emamian

emamian

إن ثقافة انتظار ظهور صاحب الزمان من القضايا المحورية في الفكر الإسلامي، حيث تمثل حالة من الترقب والأمل في ظهور المنقذ الذي سيحقق العدالة ويعيد للأمة مكانتها. هذه الثقافة لا تقتصر على كونها مجرد انتظار لمجيء شخص معين، بل تتجاوز ذلك لتشكل نمط حياة متكاملاً يؤثر في سلوك الأفراد والمجتمعات. في السياق الفردي، ينعكس انتظار صاحب الزمان على السلوكيات اليومية للأشخاص، حيث يعزز من قيم الصبر، الأمل، والإيمان بقدرة الإنسان على التغيير. يتبنى الأفراد الذين يعيشون في ثقافة الانتظار رؤية إيجابية تجاه الحياة، مما يدفعهم إلى العمل من أجل تحسين ظروفهم الشخصية والاجتماعية، ويجعلهم أكثر استعدادًا لتحمل الصعوبات والتحديات.

 

أما على المستوى الاجتماعي، فإن ثقافة انتظار صاحب الزمان تُعزز من الروابط بين الأفراد، حيث يجتمع المؤمنون حول قيم مشتركة وأهداف واحدة. هذه الثقافة تساهم في بناء مجتمع متماسك يسعى لتحقيق العدالة والمساواة، ويعزز من قيم التعاون والتضامن بين أفراده. كما أنها تدفع المجتمعات إلى تبني مبادئ أخلاقية عالية، مما يسهم في تقوية النسيج الاجتماعي.


ومع ذلك، فإن تأثير ثقافة انتظار صاحب الزمان ليس دائمًا إيجابيًا. فقد تؤدي بعض التفسيرات المتطرفة لهذه الثقافة إلى حالة من التواكل، حيث يعتقد البعض أن الانتظار وحده كافٍ لتحقيق التغيير، مما قد يؤدي إلى عدم السعي نحو العمل والإصلاح.


من خلال هذه المقالة سنستعرض كيف تؤثر ثقافة انتظار صاحب الزمان على أنماط الحياة الفردية والاجتماعية، وسنناقش الآثار الإيجابية والسلبية لهذه الثقافة، وكيف يمكن أن تسهم في تشكيل هوية المجتمعات الإسلامية في العصر الحديث. سنسلط الضوء على أهمية العمل والتفاعل الاجتماعي في إطار هذه الثقافة، وكيف يمكن للأفراد والمجتمعات أن يستفيدوا من قيم الانتظار لتحقيق التنمية والتقدم.


ما هي ثقافة الانتظار؟


ثقافة الانتظار في الفكر الشيعي تُعتبر مبدأً أساسياً عقائدياً، وقد وردت روايات عديدة تؤكد على ضرورة انتظار صاحب العصر والزمان عجّل الله فرجه الشريف. هذا الانتظار ليس مجرد أمل، بل هو إيمان قلبي راسخ بظهور الإمام المهدي عجّل الله فرجه الشريف وإقامة العدالة العالمية. المنتظرون الحقيقيون، من خلال إصلاح الذات والعمل بتعاليم الله، يهيئون الأرضية لظهور الإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف.


الانتظار ليس فقط عملاً عبادياً، بل هو جهاد في سبيل الله وإحياء للسُنن الإسلامية. من جهة أخرى، يُعد الانتظار تجسيداً للأخلاق الحسنة والتزين بالصفات المحمودة. كما أن الإيمان بالمعاد ويوم الحساب له مكانة خاصة في فكر الانتظار، ويحفز المنتظرين على العمل الصالح والابتعاد عن الذنوب.


أهمية ثقافة الانتظار في الحياة الفردية والاجتماعية


ثقافة الانتظار ليست مجرد فكرة دينية عابرة، بل هي رؤية شاملة تتعلق بكيفية تعامل الأفراد مع واقعهم وتطلعاتهم نحو مستقبل أفضل. إذ تعكس ثقافة الانتظار إيمانًا عميقًا بقدرة الإنسان على التغيير، وبضرورة السعي لتحقيق قيم العدالة والمساواة في الحياة اليومية.


في الحياة الفردية، يُعتبر انتظار ظهور الإمام المهدي عجّل الله فرجه الشريف محفزًا للأفراد على تطوير ذواتهم، وتعزيز قيم الصبر والأمل. ينتظر المؤمنون الفرج كفرصة لتحسين أوضاعهم الشخصية والاجتماعية، مما يدفعهم إلى الالتزام بالمبادئ الأخلاقية والسعي نحو العمل الصالح. هذا الانتظار يُعزز من شعور الأفراد بالمسؤولية تجاه أنفسهم ومجتمعهم، ويشجعهم على الابتعاد عن السلبية والتواكل. فقد ورد في حديث الأربعمائة:« قال أميرالمؤمنين عليه السلام: انتظروا الفرج ولا تيأسوا من روح الله ، فان أحب الاعمال إلى الله عزوجل انتظار الفرج » (1).


أما على المستوى الاجتماعي، فإن ثقافة الانتظار تساهم في بناء مجتمع متماسك يتشارك القيم والأهداف. حيث يجتمع الأفراد حول رؤية مشتركة تسعى لتحقيق العدالة والإصلاح، مما يعزز من الروابط الاجتماعية ويشجع على العمل الجماعي. ينتظر المجتمع ظهور الإمام المهدي عجّل الله فرجه الشريف كفرصة لتحقيق التغيير الإيجابي، مما يعزز من روح التعاون والتضامن بين أفراده. فقد روي عن الإمام الصادق عليه السلام:« أقرب مايكون العباد إلى الله عزوجل وأرضى مايكون عنهم ، إذا افتقدوا حجة الله ، فلم يظهرلهم ، ولم يعلموا بمكانه ، وهم في ذلك يعلمون أنه لم تبطل حجة الله ، فعندها فتوقعوا الفرج كل صباح ومساء ، فان أشد مايكون غضب الله على أعدائه إذا افتقدوا حجته ، فلم يظهر لهم. وقد علم أن أولياءه لايرتابون ولو علم أنهم يرتابون لما غيب حجته طرفة عين ، ولايكون ذلك إلا على رأس شرار الناس » (2).


تأثير ثقافة الانتظار على نمط الحياة الفردية


تتأثر ثقافة الانتظار بشكل إيجابي وعميق على نمط الحياة الفردية للمؤمنين. فلنذكر البعض منها.


تعزيز الأمل والصبر: تساهم ثقافة انتظار الإمام المهدي عجل الله فرجه الشريف في تعزيز قيمة الأمل لدى الأفراد. إذ يشعر المنتظرون بأن هناك دائمًا إمكانية للتغيير والتحسن، حتى في أسوء الظروف. هذا الأمل يدفع الأفراد إلى التحلي بالصبر في مواجهة التحديات اليومية، مما يساعدهم على تجاوز الأوقات الصعبة والمشكلات الشخصية. لذا ورد عن الإمام زين العابدين عليه السلام:« إن أهل زمان غيبته ، القائلون بامامته ، المنتظرون لظهوره أفضل أهل كل زمان ، لان الله تعالى ذكره أعطاهم من العقول والافهام والمعرفة ما صارت به الغيبة عندهم بمنزلة المشاهدة » (3).


تطوير القيم الأخلاقية والعمل الصالح: انتظار المهدي يُعتبر دافعًا قويًا للأفراد للعمل الصالح والسعي نحو تحسين أنفسهم ومجتمعاتهم. يدرك المنتظرون أن الفرج لا يأتي من فراغ، بل يتطلب جهدًا مستمرًا في سبيل تحقيق الأهداف النبيلة. وأبضا هذه الثقافة تدفع الأفراد إلى التحلي بالصفات الحسنة، مثل الرحمة، والتسامح، والإيثار. فقد روي عن الإمام الصادق عليه السلام:« من سر أن يكون من أصحاب القائم فلينتظر وليعمل بالورع ومحاسن الاخلاق ، وهو منتظر ، فان مات وقام القائم بعده كان له من الاجر مثل أجر من أدركه ، فجدوا وانتظروا هنيئا لكم أيتها العصابة المرحومة » (4).


تأثير ثقافة الانتظار على نمط الحياة الاجتماعية


تأثير ثقافة الانتظار يمتد إلى جميع جوانب الحياة الاجتماعية، حيث تساهم في تشكيل القيم والعلاقات والتفاعلات بين الأفراد.


تعزيز الروابط الاجتماعية: تُعزز ثقافة انتظار الظهور من الروابط الاجتماعية بين الأفراد، حيث يجتمع المؤمنون حول قيم وأهداف مشتركة. هذا الشعور بالانتماء إلى حركة أكبر يسعى لتحقيق العدالة يُساهم في تقوية العلاقات بين الأفراد، مما يعزز من روح التعاون والتضامن. الأفراد الذين يتشاركون في هذه الثقافة يميلون إلى دعم بعضهم البعض في الأوقات الصعبة، مما يخلق مجتمعًا متماسكًا. ولهذا ورد في التوقيع الشريف عن صاح العصر والزمان عجل الله تعالى فرجه الشريف:« أكثروا الدعاء بتعجيل الفرج، فإنّ ذلك فرجكم » (5).


تعزيز الهوية الثقافية والاجتماعية: تُعزز ثقافة انتظار الظهور من الهوية الثقافية والدينية للأفراد. حيث يشعر المؤمنون بأنهم جزء من تاريخ طويل من الانتظار والأمل، مما يساهم في تعزيز انتمائهم إلى مجتمعهم. هذا الشعور بالهوية يُعزز من تماسك المجتمع ويجعله أكثر قدرة على مواجهة التحديات. وقد ورد عن الإمام الصادق عليه السلام:« كذلك و اللّه عبادتكم في السرّ مع إمامكم المستتر في دولة الباطل، و تخوّفكم من عدوّكم في دولة الباطل و حال الهدنة، أفضل ممن يعبد اللّه في ظهور الحق مع إمام الحق في دولة الحق » (6).


النتيجة


1) ما هي ثقافة الانتظار؟ إيمان قلبي راسخ بظهور الإمام المهدي عجّل الله فرجه الشريف وإقامة العدالة العالمية.


2) هل الانتظار مجرد عمل عبادي؟ الانتظار ليس فقط عملاً عبادياً، بل هو جهاد في سبيل الله وإحياء للسُنن الإسلامية.


