emamian

emamian

الثلاثاء, 30 كانون2/يناير 2024 04:30

دوافع الغرب الحقيقية في طرح قضايا المرأة

1- إستغلال المرأة:
أ- في العمل:

في أوروبّا حتّى حينما شرّعوا للمرأة حقّ الملكية، فقد كان الدافع إليها ـ وفقاً للدراسات التي أجراها علماء الاجتماع الأوروبيون أنفسهم ـ
 هو حاجة المصانع إلى المزيد من الأيدي العاملة، في وقت كانت فيه التقنية الحديثة والصناعات قد اتّسع مداها وتطوّرت، وكان ذلك الإجراء بمثابة محفّز لاستقطاب هذه الأيدي العاملة التي كانوا يدفعون لها عادة أجوراً أدنى، ولم يشرّع حقّ الملكية هذا إلّا في مطلع القرن العشرين[1].
 
الأوروبيين عندما تقدّموا صناعياً (أوائل القرن التاسع عشر) وفتح الرأسماليون الغربيون مصانع كثيرة، كانوا بحاجة إلى عمّال بأجور زهيدة لا يثيرون العناء، ولذا رفعوا ضجّة حرّية المرأة من أجل سحب المرأة من الأسرة إلى المصانع والاستفادة منها باعتبارها عاملاً زهيد الأجر، فيملؤون جيوبهم، ويسقطونها من كرامتها ومنزلتها[2].
 
ب- في إخماد الشهوة:
المرأة في النظرة الغربيّة هي وسيلة لإخماد الشهوة، وهو أمرٌ لا يمكن إخفاؤه وإنكاره.
 
2- إشاعة الفساد في البلدان الاسلاميّة:
طوال هذه السنوات التسع عشرة، من أوّل الثورة وإلى يومنا هذا، دأبوا على نسج الأكاذيب حول رؤية الإسلام والجمهورية الإسلامية بشأن المرأة.
 
الغربيون يريدون أن يبقى الرجل والمرأة، والفتيان والشيوخ، يساقون ـ كما كان الحال في العهد البهلويّ ـ نحو مهاوي الرذيلة والتحلّل. ويطمحون إلى اتّباع نفس هذا السياق في ظلّ نظام الحكم الإسلاميّ، ويبغون إشاعة نفس ذلك البلاء الذي حلّ بالدول الغربية وأضحى اليوم مثار قلق للحريصين في تلك البلدان ـ وخاصة أمريكا ـ حول انتشار ظاهرة الفساد والتحلّل بين شبّانها، حتّى لم يعد بالامكان السيطرة عليها أو معالجتها.
 
الغربيون يريدون تفشّي هذا الفساد في البلدان الإسلامية، وفي بلدنا الإسلاميّ. الذي يحكم نظامه وفقاً لاُسس القرآن. ويمارسون ضغوطهم الاعلامية بأساليب الاستهانة والسخرية والدجل واختلاق الأكاذيب في ادّعاء أنّ النساء يتعرّضن للتعذيب، من أجل إيقاع النظام الإسلامي في حالة من الانفعالية وارغام الشعب والمسؤولين على التراجع أمام هذه الأقاويل. ولكن حاشا وكلّا أن يكون هذا[3].
 
3- سلب هويّة المرأة المسلمة:
لقرنٍ من الزمن والثقافة الغربية تسعى مدعومة بالمال والقوّة والسلاح والدبلوماسية من أجل فرض الثقافة الغربية وأسلوب الحياة الغربية على المجتمعات الإسلامية بين النساء. لمئة سنة كان السعي من أجل أن تفقد المرأة المسلمة هوّيتها. فقد استُخدمت جميع العوامل المؤثّرة وعناصر القوّة: المال، والإعلام، والسلاح، والخدع المادية المختلفة، والغرائز الجنسية الطبيعية للإنسان، كلّ هذه استُخدمت من أجل إبعاد المرأة المسلمة عن هويّتها الإسلامية. واليوم إذا كنتنّ أيّتها السيّدات النخبة[4] الإسلامية تسعين لاسترجاع هذه الهوية للمرأة المسلمة، فإنّكنّ تقدّمن أكبر خدمة للأمّة الإسلامية وللصحوة الإسلامية، والعزّة والكرامة الإسلامية. فصحوة النساء، والشعور بالشخصية والهوية بينهنّ، والوعي والبصيرة في المجتمع النسائيّ سيكون لذلك كلّه تأثيرٌ مضاعفٌ على الصحوة الإسلامية والعزّة الإسلامية[5].
 


[1] خطاب الإمام الخامنئي دام ظله بمناسبة ولادة الصديقة الطاهرة عليها السلام ويوم المرأة، في طهران - ملعب الحرية الرياضي، بحضور جموع غفيرة من النساء المؤمنات، بتاريخ 19/06/1418ه.ق.
[2] خطاب الإمام الخامنئي دام ظله بمناسبة مولد الصديقة الزهراء عليها السلام، في طهران، بحضور جموع من أعضاء المراكز والجامعات الثقافية والسياسة وأسر الشهداء، بتاريخ 21/06/1413هـ.ق.
[3] خطاب الإمام الخامنئي دام ظله بمناسبة الذكرى السنوية الثامنة لرحيل الإمام الخميني قدس سره، في طهران، بحضور جموع غفيرة من أبناء الشعب، بتاريخ 28/01/1418ه.ق.
[4] الخطاب موجه للسيدات النخبة المشاركات في مؤتمر الصحوة الإسلامية واليوم المرأة العالمي، من 84 دولة.
[5] خطاب الإمام الخامنئي دام ظله في لقاء المشاركات في المؤتمر العالمي للمرأة والصحوة الإسلامية، بمناسبة المؤتمر العالمي للمرأة والصحوة الإسلاميّة، في طهران، بحضور المشاركات في المؤتمر (من 84 دولة)، بتاريخ 11/07/2012م.

وذكرت الصحيفة، ان الضربة على القاعدة الأمريكية في محافظة الأنبار، التي تضم بشكل أساسي قوات عراقية، تعد أكبر هجوم صاروخي على القوات الأمريكية منذ عام 2020، ردا على اغتيال شهيدا القدس الحاج قاسم سليماني والحاج ابومهدي المهندس في بغداد .

وبحسب الصحيفة، قال الجيش الأمريكي إن"عدة أفراد أمريكيين أصيبوا في هجوم صاروخي باليستي على قاعدة عين الأسد الجوية العراقية غربي بغداد يوم أمس".

وأشارت إلى أنه "منذ بدء الحرب التي يشنها الكيان المحتل على غزة، تعرض الجيش الأمريكي للهجوم 58 مرة على الأقل في العراق و83 مرة أخرى في سوريا من قبل فصائل المقاومة الإسلامية"، مبينة أن "الهجوم يتكون من مزيج من الصواريخ وطائرات بدون طيار هجومية في اتجاه واحد".

ولم تتضح حتى الان اضرار وتفاصيل الهجوم الصاروخي الذي طال قاعدة عين الأسد مساء أمس السبت، حتى الان، الا انه يبدو وكأنه اقوى هجوم يطال القاعدة حتى الان منذ بدء التوتر في 17 أكتوبر الماضي، وفقا للصحيفة.

ونقلت رويترز عن مسؤول امريكي قوله، إن "القصف تسبب بإصابات طفيفة لعناصر أمريكيين، وان التقارير الأولية تشير إلى أن القاعدة تعرضت للقصف بصواريخ باليستية، وربما بأنواع أخرى من الصواريخ، والتقييم مستمر".

من جانبها أكدت القيادة المركزية الأمريكية أن "الهجوم وقع بصواريخ باليستية بالفعل".

وكانت ايران قد نجحت امس بوضع القمر الاصطناعي "ثريا" البحثي الذي يزن حوالي 50 كيلوغراما، في مدار 750 كيلومترا بواسطة حامل القمر الاصطناعي "قائم 100" التابع لحرس الثورة الاسلامية .

يشار الى ان حامل القمر الاصطناعي "قائم 100" هو صاروخ ثلاثي المراحل ويعمل بالوقود الصلب.

وكان قد تم تم تنفيذ الإطلاق شبه المداري للحامل "قائم 100" التابع لقوات الجو فضاء التابعة للحرس الثوري بنجاح في نوفمبر من العام الماضي.

التعلّق بالدنيا والسباق للحاق بركْبها، هو نقصٌ بالنسبة إلى المسؤول في الجمهورية الإسلاميّة وبالمعنى الذي أشير إليه هو نقطة سالبة. يجب أن يكون الأمر معاكسًا لذلك. فلا ينبغي أن يُنظر إلى الحكم والمقام والمنصب في الجمهوريّة الإسلاميّة بصفته غنيمة. لهذا فالناس في العالم يسعون للوصول إلى المناصب؛ لأي منصبٍ كان، فلا فرق؛ من استلام إدارة عضويّة أو رئاسة لمجموعة ومنظمة صغيرة، وصولًا إلى رئاسة أحد البلدان. يسعون خلال خمس، أو ست سنوات للوصول إلى الحكم وخلال هذه السنوات المعدودة يأملون بالحصول على أقصى المتع. فلا تتصوّروا أنّ أناسًا في العالم يسعون مثلًا للوصول إلى رئاسة الجمهورية أو لنيل مناصب عليا، بهدف الخدمة! هم أنفسهم لا يدّعون ذلك. فليس لديهم هذا الادعاء ويعتقدون أنه: أمَّا وقد تمكّنا من الوصول إلى هذا المنصب، فلا بد من الاستفادة من مُتعه. وكما قال أمير المؤمنين لعامله "وإن عملك ليس لك بطُعمة"[1]، فإنهم يعدّونها طُعمة. فالدنيا لديهم طعمة وعندما يصلون إليها لا بدّ وأن يستنزفوها بالمخالب والأسنان ويتمتعوا بها، وأن يستفيدوا بالحدّ الأقصى من أموالها، قوتها، نفوذها، تسهيلاتها، إمكاناتها ويلتهمونها ويقدّمونها لقمةً سائغة لأقاربهم وأصدقائهم.

وهذا هو عُرف الدنيا. لكن ماذا عن الجمهوريّة الإسلاميّة؟ هنا لا بدّ وأن تُتلقى هذه المسائل على أنّها عين المسؤوليّة والتكليف المحض. تتلقّى كوظيفة؛ وظيفة صعبة كلما ارتقت زادت صعوبة. فينبغي أن يُنظر إليها كمسؤولية ذات تعهّد والتزام. لا أن نتلقّاها على أّنها أفضل الفرص حينما نجد الإمكانات متاحة، فنستغلها للرفاهية الشخصيّة، الشكليّات، الإسراف والترف وغيره. فلا فرق بين أن يكون المنصبُ نيابةً في المجلس (النّيابي)، أو في الأجهزة الحكوميّة العليا، أو مسؤوليّات عسكريّة كبرى، أو مسؤوليّات قضائيّة عليا. لا ينبغي أن يُنظر إلى هذه الإمكانات كطُعمة وغنيمة ونقول: “الآن وقد وصلنا، فلنستغلّ الوضع!” ينبغي أن يخضع كلّ شيء للحقّ والحساب وأن يكون بالتحلّي بروحيّة الإعراض عن زخارف الدنيا. فإذا تحقّق هذا، يصبح الطريق والحركة أسهل.[2]
 
ضرورة اقتداء المسؤولين بزهد أمير المؤمنين (عليه السلام)
هناك نقطتان في حياة أمير المؤمنين (عليه السلام)، ينبغي أن يُلتفت إليهما أكثر خلال هذه الفترة من حياة وطننا وهذه الحقبة من الزمن. بالطبع فإنّ تلك النقطتين هما في الواقع فصلان من فصول حياة أمير المؤمنين (عليه السلام)، وفي الحقيقة هما صفحتان من كتاب ضخم. لكنّهما صفحتان مهمتان أيضًا.

... النقطة الثانية هي الزهد والحياة الشخصيّة. فينبغي أن أقيّمَ حياتي وأنظر إن كنت مُنصبًّا على حياتي الشخصيّة أم لا؟

كلّ منّا يجب أن يحاسبَ نفسه. فحينما يدور الحديث بين المسؤولين أو عنهم، فإنّ القضيّة هي قضيّة شخصيّة. أي أنّه يتوجّب على كلّ مسؤولي البلد أن يسعوا ويجتهدوا لتتجلّى فيهم ملامح زهد أمير المؤمنين (عليه السلام). بالطبع فإنّنا لن نستطيع إدراك زهد علي (عليه السلام) ولا نقدر أن نتحمّله. فنحن لا نقدر أن نعيش هكذا! لكن ربّما يمكننا الحصول على شعاع وقبس من تلك العدالة وذلك الزهد. لا ندّعي أنّنا لا نقدر، فالإمام سلام الله عليه هو من قال ذلك. فلا أحد يقدر على ذلك والأمر ليس محصورًا فينا فقط. حتى بعض المعصومين (عليهم السلام) أيضًا حينما حاولوا، أظهروا عجزهم عن التصرف كأمير المؤمنين، القضيّة ليس البحث حوّل هذا النحو من العدالة. لكن ينبغي أن تكون هذه صبغتنا ولو في الحدّ الأدنى. ينبغي أن يكون هذا سلوكنا ولو بشكل أضعف وأقلّ. لا ينبغي أن نتحرّك في جهة معاكسة. يجب على المسؤولين أن يعلّموا الشعبَ هذا المعنى بشكل عمليّ.[3]
 


[1] نهج البلاغة، الخطبة 5.
[2]  في لقاء الموظفين وفئات الشعب المختلفة في يوم ولادة حضرة أمير المؤمنين (عليه السلام)، 17/10/1371هـ.ش [7/1/1993م].
[3] في لقاء الموظفين وفئات الشعب المختلفة في يوم ولادة حضرة أمير المؤمنين (عليه السلام)، 17/10/1371هـ.ش [7/1/1993م].

