
emamian
الفلسطينيون ومقاومتهو اثبتوا تفوق قدراتهم على آلة قتل الاحتلال
وخلال لقائه في الدوحة مساء الثلاثاء رئيس المكتب السياسي لحركة المقاومة الاسلامية في فلسطين (حماس) اسماعيل هنية، وجه امير عبداللهيان التحية لأرواح الشهداء الفلسطينيين وحيا المقاومة المثالية والتاريخية للشعب الفلسطيني في غزة والضفة الغربية خلال 75 يوما من العدوان الصهيوني الغاشم ، وتطرق إلى الجهود الدبلوماسية التي تبذلها الجمهورية الإسلامية الإيرانية في دعم الشعب الفلسطيني ووقف جرائم الكيان.
واضاف: اليوم لا يشك أحد في أن المقاومة والشعب الفلسطيني، رغم تحملهما الكثير من الألم والمعاناة وتقديم أكثر من 20 ألف شهيد خلال الـ 75 يوما الماضية، أثبتا تفوق قدرتهما وإرادتهما على آلة القتل الصهيونية.
واستنكر الدعم الشامل وغير المحدود الذي تقدمه اميركا للكيان الصهيوني في الحرب الحالية ضد غزة واكد المسؤولية القانونية والدولية لاميركا عن جرائم الحرب والإبادة الجماعية ضد الفلسطينيين، لافتا إلى بعض الجهود والرسائل السياسية من قبل الحكومة الأميركية من أجل إيجاد مخرج من هذا المأزق والفشل الاستراتيجي العسكري.
وقال: وصول أميركا إلى نتيجة مفادها أن الحرب ليست الحل، هو تطور كبير ومن الأفضل لها أن تتوقف عن دعم الإستراتيجية العسكرية الجنونية لكيان الاحتلال في أسرع وقت ممكن.
وفي إشارة إلى تخبط استراتيجية البيت الأبيض فيما يتعلق بأزمة غزة، قال وزير الخارجية: الجميع داخل البيت الأبيض كانوا يعتقدون أن الكيان الصهيوني يجب أن ينتصر في الميدان، ولكن الآن، وبعد ادراك حقائق الميدان والتأكد من قدرة صمود وثبات المقاومة والشعب الفلسطيني، فانهم وفي الوقت الذي يسعون فيه لتقديم الدعم العسكري الشامل للكيان الصهيوني القاتل للأطفال يسعون إلى الخروج من هذه الحرب مع حفظ ماء الوجه من خلال أسلوب سياسي وإنقاذ الكيان من هذا الفشل الاستراتيجي.
وفي إشارة إلى الجهود الدبلوماسية التي تبذلها إيران على مختلف المستويات، بما في ذلك المشاورات التي أجراها آية الله رئيسي على مستوى رؤساء الدول، قال أمير عبداللهيان: كما في الماضي، بذلت الجمهورية الإسلامية الإيرانية أقصى جهودها الدبلوماسية في دعم الشعب الفلسطيني المظلوم ولكن القوي والصابر في الوقت ذاته من أجل إنهاء العدوان الإجرامي للكيان الصهيوني على غزة، والإنهاء الكامل للحصار وإرسال المساعدات الإنسانية على نطاق واسع على الفور، فضلا عن مواجهة الخطط السياسية المنحازة للكيان الصهيوني.
وأضاف رئيس السلك الدبلوماسي: ان الجمهورية الإسلامية الإيرانية واثقة من أن الشعب الفلسطيني مثلما أثبت قدرته وصلابته في ساحة المقاومة والقتال في الحرب غير المتكافئة التي يفرضها الكيان الصهيوني وداعموه، وخاصة أميركا، فانه في المجال السياسي ايضا، كما في الماضي لن يسمح لاي كان بتنفيذ مخططات سياسية مفروضة ، وإيران تدعم الجهود والمبادرات السياسية للمقاومة للخروج من الوضع الراهن، ووقف الحرب ضد غزة ورفع الحصار الظالم وغير الإنساني عن المواطنين الفلسطينيين، وكذلك حق الشعب الفلسطيني المشروع والطبيعي في تقرير مصيره النهائي.
من جانبه شرح إسماعيل هنية، رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، في هذا اللقاء، آخر التطورات على صعيد الحرب على غزة، واستعرض الجهود والمشاورات والتحركات السياسية للمقاومة لإنهاء العدوان الصهيوني الغاشم على قطاع غزة والضفة الغربية بهدف التوصل إلى وقف دائم لإطلاق النار، والانهاء الكامل للحصار وإرسال المساعدات الإنسانية بكميات كبيرة إلى المواطنين.
وقال هنية: بعد مرور 75 يوما على بداية حرب الكيان الصهيوني المدمرة على غزة والجرائم غير المسبوقة بحق المواطنين الفلسطينيين، ورغم كثرة عدد الشهداء، إلا أن المقاومة ما زالت قوية وفي حالة تألق ووضع ممتاز.
وأشار إلى أن الكيان الصهيوني لم يحقق أيًا من أهدافه الإستراتيجية المعلنة رغم جرائمه التي لا تعد ولا تحصى، وقال: هذا الكيان ادعى أنه سيطر على شمال غزة، أما الآن فالمقاومة موجودة في كافة مناطق شمال القطاع، وفي ظل الدعم الاميركي ، يرتكب الكيان الصهيوني جرائم فظيعة ضد سكان قطاع غزة بأكمله، فضلا عن سلوكياته غير الإنسانية ضد المواطنين الفلسطينيين المعتقلين.
واشاد بدعم فصائل المقاومة في المنطقة والدعم السياسي والدبلوماسي والإعلامي الذي تقدمه الجمهورية الإسلامية الإيرانية للمقاومة والشعب الفلسطيني وأضاف: هذا الدعم وأيضا التحركات الشعبية واسعة النطاق في العالم الإسلامي والدول غير الإسلامية حول العالم لدعم فلسطين له العديد من الآثار النفسية والمعنوية على الشعب الفلسطيني، كما أن له العديد من التأثيرات السياسية والضغوط على الكيان الصهيوني والحكومات الغربية الداعمة له، ونحن بحاجة إلى هذا الدعم لإنهاء الحرب والعدوان الوحشي الصهيوني على الشعب الفلسطيني.
وفي الختام نقل هنية تحياته الحارة إلى قائد الثورة ورئيس الجمهورية والحكومة والشعب الإيراني، وثمن دعم إيران الدائم والمستمر للشعب الفلسطيني، وخاصة الدعم الدبلوماسي المستمر واللافت للمقاومة والشعب الفلسطيني بعد عملية طوفان الأقصى.