3) ما هي تأثير ثقافة الانتظار في نمط الحياة الفردية؟ تعزيز الأمل والصبر و تطوير القيم الأخلاقية والعمل الصالح.


4) ما هي تأثير ثقافة الانتظار في نمط الحياة الاجتماعية؟ تعزيز الروابط الاجتماعية و تعزيز الهوية الثقافية والاجتماعية.


5) هل يوجد روايات حول أهمية ثقافة الانتظار وتأثيرها في نمط الحياة الفردية والاجتماعية؟ نعم، يوجد روايات كثيرة فراجع المقالة إن شئت.

 


1) بحار الأنوار (للعلامة المجلسي) / المجلد: 52 / الصفحة: 123 / الناشر: مؤسسة الوفاء – بيروت / الطبعة: 1.
2) بحار الأنوار (للعلامة المجلسي) / المجلد: 52 / الصفحة: 145 / الناشر: مؤسسة الوفاء – بيروت / الطبعة: 1.
3) بحار الأنوار (للعلامة المجلسي) / المجلد: 52 / الصفحة: 122 / الناشر: مؤسسة الوفاء – بيروت / الطبعة: 1.
4) بحار الأنوار (للعلامة المجلسي) / المجلد: 52 / الصفحة: 140 / الناشر: مؤسسة الوفاء – بيروت / الطبعة: 1.
5) كمال الدين (للشيخ الصدوق) / المجلد: 2 / الصفحة: 483 / الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي – طهران / الطبعة: 2.
6) بحار الأنوار (للعلامة المجلسي) / المجلد: 52 / الصفحة: 127 / الناشر: مؤسسة الوفاء – بيروت / الطبعة: 1.

قال الله تعالى: ﴿وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ﴾[1].

أيّها الأحبّة،

إنّ الارتباط بالإمام المهديّ (عجّل الله فرجه) لا يقتصر على الحبّ والمشاعر العاطفيّة، ولا على الإقرار الفكريّ والعقليّ والعقديّ بوجوده وقضيّته المباركة التي ينتظرها الموالون له، بل هو ارتباط تفاعليّ، يشمل -مضافاً إلى ما تقدّم- الارتباط السلوكيّ الذي ينبغي أن يكون عليه الناس حال غيبته، وذلك بأن يقوموا بما يرضيه ويسرّه، في علاقتهم بالله وعلاقتهم في ما بينهم، وفي تبنّيهم القضايا المحقّة في هذا العالم، فيجاهدوا حيث يجب أن يجاهدوا، ويرفعوا أصواتهم حيث يجب أن يرفعوها في وجه الأباطرة والظالمين، وهم يبذلون في ذلك قصارى جهدهم وأغلى ما عندهم في سبيل حماية الدين والأمّة.

كيف نقوّي علاقتنا بالإمام؟

لا بدّ للمؤمن الموالي من أن يضع نصب عينيه دوماً أهمّيّة تقوية هذا الارتباط، فيقدم على كلّ ما يقوّي هذه العلاقة ويشدّ من أواصر التقرّب إليه (عجّل الله فرجه)، ويعود فضل ذلك أوّلاً إلى الموالي نفسه، إذ يعيش بذلك في دائرة المُهيَّئين لنصرة الإمام حال ظهوره، فمن سلك طريق الخير ووضع خطواته في الطريق الصحيح فهو مُهيَّأٌ لليوم الذي يخرج فيه الإمام معلناً الجهاد والقيام ضدّ الظالمين في العالم، أمّا الذي يقصّر في ذلك، فاحتمال ضعفه عند نداء الإمام يكون قويّاً، ذلك أنّه لم يكن مهيَّأً روحيّاً ومعنويّاً لذاك النداء العظيم.

من معالم تقوية علاقة الموالي بالإمام (عليه السلام) أمور عديدة، نذكر منها:

1. صلة الإمام

بأن يقدّم له هديّة بقدر استطاعته، غنيّاً كان أم فقيراً، وقد ورد ذلك عن المعصومين (عليهم السلام)، منها ما عن مفضّل بن عمر قال: دخلتُ على أبي عبد الله (عليه السلام) يوماً ومعي شيء، فوضعتُه بين يديه، فقال: «ما هذا؟»، فقلتُ: هذه صلة مواليك[…] قال: فقال لي: «يا مفضّل، إنّي لأقبل ذلك، وما أقبل من حاجة بي إليه، وما أقبله إلّا ليزكّوا به»[2].

وفي تفسير العيَّاشي عن الإمام الصادق (عليه السلام)١ أنّه سُئل عن قوله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أمَرَ اللّهُ بِهِ أن يُوصَلَ﴾[3]، قال: «هو صلة الإمام في كلّ سنة ممّا قلّ أو كثر»، ثمّ قال (عليه السلام): «وما أريد بذلك إلّا تزكيتكم»[4].

وعنه (عليه السلام) في فضل الهديّة للإمام المعصوم: «قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله): من وصل أحداً من أهل بيتي في دار هذه الدنيا بقيراط، كافيته يوم القيامة بقنطار»[5].

وإنّ لذلك أثراً في قضاء حوائج المؤمن، إذ ورد عن الإمام الصادق (عليه السلام) أيضاً: «ولا تدعوا صلة آل محمّد (عليهم السلام) من أموالكم؛ من كان غنيّاً فبقدر غناه، ومن كان فقيراً فبقدر فقره، فمن أراد أن يقضي الله له أهمّ الحوائج إليه فَليصِل آل محمّد وشيعتهم بأحوج ما يكون إليه من ماله»[6].

أمّا في ما يتعلّق بالإمام المهديّ (عجّل الله فرجه)، فقد يتحقّق ذلك بإنفاق شيءٍ ممّا نستطيعه في وجوه الخير والصلاح ممّا يرضاه (عليه السلام)، وأن يكون ذلك بالنيّة عنه، وكأنّنا نهديه بذلك ثواب ما نقدّمه للمؤمنين أو ثواب وجوه الخير.

2. إظهار الحبّ والمودّة له (عليه السلام)

من وجوه الارتباط الضروريّة واللازمة بين المرء وإمامه، الارتباط القلبيّ والمعنويّ، ويتمثّل ذلك بالحبّ والمودّة التي أمر بها الله تعالى لخاصّة أوليائه المعصومين (عليهم السلام)، وكذلك لخاصّة الإمام المهديّ المنتظر (عليه السلام)، قال تعالى: ﴿قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى﴾[7]

وقد ورد أنّ الله تعالى أوحى إلى رسوله الأكرم (صلّى الله عليه وآله) ليلة أُسري به: «يا محمّد، أتحبّ أن تراهم -ويقصد بذلك الأئمّة من بعده (صلّى الله عليه وآله)-؟ قلتُ: نعم، قال: تقدَّم أمامك، فتقدّمت أمامي، وإذا عليُّ بن أبي طالب والحسن والحسين وعليّ بن الحسين ومحمّد بن عليّ وجعفر بن محمّد وموسى بن جعفر وعليّ بن موسى ومحمّد بن عليّ وعليّ بن محمّد والحسن بن عليّ والحجّة القائم كأنّه كوكب دريّ في وسطهم، فقلت: يا ربِّ من هؤلاء؟

فقال: هؤلاء الأئمّة، وهذا القائم، يحلُّ حلالِي ويحرِّم حرامي، وينتقم من أعدائي. يا محمّد، أحببه فإنّي أحبّه وأحبّ من يحبّه»[8].

إنّ هذا الارتباط المعنويّ يؤدّي بشكل تلقائيّ إلى تقويم مسلك الإنسان، وضبط جوارحه عن اقتراف المحرّمات، لكن شريطة أن يكون هذا الحبّ فعليّاً وواقعيّاً، لا مجرّد قول باللسان، فعن الإمام الصادق (عليه السلام) أنّه أنشد قائلاً:

«لو كان حبّك صادقاً لأطعتَه إنّ المحبّ لمن أحبّ مطيعُ»[9].

3. تجديد البيعة

وهي أن يجدّد بيعته للإمام (عليه السلام)، وذلك من خلال العزم على مناصرته وملازمة ما يرضيه (عجّل الله فرجه)، ولأهمّيّة هذا الأمر، فقد ورد في دعاء العهد المرويّ عن الإمام الصادق (عليه السلام)، ليكون ذلك بيعةً متجدّدةً في كلّ يوم، ما يجعل المرء دوماً في حال من الذكر الدائم لإمام زمانه، ورد في الدعاء: «اللّهُمَّ إِنِّي أُجَدِّدُ لَهُ فِي صَبيحةِ يَوْمِي هذا وَما عِشْتُ مِنْ أيّامِي عَهْداً وَعَقْداً وَبَيْعَةً لَهُ فِي عُنُقِي، لا أَحُولُ عَنْها وَلا أَزُولُ أَبَداً…»[10].

4. الاغتمام والبكاء على فراقه

ورد عن الإمام الصادق (عليه السلام): «والله، ليغيبنّ إمامكم سنيناً من دهركم، ولَتُمحَّصُنّ حتّى يُقال: مات أو هلك، بأيّ وادٍ سلك، ولَتدمعَنّ عليه عيون المؤمنين»[11].

وعن الإمام الرضا (عليه السلام): «كم من حرّى مؤمنة، وكم من مؤمن متأسّف حيران حزين عند فقدان الماء المعين (يعني الحجّة عجّل الله فرجه)»[12].

5. الدعاء له

وهذا من أعظم ما يوطّد علاقة المرء بإمامه، وقد ورد العديد من الأدعية المخصّصة للإمام، كدعاء الحجّة المعروف، وما ورد في توقيع الناحية المقدّسة: «اللهمَّ أعزَّه مِن شرِّ كلِّ طاغٍ وباغٍ، ومِن شرِّ جميعِ خلقِك، واحفظهُ مِن بينِ يديهِ ومِن خلفِه، وعَن يمينِه وعَن شمالِه، واحرُسه، وامنَعهُ أن يُوصَلَ إليهِ بسوءٍ، واحفَظ فيهِ رسولكَ وآلَ رسولِك، وأظهِر بهِ العدلَ، وأيّدهُ بالنّصرِ»[13].

وكذلك الدعاء بتعجيل بالفرج، إذ ورد عنه (عجّل الله فرجه) في التوقيع المبارك: «وأكثروا الدعاء بتعجيل الفرج؛ فإنّ ذلك فرجُكم»[14].

[1] سورة القصص، الآية 5.

