emamian

emamian

الأربعاء, 06 آب/أغسطس 2025 09:35

ما هي أهداف الزهد في الإسلام‏؟

 عندما يحث الإسلام على الزهد في الدنيا فإنه يسعى لتحقيق الأهداف التالية:

 1- الإيثار: فعندما تتعارض مصلحة الفرد مع مصلحة المجتمع يتصدى الدين لحل هذه المشكلة الاجتماعية، ويقوم الإسلام بتربية أبنائه تربية لا يبقى لهذه المشكلة أثر، بحيث يشعر المسلم باللذة عندما يضحي بمصالحه الشخصية لأجل مصالح الآخرين، فيحرُم نفسه من أجل إسعاد الآخرين.

وقد ذكر لنا القرآن الكريم صوراً رائعة، وكذلك كتب التاريخ عن الرعيل الأول من المسلمين، تؤكد التفاني والإيثار الذي زرعه الإسلام في نفوسهم.. فسورة ﴿هَلْ أَتَى...﴾[1] تحدثنا عن إيثار أمير المؤمنين علي بن أبي طالب وأهل بيته الكرام‏ (عليهم السلام) بما يملكونه من طعام..

﴿وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا * إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاء وَلَا شُكُورًا﴾[2].

وكذلك مدح القرآن الكريم الصفوة المؤمنة من الأنصار، حيث سطروا أروع الصور في التفاني والإيثار، فعبر عنهم: ﴿وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَة﴾[3].

2- المواساة: فالإسلام يربي أبناءه على الاشتراك في الأحاسيس، والعواطف، ليصبحوا كالجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعت له سائر الأعضاء بالسهر والحمى، وعندها لا نتصور في المجتمع الإسلامي فئة مترفة وأخرى معدمة، لأن روح المساواة التي يخلقها الإسلام بالزهد تأبى على المتمكنين من أن يتركوا المحرومين دون أن يمدوا لهم يد العون، فتزول عندها ظاهرة الفقر والفاقة، ولا يبقى هناك تفاوت فاحش في مستوى المعيشة.

  كما يعير الإسلام أهمية كبرى لزهد الحاكم الإسلامي، لأنه بحاجة إلى روح المساواة أكثر من غيره من المسلمين، حيث أن الزهد لدى الحاكم يخلق في المجتمع معايير لتقييم الأفراد لا ربط لها بالمال ولا المتاع، ومن هنا كان لزاما على الحاكم الإسلامي أن يعيش عيشة أبسط الناس وأضعفهم، وهذا أمير المؤمنين علي (عليه السلام) يجسد نموذج الحاكم الزاهد ويقول:
 "... ولو شئت لاهتديت الطريق إلى مصفى هذا العسل، ولباب هذا القمح، ونسائج هذا القز، ولكن هيهات أن يغلبني هواي، ويقودني جشعي إلى تخير الأطعمة ولعل بالحجاز أو اليمامة من لا طمع له في القرص، ولا عهد له بالشبع أو أبيت مبطانا وحولي بطون غرثى وأكباد حرى، أو أكون كما قال القائل:
وحسبك داء أن تبيت ببطنة وحولك أكباد تحنّ إلى القدّ
 
أأقنع من نفسي بأن يقال: هذا أمير المؤمنين ولا أشاركهم في مكاره الدهر، أو أكون لهم أسوة في جشوبة العيش"[4].
 


[1] القرآن الكريم، سورة الإنسان: 1.
[2]- القرآن الكريم، سورة الإنسان: 98.
[3] - القرآن الكريم، سورة الحشر: 9.
[4] - نهج البلاغة ج‏3، ص‏72.

الأربعاء, 06 آب/أغسطس 2025 09:34

ما هي أسباب زوال المودّة بين الإخوة؟

1- المراء
وهو في اللغة أن يطعن الرجل في قول الآخر تزييفًا للقول، وتصغيرًا للقائل على نحو الاعتراض.
 
فإنّ أقلّ ما يمثّله هذا التعامل السيّىء هو التكذيب والإهانة وتقزيم الآخر، مع أنّه من حقّه أن يُحترم ويُوقّر ويصدّق، فكيف تدوم الأخوّة والمودّة دون احترام وكرامة؟

وممّا جاء في ذلك عن الإمام علي الهادي (عليه السلام): "المراءُ يُفسِدُ الصداقةَ القديمةَ، ويحلُّ العقدةَ الوثيقةَ، وأقلُّ ما فيه أن تكونَ فيه المغالبة والمغالبةُ أسُّ[1] أسبابُ القطيعةِ"[2].
 
2- إطاعة الواشي[3]
عن الإمام عليّ بن أبي طالب (عليه السلام): "من أطاعَ الواشي ضيّعَ الصديقَ"[4].
 
حيث من الطبيعيّ جدًّا أن تؤدّي الوشاية إلى إفساد للمودّة بين طرفين، وزرع الأضغان في صدر كلّ واحد منهما من خلال افتراء كاذب، لا واقع له يتصوّر معه أنّ أحدهما لا يكنّ للآخر أيّ تقدير وإنّما يتربّص به الدوائر، وهذا إنّما يحصل في ما إذا استجاب الإنسان وأصغى للنمّام الكاذب الّذي أراد الوقيعة به، أمّا إذا تابع موازين الشرع المبين وكذّب سمعه، وردّ مقالة هذا المبطل فإن المودّة والإخاء يدومان بأمن وسلامة.
 
وعليه، ما يفسد العلاقة هنا ليس الواشي لوحده فهو جزء السبب والجزء الآخر هو المطيع لوشايته، إذ ما كانت لتُحلُّ العرى الوثيقة بينه وبين أخيه لو لم يُطعه ولكان الأمر سيبقى على ما يرام، وهنا يكون المورد محلًّا للامتحان من أجل أن يعرف مدى الوعي لدى الإنسان هل هو متسرّع يعير أذنه لأيّ شخص، ويحكم على أساس الكلام الواهن، أو أنّه متأنٍّ غير عجول يسلك سبيل الاحتياط الّذي فيه النجاة؟
 
3- ذهاب الحشمة
فقد جاء عن الإمام جعفر الصادق (عليه السلام): "لا تُذهِبِ الحشمةَ بينَك وبين أخيكَ وأبقِ منها، فإنّ ذهابَ الحشمةِ ذهابُ الحياءِ، وبقاءَ الحشمةِ بقاءُ المودَّةِ"[5].
 
