
emamian
ما سبب ظهور "الذباب" أمام العينين؟
ماذا نعرف عن "الذباب" الذي يظهر أمام العينين عادة عند تغيير وضعية الجسم بصورة فجائية؟
يرى المصاب مجموعة من البقع أو النقاط أو الخيوط المتحرّكة (أحياناً على شكل شبكة العنكبوت) تطفو في حقل الرؤية لديه. من خصائصها المميّزة أنها تتحرّك مع حركة العينين وتبدو وكأنها تهرب عندما نحاول النظر إليها مباشرة. عادةً لا تتحرّك بدقّة مع حركة العينين، وعندما نثبّت النظر نراها تتحرّك ببطء من دون اتباع مسار محدّد.
حالة عوائم العين شائعة، وإن معظم الناس يألفونها ويتجاهلون بذلك ظهورها. وعادة يتمّ إدراكها بتركيز أكبر عندما نثبّت النظر على سطح مضاءٍ بتجانسٍ، وذي إنارة مركّزة في الخلفية (كما الحال عند النظر إلى شاشة الكمبيوتر، أو القراءة في كتاب، أو حتى عند النظر إلى السماء في يومٍ صحوٍ).
وتشير الدكتورة أولغا كالميكوفا أخصائية طب الأعصاب إلى أن هذا "الذباب" يظهر أمام العينين عادة عند تغيير وضعية الجسم بصورة فجائية أو عندما يحمل الشخص ثقلاً معيّناً. وعموماً في معظم الحالات ظهور هذه البقع الداكنة يشير إلى ارتفاع مستوى ضغط الدم، ولكن هناك أسباب أخرى لظهورها.
وتقول: "غالباً ما تظهر هذه البقع على خلفية ارتفاع مستوى ضغط الدم، عندما تتعرّض أوعية الدماغ للتشنّج أو فرط التوتر. إضافة إلى ذلك، يمكن أن يكون سببها انخفاض مستوى ضغط الدم، أو انخفاض ضغط الدم الشرياني، وأمراض العيون، وفقر الدم. ويمكن أن تكون مظهراً من مظاهر الصداع النصفي أو مرض السكري".
ووفقاً لها يجب مراجعة الطبيب في حالة تكرّر ظهور هذه البقع أمام العينين أكثر من 3 - 4 مرات في الشهر.
وتقول في حديث لراديو "سبوتنيك": "إذا تكرّر ظهور هذه البقع أكثر من 3 - 4 مرات في الشهر، فيجب استشارة الطبيب المعالج، وإجراء اختبارات الدم السريرية والكيميائية الحيوية، وفحص مستوى السكر في الدم، وإجراء اختبار الهيموغلوبين السكري، إضافة إلى فحص الأوعية الدموية العضدية الرأسية بالموجات فوق الصوتية. ومن الأفضل أيضاً إجراء تخطيط للقلب".
ووفقاً لها، على ضوء نتائج هذه الاختبارات قد يتطلّب الأمر مراجعة طبيب القلب أو طبيب العيون وحتى طبيب الأعصاب.
كلمة الإمام الخامنئيّ (دام ظلّه) في لقاء جمعٍ من مدّاحي أهل البيت (عليهم السلام)
بسم الله الرّحمن الرّحيم
والحمد لله ربّ العالمين، والصلاة والسلام على سيّدنا ونبيّنا، أبي القاسم المصطفى محمّد، وعلى آله الأطيبين الأطهرين المنتجبين، [ولا] سيّما بقيّة الله في الأرضين[1].
يبدو لي أنّ الجلسة كافيةٌ إلى هنا[2]. لقد استفدنا فعلاً إلى أقصى حد من الشعر والمعاني والمدح واللحن وكل شيء. أولاً أبارك بالعيد السعيد لولادة الصدّيقة الطاهرة (سلام الله عليها) وأقسم على الله بحرمة فاطمة الزهراء (سلام الله عليها) أن يزيدنا معرفةً بهذه السيدة الجليلة يوماً بعد يوم. وأبارك أيضاً بولادة ابنها الإمام الخميني (قده) الذي خاض طريق الجهاد الفاطمي بصورة جيدة ومضى فيه. اليوم أيضاً هو ذكرى استشهاد حبيبنا الحاج قاسم سليماني. نسأل الله المتعالي أن ينزل التفضّلات التي أنعم بها على أهل بيت النبي (صلى الله عليه وآله) على روح هذا العزيز المقتدي الحقيقي بأهل بيت النبي (صلى الله عليه وآله)، وأن يلحقنا به وأن يشملنا بشفاعته.
أعددت موضوعاً عن قضية «جهاد التبيين». لماذا؟ لأنّ هذه الجلسة مؤلّفة من أشخاص في وسعهم أن يكونوا روّاد «جهاد التبيين». إنّ جلسة مدّاحي أهل البيت ومعظمّي مدرسة أهل البيت (عليهم السلام) لهي جلسة كلام التبيين الجهادي. هذا هو موضوعي اليوم، وذلك بقدر ما استطعنا وسنح الوقت.
من بين السمات المميزة والبارزة لفاطمة الزهراء (سلام الله عليها) يبدو «جهاد التبيين» من هذه السمات المميزة جداً لفاطمة الزهراء. لقد أوردت خطبتين مميزتين ومعروفتين إحداهما خطبتها المعروفة: «الحَمدُ لِلَّهِ عَلىٰ ما أَنْعَمَ، وَلَهُ الشُّكرُ عَلىٰ ما أَلْهَم»[3] في جمع الصحابة، وقد قيل عن هذه الخطبة إنّها في مستوى أفضل الخطب لنهج البلاغة. هكذا قال من هم أهل البلاغة والفهم؛ إنّها زاخرة بالمعارف والحقائق. الأخرى أيضاً خطبتها تلك في نساء المهاجرين والأنصار: «أَصبَحتُ وَاللَهِ عائِفَةً لِدُنیاكُم قالِیَةً لِرِجالِكُم»[4] أو «عائِفَةً لِدُنیاكُنَّ قَالِیَةً لِرِجالِكُنَّ»[5]. هاتان الخطبتان هما «جهاد تبيين» فاطمة الزهراء (سلام الله عليها) في المدّة القصيرة بعد ارتحال الرسول (صلى الله عليه وآله).
ذكر المرحوم المجلسي (رضوان الله عليه) لتلك الخطبة التي أورَدَتْها في جمع الصحابة طرقاً متعدّدة وأسانيد مختلفة، وذكر آخرون غيره أيضاً أسانيد معتدّاً بها ومهمّة. ينقل ابن أبي الحديد هذه الخطبة ويقول: لا أنقل هذه من كتب الشيعة وعلمائهم إنّما أهل السنّة[6]. ويذكر عمّن ينقل هذه الخطبة أنّه ثقة ويبيّن فضائله. أولئك الذين تُنقل عنهم رواية هذه الخطبة هم أفراد عدة بينهم السيدة عائشة. عائشة إحدى ناقلي الخطبة الفدكيّة للسيدة الزهراء (سلام الله عليها). وقد نُقل عن جناب زيد بن علي (سلام الله عليه وعلى أبيه): رأيت أنّ مشايخ آل أبي طالب كانوا ينقلون هذه الخطبة عن آبائهم ويعلمونها أبناءهم، وذلك لتبقى هذه الخطبة في التاريخ. هذه عبارته: «رَأیتُ مَشایِخَ آلِ أبي طالِبٍ یَروونَهُ عَن آبائِهِم وَیُعَلِّمونَهُ أبناءَهُم»[7]، أي إنّ مكانة هذه الخطبة [مهمّة] إلى هذه الدرجة. لقد ترافَق الانتظام الفكري والمنطق القوي في هذه الخطبة، من حيث المضمون، مع المتانة اللفظية واللغة الفخمة والجماليات الأدبية. تصوّروا أنّ فاطمة الزهراء (سلام الله عليها)، السيدة ذات الأعوام الثمانية عشر أو العشرين، وكأقصى حد خمسة وعشرين، ورغم تلك المصائب، تُلقي خطبة يتلقّاها مشايخ أهل البلاغة بالحيرة على هذا النحو وينظرون إليها [بدهشة].
إنها تُبيّن وتوضّح في مثل هذه الخطبة وبهذه الألفاظ والمعاني الحقائق التي لم تكن في الأذهان، أو إذا كانت موجودة، فهي مغفَلَة. هنالك معارف جمّة في هذه الخطبة، فهنالك التوحيد والنبوّة، وهنالك قضية الإمامة والولاية، وقضية العدالة. أرست فاطمة الزهراء (سلام الله عليها) هذه السُنّة بعد النبي (صلى الله عليه وآله)، وتبعها أيضاً أبناؤها وآل النبي (صلى الله عليه وآله): خُطب أمير المؤمنين وخطبة الإمام الحسين (عليهما السلام) إلى العلماء، وهي خطبة قاصمة على نحو فائق - «أنتم أيَّتها العصابةُ عصابةٌ بالعلم مشهورة»[8] - وخطبة السيدة زينب (سلام الله عليها) في الكوفة، وخطبة الإمام السجّاد (عليه السلام) في الشام، وخطبة الإمام الصادق (عليه السلام) في عرفات، التي يبيّن [فيها] معنى «الإمامة» - «أيُّها النَّاس، إنَّ رسولَ اللهِ كانَ هو الإمام»[9] - فهذه كلها متابعة لسنّة أرستها الزهراء الطاهرة (سلام الله عليها). إنّ هذه السنّة التي تتمثّل في إلقاء الخطبة، وتبيين الحقائق، بدأت من ههنا، واستمرت، إلى حيث كان ممكناً؛ إذ لم يكن [ذلك] ممكناً أيضاً في مواضع.
ثمّ اقتداءً بأهل البيت (عليهم السلام)، تابع الفصيحون المميزون والبارزون من أتباع أهل البيت (عليهم السلام) هذا المسار أيضاً، وبيّنوا الحقائق بلغة الشعر، لا الشعراء من الدرجة الثانية والمتوسطة، بل شعراء من الطراز الأول. هؤلاء الشعراء المعروفون الذين تسمعون أنّهم مدحوا أهل البيت (عليهم السلام) هم شعراء العرب من الطراز الأول في عصرهم: الفرزدق شاعر من الطراز الأول في عصره، والكُميت الأسدي شاعر من الطراز الأول، ودعبل الخزاعي أيضاً شاعر من الطراز الأول، وكذلك السيّد الحميَري شاعر بارز من الطرز الأول. عندما يذكر أبو الفرج الأصفهاني سيرة هؤلاء الشعراء - في كتاب الأغاني المؤلف من نيّف وعشرين جزءاً - وحينما يصل إلى السيّد الحميري، ولأنّ الأخير هجا بوضوح وصراحة بالغة مخالفي أهل البيت (عليهم السلام)، يقول: أود الحديث عن هذا الشاعر الكبير - ذلك أنّه كان [بالفعل] كبيراً للغاية - لكن لأنه ذكر كلاماً عن بعض الصحابة سأراعي ولن أتحدث، وسأكتفي باليسير؛ وذلك «اليسير» كان خمسين صفحة! أكثر من الشعراء كلهم الذين ذكرهم هناك! أي إنّ عظمة هذا الشاعر إلى هذه الدرجة. هؤلاء هم من بيّنوا معارف أهل البيت (عليهم السلام) ولم يكن [عملهم] إنشاد الشعر فحسب [إنّما] تبيين معارف أهل البيت (عليهم السلام). كل هؤلاء الذين ذكرتُ أسماءهم وغيرهم - ثمة أيضاً شعراء كبار آخرون، فهؤلاء هم البارزون - تابعوا هذا [المسار]. يعود هذا إلى تاريخ زمن الأئمة - عليهم السلام - وقليلاً بعدهم.