[2] العلّامة المجلسيّ، بحار الأنوار، ج93، ص216.

[3] سورة الرعد، الآية 21.

[4] العلّامة المجلسيّ، بحار الأنوار، ج93، ص216.

[5] الشيخ الطوسيّ، الأمالي، ص440.

[6] ابن شعبة الحرّانيّ، تحف العقول، ص515.

[7] سورة الشورى، الآية 23.

[8] العلّامة المجلسيّ، بحار الأنوار، ج36، ص222.

[9] ابن شعبة الحرّانيّ، تحف العقول، ص294.

[10] العلّامة المجلسيّ، بحار الأنوار، ج83، ص285.

[11] الشيخ الكلينيّ، الكافي، ج1، ص336.

[12] العلّامة المجلسيّ، بحار الأنوار، ج51، ص152.

[13] المصدر نفسه، ج91، ص4.

[14] الشيخ الطبرسيّ، الاحتجاج، ج‏2، ص‏384.

قال رئيس الجمهورية الإسلامية الإيرانية مسعود بزشكيان، اليوم الإثنين، إن ثورتنا استطاعت أن تخرج الظالمين من إيران، وان سر نجاحنا في انتصار الثورة كان بسبب حضور الشعب ووحدته وتماسكه.

 

 

واضاف الرئيس بزشكيان في كلمة في ختام مسيرات ذكرى انتصار الثورة الإسلامية في طهران : لن ننحني أبدا أمام الأجانب. على الرغم من أننا لا نسعى إلى الحرب، إلا أن العدو كان يسعى منذ اليوم الأول إلى إثارة الصراع. مثال على ذلك هو اغتيال إسماعيل هنية في طهران. هدف العدو هو إثارة الفتنة بيننا.

إقرأ ايضا .. انطلاق مسيرات إحياء ذكرى الثورة الإسلامية في طهران

وتابع: "العدو ينتظر حدوث الانقسامات في إيران ليتمكن من استغلالها وتنفيذ مؤامراته. لكننا، بدعم من قائد الثورة، سنواصل مسيرتنا بقوة، وسنسعى للعيش مع جيران هذه الأرض بأخوة واحترام متبادل."

لن نسمح للعدو بتنفيذ مؤامراته

وقال: "ترامب أعلن أنه يريد إجراء مفاوضات، وفي نفس الوقت يوقع ويعلن كل المؤامرات الممكنة لإخضاع الثورة. ثم يقول إنه مستعد للتفاوض. ويدعي أن إيران هي التي تزعزع استقرار المنطقة، في حين أن إسرائيل، بدعم من أمريكا، ترتكب القتل والنهب والقصف في المنطقة."

وأضاف الرئيس: "رئيس الولايات المتحدة يدعم شخصا تم توجيه التهم ضده من قبل الأمم المتحدة ومحكمة لاهاي."

 

وأشار بزشكيان: "أمريكا تدعي أنها تسعى للسلام، لكنني أقول: من الذي زعزع الاستقرار في المنطقة؟ أي إنسان حر يقبل بأن تقوموا بقصف النساء؟ لماذا تقومون بإبادة الأسر؟"

وأوضح: "سر انتصارنا كان في وحدتنا، وهذا ما قاله الإمام والقيادة. إذا تضافرنا معًا، يمكننا حل المشاكل بمساعدة الشعب، وستتحطم خطط أمريكا. أمريكا تعتقد أنها تستطيع هزيمة الشعب الإيراني بتفريقه."

وقال الرئيس: "أمريكا تقول إنها تريد التفاوض، لكنني أقول: إذا كنت ترغب في التفاوض، فلماذا فعلت كل هذه الأخطاء؟ أمريكا تريد أن تغلق كل الطرق أمامنا، لكننا نعلم أنها لا تستطيع فعل ذلك، ومنذ 46 عامًا لم تتمكن من ذلك."

وتابع قائلاً: "العدو يخطط للاختلاف والصراع والعقوبات ويروجون إلى أن البلاد على وشك الانهيار. لكن الحقيقة هي أننا أقوياء وسنبقى أقوياء."

وأضاف: "سنبذل كل جهد ممكن للحفاظ على الوحدة والتماسك. يجب على الأعداء أن يعلموا أننا لا يمكن أن نخاف من الشهادة، لأن الشهادة هي أعظم أمل لأي إنسان يسعى للعدالة في مسار النضال ضد الظلم."

وأكد قائلاً: "هم إرهابيون لكنهم يطلقون علينا لقب الإرهابيين. نحن ضحايا الإرهاب."

وقال بزشكيان: "بدعم من قائد الثورة، نحن نسعى للتفاعل مع جيراننا. من هذه المنصة نعلن أن دول المنطقة هي إخوتنا. إذا كنا ندافع عن غزة وفلسطين، فإننا ندافع عن المظلوم."

وتابع قائلاً: "أمريكا تقوم بالقتل حسب رغبتها وتدعي أن إيران هي المسؤولة عن انعدام الأمن في المنطقة. من هو المسؤول عن الأمن؟ هل نحن أم هم؟"

وأضاف: "العدو لا يريد لنا أن نتحد، ويريدون أن نبقى في صراع حتى لا نتمكن من معالجة مشاكل بلدنا. هم يريدون التعرف على علمائنا لقتلهم، إما بقتلهم أو بشرائهم."

وأوضح بزشكيان: "العدو يريد أن يقنع نخبنا بأنهم لا يصلون إلى شيء بوجودهم في إيران. العدو لديه خطة لاغتيال النخب، وخطة للعقوبات وزرع اليأس. العدو يقنع الناس بأن إيران في طريقها إلى الانهيار، لكننا أقوياء."

وأضاف: "على الشعب أن يعلم أننا خدامهم وكلام قائدنا هو فصل الخطاب، ونحن ملتزمون بذلك. نحن لا ننخدع بمؤامرات العدو، ومع الاتحاد سنتقدم."

وتابع: "أعد الشعب أنني سأبذل جهدًا لخدمة الأمة وتعزيز الوحدة؛ كما يجب على الآخرين أن يعرفوا أننا لا نخاف من الشهادة، فالشهادة في مواجهة الظلم حلوة بالنسبة لنا. يجب أن نخاف من الخلافات وليس من مكائد الأعداء."

وأضاف: "كل خلاف أو شكوى لدينا يجب أن يُحل اليوم، يجب أن نتعاون معًا تحت قيادة قائد الثورة لحل المشاكل من خلال إشراك النخب."

وأكد: "نحن اليوم في حالة حرب اقتصادية شاملة ويجب أن نكون حذرين من الوقوع في الفخ الذي ينصبه البعض من خلال احتكار السلع، وتدمير السوق، وما إلى ذلك، لتشويه صورة الثورة في أذهان الناس. سنخرج من هذه الأزمة بالتوكل على الله وبالوحدة."

وقال رئيس الجمهورية في الختام: "لدينا مع الدول المجاورة والمسلمة عهد أخوة؛ لا أحد يتفوق على الآخر والمقياس في التفوق هو التقوى. دعونا نسعى بناءً على الحق والعدالة لتطبيق حقوق الجميع بشكل عادل. لنتحد ضد الفساد والظلم والجريمة. شعبنا صامد وإذا كان هناك أمر سيحدث، فإننا سنظل في خدمة الشعب حتى آخر نفس."

العالم - ايران

وفي الذكرى الـ46 لانتصار الثورة الإسلامية في إيران، جدّد الحيّة من العاصمة طهران خلال مشاركته في الفعّاليات المقامة، التأكيد أنّ "إيران كانت وما زالت ونحن على يقين أنها ستبقى مساندة لحقّنا وقضيتنا".

وأضاف أنّ "مساندة إيران لغزة والوعد الصادق الأول والثاني أكّدا أنّه آن الأوان لإنهاء البلطجة الإسرائيلية".

وقال الحية ان هذه المساندة تعكس التزام إيران الثابت بالقضية الفلسطينية وحقوق الشعب الفلسطيني.

 وأكد رئيس حركة حماس في قطاع غزة: انتصر طوفان الاقصى بعدما توحد الشعب الفلسطيني بشعبه ومقاومته وبالايمان الذي تملك قلوب المؤمنين.

وقال خليل الحيّة، إنّ "طوفان الأقصى انطلق ليكون مقدّمة لتحرير فلسطين وإنهاء العدوان ورحيل الاحتلال".وفي معرض ردّه على تصريحات ترامب ونتنياهو حول تهجير سكّان غزّة، أشار الحيّة إلى أنّ "شعبنا الفلسطيني حمى طوفان الأقصى وهو لن يغادر أرضه"، مؤكداً أنّ "مشاريع أميركا وترامب والغرب إلى زوال".

كما توجّه بالتحيّة إلى "لبنان واليمن والعراق وإيران ولكلّ من دافع وقاتل إسناداً لغزة في طوفان الأقصى".

ولفت رئيس حركة حماس في غزة، إلى أنّ "طوفان الأقصى وحّد دم الشهداء فاختلط دمنا مع دم القادة والشهداء في لبنان والعراق واليمن وإيران".

وأردف الحيّة، قائلاً إنّ "عهدنا إلى أمتنا أنّ الشعب الفلسطيني لن ينسى أبداً كلّ من سانده وجاهد معه ولن يسامح المتخاذلين".