هل نحن من أهل الفضائل والتقوى؟
قال أمير المؤمنين عليه السلام: "فالْمُتَّقُونَ فِيهَا هُمْ أَهْلُ الْفَضَائِلِ. مَنْطِقُهُمُ الصَّوَابُ، ومَلْبَسُهُمُ الِاقْتِصَادُ، ومَشْيُهُمُ التَّوَاضُعُ، غَضُّوا أَبْصَارَهُمْ عَمَّا حَرَّمَ اللَّه عَلَيْهِمْ، ووَقَفُوا أَسْمَاعَهُمْ عَلَى الْعِلْمِ النَّافِعِ لَهُمْ، نُزِّلَتْ أَنْفُسُهُمْ مِنْهُمْ فِي الْبَلَاءِ، كَالَّتِي نُزِّلَتْ فِي الرَّخَاءِ، ولَوْلَا الأَجَلُ الَّذِي كَتَبَ اللَّه عَلَيْهِمْ، لَمْ تَسْتَقِرَّ أَرْوَاحُهُمْ فِي أَجْسَادِهِمْ طَرْفَةَ عَيْنٍ، شَوْقاً إِلَى الثَّوَابِ، وخَوْفاً مِنَ الْعِقَابِ. عَظُمَ الْخَالِقُ فِي أَنْفُسِهِمْ، فَصَغُرَ مَا دُونَه فِي أَعْيُنِهِمْ، فَهُمْ والْجَنَّةُ كَمَنْ قَدْ رَآهَا، فَهُمْ فِيهَا مُنَعَّمُونَ، وهُمْ والنَّارُ كَمَنْ قَدْ رَآهَا، فَهُمْ فِيهَا مُعَذَّبُونَ"[1].
فاتّصفوا بالفضائل النفسانيّة، وتزيّنوا بمكارم الأخلاق، ومحامد الأوصاف، التي فصّلها عليه السلام بالبيان البديع:
منطقهم الصواب: والصواب ضدّ الخطأ، يعنى أنّهم لا يسكتون عمّا ينبغي أن يقال، فيكونون مفرّطين، ولا يقولون ما ينبغي أن يُسكَت عنه، فيكونون مُفرِطين.
ويُحتَمل أن يُرادَ به خصوص توحيد اللَّه تعالى وتمجيده والصّلاة على نبيّه، وبه فُسِّر في قوله سبحانه: ﴿لَّا يَتَكَلَّمُونَ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرحْمَنُ وَقَالَ صَوَابًا﴾[2].[3]
وعنه عليه السلام، في وصيّته لابنه محمّد بن الحنفية: "وَمَا خَلَقَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ شَيْئاً أَحْسَن مِنَ الكَلَامِ، وَلَا أَقْبَح مِنْهُ، بِالكَلَامِ ابْيَضَّتِ الوُجُوهُ، وَبِالكَلَامِ اسْوَدَّتِ الوُجُوهُ"[4].
ملبسهم الاقتصاد: أي التوسّط بين الإفراط والتفريط، يعني أنّ لباسهم ليس بثمينٍ جدّاً، مثل لباس المترفين المتكبِّرين، ولا بذلّة،ٍ كلِباسِ أهل الابتذال والخسّة والدناءة، بل متوسّطٌ بين الأمرَين[5].
قال تعالى: ﴿وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا﴾[6].
يقول الإمام الخمينيّ قدس سره: "إنّ لِمادّة اللباس وجنسِه وغلائه وزينته تأثيراً في النفوس، ومن هذه الجهة، قال أمير المؤمنين عليه السلام: "وَمَنْ لَبِسَ المُرْتَفِعَ مِنَ الثِّيَابِ فَلَا بُدَّ لَهُ مِنَ التَّكَبُّرِ، وَلَا بُدَّ لِلْمُتَكَبِّرِ مِنَ النَّارِ"[7]"[8].
مشيهم التواضع: يعني أنّهم لا يمشون على وجه الأشر والبطر والخيلاء، لِنَهيِ اللَّه سبحانه عن المشي على هذا الوجه، في قوله: ﴿وَلاَ تَمْشِ فِي الأَرْضِ مَرَحًا إِنَّكَ لَن تَخْرِقَ الأَرْضَ وَلَن تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولاً﴾، وأمرِه بخلافه في قوله: ﴿وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ﴾[9].
وقد رُوِيَ في الكافي، عن أبي عبد اللَّه عليه السلام، قال: "فِيمَا أَوْحَى اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ إِلى دَاوُدَ عليه السلام: يَا دَاوُدُ، كَمَا أَنَّ أَقْرَبَ
النَّاسِ مِنَ اللَّهِ الْمُتَوَاضِعُونَ، كَذلِكَ أَبْعَدُ النَّاسِ مِنَ اللَّهِ الْمُتَكَبِّرُون"[10].
غضّوا أبصارهم عمّا حرّم اللَّه عليهم: امتثالاً لأمره تعالى به، في قوله: ﴿قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ﴾[11]، أي يغضّوا أبصارهم عمّا لا يحلّ لهم النظر إليه.
وفي الكافي، عن أبي عبد اللَّه عليه السلام: "عن أبي جعفرٍ عليه السلام، قال: كُلُّ عَيْنٍ بَاكِيَةٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، غَيْرَ ثَلَاثٍ: عَيْنٍ سَهِرَتْ فِي سَبِيلِ اللَّه،ِ وَعَيْنٍ فَاضَتْ مِنْ خَشْيَةِ اللَّه،ِ وَعَيْنٍ غُضَّتْ عَنْ مَحَارِمِ اللَّه"[12].
وقفوا أسماعَهم على العلم النافع لهم: في الدنيا والآخرة، وأعرضوا عن الإصغاء إلى اللَّغو والأباطيل، كالغيبة والغناء والفحش والخناء ونحوها. وقد وصفهم اللَّه سبحانه بذلك، في قوله: ﴿وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ﴾[13].
نزلت أنفسهم منهم في البلاء، كالَّذى نزلت في الرّخاء: يعني أنّهم موطِّنون أنفسَهم على ما قدّره اللَّه في حقّهم من الشدّة والرخاء والسرّاء والضرّاء والضيق والسعة والمنحة والمحنة، ومحصّلُه وصفُهم بالرضاء بالقضاء.