كان الإمام [الخميني] الراحل أعظم من أدى في عصرنا «جهاد التبيين»، بل إنّ أعظم عمل أُنجز بـ«جهاد التبيين» هو الذي فَعله إمامنا العظيم. فعل الإمام الراحل عبر «جهاد التبيين» ما لم يكن في إمكان الآخرين فعله بأي وسيلة مادية ولا فكرية أخرى، وحتى لم يكن يحدوهم الأمل إلى فعله. [أداه] الإمام باللغة والمنطق، وهذا هو «جهاد التبيين». بدأ [الإمام] الكلام من اليوم الأول للنهضة إلى اليوم الذي جاء فيه إلى هنا في [مقبرة] جنة الزهراء. قال: أنا أوجّه صفعة إلى هذه الحكومة في فمها وأعيّن حكومة[10]. هذا كله كان عبر «جهاد التبيين». ما العمل الذي أنجزه بـ«جهاد التبيين»؟ أزال به الحكومة البالية الفاسدة المُخزية الديكتاتورية المستبدة الملكية الوراثية، وأتى بحكومة سيادة الشعب الإسلامية والدينية. هذه هي قضية «جهاد التبيين»، وهذه أهميّتها. إذاً، هذا هو درس فاطمة الزهراء (سلام الله عليها) الذي استمر على مر الزمان ووصل إلى الإمام العظيم.
في حقبة نضال علماء الدين ونهضتهم، كان هناك تيارات أخرى تسعى وتعمل وتركض وحتى تنزل إلى الميدان بالسلاح [لكن] لم يتسنَ لها إنجاز أي عمل، فإمّا قُمعت، وإما انحرفت. كان التبيين مؤشر الجهاد والنهضة الإسلامية. كنّا قد جلسنا في طهران في جمعٍ من الأصدقاء، وكان هناك شاب من أهل مشهد - كنت أعرفه - على صلة بهذه الجماعات الماركسية المسلحة، فدخل فجأة إلى الجلسة لأمرٍ ما، وبدأ الكلام بيننا وبينه، وتحدثنا قليلاً. كان هؤلاء معروفين آنذاك بـ«جماعة الغابة»، وما أتحدث عنه يعود إلى عامي 1347 أو 1348 (1968 أو 1969م). قلت: حسناً، أنتم الذين تعملون هذه الأعمال، تحدثوا إلى الناس، فالناس لا يعلمون من وما أنتم. قال: يا سيد، هذا الكلام خاص بالإسلام وبالمسلمين! لم يكونوا يعتقدون بـ«جهاد التبيين»، وكانوا يرونه خاصاً بالإسلام. كان يقول الحقيقة أيضاً، فقد كان الأمر خاصاً بنا وبالإسلام. لم يكن لدى هؤلاء كلام حقيقي ليقنعوا به قلوب الناس، فعجزوا وغُلبوا وقُمعوا، وانحرف أيضاً كثيرون منهم. غير أنّ الإمام سلك طريق التبيين وأوصله إلى هنا. إنّ هذا الطريق مستمر اليوم أيضاً.
ما الذي أريد قوله؟ ما أريد قوله: يقع حِملُ جهاد التبيين اليوم على عاتقكم، أنتم المدّاحين. أنتم اليوم مَن تواصلون هذه السلسلة التي أطلقتها الزّهراء الطاهرة (سلام الله عليها). التفتوا إلى ما يعنيه المديح. إنه يعني مواصلة عمل أولئك الأشخاص على مرّ التاريخ، سواء مَن استطاعوا الحفاظ على المذهب في زمن أهل البيت (عليهم السلام) وتمكّنوا من الحفاظ على التشيّع وتيّار الشيعة، أو مَن استطاعوا في زماننا تغيير العالم وتحويل نظام البلاد من «طاغوتي» إلى «إسلامي». هذه السلسلة هي تتابعٌ لتلك السلسلة المنورة نفسها التي بدؤوها. فلتنظروا إلى المديح بهذه النظرة.
إن فن المديح وكياناً باسم الهيئة - إذْ إنّ المدّاح والواعظ هما محور الهيئة، أي الواعظ إلى جانب المدّاح - من أهم جوانب القوة الناعمة للمجتمع الإسلامي. القوة الناعمة أكثر نفوذاً وتأثيراً من الصلبة. ما السبب في أنّ القوى العالمية مثل أمريكا تمتلك قنابل ذرية وأنواع الأسلحة المتطورة، لكنها في الوقت نفسه تعمل في أهم الاستثمارات كالفن والسينما وهوليوود والدعاية، وأمثال ذلك؟ لماذا؟ لأنّ السينما قوةٌ ناعمة، وكتابة قصص الأفلام قوةٌ ناعمة. هذا ما يترك أثراً. القوة الصلبة لها تأثير آني، إذْ إنها تزول لاحقاً. القوة الصلبة تعني أن أمريكا تأتي وتبقى في أفغانستان عشرين عاماً وتنفق المليارات، وفي النهاية، تضطر إلى الفرار من أفغانستان بسبب كره الناس لها. هذه هي القوة الصلبة. القوة الصلبة تعني أن تأتي أمريكا بكامل عتادها وتستولي على العراق بأسره، وتطيح بالحكومة العراقية، وتحلّ مكانها. وبعد نحو 20 عاماً، نجد أن الحكومة الأكثر كرهاً في العراق هي الأمريكية. هذه هي القوة الصلبة. وأما القوة الناعمة، فتعني أن مجموعة تبدو قليلة عددياً لكنها ذات تأثير معنوي ويمكنها أن تلفت أنظار العالم إليها. انظروا اليوم [كيف] استطاع الفلسطينيون المظلومون، الذين لا يملكون سلاحاً للدفاع عن أنفسهم، أن يجذبوا أنظار العالم إليهم بمظلوميتهم وبصبرهم وبصمودهم، أي إنّ الفجوة بين القوة الصلبة والناعمة كبيرة إلى هذا الحد، وتأثيرها مختلف إلى هذه الدرجة.
حسناً، ما أود قوله أنه يجب على المجموعة المعنيّة مباشرة بالمديح والرثاء والمتصدّية له، أي مجتمع المداحين نفسه، الذي هو جزء من القوّة الناعمة في المجتمع الإسلامي، أن يعلم ما هي مهمّته وما ينبغي أن يفعله وما هي مسؤوليّته. تندرج المعارف الإسلاميّة ومنطق القرآن ومعارف أهل البيت وتاريخهم ومصائبهم ضمن محتوى عملكم، وعلى هذه المجموعة أن تعرض [هذا المحتوى] اليوم بأبلغ لسان وأفضل أسلوب مع الاستعانة بالخصائص عينها التي تلاحظونها في تاريخ جهاد التبيين وتاريخ الشيعة. هذا المتوقّع [منكم]. فإذا كان هناك تلاوة جميلة للقرآن، وتُنشَد قصيدة جميلة بصوت حسن ولحن عذب، ويُذاع المحتوى الصحيح والراقي عبر هذا الصوت الحسن واللحن العذب، فإن ذلك يكون أكثر تأثيراً ونفوذاً من كثير من القوى الصلبة في العالم. لقد تحركت الجمهورية الإسلامية على هذا النحو خلال هذه السنوات الأربعين ونيّف، إذْ كان اعتمادها على القوة الناعمة أكبر منه على الصلبة. طبعاً، أنتم تعلمون أنني أؤمن بضرورة امتلاك أسلحة متطورة تتناسب مع احتياجات البلاد وكذلك قدرات الأعداء، لكن اعتقادي أنه إلى جانب تلك القوة الصلبة والأسلحة يجب أن تتعزز لدينا أسلحة الفكر والبيان والمنطق القوي؛ هذا توقّعنا. لدينا توقّع من الشعراء والمدّاحين، ومن صاحب الصوت الحسن والمنشد لدينا.
ثمة معياران مهمان في هذه القوة الناعمة ينبغي أخذهما بالحسبان، أي قيّموا عملكم بهذين المعيارَين: أحدهما القدرة على إثارة الدوافع والحثّ على التحرّك، والآخر هو الاتجاه الصحيح والدقة، [أيْ] يجب أن يكون توجيهه دقيقاً. التفتوا! إنّ من الأمور التي أوليناها أهمية في صواريخنا ونجحنا فيها وحققناها هي الدقة في الاستهداف، أي تستهدف نقطة على مسافة 2000 كيلومتر وتسقط فيها، وليس في عشرة أمتار مثلاً من هذا الطرف أو ذاك. ينبغي أن توجّهوا على هذا النحو في العمل الذي تريدون فعله. ضعوا هذين المعيارين في الاعتبار: أولاً أن تعرفوا مدى القدرة على إثارة الدوافع في العمل الذي تقدّمونه، ومدى قدرته على هزّ القلب وإحداث تحرّك، وثانياً مدى دقته، فالدقة في الحركة مهمة للغاية. أحياناً نريد أن نؤدي عملاً جيداً أو نقول كلاماً، لكننا لا ندقق في ثنايا هذا الكلام، فعندما يكون العالم الإسلامي بحاجة إلى الوحدة نُحدث فُرقةً وفجوة. هذا معنى غياب الدقة. إنني أصرّ على ضرورة توخي الدقة في فهم المعارف الدينية وبيانها. لحسن الحظ، كثيرون من مدّاحينا الأعزاء هم اليوم من الفئة التي تعلّمت ودرست وقطعت أشواطاً علمية، وهم ملمّون باللغة العربية ويفهمونها، وكثيرون منهم يأنسون بالقرآن والأحاديث. إذاً، هكذا الحال اليوم: مجتمع المداحّين لدينا ليس كما مرحلة شبابنا [سابقاً]. إن مجتمع المداحين مجتمع راقٍ ورفيع المستوى، وما نتوقّعه منه أنْ ينقل المعارف إلى الطرف المقابل بدقة وصحة وبتلك الأداة المميزة جداً للمديح والرثاء نفسها. هذا توقّعنا.
تعرّفوا إلى كتب الحديث ولتأْنسوا بها. تعرّفوا إلى نهج البلاغة ولتأنسوا به. نهج البلاغة بحرٌ من المعارف. عندما تنظرون إلى خطبه، وبخاصة بعض الخطب، فإنها مفعمة بالمعارف التي يمكن لكلمة واحدة منها أن تنمّي الإنسان، ويمكن أن تدفع شعباً على التحرّك. ائنسوا بالصحيفة السجادية. إنّ قالب الصحيفة السجادية قالب دعاء، وهي في المحتوى أيضاً تضرّع ودعاء، لكنها إلى جانب ذلك مفعمة بالمعارف الدينية. الصحيفة السجادية ظاهرة مذهلة في مدرسة أهل البيت (عليهم السلام). لاحظوا! إنّ الإمام السجاد (سلام الله عليه) يدعو لأهل الثغور في الصحيفة السجادية. لديه دعاء مخصوص لأهل الثغور، فمن كان أهل الثغور في ذلك الحين؟ طبعاً كانوا جنود بني أمية! كان يدعو من أجلهم. حارسُ الثغور حارسٌ؛ إنه يحفظ حدود الدولة الإسلامية كائناً من كان. ادعوا لحارس الثغور. هذه دروس لنا.