الإثنين, 10 شباط/فبراير 2025 09:49

التهاب كعب القدم.. أسبابه وطرق علاجه

يعد التهاب كعب القدم أو ما يعرف بـ Bilateraltis planter fasci من أكثر الأمراض التي تصيب الرجال الذين يتخطون الخمسين من أعمارهم، في حين تشير الجمعية الأمريكية للعناية بالقدم American podiatric medical association إلى أن 18% من الرجال الذين تتراوح أعمارهم ما بين الخمسين والستين يعانون هذا المرض.    - أسبابه: للوقوف على أسباب هذا المرض، يقول الدكتور إبراهيم محمد كشك اختصاصي طب العظام: إن هناك أسباباً كثيرة وراء هذا المرض، منها التهاب الأغشية في القدم أم التمرين اليومي الذي يقوم به لاعبوا كرة القدم أو كرة السلة أو الأشخاص الذين يعانون تفلطح القدم Flat Feet أو الأشخاص الذين يعانون السمنة الزائدة. وعندما تصاب منطقة القدم (Heel) بالتهاب نتيجة لأي سبب يشعر المريض بآلام حادة جدّاً، ويبدو هذا واضحاً عندما يحاول المريض وضع قدميه على الأرض بعد قضاء ليلة في السرير أو بعد فترة جلوس تستمر ساعتين أو أكثر. وتستمر الآلام الحادة لعدة دقائق لا يستطيع معها المريض الوقوف على قدميه، ولكن بعد فترة يخف الألم ويتمكن المريض من المشي، إلا أن ذلك يكون لفترة محدودة، لأنّ الآلام تعاوده من جديد، ولهذا يجب علاج هذا المرض حتى لا يتحول إلى الأسوأ ويتسبب بظهور شروخ في عظمة القدم. ومن الأمور التي قد يعانيها المريض، انتقال الألم من الكعب إلى الأصابع حيث يبدأ الألم يضرب إصبع القدم الكبير ثمّ تتكون هالة من اللون الأحمر حول المفصل الذي يربط القدم بالإصبع الكبير، وتتورم تلك المنطقة وعندها لا يستطيع المريض ثني أصابع قدمه، ما يعيق حركة المشي فيضطر إلى المشي على مشط قدمه الأمر الذي يتسبب بزيادة آلامه. ويُنصح بعمل تحليل دم للوقوف على نسبة حامض البوليك Uric acid لأن زيادة حامض البوليك على نسبة معينة تؤدي إلى التهاب الأنسجة الرخوية في منطقة الكعب وتمتد إلى القدم وصولاً إلى الأصابع.    - العلاج: يشير الدكتور إبراهيم كشك إلى أن ما بين 80 إلى 90% من هذه الحالات يتم شفاؤها ويعود المريض قادراً على السير على قدميه بشكل عادي. ولكن كي يتم الشفاء يجب تشخيص الحالة أولاً وبشكل دقيق، وعادة ما يتم ذلك من خلال صور الأشعة أو من خلال الـ(Sonar). وتُظهر صور الأشعة القدم وخاصة منطقة الكعب بشكل واضح حيث يمكن مشاهدة نتوءات على شكل مسامير مُتدلية من عظم القدم من الأعلى باتجاه أسفل القدم، وهذه النتوءات تُسبب آلاما مُبرحة عند المشي، حيث يضغط ثقل الجسم عليها وهي بدورها تضغط على الأعصاب والطبقة اللحمية في القدم فيشعر المريض بآلام حادة. لذا فإنه من الضروري علاج هذه النتوءات وإزالتها من عظام القدم بشكل كلي حتى لا يتضاعف الألم وتزيد مشكلات القدم. وفي البداية يلجأ الطبيب بعد أخذ الصور ومعرفة الوضع بشكل كامل إلى إعطاء المريض أدوية على شكل أقراص، إضافة إلى مراهم توضع على مكان الألم مع وضع (ضبان) داخل الحذاء لتخفيف الضغط على القدم. ويستمر هذا العلاج لمدة أسبوعين تقريباً، فإذا لاحظ المريض أن حالته تتحسن يستمر في تناول العلاج بهذه الطريقة، ولكن إذا لم يطرأ تحسن فإنّ الطبيب يلجأ إضافة إلى العلاج السابق لإعطاء المريض حُقناً في الكعب لتذويب النتوءات العظمية الجديدة هي التي عبارة عن ترسبات من الأملاح والكالسيوم. وفي كثير من الأحيان فإن هذه الحقن تحقق نتائج جيِّدة، ولكن إن فشلت في علاج هذه الحالة فإنّ الطبيب يلجأ إلى العلاج بأشعة الليزر. وهذا العلاج يُعد الأحدث في العالم، وقد بدأت استخدامه جامعة lllinoi حيث قامت عيادة lllinoi’s Podiatric clinic بتطبيقه على غرار تفتيت الحصى في الكلى بواسطة أشعة الليزر، وقد حقق العلاج نتائج جيِّدة لأنّ المريض لا يحتاج إلى أخذ حُقن، لكن المريض يحتاج لأن يُعرّض كعب قدمه (لضربات) أشعة الليزر لمدة تزيد على ساعة ونصف الساعة. وفي حالة عدم استجابة المريض للعلاج بأشعة الليزر أو بالحقن والأدوية الأخرى، فإنّ العلاج يكون من خلال العملية الجراحية التي يتم خلالها التخلص من تلك النتوءات التي تظهر على عظمة الكعب. إلا أنّ هذا العلاج لا يتم اللجوء إليه إلا في الحالات المستعصية.   - عدم الإهمال: وينصح الدكتور إبراهيم بعدم إهمال هذا المرض، لأن نتائجه عادة ما تكون سيِّئة للغاية، والإهمال سيؤدي إلى ترسب المزيد من الأملاح والكالسيوم وبالتالي زيادة عدد النتوءات في الكعب، كما أن مفاصل الأصابع سوف تتأذى، خاصة مفصل الإصبع الكبير في القدم وبعد ذلك ستتأذى القدم كلها، وإذا أهمل المريض حالته هذه فإنّ الالتهابات ستؤذي الساق وسيشعر المريض بآلام حادة ولن يستطيع المشي بشكل جيِّد.

 كان الحسين (عليه السّلام) يُشبَّهُ بجدّه الرسول (صلّى الله عليه وآله) في الخِلْقة واللونِ، ويقتسمُ الشَّبَهَ به (صلّى الله عليه وآله) مع أخيه الحَسَن (عليه السّلام).

ولا غَرْوَ فهما فِلقتان من ثمرة واحدة من الشجرة التي قالَ فيها رسولُ الله (صلّى الله عليه وآله): «أنا الشجرة، وفاطمة أصلها ـ أو فرعها ـ وعليّ لقاحها، والحسن والحسين ثمرتها، وشيعتنا ورقها؛ فالشجرة أصلها في جنّة عَدْن، والأَصل والفرع واللقاح والثمر والورق في الجنّة»([1]).

روى ذلك عبد الرحمن بن عوف قائلاً: ألا تسألوني قبل أن تشوبَ الأحاديثَ الأباطيلُ؟!

فالحسنُ أشبَهَ جدَّه ما بين الصدر إلى الرأس، والحسين أشبهه ما كان أسفل من ذلك من لدن قدميه إلى سرّته.

وكان الإمام عليّ (عليه السّلام) يُعلنُ عن ذلك الشَبَه ويقول: «مَن سرّه أن ينظر إلى أشبه الناس برسول الله (صلّى الله عليه وآله) ما بين عنقه وثغره فلينظر إلى الحسن. ومَن سرّه أن ينظر إلى أشبه الناس برسول الله (صلّى الله عليه وآله) ما بين عنقه إلى كعبه خَلقاً ولوناً فلينظر إلى الحسين بن عليّ».

وقال في حديث آخر: «اقتسما شَبَهَهُ»([2]). ليكون وجودهما ذكرى وعبرةً استمراراً لوجود النبيّ (صلّى الله عليه وآله) في العيون، مع ذكرياته في القلوب، وأثره في العقول، وعبرةً للتاريخ، يتمثّل فيه للقاتلين حسيناً، والضاربين بالقضيب ثناياه، إنهم يقتلون الرسول ويضربون ثناياه.

ولقد أثار ذلك الشَّبَهُ خادِمَ الرسول أنسَ بن مالك لَمّا رأى قضيبَ ابن زياد يَعْلو ثنايا أبي عبد الله الحسين حين اُتي برأس الحسين، فجعلَ ينكتُ فيه بقضيب في يده، فقال أنس: أما إنّه كانَ أشبههما بالنبيّ (صلّى الله عليه وآله).
 
الخُلق العظيم:
حِجْرُ الزهراء فاطمة بنت الرسول (صلّى الله عليه وآله) ذي الخلق العظيم، هو خير مهد لتربية أولادها على ذلك الخلق، وأكرم به.

ولكن لمّا رأت الزهراء (عليها السّلام) والدها الرسول (صلّى الله عليه وآله) محتضراً، وعلمتْ من نبئهِ بسرعة لحوقها به، هبّتْ لتستمدّ من الرسول (صلّى الله عليه وآله) لأولادها الصغار المزيدَ من ذلك. واجتهدتْ أن تطلبَ من أبيها علانية ـ حتّى يتناقل حديثها الرواة ـ أن يُورِّث ابنيها.
 
أتَتْ فاطمةُ بنت النبي (صلّى الله عليه وآله) بابنيها إلى رسول الله (صلّى الله عليه وآله) في شكواه التي توفّي فيها ـ فقالت: يا رسول الله، هذانِ ابناكَ تورّثهما شيئاً؟ ـ أو قالت: ـ ابناك وابناي، انحلهما. قال (صلّى الله عليه وآله): نعم
أمّا الحسن فقد نحلتُه هَيْبتي وسُؤددي. وأمّا الحسين فقد نحلتُه نَجدتي وجُودي.
قالتْ: رضيتُ يا رسول الله.
لقد ذكّرتْ الزهراءُ فاطمة أباها الرسولَ (صلّى الله عليه وآله) بالإرث منه. فوافقها بقوله: «نعَم».
ولم يقل لها: «إنّا معاشر الأنبياء لا نورّث».
فإنّ الزهراءَ (عليها السّلام) الوارثة أوْلى بأنْ يُذكر لها عدم الإرث لو كان، ومع أنّ ابنيها الحسنين لا يرثان من حيث الطبقة من جدّهما مع وجود اُمّهما بنت النبي (صلّى الله عليه وآله)، فالنبي كذلك لم يعارض ابنته في طلبها، بل قال لها: «نعم».

لكن الذي يخلُد من إرث النبيّ (صلّى الله عليه وآله) هو الخلُق العظيم دون حُطام الدنيا الزائل، وهو أشرف لهما؛ ولذلك رضيت الزهراءُ (عليها السّلام) لابنيها من الرسول (صلّى الله عليه وآله) إذ نحلهما ـ أيضاً ـ أهمّ الصفات الضروريّة للقيادة الإلهيّة:
الحلم، والصبر على الشدائد، والهيبة، والسؤدد، والجلالة للحسن الممتَحن في عصره بأنواع البلاء، فأعطاه ما يحتاجه الأئمّة الصابرون.

والشجاعة، والجرأة، والنجدة، والجود للحسين الثائر في سبيل الله لإعلاء كلمته، فأعطاه ما هو أمسّ للأئمة المجاهدين.
 