رُوِيَ في الكافي، عن ابن سنانٍ، عمّن ذكره، عن أبي عبد اللَّه عليه السلام، قال: "قُلْتُ لَهُ: بِأَيِّ شَيْءٍ يُعْلَمُ الْمُؤْمِنُ بِأَنَّهُ مُؤْمِنٌ؟ قَالَ عليه السلام: بِالتَّسْلِيمِ لِلَّه،ِ وَالرِّضَا فِيمَا وَرَدَ عَلَيْهِ مِنْ سُرُورٍ أَوْ سَخَطٍ"[14].
لَوْلَا الأَجَلُ الَّذِي كَتَبَ اللَّه عَلَيْهِمْ، لَمْ تَسْتَقِرَّ أَرْوَاحُهُمْ فِي أَجْسَادِهِمْ طَرْفَةَ عَيْنٍ، شَوْقاً إِلَى الثَّوَابِ، وخَوْفاً مِنَ الْعِقَابِ: رُوِيَ في الكافي، عن أبي حمزة قال: قال أبو عبد اللَّه عليه السلام: "مَنْ عَرَفَ اللَّهَ، خَافَ اللَّهَ، وَمَنْ خَافَ اللَّهَ، سَخَتْ نَفْسُهُ عَنِ الدُّنْيَا"[15].
عَظُمَ الْخَالِقُ فِي أَنْفُسِهِمْ، فَصَغُرَ مَا دُونَه فِي أَعْيُنِهِمْ: علماً منهم بأنّه سبحانه موصوفٌ بالعظمة والكبرياء والجلال، غالبٌ على الأشياء كلِّها، قادرٌ قاهرٌ عليها، وأنّ كلّ من سواه مقهورٌ تحت قدرته، داخرٌ ذليلٌ في قيد عبوديّته، فهو سبحانه عظيم السلطان، عظيم الشأن، وغيره أسيرٌ في ذلِّ الإمكان، مُفتَقِرٌ إليه، لا يقدر على شيءٍ إلَّا بإذنه.
وأشار عليه السلام بهذا الوصف، إلى شدّة يقين المتّقين، وغاية توكَّلهم، وأنّ اعتصامهم في أمورهم جميعها به، وتوكّلهم عليه، وأنّهم لا يهابون معه ممّن سواه.
رُوِيَ في الكافي، عن أبي بصيرٍ، عن أبي عبد اللَّه عليه السلام، قال: "لَيْسَ شَيْءٌ إِلَّا وَلَهُ حَدٌّ. قَالَ: قُلْتُ: جُعِلْتُ فِدَاكَ! فَمَا حَدُّ التَّوَكُّلِ؟ قَالَ: الْيَقِينُ. قُلْتُ: فَمَا حَدُّ الْيَقِينِ قَالَ أَلَّا تَخَافَ مَعَ اللَّهِ شَيْئاً"[16].
ولمّا ذكر شدّة اشتياق المتّقين إلى الجنّة وخوفهم من العقاب، أتبعه بقوله: "فَهُمْ والْجَنَّةُ كَمَنْ قَدْ رَآهَا، فَهُمْ فِيهَا مُنَعَّمُونَ، وهُمْ والنَّارُ كَمَنْ قَدْ رَآهَا، فَهُمْ فِيهَا مُعَذَّبُونَ"[17]، إشارةً إلى أنّهم صاروا في مقام الرجاء والشوق إلى الثواب،
وقوّة اليقين بحقائق وعده سبحانه، بمنزلةِ مَن رأى بحسِّ بصرِه الجنّةَ وسعادتَها، فتنعّموا فيها، والتذّوا بلذائذها، وفي مقام الخوف من النار والعقاب، وكمال اليقين بحقائق وعيده تعالى، بمنزلةِ مَن شاهد النّار وشقاوتها، فتعذّبوا بعذابها، وتألَّموا بآلامها.
ومحصّله جمعهم بين مرتبتَي الخوف والرجاء، وبلوغهم فيه إلى الغاية القصوى، وهي مرتبةُ عين اليقين، كما قال عليه السلام، مخبراً عن نفسه: "لَوْ كُشِفَ الْغِطَاءُ مَا ازْدَدْتُ يَقِيناً"[18].
[1] الرضيّ، نهج البلاغة، مصدر سابق، ج2، ص160.
[2] سورة النبأ، الآية 38.
[3] حبيب الله الهاشميّ الخوئيّ، منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة، مصدر سابق، ج12، ص117.
[4] الحرّ العامليّ، وسائل الشيعة، مصدر سابق، ج12، ص193.
[5] حبيب الله الهاشميّ الخوئيّ، منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة، مصدر سابق، ج12، ص117.
[6] سورة الفرقان، الآية 67.
[7] الميرزا النوريّ، مستدرك الوسائل، مصدر سابق، ج3، ص257.
[8] الإمام الخمينيّ، روح الله الموسويّ، معراج السالكين، ص98.
[9] سورة لقمان، الآية 19.
[10] الشيخ الكلينيّ، الكافي، مصدر سابق، ج2، ص124.
[11] سورة النور، الآية 30.
[12] الشيخ الكلينيّ، الكافي، مصدر سابق، ج2، ص80.
[13] سورة المؤمنون، الآية 3.
[14] الشيخ الكلينيّ، الكافي، مصدر سابق، ج2، ص63.
[15] المصدر نفسه، ج2، ص68.
[16] العلّامة المجلسيّ، بحار الأنوار، مصدر سابق، ج67، ص 143.
[17] الرضيّ، نهج البلاغة، مصدر سابق، ج2، ص161.
[18] حبيب الله الهاشميّ الخوئيّ، منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة، مصدر سابق، ج12، ص119.
هل تشعر بآثار التقوى في حياتك؟
إن للتقوى آثارا عظيمة على الإنسان في الدنيا والآخرة، وسنشير هنا إلى بعض الآثار الدنيوية:
التيسير والتسهيل
إن الحياة في المساحة التي تدخل ضمن حدود اللّه حياة مباركة، كثيرة البركات، ميسّرة بعيدة عن التعقيدات، وعكس ذلك العيش خارج حدود التقوى، فهو مقرون بالعسر والضنك والشدة والتعقيد.
وقد قسّم اللّه تعالى للناس من الرحمة والبركة والفرج والتيسير والتسهيل في دائرة التقوى، وضمن حدود اللّه ما لا يرزقه احدا خارج هذه المساحة.
وإليك بعض الشواهد على ذلك من كتاب اللّه: يقول تعالى: ﴿ولوْ أنّ أهْل الْقُرى آمنُواْ واتّقواْ لفتحْنا عليْهِم بركاتٍ مِّن السّماء والأرْضِ ولكِن كذّبُواْ فأخذْناهُم بِما كانُواْ يكْسِبُون﴾([1]).
