إنتشار أصل هذه الفكرة في جميع الأديان السماوية كاشفٌ عن أرضية اعتقادية مشتركة رسخها الوحي الإلهي فيها جميعاً. ودعمتها تجارب الأنبياء ((عليهم السلام)) التي شهدت غيبات متعددة مثل غيبة إبراهيم الخليل وعودته، وغيبة موسى عن بني إسرائيل وعودته إليهم بعد السنين التي قضاها في مدين، وغيبة عيسى ((عليه السلام)) وعودته في آخر الزمان التي أقرّتها الآيات الكريمة واتفق عليها المسلمون من خلال ورودها في الأحاديث النبوية الشريفة، وغيبة نبي الله إلياس التي قال بها أهل السنّة كما صرّح بذلك مفتي الحرمين الكنجي الشافعي في الباب الخامس والعشرين من كتابه (البيان في أخبار صاحب الزمان)، وصرّح كذلك بإيمان أهل السنّة بغيبة الخضر ((عليه السلام)) وهي مستمرة الى ظهور المهدي ((عليه السلام)) في آخر الزمان حيث يكون وزيره.
بل إنّ إنتشار فكرة غيبة المصلح العالمي في الأديان السابقة قد تكون مؤشراً على وجود نصوص سماوية صريحة بذلك كما سنلاحظ ذلك في نموذج النبوة الواردة في سفر الرؤيا من الكتاب المقدس والتي طبقها الباحث سعيد أيوب على المهدي الإمامي(13).
أما الاختلاف في تشخيص هوية المصلح الغائب فهو ناشئ من الخلط بين النصوص المخبرة عن غيبات بعض الأنبياء ((عليهم السلام)) وبين النصوص المتحدثة عن غيبة المصلح العالمي، بدوافع عدة سنشير إليها لاحقاً.
الاختلاف في تشخيص هوية المنقذ العالمي
إذن الإجماع قائم في الأديان السماوية على حتمية اليوم الموعود، وكما قال العلاّمة المتتبع آية الله السيّد المرعشي النجفي في مقدمة الجزء الثالث عشر من «إحقاق الحقّ»: قال «وليعلم أنّ الأُمم والمذاهب والأديان اتفقت كلمتهم ـ إلاّ من شذ وندر ـ على مجيء مصلح سماوي إلهي ملكوتي لإصلاح ما فسد من العالم وإزاحة ما يُرى من الظلم والفساد فيه وإنارة ما غشيه من الظلم، غاية الأمر إنه اختلفت كلمتهم بين من يراه عُزيراً، وبين مَن يراه مسيحاً، ومن يراه خليلاً، ومَن يراه ـ من المسلمين ـ من نسل الإمام مولانا أبي محمّد الحسن السبط ومَن يراه من نسل الإمام مولانا أبي عبد الله الحسين السبط الشهيد...».
وإذا اختلفت الأديان بل الفرق والمذاهب المتشعبة عنها في تحديد هوية المصلح العالمي رغم اتفاقهم على حتمية ظهوره وعلى غيبته قبل عودته الظاهرة، فما هو سر هذا الاختلاف؟
يبدو أنّ سبب هذا الاختلاف يرجع الى تفسير النصوص والبشارات السماوية وتأويلها استناداً الى عوامل خارجة عنها وليس الى تصريحات أو إشارات في النصوص نفسها، وإلى التأثر العاطفي برموز معروفة لأتباع كلّ دين أو فرقة وتطبيق النصوص عليها ولو بالتأويل، بمعنى أنّ تحديد هوية المصلح الموعود لا ينطلق من النصوص والبشارات ذاتها بل ينطلق من انتخاب شخصية من الخارج ومحاولة تطبيق النصوص عليها. يُضاف الى ذلك عوامل أُخرى سياسية كثيرة لسنا هنا بصدد الحديث عنها، ومعظمها واضحٌ معروف فيما يرتبط بالأديان السابقة وفيما يرتبط بالفرق الإسلامية، ومحورها العام هو: إنّ الإقرار بما تحدده النصوص والبشارات السماوية ينسف قناعات لدى تلك الأديان وهذه الفرق يسلبها مبرر بقائها الاستقلالي، ومسوغ إصرارها على عقائدها السالفة.