لا قدّر الله أن يُبتلى الإنسان بأمراض لا تظهر آلامها. إنّ الأمراض المؤلمة تدفع الإنسان لأنّ يُفكّر بعلاجها، فيذهب إلى مراجعة الطبيب أو المستشفى. بيد أنّ المرض الذي لا يُرافقه الألم ولا يشعر الإنسان بتبعاته مرض خطير لأنّه عندما يتنبّه إليه الإنسان يكون قد فات الأوان واستحال العلاج.
 
والأمراض النفسية هي من هذا النوع. فلو كانت مصحوبة بالألم المباشر لحرّكت المصاب ودفعته إلى معالجتها. ولكن ماذا نفعل إذا كانت هذه الأمراض لا يُحسّ بآلامها رغم خطورتها؟
 
إنّ مرض الغرور والأنانية، من الأمراض التي لا تظهر آلامها وهي ليس فقط غير مصحوبة بالألم، بل تتّسم بظاهر يبعث على التلذّذ. إذ أنّ مجالس الغيبة والنميمة قد تكون محبّبة!
 
فالإنسان يشعر مع حبّ النفس وحبّ الدنيا وهما مصدر جميع الذنوب، بلذّة ونشوة. فإذا ما ابتُلي الإنسان بحبّ الدنيا واتباع الهوى، واستحوذ حبّ الدنيا على قلبه، فإنّه يتألّم من كلّ شيء عدا الأمور الدنيوية، ويُعادي - والعياذ بالله- الله وعباده والأنبياء والأولياء وملائكة الله، ويحسّ بالحقد والبغضاء تجاههم.
 
وحينما يأتي أجله وتأتي ملائكة الله لتتوفّاه يشعر بالاستياء الشديد وينفر منهم، لأنّهم يريدون أن يُبعدوه عن محبوبته (الدنيا والأمور الدنيوية). ولذلك يُبغضهم وينفر منهم، وربما يخرج من هذه الدنيا وهو عدوّ لله تعالى.
 
حدّثَ أحد الأكابر من أهالي قزوين رحمه الله فقال: "إنّه كان جالساً عند رأس شخص يحتضر فسمعه يقول: إنّ الظلم الذي ظلمني إيّاه الله تعالى لم يظلمني أحد مثله، فلقد بذلت مهجتي في تربية أولادي، وها هو يريد أن يُبعدني عنهم! فهل هناك ظلم أشدّ من هذا وأعظم؟".
 
اتقوا الله.. اخشوا عاقبة الأمور... أفيقوا من غفلتكم... إنّكم لم تفيقوا بعد ولم تخطوا الخطوة الأولى. إنّ اليقظة تُمثّل الخطوة الأولى في السلوك.
 
الحذر من استفحال حبّ النفس والدنيا
إذا لم يُهذّب الإنسان نفسه، ولم يُعرض عن الدنيا ويُخرج حبّها من قلبه، فيُخشى عليه أن يترك الدنيا وقلبه مملوء بالحقد على الله وأوليائه وأن يواجه مثل هذا المصير المشؤوم.
 
هل حقّاً إنّ هذا الإنسان الصلف هو أشرف المخلوقات، أم هو في الحقيقة أشرّ المخلوقات؟ يقول الله تعالى: ﴿وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ﴾[1].
 
إنّ المستثنى في هذه السورة هم "المؤمنون" الذين عملوا الصالحات فحسب، و"العمل الصالح" هو الذي ينسجم مع الروح.
 
ولكن كثيراً من أعمال الإنسان كما ترون تنسجم مع الجسم دون أن يوجد من النواحي المذكورة في السورة المباركة عين أو أثر.
 
فإذا كان الأساس أن يُسيطر عليكم حبّ الدنيا وحبّ النفس ويحول دون إدراككم للحقائق والواقعيات، ودون أن يكون عملكم خالصاً لوجه الله تعالى، ويمنعكم عن التواصي بالحقّ والتواصي بالصبر، ويسدّ طريق الهداية أمامكم؛ فإذا كان هذا الأساس فستبوؤون بالخسران المبين وتكونون ممّن خسر الدنيا والآخرة. لأنّكم أضعتم شبابكم وحُرمتم من نعم الجنّة ونعيم الآخرة، وأضعتم دنياكم وآخرتكم.
 
احذروا أن يستفحل لا سمح الله حبّ الدنيا وحبّ النفس شيئاً فشيئاً في نفوسكم، ويصل بكم الأمر إلى أن يتمكّن الشيطان من سلب إيمانكم؛ إذ يُقال إنّ كلّ جهود الشيطان تتكرّس لسرقة الإيمان وسلبه.
 
إنّ كلّ جهود إبليس ومساعيه مكرّسة لاختطاف إيمان الإنسان. فلم يُقدّم لكم أحد تعهّداً أو مستنداً ببقاء إيمانكم. فما أدراكم لعلّه إيمان مستودع يتمكّن الشيطان في النهاية من سلبه منكم، فتخرجون من الدنيا بعداوة الله وأوليائه.. عُمْرٌ قضيتموه تتنعّمون بالنعم الإلهية وتجلسون على مائدة الإمام صاحب الزمان (عج) وفي النهاية تُفارقون الحياة عديمي الإيمان، والعياذ بالله، وتُعادون ولي نعمتكم.
 
وعليه فإذا كانت لديكم علاقة بالدنيا ومحبّة لها، فحاولوا بكلّ جهدكم أن تقطعوا هذه العلائق. إنّ هذه الدنيا بكلّ زخارفها وبهارجها، أحقر من أن تستحقّ المحبّة، فكيف إذا ما كان الإنسان محروماً حتى من هذه المظاهر. فماذا تملكون أنتم من الدنيا حتى تنشدّ قلوبكم إليها؟...
 
وإذا افترضنا أنّ لكم من الدنيا ما للمرفّهين والمترفين، فإنّكم ستقضون عمركم باللذائذ ثم ترون عند انتهاء العمر أنّ كلّ ذلك ليس أكثر من حلم جميل سرعان ما انقضى، بَيْدَ أنّ تبعاته ومسؤوليّاته سوف تبقى تلاحقكم وتأخذ بخناقكم دوماً.
 


[1] سورة العصر، الآيات 1 - 3.

الإثنين, 22 كانون2/يناير 2024 03:24

لماذا ينبغي عليك أن تسأل الله العفاف؟

عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "إنّ الله يحبّ الحييّ المتعفّف، ويبغض البذي السائل الملحف"[1]. وعن الإمام علي عليه السلام في صفة المتّقين: "حاجاتهم خفيفة، وأنفسهم عفيفة"[2].
 
ولهذا كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يدعو: "اللهمّ، إني أسألك الهُدى والتُقى والعفاف والغنى!"[3].
 
شعب العفاف وآثاره
للعفاف العديد من الشعب، منها:

عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "أمّا العفاف: فيتشعّب منه الرضا، والاستكانة، والحظّ، والراحة، والتفقّد، والخشوع، والتذكّر، والتفكّر، والجود، والسخاء، فهذا ما يتشعّب للعاقل بعفافه رضى بالله وبقسمه"[4].
 
وأمّا من ناحية الآثار، فللعفّة آثار عديدة، منها:
- القناعة: القناعة أحد أهم أصول العفاف، عن الإمام علي عليه السلام: "على قدر العفّة تكون القناعة"[5].
 
- الغيرة: عن الإمام علي عليه السلام: "دليل غيرة الرجل عفّته"[6].
 
- الصبر على الشهوات: وعنه عليه السلام: "الصبر عن الشهوة عفّة، وعن الغضب نجدة"[7]، وعنه عليه السلام: "العفّة تضعف الشهوة"[8].
 
- زكاة الأعمال: وعنه عليه السلام: "بالعفاف تزكو الأعمال"[9].
 
معوّقات العفّة وموانعها
إنّ العفّة هي برنامج حياة وخلق وأدب، يجب أن يتحلّى بها من أراد السموّ والمروءة، وما تماسك المجتمعات والأسر إلّا بوجود العفّة القوية الراسخة في ذلك المجتمع. وإنّ من أسباب تفكّك المجتمعات والأسر، هو ضياع العفّة وضعفها، وكثرة الابتذال، والتحلّل من القيود والضوابط الدينية، بلا فرق بين الفقهي، والأخلاقي، والاجتماعي والمالي منها، وأكثر ما يؤدّي إلى الابتذال وضعف العفّة أو عدم وجود العفاف، هو:

- وسائل الإعلام وما تقدّمه من سموم عبر شاشاتها المختلفة.
 
- حملة الإفساد الموجّهة للمرأة، وتزيين الفاحشة لها، وذلك بالدعوة للتبرّج والسفور، وترك الحجاب.
 
- تأخّر الزواج عند الشباب، وذلك بسبب صعوبة المعيشة وارتفاع المهور.
 
- قلّة الورع، وقلّة الأمانة، وعدم المبالاة بالحلال والحرام.
 
- دعاة الفجور ودعاة التحلّل من القيم والفضائل، إنّما غرضهم أن يصبغوا المجتمع المسلم بصبغةٍ غير إسلامية وأن يحوّلوا المجتمع المحافظ على دينه وأخلاقه وقيمه إلى مجتمعٍ منهار القيم والأخلاق.
 
- أعداء الشريعة الذين يروّجون للتحلّل من القيم والفضائل، ولهم شُبَهٌ يدلون بها، فيقولون إنّه لا بدّ من إعطاء النّفس مُناها وترفيهها وجعلها ترى وتشاهد ما تفرّج به همومها، وهذا كلّه من المغالطات، فإنّ مقصودهم بذلك فتح الشرّ على مصراعيه وعدم الغيرة على محارم الله.
 
- ومن أهمّ المعوّقات للعفّة الفساد الإعلاميّ في كثير من القنوات الباطلة التي تضيع فيها العفّة وتعلو فيها الرذيلة، هذه القنوات والمنتديات التي توجّه سمومها ضدّ القيم والأخلاق فتضيع العفّة وتنتشر الرّذائل.
 
ومن أسباب ذلك أيضًا انخداع بعضهم واغتراره بما عليه الأعداء من فسادٍ في أخلاقهم وقيمهم، ينظر الى فساد الأخلاق والقيم فيغترّ بذلك، ولا ينظر الى ما أصابهم من التهوّر وما أصابهم من الأمراض الفتّاكة التي حارت بها عقولهم وضعفت بها نفوسهم وأصبحوا يعانون من تلك الأمراض والأوبئة ما أقاموا لأجله المستشفيات وأنفقوا الأموال الطائلة ليعالجوا تلك الأمراض الفتّاكة التي حلّت بهم.
 
- ومن ذلك أنّ بعضهم يقول إنّ المرأة أو الشاب أو الشابّة لا بدّ أن يمضوا شبابهم في عدم التقيّد، وهذا كلّه من المصائب، فإنّ من نشأ على شيءٍ شاب عليه ومن شاب على شيءٍ مات عليه ، فلا بدّ من المحافظة على القيم والمحافظة على الأخلاق.
 
- إنّ الإختلاط بلاءٌ عظيم، سواءٌ أكان اختلاطاً عامّاً أم خاصّاً، فالاختلاط بين الجنسين في ميادين العمل من أعظم وصمة على الإسلام وأهله، بل هو يفتح باب الشرّ على مصراعيه.
 
- إنّ الإختلاط بين الجنسين يقضي على الحياء والفضيلة والعفّة والشرف والكرامة، ويزحزح أمن المجتمع، ويدمّر الأخلاق والفضائل. وهو جريمةٌ لا يرضى بها من في قلبه مثقال ذرّة من إيمان، يرفضها كلّ مسلم ولا يرضاها لنفسه ولا لبناته ولا لأخواته ولا لواحدة من المسلمات، فالاختلاط سواءٌ كان عامّاً أو حتّى بين العوائل، الاختلاط بين غير المحارم أمرٌ منهيٌّ عنه، فلا بدّ للمسلمين من الحفاظ على سلوكهم والمحافظة على أعراضهم، والاعتقاد أنّ الاختلاط جريمة نكراء وبليّة من البلايا ما يليه. وبناءً عليه، لا بدّ من التذكير بما يحصّن النفس، ويصحّح السلوك ويقوّمه من خلال أمور:

- الحرص على عفّة الجوارح: المسلم يعفّ يده ورجله وعينه وأذنه وفرجه عن الحرام، فلا تغلبه شهواته، وقد أمر الله كلّ مسلم أن يعفّ نفسه ويحفظ فرجه، قال تعالى: ﴿وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ نِكَاحًا حَتَّى يُغْنِيَهُمْ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ﴾[10].
 
- الحرص على عفّة الجسد: فعلى المسلم أن يستر ما بين سرّته إلى ركبتيه، وعلى المسلمة أن تلتزم بالحجاب، لأنّ شيمتها العفّة والوقار، قال الله - تبارك وتعالى -: ﴿وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ﴾[11]، وقال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاء الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا﴾[12].
 
وحرَّم الإسلام النظر إلى المرأة الأجنبية، وأمر الله المسلمين أن يغضّوا أبصارهم، فقال: ﴿قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ﴾[13]. وقال تعالى: ﴿وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ﴾[14].
 