ويرزقهم بالتقوى من حيث لا يحتسبون. يقول تعالى: ﴿ويرْزُقْهُ مِنْ حيْثُ لا يحْتسِبُ﴾([2]).
ويجعل اللّه تعالى لهم من أمرهم يسرا كلما واجهوا في حياتهم عسرا وشدّة. يقول تعالى: ﴿ومن يتّقِ اللّه يجْعل لّهُ مِنْ أمْرِهِ يُسْرا﴾([3]).
د ـ ويجعل اللّه تعالى للناس في حياتهم بالتقوى فرجا من كل ضيق، ومهما ضاقت عليهم مسالك الحياة فرّجها اللّه تعالى لهم بالتقوى. يقول تعالى: ﴿ومن يتّقِ اللّه يجْعل لّهُ مخْرجا﴾([4]).
الأمن والسلام بين الناس
إن منطقة التقوى هي منطقة أمينة ينعم فيها الإنسان بالأمن والسلام في الدنيا والآخرة، الأمن الاجتماعي والسياسي والاقتصادي في الدنيا يقوم غالبا على نوع العلاقة فيما بين الناس، فإذا كانت هذه العلاقة قائمة على أساس العدل والإنصاف والتقوى والتزام حدود اللّه، فإن الناس ينعمون في هذه المساحة بالأمن والسلام لا محالة.
عن رسول اللّه صلى الله عليه وآله: "المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يخذله ولا يخونه"([5]).
إذن هذه المنطقة في حياة الناس منطقة أمينة حصينة، إذا دخلها الناس أمن بعضهم من بعض، وسلم بعضهم من بعض، ففي هذه المنطقة كل المسلم على المسلم حرام دمه وعرضه وماله. وفي هذه المنطقة يأمن المسلم على نفسه من الغش والغدر والخيانة والكذب من ناحية أخيه المسلم، عن الإمام الصادق عليه السلام:" المسلم من سلم الناس من يده ولسانه"([6]).
وفي الخلاصة، يفترض الكثيرون أن التقوى من الوقاية، والوقاية تعني الحذر والاحتراز والبعد والاجتناب، فهي إذن سيرة عملية سلبية، وكلما كان الحذر أكثر كانت التقوى أكمل!
([1]) الأعراف، 96.
([2]) الطلاق: 3.
([3]) الطلاق: 4.
([4]) الطلاق: 2.
([5]) المجلسي- محمد باقر- بحار الأنوار- مؤسسة الوفاء، الطبعة الثانية المصححة -ج71، ص256.
([6]) ميزان الحكمة، ج2، ص 1340.
منطق الحرية في الإسلام
في الإسلام، المبنى الأساسيّ للإنسان هو التوحيد. بالطبع، لقد ذكر الأعزّاء بعض الموارد الأخرى أيضًا - وهي أيضًا صحيحة، لكنّ النقطة المركزية هي التوحيد. والتوحيد ليس منحصرًا بالاعتقاد بالله، بل هو عبارة عن الاعتقاد بالله والكفر بالطاغوت، والعبودية لله وعدم العبودية لغير الله، حيث يقول تعالى: ﴿تَعَالَواْ إِلَىٰ كَلِمَة سَوَاءِ بَينَنَا وَبَينَكُم أَلَّا نَعبُدَ إِلَّا ٱللَّهَ وَلَا نُشرِكَ بِهِۦ﴾[1]؛ لا يقول ولا نشرك به أحدًا. بالطبع، هناك موردٌ جاء فيه كلمة أحدًا، لكنّه هنا بمعنىً أعمّ، حيث يقول لا نشرك به شيئًا، فلا نجعل أيّ شيء شريكًا لله، أي إنّكم إذا اتّبعتم العادات دون دليل فهذا خلاف التوحيد، وإذا اتّبعتم البشر يكون كذلك، وهكذا في مورد الأنظمة الاجتماعيّة - فكل ما لا ينتهي إلى الإرادة الإلهية - يكون في الواقع شركًا بالله. والتوحيد هو عبارة عن الإعراض عن هذا الشرك: ﴿فَمَن يَكفُر بِٱلطَّٰغُوتِ وَيُؤمِن بِٱللَّهِ فَقَدِ ٱستَمسَكَ بِٱلعُروَةِ ٱلوُثقَىٰ﴾[2]، فيوجد الكفر بالطاغوت وبعده الإيمان بالله. حسنًا، هذا معناه تلك الحريّة، فأنتم أحرارٌ من جميع القيود، غير العبودية لله.
أنا العبد، وقبل سنوات في صلاة الجمعة في طهران، تحدّثتُ عن بحث الحريّة في عشر أو خمس عشرة جلسة، وقد أشرت هناك إلى مسألة وقلت: "نحن في الإسلام نعدّ أنفسنا عبيدًا لله، لكن في بعض الأديان الناس هم أبناء الله. قلت ذاك مجاملة، إنّهم أبناء الله وعبيدٌ لآلاف البشر، عبيدٌ لآلاف الأشياء والأشخاص! الإسلام لا يقول هذا، بل يقول كن ابنًا لمن تشاء، ولكن كن عبدًا لله فقط. لا ينبغي أن تكون عبدًا لغير الله. فأساس المعارف الإسلاميّة في مورد الحرية ناظرٌ إلى هذه النقطة".
هذه اللّماظة لأهلها
ذاك الحديث المنقول عن أمير المؤمنين، وبالظاهر عن الإمام السجّاد عليه السلام، يقول: "ألا حرٌّ يدع هذه اللُّماظة لأهلها"[3]، هذه هي الحريّة ـ ألا يوجد حرٌّ يترك هذا المتاع الحقير. اللُماظة هي سوائل الأنف أو تلك الّتي تخرج من فم الحيوان الوضيع، ليتركها لأهلها؟ إلى هنا لا يُفهم شيء. من الواضح أنّ الحرّ هو الّذي يترك هذا الأمر لأهله ولا يسعى نحوه. فيقول بعد ذلك: "فليس لأنفسكم ثمنٌ إلّا الجنة فلا تبيعوها بغيرها"[4]. من المعلوم أنّهم يريدون أن يجعلوا لتلك اللّماظة قيمة وثمنًا، أي إنّهم كانوا يقدّمون تلك اللُّماظة ليبادلوا بها أنفسهم ووجودهم وهويّتهم وشخصيّتهم، فالقضيّة أنّ هناك معاملة تجري وهو ينهى عنها. فإذا أردتم أن تقوموا بهذه المعاملة، فلماذا تبيعون أنفسكم لقاء هذه اللُّماظة؟ بل اجعلوا ذلك فقط مقابل الجنّة والعبوديّة لله. لهذا، فإنّ النقطة المركزيّة هي هذه. بالطبع، توجد نقطة مركزية أخرى هي عبارة عن الكرامة الإنسانيّة، والّتي تشير إليها "وليس لأنفسكم ثمن إلّا الجنّة"، حيث ندخل الآن في هذا البحث.