أما بالنسبة للعامل الأوّل فنقول: إنّ النصوص والبشارات السماوية وأحاديث الأنبياء وأوصيائهم ((عليهم السلام)) بشأن المصلح العالمي تتحدث عن قضية ذات طابع غيبي وشخصية مستقبلية وعن دور تاريخي كبير يحقق أعظم إنجاز للبشرية على مدى تأريخها ويحقق في اليوم الموعود أسمى طموحاتها، والإنسان بطبعه ميال لتجسيد القضايا الغيبية في مصاديق ملموسة يحس بها، هذا من جهة، ومن جهة أُخرى فكل قوم يتعصبون لشريعتهم ورموزهم وما ينتمون إليه ويميلون إلى أن يكون صاحب هذا الدور التاريخي منهم.
لذا كان من الطبيعي أن يقع الاختلاف في تحديد هوية المصلح العالمي، لأنّ من الطبيعي أن يسعى أتباع كلّ دين الى اختيار مصداق للشخصية الغيبية المستقبلية التي تتحدث عنها النصوص والبشارات الثابتة في مراجعهم المعتبرة والمعتمدة عندهم ممن يعرفون ويحبون من زعمائهم، يدفعهم لذلك التعصب الشعوري أو اللاشعوري لشريعتهم، ورموزها، والرغبة الطبيعية العارمة في أن يكون لهم افتخار تحقق ذاك الدور التاريخي على يد شخصية تنتمي إليهم أو ينتمون إليها.
البشارات وأوصاف المهدي الإمامي
وردت في البشارات أيضاً اشارات الى ألقاب اختص بها المهدي الإمامي ((عليه السلام)) مثل وصف «القائم»(14) والذي جاء فيها البشارة التالية من سفر أشعيا النبيّ ـ وقد تقدّم حديث القاضي جواد الساباطي عن دلالتها على المهدي وفق عقيدة الإمامية الاثني عشرية فهي تشير الى المعاني التالية: «2 ـ ويحلُ عليه روح الرب، وروح الحكمة والفهم، وروح المشورة، والقوة، وروح المعرفة ومخافة الرب. 3 ـ ولذته في مخافة الرب، ولا يقضي بحسب مرأى عينيه ولا بحسب مسمع اُذنيه، 4 ـ ويحكم بالإنصاف لبائسي الأرض، ويضرب الأرض بقضيب فمه ويميت المنافق بنفخة شفتيه... 6 ـ ويسكن الذئب والخروف، ويربض النمر مع الجدي، والعجل والشبل معاً وصبي صغير يسوقها... 9 ـ لا يسيئون ولا يفسدون في كلّ جبل قدسي لأنّ الأرض تمتلئ من معرفة الرب كما تغطي المياه البحر. 10 ـ وفي ذلك اليوم سيرفع (القائم) راية الشعوب والاُمم التي تطلبه وتنتظره ويكون محله مجداً»(15).
ومثل وصف «صاحب الدار» المعدود من ألقاب الإمام المهدي((عليه السلام))(16)، فقد وردت ضمن بشارات عن إنتظار المنقذ العالمي الذي لا يختصّ به المسيحيون إشارة الى عدم هذا الاختصاص وتحدّثت عن ظهوره المفاجئ وهي في «إنجيل مرقس، 13: 35»(17).
ومثل وصف «المنتقم لدم الحسين ((عليه السلام)) المستشهد عند نهر الفرات» كما ورد في بشارة في «سفر أرميا ، 46 / 2 ـ 11».
وقد صرّح بذلك الاُستاذ الأردني عودة مهاوش في دراسته (الكتاب المقدس تحت المجهر) وذكر أنّها تتعلق بالمهدي المنتقم لدم الحسين ((عليه السلام))(18).
وهناك نظائر كثيرة لا يتسع المقام لذكرها.
الإهتداء الى هوية المنقذ على ضوء البشارات
إذن معرفة هذه الخصوصيات تقودنا الى إثبات أنّ المصلح العالمي الذي بشرت به جميع الديانات هو المهدي بن الحسن العسكري ((عليهما السلام)) كما تقوله عقيدة أهل البيت((عليهم السلام)) لأنّ البشارات السماوية لا تنطبق على العقائد الاُخرى، فتكون النتيجة هو أنّ الديانات السابقة لم تبشر بظهور المنقذ العالمي في آخر الزمان بعنوانه العام وحسب بل شخّصت أيضاً هويته الحقيقية من خلال تحديد صفات وتفصيلات لا تنطبق على غيره ((عليه السلام))، وهكذا تكون هذه البشارات دليلاً إضافياً على صحة عقيدة أهل البيت ((عليهم السلام)) بهذا الشأن.