- العفّة عن أموال الغير، وعفّة المأكل والمشرب: المسلم عفيف عن أموال غيره لا يأخذها بغير حقّ.

ويمتنع عن وضع اللقمة الحرام في جوفه، وكلّ لحم نبت من حرام فالنار أولى به، يقول تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُلُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُواْ لِلّهِ إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ﴾[15].
 


[1] سورة الأحزاب، الآية 33.
[2] الشيخ الطوسي، الأمالي، تحقيق: قسم الدراسات الإسلامية - مؤسسة البعثة، نشر: دار الثقافة، قم، 1414هـ، ط1، ص29، المجلس الثاني، ح43/12.
[3] الترمذي، محمد بن عيسى، سنن الترمذي، تحقيق وتصحيح: عبد الرحمن محمد عثمان، دار الفكر، ج5، ص184، بيروت، لبنان، 1983م، باب73، ح3555.
 [4]ابن شعبة الحراني، تحف العقول، ص17.
[5] التميمي الآمدي، غرر الحكم، حكمة 6179.
[6] م.ن، حكمة 5104.
[7] م.ن، حكمة 7646.
[8] م.ن، حكمة 5104.
[9] م.ن، حكمة 4238.
[10] سورة النور، الآية 33.
[11] سورة النور، الآية 31.
[12] سورة الأحزاب، الآية 59.
[13] سورة النـور، الآية 30.
[14] سورة النور، الآية 31.
[15] سورة البقرة، الآية 172.

الإثنين, 22 كانون2/يناير 2024 03:22

النظرة للموت كتوسعة للحياة

كما ينبغي الانتباه - ضمن دراسة ظاهرة الموت - إلى حقيقة أنّ ظاهرتي الموت والحياة توجدان في عالم الوجود نظام التعاقب، بمعنى أنّ موت كلّ جماعة يُمهّد الحياة لجماعة أخرى فيه، فأجساد الحيوانات الميتة لا تذهب هدراً، بل إنّها تولد حيوانات نشطة جديدة أو نباتات طرية شابة، كما أن الصدف يقدم لعالم الوجود عندما ينغلق درّة مضيئة ثم يتولّد - من مادّة الصدف المنكسر نفسه - صدف جديد وشاب يُربّي في داخله جوهرة ثمينة أُخرى، وهكذا تتكرّر هذه العملية باستمرار، ويستمرّ فيض الحياة اللامتناهي وعلى مدى الزمان.
 
ولو لم يمت الذين عاشوا قبل ألف سنة لما حظي أهل هذا العصر بنعمة الحياة، كما أنّ بقاء أهل هذا العصر أحياء يسلب أجيال المستقبل فرصة الحياة، وإذا لم تقتطف ورود الموسم الزراعي السابق، فإنّ الورود الجديدة الطريّة لن تجد فرصة إظهار جمالها.
 
إنّ سعة المادّة لتقبّل الحياة المحدودة من جهة المكان، لكنّها غير محدودة من جهة الزمان، والطريف أنّ لمادّة العالَم سعة زمانية تتناسب مع سعتها المكانية، فكلّما ازدادت سعتها المكانية، ازدادت تبعاً لها سعتها الزمانية وبصورة لا نظير لها.
 
ومن المحتمل أن يعترض معترض بأن يقول: إنّ قدرة الله سبحانه مطلقة لا حدّ لها، فما المانع أن يبقى هؤلاء خالدين، ويوفّر الله للأجيال القادمة ما تحتاجه من مكان وطعام؟
 
لكن القائلين بهذا الاعتراض لا يعلمون أنّ كلّ ممكن الوجود قد أفاض الله ويفيض الوجود عليه، وغير الموجود هو الذي يفتقد لإمكانية الوجود. وحتى مع فرض إمكان وجود مكان آخر مناسب لحياة أقوام أخرى، فإنّ الإشكال يبقى على قوّته، لأنّ استمرار هؤلاء الأقوام في الحياة - حتى مع هذا الفرض - سيُشكّل مانعاً لوجود وحياة أجيال لاحقة في هذا المكان المفترض[1].
 
وقد ذكرنا هذه الحقيقة كقضية تكميلية للجواب الذي عرضناه تحت عنوان "الموت أمر نسبي"، والنتيجة استفادة من الجمع بين هاتين الحقيقتين هي: أنّ مادّة الكون تُوجدُ - بسيرها الطبيعي وحركتها الجوهرية - الجواهر النقية المتألّقة للأرواح المجرّدة، ثم تترك الروح المجرّدة المادّة وتواصل حياتها في مرتبة حياتية أعلى وأقوى، لتفسح المجال للمادّة لكي تُربّي في أحضانها جوهرةً أخرى.
 
وبناءً على هذه النتيجة يتّضحُ أنّ الموجود في هذا النظام الكوني هو التكامل والرقي في مراتب الحياة ولا غير، وهذا التكامل والرقي يتحقّق من خلال عمليات النقل والانتقال.
 
ولا يُمكن أن يكون ثمّة محلٍّ لمثل هذه الاعتراض في فلسفة الذي يقول: "كما تنامون تموتون، وكما تستيقظون تُبعثون"[2] كما ورد في الحديث النبوي، وصاحب هذه العقيدة لا يرهب الموت، بل يُقبل عليه بشوق ويرى فوزه فيه كما كان حال الإمام علي عليه السلام. يقول الفيلسوف الإلهي الجليل السيد الميرداماد[3] ما مضمونه: لا تخش مرارة الموت، فمرارته تكمن في الخشية منه، ويُحدّد الفيلسوف الإلهي الإشراقي الشيخ السهروردي[4] قاعدةً مؤدّاها: نحن لا نعدّ الحكيم حكيماً حتى يُصبح قادراً على خلع بدنه بمحض إرادته، أي يُصبح خلع البدن والتحرّر منه ملكة له وكأمر عادي وبسيط. وللسيد الميرداماد - وهو الحكيم المحقّق ومؤسّس حوزة أصفهان - كلام مماثل لكلام الشيخ السهروردي.
 
أجل، هذا هو منطق العارفين بقيمة الجوهرة الثمينة التي تتربّى في باطن الجسم الإنساني، أمّا الذي حبس نفسه في سجن الأفكار المادّية الخاطئة وذات الأفق الضيّق، فمن الطبيعي أن يخاف من الموت، لأنّه يراه معبراً إلى العدم ويُوذيه تصوّر أن يهدم الموت هذا الجسم الذي يتوهّم أنّه يُمثّل كلّ وجوده وهويّته وحقيقته، ولذلك فإنّ رؤيته هذه للموت تجعله ينظر بعين التشاؤم إلى الكون برمته.
 
وعلى مثل هذا الشخص أن يُعيد النظر في طبيعة فهمه للكون والحياة، وعليه أن يعرف أنّ اعتراضه على وجود قانون الموت ناتج من فهمه غير الصحيح للكون والحياة.

ويُذكّرني هذا الموضوع بقصّةِ رجل ساذج كان يبيع الكتب في المدرسة الفيضية في الأعوام التي كُنتُ أدرس فيها في قم، كان هذا الرجل يعرض كتبه ويشتري طلبة الحوزة ما يرغبون فيه منها، وكانت تصدر منه أفعال عجيبة وكلمات مضحكة يتناقلها الطلبة، وقد نقل أحدهم أنّه ذهب إليه لشراء كتاب منه، ولمّا سأله عن ثمنه أجابه: لا أبيع هذا الكتاب؟! فسأله: ولماذا؟ أجاب: إذا بعته وجب عليّ أن أشتري نسخة أخرى لأضعها في محلّه! فضحك الطالب من قوله: إذ لا يخفى أنّ بائع الكتب لا يكون بائعاً للكتب ولا يربح شيئاً إذا لم يكن يبيع ويشتري الكتب.
 
والخلق برمّته تجارة، والكون سوق للبيع وتهيئة البضائع والحصول على الربح، وهذه العملية تتكرّرُ فيه باستمرار. ونظام الموت والحياة نظام تبادلي ونظام ازدياد وتكامل، والذي ينتقده لم يعرف قوانين العالم وغايته.
 


[1] يُضاف إلى ذلك أنّه حتى تغيّر المستوى الطبيعي المتعارف من مدّة الحياة يؤدّي إلى اختلال نظام الحياة كما يشير إلى ذلك ما رواه الشيخ الصدوق في أماليه مسنداً عن الإمام الصادق عليه السلام قال: "إنّ قوماً أتوا نبيّاً لهم فقالوا: ادع لنا ربك (ربنا - خ) يرفع عنّا الموت، فدعا لهم، فرفع الله تبارك وتعالى منهم الموت، وكثروا حتى ضاقت بهم المنازل وكثر النسل، وكان الرجل يُصبح فيحتاج أن يُطعم أباه وأمّه وجدّه وجدّ جدّه، ويوضيهم (يرضيهم - خ) ويتعاهدهم فشغلوا عن طلب المعاش، فأتوه فقالوا: سل ربّك أن يردّنا إلى آجالنا التي كنّا عليها، فسأل ربّه عزّ وجلّ فردّهم إلى آجالهم ". بحار الأنوار، ج6، ص116.
وعليه يتّضح أنّ مستوى الآجال المألوف للكائنات ينسجم مع خصوصيات النظام الخلقي الأحسن. (المترجِّم).
[2] الجامع لأحكام القرآن، ج15، ص261، في تفسير سورة الزمر، الآية 42، وروضة الواعظين، 53 باختلاف يسير، وعنه التفسير الأصفى، ج2، ص711، وص870.
[3] محمد باقر بن محمد الحسيني، توفي سنة 1041هـ، الاسترأبادي الأصل، المعروف بالمير الدماد، فقيه، أصولي، حكيم، رياضي، شاعر له تصانيف عديدة منها: رسالة في حدوث العالم وغيره. أعلام الزركلي، ج6، ص272 ومعجم المؤلفين، ج6، ص156، رقم 12360.
[4] أبو حفص شهاب الدين عمرو بن محمد بن عبد الله بن محمد بن عمويه البكري الشافعي الصوفي العارف الحكيم، له كتاب جذب القلوب إلى مواصلة المحبوب، وعوارف المعارف، توفي ببغداد سنة 632، الكنى والألقاب، ج2، ص325.

الإمام الجواد عليه السلام الإمام الهادي عليه السلام الإمام العسكريّ عليه السلام

الجهاد الدائم للأئمة عليهم السلام
إنّ هؤلاء العظماء كانوا دومًا في حالة جهاد، جهادٌ روحُه سياسيّة، وذلك لأنّ من يجلس على مسند الحكم، كان يدّعي الدّين، وكان يراعي ظواهر الدّين، حتّى أنّه كان يتقبّل في بعض الأوقات، رأي الإمام الدينيّ، كتلك المسائل عن حياة المأمون، حيث كان يقبل رأي الإمام عليه السلام علنًا، فلم يكن يأبى أبدًا أن يقبل الرأي الفقهيّ أحيانًا. فالشيء الّذي كان يؤدّي إلى وجود مثل هذه المواجهة والمعارضة ضدّ أهل البيت هو أنّ أهل البيت كانوا يعدّون أنفسهم الأئمّة، وكانوا يقولون نحن أئمّةٌ. وفي الأساس، إنّ هذا كان يُعدّ أكبر مواجهةٍ للحكّام، لأنّ الّذي صار حاكمًا، وكان يُعدّ نفسه إمامًا للنّاس، كان يرى الشّواهد والقرائن المطلوبة في الإمام موجودة فيهم عليهم السلام، وليست موجودة فيه، وكان يعتبر هذا الإمام خطراً على حكومته لأنّه ليس إلّا مدّعٍ. وقد كان الحكّام يُحاربون بمثل هذه الرّوحيّة العدائيّة، وكان الأئمّة عليهم السلام يقفون كالطّود الشامخ. من البديهيّ في مثل هذه المواجهة أن يكون للمعارف والأحكام الفقهيّة والأخلاق، الّتي كان الأئمّة يروّجون لها مكانها الطبيعيّ، وكانت تربية المزيد من التلامذة والأتباع، وتوسعة الروابط الشيعية تزداد يوماً بعد يوم.

الإمام الجواد، والجهاد السياسيّ
إنّ الإمام الجواد عليه السلام، وكغيره من المعصومين، هو قدوةٌ وأسوةٌ ونموذجٌ لنا، وإنّ الحياة القصيرة لهذا العبد الصالح لله، انقضت بالجهاد ضدّ الكفر والطّغيان. وقد أضحى في موقع قيادة الأمّة الإسلاميّة في حداثة عمره، وقد جاهد مجاهدةً مركّزة ضدّ العدوّ في هذه السّنوات القصيرة، حيث إنّه كان ما زال في مقتبل عمره، في عمر الـ 25 سنة، عندما لم يعد أعداء الله يتحمّلون وجوده، فقتلوه بالسمّ واستُهشد. ومِثْلُ الأئمّة الأطهار عليهم السلام الّذي أضاف كلّ واحدٍ منهم بجهاده صفحةً على تاريخ الإسلام المليء بالمفاخر، فإنّ هذا الإمام العظيم قد أضاف بعمله إلى الإسلام دعامة مهمّة من الجهاد الشّامل، وقدّم لنا درسًا عظيمًا، وذاك الدّرس العظيم هو أنّه عندما نكون في مواجهة القوى المنافقة والمرائية، يجب أن نسعى جهدنا من أجل أن نستنهض وعي النّاس لمواجهة هذه القوى. فلو أنّ العدوّ يُظهِر عداءه بنحوٍ صريحٍ وعلنيّ، ولا يرائي، فإنّ التّعامل معه أسهل. ولكن عندما يكون العدوّ كالمأمون العبّاسيّ الّذي يتظاهر بالقداسة والدّفاع عن الإسلام، فإنّ التعرّف عليه سيكون صعبًا بالنّسبة للنّاس. كان المتسلّطون، في عصرنا هذا، وفي جميع عصور التاريخ، يسعون دائمًا للتوسّل بالحيلة والرّياء والنّفاق عندما يعجزون عن مواجهة النّاس وجهاً لوجه... وقد بذل الإمام علي بن موسى الرضا عليه السلام والإمام الجواد عليه السلام الهمّة من أجل كشف قناع التزوير والرّياء هذا، عن وجه المأمون، ونجحوا في ذلك.