لا شكّ أنّ الابتذال والتصرّف أمام الآخر كأنّه غير موجود، ولجوء الأخ إلى القيام ببعض الأعمال بداعي أنّه لا كلفة بين الإخوان مع أنّها غير لائقة ولا مناسبة، يؤدّي إلى هوان الإنسان على أخيه ويُسقطه من عينه، فلا يقيم له وزنًا ولا تدوم بينهما مودّة لأنّها قائمة على تقدير كلّ منهما للآخر واحترامه، فإذا أهان الواحد نفسه من خلال عدم حيائه كيف يطلب من الآخرين تكريمه بعدما لم يترك ما يساعده على الاحتفاظ بكيانه الجميل من حشمته؟
 
4- عدم التناصف والتراحم
في الحديث عن مولانا الإمام الصادق (عليه السلام): "تحتاجُ الأخوّةُ بينهُم إلى ثلاثةِ أشياءٍ، فإنِ استعملوها وإلَّا تبايَنوا وتباغَضوا وهي التناصفُ والتراحمُ ونفيُ الحسدِ"[6].
 
5- الحسد
حيث لا تجتمع الأخوّة الصادقة مع الحسد، وتمنّي الأخ زوال النعمة عن أخيه، وهذا ما أشير إليه في الحديث السابق.
 
6- المخاصمة
وهي الجدل ابتداءً، وعدم التوافق والاجتماع في الموقف والرأي أو العمل والسيرة.
 
7- الملاعبة
وهي عبارة عن التزييف وإبهام الأمور، وإلباسها غير لباسها الحقيقيّ والواقعي، بغية الوصول إلى مآرب لا تتّفق مع التعامل في القضايا بحسب ما هي عليه.
 
8- المجاراة
ويراد بها عدم الصدق في الموقف وعدم المصارحة.
 
9- الممازحة
الّتي هي الهزل في الخطاب وعدم الجدّيّة، وربما تعدّت إلى جملة من الأعمال مّا يؤذي ويسبّب حرجًا أو ضررًا للطرف الآخر.
 
أمّا الملاطفة والتراحم، فهما على العكس تمامًا، فإنّ الّذي يلاطف أخاه بغية إدخال السرور على قلبه يكون مأجورًا، وهو أمر مطلوب ورد الحثّ عليه في أخبار المعصومين (عليهم السلام).
 
10- المواضعة
ويعنى بها وضع شأن الآخر وتصغيره وخفضه وكثيرًا ما يقع في هذه الآفّة الأقران والزملاء إذا كانوا في صفّ واحد في مدرستهم أو جامعتهم أو مكان عملهم، فأثنى بعض الناس على أحدهم بما فيه من مميّزات ومؤهّلات، فسرعان ما تثور ثائرة قرينه ليسارع إلى تصغيره ووضعه، نتيجة شعوره بنقصٍ في نفسه ودنوٍّ في درجته فيسوّل له الشيطان اختيار أحد أمرين إمّا الاستعلاء الكاذب وادّعاء الرفعة لكي يصل إلى درجة صاحبه، وإمّا إنزال الآخر إلى مستواه، وفي الحالتين سيكون السبيل مذمومًا ومنهيًّا عنه، لأنّ من أقبح الأخلاق أن يدّعي الإنسان صفة ليست فيه وميزة لا يمتلكها، وكذلك أن يسلب الآخر محاسنه وميّزاته بإنكارها، أو من خلال إخفاء المناقب واظهار المثالب.
 
11- المرافعة
وهي رفع شأن الآخر بما هو ليس فيه من خلال الإطراء والمديح، وإبرازه في صورة لامعة لا مثيل لها مع أنّه ليس كذلك، وهذا ما يكثر حينما تتقاطع المصالح بين الناس أو مع أصحاب المال وذوي النفوذ من الرؤساء والوزراء والمسؤولين في شتّى ميادين الحياة، إذا لم يكن الإنسان الّذي يعمل معهم حرًّا وكريمًا.
 
وقد جاء التحذير من هذه الأمور الستّة الأخيرة على لسان الإمام أمير المؤمنين عليه السلام، حيث قال له الحارث يا أمير المؤمنين أنا والله أحبّك، فقال له يا حارث: "أمّا إذا أحببتَني فلا تخاصِمني ولا تلاعِبني، ولا تُجاريني، ولا تُمازِحني، ولا تواضِعني ولا ترافِعني"[7] .
 
12- التكلّف
وهو أن يجعل الحواجز بينه وبين أخيه ويختلق الرسميّات والبروتوكولات، والأساليب الّتي يصعب معها التعامل والسهولة في المواصلة، وحينئذ يشعر بثقل العلاقة به، وعدم الراحة في الاستمرار ما دام ذلك بينهما.
 
يقول الإمام جعفر الصادق (عليه السلام): "أثقلُ إخواني من يتكلَّفُ لي واتحفّظُ منه وأخفُّهم على قلبي من أكونُ معه كما أكونُ وحدي"[8].
 
13- التأفّف
فقد جاء في الحديث عن الإمام الصادق (عليه السلام): "إذا قالَ المؤمنُ لأخيهِ أفٍّ خرجَ من ولايَتِه"[9].
 
14- الإهانة
روي أنّه نزل جبرائيل (عليه السلام) على النبيّ  محمّد (صلى الله عليه وآله وسلم) وقال له: "يا محمّدُ إنَّ ربكَ يقولُ من أهانَ عبدي المؤمنَ فقدْ استقبلَني بالمحاربةِ"[10].
 
15- تتبّع العثرات
فيما قاله الإمام جعفر الصادق (عليه السلام): "أقربُ ما يكونُ العبدُ إلى الكفرِ أن يكونَ الرجلُ مؤاخيًا للرجلِ على الدينِ ثمَّ يحفظُ زلّاتهِ وعثراتهِ ليضعَه بها يومًا ما"[11].
 
وفي حديث آخر: "لا ترموا المؤمنينَ ولا تتَّبِعوا عثراتهِم فإنَّ من يتبعْ عثرةَ مؤمنٍ يتبعِ اللهُ عزَّ وجلَّ عثرتَه، ومن يتبعِ اللهُ عزَّ وجلَّ عثرتَه فضحَه في بيتِه"[12] .
 
* من كتاب: إخوة الإيمان - جمعية المعارف الإسلاميّة الثقافيّة


[1] أس الشيئ يعني أصله.
[2] ميزان الحكمة, ح 39201.
[3] الواشي والوشاء: النمّام.
[4] بحار الأنوار, ج 71, ص 164.
[5]  ميزان الحكمة، ح 961.
[6] تحف العقول، ص 223.
[7] الخصال، ص 433.
[8] المحجة البيضاء، ج 3.
[9] المؤمن للأهوازي، ح 891.
[10] المؤمن، م.س، ح 681.
[11]  م.ن، ح 171.
[12] م.ن، ح 881.