ونكتفي هنا بالإشارة الى بعض البشارات الواردة في العهدين القديم والجديد (أسفار التوراة والأناجيل) بهذا الصدد، بحكم كونها معتبرةً عند أكبر وأهم الديانات السابقة على الإسلام أي اليهودية والنصرانية; ولأنّ هذين العهدين الموجودين حالياً قد مرّا بالكثير من التحقيق والتوثيق عند علماء اليهود والنصارى واُجريت بشأنها الكثير من الدراسات ودونت الكثير من الشروح لهما، ونسخها كثيرة ومتداولة بترجمات كثيرة لمختلف اللغات، غير أنّ الاعتماد على الاُصول العبرية أدق لوقوع أخطاء ولبس في الترجمات.
فالإقتصار على العهدين لا يعني إنحصار البشارات ـ التي لا يمكن تفسيرها بغير المهدي المنتظر((عليه السلام)) طبق عقيدة مذهب أهل البيت ((عليهم السلام)) ـ بهما ، بل على العكس فإنّ أمثالها موجودة في مختلف كتب الأديان الاُخرى وبتصريحات ودلالات أوضح ذكرتها الدراسات المتخصصة في هذا الباب(19). ولكنها غير مشهورة عند الجميع ونسخها غير متداولة وأغلبها لم تترجم عن لغاتها الاُم إلاّ قليلاً. على أنّ الاقتصار على النماذج المتقدّمة من العهدين القديم والجديد فيه الكفاية في الاستدلال على المطلوب، والتفصيلات موكولة للمراجع المتخصصة.
الإستناد الى ما صدّقه الإسلام من البشارات
1 ـ ومن الثابت إسلامياً أنّ الرسول الأكرم ((صلى الله عليه وآله)) قد بشّر بالمهدي الموعود من أهل بيته ومن ولد فاطمة ـ سلام الله عليها(20) ـ ، لذلك فإن البشارات الواردة في كتب الأديان السابقة ـ والتي لم تطالها يد التحريف ـ ما دامت منسجمة مع ما صرّحت به النصوص الشرعية الإسلامية. لا مانع من الإستناد إليها والإحتجاج بها.
2 ـ يُضاف الى ذلك أنّ القرآن الكريم نفسه قد بشّر بالدولة الإلهية العالمية وإقامتها في آخر الزمان كما صرّحت بذلك آياته الكريمة التي دلّ عددٌ منها على المهدي الموعود وحتمية وجوده وغيبته، كما سنوضح ذلك في بحث لاحق إن شاء الله تعالى. وهذا يعني تصديق ما ورد في بشارات الأديان السابقة الواردة بالمضمون نفسه، الأمر الذي يعني صدورها من نفس المصدر الذي صدر منه القرآن الكريم، وبالتالي الحكم بصحتها وعدم تطرق التحريف إليها، فلا مانع حينئذ من الإستناد إليها والإحتجاج بها في إطار المضامين التي صدّقها القرآن الكريم.
3 ـ إنّ بعض هذه البشارات ترتبط بواقع خارجي معاش أو ثابت تاريخياً، بمعنى أنّ الواقع الخارجي الثابت جاء مصدِّقاً لها. فمثلاً البشارات التي تشير الى أنّ المصلح العالمي هو الإمام الثاني عشر من ذرية إسماعيل وأنه من ولد خيرة الإماء وأنّ ولادته تقع في ظل اوضاع سياسية خانقة ومهددة لوجوده فيحفظه الله ويغيّبه عن أعين الظالمين الى حين موعد ظهوره وأمثالها، كلها تنبّأت بحوادث ثابتة تاريخياً، وهذا يضيف دليلاً آخر على صحتها، مادام أنّ من الثابت علمياً أنها مدونة قبل وقوع الحوادث التي أخبرت عنها، فهي في هذه الحالة تثبت أنها من أنباء الغيب التي لا يمكن أن تصدر إلاّ ممّن له ارتباط بعلاّم الغيوب تبارك وتعالى. وبذلك يمكن الحكم بصحّتها وعدم تطرق التحريف إليها، وبالتالي يمكن الإستناد إليها والإحتجاج بها(21).
تأثير البشارات في صياغة العقيدة المهدوية
أما القضية الثانية; فهي ترتبط بالاعتراض القائل بأنّ: الإستناد الى هذه البشارات في إثبات عقيدة اهل البيت في المهدي((عليه السلام)) يفتح باب التشكيك والادّعاء بأنّ هذه العقيدة تسللت الى الفكر الاسلامي من الاسرائيليات ومحرفات الأديان السابقة.