الإمام الجواد، وبنيان الحرّيّة
إنّ هذا العظيم هو مظهر المقاومة وعلامتها. إنسانٌ عظيمٌ أمضى كلّ عمره القصير في مواجهة ومعارضة السّلطة المزوّرة والمرائيّة للخليفة العبّاسيّ المأمون، ولم يتراجع خطوةً واحدةً، وتحمّل الظروف الصّعبة جميعها وجاهد بكلّ الأساليب الجهاديّة الممكنة، وكان أوّل من أشاد بنيان بحث الحرّية بصورةٍ علنيّة، وكان يُباحث العلماء والدعاة والمدّعين ومختلقي الأعذار في محضر المأمون العبّاسيّ بشأن أدقّ القضايا، ويستدلّ ويثبت أفضليّته وحقّانيّة كلامه. إنّ بحث الحرّيّة هو من تراثنا الإسلاميّ، وقد راج هذا البحث في زمان أئمّة الهدى، وقد تطرّق الإمام الجواد عليه السلام، هذا الإمام الجليل، إليه في زمانه، وتعرّض له بصورةٍ صافية ونقيّة.

الإمام الهادي، وحادثة الطفولة
يوجد حديثٌ حول طفولة الإمام الهادي عليه السلام، عندما أحضر المعتصمُ الإمام الجواد عليه السلام من المدينة إلى بغداد، في العام 218 هجريّة، أي قبل شهادته بسنتين، وبقي الإمام الهادي عليه السلام حينها مع أهله في المدينة، حيث كان له من العمر وقتها ست سنوات، وبعد أن أُحضر الإمام الجواد عليه السلام إلى بغداد، سأل المعتصم عن أسرته وأهله، وعندما سمع أنّ ابنه البكر عليّ بن محمّد، ابن ست سنوات، قال إنّه خطرٌ، ويجب أن نُفكّر بحلٍّ له. وقد أمر المعتصم رجلًا من أقاربه أن يذهب من بغداد إلى المدينة، وأن يجد فيها من هو عدوّ لأهل البيت، فيودع عنده هذا الطفل، ليكون معلّمًا له، ويربّيه ليصبح عدوًّا لأسرته، ومنسجمًا مع الجهاز الحاكم. فجاء هذا الشّخص من بغداد إلى المدينة، واختار أحد علمائها المدعوّ الجنيديّ الّذي كان من أشدّ المخالفين والمعاندين لأهل البيت - وكان في المدينة عددٌ من أمثال هؤلاء العلماء ــ لينهض بهذا العمل، وقال له: إنّني مأمورٌ أن أجعلك مربّيًا ومؤدِّبًا لهذا الطفل، ولا ينبغي أن تسمح لأيّ شخصٍ بالتّواصل معه أو الارتباط به، وأُريدك أن تُربّيه بهذه الطّريقة وبهذا الشكل. وقد سجّل التاريخ اسم هذا الشّخص. وكان الإمام الهادي عليه السلام - كما ذكرت - بعمر ست سنوات في ذلك الوقت، وكان الأمر أمر الحكومة، فمن الّذي يستطيع أن يعترض على مثل هذا الأمر؟!

وبعد مدّةٍ جاء أحد المقرَّبين من الجهاز الحاكم ليطّلع على الجنيديّ، ويسأل عن أحوال ذلك الطفل الّذي أودعه إيّاه، فقال الجنيديّ: أيّ طفلٍ هذا؟ أهذا هو الطفل؟ إنّني أُبيّن له مسألةً في الأدب، فيُبيّن لي أبوابًا من الأدب، حيث أتعلّم منه! فأين درس هذا الطفل وتعلّم؟! وأطلب منه أحيانًا عندما يدخل إلى الحجرة أن يقرأ سورةً من القرآن، وعندما يدخل - وهو يريد أذيّته - يسأل: أيّ سورةٍ أقرأ، فأقول له: اقرأ سورة كبيرة، كسورة آل عمران مثلًا، فيقرأها عليّ، ويبيّن لي مواضع الإشكال في قراءتها. إنّهم علماءُ وحفّاظٌ للقرآن، وعلماء بالتأويل والتفسير، أيّ طفلٍ هذا؟!. وقد استمرّ ارتباط هذا الطّفل ــ الّذي كان في الظّاهر طفلًا، ولكنّه وليّ الله، ﴿وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا﴾1 - بهذا الأستاذ لمدّة، إلى أن أصبح هذا الأستاذ من الشّيعة المخلصين لأهل البيت2.

الإمام الهادي عليه السلام، ومواجهته للسلطة
في المواجهة الّتي جرت بين الإمام الهادي عليه السلام وبين حكّام زمانه، فإنّ الّذي انتصر في الظّاهر والباطن هو هذا الإمام عليه السلام. ففي زمن إمامته، حكم ستّةٌ من الخلفاء، واحدًا تلو الآخر، وهلكوا جميعًا، واحدًا تلو الآخر. وكان آخرهم المعتزّ الّذي قتل الإمام عليه السلام، ولم يلبث من بعده إلّا قليلًا. وهؤلاء الخلفاء ماتوا أذلّاء في الغالب، أحدهم قتله ابنه، والآخر على يد ابن أخيه. وبهذه الطّريقة تشتّت العبّاسيّون وانقرضوا، بعكس الشّيعة.

الإمام الهادي، ونشر التشيّع
إنَّ الشّيعة في زمن الإمام الهادي والإمام العسكريّ عليهما السلام، ورغم ما فيه من عنفٍ وقمعٍ، كانوا يزدادون انتشاراً وقوّةً يومًا بعد يوم.

لقد عاش الإمام الهادي عليه السلام42 سنة، قضى 20 سنة منها في سامرّاء، حيث كان يعمل ويعيش ويمتلك مزرعةً. وكانت سامرّاء في الواقع بمثابة معسكر بناه المعتصم لغلمانه التّرك المقرّبين له، وهؤلاء التّرك هم غير الأتراك الّذين يعيشون في إيران أو في آذربايجان أو سائر النقاط، والّذين أحضرهم من تركستان وسمرقند، ومن منطقة مانغوليا وآسيا الشرقية، واحتفظ بهم في سامرّاء. وهؤلاء الأتراك، ولحداثة إسلامهم، لم يكونوا يعرفون الأئمّة ولا المؤمنين، ولا يفهمون عن الإسلام شيئًا، لهذا صاروا يُضايقون النّاس، وأوجدوا بينهم وبين العرب - أهالي بغداد - النّزاعات والمشاجرات. وفي مدينة سامرّاء نفسها، اجتمع عددٌ ملحوظٌ من كبراء الشّيعة في زمن الإمام الهادي عليه السلام، وتمكّن الإمام عليه السلام من إدارتهم، وإيصال رسالة الإمامة من خلالهم إلى مختلف مناطق العالم الإسلاميّ. فالرّسائل وهذه الشّبكات الشيعيّة، في قم وخراسان والريّ والمدينة واليمن، وفي المناطق البعيدة، وفي أقطار العالم جميعها، هي الّتي استطاعت أن تروّج وتنشر وتزيد من المؤمنين في هذا المذهب، يوماً بعد يوم. وقد استطاع الإمام الهادي عليه السلام أن يقوم بكلّ هذه الأعمال، تحت ظلّ بريق السّيوف الحادّة والدمويّة لأولئك الخلفاء الستّة، ورغمًا عن أنوفهم.

ويوجد حديثٌ معروفٌ حول وفاة الإمام الهادي عليه السلام، يُعلم من عباراته تواجد جمعٍ ملحوظٍ من الشّيعة في سامرّاء، لم يكن الجهاز الحاكم يعرف عنهم شيئًا، لأنّه لو كان يعلم بهم، لكان قضى عليهم عن بكرة أبيهم، لكنّ هذه الجماعة، ولأنّها استطاعت أن توجد شبكة قويّة، فإنّ الجهاز الحاكم لم يتمكّن من الوصول إليها.

المواجهة بين الإمام العسكريّ والمتوكل
حدثت تلك المواجهة عندما أمر المتوكّل أن يُحضر الإمام عليه السلام إلى مجلسه، الّذي هو مجلس خمرٍ وسكرٍ، لكي ينتشر الخبر في كلّ مكان، أنّ عليَّ بن محمد كان نديمًا للمتوكّل، وقد جالسه في مجلس الخمر واللهو! فانظروا أنتم أيّ تأثيرٍ تركه هذا الخبر. لقد نظر الإمام عليه السلام إلى القضيّة من زاوية الإنسان المجاهد، ووقف مقابل هذه المؤامرة، فذهب الإمام عليه السلام إلى بلاط المتوكّل، واستطاع أن يُبدّل مجلس سكره إلى مجلسٍ عابقٍ بالمعنويّات. فبذكر الحقائق وإنشاد تلك الأشعار الشامتة، هزم المتوكّل، بحيث إنّ هذا المتوكّل، وبمجرّد أن انتهى الإمام من كلماته، نهض من مكانه، وأحضر للإمام الغالية (عطر مركّب من المسك والعنبر)، وشيّعه بكلّ أدبٍ واحترام، فقال له الإمام: هل تتصوّر أنّك إذا جلست هنا فإنّك ستهرب من قبضة الموت؟! وهكذا بيّن للمتوكّل كلّ ما يجري عند الموت، وما بعده، حتّى أكل الديدان له. فاستطاع الإمام أن يُبدّل المجلس تبديلًا تامًّا، ويقلبه رأسًا على عقب، وأن يخرج من البلاط3.

باتوا على قللِ الأجبال تحرسُهم
                                   واستنزلوا بعد عزّ من معاقلهم
ناداهمُ صارخٌ من بعد ما قُبروا
                                   أيـن الوجوه الّتي كانتْ منعّمةً
فـأفـصـحَ القبرُ حين ساءلهم
                                   قد طالما أكلوا دهراً وما شربوا
وطالما كنزوا الأموال وادّخروا
                                   أضـحـت منازلُهم قفراً معطّلةً
سـل الـخـليفةَ إذ وافت منيتهُ
                                   وساكنوها إلى الأجداث قد رحلوا
غُـلْب الرجالِ فما أغنتهمُ القُللُ
                                   وأودعوا حفراً يـابئس ما نزلوا
أين الأسرّةُ والتيجانُ والحللُ
                                   من دونها تُضربُ الأستارُ والكللُ
تـلك الوجوه عليها الدودُ يقتتلُ
                                   وطالما عمّروا دوراً لتُحصنهم
فأصبحوا بعد طول الأكلِ قد أُكلوا
                                   ففارقوا الدورَ والأهلينَ وارتحلوا
فـخلّفوها على الأعداء وانتقلوا
                                   أين الحماة وأين الخيلُ والخولُ

هذه المواجهة الّتي ابتدأها الخليفة المتسلّط والمتعجرف، في قبال شابٍّ لا دفاع له، ويبدو في الظاهر هو الأضعف، قد تحوّلت إلى حربٍ نفسيّة لم يكن فيها الحربة والسيف. فلو كنّا نحن هناك، لما استطعنا أن نفعل ما فعله الإمام عليه السلام. إنّ الإمام عليه السلام هو الّذي استطاع أن يُشخّص هذه الوضعيّة، ويتحدّث بطريقة لا تُغضب الخليفة. كان من الممكن مثلًا أن ينتفض الإمام عليه السلام فجأةً، ويرمي بكلّ كؤوس الشّراب أرضًا، ولكن لم يكن هذا ليكون ردّة فعلٍ جيّدة، وما كان ليؤتي ثماره، لكنّ الإمام عليه السلام تصرّف بطريقةٍ أخرى. وهذا البعد في القضيّة مهمٌّ جداً.

