emamian

emamian

الإثنين, 11 كانون1/ديسمبر 2023 03:11

سنن الله في الأرض

وردت كلمة سنّة في القرآن الكريم مرّات عدّة في سياقات مختلفة منها، وربّما أكثرها في معنى المنهج والسيرة التي يجريها الله على بعض المجتمعات الإنسانيّة. ومن أمثلة ذلك الآيات الآتية:

1- قال الله تعالى ﴿قُل لِلَّذِينَ كَفَرُواْ إِن يَنتَهُواْ يُغَفَرْ لَهُم مَّا قَدْ سَلَفَ وَإِنْ يَعُودُواْ فَقَدْ مَضَتْ سُنَّةُ الأَوَّلِينِ﴾[1]. يقول السيد الطباطبائي في تفسير هذه الآية: والسنّة هي الطريقة والسيرة. أمر النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم أن يبلّغهم ذلك وفي معناه تطميع وتخويف وحقيقته دعوة إلى ترك القتال والفتنة ليغفر الله بذلك... فإن لم ينتهوا عمّا نهوا عنه فقد مضت سنّة الله في الأولين منهم بالإهلاك والإبادة وخسران السعي"[2].
 
2- قال الله تعالى ﴿وَإِن كَادُواْ لَيَسْتَفِزُّونَكَ مِنَ الأَرْضِ لِيُخْرِجوكَ مِنْهَا وَإِذًا لاَّ يَلْبَثُونَ خِلافَكَ إِلاَّ قَلِيلاً * سُنَّةَ مَن قَدْ أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِن رُّسُلِنَا وَلاَ تَجِدُ لِسُنَّتِنَا تَحْوِيلاً﴾[3]. وفي هذه الآية يبيّن الله عزّ وجلّ أيضًا طريقته ومنهجه في التعامل مع الذي يحاولون الصدّ عن سبيله بإخراج رسله من ساحة دعوتهم وتبليغهم. وتقضي هذه الطريقة بأنّ المخرِجين سوف يستأصلهم الله من الأرض التي أخرجوا منها رسوله ويفكّك وحدتهم الاجتماعيّة التي كانت تربط بينهم وتدفعهم إلى ما أقدموا عليه من عدوان.
 
3- قال الله تعالى ﴿وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِن جَاءهُمْ نَذِيرٌ لَّيَكُونُنَّ أَهْدَى مِنْ إِحْدَى الْأُمَمِ فَلَمَّا جَاءهُمْ نَذِيرٌ مَّا زَادَهُمْ إِلَّا نُفُورًا * اسْتِكْبَارًا فِي الْأَرْضِ وَمَكْرَ السَّيِّئِ وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ فَهَلْ يَنظُرُونَ إِلَّا سُنَّتَ الْأَوَّلِينَ فَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلًا وَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلاً﴾[4]. وتشبه هاتان الآيتان سابقتهما من حيث المضمون وذلك أنّ الله في هاتين الآيتين يهدّد المستكبرين الذين يقسمون على الاهتداء ولكنّهم بعد ذلك يستكبرون ويمكرون بالمنذرين الذين يأتون إليهم من قبل الله تعالى، يهدّدهم بما تقتضيه الطريقة والسنّة الإلهيّة في التعامل مع الأمم التي سبقتهم، ويلفت نظرهم في الآيتين اللاحقتين لهاتين الآيتين ويدعوهم إلى السير في الأرض والاعتبار بما جرى على الأوّلين وبالقوانين التي طبّقها الله عزّ وجلّ على من سبقهم من الأمم.
 
مداليل الآيات الكريمة في السنن
تفيدنا الآيات المتقدّمة أمورًا عدّة نستعرضها فيما يأتي لنطبّقها بعد ذلك على النصر الذي وعد الله به المؤمنين ونعرف هل هو سنّة من السنن التي يجريها الله تعالى على المؤمنين به أم هو حالة استثنائيّة يخصّ بها بعض الناس أو الجماعات في بعض الحالات دون غيرها.
 
1- العلاقة بين الفعل ورد الفعل:
السنّة تشبه القانون الذي يحكم العلاقة بين الفعل وردّ الفعل. ففي الآية الأولى يحدّثنا الله عن ملازمة المخاطبين بالآية سيرة الأمم الماضية (الفعل) وعن انطباق سنّة الله على الأمم الماضية عليهم (ردّ الفعل). وفي الآية الثانية يخبرنا عزّ وجلّ عن أنّ إخراج الرسول من ميدان دعوته سوف يؤدّي (الفعل) إلى تفكّك المتمرّدين وفقدانهم وحدتهم الاجتماعيّة (ردّ الفعل). والأمر نفسه يُقال فيما يرتبط بالآية الثالثة.
 
2- المعرفة المسبقة:
يذكر العلماء أنّ ميزة القوانين التي يقدر العلم على اكتشافها أنّها تسمح للإنسان بالتنبّؤ بالأحداث الآتية في الطبيعة. يؤدّي فهم الإنسان لقانون الجاذبية إلى قدرة المهندسين مثلًا على تنظيم الأبنية وفق قوانين محدّدة تسمح بتماسك البناء وتحول دون انهياره. وكذلك فهم القانون الذي يؤدّي إلى الكسوف أو الخسوف يؤدّي إلى إمكان التنبّؤ بحدوث هاتين الظاهرتين قبل حصولهما وعلى هذين الأمرين يُقاس ما سواهما. وفيما نحن فيه معرفة سنّة الله في الأمم الماضية تهدي الإنسان إلى توقّع النتائج والآثار التي تترتّب على أفعاله. ولا تغفل الآيات المتقدّمة هذه الخصوصيّة في السنّة بل تلفت إليها بطريقة واضحة عندما تدعو إلى الاعتبار الذي هو النظر في مصائر السابقين والآثار التي ترتّبت على أفعالهم لمعرفة الآثار والنتائج التي سوف تترتّب في حال تكرّر الفعل نفسه أو ما يشبهه من الأمّة المدعوّة إلى الاعتبار بمن سبقها من الأمم.
 
3- الدوام والاستمرار:
الدوام والاستمرار أو فقل الاطراد هو من الخصائص التي تجعل المبدأ قانونًا وسنّة سواء كان ذلك في مجال العلم الطبيعيّ أو في مجال الإنسان والمجتمع. فلا يكون القانون قانونًا إلا إذا انطبق على الجميع بطريقة واحدة. وحتّى الاستثناءات التي يظهر لأوّل وهلة أنّها تخرق القاعدة يجب أن تكون خاضعة لاستثناء قانونيّ ينسجم مع القانون الأصليّ. ومن هنا لا تكون المعجزات خرقًا للقوانين التي تحكم علاقة العلّة بالمعلول[5]. ومن هنا لا يكون رفع التكليف مثلاً عن بعض الناس خرقًا للقانون التشريعيّ، بل هو قانون يؤدّي إلى الاستثناء بشكلٍ قانونيّ. والآيات المتقدّمة تشير إلى دوام هذا المعنى بوضوح يغنينا عن الشرح والتفصيل.
 
4- حفظ الاختيار:
الخصوصيّة الرابعة من خصوصيّات القوانين الاجتماعيّة أنّها تحفظ للإنسان اختياره ولا تلغي إرادته. بل حتّى في القوانين الطبيعيّة عندما يكتشف الإنسان سرّ القانون ويفهمه حقّ فهمه فإنّه وإن لم يكن قادرًا على تبديله وتغييره: ﴿فَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلًا﴾[6]، لكنّه قادرٌ على التكيّف معه والاستفادة منه. فالإنسان لا يقدر على إبطال قانون الجاذبيّة المذكور أعلاه ولكنّه قادرٌ على تكييف حياته معه والاستفادة منه وتوجيهه في خدمة أغراضه ولو في حدود مرسومة لا يمكن تجاوزها. فبدل أن يجري علينا قانون الجاذبية ويسقطنا من أعلى إلى أسفل يمكننا الاستفادة منه في الاستقرار على وجه الأرض. والقوانين الاجتماعيّة أيضًا يمكن التعامل معها بهذه الطريقة فيمكن للإنسان أن يقدم على تحقيق الفعل ليتحقّق ردّ الفعل، أو العكس يمتنع عن الفعل ويستفيد من تجربة الأمم الماضية فلا يجري عليه ما جرى عليهم.
  