الأربعاء, 06 آب/أغسطس 2025 09:32

لماذا تجب العبادة على الإنسان؟

لماذا يتحمل الإنسان المشقة ويبذل الجهد؟.. فيصلي ويصوم ويحج ويجاهد ويبذل المال.. إلخ، فالله غير محتاج للعبادة، وغني عنها، والإنسان يلاقي الكلفة البدنية والتعب في أدائها، ويبذل الجهد والمال والوقت في سبيلها.. فلماذا كل ذلك إذن؟
 
هذه أسئلة تطرأ على الكثيرين، ويتصورها العديد من الناس حول وجوب العبادة. بينما نجد القرآن الكريم يتحدث عن العبادة فيقول:﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ﴾ [1]
 
فما سر ذلك؟ ولماذا العبادة؟
سرعان ما يتحدد الجواب، ويعلن عن نفسه لكل من يتجاوز بفهمه ووعيه النظر السطحي لهذا الوجود، والفهم الساذج لعالم الأشياء والموجودات، والعلاقات الكونية العامة، فيدرك بوضوح تام: أن هذا الكون ــ بما فيه الإنسان ــ خلق بحكمة، ووفق نظام وعلاقات وقوانين، تترابط بعضها مع بعض، ويترتب بعضها على بعض، وينتج بعضها عن بعض، فالموجودات من عالم المادة، والحياة، والإنسان، وما ينتج عنها، من نتائج، وآثار، كلها تدخل في معاملات، وموازنات دقيقة، وتخضع لقاعدة الأسباب والعلل المتحكمة في هذا العالم.. فما من شيء في طرف إلاّ ويقابله شيء في طرف آخر... وما من سبب إلاّ وترتبط به نتيجة.. فعلى هذه القاعدة، ووفق هذا القانون الوجودي العام، شاءت حكمة الله وإرادته أن تسير علاقة الإنسان بخالقه... لأن الإنسان يمثل طرفاً في الوجود، ويسعى الى نتائج في دنيا الحياة وعالم الآخرة... وأن هذا السعي يقوم على أساس أن هناك علاقة ترابطية، وتعادلاً بين أطراف القضايا، وانتظام الأشياء والموجودات.. سواء منها الموجودات الطبيعية أم الأفعال والنشاطات الإنسانية المختلفة.
 
والقرآن الكريم ناطق بهذه الحقيقة... وموضّح لها في موارد متعددة، نذكر منها قوله تعالى:

﴿وإِذْ تَأْذَنَ رَبُكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لأزيدنَّكُمْ ولَئِنْ كَفَرْتُمْ إنّ عذابي لَشَديدٌ﴾ [2]
 
﴿إنَّ اللهَ لا يُغيِّر ما بقومٍ حتى يغيِّرُوا ما بِأَنْفُسِهِمْ..﴾ القرآن الكريم، سورة الرعد، الآية:11
 
﴿فأَمَّا يأتينَكُمْ مني هدىً فَمَنْ اتْبَعَ هُدايَ فلا يَضِلُّ ولا يَشْقَى﴾ القرآن الكريم، سورة طه، الآية:321
 
﴿ليجزي اللَّهُ الصادقينَ بِصدقِهِمْ ويعذِّبُ المنافقينَ إنْ شاءَ أو يتوبَ عليهم...﴾ القرآن الكريم، سورة الأحزاب، الآية:42
 
﴿مَنْ كانَ يريدُ العاجلةَ عجَّلْنَا لهُ فيها ما نَشاءُ لِمَنْ نُريدُ..﴾ القرآن الكريم، سورة الإسراء، الآية:81
 
﴿... وَمَنْ يُؤْمِنْ باللَّهِ ويعْمَلْ صالحاً يُدْخِلْهُ جناتٍ تَجري من تحتها الأنهارُ خالدينَ فيها أبداً قد أحسنَ اللَّهُ لهُ رزقاً﴾ القرآن الكريم، سورة الطلاق، الآية:11
 
فكل تلك الآيات الكريمة تبسط الأسباب وترتب عليها النتائج... فجعلت الشكر سبباً لزيادة الخير والنعم والثواب، كما جعلت تغير أوضاع الإنسان وأحواله العامة مرتبطةً بتغير محتواه الداخلي.. بما فيها من أفكار ومفاهيم وعواطف.
 
وجعلت الصدق والإخلاص لله سبباً للثواب.
 
والنفاق والرياء سبباً للعقاب.
 
وعمل الصالحات سبباً للنعيم والخلود في الجنات... إلخ.
 
فمـن هـذا العـرض القـرآنـي نسـتطيـع أن نكـتشـف مفهـوم القرآن عـن العبـادة، ووجوبهـا القائـم على أسـاس أنهـا عمـل سـببي ترتبـط به نتيجة.
 
وتركها إهمال سببي تترتب عليه نتيجة... جرياً على حكمة الله في خلقه التي قضت بأن تكون علاقة الإنسان بالله، ووجود هذا الإنسان في عالمي الدنيا والآخرة، خاضعاً لهذا القانون الوجودي العام، قانون الترابط بين السبب والنتيجة.
 
فلقد جعل الله سبحانه الخلد والنعيم في الجنان لا يتحقق إلاّ بالتزام النفس البشرية بقانون محدد وهو العبادة يوصلها الى نتيجة محددة وهي رضاء الله سبحانه، كما جعل تركها سبباً للعذاب والحرمان ﴿وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِّمَّا عَمِلُوا..﴾ القرآن الكريم، سورة الأحقاف، الآية:91
 
من هنا كانت العبادة سبباً للحصول على النعيم والفوز بالجنان... وكانت واجباً وضرورة كونية يفرضها منطق الوجود، ويتوقف عليها مصير الإنسان، كما يتوقف مصير أية قضية في الوجود على سلسلة الأسباب والنتائج المترابطة في دائرة وجود هذه القضية.
 
وثمة سبب آخر يخضع لنفس القانون، ويعطي ذات النتيجة، وهو واقع الحس الأخلاقي، والذي يتلخص مفهومه في المقولة المشهورة شكر المنعم واجب.
 