ثمار جهاد الأئمّة عليهم السلام
1- حفظ الدين الإسلاميّ:
إنّ يومًا من جهاد هؤلاء العظماء - الأئمّة عليهم السلام - يؤثّر بمقدار سنوات. ويومٌ واحدٌ من حياتهم المباركة يساوي سنواتٍ من حياة جماعةٍ تعمل ليل نهار على مستوى التّأثير في المجتمع. هؤلاء العظماء قد حفظوا الدّين بهذه الطّريقة، وإلّا فإنّ دينًا يقع على رأسه المعتزّ والمتوكّل والمعتصم والمأمون، ويكون علماؤه رجالٌ كيحيى بن أكثم - الذي رغم أنّه كان عالم البلاط، فقد كان من الفسّاق والفجّار المتجاهرين من الدّرجة الأولى - لا ينبغي أساسًا أن يبقى، ولكان ينبغي، والحال هذا، أن يُجتثّ من جذوره، وينتهي كلّ شيء. فجهاد الأئمّة عليهم السلام وسعيهم لم يحفظ التشيّع فحسب، بل القرآن والإسلام والمعارف الدينيّة، وهذه هي خاصّية العباد الخالصين والمخلصين، وأولياء الله. فلو لم يكن للإسلام أمثال هؤلاء من أولي العزم، لما استطاع أن يعود غضًّا طريًّا ويوجِد هذه الصّحوة الإسلاميّة بعد 1230 سنة، بل كان ينبغي أن يزول شيئًا فشيئًا. فلو لم يكن للإسلام هؤلاء الّذين جذّروا هذه المعارف العظيمة بعد النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم في الأذهان على مرّ التاريخ الإنسانيّ والإسلامي، لكان ينبغي أن يزول من الوجود، وينتهي كلّ شيء، ولا يبقى منه أيّ شيء. ولو بقي، فلم يكن ليبقى من معارفه شيءٌ، كالمسيحية واليهودية، اللتين لم يبقَ من معارفهم الأساس أيّ شيءٍ تقريبًا. فأن يبقى القرآن سالمًا، والحديث النبويّ، وكلّ هذه الأحكام والمعارف الإسلاميّة، وذلك بعد أكثر من 1000 سنة، وأن تتمكّن من أن تبرز في قمّة المعارف الإنسانيّة، ليس بالأمر الطبيعيّ، بل كان هناك عملٌ غير طبيعيّ يؤدَّى من خلال الجهاد. وبالتأكيد، كان على طريق هذا العمل الكبير الضربُ والسجن والقتل، وكلّ هذه لم تكن بالنسبة لهؤلاء العظماء شيئًا.

2- اتّساع دائرة التشيّع:
لا يوجد أيّ زمانٍ شهدت فيه روابط الشّيعة وانتشار تشكيلاتهم في أرجاء العالم الإسلاميّ كلّه ما شهدته في زمن حضرة الإمام الجواد والإمام الهاديّ والإمام العسكريّ عليهم السلام. فوجود الوكلاء والنوّاب وتلك القصص الّتي تُنقل عن الإمام الهادي عليه السلام والإمام العسكريّ عليه السلام ـ مثلًا عندما كان يُحضر له المال، والإمام يُحدّد ماذا ينبغي أن يُفعل به - دليلٌ على هذا الأمر، أي أنّه بالرغم من الإقامة الجبريّة لهذين الإمامين الجليلين في سامرّاء، وقبلهما الإمام الجواد عليه السلام بنحوٍ ما، فإنّ الارتباط والتواصل مع النّاس كان يتّسع على هذه الشاكلة.

فلو اطّلعنا على حالات هؤلاء الأئمّة الثّلاثة في المناقب4 وغيرها، لوجدنا أنّ شبكة العلاقات الشيعيّة في زمان هؤلاء الثلاثة كانت أكثر وأوسع منها في زمن الإمام الباقر والإمام الصادق عليهما السلام.

فكانت تُرسَل إليهم الكتب والرّسائل من أقصى نقاط العالم، وكذلك الأموال والمسائل، في حين أنّهم كانوا يعيشون ضمن نطاقٍ ضيّق.

وقد أضحى الإمام الهادي عليه السلام في سامرّاء محبوبًا من قِبَل النّاس، وكان الجميع يحترمونه، ولم يكن يتعرّض لأيّ إهانة.

استطاع الإمام الهادي والإمام العسكريّ عليهما السلام في مدينة سامرّاء تلك، الّتي كانت في الواقع بمثابة معسكر كبير ـ لم تكن في ذلك الكبر، بل عاصمةٌ حديثة البناء سرورٌ لكلّ من رأى (سُرَّ مَن رأى)، حيث يجتمع فيها الرؤساء والأعيان ورجال الحكومة وبعض النّاس العاديين الّذين يؤمّنون الحوائج اليوميّة ـ لقد استطاعا أن يُنظّما كلّ هذه الروابط بين أقطار العالم الإسلاميّ جميعها. فعندما ننظر إلى أبعاد حياة الأئمّة، نفهم ماذا كانوا يفعلون. لهذا، لم تنحصر القضيّة في تلك الفتاوى الّتي كانوا يُجيبون بها على أسئلة النّاس حول الصّلاة والصّوم والطّهارة والنّجاسة، بل كانوا ينطلقون من موقعيّة الإمام بذلك المعنى الإسلاميّ الخاصّ، ويتحدّثون وفقه مع النّاس. وبرأيي، يمكن الالتفات إلى هذا البعد، إلى جانب غيره من الأبعاد. أنتم ترون أنّهم عندما أحضروا الإمام الهادي عليه السلام من المدينة إلى سامرّاء، وقتلوه في سنّ الشباب عن عمرٍ يناهز 42 سنة، أو عندما يقتلون الإمام العسكريّ في سنّ الـ 28 سنة، فكلّ ذلك دليلٌ على هذه الحركة العظيمة للأئمّة والشّيعة وأصحابهم الكبار عبر التاريخ. ومع أنّ جهاز الحكم كان نظامًا بوليسيًّا، ويعمل بشدّة، فقد استطاع الأئمّة في مثل هذا الوضع أن يُحقّقوا مثل هذه النجاحات.

المظلومية والنصر في حياة الأئمة
إنّ ما يُقال من أنّ هؤلاء العظماء كانوا في غربةٍ تامّة، هو هكذا في الواقع، فقد كانوا بعيدين عن المدينة، وبعيدين عن أهلهم، وبعيدين عن بيئتهم الّتي ألِفوها. ولكن إلى جانب ذلك، يوجد بشأن هؤلاء الأئمّة الثلاثة - من الإمام الجواد وإلى الإمام العسكريّ - نقطة أخرى، وهي أنّه كلّما اتّجهنا إلى نهاية إمامة الإمام العسكريّ عليه السلام، فإنّ هذه الغربة تزداد. إنّ دائرة نفوذ الأئمّة وسعة دائرة الشّيعة في زمان هؤلاء الأئمّة الثلاثة إذا ما قورنت بزمان الإمام الصادق والإمام الباقر عليهما السلام، نجد أنّها ازدادت عشرة أضعاف عمّا كانت عليه، وهذا شيءٌ عجيب. ولعلّ السّبب في أنّهم قد وُضعوا تحت هذه الضّغوط والتّضييق. مقصودنا أنّه ينبغي مشاهدة هذه العزّة والعظمة إلى جانب تلك الغربة.

إنّ أئمّتنا، وطيلة الـ 250 سنة للإمامة ـ أي منذ رحيل نبيّ الإسلام المكرّم صلى الله عليه وآله وسلم وإلى زمن وفاة الإمام العسكريّ ـ قد لاقوا الكثير من التّعذيب والقتل والظّلم، وحريٌّ بنا أن نبكيهم. إنّ مظلوميّتهم تستحضر القلوب والعواطف، لكنّ هؤلاء المظلومين قد انتصروا، سواءٌ في مقطعٍ من الزمّان أو في كلّ هذا الزّمان وطوله.

 


1- سورة مريم، الآية 12.2- كلستان سعدي.
3- راجع: العلامة المجلسي، بحار الأنوار، ج50، ص211.
4- ابن شهرآشوب، مناقب آل أبي طالب، ج 4، ص 447 - 337.

الإثنين, 22 كانون2/يناير 2024 03:20

الجواد (عليه السلام) نبع العلم والمكارم

تمتّع الإمام الجواد عليه السلام بمكانة علمية مرموقة في المجتمع الإسلاميّ، وكان محطّ أنظار العلماء وعامة الناس. وكانت الشيعة تأتي إليه وتسأله عن موارد الحلال والحرام رغم صعوبة التواصل ومتاعب الطريق. وكان الإمام عليه السلام يفرغ نفسه للإجابة على مشاكل الناس وأسئلتهم، فكان يقضي وقتاً طويلاً في ذلك، ويُقيم له مجلساً خاصّاً، فقد أجاب في مجلس واحد على مئات المسائل، حتّى أدهش الناس من كثرة علومه وفضائله[1].
 
وهذه المكانة هي التي دفعت المأمون لأن يحسن إلى الإمام ويقرّبه إليه، حتّى بالغ في إكرامه وإجلاله وإعظامه، حتّى وصل به الأمر إلى أن يعزم أن يزوّجه بابنته أمّ الفضل. وقد أثبت الإمام عليه السلام هذه المكانة وكان لا يزال صغيراً في السنّ حيث تسلّم الإمامة وعمره سبع أو ثماني سنوات[2].
 
وقد تتلمذ على يديه المباركتين العديد من الأصحاب، ومنهم: إبراهيم بن مهزيار، وسهل بن زياد الآدمي، وعلي بن أسباط، وموسى بن القاسم البجلي، أيوب بن نوح بن دراج، الحسن بن راشد، صالح بن أبي حماد، علي بن يحيى يُكنّى أبا الحسين، محمد بن أبي زيد الرازي، نوح بن شعيب البغدادي، أحمد بن الحسن بن علي بن فضّال، حمدان بن سليمان بن عميرة، داوود بن أبي زيد، رجاء العبرتائي بن يحيى، وغيرهم الكثير من الفقهاء والمحدّثين والأصحاب[3].
 
وكان الإمام عليه السلام شديد الزهد في حياته رغم وجوده في بغداد، فقد روى الحسين المكاري، قال: "دخلتُ على أبي جعفر عليه السلام ببغداد وهو على ما كان من أمره، فقلتُ فينفسي: هذا الرجل لا يرجع إلى موطنه أبداً، وأنا أعرف مطعمه، قال: فأطرق رأسه ثمّ رفعه، وقد اصفرّ لونه، فقال: يا حسين، خبز شعير وملح جريش في حرم جدّي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، أحبّ إليّ مما تراني فيه[4].
 
وكان عليه السلام كثير الوعظ والإرشاد لأصحابه، فروي أنّ رجلاً أتى إلى الإمام الجواد عليه السلام وقال له: أوصني، قال عليه السلام: "تقبل؟" قال: نعم، قال عليه السلام: "توسّد الصبر، واعتنق الفقر، وارفض الشهوات، وخالف الهوى، واعلم أنّك لن تخلو من عين الله فانظر كيف تكون"
[5].
  


[1] الشيخ الكليني، محمد بن يعقوب، الكافي، ج6، ص496.
[2] الشيخ المفيد، محمد بن النعمان، الإرشاد، ج2، ص281.
[3] الشيخ الطوسي، محمد بن الحسن، رجال الطوسي، ص387، وللاطلاع أكثر يراجع كتب علم الرجال.
[4] قطب الدين الراوندي، سعيد بن عبد الله، الخرائج والجرائح، ج1، ص383.
[5] ابن شعبة الحراني، الحسن بن علي، تحف العقول، ص455.

الأربعاء, 17 كانون2/يناير 2024 04:14

فضيلة شهر رجب


1- شهر رجب الحرام دورة تدربية ينبغي الاشتراك فيها للإستعداد لشهر الله تعالى.
2- شهر رجب هوَآخر الأشهر الحرم في السنة باعتبار أن أول أشهر السنة هوَشهر رمضان.
3- شهر رجب عظيم البركة كانت الجاهلية تعظمه وجاء الإسلام بتعظيمه.
4- شهر رجب هوَالشهر الأصم لأنه لا يُسمع فيه ما يُسمع عادة في الحروب..
5- شهر رجب يسمى الشهر الأَصَبْ لأن الله يصُّب فيه الرحمة على عباده.1
6- لشهر رجب مكانة عظيمة لاشتماله على ذكرى مبعث رسول الرحمة محمد صلى الله عليه وآله وسلم ومولد ولي الله علي بن أبي طالب عليه السلام.

عن الإمام أبي الحسن عليه السلام: "رجب شهر عظيم يضاعف الله فيه الحسنات ويمحوَالسيئات". 2

عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: إن الله تعالى نصب في السماء السابعة ملَكاً يقال له الداعي، فإذا دخل شهر رجب نادى ذلك الملك كل ليلة منه الى الصباح يقول: "طوبى للذاكرين، طوبى للطائعين"، (يعني هنيئاً) ويقول الله تعالى: "أنا جليس من جالسني ومطيع من أطاعني وغافر من استغفرني. الشهر شهري والعبد عبدي..والرحمة رحمتي، فمن دعاني في هذا الشهر، أجبته وجعلت هذا الشهر حبلاً بيني وبين عبادي، فمن إعتصم به وصل إليّ".3

الخطوات التحضيرية لدخول شهر رجب

1- مراجعة مفاتيح الجنان باب أعمال شهر رجب.
2- قراءة مراقبات شهر رجب من كتاب المراقبات للملكي التبريري.
3- التشدد في مراعاة الصلاة أول الوقت.
4- تشجيع الأرحام والجيران والزملاء وحثهم على الصيام.
5- مراجعة منهج التعامل مع الأرحام والجيران وزملاء العمل وتحسينه بَدْءاً من الغد.
6- التسامح ممن أخطأت بحقه خلال العام المنصرم.
7- نزع الغل من القلب اتجاه الأرحام والجيران وزملاء العمل وتصفية النية.
8- الاستعانة بالله والتوسل بأهل البيت عليهم السلام للتوفيق في تحصيل رضا الله عز وجل في هذا الشهر.

عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "ألا إنّ رجب شهر الله الأصمّ وهو شهر عظيم، وإنّما سمي الأصم لأنه لا يقاربه شيءٌ من الشهور حرمة وفضلاً عند الله، وكان أهل الجاهلية يعظمونه في جاهليّتهم فلمّا جاء الإسلام لم يزدد إلا تعظيماً وفضلا". 4

عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "إن في الجنة قصراً لا يدخله إلا صوّام رجب". 5

الأعمال العامة في شهر رجب

أولاً: الصوم

1. عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "ألا فمن صام من رجب يوماً إيماناً واحتساباً استوجب رضوان الله الأكبر، واطفأ صومه في ذلك اليوم غضب الله، وأغلق عنه باباً من أبواب النار، ولوَ أُعطى ملءَ الأرض ذهباً ما كان بأفضل من صومه، ولا يستكمل أجرَه بشئ من الدنيا دون الحسنات إذا أخلصه لله، وله إذا أمسى عشر دعوات مستجابات إن دعا بشئ من عاجل الدنيا أعطاه الله، وإلا ادخر له من الخير أفضل ما دعا به داعٍ من أوليائه وأحبائه وأصفيائه". 6

2. عن أبي الحسن موسى عليه السلام انه قال: "رجب نهرٌ في الجنة أشد بياضاً من اللّبن وأحلى من العسل، من صام يوماً من رجب سقاه الله من ذلك النهر". 7

ثانياً: بديل الصوم لمن يعجز عنه

روي عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه كان يؤكد على أهمية صوم الشهر، فسئل صلى الله عليه وآله وسلم: يا نبيَّ الله فمن عجز عن صيام رجب بضعفٍ أوَعلة كانتا به... يصنع ماذا لينال ما وصفتَ؟ قال: يتصدق عن كل يوم برغيف، والذي نفسي بيده أنه من تصدَّق بهذه الصدقة كل يوم، ينال ما وصفتُ وأكثر لأنه لوَاجتمع جميع الخلائق كلهم من أهل السماوات والأرض على أن يقدّروا ثوابه قدر ثوابه ما بلغوا عُشر ما يصيب في الجنان من الفضائل والدرجات" قيل: يا رسول الله فمن لم يقدر على الصدقة يصنع ماذا لينال ما وصفت؟.. قال: يُسبِّح الله في كل يوم من أيام رجب إلى تمام الشهر هذا التسبيح مائة مرة: "سبحان الإله الجليل سبحان من لا ينبغي التسبيح إلا له سبحان الأعز الأكرم سبحان من لبس العز وهوَله أهل". 8

ثالثاً: صلاة كل ليلة

وهذه الصلاة ركعتان حيث ورد عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: من صلى في رجب ستين ركعة، في كل ليلةٍ منه ركعتين، يقرأ في كل ركعة منها فاتحة الكتاب مرة وقل يا أيها الكافرون ثلاث مرات وقل هوَالله أحد مرة، وإذا سلم منهما رفع يديه وقال "لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد يحي ويميت ويميت ويحي وهوَحي لا يموت بيده الخير وهوَعلى كل شيءٍ قدير وإليه المصير ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، اللهم صلِّ على محمد وآل محمد النبي الأمي" ويمسح بيديه وجهه فإن الله تعالى يستجيب له الدعاء ويعطيه ثواب ستين حجة وستين عمرة. 9

رابعاً: الأدعية اليومية

هناك أدعية يستحب قراءئها في كل يوم من أيام رجب، ويُدعَى بها بعد كل فريضة:

1. دعاء: يا من أرجوه لكل خير..
عن محمد السجاد في حديث طويل، قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام، جعلت فداك هذا رجب علمني فيه دعاءً ينفعني الله به، قال: فقال لي أبوَعبد الله عليه السلام:أكتب بسم الله الرحمن الرحيم، وقل في كل يوم من رجب صباحاً ومساء، وفي أعقاب صلواتك في يومك وليلتك:"يا من أرجوه لكل خير، وآمن سخطه عند كل شر، يا من يعطي الكثير بالقليل، يا من يعطي من سأله، يا من يعطي من لم يسأله ومن لم يعرفه تحنناً منه ورحمة، أعطني بمسألتي إياك جميع خير الدنيا وجميع خير الاخرة، واصرف عني بمسألتي إياك جميع شر الدنيا وشر الآخرة، فإنه غير منقوص ما أعطيت، وزدني من فضلك يا كريم". قال: ثم مد أبوَعبد الله عليه السلام يده اليسرى فقبض على لحيته ودعا بهذا الدعاء وهوَيلوذ بسبابته اليمنى، ثم قال: بعد ذلك: "يا ذا الجلال والإكرام يا ذا النعماء والجود، ياذاالمن والطَّوْل، حرم شيبتي على النار". وفي حديث آخر: ثم وضع يده على لحيته ولم يرفعها إلا وقد امتلأ ظهر كفه دموعا. 10

2. دعاء: خاب الوافدون على غيرك..
الدعاء الثاني من الأدعية اليومية التي تقرأ في كل يوم من شهر رجب فعن أبي عبد الله عليه السلام، أنه كان إذا دخل رجب، يدعوَ بهذاالدعاء في كل يوم من أيامه: "خاب الوافدون على غيرك، وخسر المتعرضون إلا لك، وضاع الملمّون إلا بك، وأَجْدَبَ المنتجعون11 إلا من انتجع فضلك، بابك مفتوح للراغبين، وخيرك مبذول للطالبين، وفضلك مباح للسائلين، ونيلك متاح للآملين، ورزقك مبسوط لمن عصاك، وحلمك معترض لمن ناواك، عادتك الإحسان إلى المسيئين، وسبيلك الإبقاء على المعتدين. أللهم فاهدني هدى المهتدين، وارزقني اجتهاد المجتهدين، ولا تجعلني من الغافلين المبعدين، واغفر لي يوم الدين". 12

3. دعاء: يا من يملك حوائج السائلين..
وهومن الأدعية العامة في شهر رجب، أي الأدعية التي تقرأ كل يوم من هذا الشهر.وهومروي عن الإمام زين العابدين عليه السلام، دعا به في الحجر أي في حجر اسماعيل في غرة رجب والدعاء كما يلي: "يا من يملك حوائج السائلين ويعلم ضمير الصامتين لكل مسألة منك سمع حاضر وجواب عتيد اللهم ومواعيدك الصادقة وأياديك الفاضلة ورحمتك الواسعة فأسالك أن تصلي على محمد وآل محمد وأن تقضي حوائجي للدنيا وَالآخرة إنك على كل شيء قدير".

4. الدعاء الرابع
من أدعية شهر رجب التي يدعى بها كل يوم وهوَالدعاء الذي يبدأ بقوله عليه السلام: "أللهم ياذا المنن السابغة" 13

خامسا: الذكر(التهليل والإستغفار)

من المستحبات في شهر رجب أن يقول الإنسان في جميع الشهر ألف مرة "لا إله إلا الله" وثواب هذا التهليل ثواب عظيم ورد الحث عليه روي أن من قاله.. كتب له مائة ألف حسنة، وبني له مائة مدينة في الجنة. 14

ومنها أن يقول في الشهر كله ألف مرة "أستغفر الله ذا الجلال والإكرام من جميع الذنوب والآثام".

وفي رواية: "من استغفر الله تعالى في رجب وسأله التوبة سبعين مرة بالغداة وسبعين مرة بالعشي، يقول:أستغفرالله وأتوب إليه، فإذا بلغ تمام سبعين مرة رفع يديه وقال: اللهم اغفر لي وتب علي، فان مات في رجب مات مرضياً عنه ولا تمسه النار ببركة رجب". 15

وَعن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: من قال في رجب: "أستغفر الله الذي لا إله إلا هوَلا شريك له وأتوب إليه، مائة مرة، وختمها بالصدقة، ختم الله له بالرحمة والمغفرة، ومن قالها أربعمائة مرة كتب الله له أجر مائة شهيد، فإذا لقي الله يوم القيامة يقول له: قد أقررت بملكي فتمنَّ علي ما شئت حتى أعطيك فإنه لا مقتدر غيري". 16

سادساً: قراءة التوحيد ألف مرة

ومن المستحبات العامة في شهر رجب أن يقرأ الإنسان سورة التوحيد في جميع الشهر عشرة آلاف مرة، فإذا لم يستطع، فيقرأها في الشهر كله ألف مرة، وإذا لم يستطع، يقرأها في الشهر كله مائة مرة.

عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: من قرأ في عمره عشرة آلاف مرة قل هوَالله أحد، بنية صادقة في شهر رجب، جاء يوم القيامة خارجاً من ذنوبه كيوم ولدته أمه، فيستقبله سبعون ملكاً يبشرونه بالجنة.

وفي حديث آخر عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: "من قرأ قل هوَالله أحد"، ألف مرة، جاء يوم القيامة بعمل ألف نبي وألف ملَك، ولم يكن أحد أقرب إلى الله إلا من زاد عليه، وإنها لتضاعف في شهر رجب.

وفي حديث آخر عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: "من قرأ قل هوَالله أحد، مائة مرة، بورك له وعلى ولده وأهله وجيرانه، ومن قرأها في رجب بنى الله تعالى له اثني عشر قصراً في الجنة....".

صلاة سلمان الفارسي (رض)

روي عن سلمان الفارسي قال: دخلت على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في آخر يوم من جمادى الآخرة في وقت لم أدخل عليه فيه قبله قال: يا سلمان أنت منا أهل البيت أفلا أُحدثك، قلت: بلى فداك أبي وأمي يارسول الله، قال: يا سلمان ما من مؤمنٍ ولا مؤمنةٍ صلى في هذا الشهر ثلاثين ركعة وهوَشهر رجب يقرأ في كل ركعة فاتحة الكتاب مرة وقل هوَالله أحد ثلاث مرات إلا محا الله كل ذنبٍ عمله في صغره وكبره، وأعطاه الله سبحانه من الأجر كمن صام ذلك الشهر كله، وكُتب عند الله من المصلين إلى السنة المقبلة، ورفع له في كل يومٍ عمل شهيد من شهداء بدر، وَكتب له بصوم كل يوم يصومه عبادة سنة ورفع له ألف درجة، فإن صام الشهر كله أنجاه الله من النار وأوجب له الجنة. يا سلمان أخبرني بذلك جبرئيل عليه السلام وقال: "يا محمد هذه علامةٌ بينكم وبين المنافقين، لأن المنافقين لا يصلون ذلك".

قال سلمان: يا رسول الله أخبرني كيف أصلي هذه الثلاثين ركعة ومتى أصليها. قال: يا سلمان تصلي في أوله عشر ركعات، تقرأ في كل ركعة فاتحة الكتاب مرة وقل هوَالله أحد ثلاث مرات وقل يأيها الكافرون ثلاث مرات.. فإذا سلمت رفعت يديك وقلت "لا إله إلا الله وحده لا شريك له،له الملك وله الحمد يحي ويميت ويميت ويحي وهوَحي لا يموت بيده الخير وهوَعلى كل شيء قدير، اللهم لا مانع لما أعطيت ولا معطي لما منعت ولا معطي لما منعت ولا ينفع ذا الجدِّ منك الجدّ. ثم امسح بهما وجهك".

من هدي رسول الإنسانية: رجب أمان من عذاب القبر

عنْ ثَوْبَانَ قَالَ: كُنَّا وَالنَّبِيُّ صلى الله عليه وآله وسلم فِي مَقْبَرَةٍ فَوَقَفَ ثُمَّ مَرَّ، ثُمَّ وَقَفَ ثُمَّ مَرَّ. فَقُلْتُ: بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا وُقُوفُكَ بَيْنَ هَؤُلَاءِ الْقُبُورِ؟ فَبَكَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله وسلم بُكَاءً شَدِيداً وَبَكَيْتُ، فَلَمَّا فَرَغَ قَالَ:يَا ثَوْبَانُ هَؤُلَاءِ يُعَذَّبُونَ فِي قُبُورِهِمْ سَمِعْتُ أَنِينَهُمْ فَرَحِمْتُهُمْ وَدَعَوْتُ اللَّهَ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْهُمْ فَفَعَلَ. فَلَوَصَامُوا هَؤُلَاءِ أَيَّامَ رَجَبٍ وَقَامُوا فِيهَا مَا عُذِّبُوا فِي قُبُورِهِمْ. فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ صِيَامُهُ وَقِيَامُهُ أَمَانٌ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ؟ قَالَ: نَعَمْ يَا ثَوْبَانُ وَالَّذِي بَعَثَنِي بِالْحَقِّ نَبِيّاً. 17

محطات عبادية هامة في رجب

أول خميس وأول ليلة جمعة، (ليلة الرغائب)

أول ليلة جمعة من رجب، سميت بليلة الرغائب وقد ورد فيها جملة من العبادات، ذكرها الشيخ الكفعمي في المصباح و السيد ابن طاووس في كتابه اقبال الأعمال والعلامة الحلّي في اجازته لابن زهرة ولا بأس بالاتيان بها برجاء المطلوبية وهي بحسب ما ذكره الشيخ الكفعمي:

صلاة الرغائب المروية عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم اثنتي عشرة ركعة وصِفَةُ عملها:
- ان يصوم أول خميس من رجب.
- ثم يصليها بين العشائين ليلة الجمعة.
- يقرأ في كل ركعة الحمد والقدر ثلاثا والتوحيد اثنتي عشرة.
- ثم سلم وصل على محمد وآله سبعين مرة.
- ثم اسجد وقل: "سبوح قدوس رب الملائكة والروح" سبعين مرة.
- ثم ارفع رأسك وقل: "رب اغفر وارحم وتجاوز عما تعلم انك أنت العلى العظيم" سبعين مرة.
- ثم اسجد أخرى وقل فيها ما قلته في الأولى.
- ثم يسئل الله تعالى حاجته في سجوده تقضى انشاء الله تعالى".18

والملاحظ قلة الأعمال المنصوص عليها بالخصوص لهذه الليلة ممايتيح المجال ليختار كل مايناسبه ممايندرج تحت عنوان تمجيد الله تعالى، والتوسل بأوليائه، وتعزيزالتوبة إليه، والثناء على الملائكة.