[1] سورة آل عمران، الآية 64.
[2] سورة البقرة، الآية 256.
[3] الشريف الرضي، نهج البلاغة خطب الإمام علي عليه السلام، تحقيق صبحي الصالح، ط1، 1967م، ص556.
[4] نهج البلاغة، ص556.
هل لترك الصلاة عواقب كبيرة؟
ترك الصّلاة من الذّنوب التي جاء الوعيد عليها بالعذاب في القرآن المجيد، كما في سورة المدثر: ﴿فِي جَنَّاتٍ يَتَسَاءلُونَ * عَنِ الْمُجْرِمِينَ * مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ * قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ * وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ * وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ * وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ﴾[1]، ويقول الله في سورة القيامة: ﴿فَلَا صَدَّقَ وَلَا صَلَّى * وَلَكِن كَذَّبَ وَتَوَلَّى * ثُمَّ ذَهَبَ إِلَى أَهْلِهِ يَتَمَطَّى * أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى * ثُمَّ أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى﴾[2]، روى السيد عبد العظيم بن عبد الله الحسني قال: سألت محمد بن علي الرضا عليهما السلام عن قول الله عزّ وجلّ: ﴿أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى * ثُمَّ أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى﴾ قال: يقول الله عزّ وجلّ: "بعداً لك من خير الدنيا، وبعداً لك من خير الاخرة"[3]، "وأنت إذا تأمّلت حال بعض من تسمّى بالإسلام من الناس، وهو تارك الصلاة وجدته يضيع بإضاعة الصلاة فريضة الصوم والحج، والزكاة والخمس، وعامة الواجبات الدينية، ولا يفرق بين طاهر ونجس، وحلال وحرام، فيذهب لوجهه لا يلوي على شيء، ثم إذا قست إليه حال من يأتي بأدنى مراتب الصلاة ممّا يسقط به التكليف، وجدته مرتدعاً عن كثير ممّا يقترفه تارك الصلاة غير مكترث به، ثم إذا قست إليه من هو فوقه في الاهتمام بأمر الصلاة وجدته أكثر ارتداعاً منه وعلى هذا القياس[4].
خمس عشرة خصلة
روى السيد علي ابن طاووس الحسني بثلاثة أسانيد[5] حديثاً جامعاً أنّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم عدّد في جوابه على سؤال مولاتنا الطهر البتول فاطمة عليها السلام عن عاقبة تارك الصلاة، والآثار الناجمة عن ذلك فقال صلى الله عليه وآله وسلم: "من تهاون بصلاته من الرجال والنساء ابتلاه الله بخمس عشرة خصلة، ستّ منها في دار الدنيا، وثلاث عند موته، وثلاث في قبره، وثلاث يوم القيامة إذا خرج من قبره.
فأمّا اللواتي تُصيبه في دار الدنيا: فالأولى يرفع الله البركة من عمره ويرفع الله البركة من رزقه، ويمحو الله عزّ وجلّ سيماء الصالحين من وجهه، وكلّ عمل يعمله لا يؤجر عليه، ولا يرتفع دعاؤه إلى السماء، والسادسة ليس له حظّ في دعاء الصالحين.
وأمّا اللّواتي تُصيبه عند موته: فأولهنّ أن يموت ذليلاً، والثانية يموت جائعاً، والثالثة يموت عطشاناً، فلو سُقي من أنهار الدنيا لم يرو عطشه، وأمّا اللّواتي تُصيبه في قبره: فأولهنّ يُوكِل الله به ملكاً يُزعجه في قبره، والثانية يُضيّق عليه قبره، والثالثة تكون الظلمة في قبره، وأمّا اللّواتي تُصيبه يوم القيامة إذا خرج من قبره: فأوّلهنّ أن يُوكِل الله به ملكاً يسحبه على وجهه والخلائق ينظرون إليه، والثانية يُحاسبه حساباً شديداً، والثالثة لا ينظر الله إليه، ولا يُزكّيه وله عذاب اليم"[6].
[1] سورة المدثر، الآيات 40 - 46.
[2] سورة القيامة، الآية 31.
[3] الشيخ الصدوق، عيون أخبار الرضا عليه السلام، ج2 ص 54، باب 31.
[4] المفسر العلامة السيد محمد حسين الطباطبائي، تفسير الميزان، تفسير سورة العنكبوت، الآيات 41 - 55.
[5] وقد حذف السيد ابن طاووس أسانيدها في فلاح السائل لأنّ له منهجاً معيناً في الرواية ذكره في مقدّمة كتابه.
[6] المجلسي، بحار الأنوار، ج 80، ص 21، عن فلاح السائل.
هل الإخلاص هو غاية الإيمان؟
أفضل امرأة
كانت فاطمة الزهراء عليها الصلاة والسلام هي الفضلى من بين نساء العالم بأجمعهن من الأولين والآخرين، وذلك في كل المراحل الحياتية وغيرها، وفي جميع ما يرتبط بها بنتاً، وزوجة، وأمّا.
أم أبيها
كانت عليها السلام تساعد أباها الرسول صلى الله عليه وآله في أيام المحنة ـ ولا يخفى أن كل أيام الرسول صلى الله عليه وآله بعد البعثة محن ـ في مكة وفي المدينة وفي الشعب وإلى أن التحق صلى الله عليه وآله بالرفيق الأعلى، وقد قال صلى الله عليه وآله: "ما أوذي نبي مثل ما أوذيت" 1.
فكانت فاطمة عليها الصلاة والسلام أم أبيها، يعني كانت له كالأم الحنون لأولادها حيث إنّها تقوم بشؤون الأولاد خير قيام، فإن والدة الرسول آمنة عليها السلام توفّيت منذ صغره صلى الله عليه وآله، فكانت فاطمة الزهراء عليها السلام بمنزلة الأم له صلى الله عليه وآله، ولذا كنيت بأم أبيها.
