emamian

emamian

مما لا شك فيه أن الوضع في داخل الكيان الإسرائيلي يتجه نحو التعقيد مع مصادقة الكنيست في القراءة التمهيدية على حل نفسها والدعوة لانتخابات تشريعية رابعة في اقل من عامين ،

 

حتى نصل إلى يوم تحديد موعد الانتخابات أمامنا ثلاث قراءات للمشروع مما يعني أننا لم نصل حتى اللحظة إلى نقطة النهاية، حتى اللحظة هناك واحد وستون عضوا في الكنيست مقتنعين بضرورة حلها مادام نتنياهو يرفض المصادقة على موازنة العام 2021 والتي كما يقولون ستؤدي إلى استقرار سياسي غاب عن تل أبيب منذ اعوام والتي ستؤدي أيضا إلى التناوب على رئاسة الحكومة وفق الاتفاق الذي وقع بين ازرق ابيض والليكود وهو الأمر الذي لا يريده نتنياهو وعلى الرغم بأن الرجل أعلن معارضته لحل الكنيست ودعا أعضاء حزبه للتواجد للتصويت ضد المشروع إلا أن العارفين بعقلية نتنياهو يدركون أنه يفضل الانتخابات المبكرة على أن يجلس في المقعد الثاني في الحكومة وينادي جانتس بسيدي رئيس الوزراء ، السيناريوهات حتى الوصول الى القراءة الثالثه متعددة وعلى رأسها، أن تحل الكنيست فعلا وتحدد الانتخابات في آذار المقبل وهذا يعني عودة الاستقطاب السياسي الحاد بين اليمين والوسط وعودة أحزاب للظهور واندثار أحزاب وفي هذه الحاله على الأغلب فإن نتنياهو سيحافظ على كتلته اليمينية التي باتت تدعى بالكتلة الصلبة، السيناريو الاخر والذي يعتقد البعض أنه الاكثر منطقية وهو أن تفضي المفاوضات السرية بين جانتس ونتنياهو إلى اتفاق يقبل بموجبه الأول أي جانتس أن يحصل على بعض الامتيازات مقابل أن يقبل بالبقاء في المقعد الثاني إلى جانب بنيامين نتنياهو وفي هذه الحالة يكون جانتس خان يئير لبيد للمرة الثانية لاسيما أن حزب لبيد هو من تقدم بمشروع حل الكنيست، الذين يرجحون هذا السيناريو يقولون بأن جانتس في الانتخابات المقبلة لن يحصل على اكثر من سبعة مقاعد أو ثمانيه ولن يكون مؤثرا وبان أعضاء حزبه (كحول لفان) الذين يملأون الوزارات والبرلمان جلهم سيغادر الحكومة والبرلمان وعليه فيبدو انو هؤلاء سيكونوا مؤثرين ساعة اتخاذ جانتس قراراه بالاستمرار في السير بمشروع حل الكنيست من عدمه، أما السيناريو الثالث ورغم صعوبته إلا أن البعض لا يستبعده وهو أن يستطيع نتنياهو تشكيل حكومة يمينية بعيدا عن جانتس من خلال جذب بعض أعضاء ازرق ابيض للتصويت لصالحه وبالتالي سيكون الرجل ضمن الابتعاد عن جانتس وقلق التناوب على رئاسة الحكومة، هذه السيناريوهات الثلاث هي الممكنة في الأيام المقبلة وهذه السيناريوهات الثلاث أن دلت على شيء تدل حتما على صعوبة المشهد في تل ابيب وأزمة الحكم وغياب البديل لنتنياهو الذي يرى أغلبية الإسرائيليين أنه فاسد ومقامر بمستقبلهم ولكنهم لا يجدون غيره يصلح لإدارة الحياة السياسية، قمة التناقض كما يقول أحد الكتاب الإسرائيليين أن نرى فساد نتنياهو ونرى سوء إدارته للمشهد على الأقل في أزمة كورونا التي حاول أن يوظفها لمصلحته وفي الختام نظن بحزم أن غيره لا يصلح في رئاسة الحكومة وكأننا نقول بأننا نقبل باللص ان يسرقنا وننفي ذلك لأننا لم نشاهد ذلك بأعيننا، نتنياهو يقدم كل يوم نموذجا حيا لفساد الحاكم وغيبوبة المحكوم والحقيقة أن هذا يجعل الكيان جزءا من المنظومة العربية الحالية .

 

فارس الصرفندي

من أهم المواضیع التی تحظى دائماً باهتمام الوالدین موضوع تربیة الأطفال وکیفیة التعامل معهم. ونظراً لارتفاع مستوى الوعی لدى الأسر فقد ازداد الإهتمام بمسألة التربیة بجمیع أبعادها وجزئیاتها. ومن هنا نرىأن معظم القائمین على العمل التربوی والمهتمین بهذه الموضوع یسعون للإهتمام بهذا الأمر بطرق عدیدة مثل إقامة حلقات و صفوف تعلیمیة، ونشر کتب و مقالات، و کذلک صناعة الأفلام محاولین بذلک التقلیل من المعضلات و المشاکل الموجودة من خلال تحسین الوضع التربوی للأطفال.

 

والأمر اللافت للإنتباه هو کثرة الکتب الغربیة فی هذا المجال، حیث أن ترجمة هذه الکتب وتدریسها فی الجامعات یتسبب بنشر الطرق الغربیة لتربیة الأطفال فی المجتمع. غیر أننا لو تعمقنا فی دراسة واستیعاب ما جاء فی القرآن و السنة وسیرة الأئمة الأطهار(علیهم السلام) حول طرق تربیة الأطفال لکان بالإمکان الوصول إلى أفضل الطرق التربویة.

 

ولا نقصد مما سبق أن نضع جانباً کافة الأسالیب والدراسات العلمیة التی أجریت و تم تقدیمها حول تربیة الطفل، بل إنّ مانصبوا إلیه هو أن یکون لدینا إلمام کاملبالمنهجالإسلامی فی التربیة، وبأهم الطرق التی حضّ علیها الإسلام باعتبارها النموذج السماوی والقانون الأمثل، بحیث نجعلها معیاراً للحکم على النظریات التربویة الأخرى، ولنقوم بناء علیها بتربیة أطفالنا التربیة الجیدة التی تجعل منهم أشخاصا صالحین وتصونهم من أی شکل من الأمراض والعقد النفسیة والإجتماعیة.

 

البدایة مع فترة الحمل

 من الأمور التی لها تأثیر کبیر على تکوین الصفات الظاهریة والنفسیة فی الطفل هی العنایة اللازمة خلال فترة الحمل و تغذیة الأم فی تلک المرحلة. وقد وردت العدید من الروایات فی هذا الشأن،فی بعضها کان هناک توصیة بتناول بعض الأطعمة و الأشربة فی هذه المرحلة. و«اللبان» هو واحد من الأطعمة التی یوصى بها فی فترة الحمل، یقول الإمام الرضا(علیه السلام): «أطعموا نساءکم الحوامل اللبان، فإن یکن فی بطنهن غلام خرج ذکی القلب عالماً شجاعاً، و إن یکن جاریة، حسن خَلقها و خُلقها و عظمت عجیزتها وحظیت عند زوجها.»(1)

 

إختیار الاسم الحسن

إن أول ما یشغل بال الأب و الأم بعد أن یرزقهم الله تعالى بطفل هو  مسألة تسمیة هذا الطفل، فالإسم له تأثیر مباشر على شخصیة الفرد وعلى حضوره فی المجتمع. وقد أثبتت إحدى الدراسات العلمیة أن لکل إسم نغمة و ترددا خاصاوسیکون له تأثیر على شخصیة الإنسان، و حتى على کیفیة حکم الآخرین علیه. لقد تم التأکید على هذا الموضوع کثیراً فی تعالیم الإسلام و فی الروایات الشریفة، یقول الإمام الرضا(علیه السلام): «أول ما یبرّ الرجل ولده أن یسمیه باسم حسن، فلیحسن أحدکم اسم ولده.»(2)

وفی روایة أخرى عَنْ دُرُسْتَ عَنْ الإمام الرضا (علیه السلام) قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِیِّ (علیه وآله الصلاة والسلام)فَقَالَ یَا رَسُولَ اللَّهِ- مَا حَقُّ ابْنِی هَذَا؟ قَالَ: تُحَسِّنُ اسْمَهُ وَ أَدَبَهُ وَ ضَعْهُ مَوْضِعاً حَسَناً.(3)

 

صحیح أن الإمام الرضا(علیه السلام) قد أوصى بشکل عام باختیار الاسم الحسن، لکنه حضّ على اختیار الاسم المبارک «محمد» للصبیان، و«فاطمة» للبنات، حیث نقل عنه أنه قال: «البَیتُ الّذی فیه اسمُ محمّدٍ یَصبَحُ أهلُه بخیرٍ و یَمسُون بِخیرٍ.»(4)

ونقل أیضا أنه قال: «لا یَدخُلُ الفَقرُ بَیتاً فیه اسمُ فاطمةَ مِن النِّساءِ.»(5)

 

احترام الأولاد

بالطبع فإن اختیار الاسم الحسن للمولود لیس نهایة المطاف فی عملیة التربیة، بل هناک مبادئ أخری تجدر مراعاتها فی تربیة الأبناء والتعامل معهم، ومنها ضرورة مخاطبة الطفل بلهجة جمیلة متمیزة بالحنان والعطف.وإن نوع الخطاب هذا قد تجلى بشکل واضح فی سیرة الإمام الرضا(علیه السلام) فی تعامله مع ولده الجواد(علیه السلام)حیث کان یخاطبه مذ أن کان صغیرا باحترام وعطف،ومن أمثلة ذلک أنه کان ینادیه بکنیته،وکان یقول، قلت لأبی جعفر کذا، و کتبت لأبی جعفر کذا.

 

وعن أمیة بن علی قال: «کنت مع أبی الحسن الرضا(علیه السلام) فی السنة التی حج فیها ثم صار إلی خراسان و معه ابنه أبو جعفر الجواد(علیه السلام) و أبو الحسن(علیه السلام) یودع البیت. فلما صار أبو جعفر إلی الحجر جلس فیه فأطال، فأتى موفق غلام الإمام الرضا(علیه السلام) إلیه و أخبره بالأمر. فقام أبو الحسن فأتى أبا جعفر(علیه السلام)  فقال له: قم یاحبیبی،فقال: ما أرید أن أبرح من مکانی هذا، قال: بلی یا حبیبی، ثم قال الجواد: کیف أقوم و قد ودعت البیت وداعاً لا ترجع إلیه؟! فقال: قم یاحبیبی! فقام معه.»(6)

 

فعلى الرغم من أن الإمام الجواد(علیه السلام)کان طفلاً له ست أو سبع سنوات، فقد کان موجوداً مع أبیه فی مراسم الحج، و کان أبوه یخاطبه بکلمة حبیبی، کذلک کان غلمانه یتأسون به فیخاطبونه باحترام و ینادونه بکنیته.

إنّ معاملة الأولاد باحترام له فوائد و برکات کثیرة جداً، إحدى هذه الفوائد هی أن هذا الإحترام یساهم فی بناء شخصیتهم و یؤثر إیجاباعلیهم، کما أنه یصنع منهم أشخاصاً مؤدبین و جدیرینبالإحترام، إن الطفل الذی یرى الإحترام من والدیه سیتعلم من ذلک أن یعامل أمه و أباه و الآخرین باحترام، و أن یلتزم دوما فی کلامه بالأدب والأخلاق الحمیدة.