النصر الإلهي، سنن النصر في القرآن الكريم، جمعية المعارف الإسلامية الثقافية


[1] سورة الأنفال، الآية 38.
[2] الميزان في تفسير القرآن، ج 9، ص 75.
[3] سورة الإسراء، الآيتان 76 و 77.
[4] سورة فاطر، الآيتان 42 و 43.
[5] إشارة إلى نقاش فلسفيّ يدور حول المعجزات التي يأتي بها الأنبياء وأنّها لا تعدّ خرقًا لقانون العليّة، بل هي مصداق من مصاديق قانون العليّة ولكن النبيّ الذي يأتي بالمعجزة يطّلع على علّة غير العلّة الطبيعيّة التي اعتاد الناس عليها. وتفصيل هذا البحث له محلٌّ آخر. ومن أراد المزيد يمكنه الرجوع إلى كتب علم الكلام والفلسفة وكتب التفسير، ومن ذلك: الميزان في تفسير القرآن، ج 1، ص 73.
[6] سورة فاطر، الآية 43.

الإثنين, 11 كانون1/ديسمبر 2023 03:10

الجهاد في سبيل الله في النصوص الروائية

لقد أوضحت الروايات الكثيرة أهمّية الجهاد وحقيقته وفضله، ومنها:

- أنّ أبا ذرّ الغفاري سأل النبيّ الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم: أيُّ الأعمالِ أحبُّ إلى الله عزّ وجلّ؟ فقال: "إيمان بالله، وجهادٌ في سبيله". قال: قلتُ: فأيّ الجهاد أفضل؟ قال: "من عقرَ جواده وأُهريقَ دمُه في سبيل الله"[1].
 
- وفي حديث آخر رُوي عن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم أنّه قال: "الخير كلّه في السيف، وتحت ظلّ السيف"[2].
 
- وعنه صلى الله عليه وآله وسلم أيضاً أنّه قال: "من مات ولم يغز، ولم يحدّث به نفسه، مات على شعبةٍ من نفاق"[3].
 
- وفي رواية أنّ رجلاً أتى جبلاً ليعبد الله فيه، فجاء به أهله إلى الرسول صلى الله عليه وآله وسلم فنهاه عن ذلك، وقال: "إنّ صبر المسلم في بعض مواطن الجهاد يوماً واحداً خير له من عبادة أربعين سنة"[4].
 
وعنه صلى الله عليه وآله وسلم: "إنّ الجهاد أشرف الأعمال بعد الإسلام، وهو قوام الدين، والأجر فيه عظيم مع العزَّة والمنعة، وهو الكَرَّةُ، فيه الحسنات والبشرى بالجنّة بعد الشهادة"[5].
 
- وروي أنّ النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم بعث بسريّةٍ كان فيها ابن رواحة، وتحرّك الجيش مع الفجر نحو المنطقة المحدّدة، ولكنّ ابن رواحة تخلّف عنه ليصلّي وراء النبيّ الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم. وبعد الصلاة، رآه النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم فقال: "ألم تكن في ذلك الجيش؟" فأجاب: بلى، ولكنّي أحببتُ أن أصلّي خلفك هذه الصلاة ثمّ ألحقَ بهم. فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "الذي نفسُ محمدٍ بيده لو أنفقتَ ما في الأرض جميعاً ما أدركتَ فضلَ غدوتهم"[6].
 
- ومن خطبة خطبها أمير المؤمنين عليه السلام في أواخر عمره، يقول: "إنّ الجهاد بابٌ من أبواب الجنّة، فتحهُ الله لخاصّة أوليائه، وهو لباس التقوى، ودِرعُ الله الحصينةُ، وجُنّتهُ الوثيقة"[7].
 
- وعن الإمام الباقر عليه السلام قال لأحد أصحابه: "ألاَ أُخبرك بالإسلام وفرعه وذروته وسنامه؟" قال: قلتُ: بلى جعلت فداك، قال عليه السلام: "أمّا أصله فالصلاة، وفرعه فالزكاة، وذروته وسنامه الجهاد"[8].
 
وبالإضافة إلى ما ذُكِرَ منَ الآيات والروايات، فإنّ التدقيق في دور الجهاد في الإسلام، ومنزلته بالنسبة لسائر الواجبات الدينية، يطلعنا أيضاً على أهمّيّته وعظمته. فالجهاد الدفاعيّ سبب في توفير الأمن، والذي في ظلّه فقط يمكن إقامة سائر الواجبات والحدود الإلهية. وفي الجهاد الابتدائيّ أيضاً رفع للموانع من أجل تبليغ الدين الإلهيّ، وهو موجب لميل عددٍ من المجتمعات البشرية نحو الدين الحقّ، ومن الواضح أنّه مع تحقّق هذا الميل وازدياد عدد المسلمين يصبح بالإمكان إرساء قواعد حكومة العدل وتنفيذ الأحكام الإسلامية بشكلٍ أوسع. وباختصار، إنّ تبليغ أصول الدين والعمل بفروعه، وحفظ الكرامات والدماء والأعراض والأرض وسائر المقدّسات مرهون في كثيرٍ من الموارد بأداء هذه الفريضة الإلهية الكبرى، وهو ما يدلّ بدوره على عظمتها وفضلها. وخير شاهدٍ على هذا في هذا العصر جهاد الثورة الإسلامية في إيران والمقاومة الإسلامية في لبنان.
  
التربية الجهادية، دار المعارف الإسلامية الثقافية


[1] العلامة المجلسي، بحار الأنوار، مصدر سابق، ج 97، ص 11.
[2] المصدر نفسه، ص 9.
[3] الحاكم النيسابوري، المستدرك، تحقيق وإشراف يوسف عبد الرحمن المرعشلي، ج 2، ص 79.
[4]  ميرزا حسين النوري الطبرسي، مستدرك الوسائل، تحقيق ونشر مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث، لبنان - بيروت، 1408 ه.ق - 1987م، ج 11، ح 12324، ص 21.
[5] الشيخ الحويزي، تفسير نور الثقلين، تصحيح وتعليق السيد هاشم الرسولي المحلاتي، مؤسسة إسماعيليان للطباعة والنشر والتوزيع، إيران ـ قم، 1412ه.ق - 1370 ش، ط 4، ج 1، ص 408.
[6] الترمذي، سنن الترمذي، تحقيق وتصحيح عبد الوهاب عبد اللطيف، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع، لبنان - بيروت، 1403ه.ق - 1983م، ط 2، ج 2، ص 20.
[7]  السيد الرضي، نهج البلاغة خطب الإمام علي عليه السلام، شرح الشيخ محمد عبده، دار الذخائر، إيران - قم، 1412ه.ق - 1370 ش، ط 1، ج1، ص67، الخطبة 27.
[8] العلامة المجلسي، بحار الأنوار، مصدر سابق ج 66، ص 392.

الإثنين, 11 كانون1/ديسمبر 2023 03:09

الصبر أدعى إلى النصر

لقد جاء القرآن الكريم على ذكر الصبر في سياق حديثه عن الجهاد والمواجهة، أو عن مقاومة الأنبياء عليهم السلام والقادة الإلهيين للمشاكل التي كانت تنزل على رؤوسهم من الصديق والعدوّ، في أكثر من ثلاثين آية[1]. وفيما يلي نُشير إلى البعض منها، والتي قد أكّدت على الدور المباشر للصبر في تحقيق الانتصار.
 
ففي سياق إصدار أوامره لمجاهدي معركة بدر، أشار الله تعالى إلى أمرين اثنين على صعيد الصبر، حيث يقول تعالى في بداية إحدى الآيات: ﴿يَٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ إِذَا لَقِيتُم فِئَة فَٱثبُتُواْ وَٱذكُرُواْ ٱللَّهَ كَثِيرا لَّعَلَّكُم تُفلِحُونَ﴾[2].
 