تقع حدود العالم الإسلامي اليوم في غزّة. قلب العالم الإسلامي ينبض اليوم في غزّة. هؤلاء يقفون في وجه عالم الكفر والطاغوت والاستكبار، وفي وجه أمريكا. ليس الطرف المواجه لهم الكيان الصّهيوني فقط، إنما يقول الرئيس الأمريكي[11] بصراحة: أنا صهيوني[12]! إنه صادقٌ في قوله، فذلك الخبث نفسه لدى الصهاينة موجودٌ لديه أيضاً. وإنّ الأهداف القذرة عينها لديهم حاضرة لديه أيضاً. لقد وقفوا في وجه هؤلاء. ويجب أن نعلم ما علينا فعله. إحدى الخصائص لمجاهد التبيين أن يعرف ما عليه تبيينه اليوم، وماهية قضيته المعاصرة، ويدرك ما ينبغي له تبيينه. عليكم أن تبيّنوا غزّة اليوم. إنهم يمارسون وينفذون أنواع العداء كافة للنظام الإسلامي. طبعاً الآن لا يرون مصلحة لهم في الأعمال العسكرية والتسليحية وما إلى ذلك، ولكن في القوة الناعمة - طبعاً ليس أمريكا فقط إنما أتباع أمريكا ومعارضو الإسلام - يصنعون الأفلام وينشرون دعايات كاذبة ضد الإسلام والنظام الإسلامي، لذا ينبغي التصدّي.
نحن على أعتاب الانتخابات[13]. ثمة مجموعة لا يريدون أن تجري هذه الانتخابات على النحو الذي يستحقه هذا الشعب، إذْ يحاولون أن يثبّطوا الناس ويجعلوهم غير واثقين ويوحوا أنّ الانتخابات غير مجدية أو مؤثرة. يجب أن يتصدّى «جهاد التبيين» لهؤلاء، وأن يبيّن الحقيقة في مواجهتهم. هناك مَن [يريدون] أن يَضعفَ حضور الناس في إدارة البلاد - أي ما يثبت تحقيق السيادة الشعبية الدينية في البلاد - ليصيرَ كلام الإمام الجليل كذباً! هدفهم أن يُظهروا الوعد الإلهي مخالفاً للواقع. هذه الحركة معادية وينبغي بذل الجهود لمواجهتها. إنّ كلّ مَن يعارض الانتخابات يكون قد عارض الجمهوريّة الإسلاميّة والإسلام؛ الانتخابات واجبٌ. هذه إحدى المهمات. إن الشعور بالواجب اليوم تجاه الانتخابات من المهمات المباشرة للمجتمع المجاهد في «جهاد التبيين».
ثمة مَن يجعلون النّاس يسيئون الظنّ بالنظام ويُشعرونهم باليأس حيال المستقبل، [ولذلك] تكون هناك أحياناً نقطة قوّة في النظام فيحوّلونها إلى ضعف. مكافحة الفساد من نقاط القوّة في النظام. ما إن يبرز فسادٌ في مكان ما وتتحرّك الحكومة والمسؤولون القضائيّون والآخرون - بالطبع هذه نقطة قوّة وهي مكافحة للفساد - يأتي أشخاص في المقابل ويقولون: «انظروا، يوجد فساد!». نعم، هناك فساد، ونقطة الضعف هي التغاضي عنه ودعمه. إذا ما كوفح الفساد، فهذه نقطة قوّة. إنّهم يحاولون تحويل نقطة القوّة هذه إلى ضعف. ينبغي التصدّي لهؤلاء. لم يكن الإمام [الخميني] الجليل يتساهل أبداً. نحن كنّا نراعي في بعض المواضع لكنّ الإمام لم يكن كذلك، بل يؤدّي حقّ القضية بأسلوب صريح وواضح، ويقول ما ينبغي قوله. كان يذكر أسماء الأفراد والتيارات والجماعات لكي يتعرّف النّاس إليهم، وهكذا استطاع جعل أسس النظام متينة، فارتقى - بحمد الله - هذا البناء بعد أربعين سنة ونيّف إلى اليوم. وسوف يواصل ارتقاءه أيضاً.
الشعب الإيراني مُحبٌّ للإسلام. الشعب الإيراني يحب الاستقلال، ويحب العزة الوطنية. الشعب الإيراني يكره الانسياق وراء القوى [المستكبرة] واتّباعها؛ يرون عاراً عليهم أنْ يتعالى الأمريكيّون وغيرهم من القوى على هذا الشعب ويتحكّموا فيه كما حدث في عهد الطاغوت. الشعب الإيراني لا يطيق هذه الأمور، ولذلك يتمسّك بالجمهورية الإسلامية، إذْ إن شعارها هو العزة والاستقلال والتقدم الوطني. هذه هي شعارات الجمهورية الإسلامية. الشعب متعلق بهذه الأمور، وهذا الطريق طريق الله. إنّ ما يكون طريقاً إلى الله، وعباده يسيرون فيه، لا يمكن لأي قوة أن تعيده إلى الخلف.
واصلوا «جهاد التبيين» القيّم بكل قوة وطاقة - إن شاء الله - وانقلوا هذه المواريث الثمينة إلى الأجيال اللاحقة بكم. [إذا] شعر الشباب أن مسؤوليتهم مضاعفةٌ مقارنةً بأسلافهم، فسنرى مزيداً من التقدم يوماً بعد يوم، إن شاء الله.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
[1] في بداية هذا اللقاء، أخذ لفيف من المدّاحين والشعراء يلقون الشعر والأناشيد في مدح أهل البيت (عليهم السلام).
[2] ضحك الحضور.
[3] العلّامة المجلسيّ، بحار الأنوار الجامعة، ج29، ص220.
[4] الشيخ الصدوق، معاني الأخبار، ص354.
[5] الشيخ الطوسيّ، الأمالي، ص374، المجلس 13.
[6] ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، ج16، ص210.
[7] ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، ج16، ص252. العلّامة المجلسيّ، بحار الأنوار، ج29، ص235.
[8] ابن شعبة الحرّاني، تحف العقول، ص237.
[9] راجع: الشيخ الكلينيّ، الكافي، ج4، ص466.
[10] صحيفة الإمام (النسخة الفارسيّة)، ج6، ص16؛ كلمة في جنّة الزهراء، بتاريخ 03/03/1979م.
[11] جو بايدن.
[12] بما في ذلك خطاب جو بايدن في عيد «الحانوكا» اليهودي، بتاريخ 12/2023م.
[13] تُجرى انتخابات الدورة الثانية عشرة لـ«مجلس الشورى الإسلاميّ»، والدورة السادسة لـ«مجلس خبراء القيادة» في الحادي عشر من اسفند 1402 (01/03/2024م).
كيف يتحقق المدد الإلهي؟
الإمدادات الغيبية والتسديدات الإلهية للمجاهدين أثناء جهادهم ضدّ الأعداء مشروطة بشرطين كليين:
أوّلاً: العمل على الاستفادة من كل قدراتهم المتاحة بين أيديهم في ساحة العمل.
ثانياً: انتظار المدد الغيبيّ الإلهيّ والمساعدة الربّانية، في حال لم تفِ تلك القدرات والطاقات الظاهرية في رفع حاجة المسلمين ومشكلتهم، لأنه في تلك الحالة سوف يضع الله تعالى تلك الطرق والأساليب الغيبية في خدمة المجاهدين, وذلك حسب ما تقتضيه الحكمة الإلهية والحاجة الفعلية.
وهذه النتيجة قد أيّدها القرآن الكريم حيث تحدّث بعض الآيات الشريفة، عن أنّ الإمدادات الغيبية الإلهية ليست مطلقةً بل لها شروطُها وظروفها، ويمكن أن نصنّف المدد الإلهيّ إلى نوعين, معنويّ وماديّ. وفي هذا المقام يُطرح سؤال عن ماهية هذه الإمدادات والتسديدات الإلهية، وطرق تحققها. وللإجابة عن هذا السؤال, سنقوم بالتحقيق في الآيات الواردة في القرآن الكريم حول هذا الموضوع. يمكننا تقسيم الإمدادات الغيبية والتسديدات الإلهية إلى عدّة أنواع:
السكينة
السكينة من صفات النفس الإنسانيّة التي وردت الإشارة إليها مرّاتٍ عدّة في القرآن الكريم، في بعض الأحيان بطريقةٍ مباشرة، وفي بعض الأحيان من خلال الإشارة إلى النعاس الذي يصيب المؤمنين في ساحة الحرب ويجعلهم كأنّهم في فراشهم وتحت سقوف بيوتهم. وتكتمل الصورة عندما تقترن السكينة في قلوب المؤمنين بالخوف الذي يقذفه الله في قلوب جنود العدوّ.
- قال الله تعالى: ﴿وَيَنصُرَكَ اللَّهُ نَصْرًا عَزِيزًا * هُوَ الَّذِي أَنزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَّعَ إِيمَانِهِمْ﴾[1]. تحدّثنا هاتان الآيتان عن النصر الذي منّ الله به على النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم ثمّ تذكر أمرًا يظهر أنّه بمثابة السبب الذي يؤدّي إلى مضاعفة الإيمان وزيادته وهو السكينة التي نزلت على قلوب المؤمنين فزادت إيمانهم، وسمحت لهم ولقائدهم بالنصر وليس أي نصر بل ذلك النصر الذي يصفه الله بأنّه عزيز، أبهر الأعداء وجعلهم ييأسون من التفكير في طلب ثاراتهم القديمة التي هي الذنوب التي تقدّمت وتأخّرت كما يرى عددٌ من المفسّرين.
قال الله تعالى: ﴿لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا﴾[2]. محور هذه الآية الحديث عن المسلمين الذين بايعوا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في الحديبية قبل فتح مكّة بقليل من الزمان، ودلالة الآية واضحة على أنّ هذه السكينة التي غمرت قلوب المسلمين المبايعين هي التي ولّدت النصر وجعلته ثوابًا قريبًا لأهل السكينة والاطمئنان إلى خيارات رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
قذف الرعب في قلوب الكفّار والأعداء
واحدة من طرق الإمداد الباطنيّ والروحيّ التي ينصر الله تعالى بها أهل الحقّ ويهزم بها أهل الباطل هي: إلقاء الرعب وإيجاد الخوف في قلوب الكفّار والمشركين، بمعنى أن يُسيطر الرعب والخوف على نفوس الكفّار في ميدان المعركة، ما يصيبهم بالاضطراب والقلق بحيث يفقدون القدرة على البقاء في الميدان. وهذا الانهزام النفسيّ يؤدّي إلى عدم الثبات في مواجهة المسلمين, فيُفضّلون الفرار والانهزام على الالتحام مع أهل الحقّ.
لقد ذُكر هذا العامل المهمّ والمدد الروحيّ في أربعة موارد من القرآن الكريم بشكلٍ مؤكّدٍ وقاطع.
ففي موردين يَعِد الله المسلمين بأنّه سوف يُرعِب قلوب أعدائهم أثناء المعركة لسلب الشجاعة والجرأة منهم على قتال وحرب المسلمين.
وفي موردين آخرين تتحدَّث الآيات الشّريفة عن إرعاب وتخويفٍ مُسبَق للأعداء ليكون ذلك عاملاً مساعداً لغلبة المسلمين. ونكتفي هنا بالمرور على الآيات القرآنية مروراً سريعاً:
يقول الله تعالى ﴿سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُواْ الرُّعْبَ بِمَا أَشْرَكُواْ بِاللّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَمَأْوَاهُمُ النَّارُ وَبِئْسَ مَثْوَى الظَّالِمِينَ﴾[3].
وفي آية أخرى يُبيّن الله تعالى عامل انتصار المسلمين بهذه الصورة، حيث يقول تعالى: ﴿إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلآئِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُواْ الَّذِينَ آمَنُواْ سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُواْ الرَّعْبَ فَاضْرِبُواْ فَوْقَ الأَعْنَاقِ وَاضْرِبُواْ مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ﴾[4].
التصرّف بالنفوس
هناك طريقٌ آخر من طرق الإمداد الغيبيّ الباطنيّ, وهو عبارة عن التصرّف الإلهيّ في نفوس المؤمنين, فيجعل أعداد الكفار في نظرهم قلّة، وقدراتهم ضعيفة حتّى لا يخاف المؤمنون من مظاهر القوّة والقدرة عند العدوّ فيهابوا ويتراجعوا.