 

محبة الأولاد

إنّ محبة الأبناء هی أمر طبیعی وفطری مغروس فی قلب کل أب وأم، وفی روایة تحدث الإمام الرضا(علیه السلام) عن أنّ ثواب محبة الأبناء یوازی ویعادل ثواب الإحسان للوالدین، فقد روی أَنَّهُ قَالَ لِرَجُلٍ:  أَلَکَ وَالِدَانِ؟ فَقَالَ لَا، فَقَالَ: أَلَکَ وَلَدٌ؟ فَقَالَ: نَعَمْ، قَالَ لَهُ: بِرَّ وَلَدَکَ یُحْسَبْ لَکَ بِرُّ وَالِدَیْکَ. وَ رُوِیَ أَنَّهُ قَالَ: بَرُّوا أَوْلَادَکُمْ وَ أَحْسِنُوا إِلَیْهِمْ فَإِنَّهُمْ یَظُنُّونَ أَنَّکُمْ تَرْزُقُونَهُم.»(7)

 

التمییز بین الفتاة والولد فی مستوى الإهتمام

على الرغم من أنه لا یوجد تمییز فی الإسلام بین الأولاد، فالمساواة والعدالة فیما بینهم تعتبر من تعالیم الدین، لکن فی بعض الجوانب نرى أن تفضیل الفتیات على الفتیان یعتبر أصلا تربویا هاما، لأن العاطفة عند الإناث وتأثیر الإحاسیس فی حیاتهن أشد منها عند الذکور، فإذا تم تجاهل هذه المشاعر فإنهن سیشعرن بالخیبة و الضیق، والروایة التالیة ناظرة لهذا الجانب التربوی الهام، فقد نقل الإمام الرضا(علیه السلام) عن جده رسول الله(صلّی الله علیه و آله) أنه قال: «إنّ اللهَ تَبارَک وتَعالى علَى الإناثِ أرَقُّ مِنه على الذُّکُورِ، و ما مِن رَجُلٍ یُدخِلُ فَرحَةً على امرَأةٍ بَینَه وبَینَها حُرمةٌ إلّا فَرَّحَه اللهُ یَومَ القِیامَةِ.»(8)

 

الوفاء بالعهد

إن تربیة الطفل لیست أمراً یبدأ منذ وقت ولادته، بل إن الطفل یرث قسماً کبیراً من حالته النفسیة و شخصیته من الأب و الأم، کما أنه یقلدهما فی الکثیر من تصرفاته، وبناء علیه یصیر لزاما علی الوالدین التقیدبالمسائل الأخلاقیة مثل الوفاء بالعهد. فالطفل الذی یعتبر أباه و أمه قدوة لسلوکه و تصرفاته و یقوم باستکشاف وتحلیل کافة تصرفاتهم، بإمکانه تعلم الوفاء بالعهد منذ نعومة أظفاره کما بقیة المبادئ والقیم الأخلاقیة الکریمة. قال الإمام الرضا(علیه السلام) لأصحابه: «إذا وعدتم الصبیان ففوا لهم، فإنهم یرون أنکم الذین ترزقونهم، إن الله عز و جل لیس یغضب لشیء کغضبه للنساء و الصبیان.»(9)

 

لا شک أنه فی هکذا ظروف إذا تکرر خلف الوالدین بوعودهم لأطفالهم فإنه بالإضافة لشعور الأطفال بالخیبة فهم بلاشک سیفقدونالثقة بوالدیهم، و ربما یمکن القول أن أسوأ عواقب عدم الثقة هذه سیظهر فی مرحلة البلوغ حیث یحتاج الولد لمساعدة و إرشادات أبیه و أمه أکثر من أی وقت آخر،ولکن الولد الذی ترعرع و لدیه عدم ثقة بوالدیة لن یستطیع أن یثق بأی شخص آخر، من الطبیعی أن هکذا أبناء یکونون معرضین لمخاطر جدیة فی حیاتهم الإجتماعیة، والإمام الرضا(علیه السلام)أوصانا بمراعاة هذا الأمر، بل وقد نقل عنه مامعناه أنّ التقصیر فی هذا الأمر یکون سببا فی غضب الله عز وجل.

 

 ومنه ندرک ما لموضوع تربیة الأبناءمن أهمیة فائقة، بحیث لایجوز التهاون فیها أبدا، وأنّ القصور هنا من قبل الوالدین یجعلهما مستحقین لغضب الباری تعالى.

 

بناء الثقة بالنفس و احترام الذات لدى الأبناء

إن الثقة بالنفس و احترام الذات لدى الإنسانهی من أهم الأمور التی تؤثر  فی شخصیته، کما أنها تؤدی دوراً بارزافی سلوکه الإجتماعی وتصرفاته المختلفة. إن النقطة المهمة التی یجب الإنتباه لها هنا هی ضرورة زرع هذه الصفة و تقویتها لدى الأشخاص منذ الطفولة. جاء فی الروایة  أن أحد أصحاب الإمام الرضا(علیه السلام) شکا إلیه ولده الذی أفسد ماله. فقال الإمام(علیه السلام): «اسْتَصْلِحْهُ فَمَا مِائَةُ أَلْفٍ فِیمَا أَنْعَمَ اللَّهُ بِهِ عَلَیْک‏.»(10)

 

کما نلاحظ فقد اعتبر الإمام(علیه السلام) أن تربیة الطفل و زرع الثقة و احترام الذات لدیه و إعطاءه فرصة أخرى أهم بکثیر من مقدار الخسارة المالیة التی لحقت بذلک الرجل. ولایفوتنا التذکیر هنا أن کلام الإمام هذا لیس معناه أن یترک الأبناء علی هواهم من دون مراقبة أو محاسبة، بل معناه منحهم فرصة ثانیة من أجل خلق المهارة و الثقة بالنفس لدیهم.

 

النتیجة

کما رأینا یوجد فی تعالیم و سیرة الإمام الرضا(علیه السلام)، العدید من الوصایا المتعلقة بتربیة الأطفال منذ بدایة الحمل حتى مرحلة البلوغ،ولاشکّ أن مراعاة هذه الوصایا والإقتداء بهذه السیرة المبارکة سوف یکون المرشد والمعین الأمثل للوالدین فی تربیة أبنائهم.

إن تغذیة الأم، واختیار الإسم الحسن للأولاد، وطریقة التعامل مع الأطفال والإنتباه لمواهبهم وتقویتها منذ الطفولة کلها جزء من التعالیم القیمة التی تم التأکید علیها فی سیرة وأقوال الإمام الرضا(علیه السلام) ، حیث یجب مراعاتها جمیعا أثناء فی عملیة التربیة، ونتیجة ذلک ستکون أطفالا سالمین متحلین بالفضائل الأخلاقیة وبالسلوک القویم المبتنی على المبادئ والأسس الإسلامیة.‌

 

* تألیف: زهره فتح الله نوری

تعریب: کامل اسماعیل

لصالِح العتبة الرضویة المُقدسة

 

(1).فیض الکاشانی، محمد بن شاه مرتضى (1415ق). الوافی (ج23، ص1313).أصفهان:مکتبة أمیرالمؤمنین.

(2).الحرالعاملی، محمد بن حسن(1412ق). وسائل الشیعة (ج21، ص388). طهران: نشر مهر.

(3).الکلینی، محمد بن یعقوب(1407ق)، الکافی،  طهران ،دار الکتب الإسلامیة، ج‏6 ، ص48.

(4).المجلسی، محمد‌باقر(1395ق). بحار الأنوار (ج101، ص131). طهران: دارالکتب الإسلامیة.

(5).الحر العاملی، محمد بن حسن(1412ق). وسائل‏الشیعة (ج15، ص129). طهران: نشر مهر.

(6).المجلسی، محمدباقر(1395ق). بحار الأنوار (ج49، ص120). طهران: دارالکتب الإسلامیة.

(7).نوری، حسین(1407ق). مستدرک الوسائل (ج15، ص170). بیروت: آل البیت.

(8).الحر العاملی، محمد بن حسن(1412ق). وسائل الشیعة (ج15، ص104). طهران: نشر مهر.

(9).المجلسی، محمدتقی(1367ق). مرآة العقول (ج21، ص.87). طهران: دارالکتب الإسلامیة.

(10).نفس المصدر، ص84.

أعلنت الكويت، الجمعة، إجراء "مباحثات مثمرة" خلال الفترة الماضية، في إطار جهود تحقيق المصالحة الخليجية المستمرة منذ 2017.

جاء ذلك وفق بيان أصدره وزير الخارجية الكويتي أحمد ناصر الصباح، .

وأفاد البيان بأن "مباحثات مثمرة جرت خلال الفترة الماضية أكد فيها كافة الأطراف حرصهم على التضامن والاستقرار الخليجي والعربي، والوصول إلى اتفاق نهائي يحقق ما تصبو إليه من تضامن دائم بين دولهم وتحقيق ما فيه خير شعوبهم".

وأضاف البيان، أن تلك الجهود قادها أمير دولة الكويت الراحل الشيخ صباح الأحمد الصباح، واستمر بها الأمير الحالي الشيخ نواف الأحمد الصباح، والرئيس الأمريكي دونالد ترامب، لحل الأزمة الخليجية.

والخميس، قالت صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية، إن إدارة ترامب ترغب في حلحلة الأزمة الخليجية قبل رحيلها بهدف تضييق الخناق على إيران.

وأضافت الصحيفة، في تقرير، أنه "ضمن الخطوات الأولى في هذا الاتجاه تضغط إدارة ترامب على السعودية لفتح مجالها الجوي للرحلات الجوية القطرية التي تدفع ملايين الدولارات مقابل استخدام المجال الجوي لإيران".

فيما نقلت وكالة "بلومبيرغ" الأمريكية، عن 3 مصادر مطلعة (لم تسمها)، الخميس، إن السعودية وقطر تقتربان من التوصل لاتفاق أولي لإنهاء الخلاف المستمر منذ أكثر من 3 سنوات، بضغط من ترامب.

وأوردت الوكالة، عن مصدر رابع (لم تسمه) قوله إن "التوصل إلى اتفاق أوسع لإعادة ترتيب الأوضاع لا يزال بعيد المنال بسبب استمرار وجود قضايا عالقة، مثل علاقة الدوحة مع طهران".

والأربعاء، بحث أمير قطر، الشيخ تميم بن حمد، مع كوشنر في الدوحة، القضايا الإقليمية والدولية، لا سيما تطورات الأوضاع في الشرق الأوسط، وفق بيان قطري رسمي.

ولم يذكر البيان تفاصيل أكثر بشأن زيارة كوشنر، غير أن وسائل إعلام أمريكية قالت إن زيارة مستشار ترامب لقطر تستهدف "تأمين مزيد من الاتفاقات الدبلوماسية بالشرق الأوسط قبل مغادرة البيت الأبيض في يناير (كانون الثاني) المقبل".

ومنذ 5 يونيو/ حزيران 2017، تفرض السعودية والإمارات والبحرين ومصر حصارًا بريًا وجويًا وبحريًا على قطر؛ بزعم دعمها للإرهاب وعلاقتها بإيران، فيما تنفي الدوحة اتهامها بالإرهاب، وتعتبره "محاولة للنيل من سيادتها وقرارها المستقل".

المصدر:الاناظول

السبت, 05 كانون1/ديسمبر 2020 15:40

السؤال: الاختلاف بين الخلفاء

سمعت يقولون ان الخلفاء الراشدين الثلاثة ابو بكر وعمر وعثمان خالف بعضهم البعض الاخر في سياستهم أثناء توليهم الحكم.

لأنه بالتأكيد ان هذا الخلاف لو حصل فعلا فهو يتنافى مع قول رسول الله صلى الله عليه واله وسلم بأيهم اقتديتم اهتديتم...

هل لكم ان توردوا بعض المخالفات مع المصادر....

الجواب:

أولاً: حديث (( أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم )) حديث باطل وموضوع  فلا يصح الزام السنة به فضلا عن الشيعة في مقابل اتباع اهل البيت (عليهم السلام).

 

ثانياً: نعم حديث الخلفاء الراشدين والتمسك بسنتهم وسنة النبي (صلى الله عليه وآله) ينطبق على ائمة الهدى من ال محمد (صلى الله عليه وآله) حيث وصفهم بالخلفاء الراشدين المهديين فالتمسك بسنتهم مع سنة النبي (صلى الله عليه وآله) لا يأمر به الرسول (صلى الله عليه وآله) الا اذا كان غير مخالف للكتاب والسنة قطعا مع الاخذ بنظر الاعتبار وصفهم بالمهديين!

 

ثالثاً: ثبت الخلاف والاختلاف بين ابي بكر وعمر في زمن رسول الله (صلى الله عليه وآله) في موارد كثيرة وكان ذلك معروفا عنهم مشهورا كما في:

أ‌- قال ابو الدرداء: (كان بين ابي بكر وعمر محاورة فأغضب ابو بكر عمر فانصرف عنه عمر مغضبا فاتبعه ابو بكر يسأله ان يستغفر له فلم يفعل حتى اغلق بابه في وجهه... (صحيح البخاري 5: 179).

ب‌- عن عبد الله بن الزبير قال: قدم ركب من بني تميم على النبي (صلى الله عليه وآله) فقال ابو بكر: أمر القعقاع بن معبد بن زرارة فقال عمر: بل أمر الاقرع بن حابس قال ابو بكر: ما اردت الا خلافي قال عمر: ما اردت خلافك فتماريا حتى ارتفعت اصواتهما فنزلت في ذلك (يا ايها الذين امنوا لا تقدموا بين يدي الله ورسوله) حتى انقضت (صحيح البخاري 5: 116 و 6: 47).