الطهارة الإلهيّة:
وإذا تقرّرَ في اللوح أن يكونَ الإمامُ الحُسَين (عليه السّلام) من الأئمّة الّذين تجب طاعتهم، فإنّ الوحيَ الذي عاش الحسينُ في ظلّه؛ حيث كان بيتُ الرسالة مهبطَهُ، تنزلُ آياتُه على جدّه، وهو يحبُو في أفنانه، لا بُدّ وأن يؤكّد ما تقرّر في اللوح.

وكذلك كان، فهذه اُمّ المؤمنين اُمّ سلمة تقول: نزلت هذه الآية في بيتي: (إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ البَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً) وفي البيت سبعة: جبريل وميكائيل، ورسول الله (صلّى الله عليه وآله)، وعليّ وفاطمة، والحسن والحسين (صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين).
قالت: وأنا على باب البيت، فقلت: يا رسول الله ألستُ من أهل البيت؟
قال: «إنّك على خير، إنّك من أزواج النبيّ (صلّى الله عليه وآله)» وما قال: «إنّك من أهل البيت»([3]).
 
وفي حديث آخر: إنّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله) كان عند اُمّ سلمة، فجعَل الحسنَ من شقّ، والحسين من شقّ، وفاطمة في حجره، فقال: «رحمةُ اللهِ وبركاتُه عليكم أهلَ البيتِ إِنَّه حَمِيدٌ مَجِيدٌ».

وكان موعدُ المباهلة عندما أمر الله رسولَه بقوله: (فَقُلْ تَعَالَواْ نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنفُسَنَا وَأَنفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَل لَعْنَةَ اللهِ عَلَى الكَاذِبِينَ).

فإنّ الإمام عليّاً (عليه السّلام) قال: «خرج رسول الله (صلّى الله عليه وآله) حين خرج لمباهلة النصارى بي وبفاطمة والحسن والحسين»([4]).

ثم قال النبي (صلّى الله عليه وآله): «هؤلاء أبناؤنا ـ يعني: الحسن والحسين (عليهما السّلام) ـ وأنفسنا ـ يعني: عليّاً (عليه السّلام) ـ ونساؤنا ـ يعني فاطمة (عليها السّلام) ـ».

وإذا وقفوا مع النبيّ (صلّى الله عليه وآله) في هذا الموقف الخاصّ العظيم فلا بُدّ أن يتّسمَ الواقفون معه بما يتّسم به من الطهارة والقُدس والعظمة.
 


([1]) مختصر تاريخ دمشق ـ لابن منظور 7 / 3 ـ 124.
([2]) مختصر تاريخ دمشق ـ لابن منظور 7 / 3 ـ 124.
([3]) مختصر تاريخ دمشق ـ لابن منظور 7 / 120.
([4]) مختصر تاريخ دمشق ـ لابن منظور 7 / 123.

الإثنين, 10 شباط/فبراير 2025 09:33

الثورة الإسلامية في إيران وسرّ إنتصارها

ولقد استنهض الامام الخميني (قدس سره) كل شعوب العالم الاسلامي التي أصابها الاحباط واليأس، فأفاقها من السبات العميق الى اليقظة والنهوض حيث وجدت هذه الشعوب في الثورة الاسلامية الايرانية المشعل المنير لدربها، فأخذت هذه الشعوب تطالب بحقوقها التي هدرها حكامها واستباحها الاستكبار العالمي، وهذا ما نسميه اليوم بالصحوة الاسلامية.

ونحن اليوم نعيش الذكرى السادسة والاربعین لانتصار الثورة الإسلامية في ايران يجب علينا أن نقف اجلالاً واحتراماً لقائد هذا الانتصار, ومؤسس الجمهورية الإسلامية الإيرانية الإمام الخميني الراحل (قدس سره)، ذلك الفقيه الكبير والفيلسوف العظيم، والمفكر الإسلامي المبدع والمجدد والمصلح الكبير، والقائد السياسي – الديني، والعارف الزاهد المخلص في العبودية، والذي يعتبر نقطة انعطاف في التاريخ الإسلامي المعاصر وحاضر يستشرقه الجميع.

هذه الشخصية العظيمة التي رسمت لكل الأجيال ايديولوجية مستقبل العالم الاسلامي، وكيفية الوقوف بوجه الاستكبار العالمي واستنهاض شعوب العالم الاسلامي بعد أن اصابها الاحباط واليأس، وكيفية احقاق حقوقهم والحفاظ على ثروات بلدانهم من نهب الاستكبار العالمي.

إن قيادة المرجعية الدينية لتلك الثورة المباركة جعل منها إنموذجاً فريداً في القرن الحالي وأصبح شعار (لاشرقية ولاغربية) الذي اطلقه الإمام الخميني (قدس سره ) إستراتيجية سياسية لكل الحكومات المتعاقبة.

لقد شكلت الثورة الإسلامية في إيران القطب الآخر للعالم في مواجهة الاستكبار العالمي, حيث نجد ايران اليوم تقف بكل صلابة وإرادة امام كل قوى الاستكبار العالمي بالرغم من كل التحديات التي تواجهها داخلياً وخارجياً.

كما أوجدت الثورة الإسلامية في إيران دافعاً وحافزاً قوياً لدى الشعوب الإسلامية المستضعفة في مختلف أنحاء العالم، حتى أصبحت الثورات العربية والإسلامية التي حدثت بعد الثورة الإسلامية الإيرانية مدينة لتلك الثورة وقائدها  الامام  الخميني الراحل (قدس سره ).

 لقد أعطت الثورة الإسلامية في إيران درساً لكل الأجيال, وصفعة قوية الى دول الاستكبار العالمي وإلى كل الذين يشككون في قيادة المرجعية الدينية للأمة وقيادة المؤسسة الدينية للسلطة.
 
بقلم الباحث العراقي في الشؤون الدينية "السيد محمد الطالقاني

يُعتبر علي الأكبر، ابن الإمام الحسين بن علي عليهما السلام، رمزًا من رموز الشجاعة والإيثار في التاريخ الإسلامي. وُلد في المدينة المنورة عام 33 للهجرة، وبرزت شخصيته القوية خلال معركة كربلاء، حيث أظهر قيمًا نبيلة ومبادئ سامية تجعل منه قدوة للشباب في مختلف العصور. علي الأكبر عليه السلام كان مثالًا للالتزام بالقيم الإسلامية. فقد أظهر احترامًا عميقًا لعائلته وقيمه، وكان يسعى دائمًا لتحقيق العدالة.

 

يُمكن للشباب أن يستلهموا من هذا الالتزام في حياتهم اليومية، من خلال التمسك بالمبادئ والقيم التي تعزز من مكانتهم في المجتمع. تُعتبر تضحية علي الأكبر عليه السلام من أبرز الصفات التي تجعله قدوة. فقد اختار القتال في سبيل الله والدفاع عن مبادئ الحق على حساب حياته. هذه الروح الإيثارية تُعلم الشباب أهمية التضحية من أجل القضايا العادلة والمبادئ السامية. إن الإيثار لا يعني فقط التضحية بالنفس، بل يشمل أيضًا تقديم المساعدة للآخرين والعمل من أجل مصلحة المجتمع. علي الأكبر عليه السلام يُمثل نموذجًا للشجاعة والإقدام، فقد كان من أوائل الذين شاركوا في معركة كربلاء للدفاع عن الحق والعدل. في مواجهة أعداء كثر، لم يتردد في القتال حتى آخر لحظة، مما يُظهر أهمية الشجاعة في مواجهة التحديات. إن هذه الشجاعة ليست مجرد قوة بدنية، بل هي شجاعة روحية تتطلب الإيمان العميق بالقيم والمبادئ.


لذا ينبغي علينا أن نعرف كيف يمكن لشبابنا أن يتعلموا من علي الأكبر، وكيف يمكنهم أن يجعلوه قدوة لهم.


الخصائص الفريدة والبارزة لعلي الأكبر عليه السلام


1) الشجاعة الفائقة: كان علي الأكبر مثالاً للشجاعة والإقدام، حيث واجه الأعداء في معركة كربلاء بكل شجاعة وثبات. وكان أحد مواقفه في كربلاء أن الإمام الحسين عليه السلام أرسله عليه السلام حتى يجيئ بالماء. فقد روى الشيخ الصدوق في كتابه: « وأرسل عليا ابنه عليه السلام في ثلاثين فارسا وعشرين راجلا ليستقوا الماء، وهم على وجل شديد، وأنشأ الحسين عليه السلام يقول: 


يا دهر أف لك من خليل
كم لك في الاشراق والاصيل 
من طالب وصاحب قتيل 
والدهر لا يقنع بالبديل 
وإنما الامر إلى الجليل 
وكل حي سالك سبيلي
» (1).


وأن علي الأكبر عليه السلام كان أول شخص برز للقتال في يوم عاشوراء من أهل بيت الإمام الحسين عليه السلام. فقد روي : « روي أنّه لم يبقَ مع الإمام الحسين عليه السّلام يوم عاشوراء إلاّ أهل بيته وخاصّته، فتقدّم علي الأكبر عليه السّلام، وكان على فرس له يُدعى الجناح، فاستأذن أباه عليه السّلام في القتال فأذن له، ثمّ نظر إليه نظرة آيِسٍ منه، وأرخى عينيه فبكى، ثمّ قال: اللّهُمّ كُنْ أنتَ الشهيد عَليهم؛ فَقد بَرَز إليهم غُلامٌ أشبهُ النّاس خَلقاً وخُلقاً ومَنطِقاً برسولك. فشَدّ علي الأكبر عليه السّلام عليهم وهو يقول: أنَا عَليُّ بنُ الحسين بن علي
نحن وبيتِ الله أولَى بِالنّبي
تالله لا يَحكُمُ فينا ابنُ الدّعي
أضرِبُ بالسّيفِ اُحامِي عَن أبي
ضَربَ غُلامٍ هَاشِميٍّ عَلوي 
ثمّ يرجع إلى أبيه فيقول: يا أباه العطش! فيقول له الحسين عليه السّلام: اصبِرْ حَبيبي؛ فإنّك لا تُمسِي حتّى يَسقيك رسولُ الله صلى الله عليه وآله وسلم بكأسه. ففعل ذلك مراراً، فرآه منقذ العبدي وهو يشدُّ على الناس، فاعترضه وطعنه فصُرِع، واحتواه القوم فقطّعوهُ بسيوفهم
» (2).