وفي نهاية الآية التي تليها يوصي تعالى من جديد: ﴿وَأَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥ وَلَا تَنَٰزَعُواْ فَتَفشَلُواْ وَتَذهَبَ رِيحُكُم وَٱصبِرُواْ إِنَّ ٱللَّهَ مَعَ ٱلصَّٰبِرِينَ﴾[3].
 
وللثبات من الناحية اللغوية معنى أوسع من الصبر، ولكنّ المراد هنا هو عدم الفرار من وجه العدوّ، وفي ذلك تأكيد على قوله تعالى: ﴿يَٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ إِذَا لَقِيتُمُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ زَحفا فَلَا تُوَلُّوهُمُ ٱلأَدبَارَ﴾[4].
 
وقد ورد الحديث عن الصبر أيضاً بوصفه سبب انتصار القوّات المسلمة القليلة العدد، على قوّات المشركين والكفّار الكثيرة العدد، حيث قال تبارك وتعالى: ﴿يَٰأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ حَرِّضِ ٱلمُؤمِنِينَ عَلَى ٱلقِتَالِ إِن يَكُن مِّنكُم عِشرُونَ صَٰبِرُونَ يَغلِبُواْ مِاْئَتَينِ وَإِن يَكُن مِّنكُم مِّاْئَة يَغلِبُواْ أَلفا مِّنَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بِأَنَّهُم قَوم لَّا يَفقَهُونَ﴾[5].
 
وبعد أن أمر الإمام عليّ عليه السلام جنود جيشه بجمع العدّة والعتاد، نجده يوصيهم بالصبر، والذي يعدّهُ أفضل عاملٍ لتحقيق النصر: "... واستشعروا الصبر فإنّه أدعى إلى النصر"[6].
 
وفي هذا الصدد يقول الإمام القائد الخامنئي قدس سره: "لا تسمحوا لأيّ شيء من أن يُزيلكم عن الجهاد، فأفضل الأشخاص معرّضون للسقوط والانزلاق. واعلموا أنّ جميع الأشخاص - حتى الصالحين منهم والمسدّدين والحكماء العلماء الأتقياء - معرّضون لخطر السقوط. لهذا وفي أي منصب كنتم وبأي مستوى الجؤوا إلى الله"[7].

الروايات والصبر
تحدّثت الروايات المباركة حول الصبر وأعطته مكانة عظيمة في شخصية المؤمن فكيف بالمؤمن المجاهد الذي من الواجب عليه أن يتحلّى بالصبر كصفةٍ أساسية في حياته الجهادية، وقد بيّنت الروايات أهمّية الصبر وفضله، منها أنّه:
 
1. أحد أركان الإيمان: قال الإمام علي عليه السلام: "بُني الإيمان على أربع دعائم: اليقين والصبر والجهاد والعدل".[8]

2. رأس الإيمان: وعن الإمام الصادق عليه السلام قوله: "الصبر من الإيمان بمنزلة الرأس من الجسد فإذا ذهب الرأس ذهب الجسد كذلك إذا ذهب الصبر ذهب الإيمان"[9].
 
3. نصف الإيمان: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "الصبر نصف الإيمان"[10].
 
4. كنز من كنوز الجنّة: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "الصبر كنز من كنوز الجنّة"[11].
 
5. المحامي في القبر: عن أبي عبد الله الصادق عليه السلام قال: "إذا دخل المؤمن قبره كانت الصلاة عن يمينه، والزكاة عن يساره، والبرّ مطلّ عليه، ويتنحّى الصبر ناحيةً، فإذا دخل عليه الملكان اللذان يليان مساءلته، قال الصبر للصلاة والزكاة والبرّ: دونكم صاحبكم، فإنْ عجزتم عنه فأنا دونه"[12].
 
6. للصابر أجر ألف شهيد: وعنه عليه السلام قال: "من ابتُلي من المؤمنين ببلاء فصبر عليه كان له مثل أجر ألف شهيد"[13].
 
7. الطريق إلى الجنّة: عن أبي جعفر عليه السلام قال: "الجنّة محفوفة بالمكاره والصبر، فمن صبر على المكاره في الدنيا دخل الجنّة، وجهنّم محفوفة باللذّات والشهوات؛ فمن أعطى نفسه لذّتها وشهوتها دخل النار"[14].
 
سبيل النجاة، مركز المعارف للتأليف والتحقيق


[1]  يُراجع: طاهري خُرّم آبادي، الجهاد في القرآن، منشورات بيام آزادى، لا.م، لا.ت، لا.ط، ص121.
[2]  سورة الأنفال، الآية 45.
[3]  سورة الأنفال، الآية 46.
[4]  سورة الأنفال، الآية 15.
[5]  سورة الأنفال، الآية65.
[6]  الرضي، نهج البلاغة، ص68، خطبة 26.
[7]  پيام انقلاب، ص 81.
[8]  الشيخ الكليني، الكافي، ج2، ص50، باب صفة الإيمان، ح1.
[9]  المصدر نفسه، ج2، ص87.
[10]  البيهقي، أحمد بن الحسين، شعب الإيمان، تحقيق أبي هاجر محمد السعيد بن بسيوني زغلول، دار الكتب العلمية، لبنان - بيروت، 1990م، ط1، ج7، ص123، ح9716.
[11]  أبو حامد الغزالي، محمد بن محمد، إحياء علوم الدين، دار الكتاب العربي، لبنان - بيروت، لا.ت، لا.ط، ج12، ص34.
[12]  الشيخ الكليني، الكافي، ج3، ص240، باب المسألة في القبر، ح13.
[13]  المصدر نفسه، ج2، ص92، باب الصبر، ح17.
[14]  المصدر نفسه، ج2، ص89، باب الصبر، ح7.

وأشارت وزارة الصحة في مؤتمر صحفي، إلى ارتفاع عدد الجرحى نتيجة للعدوان إلى أكثر من 40,652، مبينة أنهم تعرضوا لجروح متفاوتة، بينما ترتقي أعدادا كبيرة من الجرحى يوميا بسبب عدم توفر العلاج لهم داخل المستشفيات.

وأكدت أن 70 في المئة من ضحايا عدوان الاحتلال هم من النساء والأطفال.

وبينت الوزارة أن 280 فلسطينيا من الكوادر الصحية استشهدوا في مختلف مناطق قطاع غزة، فيما اعتقلت قوات الاحتلال 31 من الكوادر الصحية واستجوابهم باستخدام التعذيب والتجويع.

وأوضحت أن الاحتلال تعمد استهداف 130 مؤسسة صحية وأخرج 20 مستشفى عن الخدمة، وأن المستشفيات فقدت قدرتها العلاجية والاستيعابية ومئات الجرحى يعالجون على الأرض.

ولفتت إلى أن أكثر من 800 ألف فلسطيني يوجدون في مدينة غزة وشمال القطاع أصبحوا بلا طعام ولا دواء.

وأكدت وزارة الصحة أن قوات الاحتلال تعمدت خنق المستشفيات في شمال قطاع غزة لإرغام سكانه على النزوح باتجاه الجنوب.

وحول الوضع الصحي شددت الوزارة على أن الاحتلال الإسرائيلي لازال "يتعمد خنق المنظومة الصحية وابقائها في حالة انهيار مستمر نتيجة قطع الامدادت الطبية والوقود عنها كما أنه يضع قيودا على دخول المساعدات الطبية والوقود للمستشفيات ومنع وصولها لشمال قطاع غزة خلال الهدنة الإنسانية، في ظل اكتظاظ كافة المستشفيات بأعداد الجرحى التي فاقت إمكانياتها الطبية وقدراتها الاستيعابية وتفتقر للأدوات الجراحية ومثبتات العظام، مؤكدا أن نسبة إشغال الأسرة في المستشفيات بلغت 171 %، وبلغت نسبة انشغال أسرة العناية المكثفة 221%".