ومن جهة أخرى، يتصرف الله في نفوس الكافرين فيجعلهم ينظرون باستخفاف إلى معسكر المسلمين ويعدّون جيش الإسلام قلّة وضعفاء، وهذا الاستخفاف يؤثّر في خطط الأعداء الحربية، من عدم نقل السلاح والتجهيزات الكاملة إلى ساحة المعركة وعدم إحضار كلّ الجيش إلى ميدان الحرب، وهذا ما يُوقعهم في سوء تقديرٍ لعدد الجيش الإسلامي وقدراته الحقيقية ممّا يجرُّهم في النهاية إلى الخسارة والهزيمة.
وحول هذا الموضوع يقول الله تعالى: ﴿إِذْ يُرِيكَهُمُ اللّهُ فِي مَنَامِكَ قَلِيلاً وَلَوْ أَرَاكَهُمْ كَثِيرًا لَّفَشِلْتُمْ وَلَتَنَازَعْتُمْ فِي الأَمْرِ وَلَكِنَّ اللّهَ سَلَّمَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ * وَإِذْ يُرِيكُمُوهُمْ إِذِ الْتَقَيْتُمْ فِي أَعْيُنِكُمْ قَلِيلاً وَيُقَلِّلُكُمْ فِي أَعْيُنِهِمْ لِيَقْضِيَ اللّهُ أَمْرًا كَانَ مَفْعُولاً وَإِلَى اللّهِ تُرْجَعُ الاُمُورُ﴾[5].
تثبيت الأقدام
قال الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ﴾[6].
هذه الآية الكريمة تحثّ المؤمنين على جهاد أعداء الحقّ، وترغّبهم في ذلك. وليس التأكيد على مسألة "الإيمان" في الآية إلّا إشارة إلى أنّ إحدى علامات الإيمان الحقيقيّ هي جهاد أعداء الحقّ والدين. فعلى المؤمنين أن ينصروا دين الله، وهذا تكليف وواجب ملقى على أعتاقهم. ومع أنّ قدرة اللّه سبحانه غير محدودة، ولا قيمة لقدرة المخلوقات حيال قدرته، غير أنّه يعبّر بنصرة اللّه ليوضح أهميّة الجهاد والدفاع عن دين اللّه. وهو تعالى يعدهم في حال أدّوا تكليفهم فإنه سيكون معهم يؤيّدهم ويسدّدهم وينصرهم، بأن يلقي في قلوبهم نور الإيمان، وفي أرواحهم التقوى، وفي إرادتهم القوّة والتصميم أكثر، وفي أفكارهم الهدوء والاطمئنان. ويرسل الملائكة لمدّهم ونصرتهم، ويغيّر مسار الحوادث لصالحهم، ويجعل أفئدة الناس تهوي إليهم، ويجعل كلماتهم نافذة في القلوب، ويصيّر نشاطاتهم وجهودهم مثمرة وذات فائدة الخ. ولكن من بين كلّ أشكال النصرة يؤكّد تعالى على مسألة تثبيت الأقدام، وذلك لأنّ الثبات أمام العدو يعتبر أهمّ رمز للانتصار، وإنّما يكسب الحرب الذين يصمدون ويستقيمون أكثر. لذا كان دعاء طالوت ومن بقي معه من المؤمنين على قلّتهم عند ملاقاتهم لجيش جالوت القويّ والكبير: ﴿رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ﴾[7]. فأيّدهم الله بالنصر المؤزّر على العدوّ لثبات أقدامهم عند المواجهة.
[1] سورة الفتح، الآيتان 3 و 4.
[2] سورة الفتح، الآية 18.
[3] سورة آل عمران، الآية 151.
[4] سورة الأنفال، الآية 12.
[5] سورة الأنفال، الآيتان 43 و 44.
[6] سورة محمد، الآية 7.
[7] سورة البقرة، الآية 250.
ما هي معاني الهجرة في سبيل الله؟
من كان يريد الله تعالى فعليه أن يهاجر إليه. والهجرة إلى الله هي التعبير العمليّ عن الإيمان به، لذا قال تعالى في كتابه العزيز: ﴿وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يُهَاجِرُواْ مَا لَكُم مِّن وَلاَيَتِهِم مِّن شَيْءٍ حَتَّى يُهَاجِرُواْ﴾[1]. فالخطوة الثانية بعد الإيمان بالله والاعتقاد العقلي والقلبي به هي الهجرة في سبيله، والإنسان ما دام حيّاً فهو مكلّف بهذه الهجرة، وهي على أنواع ومراتب:
منها: أن يهاجر الإنسان من بلاد الكفر والمشركين إلى ديار الإسلام، التي يستطيع أن يؤدّي فيها تكليفه، ويأمن فيها على دينه، ﴿وَمَن يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللّهِ يَجِدْ فِي الأَرْضِ مُرَاغَمًا كَثِيرًا وَسَعَةً وَمَن يَخْرُجْ مِن بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلى اللّهِ وَكَانَ اللّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا﴾[2].
منها: أن يترك الدّناءة، ويهجر الخبائث، ويتجنّب المعاصي التي تحول بينه وبين لقاء ربه والظّفر بجنّته، وهي قوله تعالى في كتابه العزيز، ﴿وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ﴾[3].
منها: الهجرة بالبدن عن مخالطة أهل العصيان والفسوق، ومجالسة أهل البغي والطغيان، وأبناء الدنيا الذين يعيقونه عن التوجّه للآخرة. والهجرة بالقلب عن المودّة لهم والميل إليهم، وترك العادات والتقاليد المخالفة للشرع، والاعتبارات الوهميّة التي تمنع الإنسان من سلوك طريق الآخرة، وتكون عائقاً من السّفر إلى الله. ففي المجتمع المادّي يتقيّد الإنسان بعادات وهميّة اعتاد عليها أهل الدنيا حتى أصبح قياس النّفع وميزان الخسارة مبيناً عليها. كما جرت العادة أن ينسب الجهل إلى كلّ من يلتزم الصّمت في المجالس العلميّة أو غير العلميّة، أو أن يعتبر التّهافت إلى الجلوس في صدر المجلس دليلاً على الرّفعة والمنزلة العالية، أو أن يعتبر أن التصّنع في الكلام والتشدّق به دليلٌ على سعة الاطّلاع والفهم، وخلافه دليل على الحقارة والضّعة وضعف الموقف والشخصيّة. بل على الإنسان المؤمن حقاً أن يغضّ النظر عن كل هذه الأمور وأن يهجرها دون أيّ خوف أو وجل، وهي قوله تعالى في كتابه العزيز: ﴿وَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْرًا جَمِيلًا﴾[4].
منها: أن يهجر الإنسان أنانيّته، ويخرج من بيت نفسه المظلم، وحبّه لذاته، بهدف القضاء على أهواء النّفس حتى يقدر أن يضع قدمه على بساط التّوحيد، ويدخل عندها في مضمار ﴿إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ﴾[5]. وهذه هي الهجرة الحقيقيّة إلى الله حيث يدوس الإنسان على أهوائه وأنانيّته وييمّم وجهه شطر الإله والمعبود الأوحد، وهي الهجرة التي قال الله تعالى فيها: ﴿فَآمَنَ لَهُ لُوطٌ وَقَالَ إِنِّي مُهَاجِرٌ إِلَى رَبِّي إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾[6]. وجاء في بعض التفاسير في تفسير قوله تعالى ﴿وَمَن يَخْرُجْ مِن بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلى اللّهِ﴾[7]، أنّ البيت في الآية يُحمل على معنيين، على البيت الظاهري وهو المنزل، وعلى البيت الباطني وهو بيت النفس. فكلّ من يهاجر من بيت النفس الأمّارة بالسوء بهدف التوجّه إلى الله قاصداً لقاءه، فإنّ أجره وثوابه على الله، وهو سوف يوفّيه إيّاه حتماً حتى ولو أدركه الموت في الأثناء.
[1] سورة الأنفال، الآية: 72.
[2] سورة النساء، الآية: 100.
[3] سورة المدّثر، الآية: 5.
[4] سورة المزمل، الآية: 10.
[5] سورة البقرة، الآية: 156.
[6] سورة النساء، الآية: 100.
[7] سورة الصافات، الآية: 99.
الإمام الهادي (عليه السلام): ومضة من علمه ومناقبه
كان الإمام الهادي عليه السلام أطيب الناس بهجة، وأصدقهم لهجة، وأملحهم من قريب، وأكملهم من بعيد، إذا صمت علتهُ هيبة الوقار، وإذا تكلّم سماه البهاء[1]، وإذا دخل على الناس ترجّلوا له احتراماً وتقديراً، فقد روى أبو هاشم الجعفريّ: أنّ بعض الناس كانوا في مجلس بانتظار قدوم الإمام الهادي، فقالوا: لِمَ نترجّل لهذا الغلام وما هو بأشرفنا، ولا بأكبرنا ولا بأسنّنا ولا بأعلمنا؟ والله لا ترجّلنا له، فقال أبو هاشم: والله لتترجّلنّ له صغرة إذا رأيتموه، فما هو إلا أن أقبل وبصروا به حتّى ترّجل الناس كلهم.
فقال لهم أبو هاشم: أليس زعمتم أنّكم لا تترجّلون له؟ فقالوا له: والله ما ملكنا أنفسنا حتّى ترجّلنا[2].
وكان شديدة العبادة لله عزّ وجلّ، متفرّغاً لها، مقبلاً للعبادة لا يفتر ساعة، دائم التبسّم، دائم الذكر لله عزّ وجلّ[3]، وكان من تسبيحه الدائم لله عزّ وجلّ قوله: "سبحان من هو دائم لا يسهو، سبحان من هو قائم لا يلهو، سبحان من هو غنّي لا يفتقر، سبحان الله وبحمده"[4].
وكان شديد الزهد، فكان يلبس جبّة صوف، وكانت سجّادته من حصير[5].
ومن كلماته ومواعظه للناس ما روي عن أبي هاشم الجعفريّ قال: أصابتني ضيقة شديدة فصرت إلى أبي الحسن عليّ بن محمّد عليه السلام فأذن لي فلمّا جلست قال: "يا أبا هاشم أيّ نعم الله عزّ وجلّ عليك تريد أن تؤدّي شكرها"؟ قال أبو هاشم : فوجمت فلم أدر ما أقول له.
فابتدأ عليه السلام فقال: "رزقك الإيمان فحرّم بدنك على النار، ورزقك العافية فأعانتك على الطاعة، ورزقك القنوع فصانك عن التبذّل، يا أبا هاشم إنّما ابتدأتك بهذا لأنّي ظننت أنّك تريد أن تشكو لي من فعل بك هذا، وقد أمرت لك بمائة دينار فخذها"[6].
قبس من علومه عليه السلام
اعتبر المؤرّخون وأصحاب السير الإمام الهادي عليه السلام علماً بارزاً من أعلام عصره في العلم والمعرفة، فإنّ مائة وخمسة وثمانين تلميذاً وراوياً أخذوا ورووا عن الإمام الهادي عليه السلام، وحفلت كتب الرواية والحديث والفقه والمناظرة والتفسير وأمثالها بما أثر عنه، واستفيد من علومه ومعارفه. وكان من تلامذته ورواته وأصحابه: عبد العظيم بن عبد الله الحسني، أيوب بن نوح بن دراج، والحسن بن علي الوشاء، وعبد الله بن جعفر الحميري، ومحمد بن عيسى بن عبيد اليقطيني، أحمد بن إسحاق بن عبد الله الأشعري، علي بن مهزيار الأهوازي، الفضل بن شاذان النيشابوري، عثمان بن سعيد العمري صاحبه وسفير الإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف[7].