الليالي والأيام البيض

1- فضلها:
ليلة 13-14-15 تسمى الليالي البيض، وأيامها "الأيام البيض".

قال الفقيه الجليل الشيخ كاشف الغطاء قدس سره: "وسميت بيضاً لبياض لياليها...". 19

ومن الواضح لنا جميعا أهمية كل هذه الليالي في مختلف الشهور.

وَفي شهر رجب، وشعبان، وشهر الله تعالى، تكتسب الليالي البيض أهمية خاصة، فلوَ فرض ان أحدنا لم يوفق للعمل في ما تقدم من أيام شهر رجب ولياليه فليغتنم الفرصة ليعمل في هذه الليالي بما يتناسب مع أهميتها وفضلها.

عن الإمام الصادق عليه السلام، قوله: "أُعطيت هذه الأمة ثلاثة أشهرلم يُعطَها أحد من الأمم، رجب وشعبان، وشهر رمضان، وثلاث ليال لم يُعطَ أحد مثلها، ليلة ثلاث عشرة، وليلة أربع عشرة، وليلة خمس عشرة من كل شهر، وأعطيت هذه الأمة ثلاث سور لم يعطها أحد من الأمم يس وتبارك الملك وقل هوَالله أحد، فمن جمع بين هذه الثلاث فقد جمع بين أفضل ما أعطيت هذه الأمة. فقيل: كيف يجمع بين هذه الثلاث؟ فقال: يصلي كل ليلة من ليالي البيض من هذه الثلاثة الاشهر، في الليلة الثالثة عشر ركعتين، يقرأ في كل ركعة فاتحة الكتاب وهذه الثلاث سور وفي الليلة الرابعة عشر أربع ركعات، يقرأ في كل ركعة فاتحة الكتاب، وهذه الثلاث سور، وفي الليلة الخامسة عشر ست ركعات، يقرأفي كل ركعة فاتحةالكتاب وهذه الثلاث سور فيحوز فضل هذه الأشهر الثلاثة ويغفر له كل ذنب سوى الشرك".20

2- صوم الأيام البيض:
وتتأكد ضرورة صومها بشكل خاص لمن أراد أن يأتي بعمل الإستفتاح المعروف بعمل أم داود:

عن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: "من صام ثلاثة أيام من رجب وقام لياليها في أوسطه ثلاث عشرة وأربع عشرة وخمس عشرة، والذي بعثني بالحق إنه لا يخرج من الدنيا إلا بالتوبة النصوح.."

وعن النبي صلى الله عليه وآله وسلم انه قال لعلي عليه السلام: "من صام الأيام البيض الثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر كتب الله له بصوم أول يوم صوم عشرة آلاف سنة وبثاني يوم صوم ثلثين ألف سنة وبثالث يوم صوم مائة ألف سنة ثم قال هذا لك ولمن عمل ذلك".21

عن الإمام الصادق عليه السلام: "من صام الأيام البيض من رجب كتب الله له بكل يوم صيام سنة وقيامها ووقف يوم القيامة موقف الآمنين". 22

اليوم الثالث عشر(مولد أمير المؤمنين عليه السلام )

تجتمع في اليوم الثالث عشر من شهر رجب خصائص شديدة الأهمية، وهومايجعله يوماً استثنائياً بكل معنى الكلمة.

ولوَلم يكن من خصائصه إلا أنه يوم مولد نفس المصطفى الحبيب، وأخيه ووصيه صلى الله عليهما وآلهما، لكفى بذلك فخراً وذخراً وكرامة ومزيدا.

يضاف إلى ذلك أن اليوم في حد ذاته أول الأيام البيض التي يغني اشتهارها عن التعريف بها، ولصومه ثواب كبير.

وهو َأول أيام العمل العظيم المشهور، عمل الاستفتاح لقضاء الحوائج المعروف بعمل أم داوود، الذي توارثته الأجيال مفتاحاً لحل المشاكل المعضلة، لاسيما في مجال إطلاق سراح الرهائن والأسرى، الذين غيبتهم ظلمات الجور والمطامير، فمن أراد القيام بهذا العمل لابد له أن يبدأ بصوم اليوم الثالث عشر: ومن أعمال هذا اليوم زيارةمولى الموحدين علي ابن أبي طالب عليه السلام لا سيّما زيارة أمين الله.

هل صمت في هذا الشهر شيئاً؟

عن علي بن سالم، عن أبيه سالم أنه قال:" دخلت على الصادق جعفر بن محمد عليهما السلام في رجب، وقد بقيت منه أيام.. فلمّا نظر إليّ قال لي: يا سالم، هل صمت في هذا الشهر شيئاً؟ قلت: لا والله يا بن رسول الله. فقال لي: لقد فاتك من الثواب ما لم يعلم مبلغه إلاّ الله عزّ وجل، إنّ هذا الشهر قد فضّله الله تعالى وعظّم حرمته وأوجب للصائمين فيه كرامته. قال فقلت له: يا بن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فإن صمت مما بقي شيئاً هل أنال فوزاً ببعض ثواب الصائمين فيه؟ فقال: يا سالم من صام يوماً من آخر هذا الشهر كان ذلك أماناً له من شدة سكرات الموت، وأماناً له من هول المطلع، وعذاب القبر، ومن صام يومين من آخر هذا الشهر كان له بذلك جواز على الصراط، ومن صام ثلاثة أيام من آخر هذا الشهر أمن يوم الفزع الأكبر من أهواله وشدائده، وأعطي براءة من النار". 23

ليلة النصف من رجب

عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: "اذا كان ليلة النصف من رجب أمر الله خازن ديوان الخلائق وكتبة أعمالهم، فيقول لهم الله عز وجل انظروا في ديوان عبادي وَكل سيئة وجدتموها فا محوها وبدلوها حسنات". 24
وليلة النصف من رجب ليلة إحياء، يستحب أن تحيا حتى الصباح بالعبادة أما أعمالها فهي:
أولا: الغسل-
ثانيا: الاحياء بالعبادة
ثالثا: زيارة الامام الحسين عليه السلام.
رابعاً:الصلوات الخاصة.

يوم النصف من رجب

1- يستحب الغسل فيه.
2- يستحب فيه زيارة الحسين عليه السلام. وقد ورد الحث عليها، فقد سئل الإمام الرضا عليه السلام: في أي شهر نزور الحسين عليه السلام ؟ قال: "في النصف من رجب والنصف من شعبان". 25
3- صلاة أربع ركعات. عن أبي عبد الله عليه السلام قال: دخل عَدِيُّ ابن ثابت الأنصاري على أمير المؤمنين عليه السلام في يوم النصف من رجب وهوَ يصلي فلما سمع حسه أومى بيده الى خلفه أن قف، قال عَدِي: فوقفت فصلى أربع ركعات لم أر أحداً صلاها قبله ولا بعده، فلما سلّم بسط يده وقال:" أللهم يا مذل كل جبار ويا معز المؤمنين، أنت كهفي حين تعييني المذاهب وأنت بارئ خلقي رحمة بي، وقد كنت عن خلقي غنياً، ولولا رحمتك لكنت من الهالكين، وانت مؤيدي بالنصر على أعدائي، ولوَلا نصرك إياي لكنت من المفضوحين. يا مرسل الرحمة من معادنها ومنشئ البركة من مواضعها، يا من خص نفسه بالشموخ والرفعة، فاولياؤه بعزه يتعززون، يا من وضعت له الملوك نير المذلة على أعناقهم، فهم من سطواته خائفون. أسألك بكينونيتك التي اشتققتها من كبريائك، وأسألك بكبريائك التي اشتققتها من عزتك، وأسألك بعزتك التي استويت بها على عرشك، فخلقت بها جيمع خلقك، فهم لك مذعنون، أن تصلي على محمد واهل بيته. قال: ثم تكلم بشئ خفي عني ثم التفت إلي فقال: يا عَدي أسمعت؟ قلت: نعم، قال: أحفظت؟ قلت: نعم، قال: ويحك احفظه وأعربه، فوَالذي فلق الحبة ونصب الكعبة وبرأ النسمة ما هوَعند أحد من أهل الأرض ولا دعا به مكروب إلا نَفَّسَ الله كربته". 26
4- صلاة سلمان الفارسي:(مر ذكرها في الاعمال العامة)
5- عمل ام داوود (عمل الاستفتاح):

أولا: أهميته:
هوعمل بالغ الأهمية، ينتظره من يعرفه من شهر إلى شهر، حيث أنه وإن كان في الأصل يؤدى في منتصف رجب، ولكن وردت الرخصة في الإتيان به في كل شهر.ومن عجز عن العمل بكامل خصوصياته، وفق إحدى الصيغتين اللتين يرد ذكرهما، فلا أقل من الإهتمام بدعائه، فإن له وحده كذلك أهمية خاصة.

ثانياً: قصته:
تقول "أم داود": فغاب عني "أي داوود" حيناً بالعراق ولم أسمع له خبراً ولم أزل أدعوَ وأتضرع الى الله جل اسمه وأسأل إخواني من أهل الديانة والجد والإجتهاد أن يدعوَ الله تعالى لي وأنا في ذلك كله لاأرى في دعائي الإجابة فدخلت على أبي عبد الله جعفر بن محمد صلوات الله عليه يوماً أعوده في علّة ٍ وجدها فسألته عن حاله ودعوت له، فقال لي ياأم داوود ما فعل داوود؟ وكنت قد أرضعته بلبنه، فقلت ياسيدي أين داوود وقد فارقني منذ مدة طويلة وهوَمحبوسٌ بالعراق؟- فقال وأين أنت عن دعاء الإستفتاح وهوَالدعاء الذي تفتح له أبواب السماء ويلقى صاحبه الإجابة من ساعته وليس لصاحبه عند الله تعالى جزاءٌ إلا الجنة.- فقلت له كيف ذلك ياابن الصادقين؟ 27

- قال الإمام الصادق عليه السلام:"يا ام داود قد دنا الشهر الحرام العظيم شهر رجب، وهوَشهر مسموع فيه الدعاء، شهر الله الأصم، فصومي الثلاثة الأيام البيض، وهوَيوم الثالث عشر والرابع عشر، والخامس عشر، واغتسلي في يوم الخامس عشر وقت الزوال وصلي الزوال ثماني ركعات (وفي إحدى الروايات: تحسني قنوتهن وركوعهن وسجودهن). ثم صلي الظهر وتركعين بعد الظهر، وتقولين بعد الركعتين: يا قاضى حوائج السائلين مائة مرة، ثم تصلين بعد ذلك ثماني ركعات، (وفي رواية اخرى: تقرئين في كل ركعة، يعني من نوافل العصر بعد الفاتحة ثلاث مرات قل هوَالله أحد، وسورة الكوثر مرة)، ثم صلي العصر. ولتكن صلاتك في ثوب نظيف واجتهدي أن لا يدخل عليك أحد يكلمك، (وفي رواية: وإذا فرغت من العصر فالبسي أطهر ثيابك، واجلسي في بيت نظيف على حصير نظيف، واجتهدي أن لا يدخل عليك أحد يشغلك). ثم استقبلي القبلة واقرئي الحمد مائة مرة وَقل هوَالله أحد مائة مرة وآية الكرسي عشر مرات، ثم اقرئي سورة الأنعام وبني إسرائيل وسورة الكهف ولقمان ويس والصافات، وحم السجدة وحم عسق وحم الدخان، والفتح والواقعة وسورة الملك ون والقلم، وإذا السماء انشقت وما بعدها إلى آخر القرآن، وإن لم تحسني ذلك ولم تحسنى قرائته من المصحف كررت قل هوَالله أحد ألف مرة.فإذا فرغت من ذلك وأنت مستقبلة القبلة" فقولي: بسم الله الرحمن الرحيم، صدق الله العلي العظيم، الذي لا إله إلا هوَالحي القيوم ذوَالجلال والاكرام، الرحمان الرحيم، الحليم الكريم، الذي ليس كمثله شئ وهوَالسميع العليم"إلى آخر الدعاء وهوَطويل، وتجده في مفاتيح الجنان، وغيره من كتب الأدعية".