2) العلم والمعرفة: البصيرة الدينية تعني القدرة على فهم المعاني العميقة للدين وتطبيقها في الحياة. كان علي الأكبر عليه السلام يتمتع ببصيرة دينية استثنائية. حيث كان يدرك أهمية القيم والمبادئ الإسلامية في مواجهة التحديات. في كربلاء، تجلى هذا الفهم عندما اختار القتال في سبيل الله والدفاع عن الحق، رغم معرفته بعواقب ذلك. وأيضا في طريق الذهاب إلى كربلاء، وقعت واقعة تبرز لنا ما مدى بصيرة علي الأكبر عليه السلام وعلمه ومعرفته بالأمور الإلهية. فقد روي: « ثم سار صلوات الله عليه حتى نزل الثعلبية وقت الظهيرة فوضع رأسه فرقد ثم استيقظ فقال : قد رأيت هاتقا يقول: أنتم تسرعون، والمنايا تسرع بكم إلى الجنة، فقا له ابنه علي: يا أبه أفلسنا على الحق؟ فقال: بلى با بني والذي إليه مرجع العباد، فقال: يا أبه إذن لا نبالي بالموت، فقال له الحسين عليه السلام جزاك الله يا بني خير ما جزا ولدا عن والد ثم بات عليه السلام في الموضع» (3).


3) شباهته برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: إن علي الأكبر عليه السلام كان أشبه الناس خلقا وخلقا ومنطقا برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم (4). وقد قال الله سبحانه وتعالى في حق النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم: ﴿ وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٍ ﴾ (5). فكذلك علي الأكبر عليه السلام كان سجاياه الأخلاقية والجسمية كجده المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم. 


دور علي الأكبر في واقعة عاشوراء


قلنا إن علي الأكبر عليه السلام كان أول شخص من أهل البيت عليهم السلام الذي خرج إلى قتال الأعداء وقاتل قتال الأبطال. وقد روي حول قتاله عليه السلام:« تقدّم علي الأكبر نحو القوم فقاتل قتالاً شديداً وقتل جمعاً كثيراً بلغ المائة وعشرين، ثم رجع إلى أبيه وقال: يا أبت العطش قد قتلني وثقل الحديد قد أجهدني، فهل إلى شربة ماءٍ من سبيل؟ فقال له الحسين: قاتل قليلاً فما أسرع ما تلقى جدّك محمداً صلى الله عليه وآله وسلم فيسقيك بكأسه الأوفى شربة لا تظمأ بعدها. فبينما هو يقاتل قتال الأبطال بصر به مرة بن منقذ العبدي فقال: علي آثام العرب إن مرّ بي إن لم اثكله أباه، فمرّ الأكبر يشدّ على الناس كما مرّ في الأوّل فاعترضه مرّة بن منقذ وطعنه، فصرع واحتواه القوم فقطعوه بأسيافهم« (6).


وأيضا كان من الذين ذهب إلى نهر العلقمي حتى يأتي بالماء إلى مخيم أبيه الإمام الحسين عليه السلام.


مكانة علي الأكبر عند أبيه الإمام الحسين عليه السلام


لعلي الأكبر عليه السلام مكانة عظيمة وجليلة عند أبيه الإمام الحسين عليه السلام. وهذه المكانة العظيمة ليست فقط لأجل أن علي الأكبر عليه السلام هو الإبن الأكبر للإمام، بل هذه المكانة تنشأ من مقامه وفضائله عند الله عزوجل. لأن الإمام الحسين عليه السلام إمام معصوم من قبل الله سبحانه وتعالى. وهذه المكانة الرفيعة تتجلى في كلام الإمام الحسين عليه السلام حينما ذهب علي الأكبر عليه السلام إلى قتال الأعداء حيث روي: « لما رأى الإمام إصرار ولده الأكبر على القتال وتفانيه في محاربة القوم صاح: يابن سعد قطع الله رحمك كما قطعت رحمي ولم تحفظني في رسول الله، وسلط عليك من يذبحك على فراشك. ثم قال: اللهم اشهد على هؤلاء فقد برز إليهم أشبه النّاس برسولك محمّدٍ خَلقاً وخُلقاً ومنطقاً و كنّا إذا اشتقنا إلي رُؤيةِ نَبيك نَظرنا اِليه. ثم قال: أللّهم امنعهم بركات الأرض، وفرقهم تفريقاً، ومزقهم تمزيقاً، وإجعلهم طرائق قدداً، ولا ترض الولاة عنهم أبداً، فإنّهم دعونا لينصرونا ثم عدوا علينا يقاتلوننا. ثمّ رفع صوته وتلا: ﴿ إنّ اللهَ اصْطَفى آدَمَ وَنُوحاً وآلَ إبراهِيمَ وآلَ عِمْرانَ على العالَمين  ذُريةً بَعضُها مِنْ بعض واللهُ سَميعٌ عليمٌ ﴾ (7) » (8).

 

وعندما استشهد علي الأكبر عليه السلام، أسرع الإمام الحسين عليه السلام إلى مصرعه حيث روي: « فجاء الحسين عليه السلام حتى وقف عليه، ووضع خده على خده وقال: قتل الله قوماً قتلوك، ما أجرأهم على الله وعلى انتهاك حرمة رسول الله، على الدنيا بعدك العفاء. قال الراوي: وخرجت زينب ابنت علي تنادي: يا حبيباه يا بن أخاه، وجاءت فأكبت عليه. فجاء الحسين عليه السلام فأخذها وردها إلى النساء» (9).


هذه كانت جملة من الخصوصيات التي كان علي الأكبر عليه السلام واجد لها. وفقنا الله للتأسي به في الثبات على طريق الحق ونصرة الإمام عليه السلام.

 

1) الأمالي (للشيخ الصدوق) / المجلد: 1 / الصفحة: 221 / الناشر: قسم الدراسات الإسلامية لمؤسسة البعثة – قم / الطبعة: 2.
2) مقاتل الطالبيين (لأبي الفرج الاصفهاني) / المجلد: 1 / الصفحة: 76 / الناشر: منشورات المكتبة الحيدرية – النجف الأشرف / الطبعة: 2.
3) بحار الأنوار (للعلامة المجلسي) / المجلد: 44 / الصفحة: 367 / الناشر: مؤسسة الوفاء – بيروت / الطبعة: 1.
4) مقاتل الطالبيين (لأبي الفرج الاصفهاني) / المجلد: 1 / الصفحة: 76 / الناشر: منشورات المكتبة الحيدرية – النجف الأشرف / الطبعة: 2.
5) سورة القلم / الآية: 4.
6) الملهوف على قتلى الطفوف (لسيد بن طاووس) / المجلد: 1 / الصفحة: 167 / الناشر: دار الأسوة – قم / الطبعة: 2.
7) سورة آل عمران / الآية: 33.
8) بحار الأنوار (للعلامة المجلسي) / المجلد: 45 / الصفحة: 43 / الناشر: مؤسسة الوفاء – بيروت / الطبعة: 1.
9) الملهوف على قتلى الطفوف (لسيد بن طاووس) / المجلد: 1 / الصفحة: 167 / الناشر: دار الأسوة – قم / الطبعة: 2.

هذا عصر استيقظ فيه العالم الإسلامي، وأخذ المسلمون في جميع أنحاء العالم يشعرون بالعزة والرفعة. لقد مضى ذلك العهد الذي كان فيه المسلم يخجل في أية نقطة من نقاط العالم كان من انتمائه إلى الإسلام، ومردّ هذا الشعور يعود إلى هذه الثورة التي فجرها القائد الكبير الإمام الخميني، بتضحيات الشعب الإيراني العظيم وإيثاره المدهش، فأفضى انتصارها في هذه البقعة الحساسة من الدنيا، إلى ذهول العالم.
 
عشر سنوات والجمهورية الإسلامية تصمد بشهامة في وجه مختلف المؤامرات الاستكبارية، وهي تدافع عن قوة الإسلام واقتداره، وعن وجودها وثباتها، حتى استطاعت أن ترد كيد العدو إلى نحره.
 
لقد كانت الدول الاستكبارية تظن إنّها تستطيع أن تنال منّا، من خلال ثماني سنوات من الحرب المفروضة، وبالحصار الاقتصادي والدعائي، وبإشاعة ضروب التهم ضدّنا في أرجاء العالم. وقد غفلوا عن حقيقة أنَّ الإسلام، يقظة المسلمين وصحوتهم، هي التي تهز مضاجع سلطتهم، وإن سهام اليقظة الإسلامية النافذة، تهز مع مضي كل يوم، عروش فراعنة العالم أكثر فأكثر([1]).
 
نحن شهود في هذا العصر على يقظة الشعوب، وهذه حقيقة أخرى تبعث الأمل في القلوب وتأذن بعهد وضّاء. صحيح أنَّ هيمنة القوى الاستكبارية تزايدت أكثر فأكثر على شؤون الشعوب، بفضل تقدم وسائل التقنية الجديدة كالتلفاز والمذياع وأجهزة الدعاية والإعلام، وبحكم المال والقدرات الصناعية. بيد أنها سنّة الله التي مضت على أن تستيقظ الشعوب وتصحو.
 
إننا نرى أن الشعوب في حال يقظة متزايدة يوماً بعد آخر، وهذه اليقظة تفسّر على أساس الأمل وثقة هذه الشعوب بالمستقبل.
 
عنصر الأمل يعمل في يقظة الشعوب. وعلينا أن لا نشك في أنَّ أهم عامل بعث الأمل لدى الشعوب خلال السنوات العشرة الأخيرة، هو انتصار الثورة الإسلامية في إيران وتشكل حكومة شعبية في إطار مستقل عن الشرق والغرب، وتصاعد نهج المقاومة بوجه القوى الاستكبارية.
 
لقد بعث ذلك الانتصار وهذه المقاومة، الأمل لدى شعوب العالم، وبالأخص المسلمين. لقد استيقظ المسلمون في جميع أجواء الدنيا، وهذا من الصنع الإلهي، ومن قدرة الله([2]).
 
افتقدت جميع الشعوب الإسلامية خلال النصف قرن الأخير، أملها بذاتها وطاقاتها تماماً، بل وفقدت الأمل حتى بطاقة الإسلام نفسه وإمكاناته، وذلك أثر سياسة التلقين المتواصل التي مارستها القوى المضادة للإسلام. وفي المقابل تجلى الأمل كرسالة في كل واقعة من حوادث الثورة، وفي كل خطاب وإشارة من قبل إمام الثورة الراحل ، وكان الأمل ينبض في كل حركة تصدر من الشعب ونشاط يبذله على هذا الخط.
 