كما أنّ للإمام عليه السلام رسائل في مختلف العلوم والأمور، منها: رسالته في الردّ على الجبر والتفويض، وإثبات العدل، والمنزلة بين المنزلتين، وغيرها.
[1] ابن شهر آشوب، محمد بن علي، مناقب آل أبي طالب، ج3، ص505.
[2] م.ن، ص511.
[3] قطب الدين الراوندي، سعيد بن عبد الله، الخرائج والجرائح، ج2، ص901.
[4] قطب الدين الراوندي، سعيد بن عبد الله، الدعوات، ص94.
[5] قطب الدين الراوندي، سعيد بن عبد الله، الخرائج والجرائح، ج2، ص901.
[6] الشيخ الصدوق، محمد بن علي، الأمالي، ص498.
[7] الشيخ الطوسي، محمد بن الحسن، رجال الطوسي، ص383، وللاطلاع أكثر يراجع كتب علم الرجال.
الإمام الباقر (عليه السلام) وعظمة البيان
كان الإمام عليه السلام يستغلّ كلّ فرصةٍ مناسبة لتحريك مشاعر النّاس الغافلين، وعواطفهم من خلال بيان زاويةٍ من الوقائع المرّة لحياة الشّيعة، وذكر الضغوط وأنواع العنف والتشدّيد الّتي كانت تُمارس على الإمام وأتباعه من قِبَل القوى المهيمنة، وبذلك كان يهزّ عروقهم الميّتة والراكدة، ويزلزل قلوبهم الفاترة، أي أنّه كان يُعدّهم لتلك المواقف المتشدّدة، والتحرّكات الثوريّة.
وقد أجاب رجلًا، سأله ذات يوم: كيف أصبحتَ يا بن رسول الله؟ يروي المنهال بن عمرو تلك الرواية فيقول: "كنت جالسًا مع محمد بن علي الباقر عليهما السلام إذ جاءه رجل، فسلّم عليه، فردّ عليه السلام، قال الرجل: كيف أنتم؟ فقال له محمّد عليه السلام: أوما آن لكم أن تعلموا كيف نحن؟! إنّما مثلنا في هذه الأمّة مثل بني إسرائيل، كان يُذبح أبناؤهم، وتُستحيى نساؤهم، ألا وإنّ هؤلاء يذبحون أبناءنا، ويستحيون نساءنا"[1].
(وبعد هذا البيان البليغ والمحرّك، يجرّ الكلام إلى القضيّة الأساس، أي أولوية الدّعوة الشيعيّة، وحكومة أهل البيت عليهم السلام).
"زعمت العرب أنّ لهم فضلًا على العجم، فقالت العجم: وبماذا؟ قالوا: كان محمد صلى الله عليه وآله وسلم عربياً. قالوا لهم: صدقتم. وزعمت قريش أنّ لها فضلًا على غيرها من العرب، فقالت لهم العرب من غيرهم: وبمَ ذاك؟ قالوا: كان محمد صلى الله عليه وآله وسلم قرشيًّا. قالوا لهم: صدقتم، فإن كان القوم صدقوا، فلنا فضل على النّاس، لأنّا ذرية محمد صلى الله عليه وآله وسلم، وأهل بيته خاصةً، وعترته، لا يشركنا في ذلك غيرنا، فقال له الرجل: والله إنّي لأحبّكم أهلَ البيت (عليكم السلام)، قال: فاتّخذْ للبلاء جلبابًا، فوالله إنّه لأسرع إلينا وإلى شيعتنا من السيل في الوادي، وبنا يبدأ البلاء، ثمّ بكم، وبنا يبدأ الرّخاء، ثمّ بكم"[2].
وفي موقف آخر أمام بعض الشعراء والعلماء الّذين باعوا أنفسهم، يُنزل أسواط توبيخه على رؤوس هؤلاء، ويُحدثُ أمواجاً من التنبيه واليقظة، إن لم يكن على مستوى وجدانهم الميّت، ففي أذهان وقلوب أتباعهم الغافلين. وبلهجته المعترضة على كُثير الشّاعر، يقول: أَمَدَحْتَ عبد الملك؟! فيُجيب بسذاجةٍ أو غفلةٍ، وهو بصدد تبرير معصيته، قائلًا: لم أُخاطبه بإمام الهدى، بل مدحته بكلمات الأسد والشّمس والبحر والأفاعي والجبال، والأسد كلبٌ، والشّمس جسمٌ جامدٌ، والبحر جسمٌ بلا روح، والأفاعي حشراتٌ، والجبل صخرةٌ صمّاء. وهنا يتبسّم الإمام أمام هذا العذر والتبرير غير الوجيه، بطريقةٍ ذات مغزى، وهنا ينهض الكُميت - الشاعر الثوريّ والهادف ويُنشئ واحدة من قصائده الهاشميّات[3]، ليضع في أذهان الحاضرين معنى المقارنة بين هذين النّوعين من العمل الفنّي، ويوصل ذلك إلى كلّ الّذين سمعوا بهذه الواقعة[4].
[1] العلامة المجلسي، بحار الأنوار، ج46، ص360.
[2] الشيخ الطوسيّ، الأمالي، تحقيق قسم الدراسات الإسلامية ـ مؤسسة البعثة، نشر دار الثقافة ـ قم، ط1، 1414هـ، ص 154.
[3] القصيدة الّتي بدأت بهذا البيت الشعريّ:
من لقلب متيّم مُستهام غير ما صبوة ولا أحلام
ووصلت إلى هذا البيت البليغ والقاصم والمليء بالمعرفة: ساسة لا كمن يرى النّاس سواء ورعية الأنعام الكاتب.
[4] ابن شهرآشوب، المناقب، ج4، ص 207.
النص الكامل لكلمة الإمام الخامنئي في لقاء أهالي مدينة قم بمناسبة ذكرى «انتفاضة 19 دي»
بسم الله الرحمن الرحيم،
والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا ونبينا، أبي القاسم المصطفى محمد، وعلى آله الطيبين الطاهرين المعصومين، [ولا] سيما بقية الله في الأرضين، عجل الله تعالى فَرَجَه الشريف، وأرواحنا فداه.
أهلاً وسهلاً بكم، أيها الإخوة الأعزاء والأخوات العزيزات، وأهالي قم الأعزاء، تذكار تسطير الملاحم لمدينة الانتفاضة هذه، مدينة المعرفة، ومدينة الجهاد. نشكر الله المتعالي الذي منحنا الفرصة ومدّ في عمرنا، فتمكّنا مرة أخرى أن نشهد يوم «التاسع عشر من دي» ونلتقي مع أهالي قم الأعزاء، ونتحدّث ببضع كلمات عن حادثة «التاسع عشر من دي» العظيمة.
هناك نقاط كثيرة عن «التاسع عشر من دي» عام 1356 (1978)، هذه الانتفاضة العفوية الشعبية في قم، وقد تحدثنا عنها وكذلك الآخرون، ولا نريد تكرار تلك المواضيع، لكن هناك نقاط تعدُّ قضايا معاصرة لأنها موضع ابتلاء دائم لشعبنا وبلدنا، فلا يمكن أن تصير قديمة، ولذا من المفيد تكرارها.
أحد المواضيع التي سأتحدث ببضع جمل عنها اليوم هي قدرة الناس على أداء دورٍ [حاسم] خلال الحوادث الكبرى. ينبغي ألّا ننسى ذلك. لقد جرّبناه في حياتنا، فعلينا ألّا ننسى هذه التجربة، وأن نعكسها لدى الآخرين أيضاً. انظروا إلى غزة اليوم. إن الدور الذي صنعه حضور الناس وصمودهم في حادثة كبيرة، أيْ مجموعة صغيرة وشعباً محدوداً – مليوني نسمة تقريباً - في منطقة صغيرة جداً، جعلَ أمريكا بعظمتها والكيان الصهيوني المعلّق بها عاجزين. هذا معنى حضور الناس. طبعاً، حادثة قم حادثة أعلى من هذا بمراتب. لماذا؟ لأنه في «19 دي» خرج أهالي قم إلى الشوارع، وقدّموا الشهداء، وتعرّضوا للضرب، وسُجنَ عدد منهم، لكنهم غدوا منشأ حركة استطاعت في غضون سنة تقريباً أن تطيح بنظام عميل مستكبر ظالم متسلّط على هذه البلاد. كم المدة بين «19 دي 1356»[1] و «22 بهمن 1357»[2]! [إذاً هذه هي نتيجة] حضور الناس في مختلف الميادين. هذا ما أريد التحدّث عنه، ويجب ألّا ننسى ذلك. عندما تكون مثل هذه القوة في سواعد الشعب وقبضاته، فلم لا يقدّرونها أو لا يستخدمونها؟ لم لا يفعّلونها مقابل الأحداث الكبرى ولا يأتون بها إلى وسط الميدان؟ هذا لُبّ قولي.
الإمام [الخميني] علّمنا ذلك. من دون مبالغة وإغراق، ومن دون أدنى تردد، أثبتَ الإمام الجليل للناس – لدى الإمام كثير من الإنجازات الخاصة، وهذا أحدها - وعلّمهم أن حضورهم في الساحة يصنع المعجزات. لم نكن نعرف ذلك ولم يعرفه الآخرون أيضاً، لكن الإمام أثبته للشعب كلّه عامَي 1341(1962) و1342 (1963) بالعمل والقول والمنطق والاستدلال، وجعلهم يدركون أنهم إذا أرادوا المضي قُدماً، وتحقيق النتائج التي يرجونها، فلا بدّ لهم أن يكونوا في الميدان، فلا جدوى من التراجع، أو الاعتماد على هذا وذاك، واختيار العزلة، بل يجب أن يأتوا إلى وسط الميدان. كذلك حضرَ شخصياً وسط الميدان، فبدلاً من مجالسة الأحزاب والجماعات والتيارات والشخصيات السياسية الشهيرة والكثيرة الادعاء، التي كانت في ذلك الحين، جاء الإمام وجالس الناس. [هنا] أود أن أروي لكم ذكرى. كنت ذاهباً إلى مدينة - لا أريد أن أذكر اسمها - وكان فيها شيخ كبير، فقال لي الإمام: قل لذاك السيد أن يأتي إلى قم، فمكانه فيها، فليأتِ إلى هنا لكن شريطة أن يقطع علاقته بالتيار السياسي الفلاني - ذكرَ الإمام اسم تيار سياسي مشهور في ذلك الحين ، فليأتِ إلى قم، ولكن فليقطع علاقته بذلك التيار. ذهبت بدوري إلى ذلك السيد وأوصلت إليه رسالة الإمام هذه. طبعاً، لم يعجبه ذلك ولم يأتِ إلى قم أيضاً وقال: لا تربطني علاقة مع ذاك التيار وما إلى ذلك. كان هذا منطق الإمام: ينبغي لعالم الدين بوصفه عالم دين ومرجعاً ومحوراً لتحصيل العلم والمعرفة أن يحضر بين الناس.
لقد حضرَ [الإمام] شخصياً بين الناس، ففي يوم عاشوراء، جاء إلى المدرسة الفيضية بقم وجلس هناك وتحدث إلى الناس بصراحة ووضوح.[3] أيها الإخوة الأعزاء والأخوات العزيزات! إن خطاب الإمام هذا في يوم عاشوراء حدث تاريخي. لقد نزلَ إلى وسط الميدان بكيانه كله. جاء وجلس في الفيضية، وكان ميدان العتبة[4] «متروساً»[5] بالحشود، وهناك أعدّ الإمام خطابه المذهل وألقاه. لقد أدخلَ الناس عملياً إلى قلب المشهد. فبدلاً من التحدث إلى التيار السياسي أو الشخصية السياسية الفلانية، تحدّث إلى الناس وأدخلهم فعلياً إلى الميدان. دخل الناس إلى الميدان ولبّوا واستجابوا، فالمدّة الفاصلة بين إلقاء الإمام هذا الخطاب و «15 خرداد 1342» (5/6/1963) هي ثلاثة أيام، أيْ في غضون ثلاثة أيام قدّم أهالي قم وطهران وورامين الضحايا والشهداء. طبعاً عدد الشهداء غير معروف. ذُكرت إحصاءات كثيرة [لكن] لم يتمّ تقصٍّ دقيق في هذا الصدد، وحبّذا لو يجري لكي [يُعرفَ] كم عدد الشباب والشيوخ والرجال والنساء الذين استشهدوا في «15 خرداد» في طهران وقم وورامين وبعض المدن الأخرى. لقد أنزلَ الناس إلى الميدان، وهذا العمل كان من صنع الإمام، وهو مَن سلّم راية النضال للناس.