وأوضحت أن "تكدس النازحين في مراكز الإيواء في ظل هذه الأجواء الباردة زاد من انتشار من الأمراض التنفسية والجلدية وأمراض معدية أخرى الامر الذي يشكل خطراً على المنظومة الصحية وعلى المواطنين".

وأشارت إلى أن الاحتلال الإسرائيلي "يدعي كذباً بوجود مناطق آمنة امام المواطنين ولكن مجازره وسلوكه الاجرامي بحق المدنيين يفضحه".

صرح بذلك قائد الثورة الاسلامية آية الله السيد علي خامنئي، صباح اليوم الاربعاء، لدى استقباله في حسينية الإمام الخميني (رض) في طهران، حشداً كبيراً من التعبويين واضاف ، ان العمل الهمجي الذي قام به الكيان الصهيوني في غزة فضح الغرب وشوه سمعة الثقافة الغربية و حضارته.

وأضاف أن ثقافة الغرب وحضارته هي نفس الحضارة التي عندما يستشهد خمسة آلاف طفل بقنبلة فسفورية، يقول نظام دولة غربية ما، إن "إسرائيل" تدافع عن نفسها؛ هل هذا الدفاع عن النفس؟ هذه هي الثقافة الغربية؛ وفي هذه الحالة، فضحت الثقافة الغربية وشوهت سمعتها.

وصرح قائد الثورة أن مآسي غزة هي خلاصة جرائم الکیان الصهيوني في فلسطين منذ 75 عاما، وتساءل : أين بنوا المستوطنات الصهيونية؟ لقد دمروا منازل ومزارع الفلسطينيين وأقاموا بدلاً منها المستوطنات الصهيونية وقتل من وقف ضد الاستيطان من امرأة أو طفل ، فهم يفعلون ذلك منذ 75 عامًا.

و أکد آية الله خامنئي ان جذوة "طوفان الأقصى" لا يمكن أن تنطفئ وهذا الوضع لن يستمر في ظل القدرة الإلهية.

وأشار إلى سياسة الجمهورية الإسلامية الإيرانية تجاه القضية الفلسطينية وقال: إن بعض الناس في العالم يتحدثون عن آراء الجمهورية الإسلامية بشأن المنطقة و يقولون زورا أن إيران تعتقد أنه يجب رمي اليهود والصهاينة في البحر. كان بعض العرب يقول يتعين رمي اليهود في البحر، لكننا لم نقل هذا أبدا. نحن لا نرمي أحدا في البحر. إننا نقول إن الرأي هو رأي الشعب الفلسطيني والحكومة التي تشكل بأصوات الشعب الفلسطيني ، هي التي ستتخذ قراراتها بشأن الذين يتواجدون هناك؛ ویمکن أن تقول هذه الحكومة أن كل من جاء من بلدان أخرى يمكنهم البقاء في فلسطين.

وأضاف سماحته : بعض الدول الأفريقية التي زرتها خلال فترة رئاستي كافحت وانتصرت، تمكن السكان الأصليون من هزيمة البريطانيين، لكنهم سمحوا للبريطانيين بالبقاء بناءً على مصالحهم.

وأوضح قائد الثورة الإسلامیة أن الفلسطينيين يمكن أن يفعلوا الشيء نفسه؛ وقد يسمحون للبعض بالبقاء في ارضهم وقد يقولون للبعض الآخر يتعين عليهم المغادرة ، الفلسطينيون هم اصحاب القرار، ونحن لا نعلق على هذا.

وتابع قائلا : فيما یتعلق بقضیة لبنان، قال الأميركيون إنهم يتطلعون إلى تشكيل «شرق أوسط جديد" والشرق الأوسط يعني غرب آسيا، وقالوا إنهم يريدون إعطاء هذه المنطقة التي أطلقوا عليها اسم الشرق الأوسط، خريطة جغرافية سياسية جديدة تقوم على تلبية احتياجات أمريكا ومصالحها غير المشروعة.

وأضاف سماحته : بالطبع لم يحدث ما أرادوا، لقد أرادوا تدمير حزب الله في خطتهم الجديدة، لكن حزب الله أصبح أقوى بعشر مرات؛ کما قد أرادوا ابتلاع العراق لكنهم لم ينجحوا و لقد أرادوا السيطرة على سوريا من خلال وكلائهم ومرتزقتهم، "داعش" وجبهة النصرة. وقد دعموهم بشكل متواصل لمدة سبع أو ثمان أو عشر سنوات وقدموا لهم المال والتسهيلات، لكنهم فشلوا.

وأکد اية الله خامنئي أن الشرق الأوسط الجديد الذي أرادوا خلقه قد فشل فشلاً ذريعاً؛ وقال : من مكونات هذا الشرق الأوسط کان إنهاء القضية الفلسطينية لصالح الکیان الغاصب وکانوا یریدون أن لا یبقی شيء اسمه فلسطين على الإطلاق.

وفيما يتعلق بقوات التعبئة، أوضح قائد الثورة الإسلامية أن قوات التعبئة (البسیج) هي إرث ثمین تركه الإمام الخميني (رض) للبلاد و مؤسس قوات التعبئة وأبو التعبئة الإمام الخميني (ره).

وأشار إلى نعمة وجود التعبئة للبلاد وقال: إن التعبئة تأسست لتعزیز إمكانية مقاومة البلاد لمواجهة أي خطر وأي تهديد.

یذکر أن الناس في إيران يحتفلون في ذكرى "أسبوع الباسيج" و الأسيوع يبدأ في كل عام من 17 تشرين الثاني/ نوفمبر .

وقوات التعبئة (الباسيج)، هي قوات تتكون من متطوعين من المدنيين ذكورًا وإناثًا، أُسّست بأمر من مفجر الجمهورية الإسلامية آیة الله السید روح الله الخميني ( ره) في تشرين الثاني/ نوفمبر من العام 1979.

وقدّمت التعبئة مختلف الخدمات التطوعية وتشارك في مختلف الأنشطة مثل توفير الخدمات الاجتماعية، وتنظيم الاحتفالات الدينية العامة.

أن البيت الرفيع الذي يبنى على أساس الايمان بالله ويمتلأ بعبق ذكر الله، له دور كبير ليس فقط في النشء الواعد وانما أيضا في توفير أفضل الفرص لكل المنتمين اليه، كما على الرجل كذلك على المرأة كل الواجبات الإلهية الا ما استثناه الشرع بالنص كالقتال، او ما يتنافى ودورها في إدارة البيت الرسالي.

وتوعية المرأة بتلك المهام كما توعية المجتمع بها من اشد الضرورات لنهضة شاملة في الأمة، ولإنفاذ احكام الرب في الأرض، ونهضة الامة الرشيدة لن تتحقق الا بتكاتف كل الايادي والطاقات وحينما تنهض المرأة تعطي زخما مماثلا لنهضة الامة لأن دورها الرسالي لا يقتصر على جيلها، وانما أيضا على الجيل الواعد عبر تربية وقيادة الجيل القادم.

وعلينا اليوم ان نقود نهضة عارمة حتى نستطيع إعادة المرأة الى الميدان القيادي، وذلك عبر تذكيرها بأروع نموذج قيادي قدمه التاريخ لنا، اذ كانت فاطمة الزهراء (عليها السلام) الى جانب القيام بمهام البيت ورعاية شؤون اسرتها تشارك في عملية نشر الرسالة الإسلامية، فتقوم بعملية نقل وتعليم ما تسمعه عن ابيها رسول الله (صل الله عليه واله وسلم) الى المسلمين.

وما وصلنا من اخبار عن فاطمة يصورها بصورة المعلمة الاولى للمسلمات اللواتي يقبلن على بيتها فاهمات متعلمات فتفيض عليهن بما وعته من علم وتثقفهن بثقافة العصر وتشجعهن على طلب العلم والمعرفة، وهكذا كان بيتها المدرسة الاولى في الإسلام للمرأة، اذ تمكنت من قيادة المجتمع وبالأخص الشريحة النسوية من بيتها.