أي أن النعم التي أنعمها الله سبحانه وتعالى على الإنسان توجب الشكر، لأن حق المنعم الشكر، والاعتراف بالنعم، وضرورة إظهار هذا الاعتراف بكل الوسائل التعبيرية المتاحة للإنسان... سواء بالقول أو الفعل، كالصلاة والدعاء والثناء والصوم، أو في الاقرار النفسي والشعور الباطني بالفضل والامتنان.. لأن الإنعام فعل صادر من طرف، هو الله سبحانه، ليفاض على طرف آخر، وهو الإنسان... فما الذي يقابله في الطرف الآخر حسب قوانين الوجود..؟
 
لذلك فقد جعل الله سبحانه العبادة: هي المنهج والوسيلة الإنسانية للتعبير عن الشكر، واكمال معادلة المبادأة بالنعم ــ فضلاً منه ومنة ــ فأهَّلا أفعال الإنسان، ورفعها الى مستوى طرف الموازنة ومعادلة النعم والاحسان الإلهي.
 
ــ ولكن... أنى لعبادة الإنسان أن توازي نعم الرحمن... التي لا تعد ولا تحصى ــ.
 
وينضم إلى هذين السببين سبب ثالث للعبادة، فيحتل أبعاداً خاصة في نفس الإنسان وهو أيضاً نتيجة طبيعية للعلاقة بين الأشياء وقدرها، وهذا السبب هو الشوق والحب لله، وانصراف النفس عما حولها من موجودات وجزاء ونعيم مرتقب، بسبب التعلق والارتباط بعظمة الله سبحانه وتعالى والإنصراف لكماله المطلق.
 
وتأتي هذه النتيجة الحتمية تعبيراً عن إحساس الإنسان بحقيقته الصغيرة المتناهية في الصغر... والناقصة المستغرقة في النقص، والحاجة الى الكمال الإلهي الذي يستهوي دوافع النفس، ويشد وعيها، وأحاسيسها، إلى مبدئها العظيم الله ... تماماً كما يتجه التائه في الصحارى المظلمة الى مصدر النور والإشراق، والظمآن إلى منابع الماء والرواء..
 
ومن مجمل ما عرضنا من حديث حول وجوب العبادة، ومسؤولية الإنسان فيها، نستطيع أن نستخلص: "أن العبادة نتيجة حتمية لطبيعة الوجود الإنساني الذاتية، يفرضها منطق الوجود العام، والعلاقة الذاتية بين الإنسان وخالقه من جهة، وبين عالم الدنيا والآخرة من جهة أخرى".
 
ويوصلنا بحثنا أيضاً إلى أن هناك أسباباً أساسية ثلاثة للعبادة هي:
 
1 ــ دفع العقوبة المتوقعة في عالم الآخرة، والتهيؤ للعيش في عالم الخلد والنعيم، بإعداد الذات، وتوفير الأسباب الضرورية للعيش السعيد في عالم الآخرة، وهي العبادة.
 
2 ــ أن الله منعم على الإنسان، وكل منعم يستحق الشكر والثناء، لذا كانت العبادة واجباً أخلاقياً، لأنها أصدق وسائل التعبير عن الاعتراف بالنعم، ومقابلة إحسان المنعم بما يماثلها من نماذج الخير والامتنان.
 
3 ــ ان هيام الإنسان بحب الله العظيم ذاته، وجمال صفاته، وجلال قدسه، يشد الإنسان إليه تعالى، ويدفعه الى تقديسه وعبادته، حباً به وشوقاً إليه. لأنه أهل للعبادة، ومستحق للتقديس.
 
هذا، وإن حقيقة الشوق الى الله تعالى هي رجاء لقائه، والأُنسُ بقربه، والسعادة بجواره.. وهذا لا يتحقق إلاّ بالعبادة التي قوامها: العمل الصالح، والنية الخالصة.
 
قال سبحانه: ﴿...فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاء رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا﴾ القرآن الكريم، سورة الكهف، الآية:11
  


[1] القرآن الكريم، سورة الذاريات، الآية:65
[2] القرآن الكريم، سورة إبراهيم، الآية:7

لقد خصَّت الشريعة الغرّاء المجاهد بأرفع الأوسمة، فقد وردت الروايات من كلِّ باب منها تذكر المجاهد وترفعه إلى المقامات العليّة وفيما يلي نستعرض بعض الروايات الّتي تَبَاهت بالمجاهد وعلّقت على صدره المدائح وساماً محفوراً على مدى التاريخ.
 
1- طوبى لهم:
عن الإمام عليٍّ بن أبي طالب (عليه السلام): "فطوبى للمجاهدين في سبيله والمقتولين في طاعته"[1].
 
أراد أمير المؤمنين (عليه السلام) أن يقول للمجاهدين إنّ (طوبى) هو مكان خصّصه الله تعالى للمجاهدين ثواباً منه وتقديراً على ما قدّموا من تضحيات، يقول سبحانه: ﴿طُوبَى لَهُمْ وَحُسْنُ مَآبٍ﴾[2] وقد يكون المقصود من طوبى لهم معنًى هنيئاً لهم، فيكون بذلك قد هنّأهم بهذا التوفيق الإلهيّ وأيّ من المعنيين عنى عليه السلام فهو وسام لهم على كلّ حال.
 
2- خيرُ الناس‏:
أن تكون من خيرِ الناس، أو يقول عنك أهل البيت‏ (عليهم السلام) إنَّك من خير الناس ليس بالأمر السهل أو البسيط بل ذلك إنّما يكون لمن قدّم في سبيل ذلك أغلى شي‏ء وأثمن مقابل، وبالجهاد استحقّ المجاهد هذا التقدير من أهل البيت (عليهم السلام).
 
فعن رسول الله محمّد (صلى الله عليه وآله وسلم): "خيرُ الناس رجل حبس نفسه في سبيل الله يجاهد أعداءه يلتمس الموت أو القتل في مصافّه"[3].
 
3- يغضب الله لغضبه ويستجيب دعاءه‏:
عن رسول الله محمّد (صلى الله عليه وآله وسلم): "اتّقوا أذى المجاهدين فإنّ الله يغضب لهم كما يغضب للرسل، ويستجيب لهم كما يستجيب لهم"[4].
 
وهذا إن دلّ على شيء‏ فإنّه يدلّ على مقام القرب منه سبحانه وتعالى ومقدار الاهتمام والرعاية منه تعالى لشأنهم عنده...
 
وفي حديث آخر عن الإمام جعفر الصادق (عليه السلام): "ثلاثة دعوتهم مستجابة: أحدهم الغازي في سبيل الله، فانظروا كيف تخلفونه؟"[5].
 