والجواب على هذا الإعتراض يتّضح من الإجابة السابقة، فهو يصح إذا كانت العقيدة الإمامية المهدوية تستند الى تلك البشارات وحدها في حين أنّ الأمر ليس كذلك.
ولو قلنا بأنّ كلّ فكرة اسلامية لها نظير في الأديان السابقة هي من الأفكار الدخيلة في الإسلام; لأدى الأمر الى إخراج الكثير من الحقائق والبديهيات الإسلامية التي أقرّها القرآن الكريم وصحاح الأحاديث الشريفة وهي موجودة في الأديان السابقة، وهذا واضح البطلان ولا يخفى بطلانه على ذي لب. فالمعيار في تشخيص الأفكار الدخيلة على الإسلام هو عرضها على القرآن والسنّة والأخذ بما وافقهما ونبذ ما خالفهما ، وليس عرضها على ما في كتب الديانات السابقة ونبذ كلّ ما وافقها مع العلم بأنّ فيها ما لم تتطرق له يد التحريف وفيه ما ثبت صدوره عن نفس المصدر الذي صدر عنه القرآن الكريم.
يُضاف الى ذلك أنّ عقيدة الإمامية في المهدي المنتظر((عليه السلام)) تستند الى واقع تاريخي ثابت، فكون الإمام المهدي هو الثاني عشر من أئمة أهل البيت((عليهم السلام)) ثابت تاريخياً وحتى ولادته الخفية من الحسن العسكري ((عليهما السلام)) قد سجلها المؤرخون من مختلف المذاهب الإسلامية وأقرها علماء مختلف المذاهب حتى الذين لم يذعنوا أنّه هو المهدي الموعود وإن كان عدد الذين صرّحوا بأنه هو المهدي من علماء أهل السنّة غير قليل أيضاً(22).
نتائج البحث
نصل الى القسم الأخير من البحث، وهو تسجيل النتائج الحاصلة منه في النقاط التالية:
1 ـ إنّ أصل فكرة الإيمان بالمصلح العالمي في آخر الزمان وإقامة الدولة العادلة التي تحقق السعادة الحقّة للبشرية جمعاء تستند الى جذور فطرية في الإنسان تنبع من فطرة تطلّعه الى الكمال، ولذلك لاحظنا إجماع مختلف التيارات الفكرية الإنسانية حتى المادية منها على حتمية تحقق هذا اليوم الموعود. أما الفكر الديني فهو مجمع عليها لتواتر البشارات السماوية في كتب الأديان المختلفة بذلك. فلا يمكن قبول ما زعمه بعض المستشرقين بأنّ هذه الفكرة المجمع عليها تستند الى الخرافات والأساطير.
2 ـ إنّ القول بوجود المهدي الموعود بالفعل وغيبته ـ وهو الذي يؤمن به مذهب أهل البيت ((عليهم السلام)) ويتميز عن عقيدة أهل السنّة في المهدي الموعود ـ غير مستبعد لا في الفكر الإنساني الذي يرى أنّ من الضروري أن يكون عمر المصلح العالمي طويلاً، ولا من الفكر الديني الذي اقترن إيمانه بالمصلح العالمي بالإيمان بأنه يعود بعد غيبة . بل إنّ وقوع الغيبات في تاريخ الأنبياء ((عليهم السلام)) يدعم هذا القول ويعززه.
3 ـ إن اجماع الأديان السماوية على الإيمان بالمصلح العالمي وغيبته قبل الظهور اقترن بالاختلاف الشديد في تحديد هويته، وهو اختلاف ناشئ من جملة من العوامل، منها: إن البشارات الواردة في الكتب المقدسة بشأنه تتحدث عن قضية غيبية والإنسان بطبعه ميّال لتجسيد الحقائق الغيبية في مصاديق محسوسة يعرفها. ومنها : أنّ التعصب المذهبي والرغبة في الفوز بافتخار الانتماء لصاحب هذا الدور التاريخي المهم دفعت أتباع كلّ دين الى تأويل تلك البشارات أو خلطها بالبشارات الواردة بشأن نبي أو وصي معين غير المصلح العالمي أو تحريفها لتطبيقها على الأقرب من المواصفات التي تذكرها من زعمائهم ورموزهم الدينية. فالاختلاف ناشئ من سوء تفسير وتطبيق البشارات السماوية وليس من نصوص البشارات نفسها.