حسناً، رضي الناس ودفعوا ثمناً. طبعاً، قُمع الناس واعتقِلَ الإمام أيضاً في «15 خرداد 1342» - اقتحموا منزل الإمام ليلاً واعتقلوه وأحضروه إلى طهران وإنّكم تعلمون تلك الحوادث وسمعتم بها - لكن لم ينسَ الناسُ الدرسَ. «التاسع عشر من دي» في قم وَليدة تلك الحادثة؛ هنا أيضاً انطلق الناس عفوياً ودخلوا الميدان. في «19 دي»، من الذي قاد الناس ليقول: اخرجوا أيها الناس؟ إنها أفئدة الناس وإجماعهم والدرس الذي تعلّموه من الإمام، فأدركوا أنه يجب أنْ ينزلوا. لقد نزلوا في «15 خرداد» بسبب اعتقال الإمام، وفي «19 دي» بسبب إهانته. جاؤوا ودخلوا الميدان وبدؤوا النضال ونتجت هذه البرَكة، وبارك الله المتعالي هذا النضال، فانتفض الشعب الإيراني في قم وتبريز ويزد وشيراز وهنا وهناك وفي كل مكان، ووقعت «22 بهمن». هذا معنى حضور الناس.
طبعاً، هذا الدرس هو درس أمير المؤمنين (ع). لقد دوّنت عبارة عن أمير المؤمنين - عليه الصلاة والسلام - وينبغي أن نركّز كثيراً على جمل نهج البلاغة هذه، وأن نتعلّم كثيراً من نهج البلاغة. إنها في مرسوم الإمام (ع) لمالك الأشتر، الذي يسمّونه خطأً «العهد»، وهو ليس عهداً إنّما مرسوم حكومي: مرسوم الإمام (ع) لمالك الأشتر. ثمة كلام جَمٌّ هناك، وبحر من اللّآلئ في هذا المرسوم للإمام (ع)، ومنها أنّه قال: «وَإِنَّما عِمادُ الدّينِ وَجِماعُ المُسلِمينَ وَالعُدَّةُ لِلأعداءِ العامَّةُ مِنَ الأُمَّة»[6]. أنتم مجتمع إسلامي، وأمير المؤمنين (ع) يقول [هذا] لأمّته، وهو خطابٌ موجّهٌ إلينا كذلك. جيد جداً! أنتم مجتمع إسلامي، والأمّة عماد إسلامكم، وجِماعُ النّاس. «جِماعُ المسلمين» معناه ذلك الهيكل الأساسي للمجتمع. هذا هو الهيكل الأساسي لمجتمع المسلمين. «وَالعُدَّةُ للأعداء»؛ معنى «العُدَّة» ذخيرة اليوم الأسود، أي ذاك الشيء الذي تحتفظون به لليوم الأسود. «وَالعُدَّة للأعداء»، فمن هذه الذخيرة مقابل الأعداء؟ «العامَّةُ مِنَ الأُمَّة»، أي عامّة الناس. ذات حين، وقبل أعوام من الآن، قرأت على المسؤولين مقاطع من هذا الكتاب[7]، إذ يقارن الإمام (ع) هناك بين الخاصّة والعامّة: «الخاصّة» مَن هم قُرَّة العين، و«العامّة» عامّة الناس. يذكر كلاماً عجيباً عن الخاصّة، وكلاماً عجيباً عن العامّة: عامّة الناس. يقع تركيز الإمام على هذا: اعتمدوا على عامّة الناس. حينما يستأنس رئيسٌ للجمهورية بعامّة الناس، ويتحدث معهم ويعمل ويمضي بينهم، ينبري بعضهم للقول إنّها شَعْبويّة! إنّهم يوجّهون إهانة. لا، هذا اهتمام بالناس وتوجُّه إلى النقطة الأساسيّة. إنّ عامة الناس أسُّ الأمر وأساسه. ولا شكّ أنّ أسلوب العمل معهم فنُّ عظيم، وله مبحثه الخاص.
إذاً، ثمّة نقطة أساسية ههنا، فهذا الحضور الشعبي في الساحة ووسط الميدان، وقد عرضنا له، ثمّة نقطة أساسية إلى جانبه، فما هي؟ ينبغي أن يكون دفع الناس إلى ساحة النضال عبر توجيه دقيق ومنح القدرة المعرفية. قبل بضعة أيام أيضاً كان لي كلمة ههنا،[8] وقلت هذه النقطة نفسها: كما أنّ صواريخكم نُقَطيّة ودقيقة – هذا ما يجعل الطرف المقابل عاجزاً، فهم يختارون النقطة بدقة، ويضربون من مسافة ألف كيلومتر أو ألف وخمسمئة نقطةً بعينها – عليكم أيها الواقفون وسط الميدان وتدعون الناس أن يكون هدفكم محدّداً ودقيقاً. لقد حدّد الإمام الهدف: إزالة النظام المَلَكي الفاسد المُرتَهن، وتأسيس الحاكمية الإسلامية؛ اتّضح الهدف. فإذا كنّا ندعو الناس اليوم إلى وسط الميدان، فما الهدف؟ يجب أن يتَّضح. ليس القصد هنا الأهداف من الدرجة الثانية والأهداف الفرعية بل الهدف هو حاكمية الإسلام، والكرامة الوطنية، والصلاح الكامل للشعب الإيراني، وتعالي الشعب الإيراني، ومواجهة الاستكبار. الهدف هو هذه الأمور. بالطبع هذه تعابير عامّة لكنّها تتضمن معاني واضحة ومحدّدة. كان عمل الإمام وأصحابه خلال هذه السنوات الخمس عشرة، ما بين [حادثة] الفيضية والحادي عشر من شباط/فبراير، التبيين في هذا المضمار. كان عمل أولئك الذين يتحدثون مع الناس، ومن يعلّمون الشباب المعرفة ويوجّهونهم إلى الطريق – مَن هم على شاكلة مطهّري وأمثال هؤلاء – تحديد [الهدف] ومنح الناس المعرفة الضرورية. إنّ منح القدرة المعرفية مهمّ للغاية؛ هذا هو العمل الأساسي. ينبغي لطالب العلوم الدينية منّا، والفاضل، والمثقّف، والجامعي، والأستاذ، أن يتحركّوا في هذا المضمار، ثم يعمدون إلى منح المعرفة والقدرة المعرفية.
إنّ ذلك النظام الذي أُزيل على أيدي الشعب الإيراني في الحادي عشر من شباط/فبراير، وطُرد من هذا التراب الطاهر والبلد الإلهي، كان نظاماً مُرتَهناً وانقلابياً، وثمّة مَنْ لا يريدون اليوم تصديق هذا بعد أربعين عاماً. إنّ الأمريكيين والحاشية المقرّبة منهم والتابعين لهم أيضاً وبمنتهى السذاجة – إنّه لأمر عجيب، فهم سياسيون وديبلوماسيون لكنّهم يُعْمِلون منتهى السذاجة في هذه القضية! – يبرّرون مجدّداً، ضمن حساب خطأ، وجه نظامٍ طُرد من هذه البلاد قبل خمسة وأربعين عاماً بركلةٍ من الشعب، وأُلقي خارجاً. كان [النظام البهلوي] مُرتهناً وانقلابياً. وقع الانقلاب العسكري لرضا خان عام 1299 (1921) بتحريض من الإنكليز وبمساعدتهم. بعد ثلاث أو أربع سنوات جاء اعتلاء رضا خان العرش وتحويله إلى رضا شاه [الملك رضا] بمساعدة من الإنكليز، وكان [ذلك] بأيديهم. بعد بضع سنوات، كانت بداية انصهار ثقافة الشعب الإيراني في الحضارة الغربية، من قبيل خلع الحجاب، وإغلاق الحوزات، ومنع مراسم العزاء والمراسم الدينية وصلوات الجماعة، وما شابه، على أيدي الأيادي المعروفة للإنكليز في إيران ضمن الحاشية المحيطة برضا خان، وأنا لا أريد أن أذكر الأسماء والشخصيات السياسية والثقافية المعروفة، التي لا يزال الوجه الحقيقي لبعضها غير واضح في أوساط شعبنا، ولديها كتب ومؤلفات. كان هذا عمل المحيطين برضا خان، وهو أن يصهروا ثقافة الشعب الإيراني ويُذيبوها في الثقافة الغربية. انظروا إلى قضية خلع الحجاب بهذه العين، فقد كانت عمل الإنكليز. لاحقاً، عام 1320 (1941)، حينما أُخرج رضا خان من البلاد، كان اعتلاء محمّد رضا للعرش على أيدي الإنكليز، وقد تدخّل سفير إنكلترا بنفسه في هذا وكان إرادتهم. عام 1332 (1953)، بعدما عجز محمّد رضا عن التحمّل في مواجهة النهضة الوطنية [لتأميم] النفط، وفرّ من البلاد، كانت إعادته بالانقلاب العسكري عملاً مشتركاً للإنكليز والأمريكيين. بعد ذلك أيضاً، كان استمرار حكومة العار لمحمّد رضا حتى 11/02/1979 بمساعدة الأمريكيين. كان [النظام البهلوي] حكومة على هذه الشاكلة، فهو من بدايته ووسطه وأوله وآخره تدخلٌ لإنكلترا وأمريكا، ومساعدة من إنكلترا وأمريكا، وارتهان وبيع البلاد لهم، لا بيع الثروة ورأسمال البلاد فحسب [بل] أعطوهم نفط الشعب، وكرامة الشعب كذلك، كما باعوهم دين الشعب، وأيضاً شرف الشعب. لقد كان نظاماً على هذه الشاكلة، وقد طرد الشعب الإيراني هذا النظام من البلاد. الإمام هو من وضع هذا الهدف أمام الشعب الإيراني. إذاً، كانت هذه هي السياسة الإستراتيجية للإمام [الخميني] الجليل: إدخال الناس إلى الميدان وتسليمهم راية النضال.