وقد التقط المسلمون رسالة الأمل هذه فعادت ثقتهم بذاتهم، وأصبحوا على بصيرة من الضعف الذاتي للاستكبار. وإذا قدّر للعالم أن يشهد بعد انتصار الثورة الإسلامية في إيران، الشعوبَ الإسلامية في كل مكان، وهي تتحرك بنحو يُخبر عن ثقة بالذات وإيمان بها، في طريق العود إلى الهوية والثقافة الإسلامية الذاتية، فإنَّ سبب ذلك يعود بشكل دقيق إلى أبطال المبارزةُ الشجاعةُ لشعب إيران، تلكَ الحيلة الاستعمارية الاستكبارية التي أشاعوا من خلالها عدم قدرة شعوب الشرق، والشعوب الإسلامية، على دحر القوى الأوروبية وأمريكا، حيث أشارت الثورة وجهاد الشعب الإيراني إلى موقع القوة الواقعية وموطنها. فالقوة الواقعية هي التي تكون بالناس مع الإيمان.
 
وفي مقابل قوة شعبية مسلحة بالإيمان، لا تستطيع أية قدرة مادية مهما كانت كبيرة ومجهزة، أن تفرض إرادتها([3]).
 
في كل مكان فيه شعب مبتلٍ بهذه القوى الدولية المسيطرة يكون لهذا الشعب علاقة مع هذه الثورة وميل إليها، لكونها تفصح عن مكنونات قلوب ذلك الشعب وتعبِّر عن تطلعاته. كثيرة هي الشعوب المملوءة غيظاً ورفضاً لحضور أمريكا، ونفوذ الاستكبار، وللقواعد العسكرية، والتدخلات الاقتصادية، ولإشاعة الثقافة الأجنبية في بلادها، بيد أنها تفتقر للجرأة في التعبير عن ذلك وتفتقد قدرة الحركة باتجاه الرفض والمقاومة. والأهم من ذلك إنها تفتقر القيادة التي تتحرك؛ فالاختناق شديد ويحوط بها الإرهاب والقمع من كل جانب.
 
والأنظمة الرجعية التي ترتبط بأميركا، هي غالباً من هذا القبيل، ومثل هذه الشعوب المقهورة حين تجد أمامها شعباً يُواجه النفوذ الأمريكي بقوة وبإرادة حرَّة من دون خوف، ويهتف ضدَّ ثقافة الغرب وتدخل الاستكبار، وضدَّ الحضور العسكري الاقتصادي والثقافي للأجانب، ويعمل على طريق هذه المواجهة ويثبت عليها، فإنها ترى قلوبها مضطرة للميل إلى هذا الشعب، وتكون على علاقة مع الثورة.
 
والمعطى العالم يكون بهذا المعنى. يعني أن يكون لشعبنا، ولثورتنا رسالة إلى بقية الشعوب. ومؤدىّ هذه الرسالة، إنَّ الشعب إذا أراد؛ وإذا التف حول قيادة واحدة، واجتمع من خلال محور واحد، فهو يستطيع أن ينجز ما لم يكن قابلاً للإنجاز قبل ذلك.
 
وثمة رسالة أخرى يحملها شعبنا وثورتنا للمسلمين جميعاً. ومؤدّى هذه الرسالة أنَّ بمقدور المسلمين إذا أرادوا أن يعيدوا الإسلام إلى المجتمع وإلى موقع الحاكمية، رغم ما بذلته وتبذله الأيادي المعادية للإسلام في سبيل استئصاله والقضاء عليه.
 
هاتان رسالتان لشعبنا وثورتنا. وعليكم أن لا تظنّوا أن الشعوب الأخرى لم تدرك هذه الرسالة ولم تستمع إليها. إن ما ترونه في الحج من وقوف الأفريقي والآسيوي والشرق أوسطي، من العرب والأتراك وبقية الشعوب، إلى جواركم، وتردادهم لشعاراتكم نفسها، واشتراكهم في مسيرتكم، هو في حقيقته جواب على رسائلكم([4]).
 
كان الكثير من المسلمين قبل ذلك يخجلون في الكثير من نقاط العالم من القول: بأننا مسلمون، أو من الإعلان عن ذلك وكان الحال كذلك في داخل بلدنا أيضاً. بيد أنَّ المسلمين اليوم يفخرون من أقاصي آسيا حتى غرب أوروبا وفي المناطق الأخرى من العالم بانتمائهم إلى الإسلام.
 
لقد أضحى الإسلام عزيزاً، واكتسب بحمد الله طابع المجتمع الإسلامي، وقد غدا هذا المجتمع متجذراً مستقراً([5]).
 
لقد بلغت النهضة العظيمة للشعب الإيراني إلى النصر بحمد الله وقامت على قاعدتها حكومة على أساس الدين لقد أخذت الحياة تنبض في وجود المسلمين والمتدينين، بعد قرون من تحقير أهل الدين والاستخفاف بهم. وذلك على أثر عزة النفس التي أخذت تسوق صوب الرفعة والكرامة. كما انبثقت الأحاسيس الإسلامية وتأججت العواطف، وأخذ الشعور بالهوية الإسلامية ينمو في دنيا الإسلام.
 
فما نراه اليوم من انطلاق جماعات إسلامية تدعو في البلاد الأفريقية إلى الحكومة الإسلامية وما نشاهده من جهاد المسلمين للحكومات الظالمة، وهم يهتفون بشعار الله أكبر ، هو أمر جديد. ومن نراه في الجهة الثانية من اضطرار للتظاهر بالإسلام حتى من قبل أولئك الذين كانوا يتبرؤن منه، هو شيء جديد أيضاً، ناشئ من صبح وضّاء أطلَّ على تاريخ الشعوب الإسلامية ببركة انتصار الثورة الإسلامية. وهذه ترتهن بالحركة العظيمة التي عمّت الوجود الإسلامي لجهود علماء كبار، في طليعتهم جهود ذلك الرجل العظيم الذي أسس هذه الحركة الكبيرة ومسك زمام قيادتها، وحقق الإنجاز بقلب مملؤ بالإيمان والعزم والإرادة وبتوكل لا متناه، قربة إلى الله، وإخلاصاً له تعالى.
 
([1]) حديث قائد الثورة في مراسم بيعة مجموعة من أبناء الشعب. 22/4/1368.
([2]) حديث قائد الثورة إلى العاملين في وزارتي التجارة والزراعة، 12/2/1368.
([3]) بيان قائد الثورة بمناسبة اليوم الوطني لمواجهة الاستكبار العالمي. 13/8/1369.
([4]) حديث قائد الثورة في لقائه مع أبناء المدن المختلفة. 3/8/1368.
([5]) حديث قائد الثورة في مراسم بيعة علماء وطلاب الحوزة العلمية لمدينة مشهد، 20/4/1368.

شهدت السنوات الأخيرة تحولا ملحوظا في السياسة الخارجية الفرنسية نحو شرق أفريقيا، وذلك بعد تراجع نفوذها التقليدي في منطقة الساحل، وهو ما يعكس استجابتها للتحديات المتزايدة في تلك المنطقة، بما في ذلك صعود حكام عسكريين جدد أعلنوا القطيعة مع المستعمر السابق منفتحين في الآن نفسه على منافسي باريس، وعلى رأسهم روسيا وتركيا.

وقد ترافق هذا التدهور لدور فرنسا في تلك المنطقة مع سعيها لتعزيز روابطها مع دول شرق أفريقيا من خلال انخراطها في العديد من الإستراتيجيات المتضمنة لجوانب سياسية واقتصادية وعسكرية، بهدف استعادة مكانتها وتعزيز وجودها في القارة الأفريقية.

وفي هذا الشأن، أشارت ورقة صادرة عن المعهد الفرنسي للعلاقات الدولية إلى أنه حتى التسعينيات من القرن الماضي كانت منطقة غرب أفريقيا ومواردها تبدو وكأنها في متناول فرنسا، إذ كانت لا تزال قادرة بـ"500 رجل على تغيير مسار التاريخ"، حسب تعبير وزير الخارجية لويس دي غيرينغود عام 1978.

ودفع هذا الانقلاب في التوازنات التي بنتها باريس لعقود لحماية نفوذها في القارة السمراء صناع السياسة الخارجية الفرنسية إلى إعادة النظر وصياغة إستراتيجيات جديدة تحكم علاقاتهم بأفريقيا، وتعمل على تعويض خسائرها المتتالية وكبح تراجع وزنها الدولي من خلال منحها نوعا من التوازن بالالتفات إلى مناطق بعيدة عن مجالات نفوذها التقليدية (شمال وغرب أفريقيا).

 

تنافس جيوسياسي

ويبدو أن التوجه نحو شرق أفريقيا أصبح من ملامح التحول البارزة، إذ تتصف سواحله المطلة على المحيط الهندي -وفق المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات- بالأولوية والأهمية الإستراتيجية لباريس التي تعتبرها إحدى المناطق التي تشكل مسرحا لتوترات دولية متنامية بين بكين وواشنطن، وهو ما دفع فرنسا إلى تعزيز وجودها فيها من خلال بناء شراكات متزايدة مع دول مثل كينيا وتنزانيا.

وهكذا يتحول الشرق الأفريقي إلى نقطة تنافس جيوسياسي جديد لا تحاول فرنسا من خلال تطوير وجودها فيه مزاحمة النفوذ الصيني المتصاعد هناك فقط، بل كذلك وقف تمدد نفوذ تركيا التي تحولت إلى أحد اللاعبين الرئيسيين في المنطقة، إذ يغذي هذا التنافس تحول كل من أنقرة وبكين إلى أحد الورثة الرئيسيين لنفوذ فرنسا في منطقة الساحل الأفريقي.

وفي هذا السياق، يمثل القرن الأفريقي بإطلالته على البحر الأحمر والمحيط الهندي بوابة مغرية لأي قوة راغبة في لعب أدوار محورية في العديد من الملفات الحيوية التي تتجاوز أفريقيا إلى الشرق الأوسط والتجارة الدولية، مع تصاعد أهمية هذه الممرات المائية عالميا وما يلوح في الأفق من ترتيبات أمنية دولية جديدة جنوب البحر الأحمر على خلفية استهداف الحوثيين المصالح الإسرائيلية.