4- بابٌ للمجاهدين في الجنّة:
وكما فضّل تعالى المجاهدين في الدنيا على القاعدين، كذلك فقد خصّهم في الآخرة بميزة يتمايزون بها عن سائر الناس وهو أن يدخلوا الجنّة من باب قد أُعِدَّ خصّيصاً لهم.
 
ففي الحديث الشريف عن النبي محمّد(صلى الله عليه وآله): "للجنّة باب يقال له باب المجاهدين يمضون إليه فإذا هو مفتوح وهم متقلّدون سيوفهم والجمع في الموقف والملائكة ترحّب بهم"[6].
 
ويمكنك أن تتصوّر بعقلك صورة ذلك وقد أقبل الناس فيه للحساب يتدافعون في زحمة فزعين خائفين والعرق يتصبّب منهم في حالة من الرُّعب والفزع وقد اصطفّوا للحساب، وبينما هم كذلك وإذ بباب المجاهدين قد فُتح فيدخل منه المجاهدون والملائكة على بابه مصطفّة ترحّب بهم فأيّ كرامة بعد هذا؟
 
5- الأقرب من درجة النبوّة، ويباهي الله بهم الملائكة:
ورد في الحديث الشريف: "أقرب الناس من منزلة النبوّة أهل العلم والجهاد"[7].
 
وفي الحديث الآخر عن رسول الله محمّد (صلى الله عليه وآله وسلم): "إنَّ الله يباهي بالمتقلّد سيفه ملائكته"[8] .
 
وما تلك المباهاة إلَّا لأنّ عملهم لا يُقاس بأعمال العباد، ففي الحديث الآخر عن رسول الله محمّد (صلى الله عليه وآله): "ما أعمال العباد كلّهم عند المجاهدين في سبيل الله إلّا كمثل خطاف أخذ بمنقاره من ماء البحر"[9].
 
وكم يستطيع طير الخطاف أن يأخذ من ماء البحر؟ نقطة أو بضع نقاط وما قدر ذلك أمام البحر...؟
 
6- مضاعفة أجره وثوابه‏:
إنَّ المجاهد غالباً ما يكون في طاعة الله فهو إن كان حارساً مراقباً فعمله لله، وإن كان مرابطاً فعمله لله، وإن كان مقاتلاً فقتاله في سبيل الله أيضاً وقد ضاعف الله ثوابه.
 
ورد في الحديث الشريف عن الرسول الأكرم محمد (صلى الله عليه وآله وسلم): "صلاة الرجل متقلِّداً بسيفه تفضّل على صلاة غير متقلّدٍ بسبعمائة ضعف"[10].
 
وعنه (صلى الله عليه وآله وسلم): "إنّ صلاة المرابط تعدل خمسمائة صلاة"[11] .
 


[1] ميزن الحكمة، ح2681.
[2] القرآن الكريم،سورة الرعد، الآية: 29.
[3] ميزان الحكمة، ح2682.
[4] م.ن، ح 2695.
[5] وسائل الشيعة، ج11, ص14.
[6] ميزان الحكمة، ح 2679.
[7] المحجة البيضاء، ج1, ص14.
[8] ميزان الحكمة، ج1, ص448.
[9] م.ن، ج1، ص445.
[10] م.ن, ج1, ص448.
[11] م.ن, ح 2715.

خلال الاحتفال التكريمي الذي انعقد اليوم الثلاثاء 5 آب/أغسطس 2025، للواء الشهيد محمد سعيد إيزدي "الحاج رمضان"، قال الأمين العام لحزب الله، الشيخ نعيم قاسم، إنّ "الحاج رمضان هو شهيد فلسطين الإيراني الذي أفنى عمره في خدمة فلسطين"، ولَفَتَ إلى أنّ "الحاج رمضان كان قائدًا في موقعٍ حساس عن عمر 19 سنة".

وأضاف الشيخ قاسم أنَّ ""الحاج رمضان" عمل في مكتب فلسطين المعني بالتنسيق مع الفصائل الفلسطينية، وأمضى وقتًا طويلًا في مرج الزهور مع الفلسطينيين المبعَدين، وكان يحرص على وحدة الفصائل الفلسطينية، ويحرص على أنْ يكون حزب الله على مقربة منهم".

وكشف الشيخ قاسم عن أنَّ ""الحاج رمضان" قال، إنَّ طوفان الأقصى معجزة لم تحقِّقها أيُّ قوة مقاومة، وإنَّ الأقصى والقدس يرفعان من يخدمهما". كما كشف عن أنَّ ""الحاج رمضان" قدِم إلى لبنان بعد يومين على شهادة السيد نصر الله ليضع نفسه بتصرُّف حزب الله".

وفي حين أشار إلى أنَّ ""الحاج رمضان" كان يعتنق نظرة الإمام الخميني تجاه الكيان الصهيوني؛ بوصفه غدَّةً سرطانية"، قال الأمين العام لحزب الله: "نظرة قادتنا تقضي بأنَّ فلسطين قضية إنسانية، وليست مسألةَ جغرافيا، ما يعني أنَّ على الجميع نصرتها".

وتابع قائلًا: ""الحاج رمضان" رجل عرفاني متواضع وذو هيبة، وكان عاشقًا للإمام الخميني والإمام الخامنئي".

وتوقَّف الشيخ قاسم عند "الكارثة الكبيرة التي حصلت في انفجار المرفأ في 4 آب، والذي أحدث جرحًا كبيرًا في لبنان"، داعيًا إلى "الإسراع في إنجاز المحاكمات والتحقيقات بعيدًا عن التسييس الذي أخَّر النتيجة إلى هذه الفترة".

وشدَّد على أنَّ بناء لبنان وتثبيت الاستقرار فيه يحتاجان إلى "التشارك والتعاون في إطار وحدة وطنية ووضع الأولويات التي تؤسِّس لكل الواقع اللبناني، وعدم الخضوع للوصاية الأميركية أو غيرها".

وتطرَّق الشيخ قاسم إلى اتفاق وقف إطلاق النار، مبيِّنًا أنَّه "اتفاق غير مباشر أبرز تعاونًا وثيقًا بين المقاومة والدولة، وهو من أرقى أشكال التعاون، حيث سهَّلت المقاومة للدولة كل الإجراءات المطلوبة في الاتفاق دون أيِّ تأجيل".

وأكَّد أنَّ "حزب الله التزم التزامًا تامًّا ببنود اتفاق وقف إطلاق النار، ولم يُذكر أيُّ خرق تجاه العدو أو حيالَ التعاون مع الدولة"، مشيرًا في المقابل إلى أنَّ ""إسرائيل" انقلبت على الاتفاق وخرقته آلاف المرات.