تتابع الرواية كلام الإمام الصادق عليه السلام، حول مايعمل بعد الدعاء: "ثم اسجدي على الأرض وعفّري خدّيك وقولي: أللهم لك سجدت وبك آمنت، فارحم ذلي وفاقتي واجتهادي وتضرعي ومسكنتي وفقري إليك يا رب. واجتهدي أن تَسُحَّ عيناك ولوَ بقدر رأس الذبابة دموعاً، فان ذلك علامة الإجابة". 28

فقالت: فكتبت هذا الدعاء وانصرفت ودخل شهر رجب وفعلت مثل ما أمرني به (تعني الصادق عليه السلام ) ثم رقدت في تلك الليلة ولما كان في آخر الليل رأيت محمداً صلى الله عليه وآله وسلم، وكل من صليت عليهم من الملائكة والنبيين، ومحمدٌ صلى الله عليه وآله وسلم وعليهم يقول "يا أم داوود، أبشري وكل من ترين من إخوانك(أعوانك).. يبشرونك بنجح حاجتك، وأبشري فإن الله تعالى يحفظك ويحفظ ولدك ويرده عليك" قالت: فانتبهت فما لبثت إلاقدر مسافة الطريق من العراق الى المدينة للراكب المجد المسرع العجل حتى قدم علي ّ داوود..فسألته عن حاله فقال: إني كنت محبوساً في أضيق حبسٍ وأثقل حديد.. إلى يوم النصف من رجب فلما كان الليل رأيت في منامي كأن الأرض قد قبضت لي، فرأيتك على حصير صلاتك، وحولك رجال رؤوسهم في السماء، وأرجلهم في الأرض يسبحون الله تعالى حولك، فقال لي قائل منهم حسن الوجه، نظيف الثوب، طيب الرائحة، خِلْتُه جدي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول لي: أبشر يا ابن العجوزة الصالحة فقد استجاب الله لأمك فيك دعاءها. فانتبهت ورسل المنصور على الباب، فأدخلت عليه في جوف الليل فأمر بفك الحديد عني والإحسان إلي وأمر لي بعشرة آلاف درهم، وحملت على نجيب ".." بأشد السير وأسرعه، حتى دخلت المدينة. قالت أم داود: فمضيت به إلى أبي عبد الله عليه السلام، فقال عليه السلام: "إن المنصور رأى أمير المؤمنين علياً عليه السلام في المنام يقول له:أطلق ولدي وإلا ألقيتك في النار، ورأى كأن تحت قدميه النار، فاستيقظ وقد سقط في يديه فأطلقك يا داود". 29


الليلة السابعة والعشرين (ليلة المبعث)

1- صلاة اثنتي عشر ركعة
روي عن أبي جعفر محمد بن علي الرضا عليهما السلام أنه قال:" إن في رجب لَليلة خير مما طلعت عليه الشمس وهي ليلة سبع وعشرين من رجب، فيها نُبّئ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في صبيحتها، وإن للعامل فيها من شيعتنا أجرعمل ستين سنة. قيل له: وما العمل فيها أصلحك الله؟ قال: إذا صليت العشاء الآخرة وأخذت مضجعك، ثم استيقظت أي ساعة شئت من الليل قبل الزوال صليت اثنتي عشرة ركعة تقرأ في كل ركعة الحمد وسورة من بعد يس إلى الحمد، فإذا سلمت في كل شفع، جلست بعد التسليم وقرأت الحمد سبعاً، والمعوذتين سبعاً، وقل هوَالله أحد، وقل يا أيها الكافرون سبعاً سبعاً، وإنا أنزلناه، وآية الكرسي سبعاً سبعاً.وقل بعقب ذلك هذا الدعاء: "الحمد لله الذي لم يتخذ ولداً ولم يكن له شريك في الملك ولم يكن له ولي من الذل وكبره تكبيرا، اللهم إني أسألك بمعاقد عزك على أركان عرشك، ومنتهى الرحمة من كتابك، وباسمك الأعظم الأعظم الأعظم وذكرك الأعلى الأعلى الأعلى، وبكلماتك التامات أن تصلي على محمد وآله، وأن تفعل بي ما أنت أهله ثم ادع بما شئت. 30

2. الغسل في هذه الليلة.

3. زيارة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأمير المؤمنين عليه السلام

يوم المبعث

أمّا أعمال هذا اليوم فهي كما يلي:
أولاً: الصوم، وهوَيعدل صيام ستين سنة أوَسبعين، كما مر.
ثانياً: من الأعمال في هذا اليوم الغسل.
ثالثاً: يستحب في هذا اليوم زيارة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وزيارة أمير المؤمنين عليه السلام.
رابعاً: ومن المستحبات في هذا اليوم الإكثار من الصلاة على النبي وآله.
خامساً: ومن الصلوات التي وردت في أعمال هذا اليوم، صلاتان مهمتان جداً وللتسهيل فإن هاتين الصلاتين مذكورتان في كتاب مفاتيح الجنان.
سادساً: كذلك من أعمال هذا اليوم بشكل خاص الصدقة، وقد تقدم في أوّل الشهر أنّها مستحبة في جميع شهر رجب إلا أنها مستحبّة بشكل خاص في اليوم السابع والعشرين.
سابعاً: الأدعيةً.

ويستحب أن يدعوَفي هذا اليوم بدعائَي:

" يامن أمر بالعفو والتجاوز وضمن على نفسه العفو والتجاوز، يامن عفى وتجاوز يا كريم.أللهم وقد أكدى الطلب وأعيت الحيلة والمذهب ودرست الآمال وانقطع الرجاء إلا منك وحدك لا شريك لك. أللهم إني أجد سبل المطالب إليك مشرعة، ومناهل الرجاء لديك مترعة، وأبواب الدعاء لمن دعاك مفتحة، والإستعانة لمن استعان بك مباحة، وأعلم أنك لداعيك بموضع إجابة وللصارخ إليك بمرصد إغاثة، وأن في اللهف إلى جودك والضمان بعِدَتِك عِوضاً عن منع الباخلين، ومندوحة عما في أيدي المستأثرين، وأنك لا تحتجب عن خلقك إلا أن تحجبهم الأعمال دونك، وقد علمت أن أفضل زاد الراحل إليك عزم إرادة، وقد ناجاك بعزم الارادة قلبي، وأسألك بكل دعوة دعاك بها راج بلغته أمله، أو صارخ إليك أغثت صرخته، أو ملهوفٌ مكروبٌ فرجت عن قلبه، أو مذنبٌ خاطئٌ غفرت له، أو معافىً أتممت نعمتك عليه، أو فقيرٌ أذهبت غناك إليه، ولتلك الدعوة عليك حق وعندك منزلة، إلا صليت على محمد وآل محمد، وقضيت حوائج الدنيا والآخرة، وهذا رجب المرجب المكرم الذي أكرمتنا به، أول أشهر الحرم أكرمتنا به من بين الأمم يا ذا الجود والكرم، فنسألك به وباسمك الأعظم الأعظم الأجل الاكرم الذي خلقته فاستقر في ظلك فلا يخرج منك إلى غيرك، أن تصلي على محمد و أهل بيته الطاهرين وتجعلنا من العاملين فيه بطاعتك والآملين فيه لاجابتك، أللهم واهدنا إلى سواء السبيل واجعل مقيلنا عندك خير مقيل في ظل ظليل فإنك حسبنا ونعم الوكيل، والسلام على عباده المصطفين صلواته عليهم أجمعين. أللهم وبارك لنا في يومنا هذا الذي فضلته، وبكرامتك جللته، وبالمنزل العظيم منك أنزلته وصل على من فيه إلى عبادك أرسلته، وبالمحل الكريم أحللته، أللهم صل عليه صلوة دائمة تكون لك شكراً، ولنا ذخراً، واجعل لنا من أمرنا يسرا، واختم لنا بالسعادة إلى منتهى آجالنا وقد قبلت اليسير من أعمالنا، وبلغنا برحمتك أفضل آمالنا إنك على كل شئ قدير، وصلى الله على سيدنا محمد و آله وسلم...". 31

" أللهم إني أسألك بالتجلي الأعظم في هذا اليوم.."
. 32

وداع شهر رجب

- هل نشعر بأنّنا سوف نغادر موسماً شديد الأهمية
- هل يخفق قلب أحدنا بحب شهر رجببالحنين إلى شهر رجب

أمّا أهلُ الله عزّ وجل، أهلُ العبادة، فإن لإنقضاء الشهر عندهم معنىً خاصاً، وله في نفوسهم الوقع الكبير حيث إن شهر رجب من الأشهر الحرم، وليس الشهر الحرام كغيره من الشهور...
فلنحرص على أن لايكون خروجنا من الشهر خروجاً من حمى الله عزّ وجل.

"فكن خائفاً أن تخرج منه إخراج من أعرض صاحب الحمى عنه، أوإخراج المنفي المطرود أوَالمهجور المصدود، واطلب من رحمة مالك الوجود وصاحب الجود، أن يجعل لك من ذخائر مراحمه ومكارمه حمىً وحرماً تسكن بعد شهر رجب في خَفَارة معالمه ومواسمه ومراسمه، إلى أن تظفر بشهر موصوف بصفات مثله فتأوي إلى حمى ظلّه وفضله، واجمع ما عملت بلسان الحال، واعرضه على يد من تكون ضيفه من أهل الإقبال، وتوجه إليه بالله جلّ جلاله العظيم وبكلّ عزيز عليه أن يتمّ نقصان أعمالك وآمالك، وتعرضها بيد توسله وتوصله إلى دوام إقبالك وإجابة سؤلك". 33

وعن هذه النقطة يتحدث آية الله التبريزي  في كتابه "المراقبات" فيقول ما حاصله: " والمنزل المهم الآخر من هذا الشهر أي شهر رجب بعد ليلة المبعث ويومه، هوَاليوم الأخير فليجتهد السالك في عرض الأعمال والقصور والتقصير بصادق اعتراف، وخالص حياء وتوسل إلى الله تعالى بأحبائه وأوليائه، فإنّه سبحانه كريم يحب الكرامة لأوليائه وعباده المتقلبين على أعتابه وهوَعزّ وجل كريم العفو، وقد فُسِّركرمُ العفوَ بأنّه يعفوَ عن السيئات ويبدلها بأضعافها من الحسنات. فليبذل جهده أن لا يخرج بخروج الشهر عن حمى مولاه، وليتضرع لله جلّ جلاله أن يجعله دائماً في حماه، ولا يكون ذلك في شهر دون شهر وحالٍ دون حال، ومكان دون مكان، وليهتم بذلك ولا يكن من الغافلين". 34

قَدْ أَظَلَّكُمْ شَهْرٌ عَظِيمٌ مُبَارَكٌ

عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْعَبَّاسِ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله وسلم إِذَا جَاءَ شَهْرُ رَجَبٍ جَمَعَ الْمُسْلِمِينَ حَوْلَهُ وَقَامَ فِيهِمْ خَطِيباً فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ وَذَكَرَ مَنْ كَانَ قَبْلَهُ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ فَصَلَّى عَلَيْهِمْ ثُمَّ قَالَ: أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ قَدْ أَظَلَّكُمْ شَهْرٌ عَظِيمٌ مُبَارَكٌ وَهُوَشَهْرُ الْأَصَبِّ يُصِيبُ فِيهِ الرَّحْمَةَ عَلَى مَنْ عَبَدَهُ إِلَّا عَبْداً مُشْرِكاً أَوَمُظْهِرَ بِدْعَةٍ فِي الْإِسْلَامِ.أَلَا إِنَّ فِي شَهْرِ رَجَبٍ لَيْلَةً مَنْ حَرَّمَ النَّوْمَ عَلَى نَفْسِهِ وقَامَ فِيهَا حَرَّمَ اللَّهُ تَعَالَى جَسَدَهُ عَلَى النَّارِ وَصَافَحَهُ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ وَيَسْتَغْفِرُونَ لَهُ إِلَى يَوْمٍ مِثْلِهِ فَإِنْ عَادَ عَادَتِ الْمَلَائِكَةُ. ثُمَّ قَالَ35: مَنْ صَامَ يَوْماً وَاحِداً مِنْ رَجَبٍ أُومِنَ الْفَزَعَ الْأَكْبَرَ وَأُجِيرَ مِنَ النَّار.


1- الشيخ محمد بن الحسن الطوسي/ مصباح المهجد/734.وبحسب نسخة المعجم الفقهي797.
2- بحار الأنوار 94/37.
3- المجلسي، بحار الأنوار 95/377 والسيد ابن طاوس، إقبال الأعمال 3/174 والشيخ ملكي تبريزي، المراقبات36.
4- مستدرك الوسائل، ج21، ص475.
5- مستدرك الوسائل، ج21، ص530..
6- الاقبال3/190-191.
7- الاقبال/193.
8- الإقبال3/197وعنه:المراقبات47.
9- المراقبات/42. والإقبال/630 (ط:ق، دار الكتب الإسلامية، طهران)
10- الإقبال3/210-211.وبهامشه" عنه البحار 98:391".
11- الذين يطلبون ماينعشهم.
12- الإقبال3/209
13- راجع اقبال الاعمال
14- المراقبات59.وانظر:الإقبال3/216.
15- الإقبال3/217.
16- الإقبال3/216.
17- مستدرك‏الوسائل ج5 ص 281
18- المصباح - الكفعمي - ص 526
19- الشيخ جعفر كاشف الغطاء، كشف الغطاء2/322.
20- الإقبال3/230
21- الشيخ جعفر كاشف الغطاء، كشف الغطاء2/322.
22- الإقبال3/233وانظر: الشيخ الطوسي، مصباح المتهجد819-820.
23- الشيخ الصدوق، الأمالي، والمجلسي، البحار97/33.
24- الإقبال3/232.
25- المصدر807، وانظر:الإقبال3/236.
26- الإقبال3/238.وفي ؤصحاح الجوهري، عرب منطقه:هذبه من اللحن.
27- الإقبال 241.
28- الإقبال 239-240
29- الإقبال250-251
30- الشيخ الطوسي، مصباح المتهجد814.
31- الشيخ الطوسي، مصباح المتهجد 815-816.
32- الإقبال 3/278-279.
33- الإقبال3/286.
34- آية الله ملكي تبريزي، المراقبات 74.
35- مستدرك‏الوسائل, ج21, ص 531, 7- باب استحباب صوم رجب كله أوَبعضه