ج- روى عمر اعتراضه على رسول الله (صلى الله عليه وآله) في صلح الحديبية فقال:

(... فاتيت ابا بكر فقلت يا ابا بكر أليس هذا نبي الله حقا؟ قال بلى. قلت: ألسنا على الحق وعدونا على الباطل؟ قال بلى. قلت: فلم نعطي الدنية في ديننا إذ قال: أيها الرجل إنه لرسول الله صلى الله عليه وسلم وليس يعصي ربه وهو ناصره فاستمسك بغرزه فوالله انه على الحق، قلت: أليس كان يحدثنا أنا سنأتي البيت ونطوف به؟! قال: بلى أفأخبرك أنك تأتيه العام؟! قلت: لا! قال: فإنك اتيه ومطوف به، قال عمر: فعملت لذلك أعملا. (صحيح البخاري 3: 182). وغير ذلك

 

رابعاً: اختلفا في حرب مانعي الزكاة بشدة بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله) حيث روى ابو هريرة ان عمر قال لابي بكر كيف تقاتل الناس وقد قال رسول الله صلى الله عليه واله: امرت ان اقاتل الناس حتى يقولوا لا اله الا الله من قالها فقد عصم مني ماله ونفسه الا بحقه وحسابه على الله؟! فقال: والله لأقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة... الخ. (صحيح البخاري 2:110 و 8: 50 و 8: 163 وصحيح مسلم 1/38)

 

خامساً: كذلك اختلفا في خالد بعد مقتل مالك بن نويرة رضي الله عنه و نكح زوجته في ليلة قتله. قال ابن الاثير في ترجمة مالك بن نويرة في كتاب اسد الغابة (4/295):

وامر خالد فنادى ادفئوا أسراكم وهي في لغة كنانة القتل فقتلوهم فسمع خالد الواعية فخرج وقد قتلوا (فتزوج خالد امراته) فقال عمر لابي بكر: سيف خالد فيه رهق واكثر عليه فقال ابو بكر: تأول فأخطأ!! ولا أشيم سيفا سله الله على المشركين!! وودى مالكا وقدم خالد على ابى بكر فقال له عمر: يا عدو الله قد قتلت امرا مسلما ثم نزوت على امرأته لأرجمنك!

وقال الحافظ ابن حجر في الإصابة (5/560) وذكر الزبير بن بكار ان ابا بكر امر خالدا ان يفارق امرأة مالك المذكورة واغلظ عمر لخالد في امرءا مالك واما ابو بكر فعذره.

وذكر المتقي الهندي في كنز عماله (5/619)عن طبقات ابن سعد بسنده عن ابي عون وغيره: ان خالد بن الوليد ادعى ان مالك بن نويرة ارتد بكلام بلغه عنه فانكر مالك ذلك وقال: انا على الاسلام ما غيرت ولا بدلت وشهد له بذلك ابو قتادة وعبد الله بن عمر فقدمه خالد وأمر ضرار بن الازور الاسدي فضرب عنقه (وقبض) خالد امراته فقال لابي بكر (يعني عمر): انه قد زنى فارجمه فقال ابو بكر: ما كنت لارجمه تأول فاخطا قال (عمر): فانه قد قتل مسلما فاقتله، قال: ما كنت لأقتله تأول فأخطأ. قال: فاعزله! قال: ما كنت لأشيم سيفا سله الله عليهم أبدا.

ورواه الملا علي القاري في شرح الشفا(2/393).

 

وفي حادثة اخرى روى ابن سعد بسند صحيح (7/396) وغيره عن عروة قال: كانت في بني سليم ردة فبعث ابو بكر خالد بن الوليد فجمع منهم رجالا في حظائر ثم احرقهم بالنار فجاء عمر الى ابي بكر فقال: انزع رجلا عذب بعذاب الله فقال أبو بكر: لا والله لا أشيم سيفا سله الله على الكفار حتى يكون هو الذي يشيمه!!

سادساً: اما عثمان فقد خالفهما اولا في رواية الصحابة للحديث النبوي بعد ان حرفاه وبعد ان منعا الصحابة من التحديث عن رسول الله صلى الله عليه واله!!

 

سابعاً: وكذلك عثمان خالف ابي بكر وعمر في تولية اقربائه واغدق العطاء عليهم من اموال المسلمين حتى ثاروا عليه وقتلوه.

وكذلك ولى الفاسق وطرداء رسول الله (صلى الله عليه وآله) ولعناءه و سلط بني ابي معيط ومروان وابن ابي سرح والوليد بن عقبة وآل ابي العاص على الأمة وعلى الممالك.

 

ثامناً: وقد قال عثمان مجيبا على ما عابه به عبد الرحمن بن عوف: (واما قوله اني لم اترك سنة عمر، فاني لا اطيقها ولا هو) رواه احمد في مسنده (1/68).

وقال الحافظ ابن حجر في فتح الباري (13/170): وقد أخرج احمد من طريق زائدة عن عصام بن ابي وائل قال الوليد بن عقبة (اخو عثمان لامه) لعبد الرحمن بن عوف: ما لك جفوت امير المؤمنين يعني عثمان؟! فذكر قصة وفيها قول عثمان:(واما قوله سيرة عمر فاني لا اطيقها ولا هو) وفي هذا اشارة الى انه بايعه على ان بسير في سيرة عمر فعاتبه على تركها. أهـ

ثم قال ابن حجر في (13/171) في حديث المسور ابن محزمة عند شرحه قول عبد الرحمن لعثمان (ابايعك على سنة الله وسنة رسوله و الخليفتين من بعده فبايعه عبد الرحمن) قال: فذكر القصة وفي اخره: فقال: هل انت يا علي مبايعي إن وليتك هذا الامر على سنة الله وسنة رسوله وسنة الماضيين قبل؟! قال لا ولكن على طاقتي!! فأعادها ثلاثا فقال عثمان: انا يا ابا محمد ابايعك على ذلك! قالها ثلاثا!! فقام عبد الرحمن واعتم ولبس السيف فدخل المسجد ثم رقى المنبر فحمد الله واثنى عليه ثم أشار الى عثمان فبايعه فعرفت ان خالي أشكل عليه امرهما فأعطاه احدهما (عثمان) وثيقة ومنعه الاخر (علي) اياها. ثم قال ابن حجر واستدل بهذه القصة الاخيرة على جواز تقليد المجتهد وان عثمان وعبد الرحمن كانا يريان ذلك بخلاف علي (يقصد تقليد ابي بكر وعمر) واجاب من منعه وهم الجمهور بان المراد بالسيرة ما يتعلق بالعدل ونحوه لا التقليد في الاحكام الشرعية وإذا فرعنا على جواز تجزئ الاجتهاد واحتمل ان يراد بالاقتداء بهما فيما لم يظهر للتابع فيه الاجتهاد فيعمل بقولهما للضرورة.

ودمتم في رعاية الله

السبت, 05 كانون1/ديسمبر 2020 15:37

الحجاب في الأديان السماوية

السوال:هل الامر بارتداء النساء اللبس المحتشم السلتر وتغطية الجسم والشعر ماعدا الوجه والكفين ورد في الاديان السماوية التي سبقت الاسلام؟ وهل يوجد ادلة نقلية وعقلية تثبت او تنفي ذلك؟

الجواب:

لصحيح من سيرة النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله) - السيد جعفر مرتضى العاملي - ج 14 - ص 151 - 157

 

الحجاب في الكتب القديمة:

إن المراجع للكتابين اللذين يقال لهما: العهد القديم، والعهد الجديد، أي ما يسمى ب‍ « التوراة » و « الإنجيل »، يجد فيهما نصوصاً تؤكد على الحجاب، فلاحظ ما يلي:

أولاً: العهد القديم « التوراة »: فمن النصوص الواردة فيما يسمى بالتوراة، أو العهد القديم، ما يلي:

ألف: « قالت للعبد: من هذا الرجل الماشي في الحقل للقائي؟! فقال العبد: هو سيدي. فأخذت البرقع وتغطت ».

ب: « وقيل لها: هو ذا حموك صاعد إلى تمنة ليجزَّ غنمه. فخلعت عنها ثياب ترمُّلها، وتغطت ببرقع، وتلفَّفت وجلست في مدخل عينايم، التي على طريق تمنة، لأنها رأت أن شيلة قد كبر الخ.. ».

ج: إن تامار « قامت ومضت، وخلعت عنها برقعها، ولبست ثياب ترمُّلها ».

د: تقول المرأة: « أخبرني يا من تحبه نفسي، أين ترعى عند الظهيرة؟ أين تربض؟ لماذا أنا أكون مقنعة عند قطعان أصحابك »؟.

ه‍: وفيه أيضاً: أن الله سيعاقب بنات صهيون على تبرجهن، والمباهاة برنين خلاخيلهن، بأن « ينزع السيد في اليوم عنهن زينة الخلاخيل والضفائر، والأهلة، والحلق، والأساور، والبراقع، والعصائب ».

و: ويقول ويل ديورانت: لو أن امرأة نقضت القانون في المجتمع اليهودي بأن خرجت إلى الرجال دون أن تغطي رأسها، أو أنها اشتكت إلى رجل، ورفعت صوتها من دارها حتى سمعوا جيرانها، كان لزوجها الحق في أن يطلقها دون أن يدفع مهرها.

ز: وفي مقام تهديد المرأة إذا عصت، قال في العهد القديم: « اكشفي نقابك، شمري الذيل، اكشفي الساق، اعبري الأنهار، تنكشف عورتك، وترى معاريك ».

 

ثانياً: العهد الجديد: « الإنجيل »: ومما ورد في العهد الجديد قول بولس: إن النقاب شرف للمرأة، « فإن كانت ترخي شعرها فهو مجد لها، لأن الشعر بديل من البرقع ». ولعله يقصد: التستر بالشعر، إذا لم تجد سواه. قالوا: « وكانت المرأة عندهم تضع البرقع على وجهها حين تلقى الغرباء، وتخلعه حين تنزوي في الدار بلباس الحداد ».

 

الحجاب في الجاهلية:

من الألبسة المشهورة في الجاهلية: الخمار، القناع، البرقع، اللثام. وكانت المرأة في الجاهلية تغطي رأسها بخمار وتقاتل.

ونحن نكتفي هنا بإيراد نماذج من الشعر العربي الذي يحمل معه دلالات على موضع الحجاب في الجاهلية، وهي التالية:

1- قال النابغة الذبياني، وكان قد دخل على النعمان بن المنذر، وكانت معه زوجته، فسقط نصيفها، فسترت وجهها بيديها:

 

سقط النصيف ولم ترد إسقاطه ***** فتناولته واتقتنا باليد

بمخضب رخص كأن بنانه ***** عنم يكاد من اللطافة يعقد

 

2- وقال عنترة بن شداد:

 

وكشفت برقعها فأشرق وجهها ***** حتى كان الليل صبحاً مسفرا

 

3- وقال عنترة أيضاً:

 

وحولك نسوة يدنين حزناً ***** ويهتكن البراقع واللفاعا

 

4- وقال أيضاً:

 

جفون العذارى من خلال البراقع ***** أحدُّ من البيض الرقاق القواطع

 

5- وقال أيضاً:

 

إن تغدفي دوني القناع فإنني ***** طب بأخذ الفارس المستلئم

 

6- وقال الفند الزماني المتوفى سنة 95 قبل الهجرة:

 

يوم لا تستر أنثى وجهها ***** ونفوس القوم تنزو في الحلوق

 

7- وقال الشنفرى، المتوفى سنة 510 م، يصف زوجته أميمة:

 

لقد أعجبتني لا سَقوطاً قناعُها ***** إذا ما شَأَت أو لا بذات تلفت

 

8- وقال الحارث اليشكري، المتوفى سنة 50 قبل الهجرة:

 

فضعي قناعك إن ريب ***** الدهر قد أفنى معدا

 

9- ومن الأمثال المعروفة قولهم: « ذكرني فُوكِ حماريْ أهلي ». وهو أن رجلاً خرج يطلب حمارين ضلا له، فرأى امرأة متنقبة، فأعجبته حتى نسي الحمارين، فلم يزل يطلب إليها حتى سفرت له، فإذا هي فوهاء ( أي واسعة الفم، أو أن أسنانها الطويلة تخرج من بين شفتيها ). فحين رأى أسنانها ذكر حماريه، فقال: ذكرني فوك حماريْ أهلي.. وأنشأ يقول:

 

ليت النقاب على النساء محرم ***** كي لا تغر قبيحة إنسانا

 

ولنا أن نحتمل: أن يكون العرب قد أخذوا هذا الحجاب من دين الحنيفية، ورأوا أن ذلك ثابت في الديانات الأخرى كاليهودية والنصرانية، ووافق ذلك هوى نفوسهم، وما لديهم من شعور بالغيرة على النساء، فالتزموا به.

 

المجتمع الإيراني القديم:

وفي المجتمع الإيراني القديم، كان يحرم على المرأة ذات البعل النظر إلى أبيها وإخوتها، وكذلك يحرم عليهم النظر إليها. وكان نساء الطبقات العليا لا يخرجن من بيوتهن إلا في هوادج مسجفة. وقالوا أيضاً: « إن نساء الفرس كن يتحجبن قبل ظهور الإسلام ».

 

المجتمع الهندي:

وفي المجتمع الهندي كان الحجاب وحدوده عسيراً بالنسبة إلى المرأة، وإن كان التاريخ لم يبين لنا بداية نشوء الحجاب في ذلك المجتمع، هل هو قبل الإسلام أم بعده. والمرأة المحترمة لا تستطيع أن تبدي نفسها لغير زوجها وأبنائها، ولا يمكنها الانتقال خارج دارها إلا مستورة بقناع سميك.

 

المملكة الرومانية:

وفي دائرة المعارف الكبرى: أن النساء في المملكة الرومانية « كن يغالين في الحجاب لدرجة أن الداية - القابلة - لا تخرج من دارها إلا مخمورة، ووجهها ملثم باعتناء زائد، وعليها رداء طويل يلامس الكعبين، وفوق ذلك كله عباءة لا تسمح برؤية شكل قوامها ».