4 ـ إنّ سبيل حلّ الاختلاف هو تمييز البشارات الواردة بشأن المصلح العالمي عن غيرها المرتبطة بغيره من الأنبياء والأوصياء ((عليهم السلام))، ثم تحديد الصورة التي ترسمها بنفسها للمصلح العالمي بعيداً عن التأثر بالمصاديق المفترضة سلفاً. ثم عرض المصاديق عليها لمعرفة هويته الحقيقية إستناداً الى الواقع التاريخي القابل للإثبات وبعيداً عن حصر هذه المصاديق المفترضة برموز دين معين، بل عرض كلّ مصداق مرشح من قبل أي دين او مذهب على الصورة التي ترسمها نصوص البشارات بصورة تجريدية.
5 ـ إنّ تلك البشارات السماوية تهدي ـ بناءً على هذا المنهج العلمي ـ الى أنّ المصلح العالمي الذي تبشّر به هو الإمام الثاني عشر من عترة خاتم الأنبياء ـ صلوات الله عليه وآله ـ وهو صاحب الغيبة التي يضطر إليها بسبب تربّص الظلمة به لتصفيته، أي أنّها تهدي الى المهدي الإمامي الذي يقول به مذهب أهل البيت ((عليهم السلام))، وقد صرّحت تلك البشارات بالهداية إليه من خلال ذكر صفات لا تنطبق إلاّ عليه، ومن خلال ذكرها لخصائص امتاز بها واشتهرت عنه كما لاحظنا.
6 ـ إنّ الإستناد الى هذه البشارات في إثبات صحة عقيدة أهل البيت ((عليهم السلام)) في المهدي المنتظر((عليه السلام)) يشكل دليلاً آخر في إثبات هذه العقيدة يضاف الى الأدلة العقلية والقرآنية وما صح لدى المسلمين من الأحاديث الشريفة، ولا مانع من الإستدلال بهذه البشارات بعدما ثبت أن التحريف في الديانات السابقة لم يشمل كلّ نصوصها الموحاة، فيمكن الإستناد الى ما صدقته النصوص الشرعية الإسلامية مما ورد في كتب الديانات السابقة; وكذلك ما صدقه الواقع التاريخي الكاشف عن صحة ما أخبرت عنه بإعتباره من أنباء الغيب التي لا يعلمها سوى الله تعالى، ومنها أخبار المهدي ((عليه السلام)).
7 ـ إنّ في الإستناد الى بشارات الأديان السابقة في إثبات صحة عقيدة أهل البيت ((عليهم السلام)) في المهدي الموعود وإضافته الى الأدلة الشرعية والعقلية الاُخرى، ثمارٌ عديدة، منها: الكشف عن أهمية هذه العقيدة وترسيخ الإيمان بها لدى أتباعها، ومنها: إعانة أتباع الديانات والمذاهب الأُخرى على الإهتداء لمعرفة هوية المصلح العالمي الذي بشرت به نصوص كتبهم المقدسة ودعوتهم الى الإسلام من هذا الطريق، والإحتجاج عليهم بالنصوص المعتبرة عندهم وهو احتجاج أبلغ في الدلالة ، ومنها: إيجاد محور توحيدي لدعاة الإصلاح الديني من أتباع مختلف الديانات يعزز جهودهم وينسقها، يقوم على أساس الإيمان بهذا المصلح العالمي ووجوده فعلاً ورعايته لجهود المُمهدين لظهوره طبقاً للعقيدة الإسلامية الأوسع شمولية وتفصيلاً في عرض هذه الفكرة العريقة في الفكر الديني والإنساني.
يقول العلاّمة الشهيد آية الله العظمى السيّد محمّد باقر الصدر: وإذا كانت فكرة المهدي أقدم من الإسلام وأوسع منه، فإن معالمها التفصيلية التي حددها الإسلام جاءت أكثر اشباعاً لكلّ الطموحات التي إنشدّت إلى هذه الفكرة منذ فجر التاريخ الديني، وأغنى عطاءاً وأقوى إثارة لأحاسيس المظلومين والمعذّبين على مر التاريخ. وذلك لأنّ الإسلام حوّل الفكرة من غيب الى واقع، ومن مستقبل الى حاضر، ومن التطلع الى منقذ تتمخض عنه الدنيا في المستقبل البعيد المجهول الى الإيمان بوجود المنقذ فعلاً، وتطلعه مع المتطلعين الى اليوم الموعود الى اكتمال كلّ الظروف التي تسمح له بممارسة دوره العظيم.