توجد سياسة إستراتيجية أخرى مقابلها، أيْ في النقطة المقابلة لها، فما هي؟ إنها إخراج النّاس من الميدان، أي جرّهم خارج مشهد ميدان المنافسة والمواجهة والنزال. هذه سياسةُ مَن؟ إنها السياسة التي ينتهجها أعداء الثورة الإسلاميّة. إنّها سياسة أمريكا وجبابرة العالم والصهاينة، كما أن سياسة الشركات الصهيونيّة المستثمرة في أرجاء العالم هي هذه. إنّها مستمرّة في البلاد منذ أربعين سنة وتعمل اليوم بمنتهى الرذالة. التفتوا إلى هذا: إنهم يسعون إلى إخراج الناس من المشهد. إنّ ما تسمعونه [من أقوال مثل:] هل نشارك في الانتخابات أو لا، و[بعضهم يقول:] كلا، وما الفائدة منها؛ ليست بالأمر الهيّن، فهذه نفسها السياسة الإستراتيجية لأمريكا، وهي نفسها السياسة الإستراتيجية لأعداء الثورة الإسلاميّة. إنّ تغييب الناس عن ساحة السياسة، ومضمار الثقافة، والميادين الاقتصادية، والساحات الدينية، هو السياسة الإستراتيجية للعدو. أن تتعرض مسيرة «الأربعين» للسخرية، وأن يُثار الشك في الاحتفال المهيب [المتعلق] بأمير المؤمنين (ع) أو منتصف شعبان في شوارع طهران، بتلك العظمة: لماذا [تُقام]؟ وأن يُثار الشك في تبجيل قائد عظيم في إيران والمنطقة: الشهيد سليماني! أَوَلَم يمزّقوا صورة الشهيد سليماني في طهران هذه نفسها بالقرب من الجامعة الفلانية؟[9] يحرضون أحداً ما: هلُمَّ إلى تمزيق هذه الصورة. ثمانية ملايين إنسان يُشيّعون جنازة الشهيد سليماني، ثم يبادر شاب غافل، شاب لا قيمة له – إمّا أنّه قبض مالاً، وإما اشتغلوا على عقله –، إلى تمزيق صورة الشهيد سليماني أمام الملايين من حشود الشعب الإيراني! فما معنى هذه [الممارسات]؟ إنّها دليل على تلك السياسة الإستراتيجية للعدو.
إنّ العدو ناشط وفعّال جداً في هذا الاتّجاه؛ إنّه فعّال للغاية. لقد أدركوا أن سبب تقدّم إيران ونيلها العزّة، والسبب في ظهور إيران بوصفها قدرة مهمّة في هذه المنطقة، وتحقُّق هذا العمق الإستراتيجي للبلاد كله – قوى المقاومة هذه في أنحاء المنطقة هي العمق الإستراتيجي لنظام الجمهورية الإسلامية –، أن السبب في هذا كله هو حضور الشعب في الساحة. فإن نفذوا حرباً مفروضة، فالعدو يُمنى بالهزيمة فيها، وإن خاضوا هجوماً انقلابياً، فسيُمنى بالهزيمة، وإن شنوا هجوماً أمنياً، فكذلك؛ السبب أنّ الناس حاضرون في الساحة. وحيثما استطاعوا الحيلولة دون حضورهم، انتصر العدو. الأمر كذلك في كثير من القطاعات الاقتصادية. لقد أبلغنا سياسات المادة الرابعة والأربعين،[10] ودوماً أوصينا الحكومة [الإيرانية] الفلانية، وقالوا: نعم، نفعل، لا نفعل، نفعل، لا نفعل... فأنجزوا بضع نقاط، وتبيّن أنّ نصفها كان فاسداً! هكذا تحدث المشكلات الاقتصاديّة طبعاً. حينها يكون العدو راضياً، ويدعم ذلك. العدو نشطٌ في هذا المجال، فعّال بالكامل.
من أعمالهم لإخراج الناس من الساحة زرع اليأس إزاء المستقبل. انظروا كم أنّهم في وسائل الإعلام هذه التابعة للعدو – صراحة أو مُواربة، فبعض وسائل الإعلام هذه تابعة بصراحة للعدو، وبعضها ليست تابعة بصراحة إنما في الخفاء – يزرعون اليأس في الناس من المستقبل. يعثرون على نقطة سلبية ويعممونها ويضخّمونها من أجل أن ييأس الناس، والأساس أيضاً هم الشباب. [يريدون] أن يُقنِطوا الشباب. يُروّجون هذا [الكلام]: ما فائدة المشاركة في النشاطات السياسية، وما فائدة المشاركة في الانتخابات؟ يعملون على هذا الأمر.
[العمل الآخر] استعراض العيوب والصّعاب في القضايا الاقتصادية. نعم، نحن نعاني من مشكلة اقتصادية، ولا شك في ذلك. كان هنالك مواطن ضعف مختلفة، وقد استمرت، ومواطن الضعف الاقتصادية هذه موجودة، وما من شك. يستعرضون [مواطن الضعف] هذه، ولو أُعملت الدقّة في حالة واحدة وأُجري استقصاء، فإن أكثر مواطن الضعف الاقتصادي هذه هي أيضاً بسبب تغييب الناس، فحيثما شارك الناس، كانت مواطن الضعف أقل.
الترهيب من القوى من طرق إخراج الناس من الساحة: الترهيب من أمريكا، ومن الكيان الصهيوني، ومن هذا وذاك، مع أن الشعب الإيراني جرّب بنفسه ألا يخشى هذه القوى. إذا كان من المقرّر أن نخشى القوّة الفلانيّة، ما كان للجمهوريةٍ الإسلاميةٍ وجودٌ من الأساس، وما كانت الجمهورية. إنّ كثيراً من القوى التي تدّعي الهيمنة والربوبيّة على هذه المنطقة تخشى اليوم الشعبَ الإيراني.
من العناصر التي يستخدمونها لإخراج الناس من الساحة هي سلب الناس الإيمان وجعلهم غير آبهين بعوامل الحضور والشجاعة والقوة، وفي مقدمها الإيمان الديني، وكذلك التشرُّع. إنّهم يبذلون الجهود ويمارسون الدعاية الإعلامية ويعملون، فالعدو منكبٌّ على العمل. ينبغي لمسؤولينا أن يبذلوا جهدهم في هذه المجالات ويعملوا ما أمكنهم. انظروا إلى قضية الحجاب وقضايا الحجاب بهذه النظرة. ليس الأمر حصراً أنّه ثمّة الآن من لا يعرفون قضية الحجاب أو لا يراعونها. لا، هنالك من عندهم دافع – عدد قليل بالطبع – للمعارضة والمناوأة.
إحدى القضايا بثّ الخلافات وجعل الناس قُطبين. الخلافات تنقسم إلى نوعين: تارةً قد يختلف اثنان في الأذواق، وفي القضيّة السياسيّة الفلانيّة، وفي الحبّ والبغض الفلاني. إنّهما صديقان ورفيقان ويحتسيان الشاي ويجلسان على المائدة معاً لكنّهما مختلفان في الرأي. في أُخرى، يكون اختلاف الرأي على نحوِ يُدين هذا الطرف كل ما يصدر عن الطرف المقابل – مهما كان: فكراً، عملاً، حسناً، سيّئاً – ومهما صدر عن الطرف المقابل، فهو مدانٌ من هذا أيضاً. هذا ما يسمّى «ثنائية القطب». يُحدثون «ثنائيّة القطب» في المجتمع. فمهما فعل الطرف المقابل، يبادر هذا الطرف إلى إدانته، حتى لو كان فعلاً جيّداً. هذا من الأعمال التي ينشغل فيها اليوم المعارضون والأعداء للشعب الإيراني.
إنّ سبيل التصدّي أيضاً حضور الناس. يجب أن يخوض الناس غمار القضايا الاقتصاديّة والشؤون السياسيّة، وأن يخوضوا الانتخابات بقوّة، وحتى في القضايا الأمنيّة. العناصر الأمنيّون التابعون للعدوّ حاضرون بين الناس في الأحياء وهنا وهناك. يمكن للنّاس أن يتعرّفوا إلى هؤلاء. حضر الناس في عدد من المشكلات الأمنيّة بمساعدة الأجهزة الأمنيّة وحلّوا المشكلة. الأخبار في هذا الصّدد في متناول أيدينا وهم يقدّمونها إلينا. أرادوا تنفيذ عدد من الأعمال الشبيهة بهذه الفاجعة التي سبّبوها في كرمان،[11] فالتفت الناس وأدركوا ما يحدث، والتفتت الأجهزة وحالت دونها. ربّما يمكن القول إنّ العدوّ يودّ تنفيذ عشرات الأضعاف مما يحدث الآن لكن يجري إحباط ذلك. [طبعاً] كثير من الإحباط يجري بمساعدة الناس.
هذه القضيّة التي تطرّقت إليها، قضيّة حضور النّاس، هي من الضرورات الحتميّة لإدارة البلاد على نحو صحيح وتحقيق التقدّم للثورة الإسلاميّة وجعلها تحقّق النتائج وتبلغ الأهداف. حضور الناس في الميدان [مهم]. ينبغي الترويج لهذا. يجب أن يعمل في هذا المجال كلّ من لديه صوتٌ ولسانٌ بليغ وجمهور وفي مقدوره التأثير. {وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ} (العصر، 3)، هذا حقٌّ، والتواصي بالحقّ مسؤوليّة الجميع: عالم دين، أو أستاذ جامعة، أو منبر، أو مؤسسة الإذاعة والتلفزيون، أو مسؤول سياسيّ، أو مدير للجهاز الفلاني، أو عالم، أو مرجع... كائناً من كان. إنّها مسؤوليّة، وينبغي أن نحثّ الناس على الحضور في الميدان والثبات فيه والتعرّف إلى مستلزماته. طبعاً يجب أن يعلم المسؤولون الحكوميّون أيضاً أنّ الناس مستعدّون و[لذلك] مسؤوليتهم ثقيلة، سواء أكانوا المسؤولين الحكوميّين أم الناشطين في الساحات السياسيّة والثقافيّة، فيجب أن يمهّدوا الأرضيّة.[12] أسأل الله أن تستمرّ هذه الجهوزيّة على هذا النّحو وتتضاعف يوماً بعد يوم.
حسناً، قلنا إنّ الناس مستعدّون، فما الدليل على ذلك؟ هذا الاحتشاد العظيم في الذكرى السنويّة الرابعة لاستشهاد [الفريق] سليماني. هذا أحد الأدلّة. [كذلك] مشاركة الناس في مسيرات الحادي عشر من شباط،[13] وفي أيام الجمعة الأخيرة من شهور رمضان، ومسيرات التاسع من دي،[14] ومختلف أيام الله، ومشاركتهم الآن في الذكرى السنويّة لاستشهاد الشهيد سليماني. ينطلق الناس من المناطق البعيدة ليزوروا مزاره فتقع هذه الحادثة المفجعة والمُحزنة أيضاً، ثمّ يتواصل احتشاد الناس غداتها بالزّخم والقوّة والدافع نفسه. إذاً، الناس مستعدّون ونحن من علينا التنظيم وتقديم المساعدة وإفساح الطريق وتمهيد الأرضيّة.
في ما يرتبط بهذه القضيّة المحزنة والمُفجعة التي وقعت في كرمان، والتي أفجعت الشعب بالمعنى الحقيقي للكلمة، نحن لا نصرّ على اتّهام هذا وذاك، بل على العثور على العناصر الحقيقيّين الذين يقفون في كواليس هذه الحادثة، وأن نوجّه إليهم ضربة قاصمة. المسؤولون الموقّرون مشغولون حقّاً بالعمل، وأنا مطّلعٌ على الأمور من كثب. لقد عملوا جيّداً ولا يزالون، ونسأل الله أن يتمكّنوا من تدفيع أولئك ثمن أفعالهم.
لنقل كلمة في قضيّة غزّة أيضاً. تكشف التوقّعات عن نفسها تدريجيّاً. فمنذ البداية كان توقّع ذوي الأبصار الثاقبة في العالم، هنا أو في أماكن أخرى، أنّ المقاومة في فلسطين هي التي ستنتصر في هذه القضية، وأنّ الهزيمة ستكون من نصيب الكيان الصهيوني الخبيث والملعون. هذا يحدث الآن، والجميع يشاهدونه. يرتكب الكيان الصهيوني الجرائم منذ ثلاثة أشهر؛ أولاً ستُخلّد هذه الجرائم في التاريخ، فحتّى بعد زوال الكيان الصهيوني وفنائه وتطهّر الأرض منه - بتوفيق من الله - لن تُنسى هذه الجرائم، حتّى في ذلك اليوم. سيكتبون في ذلك اليوم أنّ جماعة بلغت الحكم في هذه المنطقة وارتكبت الجرائم بهذه الطريقة وقتلت في غضون أسابيع قليلة آلافاً عدة من النساء والأطفال!