 

قدماء اليونان:

قال الدكتور محمود سلام زناتي عن المرأة في التقاليد اليونانية القديمة: « إذا خرجت تُلزمها التقاليد بوضع حجاب ثقيل، يخفي معالم وجهها، وأن يرافقها أحد أقاربها الذكور، أو أحد الأرقاء ». وقالوا عنها: « إنها كانت تحبس في البيت ». وقالوا أيضاً: « ولقد كان في وسعها إذا تحجبت الحجاب اللائق بها، وصحبها من يوثق به أن تزور أقاربها وأخصائها، وأن تشترك في الاحتفالات الدينية، ومنها مشاهدة التمثيل. أما فيما عدا هذا فقد كان ينتظر منها أن تقبع في منزلها، وأن لا تسمح لأحد أن يراها من النافذة. وكانت تقضي معظم وقتها في جناح النساء، القائم في مؤخرة الدار. ولم يكن يسمح لزائر من الرجال أن يدخل فيه، كما لم يكن يسمح لها بالظهور إذا كان مع زوجها زائر ». وقالت فتوى صادرة عن مشيخة الأزهر: « إن حجاب النساء كان معروفاً ومعمولاً به قبل مجيء الإسلام بقرون كثيرة في جميع الأمم المعروفة بالمدنية. وقد أخذه عنهم اليونانيون والرومانيون على أقصى ما يعرف عنه من التشديد قبل الإسلام بأكثر من ألف سنة. وكان الإسرائيليون جارين عليه أيضاً على عادة معاصريهم الخ.. »

ودمتم في رعاية الله

السبت, 05 كانون1/ديسمبر 2020 15:34

الحج عبادة و حرکة و سياسة

  العلامه السید محمد حسين فضل الله

 

لعلّ من أبرز خصائص الإسلام فی تشریعاته العبادیة والحیاتیة، هو هذا الشمول فی النظرة الی الإنسان، فیما یرید أن یحققه من غایات فی تنمیة شخصیته، وفی مسیرة حیاته انطلاقاً من الکفرة الواقعیة التی لا تنظر إلی الإنسان الکائن علی أنه ذوبُعد واحد، لیمکن لنا أن نعالج أوضاعه من جهة واحدة، بل هو کائن ذو أبعاد تلتقی فیها الشخصیة الفردیة بالشخصیة الاجتماعیة من دون أن تسمح احداهما فی خصائصها الذاتیة بالانفصال عن الاخری، کما یمتزج فی داخلها الجانب الروحی بالجانب المادی، فلیس هناک عنصر مادی تختنق فیه النفس فی داخل الأسوار المادیة، ولیس هناک عنصر روحی تحلّق فیه النفس بعیداً بعیداً عن المادة، فی حالة تجریدیة رائعة. . بل هی المادة النابضة بالروح أو الروح المنطلقة فی حرکة المادة.

 

وفی ضوء ذلک أکّد الإسلام علی ممارسة الإنسان للحیاة بشکل طبیعی واعتبر الانحراف عن ذلک خروجاً عن التوازن والاستقامة فی انطلاقة الإنسان المسلم فی الحیاة، فقد جاء فی بعض الکلمات المأثورة (( لیس منا من ترک دنیاه لآخرته ومن ترک آخرته لدنیاه)) ، کما جاء فی الحدیث الشریف، (( من لم یهتم بأمور المسلمین فلیس بمسلم)) ، وقوله ( صلّی الله علیه و آله وسلّم) :

 

(( لا یؤمن أحدکم حتی یحب لأخیه ما یحب لنفسه ویکره له ما یکره لها)) . . مما یعنی أن العزلة عن الحیاة لا تمثل قیمة کبیرة من قیم الإسلام فی الحیاة، کما أن الفردیة المغرقة فی ذاتیتها المختنقة داخل قضایاها الخاصة، تمثل ضدّ القیمة فی السلوک الإنسانی فی نظر الإسلام.

 

وربما کان من خصائص هذه النظرة الشمولیة للإنسان، أنّ الإسلام یرید لأیَّة قضیة من قضایا الإنسان، ولأیّة ممارسة من ممارسة، أن تتحرک فی خط القضایا والممارسات الأخری، بحیث تکمّل نقصاً فیه، أو تسدّ فراغاً فی وجوده. . فإذا تحرّک الإسلام فی خط التربیة الفردیة لحیاة الإنسان، فإنه یرید - من خلال ذلک - أن یختار له من الصفات الکریمة ما یرفع مستوی إنسانیته، ویحقق له الشخصیة الخیّرة فی الحلق الاجتماعی، فلا قیمة للعلم مهما بلغت درجة صاحبه فیه، إذا لم یرتفع بالإنسان إلی مستوی العطاء الذی یفتح فیه الإنسان من نفسه مدرسة للآخرین ویحقّق للحیاة من فکره خبرةً واسعة تمنحها فرصة النّمو والتقدم والازدهار، ولا قیمة للقوّة إذا لم تستطع أن تتحول إلی عنصر من عناصر القوّة التی تنقذ الآخرین من عوامل الضعف الإنسانی. . وهکذا یجد الإسلام فی الکمال الفردی الإنسانی مفتاحاً للدخول إلی الکمال الإنسانی الاجتماعی. . ویوحی بالفکرة التی تعطی للخصائص الأخلاقیة قیمتها الکبیرة، إذا استطاعت أن تحقق للإنسان ذاته فی حرکته فی قلب المجتمع، وترفض منح القیمة للّذین یمارسون عملیّة النمو فی العزلة البعیدة عن الحیاة.

 

وقد أراد الإسلام أن یثیر هذه النظرة الشمولیة فی تشریعه للعبادات. . فقد جاء الإسلام إلی الحیاة، والتقی بالنظرة الروحیة التی تعتبر العبادة شأناً من شؤون السماء ولا علاقة لها باأرض فلیس من المفروض للعبادة فی قیمتها الروحیة أن تحقق هدفاً کبیراً تتحرک - علی أساسه - فی شؤونها الاجتماعیة واسیاسیة والاقتصادیة، بل کلّ دورها ومهمتها، أنّها ترتفع بالروح الإنسانیة إلی الله فی غیبوبة روحیة خالصة، یعیش فیه الإنسان روحانیة الخشوع والخضوع والعبودیة لخالقه، فیحس معها بالسعادة والنشوة والامتداد فی أجواء المطلق والقرب من الله. . وبذلک کانت الرهبانیة مظهر السمّو فی الروح والإخلاص فی العبادة لأنها تعزل الإنسان عن کل زخارف الحیاة وشهواتها ومشاکلها وقضایاها الصغیرة، وتربطه بالله. . .

 

وبدأ الإسلام تغییر هذه النظرة إلی العبادة من خلال تغییره للنظرة إلی دور الإنسان فی الحیاة. . فإذا کان الإنسان خلیفة الله فی الأرض، واذا کانت الأرض هی الساحة التی یرید الله لعباده أن یحققوا فیها إنسانیتهم فی خطّ السمّو الذی ترسمه لهم رسالاته ویخططوا فی جوانبها برامجهم فی شؤون النّمو والتقدّم والازدهار علی أساس سنن الله فی الأرض. . فإن معنی ذلک أن الدور الإنسانی فی رعایة حرکة الحیاة وإدارة شؤونها وتخطیط مراحلها وبرمجة أهدافها لیس بعیداً عن ارادة الله ومحبته ورضاه بل ربّما کان فی القرب من الله، والتأکید علی عمق عبودیته له - فیما تمثله العبادة - باعثاً علی تحقیق هذه المعانی فی نفس الإنسان وحیاته بطریقةٍ أفضل، وبإخلاص أکمل. .

 

وقد أعطی الإسلام العبادة - فی هذا الاتجاه - معناها الجدید، وطابعها الممیّز ودورها العملی، فلم تعد مجرد حالة وجدانیة روحیة ذاتیتة یعیش فیها الإنسان معه ربّه، بل تحولت إلی قاعدة من قواعد التربیة التی تتنوع فیها الممارسة لتحقق للإنسان أهدافاً عملیة، فی حرکة شخصیته، وفی مجری حیاته العامّة والخاصة. . فأصبح الإنسان یعیش فیها مع ربّه، لیلتقی - من خلاله - بحیاته، فیملأها بکل المعانی والأهداف والقیم الکبیرة التی یحبها الله ویرضاها، ویحب الناس الذین یعیشونها فی عمق الروح، وفی امتداد الحیاة کما یوحی بذلک الحددیث المأثور والشریف (( الخلق عیال الله، وأحبهم إلی الله أنفعهم لعیاله)) .

 

فإذا التقینا بالصلاة فی الإسلام فإننا نجدها - فی القرآن الکریم - وسیلةً من وسائل تنمیة الشخصیة فی خط الخیر والصلاح والسمو الإنسانی فیما یمثله خط الابتعاد عن الفحشاء والمنکر فیما ورد من قوله تعالی: وأقم الصلاة إن الصلاة تنهی عن الفحشاء والمنکر. . . وفیما یوحی به الحدیث الشریف ((من لم تنهه صلاته عن الفحشاء والمنکر لم یزدد من الله إلا بُعداً. . وفیما عبر عنه قوله تعالی: فویلٌ للمصلین الذین هم عن صلاتهم ساهون الذین هم یراؤون ویمنعون الماعون مما یوحی بأن الصلاة تدخل ففی قیمتها الدینیة فی عمق الحیاة الفردیة والاجتماعیة، بقدر ما یتعلق الأمر بالقیم الإیجابیة والسلبیة التی تحققها الصلاة فی حرکة الحیاة للإنسان. . سواء فی ذلک ما یمارسه الإنسان فی حقله الفردی أو الاجتماعی أو الاقتصادی أو السیاسی، انطلاقاً من شمول کلمة الفحشاء والمنکر لکل الأوضاع السلبیة، التی یرید الإسلام للإنسان الابتعاد عنها فی جمیع هذه الأمور، فلا قیمة لصلاة الطغاة والمتکبرین والظالمین والمتعاونین معهم، والخائنین لأمتهم ولدینهم، کما لا قیمة لصلاة السارقین والکذابین والزناة والمغتابین والنمّامین والآکلین للحرام من مال أو طعام. . لأن الصلاة لم تحقق للإنسان شیئاً عملیاً فی خط الاستقامة أو البعد عن الانحراف. . الأمر الذی یجعل الناس لا یُخدعون بصلاة المنحرفین عن الإسلام فی قیمته وشریعته، فیبتعدون بذلک عن السذاجة والبساطة فی تقدیرهم للأمور، فی مواجهتهم للواقع، فإذا رأوا إنساناً مسؤولاً یؤدی صلاته فی خشوع، فعلیهم أن ینتظروه لیخرج من المسجد وینفصل عن أجواء الصلاة، وینتقل إلی مجالات الحکم والسیاسة والإدارة لیعرفوا - من خلال ذلک - کیف تمتّد الصلاة داخلَ حیاته فی هذه المجالات، أو کیف تبتعد عنها تماماً، لیحدّدوا موقفهم علی أساس ذلک کما ورد فی الحدیث المأثور عن أئمة اهل البیت، الذی یرفض أن یکون طول الرکوع والسجود مقیاساً لمعرفة الرجل؛ لأن ذلک ربما یکون جاریاً مجری العادة التی یستوحش الإنسان إذا ترکها، واعتبر المقیاس - بدلاً من ذلک - صدق الحدیث وأداء الأمانة؛ لأنهما یدخلان فی عمق الشخصیة الإسلامیّة. . فإذا التقینا بالصوم نجد أن الله جعله فریضة یحقق للإنسان من خلالها شخصیته التقیّة التی تقف عند أبواب الحرام المفتوحة أمامها فلا تدخلها، کما یؤکد فیها الإنسان حسّه الإنسانی ومشاعره الروحیة، والاجتماعیة. . عندما یجد طعم الجوع والظمإ فی إحساسه بالصوم؛ فیتذکر جوع الجائعین وظمأ الظامئین فیفهم معنی مشکله الجوع والظمأ من موقع المعاناة الذاتیة، لا سیما إذا کان غنیّاً لا یعیش الحاجة إلی الأشیاء من خلال حیاته العادیة؛ لأنه إذا أراد شیئاً حصل علیه، وهکذا کان دور الصوم إنسانیّاً اجتماعیّاً إلی جانب الدور الروحی الذی یحقق فیه الإنسان علاقته الروحیة بالله. . ومن الممکن للإنسان أن یتعلم من الصوم: الرفض العلمی لکل الأوضاع المنحرفة فی الواقع السیاسی والاجتماعی اِنطلاقاً من إرادته الإسلامیة القویّة التی ترفض الحرام فی العمل الفردی؛ لترفضه فی نهایة المطاف فی الواقع الاجتماعی والسیاسی العام.