واعتبر أنَّ ""إسرائيل" ندمت على هذا الاتفاق، ورأت أنَّه يعطي حزب الله قدرة تخوِّل استمرارَ القوة الموجودة في لبنان، ولذلك لم تلتزم بالاتفاق".

وذكَّر بأنَّ "(المبعوث الأميركي توم) براك اشترط نزع السلاح في 30 يومًا، حتى القنبلة اليدوية وقذائف "الهاون"، أي الأسلحة التي تُعَدُّ بسيطة"، مضيفًا: "براك اشترط أنْ يُفكَّك 50 في المئة من القدرة في غضون شهر، ولكنَّه لا يعلم مستوى قدرتنا حتى يحدد الـ50 في المئة".

وفيما أشار إلى قول براك، إنَّ "إسرائيل" ستنسحب من النقاط الخمس عقب تنفيذ هذه الإجراءات، بيَّن الشيخ قاسم أنَّ "أميركا أرادت في ورقتها تجريد لبنان من قدرته العسكرية المتمثِّلة بالمقاومة ومنع الجيش من الحصول على سلاح يؤثِّر في "إسرائيل"".

وأردف قائلًا: "أميركا تقول، إنَّه في حال مخالفة الاتفاق يمكننا إدانة "إسرائيل" من مجلس الأمن الدولي، في حين إذا خالف لبنان فيتم تجميد المساعدات، ويخضع للعقوبات الاقتصادية أكثر من المفروضة عليه".

وقال الشيخ قاسم: "نحن لا نوافق على أيِّ اتفاق جديد. عليهم تنفيذ الاتفاق القديم. وأيُّ جدول زمني يُعرَض لينفَّذ تحت سقف العدوان "الإسرائيلي" لا نوافق عليه. نحن لا نقبل أنْ نكون عبيدًا لأحد، ومن يحدِّثنا عن التنازل تحت وطأة منع التمويل، نسأله: عن أيِّ تمويل يتحدَّث؟".

ورأى أنَّ "مصلحة "إسرائيل" أنْ لا تذهب لعدوان واسع؛ لأنَّ المقاومة ستدافع، والجيش سيدافع، والشعب سيدافع، وستسقط صواريخ في داخل الكيان، وكل الأمن الذي بنوا عليه لمدة 8 أشهر سيسقط في ساعة واحدة".

وأضاف: "إذا سلَّمنا سلاحنا لن يتوقَّف العدوان، وهذا ما يصرِّح به المسؤولون "الإسرائيليون". واستقرار لبنان غير مرتبط بما نقدِّم". وشدَّد على أنَّ "دعم الجيش منوطٌ بتأديته وظيفةً محلية، وليس لمجابهة "إسرائيل"، ولذلك فهو ليس دعمًا".

وإذ ذكَّر بأنَّ "البيان الوزاري يتحدَّث عن تحصين السيادة"، تساءل الأمين العام لحزب الله: "هل التخلِّي عن السلاح بناء على طلب "إسرائيل" وأميركا وبعض الدول العربية هو تحصين للسيادة؟ البيان الوزاري يتحدَّث عن ردع المعتدين، ولكنْ أين الدولة التي تدفع البلاء عن لبنان؟ وأين الدفاع عن الحدود والثغور؟ وإنْ قلتم ليس بمقدوركم؛ إذًا دعونا نحافظ على القدرة ونبنيها".

وواصل الشيخ قاسم قوله: "رئيس الحكومة يتغنَّى بفِقْرة التزام الحكومة باتخاذ الإجراءات كافة لتحرير جميع الأراضي من الاحتلال "الإسرائيلي"، ولكن أين هذه الإجراءات؟"، فـ"على الدولة تأمين الحماية، لا أنْ تجرِّد شعبها ومقاومتها من قوتهما، بل عليها الاستفادة منها، بدًلا من سحب السلاح كُرمى لعيون "إسرائيل" وأميركا وإحدى الدول العربية"، بحسب الشيخ قاسم.

وقال: "يجب أنْ نذهب لمجلس الوزراء ونضع بندًا؛ كي نواجه العدوان ونحفظ السيادة، وعلينا وضع جدول زمني لتحقيق ذلك، ومناقشة كيفية إشراك الجميع في عملية الدفاع عن لبنان، وكيفية زيادة الضعوطات على العدو".

وفي حين لفت الانتباه إلى أنَّ "المقاومة جزء من دستور الطائف ومنصوص عليها هناك، وهي أمر ميثاقي"، خاطب القوى السياسية اللبنانية بقوله: "تعالوا لنناقش إستراتيجية أمن وطني؛ يأخذ بقوة لبنان، بدلاً من وضع جدولٍ لنزع السلاح".

وتابع الشيخ قاسم قائلًا: "حريصون على التعاون والتفاهم بيننا وبين الرؤساء الثلاثة. علينا الانتباه من دُعاة الفتنة الداخلية الملطَّخة أيديهم بالدماء، ومن الذين يعملون لخدمة المشروع "الإسرائيلي". هذا بلد تُقدَّم فيه تضحيات ودماء، ولن نسمح لأحد بفرض الإملاءات علينا"، مستدركًا بقوله: "نحن نرتِّب وضعنا الداخلي بالتعاون والتفاهم، ولن يحصل حل دون توافق داخلي".

ودعا الدولة إلى أنْ تخاطب المجتمع الدولي، وتقنعه بأنَّها "المعنية عن حماية حدودها الجنوبية والشرقية، وتتحمَّل مسؤولية ذلك"، مؤكِّدًا أنْ "لا أحد يستطيع حرمان لبنان من قوته، ولا أحد يستطيع منع لبنان من أنْ يكون عزيزًا"، معتبرًا أنَّ "من قدَّم التضحيات وحرَّر الأرض أكثر وطنية ممَّن عبث بالوطن وقتل المواطنين".

وأضاف الشيخ قاسم: "نحن في "أولي البأس" استطعنا وقف العدوان، وإلَّا كان وصل إلى بيروت. وقد منعت المقاومة والجيش والشعب العدوَّ من تحقيق أهدافه".

وشدَّد على أنَّ "المقاومة بخير، قوية عزيزة تمتلك الإيمان والإرادة ومصمِّمة على أنْ تكون سيِّدة في بلدها، وأنْ يكون لبنان سيِّدًا عزيزًا مستقلًّا. وجمهورها صامد ومتماسك، والمجاهدون مستعدُّون لأقصى التضحيات".