فلم يعد المهدي ((عليه السلام)) فكرة ننتظر ولادتها، ونبوءة نتطلع الى مصداقها، بل واقعاً قائماً ننتظر فاعليته، وإنساناً معيّناً يعيش بيننا بلحمه ودمه، نراه ويراناً، ويعيش آمالنا وآلامنا ويشاركنا أحزاننا وأفراحنا، ويشهد كلّ ما تزخر به الساحة على وجه الأرض من عذاب المعذّبين وبؤس البائسين وظلم الظالمين، ويكتوي بذلك من قريب أو بعيد، وينتظر بلهفة اللحظة التي يُتاح له فيها أن يمد يده الى كلّ مظلوم وكلّ محروم وكلّ بائس ويقطع دابر الظالمين.
وقد قُدّر لهذا القائد أن لا يُعلن عن نفسه ولا يكشف للآخرين هويته ووجوده على الرغم من أنه يعيش معهم انتظاراً للحظة الموعودة.
ومن الواضح أن الفكرة بهذه المعالم الإسلامية تقرّب الهوّة الغيبية بين المظلومين ـ كلّ المظلومين ـ وبين المنقذ المنتظر، وتجعل الجسر بينهم وبينه في شعورهم النفسي قصيراً مهما طال الإنتظار.
ونحن حينما يُراد منّا أن نؤمن بفكرة المهدي بوصفنا تعبيراً عن إنسان حيّ محدد يعيش فعلاً كما نعيش، ويترقب كما نترقب، يُراد الإيحاء إلينا بأنّ فكرة الرفض المطلق لكلّ ظلم وجور، والتي يمثلها المهدي، تجسدت فعلاً في القائد الرافض المنتظر، الذي سيظهر وليس في عنقه بيعة لظالم كما في الحديث، وإنّ الإيمان به إيمان بهذا الرفض الحيّ القائم فعلاً ومواكبة له...»(23).
الهوامش
*اقتبس هذا المقال من موسوعة أعلام الهداية ج14 (الإمام المهدي المنتظر خاتم الأوصياء / الناشر: المجمع العالمي لأهل البيت عليهم السلام).
(1) ستأتي الإشارة الى توثيق وتخريج هذه التواريخ من مراحل حياة الإمام المهدي((عليه السلام)) في الفصول القادمة فانتظر.
(2) نقله عنه آية الله المرعشي النجفي في كتابه «ملحقات إحقاق الحقّ» 29: 621 ـ 622 ونقله عنه أيضاً آقابزرك الطهراني في كتابه «الذريعة الى تصانيف الشيعة» 21: 319/5267 قال: «(مفتاح باب الأبواب) في تاريخ البابية، مختصر كالفهرس لباب الأبواب في بيان مبدأهم وشرح عقائدهم، للميرزا مهدي خان الدكتور بن الميرزا محمّد تقي بن جعفر الأمير الملقب بزعيم الدولة، صاحب جريدة الحكمة نزيل مصر ـ القاهرة والمتوفى سنة (1333 هـ ) طبع سنة (1321 هـ )، ابتدأ بذكر أنواع الديانات السبعة: (المسلمون، النصارى، اليهود، المجوس، البوذية، البرهمنية، الشفتية) واتفاقهم على المعهود، والبشارة بإتيان أنّ موعود مكمل للدين».
(3) العقيدة والشريعة في الإسلام : 218 حيث وصفها بأنها من الأساطير ذات الجذور غير الإسلامية لكنه لم ينكر اتفاق كلمة الأديان عليهاوأنكرها أيضاً المستشرق رونلدسن في كتابه «عقيدة الشيعة»: 231، والمستشرق فان فلوتن في كتابه «السيادة العربية»: 110 ـ 116، وتابعهم بعض المتأثرين بهم من المسلمين أمثال أحمد أمينومحمّد فريد وجدي، والسائح الليبي وغيرهم، راجع المزيد في ذلك دفاع عن الكافي للسيّد العميدي: 206 وما بعدها.
(4) راجع أيضاً الإمامة وقائم القيامة للدكتور مصطفى غالب : 270 ـ 272، المهدي المنتظر في الفكر الإسلامي، ثامر العميدي: 12 ـ 13، الإمام المهدي في الكتب السابقة، محمّد رضا حكيمي: 52 ـ 57 .
(5) راجع النصوص الخاصة بالمهدي الموعود من كتاب «بشارات عهدين» بالفارسية للشيخ محمّد الصادقي ، وراجع أيضاً كتاب «أهل البيت في الكتاب المقدّس»، لأحمد الواسطي: 121 وما بعدها وكتاب «الإمام المهدي في كتب الأُمم السابقة والمسلمين» لمحمّد رضا حكيمي: 52 ـ 57 ، «عقيدة المسيح الدجّال» لسعيد أيوب: 379 ـ 380 .