 

قیمة الحجّ بین العبادات:

 

والحج من هذه العبادات الإسلامیة التی أرادها الله للناس، لتتحقق لهم من خلالها النظرة الشاملة لقضیة الإنسان فی الحیاة. . فقد جعله الله فریضة علی کل من استطاع إلیه سبیلاً، واعتبر ترکها خروجاً علی عمق الالتزام الإسلامی، حتی جعل التارک لها فی حکم الخارج عن الإسلام. . وقد تعبّد الله به عباده منذ النبی إبراهیم ( علیه السلام) وجاء الإسلام فأضاف إلیه شروطاً وأحکاماً وحدّد له أهدافاً، ورسم له خطوطاً من أجل أن یحقق للإسلام الدور الکبیر فی الحیاة، فی فاعلیة وامتداد، فلم یقتصر فیه علی جانب واحد من جوانب التربیة، بل استوعب المعانی التی تنطلق من العبادات الأخری، فشرّع الإحرام فی کل التزاماته وتروکه؛ لیحقق للإنسان أهداف الصوم، ولکن فی أسلوب متحرّک متنوع لا یخاطب فی الإنسان جوع الجسد وظمأه، ولکنه یخاطب فیه جوانب أخری، تهذب فیه نزعة القوّة فتوحی له بالسلام، ونزعة التعلق باللّذة فتوحی له بالانضباط والتوازن، ونزعة الترف فتقوده إلی الخشونة، ونزعة الکبریاء فتوجهه إلی التواضع، وتعلّمه کیف یحرّک الفکر والثقافة والمعرفة، فی اتجاه الحق بدلاً من الباطل لتبقی المعرفة سبیله الوحید فی حرکة الکلمة و الفکرة، وشرّع الطواف و جعله صلاة؛ لیعیش معه الإنسان آفاق الصلاة وروحیتها فیما یمثله من طواف حول البیت، الذی أراده الله رمزاً للوحدة بین الناس، فی معناه الروحی المتصل بالله، لا فی مدلوله المادی المتمثل بالحجارة، وللإیحاء بأن الحیاة لا بد من أن تتحول إلی طوافٍ حول إرادة الله، فیما یتمثل فی بیته من مشاعر الطهارة والنقاء والخیر والبرکة والرحمة والمحبّة. لتکون الحیاة حرکة فی طریق الأهداف الی یحبّها الله ویرضاها، ویرید لعباده أن ینطلقوا معها فی رسالیّة ومسؤولیّة. .

 

وفرض السعی بین الصفا والمروة؛ لیعیش الإنسان معه االشعور الواعی بأن خطواته لا بد من أن تتجه إلی الجالات الخیّرة؛ لیکون سعیه سعیاً فی سبیل الخیر، وابتعاداً عن طریق الشرّ، فهو یسعی هنا لا لشیء إلا لأنّ الله أراد منه ذلک لیحصل علی القرب منه. . مما یوحی بأن السعی هنا إذا کان للحصول علی مرضاة الله فیما تعبّدنا به من أمره ونهیه، فینبغی لنا ان نطلق السعی فی مجالات الحیاة الأخری، فی کل آفاقها الاجتماعیة والسیاسیة والاقتصادیة، فی الاتجاه نفسه لنحصل علی رضاه فی کل أمورنا. .

 

أمّا الوقفات التی أرادها الله فی عرفات والمشعر ومنی، فإنها وقفات تأمل وحساب وتدّبر وانطلاق؛ لیستعید فیها الإنسان مبادئه التی قد تضیع فی غمرات الصراع، التی یخوضها فی سبیل لقمة العیش، أو فی سبیل تحقیق رغباته ومطامعه المشروعة وغیر المشروعة، فإنّ الإنسان قد یفقد الکثیر من قیمةِ الکبیرة، تحت تأثیر النوازع الذاتیة من جهة، والتحدیات المضادّة التی قد تخلق لدیه ردود فعل متوترة، - من جهة أخری - فینسی فی غمرة ذلک کله الکثیر الکثیر مما یؤمن به أو یدعو إلیه. . الأمر الذی یجعله بحاجة إلی مزید من التأمل والمحاسبة، التی یرجع فیها إلی فکره وعقیدته وخطه المستقیم فی الحیاة.

 

وجعل الأضحیّة رمزاً حیّاً للتضحیة والعطاء فیما یرممز إلیه من تاریخ إبراهیم و إسماعیل، عندما أسلما لله الأمر وانتصرا علی نوازع الأبوّة فی عاطفتها تجاه النبوة، وعلی حب الذات فی إحساس الإنسان بحیاته. . وانتهی الأمر إلی أن فداه الله بذبح عظیم، وفیما یرید أن تثیر فی حیاة الإنسان فی کل زمان من السیر علی هدی هذه الروح؛ لیکون ذلک خطاً عملیاً، تسیر علیه الحیاة فی کل مرحلة تحتاجها للتضحیة والعطاء. . وکان رجم الشیطان، إیحاءً بما یرید الله للإنسان أن یعیش فی حیاته کهمّ یومی یواجه فیه خطوات الشیطان فی فکره وعاطفته وقوله وفعله، وانتماءاته وعلاقاته العامة والخاصة. وربما کان فی هذا التکریر فی الفریضة لرجم الشیطان الرمز إشارة بأن قضیة محاربة الإنسان للشیطان لیست قضیة حالة واحدة یعیشها الإنسان ویترکها، بل هی قضیة متجددة فی کل یوم. . وهکذا یمکن أن یساهم الحج فی إیحاءاته ورموزه وأجوائه الروحیّة، فی تنمیة الشخصیة الإنسانیة من الجانب التأملی والعملی والروحی، فیما إذا عاش الإنسان هذه الفریضة من موقع الوعی المسؤول؛ لذلک لا یبقی مجرّد عبادة یهرب فیها الإنسان من الواقع لیغیب فی مشاعره الذاتیة فی جوٍّ مشبعٍ بالضباب، کما یحاول البعض أن یصوّر العبادة. . وفی هذه الأجواء الروحیة الواعیة المتحرکة فی خط المسؤولیة یمکن أن یعود الإنسان الفرد من رحلة الحج إنساناً جدیداً فی أهدافه ومنطلقاته وخطواته، من خلال ما عاشه من دروس وعبر ومواقف تأمّلات، حیث الطهر والخیر والمحبّة والحنان، ولعلّ هذا هو ما یرید الإسلام أن یوحیه للحاجّ فیما ورد فی الأحادیث التی توحی بأن الإنسان یخرج من الحج کیوم ولدته أمّه، وأنه یقال له استأنف العمل من جدید. . وذلک فی نطاق المضمون الداخلی للحج، لا من خلال الشک الخارجی الذی یؤدیه الکثیرون بدون روحٍ وبدون معنی ممن یعیشون الحج عادةً وتتقلیداً وسیاحةً وتجارةً فینطبق علیه ما ورد عن أحد أئمة أهل البیت ( علیه السلام) عندما نظر إلی الجموع المحتشدة فی الموقف، أو فی بیت الله فقال: (( ما أکثر الضجیج وأقل الحجیج)) ! إذا لا قیمة للعدد إذا لم یکن متحرکاً فی عمق القیم الروحیة فی الحیاة، فرب رقم صغیر یحقق للإنسانیة معنی کبیراً هو أفضل من رقم کبیر لا یحقق شیئاً للحیاة إلا زیادةً فی الساحة والحجم علی صعید الأرض، من هؤلاء الذین یکونون عبئاً علی الحیاة بدلاً من أن یکونوا قوّة لها.

 

 

فی الأبعاد الروحیة:

 

واذا کان الحج من حیث هو عبادة ذات مضمون عملی وروحی، یحقق للإنسان هذا الارتفاع الروحی، فإنه یساعد علی تغییر الواقع من خلال تغییره للإنسان إنطلاقاً من الوحی القرآنی فی الإسلام الذی یعتبر الإنسان أساس التغییر کما جاءت به الآیة الکریمة : إن الله لا یُغیّر ما بقوم حتّی یغیّروا ما بأنفسهم. . وبذلک تدخل العبادة فی عمق حرکة الحیاة، ولاتبقی حالةً طارئةً طافیةً علی السطح. . وهکذا یستطیع العاملون للإسلام - فی أسالیبهم التربویة العملیة - أن یشجّعوا الناس علی ممارسة هذه الفریضة؛ لتحقیق هذا المستوی من التغییر الداخلی فی حیاة الإنسان، کوسیلةٍ متقدمة روحیة من وسائل التغییر الخارجی لحرکة الحیاة. . فإن ما یختزنه الفرد من الطاقات الروحیة الجدیدة فی أجواءالحج، هو أعظم من کثیر من الأسالیب الخاطبیة التی اعتاد الناس ممارستها فی عملیة التربیة. .

 

وقد رأینا الکثیرین الذین کانوا لا یعیشون المشاعر الروحیة فی منطلقاتهم، فی الوقت الذی کانوا یمارسون فیه الالتزام الإسلامی فی بعض مبادئ الإسلام وأحکامه. . قد تغیروا کثیراً بعد قیامهم بهذه الفریضة بطریقة واعیة بحیث استطاعت أن تغیر مجری تفکیرهم وشعورهم فیما یعیشون فیه من فکر وشعور. . وتحوّلوا إلی عناصر فاعلة واعیة فی حرکة الإسلام فی الدعوة والعمل.

 

ولکن هل هذا کله هو ما تعنیه لنا هذه الفریضة؟ وإذا کان الأمر کذلک، فلماذا هذا التأکید علی وحدة المکان الذی تمارس فیه، وعلی هذا الحشد العظیم من الناس الذی تتنوع أجناسه وألوانه وقومیاته ولغاته. . بطبیعة شمول الإسلام کدین لکل هذه الأنواع من الناس. . ؟ لماذا لم یکن کالصوم وکالصلاة اللذین یمارسهما الإنسان فی نطاق فردی أو جماعی حسب اختیاره. . ؟ هل هناک سرّ یتعدّی الجانب التربوی الفردی إلی الجانب الإجتماعی والسیاسی؟ هذا ما نحاول أن نستوحیه فیما نرید أن نثیر من حدیث.

 

المنافع العامة:

 

إنّ أوّل ما نلتقیبه من نصوص الحج هو النداء الأوّل الذی وجّهه الله للنبی إبراهیم ( علیه السلام) فی دعوة الناس إلی الحج. . وذلک فی قوله تعالی: وأذّن فی الناس بالحجّ یأتوک رجالاً وعلی کل ضامرٍ یأتین من کلّ فجٍ عمیقٍ لِیشهدوا منافع لهم ویذکروا اسم الله فی أیّامٍ معلوماتٍ علی ما رزقهم من بهیمة الأنعام فکلوا منها وأطعموا البائس الفقیر.

 

فإننا نجد فی هذا النداء دعوةً إلی أن یشهدوا منافع لهم من دون تحدیدٍ لطبیعتها وحجمها، للإیحاء بالانطلاق فی هذا الاتجاه للبحث عن کل المجالات النافعة التی یمکن لهم أن یحققوها من خلال الحج فی حیاتهم الفردیة والاجتماعیة إلی جانب الروح العبادیة المتمثلة بذکر الله فی ایّام معدوداتٍ، شکراً لنعمه وتعظیماً لآلأئه وتطبیقاً لتعلیماته فی توجیه هذه النعمة إلی ما أراده من الإنفاق علی الفئات المحرومة البائسة.

 

وقد یثیر القرآن أمام بعض المواضیع حالةً من حالات الإبهام والغموض من أجل أن یدفع الإنسان إلی البحث، فی کل اتجاهٍ یتعلق بالموضوع لیحقق الشمول والامتداد فی آفاقه فلا یتجمّد أمام فرضیّةٍ واحدةٍ، أو وجهٍ معین، أو اتجاهٍ خاص. . وبهذا یکون التشریع حرکةً متجدّدة فی خطّ الإبداع والنمو والتقدم. .

 

٢- ورد فی حدیث عن الإمام جعفر الصادق ( علیه السلام) فیما حدّث به هشام بن الحکم قال: سألت أبا عبدالله ((جعفر الصادق)) فقلت له: ما العلّة التی من أجلها کلّف الله العباد الحج والطواف بالبیت؟ فقال: إنّ الله خلق الخلق. . (إلی أن قال) وأمرهم بما یکون من أمر الطاعة فی الدین، ومصلحتهم من أمر دنیاهم، فجعل فیه الاجتماع من االشرق والغرب لیتعارفوا، ولینزع کل قوم من التجارات من بلد إلی بلد، ولینتفع بذلک المکاری والجمال ولتعرف آثار رسول الله ( صلّی الله علیه وآله وسلّم) وتعرّف أخباره، ویذکر ولا ینسی. ولو کان کل قوم إنما یتکلون علی بلادهم وما فیها هلکوا وخربت البلاد، وسقطت الجلب والأرباح وعمیت الأخبار ولم تقفوا علی ذلک، فذلک علّة الحج. .