وفي مؤشر على تصاعد اهتمام باريس بهذه البقعة الحيوية من شرق أفريقيا برز خلال السنوات الأخيرة جهد فرنسي حثيث لتطوير علاقاتها مع دول المنطقة -وعلى رأسها إثيوبيا- والاستفادة من نفوذها التاريخي في جيبوتي.

تصميم خاص - خريطة كينيا -

قواعد فرنسية

تستخدم فرنسا مظلة واسعة من الأدوات في سعيها لبناء نفوذها في شرق أفريقيا، وتبرز في هذا السياق محورية الحضور العسكري الفرنسي المتمثل في احتضان جيبوتي أكبر قاعدة عسكرية فرنسية في الخارج، والتي يختصرها تصريح إيمانويل ماكرون بأنه من المتعذر تنفيذ إستراتيجية بلاده في منطقة المحيطين الهادي والهندي "من دون القوات الفرنسية في جيبوتي".

 

وتزايدت أهمية هذه القاعدة بعد الانسحابات العسكرية المتتالية لباريس من منطقة الساحل وغرب أفريقيا، وهو ما يفسر تحولها إلى نقطة انطلاق للقيام بمهام في أفريقيا وفق تصريح ماكرون في الزيارة ذاتها، والتي سبقها في يوليو/تموز 2024 اتفاق الرئيسين الفرنسي والجيبوتي على تجديد الشراكة الدفاعية بين البلدين.

وكان لافتا تصاعد العلاقات الفرنسية الإثيوبية، إذ لم تكتفِ باريس بتأييد سعي إثيوبيا للحصول على منفذ بحري باعتباره "مطلبا مشروعا" بحسب تعبير ماكرون، بل تعهدت فرنسا بدعم إعادة بناء البحرية الإثيوبية، وتم انتداب ضابط تعاون فرنسي للعمل مع رئيس الأركان البحرية لهذا الغرض ضمن اتفاقية تعاون دفاعي تم توقيعها عام 2019، والتي وفرت إطارا قانونيا لتبادل إرسال قوات من كل من البلدين إلى الآخر.

جيبوتي تحتضن أكبر قاعدة عسكرية فرنسية في الخارج (الفرنسية)

نشاط اقتصادي متزايد

يمثل الجانب الاقتصادي ركنا مهما في إستراتيجية فرنسا تجاه شرق أفريقيا، إذ أعلن ماكرون إبان زيارته أديس أبابا في ديسمبر/كانون الأول 2024 عن "دعم أجندة الإصلاح الطموح" التي أطلقها رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد لتحرير اقتصاد بلاده.

وإلى جانب ذلك، تعهد الرئيس الفرنسي بتقديم دعم من الوكالة الفرنسية للتنمية بمبلغ 100 مليون يورو، مبينا تشجيعه جهود إعادة هيكلة ديون إثيوبيا في أعقاب توصلها إلى اتفاق مع صندوق النقد الدولي بشأن برنامج تمويل قيمته 3.4 مليارات دولار.

كما تعد كينيا نقطة وصول للشركات الفرنسية إلى جميع أسواق شرق أفريقيا، إذ تهتم العديد من الشركات الفرنسية بالآفاق التي تقدمها السوق الكينية في مجالات، كالاتصالات والسياحة والأغذية الزراعية والطاقة وإدارة المياه والتوسع الحضري المتزايد.

وتعد فرنسا خامس أكبر مستثمر في كينيا، إذ تضاعف وجود الشركات الفرنسية فيها تقريبا من 50 إلى 140 شركة خلال العقد الماضي، وبلغ إجمالي التجارة بين الاتحاد الأوروبي -بما في ذلك فرنسا- وكينيا 3 مليارات يورو في عام 2023، بزيادة قدرها 16% مقارنة بعام 2018.

الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون والرئيس الكيني وليام روتو (يسار) يحييان بعضهما البعض (الفرنسية)

وفي يونيو/حزيران 2021 أطلقت فرنسا وكينيا حوارا إستراتيجيا، مع اتفاقية الشراكة الاقتصادية (إي بي إيه) الهادفة إلى تعزيز القيم المشتركة والسلام والأمن والاستقرار الديمقراطي في المنطقة، كما يقدم بنك "بي بي فرانس" تمويلا استثماريا وائتمان تصدير للشركات الكينية بحد أدنى للتمويل يبلغ مليون يورو لمدة تتراوح من سنتين إلى 12 سنة، بأسعار فائدة أوروبية تتراوح بين 4 و8%.

 

ومن جهة أخرى، تشهد تنزانيا نشاطا اقتصاديا فرنسيا متزايدا، إذ بلغ حجم التجارة بين البلدين 111 مليون يورو في عام 2023، بزيادة قدرها 10 ملايين يورو عن عام 2020، وتنشط الشركات الفرنسية بشكل أساسي في قطاعي النقل والطاقة، وهما أولويتان تم التأكيد عليهما خلال زيارة الوزير الفرنسي المفوض أوليفييه بيشت إلى تنزانيا في عام 2023.

وإلى جانب ذلك، وقّعت تنزانيا وفرنسا في مايو/أيار 2024 إعلانا مشتركا لتوسيع شراكتهما في 5 مجالات هي: التحول في مجال الطاقة والتخفيف من تغير المناخ، والبنية التحتية للنقل، والتنمية الزراعية، والاستثمارات في الاقتصاد الأزرق، ودعم المساواة بين الجنسين.

France's President Emmanuel Macron (R) shakes hands with Tanzania's President Samia Suluhu Hassan ahead of a meeting as part of the "Summit on Clean Cooking in Africa" at the Elysee Presidential Palace in Paris on May 14, 2024. (Photo by Ludovic MARIN / AFP)
ماكرون يصافح رئيسة تنزانيا سامية صولوحو (الفرنسية)

خلق القوة الناعمة في شرق القارة

تشير أرقام نشرتها السفارة الفرنسية في دار السلام إلى التزايد الكبير لأنشطة الوكالة الفرنسية للتنمية خلال السنوات الأخيرة في تنزانيا، إذ زاد التمويل من 50 مليون يورو سنويا خلال الفترة من 2010-2016 إلى متوسط ​​160 مليون يورو سنويا بين عامي 2017 و2023، إذ تبلغ قيمة المحفظة 1.3 مليار يورو، وتتضمن مشاريع هيكلية وشراكات مختلفة.

وعام 2020 وقّعت فرنسا وكينيا سلسلة اتفاقيات تمويل بقيمة 142 مليون يورو لدعم برامج تنموية مختلفة تتضمن الاستجابة للطوارئ الصحية، وفتح المناطق الريفية، والنقل العام، والوصول إلى المياه والصرف الصحي في كينيا.

كما تعهدت الوكالة الفرنسية للتنمية بتقديم مليار يورو لبرنامج لتوفير الكهرباء لمن لا يتمتعون بها جنوب الصحراء، إذ تضمّن البرنامج تركيب شبكات صغيرة تعمل بالطاقة المتجددة توفر إمكانية وصول الكهرباء إلى 100 ألف نسمة في كينيا.

وتنشط الوكالة الفرنسية للتنمية الدولية في جيبوتي، إذ تنخرط في مشاريع مختلفة، منها ما هو مرتبط على سبيل المثال بدعم النظام الصحي، وتعزيز كفاءة الطاقة في المباني، وتطوير القطاع المالي لمكافحة عدم المساواة.

 

ويمثل النشاط الثقافي ملمحا آخر للسياسة الفرنسية في شرق أفريقيا، وتتجلى أوضح نماذجه في إثيوبيا، إذ تعهدت فرنسا بدعم تجديد وترويج كنائس الكهوف في لاليبيلا، وشكلت لذلك الغرض فريقا فرنسيا متعدد التخصصات بتمويل أولي قدره مليون يورو.

كما ساهمت الوكالة الفرنسية للتنمية ومؤسسة خبراء فرنسا أيضا في تجديد آخر قصور الإمبراطور هيلا سيلاسي وتحويله إلى معلم سياحي، وشارك ماكرون في افتتاحه في ديسمبر/كانون الأول 2024.

ووفقا للسفارة الفرنسية في أديس أبابا، فإن فرع "أليانس فرانسيز" -وهي منظمة تهدف إلى ترويج اللغة والثقافة الفرنسية في أنحاء العالم- بالعاصمة الإثيوبية ومدينة ديرا داوا يشكلان المركزين الرئيسيين لسياسة القوة الناعمة الفرنسية في إثيوبيا، إذ يدعمان العديد من المشاريع، ومنها مشروع "حضانة الفرنكوفونية" الذي يهدف إلى ربط المؤسسات العامة والخاصة التي تقدم تعليم اللغة الفرنسية.

ماكرون (يمين) مع آبي أحمد عند وصولهما لزيارة قصر اليوبيل المقر السابق للإمبراطور هيلا سيلاسي الذي تم تجديده (الفرنسية)

آفاق الطموح الفرنسي

يبدو نجاح المساعي الفرنسية في بناء شبكات نفوذ لها في شرق أفريقيا محكوما بالعديد من العوامل، ويأتي على رأسها قدرتها على منافسة الخصوم الإستراتيجيين الذين رسخوا أقدامهم في المنطقة كالصين وتركيا، وهو ما يعني بذل باريس المزيد من الجهود والعمل على الاستفادة من التقاطعات الدولية للحصول على دعم غربي لطموحاتها، ولإقناع قادة المنطقة بالتداعيات الخطيرة من وجهة نظر باريس للتعاطي مع قوى مثل الصين وتركيا وروسيا.

وإلى جانب ما سبق، تواجه فرنسا تحديا آخر متعلقا بقدرتها على تجاوز إرثها الاستعماري والصورة التي خلّفها في أذهان الأفارقة، مما يمهد لقبول شعبي بها كشريك يعمل على تطوير روابطه بالمنطقة ضمن "شراكات متوازنة قائمة على الاحترام المتبادل، ولمصلحة جميع البلدان" كما صرح وزير الخارجية الفرنسي ستيفان سيجورنيه من العاصمة الكينية نيروبي.

إعلان
 

كذلك، سيظل إخفاق العمليات العسكرية الفرنسية في الساحل الأفريقي شبحا يحوم فوق محاولات باريس لتقديم نفسها شريكا أمنيا موثوقا في منطقة تشهد طيفا واسعا من التهديدات الممتدة من الإرهاب إلى أمن الممرات المائية، وليس انتهاء بتصدعات داخلية تنذر بتفجير عدد من دول المنطقة من الداخل.

المصدر : الجزيرة