(6) لمعرفة تفصيلات هذا التمهيد يُراجع كتاب تاريخ الغيبة الكبرى للسيّد محمّد الصدر، في حديثه عن التخطيط الإلهي لليوم الموعود قبل الإسلام : 251 وما بعدها.
(7) بحث حول المهدي: 53 ـ 54 .
(8) الفصول العشرة في الغيبة، المفيد: 91 ـ 107 .
(9) كنز الفوائد، الكراچكي 2: 114 ـ 134.
(10) إعلام الورى بأعلام الهدى، الطبرسي 2: 304 ـ 310 المسألة السادسة.
(11) بحث حول المهدي، الشهيد الصدر: 63 ـ 89 .
(12) راجع كتاب دفاع عن الكافي للسيّد العميدي: 1/180 ـ 181، وإحقاق الحقّ، 13: 3ـ4. والإمام المهدي
في كتب الأُمم السابقة والمسلمين، محمّد رضا حكيمي: 52 ـ 57، والإمامة وقائم القيامة، د. مصطفى غالب:270 ـ 271 .
(13) عقيدة المسيح الدجّال في الأديان، سعيد أيوب: 379 .
(14) اختص هذا اللقب بأئمة العترة الطاهرة، وإذا اُطلق كان المراد منه الإمام الثاني عشر المهدي المنتظر((عليه السلام))، راجع كتاب النجم الثاقب لآية الله الميرزا حسين النوري 1: 211 من الطبعة المترجمة الى العربية، وقد ذكر الميرزا النوري أنّ هذا اللقب مذكور في الزبور الثالث عشر وغيره، نقل ذلك عن كتاب ذخيرة الألباب للشيخ محمّد الاسترآبادي.
(15) أهل البيت في الكتاب المقدس: 123 ـ 127، فقد نقل النص كاملاً من سفر أشعيا باللغة العبرية وذكر ترجمته والإشارة الى مدلولاته.
(16) النجم الثاقب 1 : 198.
(17) بشارات عهدين : 277.
(18) الكتاب المقدس تحت المجهر: 155 .
(19) راجع ما نقله الشيخ الصادقي في كتابه بشارات عهدين من كتب الأديان الاُخرى.
(20) بل أثبتت دراسات عدد من علماء أهل السنّة تواتر هذه الأحاديث الشريفة، مثل كتاب «التوضيح في تواتر ما جاء في المنتظر والدجّال والمسيح» للإمام الشوكاني، وكتاب «الإشاعة في أشراط الساعة» للبرزنجي، وكتاب «التصريح» للكشميري وقال به الكتاني في كتابه «نظم المتناثر من الحديث المتواتر»: 236 ـ 239/289 ونقل القول بالتواتر عن الحافظ السخاوي والآبري والشوكاني وغيرهم الكثير.
(21) هذا الحكم يصدق أيضاً على الأحاديث الشريفة المروية عن الرسول الأكرم وأئمة العترة ـ صلوات الله وسلامه عليهم اجمعين ـ والتي تنبأت بولادة المهدي من الحسن العسكري وغيبته، فثبوت صدورها وتدوينها قبل وقوع الولادة والغيبة بما يزيد على القرن وأكثر ثم تحقق ما أخبرت عنه عملياً يثبت صحتها حتى لو كان ثمة نقاش في بعض أسانيدها، لأنّ تصديق الواقع لها دليل على صحة صدورها من ينابيع الوحي المتصلة بالله تبارك وتعالى الذي لا يعلم الغيب سواه ولا يطلع على غيبه إلاّ من ارتضى، وقد استدل العلماء بهذا الدليل الوجداني على صحة الغيبة وصحة إمامة المهدي ابن العسكري ((عليهما السلام)) مثل الشيخ الصدوق في إكمال الدين: 1 / 19، والشيخ الطوسي في كتاب الغيبة : 101 ـ 107، والطبرسي في أعلام الورى، وابن طاووس في كشف المحجة وغيرهم.
(22) ذكر الشيخ القندوزي الحنفي في ينابيع المودة الكثير من علماء أهل السنّة القائلين بأنّ المهدي الموعود هو ابن الحسن العسكري وأنه حي وغائب، كما ذكر الميرزا النوري في كتاب كشف الأستار أربعين عالماً منهم ونقل تصريحاتهم في ذلك، وكذلك فعل العلاّمة نجم الدين العسكري في كتابه المهدي الموعود المنتظر عند علماء أهل السنّة والإمامية، وجمع أقوالهم وتصريحاتهم السيّد ثامر العميدي في الجزء الأوّل من كتابه (دفاع عن الكافي). وكذلك السيّد الأمين العاملي ج5 من المجالس السنية والاُستاذ الدخيّل في: الإمام المهدي((عليه السلام)) .