 

٣- عن الفضل بن شاذان عن الإمام علی الرضا ( علیه السلام) قال: إنما أُمروا بالحج لعلّة الوفادة إلی الله - عزوجل - وطلب الزیادة والخروج من کل ما اقترف العبد تائباً ممّا مضی، مستأنفاً لما یستقبل مع ما فیه من إخراج الأموال وتعب الأبدان والاشتغال عن الأهل والولد، وحظر النفس [الانفس] عن اللذات شاخصاً فی الحرّ والبرد ثابتاً علی ذلک دائماً، مع الخضوع والاستکانة والتذلّل مع ما فی ذلک لجمیع الخلق من المنافع، لجمیع من فی شرق الأرض وغربها، ومن فی البرّ والبحر، ممّن یحج وممّن لم یحج، من بین تاجر وجالب وبائع ومشترٍ وکاسب ومسکین ومکار وفقیر، وقضاء حوائج أهل الأطراف من المواضع الممکن لهم الاجتماع فیه، مع ما فیه من التفقُّه ونقل أخبار الأئمة إلی کل صقعٍ وناحیة کما قال الله عزّوجل: فلو لا نفر من کلّ فرقةٍ منهم طائفةٌ لیتفقّهوا فی الدین ولینذروا قومهم إذا رجعوا إلیهم لعلّهم یحذرون. ولیشهدوا منافع لهم. . . . .

 

الحجّ ملتَقی المسلمین:

 

إننا نستوحی من هذین الحدیثین، أن الإسلام أراد للحج أن یکون ملتقیً للمسلمین جمیعاً فی شرق الأرض وغربها، من أجل تحقیق التعارف والتواصل بینهم، وتحصیل المنافع الاقتصادیة والاجتماعیة لمن حجّ ولمن لم یحج، وتبادل التجارب والخبرات المتنوّعة، التی یملکها کل فریق من خلال أوضاعه العامة والخاصة. . وتسهیل حرکة الدعوة إلی الله بالانطلاق من موسم الحج للاتصال بکل المناطق الإسلامیّة التی تتمثّلُ بأفرادها، الذین یقصدون بیت الله االحرام؛ لأداء الفریضة فیمما یتعلمونه من ثقافة الإسلام وشریعته، وفیما یتعاونون فیه من مشاریع وأعمالٍ وخططٍ علی أساس المصلحة الإسلامیّة العلیا. . لینطلق العمل الإسلامی من قاعدة مرکزیّةٍ واسعة. . فی أجواء الإسلام التاریخیة التی شهدت مولد الدعوة وعاشت حرکیتها، وحقّقتْ أهدافها الکبیرة فی جهادها االمریر الصعب، فیکون التحرک فی الخط من موقع الفکرة والجوّ والخبرة المتبادلة والمعاناة الحاضرة.

 

وهکذا یعیش الناس فیما یقصدونه من مزارات أجواء الإسلام الأولی، التی یعیشون معها الإحساس بالانتماء الروحی والعملی لهذا التاریخ، مما یوحی لهم بأن الإسلام الذی ینتمون إلیه یمتدّ إلی تلک الجذور العمیقة الطارئة فی أعماق الزمن، وبأن علیهم أن یعطوا هذا التاریخ امتداداً من خلال جهادهم ومعاناتهم. کما استطاع المسلمون أن یحققوا لهم هذا الامتداد الذی یتصل بمسیرتنا الحاضرة. . وبذلک لن تکون الزیارات تقلیداً یفقد معناه، وعبادة تتجمد أمام المزار؛ لتنفصل عن معنی التوحید العمیق؛ الذی یخلص العبادة لله دون غیره، ولا یتحرک نحو جهةٍ أوشخصٍ أو عمل إلا من خلال تعالیم الله التی انزلها علی رسوله. . الأمر الذی یعطی کل تحرّک معناه الروحی، فیما تعطیه حرکة التاریخ من مضمون إنسانیّ إسلامیّ، یغنی التجربة، ویعمّق الإیمان.

 

سقوط الفوارق:

 

وعلی ضوء ذلک، نفهم أنّ: اللقاءات التی یخطّط لها الإسلام من خلال هذه الفریضة العبادیّة، لا بدّ من أن تعیش الهدف الکبیر فی تحقیق لقاء إسلامیّ شامل؛ لیستهدف إلغاء کل الفوارق الطبقیة واللونیة والعرقیة والإقلیمیة. . من خلال التفاعل الإنسانی الروحی الذی تحققه هذه اللقاءات التی تتمّ فی أجواء روحیة خالصة، یستشعر فیها الجمیع بالقیمة الإسلامیّة علی هدی الممارسة فی وحدة الموقف واللباس والشعار والتحرّک. . فیلغی المشاعر الطارئة المضادّة، التی یمکن أن یتعامل من خلالها الاستعمار الکافر، لتفتیت طاقاتهم وتدمیر وحدتهم. . حتی اذا نجح فی بعض خطواته، فیما یستغلّه من بعض الأوضاع السلبیة. . کان الحج له بالمرصاد لیبعثر تلک الخطوات الشریرة، ویفوّت علیه عملیّة الاستغلال هذه، بما یثیره من مشاعر طاهرة وأفکارٍ واعیة، وخطواتٍ إیمانیة متحرکة یقظة. .

 

بین الخطّة والواقع:

 

ذلک هو بعض ما نستوحیه من تشریع الحج فی مدلوله الإجتماعی والسیاسی، إلی جانب مدلوله الروحی العبادی التربوی، وذلک هو ما مارسه الأئمة من أهل البیت ( علیهم السلام) عندما کانوا یعتبرون الحج قاعدة للحوار مع کل الفئات المنحرفة، کما کانوا یحاولون أن یحقّقوا اللقاء بکل العناصر الطیبة التی یریدون لها أن تسیر فی الخطّ الإسلامی المستقیم، فی خطة توجیهیة عملیة شاملة. . .

 

فماذا عن الواقع الذی یعیشه الحج فی هذهِ المرحلة من تاریخ الإسلام؟

 

إننا نلاحظ حشداً کبیراً من البشر، الذین یفدون إلی بیت الله الحرام من مشارق الأرض ومغاربها، من مختلف القومیات والألوان، ونستمع إلی کثیر من الأصوات التی تعجّ بمختلف اللّغات، وإلی الإبتهالات التی ترفع إلی الله من شفاه المؤمنین ومن قلوبهم مستغفرة شاکیة باکیة، ونشاهد کیف تتقایض الدموع الخاشعة من العیون الحائرة

 

القلقة التی تتطلع إلی غفران ذنوبها، وتکفیر اثامها والفوز بالجنة والنجاة من النّار. . ونتابع الحجیج فی خطواتهم وأعمالهم، فنلاحظ الإلحاح علی تجمید شعائر الحج فی نفوسهم، فی محاولةٍ للحفاظ علی الشکل بعیداً عن المضمون. . فإذا دخلت إلی مجتمعاتهم فإنک ستری العلاقات العادیة، التی اعتادوها فی بلادهم التی جاءُوا منها، بکل ما تشتمل علیه من سلبیّات، وما تفرزه من نتائج سیّئةٍ تعبث بأجواء الحج أیما عبث، وتسیء إلیه إساءة. . وهکذا لا تجد هناک مجتمعاً یترابط أفراده بالهدف الواحد، بل نجد أفراداً یعیشون شکل المجتمع من دون معنی أو روح. .

 

هذا فی المدلول الذاتی للحج إن صح التعبیر. .

 

فإذا تطلّعت من جدید إلی الجوّ الداخلی للمسلمین، فماذا تجد؟ إنک ستجد الاختلافات المذهبیة بین المسلمین تتحجّر وتتجمّد فی صیغ جامدة لا یملک أصحابها تحریکها أو توجیهها، أو إفساح المجال لها لنتنفس الهواء النقی الذی یجدّد لها أفکارها، ویبعث فیها المرونة والحیویة، التی تدفعها إلی الحرکة والحوار حتی کأن الفکر الإسلامی لدی کل فئةٍ وقف فی بعض لحظات التاریخ عند أشخاص معینین، وکفّ عن الحرکة فی المراحل الزمنیة الأخری. . ولعل من المفارقات أن الکثیرین ممن یقلّدون المجتهدین لا یدّعون لهم العصمة فی رأی واجتهاد، ولکنهم لا یحاولون أن یناقشوهم فی فتاواهم أو آرائهم، بل یثیرون الغبار فی وجه کل من یحاول ذلک. . وقد لا یقتصر الأمر علی ذلک بل یتعداه إلی المحاولات المتشنجة التی یقوم بها کل طرف إسلامی ضد الأطراف الأخری فی أسالیب متنوعة فیما تملکه من عناصر الإثارة التی لا تقوم علی أساس من الفکر الهادئ المتّزن والأسلوب الإیمانی المنفتح، الذی أرشدنا الإسلام إلیه ودعانا إلی ممارسته فیما نختلف فیه من فکر، وفما نتنازع فیه من أمر. . وبذلک یتحول هذا المجتمع الإسلامی إلی مجتمع تتزاید فیه المشاحنات والأحقاد بدلاً من أن یکون مجتمعاً تذوب فیه کل هذه العوامل السلبیّة. .

 

أمّا الجانب السیاسی فقد لا تجد فیه أیة حرکة إیحابیة جادة تتناول قضایا المسلمین بالدرس والمناقشة والمعالجة، سواء فیما یتعلق بالأوضاع السیاسیة التی یعیش فیها المسلمون مشاکل الحریة والعزة والکرامة، بسبب وقوعهم تحت قبضة الاضطهاد الاستعماری والفکری والعنصری، أو فیما یتعلق بالأوضاع الاقتصادیة التی تتصل بثرواتهم المعدنیة والزراعیة، فیما یواجهه المسلمون من محاولات ظالمة فی الضغط المتواصل، من قبل الدول المستعمرة الکافرة، لتعطیل خطط التصنیع والإنتاج فی سیاسة الاکتفاء الذاتی التی یطلع إلیها العالم الإسلامیّ، وذلک لإبقاء هذه الشعوب سوقاً إستهلاکیة لمنتجاتها، الأمر الذی یجعلها تحت رحمة الحروب الصغیرة التی تثیرها الدول الکبری المستکبرة فیما بینها من أجل أن تشغلها عن خطط التنمیة والتطویر، وذلک بفضل عملائها الذین تضمن إخلاصهم لها من خلال ضمانها لمراکزهم التی یتربعون علیها. .

 

إنک لا تشعر بارتفاع الأصوات الهادرة، التی تحاول أن تثیر المشاعر الإسلامیّة ضد هذا الواقع السیء کوسیلةٍ من وسائل الإثارة نحو التغییر. . وذلک لأن الأجواء المحیطة بالواقع السیاسی هناک تمنع من أیّ حرکةٍ فی هذا الاتجاه. لما یحقّقه ذلک من تفجیر للطاقات الشعبیة فی الخط السلیم المضاد لذلک الواقع. .

 

وقد حاولت الثورة الاسلامیّة فی إیران فی السنة الأولی لانطلاقتها، أن تحرّک الجوّ الإسلامیّ هناک، من خلال طرحها للشعارت الإسلامیّة التی تعالج قضایا المسلمین فی العمق والامتداد. وأن تدعوا المسلمین إلی تحویل الحج إلی مؤتمر إسلامیّ عام، تبحث فیه المشاکل الصعبة التی یعانیها العالم الإسلامی وذلک فی محاولةٍ إلی أن یقوموا بالحرکة الإسلامیّة العالمیة فی الخط الإسلامی السلیم الذی یعالج کل أوضاع العالم الإسلامی بصدقٍ إخلاص. . ولکن هذه المحاولة قوبلت بالضغط والتضییق والقهر والتشویه، وذلک نتیجة الخوف من تغییر الأوضاع.

 

إننا نواجه الآن الواقع الإسلامی المرتکب المضطرب الضائع بین الاتجاهات غیر الإسلامیّة، سواء منها الاتجاهات المارکسیة، أو القومیة، أو الاشتراکیة، أو الإقلیمیة وبین الاتجاهات الإسلامیة المختلفة فی تطلعاتها وخططها وأهدافها. . کما نواجه الواقع السیاسی الذی یعیش فیه المسلمون بین واقع خاضع للسیطرة الاستعماریة الکافرة بشکل مباشر، کما فی فلسطین وإریتریا والفیلیبین وغیرها من البلاد الخاضعة للاستعمار القدیم والجدید، وبین واقع خاضع للحکم الإستعماری المقنع بقناع وطنی أو إسلامی فیما یمارسه من ظلمٍ واضطهاد وطغیان وتفتیت للثروات والطاقات الإسلامیة وتضییعها فی الفراغ، وإفساد للفکر والعمل والواقع فی کل مجالات الحیاة. . ویمتد هذا الواقع السیء فیمتثل فی الأوضاع الاقتصادیة القلقة التی تضغط علی المسلمین فی طریقة الإنتاج والاستهلاک وتوزیع الثروة وإهدار الطاقة وتخطیط الاقتصاد علی أساس المصالح الاستعماریة. .

 

أما الأوضاع الاجتماعیة والأخلاقیة فإنها تنحدر بشکل عجیب فیما یتنافی مع التخطیط الإسلامیّ للمجتمع وللأخلاق. .