وخير دليل على عمق دور التربية والتثقيف الذي كانت تمارسه فاطمة الزهراء (عليها السلام) هو ما ورد في الروايات عن جاريتها فضة التي ما تكلمت الا بالقران لمدة تزيد عن عشرين عاما.

ولم تقتصر الزهراء (عليها السلام) على تثقيف الافراد بل انها انصرفت الى توعية الجماهير عندما تطلبت الرسالة المحمدية ذلك، والشاهد على ذلك خطبتها في مسجد رسول الله امام حشد من المهاجرين والانصار، وفيها دعوة الى مقاومة الظلم والاستبداد والتمسك بتعاليم الله وتعاليم رسوله، فكانت خطبتها سياسية اجتماعية وعقائدية، بمعنى اخر كانت خطبة شاملة عامة أحاطت بكل متطلبات الظروف التي كانت تمر بها الأمة الإسلامية حينذاك.

ومواقف قيادية أخرى للزهراء (عليها السلام) في محاولاتها لتثقيف الأمة ونشر الوعي بين افرادها، حين كانت تدور على بيوت المهاجرين والانصار في محاولة هز ضمائرهم ليتحركوا في الوقوف بجانب الحق ونصرة الدين.

وهكذا تجسد الزهراء (سلام الله عليها) دور المرأة القيادية المسؤولة عن تبليغ الرسالة الإلهية للناس اجمع، والمستعدة دائما لمواجهة كل الظروف وتحمل كل المسؤوليات التي يتطلبها المجتمع الإسلامي.

وان الاصطفاء الإلهي الذي يعني وجود أفراد من البشر يجسدون المبادئ والقيم في حياتهم، ويبلغون مستوى الطهارة والكمال، ويكونون قدوات وهداة، لبني الإنسان على امتداد التاريخ، لم يجعله الله تعالى رتبة خاصة بالرجال دون النساء، بل اصطفى عينات من النساء كما اصطفى من الرجال، مما يدل على قابلية المرأة واهليتها لأعلى درجات الكمال، وأن تكون في موقع الريادة والاقتداء، وفي مستوى التفوق والامتياز على سائر بني البشر نساءً ورجالاً.

وتقدم السيدة الزهراء كرمز وقدوة للأمة الإسلامية جمعاء، وبالطبع فإن معنى ارتباط رضى الله برضاها، وغضب الله بغضبها، يدل على عصمتها ونزاهتها وكمالها، وأن سلوكها وممارساتها، بل وحتى مشاعرها وعواطفها منسجمة مع القيم الإلهية، لا تحيد عنها قيد شعرة، وإلا فكيف يرتبط رضى الله تعالى وغضبه بمن يصح عليه الرضى والغضب النابع من الهوى والانفعال؟

وبناء على ذلك فإن ما يصدر عن السيدة الزهراء من قول أو فعل أو موقف فإنه يكون كاشفاً عن الأمر والتشريع الإلهي. فهي حجة شرعية على جميع الناس، وهي (عليها الصلاة والسلام) حجة على كل أولادها الأئمة الطاهرين ولذا قال الإمام الحسن العسكري: "وهي حجة علينا" وقال الإمام الحجة: "وفي ابنة رسول الله لي أسوة حسنة" وقد قال الإمام الحسين: "أمي خير مني" .

ان دراسة شخصية الزهراء عليها السلام تمتد إلى مجالات ذات أبعاد كثيرة ومحاولاتنا لازالت مستمرة في تسليط الضوء على الجانب القيادي للسيدة فاطمة الزهراء (عليها السلام) والذي لعب دورا كبيرا في بناء وتدعيم قواعد الدين الإسلامي وتثبيت أركانه سواء من المنظور السياسي او الاعلامي.

وذلك في سبيل تصحيح بعض المفاهيم التي تحفظ سلامة واستمرار النمو السوي لكيان العقيدة الإسلامية في المنطقة، وتجديد قدرتها الفاعلة في المجتمع، لأن صحة الأمة الإسلامية ترتبط باطراد التوسع الثقافي الذي يحقق المصالح والأهداف المشتركة بين الرجل والمرأة، مع وجود المعادلات الاتجاهية التي تحقق الأثر الإيجابي في الدور القيادي الذي تتحلى به المرأة في المجتمع.

من خلال الكشف عن الجانب القيادي عند احد أركان الدعوة الإسلامية المهمة وهي بضعة الرسول الأكرم محمد (صل الله عليه واله وسلم) كونها احد الأثقال المهمة والمؤثرة في كيان الحضارة الإنسانية وأيضا أول صناع المفهوم القيادي للمرأة المسلمة على مر التاريخ، من خلال الإشارة الى أدوارها القيادية في نشر الرسالة الإسلامية، ووقوفها بجنب الرسول في مواجهة المصاعب التي واجهت نشر الرسالة الإسلامية، وموقعها المهم في الحصار الذي تعرض اليه المسلمين، إضافة الى الموقف السياسي الصعب الذي واجهته بكل قوة، بعد استشهاد والدها الرسول الأعظم، من خيانة وهتك... وبروز الجانب الإعلامي في كشف المرتدين والظلمة، فهذه المواقف تبين قوة شخصيتها، وقيادتها العظيمة وجهدها الكبير في توعية النساء ونشر الإسلام جنباً بجنب الرسول الاكرم (صل الله عليه واله وسلم) وزوجها علي بن ابي طالب (عليه السلام).

وكانت الزهراء (سلام الله عليها) في المستوى الارقى من تلك الأحاديث اصطفاءً واستحقاقاً ومنزلةً واجتباءً، وارتفعت بموضعيتها عن العاطفة المجردة وتباعدت عن الإحساس بالمداراة شأن الآباء مع الأبناء وانما هو الإيحاء المرتبط بكيان مجدد في منزلة خاصة ستتجلى اثارها قطعا بعد حين.

وهذا الإيحاء الرفيع يعبر في إشارة دقيقة بتلاحم هذا الوليد مع ابيه في شؤون مستقبلية خطيرة، لم يقدر لغيره ان يحتلها في اندماج روحي تام لا يمكن الفصل بين ركنيه في حال من الأحوال وهو تعبير ثان عن الاجلال والاكبار حاليّاً ومستقبلياً، لتكون الفطرة لهذا الوليد نظرة شمولية غير خاضعة للاستثناء في شيء ما لأنها استثناء فوق العادة، ولعل السر في هذا وذاك هو توطيد الأرضية الصالحة في نظر عقلي بعيد المدى لهذا الوليد في المكانة ذات القيمة والأهمية التي يومي اليها الرسول الاكرم (صل الله عليه واله وسلم) لئلاّ يجرأ أحد فيما بعد على النيل منه، او الاستهانة به، او الاعتداء عليه، او المضايقة له في شيء ما مهما ضؤل وصغر، وذلك في مخائل النبوة دون ادنى شك، فالنبي ينظر بنور الله، وهو يقرأ بعلم الغيب من قريب وبعيد، يقول النبي (صل الله عليه واله وسلم): "وأمّا ابنتي فاطمة، فإنها سيدة نساء العالمين من الاولين والاخرين، وهي بضعة مني وهي نور عيني، وهي ثمرة فؤادي، وهي روحي التي بين جنبي، وهي الحوراء الإنسية" .

وهذا المنطق جامع مانع كما يقول أهل المنطق الارسطي، فقد صرح بأنها سيدة نساء العالمين، وهذا من خصائصها، وأبان موقعها منه بين الروح والجسد والجوارح، وإنها الحوراء...

وفي هذا المنظور تقدم الزهراء لنا الانموذج الراقي للمربية الواعية التي تكفلت بتربية اطفالها أحسن تربية، واعتنت بزوجها أفضل عناية، وتمكنت من توفير الأجواء الاسرية الحميمة على الرغم من انشغالها بأمور عملية أخرى كتعليم النساء والمساهمة في نشر الرسالة المحمدية وهداية المجتمع...الخ، ومن هنا نستدل من السيدة الجليلة بأن قيادة الاسرة والمنزل تفوق أهمية قيادة المجتمع، لأن اللبنة الأساسية التي تساهم في بناء الامة تنبع من التربية الصالحة والاسرة المتحابة على الخير والصلاح.