من جهة أخرى، أشاد الشيخ قاسم بجرحى "البايجر" وكل الجرحى"، موضحًا: "هم أصحاب بصيرة وأصحاب عزم، وفي قمة العطاءات والعزيمة. وقد حقَّقوا نجاحات في الامتحانات الرسمية". وقال: "إذا ظنَّ العدو أنَّ جرحانا قد باتوا خارج الخدمة فهو مُخطئ، فجرحانا يقدِّمون ويتقدَّمون". كما رأى أنَّ "هذا النموذج أي "جرحى البايجر" لا يمكن أنْ يهزم أو يخسر". وبارك الشيخ قاسم "لجميع الناجحين في الامتحانات الرسمية من الطوائف كافة".

واعتبر أنَّ "المقاومة هي الأحزاب والقوى والشخصيات من الطوائف والأفكار المختلفة؛ هذا هو الرصيد الكبير".

وتابع قوله: "عدونا ليس مُطلَق اليد، ولم يحقِّق ما يريد حتى اليوم، فلا تدعوه يحقِّق ذلك. قولوا لمن يضغط عليكم: "روحوا راجعوا المقاومة"، ونحن نتولَّى أمرهم. عنوان المرحلة؛ نحن صامدون وسنتجاوزها مرفوعي الرأس، واعلموا أنَّ جماعة المقاومة مع الجيش والشعب ستبقى في الميدان وستنتصر"، مضيفًا: " لبنان يستقرُّ بجميع أبنائه، وليس بطرف على حساب طرف".

وأشار إلى أنَّ "المعركة اليوم؛ إمَّا أنْ يفوز بها لبنان؛ كلُّ لبنان، أو يخسر فيها الجميع، وقناعتنا بأنَّنا يمكن أنْ ننتصر معًا"، داعيًا إلى الالتفات إلى محاولات دُعاة الفتنة والانهزاميين لاستغلال الوضع لصالح الأجنبي"، مجدِّدًا تأكيده أنَّ "العدوان هو المشكلة وليس السلاح"، مخاطبًا أركان الحكم في لبنان بالقول: "حُلُّوا مشكلة العدوان، وبعدها نناقش مسألة السلاح".

وحدَّد الأمين العام لحزب الله الحل بـ"امتلاك أسباب القوة وليس بالتخلِّي عنها، والاعتماد على الشرفاء وليس على الذئب الأميركي"، قائلًا: "يجب أنْ نكون أسودًا لنتجاوز المرحلة لا حِملانًا فنُؤكل".

وأضاف: "سنواجه الوصاية الأجنبية والتغوُّل الأميركي العربي والتنمُّر الداخلي، وهذه مرحلة خطيرة من مراحل استقلال لبنان، لكنَّنا أقوى بثلاثية الجيش والشعب والمقاومة وبالوحدة".

المصدر: موقع العهد

أكد الرئيس الإيراني، مسعود بزشكيان، خلال مكالمة هاتفية مع رئيس وزراء ماليزيا أنور إبراهيم، على ضرورة تحرك الدول الإسلامية لمنع استمرار الكارثة الإنسانية في غزة، من خلال الدبلوماسية النشطة والضغط السياسي الموحد.

 الرئيس بزشكيان أجرى صباح اليوم الأربعاء، مكالمة هاتفية مع رئيس وزراء ماليزيا أنور إبراهيم، شدد فيها على أن "الفظائع التي يرتكبها الكيان الصهيوني في غزة غير مقبولة لأي إنسان حرّ"، معربًا عن أمله بأن "تتحرك الدول الإسلامية بشكل موحد ومسؤول، عبر دبلوماسية فعالة، لمنع استمرار هذه الجرائم".

وأشار بزشكيان إلى أن الجمهورية الإسلامية الإيرانية كانت دوماً مدافعة عن حقوق الشعب الفلسطيني المظلوم، داعيًا الدول الإسلامية الأخرى إلى تبني مواقف أكثر صلابة وفاعلية دعماً لغزة. وأضاف: "التحرك الجماعي لمواجهة جرائم الكيان الصهيوني سيكون الطريق الأنجع لكسر هذا العدوان".

وفي إشارة إلى "الحرب المفروضة لمدة 12 يوماً" التي شنّها الكيان الصهيوني ضد إيران، قال بزشكيان: "ذنبنا الوحيد هو أننا ندافع عن الشعب الفلسطيني المظلوم وحقوقه الإنسانية، ونبغض الظلم الواقع عليه؛ هذا ما يعتبره المستكبرون العالميون ذنباً، ومن أجله يمارسون علينا الضغوط".

كما دعا رئيس الجمهورية إلى توسيع التعاون مع ماليزيا وتعزيز العلاقات في كافة المجالات الثنائية.

من جانبه، أدان رئيس الوزراء الماليزي أنور إبراهيم جرائم الكيان الصهيوني في غزة، مشيراً إلى أن "الحكومة الماليزية أصدرت بياناً شديد اللهجة بهذا الخصوص، كما تبذل جهوداً دبلوماسية واسعة لوقف الإبادة الجماعية الجارية هناك"، وأعرب عن أمله بأن تتمكن الدول الإسلامية من إيقاف هذا العدوان من خلال التعاون المشترك.

وأكد أنور إبراهيم اهتمام حكومته الخاص بتعزيز التعاون مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية، معربًا عن احترام حكومة وشعب ماليزيا العميق لإيران، ومشدداً على أهمية الارتقاء بالعلاقات في مختلف المجالات.

وفي ختام المكالمة، أعرب رئيس الوزراء الماليزي عن شكره لدعوة الرئيس الإيراني لزيارة طهران، وأعلن عن استعداده لتلبية الدعوة.

تواصل العتبة العلويّة المقدّسة افتتاح مواقع الضيافة والاستراحة لخدمة زائري الأربعين، الذين يواصلون التوافد بأفواجهم المليونية إلى مرقد المولى أمير المؤمنين (عليه السلام) قبل توجههم إلى كربلاء المقدسة لإحياء مراسم أربعين الإمام الحسين (عليه السلام).

ومن بين هذه المواقع المهمة التي تمَّ افتتاحها، موقع مدينة الإمام الرضا (عليه السلام) الذي يقع في مفترق حيوي على الطريق الحولي، إذ يتوافد الزائرون من داخل العراق وخارجه.
 