 

. . . إننا نواجه هذا الواقع الذی یتحدّی وجودنا الإسلامی فی الصمیم، ونشعر - معه - بغیاب الإرادة الإسلامیّة الواحدة فی مواجهته وتغییره. . بل ربما نجد أمامنا الإرادة المضادة التی تعمل علی استمراره وزیادة انحرافه بفضل عملاء الکفر والاستعمار من حکام بلاد المسلمین وقادتهم. . وذلک من خلال أسالیب الضغط علی الحرکات الإسلامیّة الرائدة القائدة، بإعدام قادتها وإغتیالهم، وتفتیت قواعدها، وتخلیدهم فی السجون التی یلاقون فیها أبشع ألوان العذاب الوحشی مما لا یخطر علی قلب بشر. . والتضییق علی الفکر الإسلامی الواعی بمنع الکتب والمجلات الإسلامیة الهادفة الملتزمة، وإفساح المجال للفکر المنحرف والخلیع من أجل تمییع الإنسان المسلم. . ومنع اللقاءات الإسلامیّة، والاجتماعات الثقافیة والسیاسیة الهادفة. . فی کل بلدٍ یحکمه هؤلاء. . ومحاولة إثارة الخلافات المذهبیة وتحویلها إلی عنصر تفجیر للواقع الإسلامی فی أوضاع طائفیة سیاسیة حاقدة. .

 

إن هذا الواقع یفرض علینا العمل علی تحویل موسم الحج. . إلی موسم إسلامیّ کما أراده الله؛ لیکون مجمعاً للمسلمین یلتقی فیه المفکرون فی حوار فکری إسلامیّ سلیم؛ لیصلوا إلی القناعات المشترکة، أو المتقاربة، أو لیفهموا وجهة نظر کل منهم؛ لیعرفوا ارتکاز الجمیع علی أسس فکریة إسلامیّة، فیما یتوصل إلیه المجتهدون والمفکرون. . . ویعلموا علی أساس الوصول فی نهایة المطاف، بالصبر والفکر، إلی الوحدة فی الفکر والأسلوب والعمل.

 

وفی هذا الاتجاه، یعمل المخلصون علی لقاء الحرکات الإسلامیّة من سائر أنحاء العالم الإسلامی، من أجل ان یتبادلوا الأفکار والخبرات ویتعارفوا فیما یحملون من تطلعات وأهداف، وفیما یرتکزون علیه من منطلقات لیکتشفوا من خلال ذلک فی أنفسهم ما یختلفون فیه، لیبحثوا کیف یحولونه إلی قناعات مشترکة، وما یتفقون علیه لیستزیدوا منه فی الجوانب الأخری ویحولوه إلی خطوات عملیة للتعاون من أجل تکامل العمل الإسلامی من جهة، وتوحید الطاقات الفاعلة فی سبیل حل مشاکل الإسلام والمسلمین من جهة أخری. . ولیبحثوا مشاکل التحرر من الاستعمار والخروج من سیطرة الضغوط السیاسیة والاقتصادیة، لیتحرک الجهاد الإسلامی فی حیاة المسلمین من موقع الفکر الإسلامیّ الذی یستهدف عزة المسلمین وکرامتهم فی دولة إسلامیة هادفة مظفّرة، علی أساس الوسائل الإسلامیّة المشروعة والخطط الواقعیة المدروسة.

 

وإننا نؤکد علی مثل هذه اللقاءات، لأن الاعتماد علی المراسلة والقراءة الفکریة لا تستطیع - غالباً - أن تمنح الموقف الإسلامی وضوحاً فی الصورة، بحیث تزیل الشبهات العالقة فی أذهان القائمین علی الحرکات ضد بعضهم البعض، التی خمدت کثیراً من فرص اللقاء علی الأسسس الإسلامیّة المشترکة.

 

وقد تحتاج إلی توجیه العمل إلی لقاء المسلمین ببعضهم البعض فی أجواء إسلامیّة حمیمة، یتحادثون فیها فیما بینهم، فی کل ما یهمهم من قضایا؛ وذلک بالزیارات الفردیة والجماعیّة لجمعیات الحجاج وأماکن تجمعهم، لیتحسسوا الشعور بالوحدة من خلال اکتشاف الهموم المشترکة ولقضایا الواحدة، والأهداف الکبیرة التی یلتقون فیها علی اسم الله. . لیحقّق ذلک رفضا لکل الخطط والمشاعر، التی یعمل الکافرون من خلالها علی عزل المسلمین عن بعضهم، من خلال االشعور القومی أو الإقلیمی أو غیر ذلک.

 

. . أما قضایا الجهاد الإسلامی فإنها تستفید من موسم الحج الکثیر مما یحققه ممن اجتماع القیادات الواعیة التی لا تستطیع أن تجتمع فی مکان آخر یمارس فیه الظالمون الاضطهاد والملاحقة لکل العالمین للإسلام. . فإن مثل هذا الاجتماع یصحح کثیراً من الانحرافات، ویوّحد کثیراً من الجهود وینظم کثیراً من الأعمال المتنوعة المبعثرة، وهناک الکثیر الکثیر من المنافع والفوائد التی نستطیع أن نحققها فی هذا الموسم الإسلامی الکبیر. . مما یجب أن نفکر فیه ونعمل له. . ونصل إلیه من أهداف.

 

ولکن. . هل نحن فی محاولة للتنظیر المترف. . وهل یتحقق ذلک کله؟ . . فقد یفرض السؤال نفسه علینا من خلال الواقع السلبی المنحرف. . الذی یعیشه موسم الحج الآن. . کیف یتحقّق ذلک کله؟ .

قالت مديرة مركز "فيكتور" العلمي الروسي، رينات ماكسيوتوف، إن السنة المقبلة قد تشهد نهاية الوباء، ولكن ذلك لا يمثل نهاية لفيروس كورونا الذي سيستمر.

وقالت مديرة مركز "فيكتور"، الذي أنتج اللقاح "إبيفاك كورونا"، وهو الثاني من نوعه روسيا، إن عدد الإصابات بالفيروس يزداد كل يوم، وسينتهي الوباء بمجرد تكون "مناعة القطيع"، مشيرة إلى أن ذلك يتطلب تطعيم نصف السكان.

وأكدت أن نهاية الوباء لا تعني نهاية الفيروس.

وبحسب منظمة الصحة العالمية، تم تسجيل أكثر من 564 ألف إصابة بالفيروس، وتوفي 8985 شخصا، حول العالم خلال اليوم الماضي وحده.

واستنادا إلى آخر الأرقام والاحصاءات الصادرة عن جامعة "جونز هوبكنز"، اليوم الاثنين، فقد ارتفعت حصيلة الإصابات بالفيروس حول العالم إلى 62.6 مليون، وتوفي منذ بدء تفشي الوباء أكثر من مليون و458 ألف شخص.

المصدر:العالم

الثلاثاء, 01 كانون1/ديسمبر 2020 19:27

متى يكون الحياء مذموماً؟

 

قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) لأبي ذر (رضوان الله عليه):

"يا أبا ذر أتحب أن تدخل الجنة؟ قلت: نعم فداك أبي وأمي، قال: فاقصر من الأمل، واجعل الموت نصب عينيك، واستح من الله حق الحياء، قال: قلت: يا رسول الله كلّنا نستحي من الله.

 

قال: ليس ذلك الحياء، ولكن الحياء أن لا تنسى المقابر والبلى، والجوف وما وعى، والرأس وما حوى، ومن أراد كرامة الآخرة فليدع زينة الدنيا، فإذا كنت كذلك أصبت ولاية الله".

 

لقد أشار (صلى الله عليه وآله) في هذا المقام إلى خصال من الأخلاق الكريمة.

 

منها: في الحياء، وهو تأثر النفس وانزجارها من أمر ظهر لها قبحه، وهو على قسمين، قسم من أفضل الصفات الكمالية ويورث الفوز والسعادة، وقسم يوجب الحرمان من الكمالات.

 

أمّا ما كان كمالاً منه، فهو انّ الانسان بعد ما ميّز بين الحق والباطل والحسن والقبيح بالعلم استحى من الله ومن الخلق في ترك العبادات، ومحاسن آداب الشريعة، وارتكاب المعاصي وقبائح الآداب التي علم قبحها من الشرع.

 

ومن الواضح انّ المتصف بصفة الحياء إذا أراد فعل قبيح تفكر بحضور الله تعالى واطلاعه على أفعاله، وكذلك اطلاع النبي (صلى الله عليه وآله) والأئمة (عليهم السلام): وعرض أعمال الأُمة عليهم في كلّ يوم، وكذلك اطلاع الملكين الموكلين به، ولو رفع الله ستره عنه لاطلع على فعله جميع ملائكة السماء، وسينفضح يوم القيامة أمام مائة وأربع وعشرين ألف نبيّ، وجيمع الملائكة وسائر العباد، فلو تفكر في هذه الأمور وأذعن بها عن يقين وايمان فلا يتوجه إلى ذلك العمل البتة، وكذلك الأمر في فعل الطاعات.

وأمّا الحياء المذموم بأن يرى الانسان أمراً من الحق قبيحاً بعقله الناقص فيتركه، وهذا ناشىء من الجهل، كما لو أشكلت عليه مسألة فلا يسألها ويستحي ويبقى في الجهالة، أو يترك عبادة لكون بعض الأشقياء لا يستحسنها، وهذا الحياء يوجب الحرمان من السعادة، ويقول الله تعالى: ﴿وَاللهُ لاَ يَستَحي مِنَ الحَقِّ﴾([1]).

 

وروي بسند معتبر عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) انّه قال: الحياء حياءان؛ حياء عقل وحياء حمق، فحياء العقل هو العلم، وحياء الحمق هو الجهل([2]).

 

وقال أبو عبدالله (عليه السلام): الحياء من الايمان، والايمان في الجنة([3]).

 

وقال (عليه السلام) في حديث آخر: الحياء والايمان مقرونان في قرن، فاذا ذهب أحدهما تبعه صاحبه([4]).

 

وقال (عليه السلام) في حديث آخر: لا ايمان لمن لا حياء له([5]).

 

وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): أربع من كنّ فيه وكان من قرنه إلى قدمه ذنوباً بدلها الله حسنات، الصدق، والحياء، وحسن الخلق، والشكر([6]).

 

وقال أبو عبدالله (عليه السلام): من رقّ وجهه، رقّ علمه([7]). [فالحياء في طلب العلم ليس بحسن].

 

وروي عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) انّه قال: لم يبق من أمثال الأنبياء الاّ قول الناس: إذا لم تستح فاصنع ما شئت([8]). [فترك الحياء يوجب ارتكاب جميع القبائح].

 

وقال (صلى الله عليه وآله) في حديث آخر: الحياء على وجهين فمنه الضعف، ومنه قوّة واسلام وايمان([9]).

 

وقال أبو عبدالله (عليه السلام): قال عيسى بن مريم صلوات الله عليه: إذا قعد أحدكم في منزله فليرخي عليه ستره، فإنّ الله تبارك وتعالى قسّم الحياء كم قسّم الرزق([10]).

 

عين الحياة، العلامة المحدِّث محمد باقر المجلسي (قدس سره) - بتصرّف

 

([1]) الاحزاب: 53.

([2]) الكافي 2: 106 ح 6 ـ عنه البحار 71: 331 ح 6 باب 81.

([3]) الكافي 2: 106 ح 1 ـ عنه البحار 71: 329 ح 1 باب 81.

([4]) الكافي 2: 106 ح 4 ـ عنه البحار 71: 331 ح 4 باب 81.

([5]) الكافي 2: 106 ح 5 ـ عنه البحار 71: 331 ح 5 باب 81.

([6]) الكافي 2: 107 ح 7 ـ عنه البحار 71: 332 ح 7 باب 81.

([7]) الكافي 2: 106 ح 3 ـ عنه البحار 71: 330 ح 3 باب 81.

([8]) البحار 71: 333 ح 8 باب 81 ـ عن أمالي الصدوق وعيون أخبار الرضا 7.

([9]) قرب الاسناد: 46 ح 150 ـ عنه البحار 71: 334 ح 10 باب 81.

([10]) قرب الاسناد: 46 ح 151 ـ عنه البحار 71: 334 ح 11 باب 81.

الثلاثاء, 01 كانون1/ديسمبر 2020 19:26

في كيفية تحقق الهداية والضّلال

 

من المباحث المرتبطة بالعدل الإلهي مبحث الهداية والضلال، فقد يتوهم أن كلا من الهداية والضلال بيد الله تعالى، وليس للعبد فيهما أي أثر أو دخل، وهو ما ربما يستفاد منه في بعض الآيات الشريفة، فتعود مشكلة الجبر وعدم الاختيار من أساسها، وينتفي العدل الإلهي، إذ من غير المنطقي أن يضلهم ثم يعذبهم على ما أجبرهم تعالى عليه.

 

وتوضيح الحال في المقام يستدعى بيان معنى الهداية والضلال لغة، ثم الإشارة إلى ما هو المراد بهما في الآيات القرآنية المباركة.