وعوداً على بدء، فقد عاشت الزهراء ونشأت تحت ظلين، ظل أبيها وظل حليلها، وعانقت ريحانين، الحسن والحسين ذرية لرجلين نبي وامام، وعانقت رهافتين رهافة الجسم ورهافة الحس، واختبرت عصرين عصر الجاهلية وعصر الانبعاث، واحبت اباها حبين، حب النبوة وحب الأمومة، وصهرت بصهرين، صهر الفقدان، وصهر الحرمان" .

وتتابع الايام فيما بعد لدى وفاة أبيها الذي تضمخت بطيب قارورته، وتنسمت الرحمة والرأفة في أنفاسه، لتصدم في صميم الاحداث الجديدة، بجنان ثابت يتقاسمه الكمد من جانب والثورة المضادة وقيادتها الفذة من جانب اخر.

وقد استشهدت الزهراء (عليها السلام) مظلومة ليلة الأحد لثلاث خلون من شهر جمادى الثانية من العام الحادي عشر من الهجرة، ولها من العمر ثماني عشرة سنة وسبعة أشهر، أي بعد وفاة والدها بثلاثة أشهر..

هكذا جاء في بعض الروايات... وفي بعضها الآخر: انها (عليها السلام) استشهدت في 13 جمادى الأولى وهناك روايات أخرى.

وبالرغم من أنها (عليها السلام) فارقت الحياة في عمر قصير، ولكنها باقية إلى ما شاء الله مدرسة للأجيال، ومشعل نور يكشف عن الزيف والاستبداد، ويقارع الطغاة الظالمين، ويقف بوجه كل من يريد طمس معالم هذا الدين الحنيف.
         
فالأمة تستلهم الدروس والعبر من مواقفها (عليها السلام) وبطولاتها كما تستلهم الدروس والعبر من مواقف أبنائها المعصومين (عليهم السلام) ببطولاتهم وحملهم هموم الإسلام، حيث مثلوه خير تمثيل..        

فقد كان لسيدة فاطمة الزهراء (عليها السلام) دور كبير في بناء وتدعيم قواعد الدين الإسلامي وتثبيت أركانه، فقد تخصصت بالوقوف جنبا بجنب الرسول الاكرم في إتمام الدعوة الإسلامية ونشرها على اتم وجه، وساهمت مساهمة كبيرة في توجيه النساء وارشادهن الى سبل الإسلام من خلال تربية مجتمع نسوي فذ يمتلك جميع المقومات التي يؤهله لبناء جيل واعٍ يمتلك القوة الكافية للحفاظ على الهيكل الإسلامي للأمة.

ونستطيع ان نقول بأن السيدة الزهراء (عليها السلام) سلطت الضوء على أهمية وجود المرأة في حياة الرجل، ومدى تأثيرها العميق في الحياة الاسرية سواء كانت في موضع الفتاة او الزوجة او الأم.

فنشاهد مواقفها العظيمة مع الرسول الاكرم في أيام الحصار وايام نشر الدعوة الإسلامية، بالإضافة الى دورها الكبير جنبا بجنب زوجها امير المؤمنين الامام علي (عليه السلام) في أيام المعارك والعوز، وعند تكاتف الظالمين عليه بعد وفاة الرسول (صل الله عليه واله وسلم).

وهكذا يقدم الإسلام المرأة في مقام ريادي، وموقع قيادي، ليؤكد قابليتها واستعدادها للكمال والتفوق، تماماً كما هو الحال بالنسبة للرجل.

واليوم يعيش العالم العربي حالة من التطور الفكري الكبير، حيث شملت اركان عديدة وواسعة من الثقافة والعلم، ولعل النقطة المهمة التي كان لها نصيبا كبيرا في هذه العملية التقدمية هو التركيز حول مكانة المرأة وضرورة تقويم دورها القيادي في المجتمع.

وعلى أساس ان الله خلق كل شخص لهدف وغاية سامية، وان من واجب كل انسان وخصوصاً المرأة تقديم الرسالة الإلهية على اتم وجه، سواء من الناحية الدينية او العلمية والإنسانية، إضافة الى انها تعتبر اللبنة الأساسية لبناء المجتمع اذن هنالك مسؤوليات وامور كثيرة تترتب عليها، وبلا شك لإنجاز هذه النقاط المهمة عليها ان تتحلى بطموحات كبيرة تساعدها في اكمال المسيرة التي كلفت بها من اجل خدمة البشرية.

وتواجه المرأة المسلمة في هذا الزمن تحديات كبيرة، جعلت افكارها التي تؤمن بها بكل بساطة موضع اختبار، وعرضت شخصيتها الإسلامية الى محاولات شتى من التمزيق والتشويه، وبمقدار التحدي لا بد أن تكون الأعباء، التي ربما ينوء بها كاهل المرأة المسلمة، وهي في هذا مجال رد التحدي وحمل أعبائه تحاول فرض وجودها في قبال الموجودات الزائفة، والايقونات المشوهة التي صنعها اعلام الغرب الوهمي، ويجب ان تسعى المرأة المسلمة بعقلها وقيادتها الفذة على تذويب هذه الرتوش الوهمية التي تحاول صنع نماذج سلبية للجيل القادم، فهي حرب عنيفة وهائلة يتعرض لها الجيل برمته، ومن واجب النساء المسلمات القياديات رد الاعتبار الإسلامي وتعديل الانحراف الذي لحق الشخصية المسلمة في الساحة العالمية عن طريق زيادة الوعي وتنوير المسلمين وتسليط الضوء على القدوات المسلمات اللاتي تركن بصمة كبيرة في التاريخ والسعي في السير على نهجهن بخطوات ثابتة وركيزة.

وتبقى إرادة المرأة في تحدي الصعوبات والوصول الى المبتغى الالهي هو العامل المساعد الاكبر لتحقيق ذاتها، فإذا ارادت المرأة شيئاً وآمنت به وبقدراتها لا يمكن لأي حاجز ان يحد من سقف طموحاتها او يقف حاجزا بينها وبين حلمها، خصوصاً اذا كان الهدف سامياً وقربة الى الله تعالى، وبلا شك حينها ستتحول كل المصاعب بالصبر الى حلاوة، وسيزهر الله طريق الخير بالورد والياسمين وستزهر الأمة بوجود نماذج قيادية قدوتهنَّ الزهراء (سلام الله عليها) يسرنَّ على خطاها في اثبات الحق والمساهمة في بناء هيكل إسلامي قوي يزرع اصوله في ربوع العالم.

السبت, 02 كانون1/ديسمبر 2023 16:34

هل مقام الصالحین أعلى من مقام النبوة؟

الصالح يعني الشخص الذي له أهلية وصلاحیة نیل النعم الإلهية والبركات اللامتناهية والدرجات العالية والرحمة الخاصة، فهذه منزلة کبیرة ولکن ليست في فی طول منزلة النبوة، بل هی فی عرضها وتعتبر احد خصائص الانبياء(ع) والمؤمنین.

فالأنبياء والمؤمنون يسألون الله دائمًا استمرار الصفات الحمیدة، والصلاح منها. مثل ما طلبه النبي إبراهيم(ع) من الله تعالی: «رب اجعلنی مقیم الصلاة»؛[1] من الواضح أن هذا الطلب لا يعني أن مكانة مقیمی الصلاة أعلى من مرتبة الأنبياء.

بالطبع المهم هو ان یکون الانسان من الصالحین فی الآخرة کما کان فی الدنیا، فالأنبياء أرادوا ذلك وحققوه: «وَ لَقَدِ اصْطَفَيْناهُ فِي الدُّنْيا وَ إِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحين»؛[2] وحيث تقول: «وَ آتَيْناهُ فِي الدُّنْيا حَسَنَةً وَ إِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحين»؛[3]

يجب القول؛ ان لمنزلة الصالحین مراتب ودرجات حیث ان كل نبي ومؤمن بعد بلوغ مرحلة منها یرید أن ینال مرتبة ودرجة أعلى من تلک المرتبة.