خير زوجة
وكذلك كانت عليها السلام خير زوجة لأمير المؤمنين علي عليه السلام، فقد قالت عليها السلام في كلمة لها وهي الصادقة المصدقة ـ وقد صدقها أمير المؤمنين علي عليه الصلاة والسلام: "يا بن عم ما عهدتني كاذبة ولا خائنة ولا خالفتك منذ عاشرتني، فقال علي …: معاذ الله أنتِ اعلم بالله وأبرّ واتقى وأكرم وأشد خوفاً من الله أن أوبخك غداً بمخالفتي" 2.
نعم إن رسول الله صلى الله عليه وآله ربّى فاطمة الزهراء عليها السلام أفضل تربية صالحة حتى لم تكذب في حياتها ولا مرّة واحدة، قبل زواجها أو بعده، لأن فاطمة الزهراء عليها السلام معصومة، ولا يحصر عدم كذبها وعدم خيانتها بحال الزواج ولم تحصرها في ذلك، بل قالت: فما عهدتني يعني منذ ان أدركت أنت يا علي وعرفتني، ما عهدت مني كذبة واحدة، ولا خيانة واحدة، حتى خيانة في شيء قليل من المال، أو في نظرة إلى من هو غير محرم أو ما أشبه، مما يشمله لفظ الخيانة، وحاشا لبنت رسول الله صلى الله عليه وآله ذلك.
خير أم
وكذلك كانت فاطمة الزهراء عليها السلام لأطفالها: الحسن والحسين وزينب وأم كلثوم عليهم السلام خير أم، فكانت تقوم بشؤونهم، وتغذيهم بالفضيلة والتقوى، وتربيهم بأحسن ما يكون، وقد ورد: إنها كانت تحثهم على إحيائهم ليالي الجُمع من أول الليل إلى الصباح، وكذلك ليالي القدر، فكانت عليها الصلاة والسلام تأمرهم بالنوم نهاراً حتى يتمكنوا من إحياء الليل، وبمثل هذه التربية الرفيعة ربت الزهراء عليها السلام أولادها، فكانت خير أم عرفتها البشرية جمعاء.
وقد ورد: إن الإمام الحسن عليه الصلاة والسلام عندما كان يرجع من مسجد جده رسول الله صلى الله عليه وآله، وكان طفلاً صغيراً، كانت فاطمة الزهراء عليها السلام تستفسره عن كلام الرسول صلى الله عليه وآله وخطبته في المسجد.
وكانت تربي ابنتها العقيلة زينب خير تربية وتعلمها على الصبر، وتبين لها مواقفها المستقبلية، وقد قالت لزينب عليها الصلاة والسلام: إذا أدركت يوم كربلاء فقبّلي عنّي نحر الحسين عليه الصلاة والسلام ساعة يأتي للوداع الأخير..
فكانت تهيأ هؤلاء الأولاد الميامين عليهم السلام لمختلف ميادين العبادة والجهاد والفضيلة والتقوى، إلى جنب تهيئتها لهم ما يحتاجه كل طفل جسمياً وعاطفياً وغير ذلك.
وكانت عليها السلام تقوي روحهم المباركة، كما تعتني بخدمتهم الجسدية من غسل وكنس وطبخ ونسج وغير ذلك.
1 - كشف الغمة: ج2 ص537.
2 - روضة الواعظين: ص151.
ما هو الهدف من خلق الإنسان؟
هناك أسئلة تُطرح تلقائياً حول سرّ هذه الأهمية المعطاة للعبودية وعن سبب كونها تشريفاً لا ينال شرفها إلا الكمّل من أولياء الله تعالى والذين ارتضى من عباده المخلصين.
فلماذا العبودية لله وحده؟ ولماذا يجب أن تندكّ إرادة الإنسان وتذوب في إرادة الله؟
ولماذا يجب أن تتطابق إرادة الإنسان وسلوكه وأفعاله ومختلف توجّهاته مع هذه الإرادة الإلهية، ودونما تمرّدٍ أو اعتراض...؟
لا بد لنا من أن نستهدي بنور القرآن الكريم للإجابة عن هذه الأسئلة حيث تشير الآيات الشريفة: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ * مَا أُرِيدُ مِنْهُم مِّن رِّزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَن يُطْعِمُونِ * إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ﴾[1] إلى جانبٍ مهمٍ من هذا السرّ فجعل الهدف من خلق الإنسان عبادته عزّ وجلّ. وليس ذلك لأنّ الله عزّ وجلّ يحتاج إلى عبادتنا من صلاة ودعاء وقراءة للقرآن، فهو غنيّ عنها كما ذكرنا، وإنّما أُمرنا بهذه الأعمال العباديّة لما فيه خيرنا وللوصول إلى السعادة الحقيقيّة. وقد ذكرنا سابقاً أن هذه الأعمال العبادية إنما تؤدّي إلى العبودية وإلى صيرورة الإنسان عبداً حقيقيّاً لله عز وجلّ.
ونقرأ في آيةٍ أخرى: ﴿الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا﴾[2]. فوجودنا في هذا العالم وتفضُّل الله علينا بنعمة الحياة هما ابتلاءٌ وامتحان. وإنّ الذي يبدو من هذه الآية أنّ الله تعالى خلق الإنسان وأحياه ثمّ أماته لأجل الابتلاء والامتحان. والامتحان يكون من خلال الأعمال: ﴿أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا﴾.
وأفضل الأعمال المقرّبة إلى الله سبحانه وتعالى هي العبادة التي أمرنا بها وفرضها علينا، كما في الحديث المروي عن الإمام الصادق عليه السلام: "قال الله تبارك وتعالى ما تحبّب إليّ عبدي بأحبّ ممّا افترضت عليه"[3]. وتفصيله ما رُوي عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: "قال الله عزّ وجلّ، من أهان لي وليّاً فقد أرصد لمُحارَبتي، وما تقرّب إليّ عبد بشيء أحبّ إليّ ممّا افترضت عليه، وإنّه ليتقرّب إليّ بالنّافلة حتّى أُحِبَّه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يُبصِر به، ولسانه الّذي ينطق به ويده الّتي يَبطِش بها، إن دعاني أجبته، وإن سألني أعطيته..."[4].
فهذا الحديث يُشير إلى هذه الحقيقة بشكلٍ واضح، وهي أنّ الله خلق الناس لهدف تكامليّ هيّأ له جميع وسائله التكوينيّة والتشريعيّة وجعلها في متناول الإنسان واختياره بشكلٍ ميسّرٍ.