 

1- الهداية والضلال لغة:

الهداية والضلال من المعاني المتضادة، فالهداية سلوك الطريق الصحيح والتزامه،  والضلال إضاعته والعدول عنه، ويطلق على الأشياء أيضا، فيقال ضل الشيء بمعنى ضاع وذهب في غير حقه، وهدي ضده، فكل من زلت قدمه وانحرف عن الهدف والغاية المقصودة فهو ضال، ومن حصلهما وسار باتجاههما حقا فهو مهتدي.

 

وقد غلب استعمالهما في الأمور المعنوية، المرتبطة بالدين الحق، وسلوك الطريق نحوه تعالى، فتكون الهداية بمعنى الرشاد، والضلال بمعنى فقدانه وإضاعته.

 

2- الهداية من الله:

إن مختلف الموارد التي تتحدث عن الهداية في القرآن الكريم تنسبها إلى الله تعالى وحده، وتقدم في طيات البحث أنه تعالى خلق الإنسان على الفطرة السليمة، وهي فطرة التوحيد ومعرفة الربوبية، وأنه أرسل أنبياءه ورسله لتثبيت هذه الفطرة، وتوجيهها الوجهة الصحيحة، من خلال الدين وتعاليمه.

 

وتنقسم الهداية إلى قسمين، هداية تكوينية وهداية تشريعية.

أما القسم الأول أي الهداية التكوينية، فغير خاص بالإنسان وحده، بل يشمل كل المخلوقات، حيث إنه تعالى قد هدى كل شيء إلى تحقيق كمال طبيعته وجوهره، قال تعالى على لسان موسى (عليه السلام): ﴿قال ربنا الذي أعطى كل شيء خلقه ثم هدى﴾([1]).

 

وأما الهداية التشريعية فهي خاصة بالإنسان، لأنه الأمين على الخلافة في الأرض، ويقع على عاتقه إعمار الكون، والتوجه به نحو الغاية المنشودة، ويتبعه الجن في ذلك، لأنه رغم وجوده قبل وجود الإنسان في هذا العالم، ولكنه لم ينل مقام الخلافة الإلهية، وهذا ما يفسر ضرورة إتباع الجن أنبياء الإنس، ولم يرد أنه تعالى أرسل إلى الجن أنبياء خاصين بهم، بل هم مكلفون بالسير على هدى أنبياء الإنس، ويعملون على خدمته.

 

قال تعالى: ﴿وَحُشِرَ لِسُلَيْمَانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ وَالطَّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ﴾([2]).

وقال تعالى: ﴿قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا * يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَدً﴾([3]).

وكيف كان، فإن الآيات التي تذكر أن حقيقة الهداية منه تعالى كثيرة، مثل قوله تعالى: ﴿والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وإن الله لمع المحسنين﴾([4]).

وقال تعالى: ﴿إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء﴾([5]).

وقوله تعالى: ﴿وقالوا الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله﴾([6]).

وقوله تعالى: ﴿وما لنا ألا نتوكل على الله وقد هدانا سبلن﴾([7]).

إلا أن ذلك لا يعني أن الهداية أمر اضطراري منه تعالى، وأنهم لا خيار لهم فيها، بل إنه تعالى قد أودع في الإنسان الفطرة السليمة، وهي بداية الهداية، فإذا جرى الإنسان على وفقها باختياره وإرادته وصل إلى شاطئ الأمان والسعادة الحقيقية، وأما إذا انحرف عن جادة الحق، واتبع الهوى، والتزم بالمعاصي، أدى ذلك إلى ضمور هذه الفطرة، وذهاب الاستعداد فيه نتيجة سوء اختياره.

 

فنسبة الهداية إليه تعالى نسبة حقيقية، من جهة أنه تعالى أودع فيه الفطرة وهيأ له كافة الظروف والاستعدادات فيه لسلوك الطريق الصحيح إن أحسن الاختيار.

 

3- الضلال من الناس:

    وأما الضلال فهو بخلاف الهداية، ناشئ من سوء اختيار العبد نفسه، ولا يمكن نسبته إلى الله تعالى بداية، إذ هو يبتدئ من العبد نفسه، ويترتب على ذلك إضلال الله له، الناشئ عنه الأسباب والقوانين التي أودعها الله تعالى في الموجودات، لأن الانحراف وإتباع الهوى يؤدي إلى ضمور الفطرة كما تقدم، وتترتب عليه آثاره بشكل طبيعي، فالإضلال منه تعالى مترتب على ضلال المرء نفسه، وأما الهداية فبالعكس حيث أن بدايتها منه تعالى.

 

ولهذا نجد في مختلف الآيات الشريفة التي تحدثت عن الضلال بينت أن العبد هو المبادر إلى إضلال نفسه كما في قوله تعالى: ﴿وما يضل به إلا الفاسقين﴾([8])، وقوله تعالى: ﴿يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة ويضل الله الظالمين﴾([9]).

 

حيث بينت الآية الأولى أن الضلال مترتب على كون الضال فاسقاً في المرتبة السابقة، لأن الفاسقين واقع موقع الموضوع في القضية، ويترتب عليها الضلال، وكذلك الحال في الآية الثانية حيث جعلت موضوع إضلاله تعالى كونهم ظالمين في المرتبة السابقة.

والآيات الشريفة التي نسبت الهداية إليه تعالى، والضلال إلى العباد أنفسهم كثيرة.

 

4- السعادة والشقاوة:

يتضح من خلال البحوث المتقدمة، الوجه في ما ورد في جملة من الأحاديث الشريفة، المتضمنة معنى "أن السعيد سعيد في بطن أمه وأن الشقي شقي في بطن أمه"، فإنها لا تعني الإكراه والجبر، على نحو لا يكون للإنسان أي أثر فيه، بل غاية ما تدل عليه أنه ثبت في علم الله تعالى من حين انعقاد نطفته وصيرورته مشروع إنسان أنه يكون سعيدا أو شقيا، وهذا من العلم الثابت في اللوح المحفوظ، لا أنه تعالى فرض عليه السعادة والشقاء.

 

 سماحة الشيخ حاتم اسماعيل

 

[1] سورة طه، آية:50

[2] سورة النمل، آية:17

[3] سورة الجن، آية:1-2

[4] سورة العنكبوت، آية:69

[5] سورة القصص، آية:56

[6] سورة الأعراف، آية:43

[7] سورة إبراهيم، آية:12

[8] سورة البقرة، آية:26

[9] سورة إبراهيم، آية:27

 

 

 

جاءت سلسلة التعيينات الجديدة في إدارة الرئيس الأمريكيّ الجديد جو بايدن، والتي تضم فلسطينيّة مسلمة بين الموظفين بطاقمه الجديد في البيت الأبيض، صادمة للكيان الإسرائيليّ واللوبي الصهيونيّ في الولايات المتحدة، وتنتمي الفلسطينيّة ريما دودين إلى الحزب الديمقراطيّ، وستكون ضمن الطاقم الجديد في البيت الأبيض، وستشغل منصب نائب مدير المكتب القانونيّ، بحسب موقع "فريق بايدن هاريس الرئاسيّ".

حملة صهيونيّة

صادم جاء خبر إعلان تعيين الناشطة الديمقراطيّة، ريما دودين، ذات الأصول الفلسطينيّة في الفريق الجديد للرئيس الأمريكيّ، حيث شنّ كيان الاحتلال الإسرائيليّ واللوبي الصهيونيّ في الولايات المتحدة حملة ممنهجة مبكرة تهاجم دودين، عقب تعيينها في منصب نائب مدير مكتب الشؤون التشريعيّة في البيت الأبيض.

ومنذ اللحظة الأولى لانتشار هذا الخبر، استنفرت وسائل الإعلام الصهيونيّة بالتنقيب في سجل الفلسطينية دودين، حيث كتب موقع “جويش برس” العبريّ، تحت عنوان ” بايدن يعين فلسطينية مناهضة للكيان الإسرائيليّ في منصب مهم بشأن التشريع والعلاقة مع الكونغرس”، وذكر أن دودين كانت طالبة في جامعة بيركلي في ولاية كاليفورنيا، وانضمت لمجلس العلاقات الإسلاميّة - الأمريكيّة، وكانت عضوة في رابطة الطلاب المسلمين، كما نظمت مسيرات مناهضة للعدو الغاصب.

ومن الجدير بالذكر أن اللوبيّ الصهيونيّ يستهدف مجلس العلاقات الإسلاميّة - الأمريكيّة منذ فترة طويلة، حيث نشرت ما تعرف بـ "جماعات الضغط اليهوديّة" سلسلة من الافتراءات والشائعات والأكاذيب بشأن المجلس على نطاق واسع، ومن بين تلك المغالطات أن المجلس المذكور يعمل لصالح جماعة "الإخوان المسلمين" المتشددة، كما زعم اللوبي الداعم للاحتلال الغاشم أن قادة المجلس أدلوا بتصريحات تبرر العمليات الانتحاريّة ضد تل أبيب.

يشار إلى أنّ أيّ شخص أو جماعة أو دولة أو مسؤول ينتقد الاحتلال الصهيونيّ ويناصر الشعب الفلسطيني وقضيّته المُحقة، يتحول إلى عدو بالنسبة للكيان ومن يصطف معه، ولذلك من الضروريّ بالنسبة لهم الهجوم عليه وتشويه سمعته، حيث ادعى الموقع العبريّ ” جويش برس” أن “الرابطة الإسلاميّة من أجل فلسطين” هي منظمة دعائيّة “معادية للساميّة” وتابعة لحركة المقاومة الإسلاميّة "حماس"، وذلك ضمن الحملة الهجوميّة على دودين.

استهداف مبكر

في الوقت الذي لا يتقبل فيه العدو الصهيونيّ وداعموه مسألة تسلم أيّ فلسطيني لمنصب حساس وهام، لشعورهم بأنّه ربما يكشف جرائمهم وخططهم اللاإنسانيّة بحق الشعب الفلسطينيّ الذي ذاق الأمرين نتيجة سياسات الاحتلال العدوانيّة، بيّن الموقع أنّ ريما دودين كانت من أبرز المؤيدين لدعوى قضائيّة رفعتها منظمات إسلاميّة ضد وزارة العدل، بشأن عمليات المراقبة التي قام بها مكتب التحقيقات الفيدراليّ في المساجد الأمريكية، وقد سعت هذه الدعوى التي تم رفعها عام 2009 إلى الكشف الكامل عن المعايير والإجراءات التي يستخدمها عملاء مكتب التحقيقات الاتحاديّ، لإجراء عمليات مراقبة على منظمات مدنيّة أو دينيّة.

وما ينبغي ذكره أن الاستهداف الصهيونيّ المبكر لدودين، يعود لتعيينها في منصب رفيع في مكتب الشؤون التشريعيّة، وهو المكتب المسؤول عن النهوض بجدول الأعمال التشريعيّ للرئيس الأمريكي في الكونغرس، ويعمل فريق الشؤون التشريعيّة كل يوم مع أعضاء مجلسي النواب والشيوخ وموظفيهم لتعزيز أولويات الرئيس، ويقوم مسؤولو مكتب الشؤون التشريعيّة بإخطار أعضاء الشيوخ والنواب بمبادرات الإدارة، والمساعدة في إجراء البحوث المتعلقة بالتشريعات والنشاطات، ما أثار حفيظة الكيان والجهات الداعمة له بسبب قلقهم الكبير من تأثير الشخصية الفلسطينية ضمن الكادر الجديد لبايدن.

ويذكر أن ريما دودين التي عملت كمتطوعة في الحملة الانتخابيّة لبايدن، عملت في السابق لدى السيناتور الديمقراطيّ، ريتشارد دورين، عن ولاية إلينوي، ومساعدة له في لجنته الفرعيّة القضائيّة المعنيّة بحقوق الإنسان والقانون، فيما عملت دودين كباحثة في مشروع الأمن القوميّ "ترومان" ومجلس القادة الجدد، وهي خريجة برنامج معهد أسبن، وعضو سابق في مجلس العلاقات الخارجيّة، وعضوة في جمعية "جنكيز هيل".

ووفقاً لمواقع إخبارية، فإن الرئيس الأمريكيّ الجديد أعلن الاثنين المنصرم، سلسلة تعيينات في حكومته المقبلة في مقدمتها تسميته أنتوني بلينكن لتولي وزارة الخارجية اعتبارا من 20 كانون الثاني/ يناير، وسيكون جون كيري، وزير الخارجيّة الأسبق في عهد باراك أوباما، موفد الرئيس الأمريكيّ الخاص لشؤون المناخ، ما يعكس الأهمية التي يوليها بايدن لهذا الملف، في موازاة تسميته للمرة الأولى الإسبانيّ الأصل، أليخاندرو مايوركاس، وزيراً للأمن الداخليّ، وكان بايدن قد أوضح في بيان أعلن فيه عن هذه التعيينات أنّه يحتاج إلى فريق جاهز من اليوم الأول، مضيفاً أن "هؤلاء الأفراد اختبروا الأزمات وامتحنتهم بقدر ما هم مبدعون وخلاقون".

المصدر: الوقت