 

[1]. ابراهیم، 40.

[2]. البقره، 130

[3]. النحل، 122.

السبت, 02 كانون1/ديسمبر 2023 16:33

كيف يمكن إزالة صفة البخل عن انفسنا؟

بالرغم من أن كلمة "البخل" و"الخساسة" كلاهما من أصل عربي؛ ومع ذلك، فإن عدم استخدام الاموال بالطريقة الصحيحة، والمبالغة في جمع المال واکتناز الثروة، هو رذيلة يتم الکلام حولها في النصوص الأخلاقية تحت كلمة "البخل".

تعريف البخل

البخل هو أحد الرذائل الأخلاقية التي تم إدانتها على نطاق واسع في النصوص الدينية. البخل هو امساک المقتنیات عمّا لا يحق حبسها عنه‏؛[1] أي أن الإنسان یجمع المال والثروة، ولا يستخدمهما لمصلحته، ولا ینفقها علی الآخرين.

بعبارة أخرى، البخل هو: الامساک فی وقت یجب فیه البذل، وعدم إعطاء ما ينبغي أن يُعطى.[2] فالناس الذين لديهم مثل هذه الصفة يطلق عليهم اسم البخيل.

ذم البخل

في إحدى الآيات يعتبر القرآن الكريم أن الصفة البارزة للمتكبرین والأنانيین هي أنهم لا يحسنون إلى الآخرين حتى الی آبائهم وأقاربهم![3]

ویقول ایضا عن البخل والبخلاء: «الَّذينَ يَبْخَلُونَ وَ يَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ وَ يَكْتُمُونَ ما آتاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَ أَعْتَدْنا لِلْكافِرينَ عَذاباً مُهيناً».[4]

بالطبع، قد لا يأمر البخلاء بالبخل بالسنتهم، ولكنهم يروجون لهذه الرذیلة ویدعون الیها من خلال أفعالهم، فینمیل الآخرون إلى هذه الصفة المثيرة للاشمئزاز من خلال رؤية حرصهم وبخلهم. من المؤكد أن أولئك الذين يعانون من هذا المرض النفسی لن یقوموا بالاحسان حتى الی والديهم وأقاربهم.

ومن الخصائص الاخری للبخلاء هی، أنهم دائمًا ما يخفون النعم والبركات والمواهب التي منحهم الله ایاها من فضله،[5]  ويظهرون أنفسهم فقراء هذا حتى لا يتوقع الآخرون منهم الاحسان والانفاق.[6] وتجدر الإشارة إلى أن البخل لا يقتصر على الشؤون المالية، بل يشمل جميع أنواع النعم، فهناك كثير من الناس لا يبخلون في الشؤون المالية، ولكنهم بخيلون في تعليم ونشر العلم والمعرفة، إلخ.

علاج البخل

لعلاج البخل مثل الأمراض الأخرى، يجب على المرء أولاً معرفة أضرار البخل وآثار وفوائد الوجود والانفاق، ثم البحث عن علاجه؛ أي أن على البخيل أن يفكر كثيراً في آثار ونتائج البخل - التي وردت في النصوص الدينية-، وكذلك فوائد الكرم و الجود التي وردت في التعاليم الدينية ویتأمل فيها. ویكثر من التفكير في الآيات والأحاديث التي جاء الکلام فیها عن خساسة البخلاء وذلّتهم والتی تبشر بالمکافاة علی الوجود والکرم.

يجب على البخيل أن يعتقد أن أمامه عالم آخر غیر هذا العالم، والذي سيسافر ویرحل إليه عاجلاً أم آجلاً، وانه يحتاج إلى ارسال بعض ما لديه بالفعل في هذا العالم الی عالم آخر وادخاره هناک حتى يتمكن من استخدم ذلک في يوم عجزه وفقره.

فعندما عرف البخيل هذه الامور اعتقد بها، فعليه أن یکره نفسه على البذل، ویخلي قلبه من حب الثروة والمال، ویبذل وینفق باستمرار؛ ویقوم بالاحسان الی الفقراء حتى یميل طبعه البشري إلى صفة البذل والاحسان. ومن أراد أن يتخلص من هذه الرذیلة الاخلاقیة، فعلیه ان لا یتعلل فی عمله عندما یرید بذل شیء من ماله، لإن الشيطان يغريه ويخوفه من الفقر وقلة المال.

إذا تجذر مرض البخل في نفس الإنسان فعليه أن يقنع نفسه بأن بذله وانفاقه سيجعله معروفاً بين الناس بالکرم، وعليه أن یتذکر المعروفين بالجود والكرم، حتى يتمكن بذلک من اقناع نفسه وبسط یده للبذل والانفاق.

بالطبع ان البذل والعطاء بهذه النية وبهذا الشکل رغم أنه ليس حقيقة السخاء والكرم ویعتبر صفة رذیلة عند اولیاء الله ولكن لا اشکال ولا ضرر فی ذلک اذا کان بدافع التشجیع والترغیب حتی ینتزع المرؤ حب المال من قلبه، وبعد ذلک یقوم بتصحیح نيته وقصده.

جدیر بالذکر أن أهم طریق لعلاج هذه الصفة هو قطع جذور هذا المرض وهو حب المال الذی یدعو الی حب الدنیا.[7]

 

 

[1]. الراغب الاصفهانی، حسین بن محمد، المفردات فی غریب القرآن، تحقیق، الداودی، صفوان عدنان، ص 109، دمشق، بیروت، دارالقلم‏، الدار الشامیة، الطبعة الاولی، 1412ق.

[2]. النراقى، احمد، معراج السعادة، ص 406، قم، الهجرة، الطبعة السادسة، 1378ش.‏

[3]. «وَ بِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً وَ بِذِي الْقُرْبى‏ وَ الْيَتامى‏ وَ الْمَساكينِ وَ الْجارِ ذِي الْقُرْبى‏ وَ الْجارِ الْجُنُبِ وَ الصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَ ابْنِ السَّبيلِ وَ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ مَنْ كانَ مُخْتالاً فَخُوراً». نساء، 36.

[4]. النساء، 37.

[5]. «الَّذينَ يَبْخَلُونَ وَ يَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ وَ يَكْتُمُونَ ما آتاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ». نساء، 37.

[6]. الجعفری، یعقوب، کوثر، ج ‏2، ص 436، قم، الهجرة، الطبعة الاولی، 1376ش.

[7]. النراقی، محمد مهدی، جامع السعادات، ج 1، ص 446- 448، 454- 457، قم، اسماعیلیان، الطبعة السابعة، 1428ق، 1386ش؛ معراج السعادة، ص 405- 407، 410- 413.

السبت, 02 كانون1/ديسمبر 2023 16:18

واقعُ التقوى ليس الخوف

 

الخوف طاقة سلبية تمتصُّ حماسةَ العامل وتكبحُ زخم انطلاقه في الإبداع والتنمية والحرّية، وكثيراً ما صُوِّرت التقوى على أنّها قيد يُكبِّل حركة الإنسان العامل، وتُشعره بأنّه تحت رقابة صارمة غير مُتسامحة ولا مرنة، وكأنّ خطأ الإنسان الأوّل عندها هو الأخير، وهذا خلاف مفاهيم (الرحمة) و(العفو) و(الصفح) و(المغفرة)، بل يقف على النقيض من ﴿إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا﴾ (الزُّمر/ 53).

التقوى - من خلال قراءة مستوعبة ومتلبِّثة ومتأنِّية - (قوّةُ دفعٍ) وتحميس وتحريك واستنهاض، لأنّ (العَدّاء) هنا ينطلق ونُصبَ عينه (خطُّ النهاية) أو (خطُّ الفوز)، إذ ليس في العدّائين مَن لم يُخامرهُ أو يُخالجهُ الشعور بالفوز لا بالمرتبة الثانية أو الثالثة، بل الأُولى، وهذا هو الذي يمنح أو يُموِّن العدّائين بطاقة تحريك ودفع هائلة.. ولو كانوا تحرَّكوا صوب خطّ النهاية وشعورٌ من الخوف شديد يلازمهم أو يُقلِّل من اندفاعهم، لما كانوا اندفعوا بهذه السرعة السَّهميّة الفائقة شطرَ أمانيهم!