وهكذا يتّضح أنّنا خُلقنا لعبادة الله الّتي تُربّي الناس وتهديهم فينالون مقام العبودية المطلقة لله تعالى، كما نقرأ في حديثٍ عن الإمام الصادق عليه السلام أنّ الإمام الحسين خطب أصحابه فقال: "إنّ الله عزّ وجلّ ما خلق العباد إلا ليعرفوه فإذا عرفوه عبدوه فإذا عبدوه استغنوا بعبادته عن عبادة من سواه"[5].
[1] سورة الذاريات، الآية 56 – 58.
[2] سورة الملك، الآية 2.
[3] الشيخ الكليني، الكافي، ج2، ص82.
[4] م. ن، ص352.
[5] العلّامة المجلسي، بحار الأنوار، ج5، ص312.
ما هي آثار ذكر الله على المؤمن؟
1- قلوب الذاكرين هي دوماً مطمئنة، لأنّها تحيا بذكر الله تبارك وتعالى ولا تخلو منه، قال تعالى: ﴿الّذِين آمنُواْ وتطْمئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللهِ ألا بِذِكْرِ اللهِ تطْمئِنُّ الْقُلُوبُ﴾([1]).
جاء في دعاء للإمام زين العابدين عليه السلام: "إلهي بك هامت القلوب الوالهة، وعلى معرفتك جُمعت العقول المتباينة، فلا تطمئن القلوب إلا بذكراك، ولا تسكن النفوس إلا عند رؤياك"([2]).
2- يعيش الذاكرون لذّة الذكر الإلهيّ وعشقه ومحبّته.. فهنيئاً لمن ينال هذا الأثر العظيم، قال الإمام عليّ عليه السلام: "الذكر لذّة المحبّين"([3])، وعنه عليه السلام: "ذكر الله مسرّة كلِّ متّقٍ ولذّة كلِّ موقن"([4]). وعنه عليه السلام: "الذكر مفتاح الأنس"([5]).
وقد أوضح الأمير عليه السلام هذا الأثر بشكل عمليّ حينما قال: "إذا رأيت الله يؤنسك بذكره فقد أحبّك، إذا رأيت الله يؤنسك بخلقه ويوحشك من ذكره فقد أبغضك"([6]).
وعنه عليه السلام: "يقول الله عزّ وجلّ: إذا كان الغالب على العبد الاشتغال بي، جعلت بغيته ولذّته في ذكري، فإذا جعلت بغيته ولذّته في ذكري عشقني وعشقته، فإذا عشقني وعشقته رفعت الحجاب فيما بيني وبينه، وصيّرت ذلك تغالباً عليه، لا يسهو إذا سها الناس، أولئك كلامهم كلام الأنبياء، أولئك الأبطال حقّاً"([7]).
3 - إنّ في ذكر الله تعالى صلاح الروح والقلب وشفاءهما من مرض الذنوب والآثام، فضلاً عن تحسين السلوك والأفعال، قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "ذكر الله شفاء القلوب"([8])، وفي دعاء كميل: "يا من اسمه دواء وذكره شفاء".
وقال الإمام عليّ عليه السلام: "من عمّر قلبه بدوام الذكر حسنت أفعاله في السرّ والجهر"([9]).
وعنه عليه السلام: "أصل صلاح القلب اشتغاله بذكر الله"([10]).
وأيضاً عنه عليه السلام: "مداومة الذكر قوت الأرواح ومفتاح الصلاح"([11]). بل من الآثار المباركة لذكر الله تعالى حياة القلوب ونورها، فعن الإمام عليّ عليه السلام: "في الذكر حياة القلوب"([12])، وعنه عليه السلام: "عليك بذكر الله، فإنّه نور القلوب"([13]).
4 - إنّ في ذكر الله تبارك وتعالى هداية العقول وتبصرتها نحو طريق الحقّ، قال أمير المؤمنين عليه السلام: "الذكر جلاء البصائر ونور السرائر"([14])، وعنه عليه السلام: "الذكر هداية العقول وتبصرة النفوس"([15]).
5- وبذكر الله سبحانه تُستنزل الرحمة الإلهية وتُفتح أبواب البركات، قال أبو الحسنين عليه السلام: "الذكر يؤنس اللبّ ويُنير القلب ويستنزل الرحمة"([16]).
6- وذكر الله مطردة للشيطان كما قال أمير المؤمنين عليه السلام: "ذكر الله مطردة الشيطان"([17]).
وعن الإمام زين العابدين عليه السلام - في الدعاء -: "وجعلت لنا عدوّاً يُكيدنا... فاقهر سلطانه عنّا بسلطانك، حتى تحبسه عنّا بكثرة الدعاء لك، فنُصبح من كيده في المعصومين بك"([18]).
7- الذكر أمانٌ من النفاق والخداع، قال تعالى: ﴿إِنّ الْمُنافِقِين يُخادِعُون الله وهُو خادِعُهُمْ وإِذا قامُواْ إِلى الصّلاةِ قامُواْ كُسالى يُرآؤُون النّاس ولا يذْكُرُون الله إِلاّ قلِيلاً﴾([19]). وعن الإمام عليّ عليه السلام: "من أكثر ذكر الله فقد برئ من النفاق"([20]).
8- الذاكر لله تعالى لا يموت عطشان، فعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: "كلُّ أحد يموت عطشان إلا ذاكر الله"([21]).
إذاً هي كلمات صغيرة تُردّدها أيّها الإنسان العزيز، وتعيش معها بقلبك ووجدانك، فتنتقل من عالمٍ البعد والوحشة إلى عالم القرب والمؤانسة، هو الذي وعد وهو أصدق من يوفي، هو الذي قال اذكروني، وهو الذي وعد بأن يذكرنا، وعندما يطلب الله سبحانه من عباده أن يذكروه، فهو يُحبّ أن يسمع صوتنا، ويرى ضمائرنا مقبلة إليه، فهو يُحبّ هذه المجالس، وهو يُحبّ أصحابها، هي مجالس الذكر لا الغفلة، ومجالس العلم لا الجهل، ومجالس القرب لا البعد، هي مجالس الحديث مع الله، فعن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم أنّه قال: "يا ربّ وددت أنّي أعلم من تُحبّ من عبادك فأُحبّه، فقال: إذا رأيت عبدي يُكثر ذكري، فأنا أذنت له في ذلك، وأنا أُحبّه، وإذا رأيت عبدي لا يذكرني، فأنا حجبته، وأنا أُبغضه"([22]).