هذا ما سيكتبونه ويقولونه ولن يُنسى. سيُدرك الجميع كيف أنّ صبر أولئك الناس وصمود المقاومة الفلسطينيّة أجبرت هذا الكيان على التراجع. حسناً، إنّ الجرائم التي يرتكبها الكيان الصهيوني لم تحقّق أيّاً من أهدافها بعد انقضاء نحو مئة يوم. ما الذي تعنيه الهزيمة؟ هذا ما تعنيه. قال [العدو]: سنقضي على «حماس»، وعجز. قال: سنهجّر أهالي غزّة، وعجز. قال: سنمنع الخطوات التي تُقدم عليها المقاومة، وعجز. المقاومة حيّة ونشيطة وعلى جهوزية، وذاك الكيان متعب ويشعر بالخزي والندم، ومطبوع على جبينه وصمة عار المجرم. هذا هو الوضع السائد اليوم.
هذه عِبرة، وتنبغي متابعة هذا النهج: الصّمود في وجه الظلم والغطرسة والاستكبار والغصب. يجب أن يتواصل هذا النهج. لا بدّ أن تُبقي المقاومة بقوّة على مواكبتها العصر وعلى أهُبّة الاستعداد وألا تغفل عن مكر العدوّ، وأن توجّه الضربات – بعون الله – حيث تطال يدها. سوف يُنجز هذا العمل وسيأتي ذاك اليوم، إن شاء الله، وسوف يرى الشعب الإيراني والشعوب المسلمة والفئات المؤمنة في أرجاء العالم غلبة الصّمود والقوّة والصبر، والتوكّل على الله، على الأعداء والعداوات وشياطين العالم.
والسّلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
[1] انتفاضة أهالي قم في 9/1/1978.
[2] انتصار الثورة الإسلامية في 11/2/1979.
[3] صحيفة الإمام (النسخة الفارسية)، ج. 1 ص. 243؛ خطابه في جمع من طلاب وعلماء الحوزة وأهالي قم، 3/6/1963.
[4] «ميدان آستانه» مقابل حرم السيدة فاطمة المعصومة (ع) والمدرسة الفيضية الملاصقة للحرم.
[5] مصطلح عامي في بعض اللهجات العربية والفارسية بمعنى مكتظ.
[6] نهج البلاغة، الكتاب 53.
[7] بما في ذلك كلمة في لقاء رئيس الجمهورية وأعضاء مجلس الحكومة، 9/10/2005.
[8] كلمة في لقاء جمعٍ من مدّاحي أهل البيت (ع)، 3/1/2024.
[9] إثر حادث تحطم طائرة نقل الركّاب الأوكرانية في 8/1/2020، الذي وقع بسبب خطأ بشري للدفاعات الجوية، أقدم عدد من طلاب جامعة «صنعتى شريف» وجامعة «أمير كبير»، ممّن كانوا قد عقدوا حفلاً تأبينياً لضحايا تلك الطائرة، وبتحريضٍ من بعض من يطلقون شعارات هدّامة، على تمزيق صورة الشهيد سليماني.
[10] إبلاغ السياسات العامّة للمادة 44 من الدستور، 22/5/2005.
[11] في الثالث من كانون الثاني/يناير من العام الجاري، ومع حلول الذكرى السنويّة لاستشهاد الحاج قاسم سليماني، فجّر إرهابيّين عبوتين بين زوّار مزار الشهيد سليماني. أدّت هذه الحادثة إلى وقوع عدد من الشهداء والجرحى.
[12] هتاف الحضور: أيّها القائد الأبيّ، نحن على أهبة الاستعداد.
[13] ذكرى انتصار الثورة الإسلاميّة في 11/2/1979.
[14] انطلقت هذه المسيرة للمرّة الأولى ردّاً على أحداث الفتنة عام 2009 واعتراضاً على تدنيس حرمة التاسوعاء والعاشوراء في ذلك العام على يد بعض المندسّين بين أفراد الشعب.
قائد الثورة الإسلامية يعزي علماء باكستان بوفاة الشيخ محسن علي نجفي
قدم قائد الثورة الإسلامية في إيران سماحة آية الله السيد علي خامنئي التعازي إلى علماء الدين والحوزات العلمية في باكستان برحيل العالم الجليل الشيخ محسن علي نجفي.
وكتب قائد الثورة في رسالة التعزية: تلقينا بأسى وأسف نبأ رحيل العالم الكريم والخدوم المغفور له حجة الإسلام والمسلمين الحاج الشيخ محسن علي نجفي طاب ثراه.
وأضاف سماحته: إني أقدم التعازي والمواساة بفقدان هذا العالم الجليل إلى علماء الدين والحوزات العلمية في باكستان وكذلك أسرة ومحبي المغفور له خاصة شيعة " بَلتِستان" المحترمين وأسال الباري عز و جل أن يتغمد هذا العالم الورع بمغفرته الواسعة وأن يهبه الدرجات الرفيعة، والصبر والسلوان لذويه المحترمين.
يذكر أن آيه الله محسن علي نجفي كان من علماء الدين والمفسرين البارزين الشيعة في باكستان، تلقى دروسه في النجف الأشرف على يد أساتذة بمن فيهم المرحوم آية الله الخوئي والشهيد آية الله محمد باقر الصدر، وقد أسس المغفور له حوزتي "جامعة أهل البيت" و "جامعة الكوثر" العلميتين وكان رئيس المجلس الأعلى لرابطة أهل البيت عليهم السلام في باكستان ومؤسس نظام "أسوة" التعليمي وعدة جامعات خاصة في باكستان.
السيد نصر الله يقوّض مكسب 'نتنياهو' الوحيد
وقد فنّد السيد نصر الله في كلمته كيف ان رئيس وزراء الاحتلال واركان حكومته لم يحققوا اي انجاز او انتصار او مكسب في الحرب الدائرة في غزة، وعمد الى تعداد النقاط التي تضع الاسرائيليين في مأزق امام الشارع الاسرائيلي والعالم.
وفيما بدا وكأنه رسالة واضحة بأن الحزب لن يتخذ من الاغتيال ذريعة لتحقيق مكسب آخر لنتنياهو من خلال التسبب باندلاع حرب شاملة في المنطقة مع الحرص على الابقاء على الغموض والترقب حول طبيعة الرد وتوقيته، شدد نصر الله على ان سقوط نتنياهو والهالة الاسرائيلية سيكون على أيدٍ فلسطينية بدعم لبناني- عراقي-يمني، اي بمعنى آخر لن يكون الحزب من يشعل فتيل الحرب الاكبر بل على الكيان اللقيط ان تتخذ هذه الخطوة اذا تجرّأ عليها.
ونشر موقع النشرة اليوم الجمعة اما الامر اللافت الثاني فكان عن المعلومات التي حصلت عليها "اسرائيل" بطريقة او بأخرى، وهذا بحد ذاته يجب ان يكون مصدر قلق لحزب الله الذي، بدوره، يحقّق اصابات مباشرة في صفوف الجنود الاسرائيليين بفضل مراقبته الدقيقة المتواصلة لتحركاتهم.
ويرى الكثيرون ان ما قيل حول امكان ان يرد الحزب عبر استهداف مسؤولين اسرائيليين في دول غربيّة، هو كلام في غير محله، لانه اولاً يضع الحزب في خانة لا يريد ان يكون فيها ايّ الارهاب، وثانياً ستعقّد وضعه لانها ستضعه في مواجهة مباشرة مع الدولة المعنيّة التي ستحصل فيها العمليّات، وقد يشتّت مثل هذا الحادث التركيز على ابتعاد الرأي العام الغربي عن الدعم المطلق لكيان "اسرائيل"، والذي يستمرّ بالنموّ بعد مشاهد الاجرام المتمادي للاسرائيليين بحق الفلسطينيين.
قد يكون نتنياهو حقّق مكسباً يقدمه الى الاسرائيليين عبر اغتيال العاروري، ولكن نصر الله سارع الى محاولة تقويض هذا المكسب والتركيز على اخفاقات رئيس الوزراء الاسرائيلي الحالي، والتحضير للتعامل مع مرحلة ما بعد نتنياهو، حيث يمكن ان يحلّ هذا الوضع في وقت قريب اذا ما بقي مسار الامور على حاله، والطامة الكبرى ستكون اذا ما كانت "اسرائيل" وراء التفجيرين في ايران، فعندها سينقلب السحر على الساحر وسيتآكل الوقت لبقاء نتنياهو في منصبه من دون الحاجة الى ردّ مزلزل.
واشنطن تقر بقدرات حماس الكبيرة في غزة؛ هل هو اعلان فشل؟
قدرات حماس العسكرية الكبيرة التي لقّنت الكيان الاسرائيلي الدروس الأليمة اثر عدوانه على قطاع غزة، أجبرت واشنطن أخيراً على الاعتراف بها، مؤكدةً أنّ حركة حماس لا تزال تمتلك قدرات كبيرةً داخل غزة.
وقال منسق الإتصالات الاستراتيجية في مجلس الأمن القومي الأميركي جون كيربي "أن المسؤولين الأميركيين يدركون أنّ الهجمات العسكرية لن تقضي على فكر حماس، ونحن علينا ان نقبل فكرة أن حماس ستبقى موجودة".
وخلال المؤتمر الصحافي برر كيربي وجود قوات بلاده في منطقة غرب اسيا، معتبراً التواجد العسكري مستمر في الشرق الأوسط، بما في ذلك حاملة الطائرات 'آيزنهاور'، وبعض السفن التي تعمل مع دول أخرى في البحر الأحمر، وقال إن ذلك يأتي للدفاع عن مصالح واشنطن وحلفائها وشركائها.
دعم الولايات المتحدة لكيان الاحتلال الاسرائيلي عسكرياً وسياسياً واستراتيجياً يجري دون مراجعة الكونغرس عبر استخدام سلطة الطوارئ، ولولاه لقاتلت تل ابيب بالعصي والحجارة كما قال أمنون إبراموفيتش محلل الشؤون السياسية في القناة الثانية عشرة.
إلا أن المقاومة الفلسطينية تواصل تكبيد جيش الاحتلال خسائر كبيرة بالارواح والمعدات، وتواصل الحصيلة الرسمية لقتلى ومصابي جيش الاحتلال بالارتفاع منذ عملية طوفان الاقصى وبدء التوغل البري في غزة، كان اخرها اعلان مقتل ضابط اسرائيلي من سلاح الهندسة، واصابة خمسة وعشرين جندياً خلال اربع وعشرين ساعة.
كما أعلن الناطق العسكري باسم كتائب القسّام أبوعبيدة أن المقاومين تمكنوا خلال الأيام الأربعة السابقة من تدمير إحدى وسبعين آليةً عسكريةً إسرائيليةً كلياً أو جزئياً، مؤكداً مقتل ستة عشر جندياً إسرائيلياً.
اعلان يأتي فيما تدور معارك ضارية بين الفصائل الفلسطينية وقوات الاحتلال في مدينة خانيونس جنوب غزة ومخيم المغازي وسط القطاع. كما تنفذ كتائب القسام سلسلة عمليات ضد القوات المتوغلة من بينها استهداف جنود ودبابات وجرافات في مختلف محاور القتال. كما أسقطت طائرة استطلاع من نوع هيرمز تسعمئة بصاروخ مضاد للطائرات، وسيطرت في عملية أخرى على طائرة مسيّرة إسرائيلية في مدينة غزة.
من جهتها، اعلنت سرايا القدس قنص جنديين إسرائيليين في محور شمال مخيم البريج وسط غزة، كما خاضت اشتباكات بالأسلحة الرشاشة مع جنود الاحتلال في محاور شمال القطاع.