خطُّ النهاية بالنسبة لنا: (جنّةُ) الله ورضوانُه، وسخطُهُ و(نيرانه)، خوفٌ، ورجاءٌ، وليس بالخوف وحده يتحرَّك ويندفع الإنسان!

والتقوى بعد ذلك ليست (عصمةً).. هي بعضُ درجاتها، وهي أشبه شيءٍ بـ(المضادّات الحيوية)، نحتاجُ أن نتعاطاها بين الحين والآخر وضمن توقيتات مناسبة، إذ إنّ مفعولها ينفد مع عدم التعبئة والتخزين والشحن.

(العصمةُ) تقوىً كاملة، وانضباطٌ تام، ومُراقبةٌ يقظة ودائبة ومثابرة لخطِّ السير، وانشداد إلى (خطِّ النهاية)..

والتقوى عرفانٌ بأنّ الصلاح والاستقامة هو أنسب وصف لحالة الإنسان، وأكثرُ ما يليقُ به وبشخصيته وباعتداله النفسيّ.. هي (لباسهُ) الذي لا يجد زينة أُخرى يَتزيَّن بها سواه.. هي (حارسُهُ الشخصيّ)..

والتقوى - بعد هذا وذاك - كإشارات المرور موضوعةٌ أو مصنوعة أو مودعة فينا لسببين متلازمين:

1-   سلامةُ التقيّ نفسه.

2-   وسلامة الآخرين.

ولذلك كانت كلمة (اتّقِ الله)! التي تُقالُ لمن يشطُّ، ويجُور، ويُجحِف، ويُفرِّط، ويُغالي، دعوةً للعودة إلى خطِّ الاتّزان والاعتدال، وإلى الانتباه إلى خطِّ السير..

حياةٌ بلا تقوى.. طريقٌ فيه الكثير من (المطبّات) و(المنزلقات) و(المنعرجات) و(المنعطفات الحادّة)، بل والمفاجآت غير السارّة أيضاً!

حياةٌ مع التقوى.. وعيُ السائق لخارطة الطريق.. مع انتباه حاضر على طول الطريق.. حِفاظاً على السلامتين: الذاتية والمجتمعية!

السبت, 02 كانون1/ديسمبر 2023 16:17

كمية السكر المناسبة التي يجب تناولها

ووجدت دراسة حديثة أن أغلبية البالغين يتناولون ما معدله 77 غراماً من السكر يومياً، وتُظهر البيانات أن المشروبات المحلاة بالسكر "مثل المشروبات الغازية وعصائر الفاكهة ومشروبات الطاقة / الرياضة" هي أكبر مصدر للسكريات المضافة في الأنظمة الغذائية.

ووفقاً لدراسة جديدة أيضاً، هناك حد مدعوم بالأبحاث يمكنك اتباعه لتناول السكر المضاف يومياً، ألا وهو 25 غراماً / 100 سعرة حرارية، أو حوالي 6 ملاعق صغيرة، ومع ذلك، ليس كلّ السكر في نظامك الغذائي هو نفسه.

تذكر أن السكريات المضافة أو "الحرة" تختلف عن السكر الطبيعي الموجود في الفاكهة أو منتجات الألبان - تلك السكريات الطبيعية لا يتم احتسابها ضمن الحد اليومي.

بناءً على النتائج، أوصى الباحثون بأن يحد الأشخاص من تناول المشروبات المحلاة بالسكر إلى ما لا يزيد عن واحد في الأسبوع "حوالي علبة واحدة"، والاحتفاظ بتناولهم اليومي من السكر المضاف إلى أقل من 25 غرامًا "حوالي 6 ملاعق صغيرة".

بينما استندت النتائج إلى بيانات المراقبة، لكنها تتماشى مع إرشادات منظمة الصحة العالمية، والصندوق العالمي لأبحاث السرطان، والمعهد الأمريكي لأبحاث السرطان - وكلها تدعم الحد الأقصى البالغ 6 ملاعق صغيرة يوميًا.

 

السكريات المخفية والمضافة

ربما تعلم بالفعل أن الحلوى الحلوة مثل الكعك، والبسكويت، والوجبات الخفيفة المعبأة، والآيس كريم، هي مصادر للسكر المضاف، ولكن المنتجات مثل صلصات المعكرونة، والتوابل، وزبدة الفول السوداني، والزبادي، والجرانولا، وألواح البروتين، والحبوب، ومشروبات القهوة، والوجبات الخفيفة من الفاكهة، يمكن أن تحتوي أيضًا على سكر مضاف إليها، وقد لا يكون ذلك واضحًا أي سكريات مخفية.

يمكن تسمية السكر بالعديد من الأسماء الأخرى في قائمة المكونات الغذائية مثل السكروز، سكر العنب، مالتوز، الغلوكوز، الفركتوز، عصير قصب، وشراب الذرة عالي الفركتوز، لذلك من المهم أن تعرف ما الذي تبحث عنه.

حاول الخبراء تركيز تعليمهم ودعم الجهود للحد من تناول السكر المضاف على الأطفال، لأن هذه المجموعة معرضة بشكل خاص ليس فقط لإغراء الحلويات، ولكن أيضاً للإعلان عن المنتجات والتسويق التي تبيعها.

ويلعب مقدمو الرعاية دوراً مهماً ليس فقط في مراقبة تناول الأطفال للسكر، ولكن من المهم التأكد من أنّهم يفكرون ويشعرون بالإيجابية تجاه جميع الأطعمة التي يتناولونها.

وقالت خبيرة التغذية الأمريكية "ميليسا متري" لـ "Verywell": "من الضروري للعائلات أن تقيم علاقة صحية مع الطعام، بينما لا تزال تضع حدوداً حول استهلاك السكر للأطفال الصغار".

وتابعت "متري": "عند تطوير علاقة صحية حول الطعام، من المهم عدم تصنيف الأطعمة على أنها جيدة أو سيئة - وهذا ينطبق على السكر أيضًا، من الأفضل إعطاء الأولوية للأطعمة الحلوة بشكل طبيعي مثل الفاكهة، وتشجيع الأطعمة المليئة بالسكر باعتدال كعلاج عرضي".

في حين أنّه من المهم أن تبدأ صغيراً في تكوين عادات تدوم مدى الحياة، فإنّ التعرف على التغذية واتخاذ خطوات لتعزيز علاقة إيجابية مع الطعام يجب أن يكون حقاً شأناً عائلياً.

وقالت الخبيرة "هاريس بينكوس": "إن النهج الأكثر ضرراً هو استبعاد طفل واحد يعاني من زيادة الوزن أو السمنة وتقيده في تناول السكر دون أفراد الأسرة الآخرين".

 

نصائح لتناول السكر بطريقة صحيحة

استعرضت خبيرة التغذية "متري"، بعض الطرق المحددة التي يوصي بها الأطباء، وتهدف إلى تقليل تناول السكر، وهي فيما يلي:

استبدل الأطعمة والمشروبات التي تحتوي على نسبة عالية من السكر بالأطعمة والمشروبات منخفضة السكر أو التي لا تحتوي على سكر مضاف.

طهي المزيد من الوجبات في المنزل، لأنّ الأطعمة الجاهزة تميل إلى أن تكون أعلى في السكر من الوجبات المنزلية، لأنّك تتمتع بقدر أكبر من التحكم في المكونات والكميات.

ثقّف نفسك وعائلتك بشأن خيارات الأطعمة المغذية، هناك العديد من الكتب ونماذج الطعام والأغاني والألعاب التي يمكن أن تعلم الأطفال الصغار كيفية اتخاذ قرارات مستنيرة بشأن ما يأكلونه، ولماذا يكون من المفيد لهم أن يتم تمكينهم من القيام بذلك.

بدلاً من الحديث عن الطعام والوزن، ركّز المحادثة على شعورك بتناول أطعمة معينة.