([1]) الرعد:28.
([2]) الصحيفة السجّاديّة، ص419.
([3]) غرر الحكم، ح 3649.
([4]) م. ن، ح 3653.
([5]) م. ن، 3648.
([6]) ميزان الحكمة، الريشهري، ج2، ص970.
([7]) م. ن، ج2، ص972.
([8]) م. ن، ص970.
([9]) م. ن، ص969.
([10]) غرر الحكم، ح 368.
([11]) ميزان الحكمة، الريشهري، ح2، ص969.
([12]) غرر الحكم، ح 3643.
([13]) م. ن، ح 3642.
([14]) ميزان الحكمة، الريشهري، ج2، ص970.
([15]) ميزان الحكمة، ج2، ص970.
([16]) م. ن.
([17]) غرر الحكم، ح 3614.
([18]) الصحيفة السجادية، الدعاء 25.
([19]) النساء:142.
([20]) ميزان الحكمة، ج2، ص971.
([21]) بحار الأنوار، العلّامة المجلسيّ، ج78، ص240.
([22]) مستدرك الوسائل، الميرزا النوري، ج 5، ص 293.
ما هي أهم أسباب الخشوع؟
إن الخشوع ما هو إلا ثمرة لصلاح القلب واستقامة الجوارح، ولا يحصل ذلك إلا بمعرفة الله جل وعلا، والإيمان به وبملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، ومعرفة أمره والعمل به، ومعرفة نهيه واجتنابه، ثم اقتران ذلك كله بالإخلاص. لذلك فإن مرد أسباب الخشوع كلها إلى هذه الأمور.
1- معرفة الله:
وهي أهم الأسباب وأعظمها، وبها ينور القلب ويتقد الفكر وتستقيم الجوارح فالعلم اليقين بلا إله إلا الله، يثمر في القلب طاعة الله وتوقيره والذل والانكسار له في كل اللحظات، ويعلّم المؤمن الحياء من الله لإيقانه بوجوده ومعيته وقربه وسمعه وبصره. قال تعالى: "وهُو معكُمْ أيْن ما كُنتُمْ واللّهُ بِما تعْملُون بصِيرٌ"([1]).
2- تعظيم قدر الصلاة والاستعداد لها:
وإنما يحصل تعظيم قدرها، إذا عظم المسلم قدر ربه وجلال وجهه وعظيم سلطانه، واستحضر في قلبه وفكره إقبال الله عليه وهو في الصلاة، فعلم بذلك أنه واقف بين يدي الله، وقد كان الإمام علي بن الحسين السجاد عليه السلام إذا توضأ اصفر لونه فيقول له أهله: ما هذا الذي يعتريك عند الوضوء؟ فيقول: "أتدرون بين يدي من أقوم؟"([2]).
وليس من شك أن الاهتمام من عوامل الانتباه، وكلما يكون اهتمام الإنسان بأمر أكثر يكون انتباهه إليه أكثر وهذه قضية واضحة، فإن الإنسان إذا واجه أمرين وكان اهتمامه إلى أحدهما أعظم من الآخر انصرف إليه بقلبه.
وإنما ينصرف الناس عن صلاتهم الى ما يهمهم من أمور دنياهم لأن اهتمامهم بها أعظم من اهتمامهم بالصلاة، إذن الخلفية النفسية لمسألة حضور القلب في الصلاة هي قضية الاهتمامات، وما لم يحول الإنسان اهتماماته من "الأنا" إلى "اللّه" ومن "الدنيا" إلى "الآخرة"... لا يتمكن من أن يؤدي الصلاة أداء حسنا، بالإقبال والذكر والانشداد.
3- تفريغ القلب:
إن قلب الإنسان إناء واحد، لا يجتمع فيه أمران متضادان، يقول تعالى: "مّا جعل اللّهُ لِرجُلٍ مِّن قلْبيْنِ فِي جوْفِهِ". فإذا كان قلب الإنسان مشغولا بشواغل الدنيا، فلا يستطيع أن ينصرف الى ذكر اللّه تعالى، وتبقى هذه الشواغل تلاحقه، وتطارده، حتى في صلاته، وهذه الشواغل على نحوين:
شواغل خارجية، وأخرى داخل النفس، والثانية أشق من الأولى.
أما الشواغل الخارجية فهي ما تحيط الإنسان وتشغل باله، مثل زخرفة مكان المصلّي ونقوش الفرش الذي يصلّي عليه الإنسان.
وأهم من الشواغل الخارجية الشواغل الداخلية في النفس، وهي الاهتمامات التي تشغل المصلي عن صلاته وذكره، وتشتت باله، وترهقه بالطمع والحسد والجشع وطول الأمل.
4- منهج الخطاب
عندما ننظر في كتاب أو نستمع إلى محاضرة قد نصاب بشرود الذهن، وكذلك الأمر عندما نقرأ كتابا بصوت مسموع. ولكن عندما نخاطب أحدا أونتلقى خطابا من احد بالمواجهة لا نصاب بالشرود، ففي حالة الخطاب ينشد الإنسان إلى "المخاطب" (بالفتح والكسر)، بسبب عامل الخطاب. إذن "الخطاب" من أهم عوامل الانشداد.
فإذا استشعر المؤمن خطاب اللّه تعالى له في القرآن، وخطابه له تعالى في "الصلاة" و"الدعاء" لم يصرفه عنه شيء، ولا يجد أمرا ألذّ إلى قلبه وعقله منه.
5- تدبر القرآن في الصلاة:
إن تدبر القرآن من أعظم أسباب الخشوع في الصلاة، وذلك لما تشتمل عليه الآيات من الوعد والوعيد وأحوال الموت ويوم القيامة وأحوال أهل الجنة والنار وأخبار الأنبياء الرسل وما ابتلوا به من قومهم وكل هذه القضايا تسبح بخلدك فتهيج في قلبك نور الإيمان وصدق التوكل وتزيدك خشوعا على خشوع وكيف لا وقد قال الله جل وعلا: "لوْ أنزلْنا هذا الْقُرْآن على جبلٍ لّرأيْتهُ خاشِعا مُّتصدِّعا مِّنْ خشْيةِ اللّهِ وتِلْك الْأمْثالُ نضْرِبُها لِلنّاسِ لعلّهُمْ يتفكّرُون"([3]).
([1]) الحديد:4.
([2]) المجلسي- محمد باقر- بحار الأنوار- مؤسسة الوفاء، الطبعة الثانية المصححة- ج77 ص347.
([3]) الحشر:21.