(23) بحث حول المهدي: 12 ـ 14.
عندما تتبنى قطر ان تكون قاعدة للارهابيين!
تم وبشكل رسمي افتتاح اول مكتب سياسي لحركة طالبان في الدوحة عاصمة قطر يوم الثلاثاء 18 - 6 – 2013 وبذلك فقد تم الاعلان عن تبني قطري للحركات الاجتثاثية والتكفيرية وبشكل رسمي بعد ان كانت قطر تعمل لسنوات عن ايجاد غطاء اعلامي قوي لتنظيم القاعدة وكل القوى التكفيرية والارهابية .. ولم يعد من اللازم على قطر ان تواصل عملها بشكل سري بعد ان اتضح للقاصي والداني دورها المباشر في تبني و تمويل وتدريب القوى الارهابية في ساحات عديدة من العالم العربي والاسلامي ولعل هناك ساحات اخرى لاعلم لنا بها .
وقبل نحو اسبوعين كانت قطر قد شهدت تجمعا لمختلف قوى التكفير والارهاب تم فيه التباري باشد الوان التطرف والتشدد والتكفير واهدار الدم وكان في مقدمة الركب يوسف القرضاوي الذي يطمح الى توسيع دائرة الفتنة الى اقصى مايستطيع عليه ، حيث طرح تساؤلا استفزازيا ومشحونا بكم هائل من الحقد على الشيعة وبنبرة تدعو الى اقتتا ل شيعي سني على مستوى العالم .
هذا المنهج الذي تتبعه قطر في تصدير الفكر الارهابي والتكفيري الى مختلف البلدان ، واثارة القلاقل والتوترات المذهبية والطائفية فيها ، لهو منهج خطر ويمكن ان يعود عليها وتكتوي قطر بناره ، مثلما ا كتوت اميركا بنار دعم طالبان والقاعدة واوصلتهم الى الاستئثار بالحكم في افغانستان من عام 1996 الى 2001 وتلقت من جراء ذلك ضربة 11 سبتمبر / ايلول عام 2001 التي هزت العقل الاميركي بقوة ودفعت الاميركان الى تبني نهج واسلوب مغاير للسابق في عملية التعاطي مع قوى التكفير والارهاب بما يمكنها من الانتقام بواسطة هذه القوى العمياء التي لاتبصر الى ابعد من قدمها والانتقام منها ، في عملية تشديد الصراع المذهبي والطائفي ، وبعيد عن الساحة الاميركية ، وهذا مايتكرس بالفعل الان ، وهي المعادلة التي يهم الغرب ان يجدها متكرسة في واقع المسلمين ، ضمن اطار خطة جهنمية تستهدف ايجاد واقع جديد لدى شعوب المنطقة تنبذ العنف ، وتقبل الحوار ، وتتبنى كل مايلقى عليها من مشاريع ترسمها القوى الكبرى .
لقد رات حكومة كابل ان اسراع اميركا في فتح باب التفاوض مع حركة طالبان يعطيها مشروعية اكثر ويبرر لها افعالها وماتقوم به من اعتداءات يومية ، وفي هذا الاطار قالت شكرية باراكزاي عضو البرلمان الافغاني والمعروفة بدفاعها عن حقوق المرأة "اعتقد ان الادارة الاميركية ترتكب خطأ تاريخيا عبر اعطاء شرعية والاعتراف بشبكة ارهابية تقتل يوميا مدنيين افغان ونساء واطفال في افغانستان واماكن اخرى، وايضا اميركيين".
ان قطر هي الاخرى سوف لن تكون بمامن عن استهداف هذه القوى التي لايسيرها عقل او منطق ، خاصة وان شعار بعض نماذجها ( من تمنطق فقد تزندق ) وعندها سوف لايحق لقطر ان تندب حظها ، وعليها ان تقبل بما جنتها بايديها .
ان الدور القطري يستهدف بالاساس جسور تواصل بين هذه القوى والدول الكبرى التي يهمها ان يكون لديها راس خيط يوصلها للحوار مع هذه القوى العمياء التي هي بحاجة الى ترتيب العلاقات معها وجرها عند الضرورة لتحقيق ماتصبوا اليه عبر قنوات الحوار التي لابد منها .