20 ألف وجبة ضيافة قابلة للزيادة
وعن طبيعة عمل موقع الضيافة الجديد، قال مسؤول موقع الضيافة الخادم حسن السلامي في تصريح صحفي : "باشر موقع الضيافة بتوزيع أكثر من 20 ألف وجبة يوميًا موزَّعة على الفترات الثلاث، يصاحبها توزيع لمختلف الوجبات الساندة وعلى مدى 24 ساعة متواصلة، بدعم وإسناد وتنسيق مع بقية الأقسام المعنية"، مشيرًا إلى وجود موكب ضيافة مجتمعي ساند يعمل بإشراف قسم مضيف الزائرين، يقوم بخدمة الزوار الوافدين عبر الطريق الحولي، وبالخصوص الوافدين من خارج العراق.
 
 
300 خادم ومتشرّف لخدمة الزائرين
وأشار السلامي إلى تواجد أكثر من 300 شخص بين خادم ومتشرّف بالخدمة، يقدّمون مختلف الجهود لخدمة الزائرين وعلى مدى 24 ساعة متواصلة، موزّعين على جميع أرجاء موقع الضيافة لتنفيذ مختلف الأعمال.

يُذكَر أنَّ الأمانة العامّة للعتبة العلويّة المقدّسة قد حددت 16 موقع ضيافة لتقديم وجبات الطعام للزائرين، تساندها عشرات المواقع الثانوية التي تقدم خدماتها من الوجبات الساندة ومياه الشرب والعصائر والشاي، يُضاف لها العشرات من مواقع الاستراحة وغيرها، مما يساعد الزائر الكريم على المضي لإتمام مراسم زيارته على أكمل وجه.

أكد الرئيس الإيراني، مسعود بزشكيان، أن وحدة المسلمين حول العالم كفيلة بإنهاء قدرة الكيان الصهيوني على استهداف الشعوب المستقلة بشكل منفرد، داعيًا إلى التعاون العلمي والصناعي والزراعي بين الدول الإسلامية لتشكيل كتلة موحدة تلبي حاجات الأمة.

جاء ذلك خلال زيارة بزشكيان إلى مدينة لاهور، حيث التقى محمد نواز شريف، رئيس حزب الرابطة الإسلامية، بعد حضوره مراسم تكريم الشاعر والمفكر الإسلامي الكبير محمد إقبال.

وأشاد نواز شريف خلال اللقاء بصمود الشعب الإيراني في مواجهة الاعتداءات الأخيرة للكيان الصهيوني، قائلًا: "نقف إلى جانب الجمهورية الإسلامية الإيرانية، وسنواصل هذا الدعم بقوة أكبر في المستقبل. إن مقاومة الشعب الإيراني لم تكن فقط دفاعًا عن وطنه، بل كانت مواجهة شجاعة لقوى كبرى عالمية، وأعادت إحياء التاريخ العريق والمشرّف لإيران. نحن في باكستان نعتبر هذه المقاومة مصدر فخر واعتزاز لنا أيضًا".

وأضاف: "استقبالي للرئيس الإيراني في المطار هو رسالة تقدير لهذا الصمود العظيم. باكستان ليست مجرد جار لإيران، بل شقيق حقيقي، ونتطلع إلى تعزيز علاقاتنا في جميع المجالات".

من جانبه، ثمّن الرئيس الإيراني مواقف الشعب الباكستاني، مؤكدًا أن وحدة العالم الإسلامي هي السبيل لمواجهة التحديات، حيث قال: "إذا توحّد المسلمون، فلن يستطيع الكيان الصهيوني استهداف أي أمة مستقلة بمفردها. يجب أن نتشارك قدراتنا العلمية والصناعية والزراعية، ونبني كتلة موحدة تلبّي احتياجات الأمة الإسلامية بقدراتها الذاتية".

الحرس الثوري إذ يحيي الذكرى السنوية الأولى لاستشهاد "إسماعيل هنية" – الرئيس السابق للمكتب السياسي لحركة حماس – يعتبر صمود ومقاومة الشعب الفلسطيني في غزة اليوم أمام الإبادة الجماعية والجرائم الصهيونية، دليلاً على تمسكهم بأهداف تحرير فلسطين والقدس الشريف، ومواصلة درب هذا الشهيد الكبير وسائر شهداء المقاومة ضد الصهيونية.

وأضاف البيان: إن تصعيد جرائم الكيان الصهيوني، عبر منع سكان غزة المظلومين من الوصول إلى الضروريات الأساسية كالماء والغذاء والدواء، يمثل انتهاكاً صارخاً لحقوق الإنسان والقانون الدولي، ويمكن اعتباره شكلاً حديثاً من الإبادة الجماعية.

وتابع: هذه الجرائم الفادحة والمعادية للإنسانية، والتي تُرتكب في ظل صمت وتواطؤ بعض الدول الغربية التي تدّعي الدفاع عن حقوق الإنسان، أدت إلى تصاعد موجة الاحتجاجات العالمية ضد الممارسات الصهيونية، وجعلت من الضروري أن تتحمل المؤسسات الدولية مسؤولياتها، وهي اليوم أمام أكبر اختبار تاريخي لها.

وأشاد البيان بالموجة العالمية الداعمة للشعب الفلسطيني، واصفاً هذا الدعم بأنه ثمرة الدماء الطاهرة للشهداء وظلم ومعاناة أهالي غزة، مشدداً على أن الصمود المذهل للفلسطينيين، والدعم المستمر من قوى المقاومة الإسلامية في المنطقة، وخاصة الشعب الإيراني الثوري والرافض للظلم، وجّه رسالة مرعبة ومقلقة للعصابة الإجرامية في واشنطن وتل أبيب، فمفادها أن انتصار المقاومة ضد الصهيونية بات حتمياً، وأن النصر النهائي لفلسطين على الغاصبين والمحتلين بات قريباً.

كما أدان البيان عملية اغتيال الشهيد هنية في طهران، التي نُفذت أثناء زيارته لحضور مراسم تنصيب رئيس الجمهورية الإسلامية، واعتبر أن الإمكانات الخفية للمقاومة هي الضامن لانتصار غزة وهزيمة الكيان الصهيوني المزيف والقاتل للأطفال، وخزي داعميه.

وأكد أن: "عكس ما يتوهمه العدو الصهيوني الحقير والخبيث وداعموه الشياطين، فإن ’طوفان الأقصى‘ لم يكن حدثاً عابراً في لحظة من لحظات التاريخ، بل هو منهج واستراتيجية ميدانية مرسومة بدماء الشهداء – وفي مقدمتهم إسماعيل هنية ويحيى السنوار – لتحديد مستقبل المعركة، وأن الحديث هذه الأيام عن خطة شيطانية لتشكيل دولتين فلسطينية وإسرائيلية لن يثنينا عن هذا الطريق، ونُذكّر بالشعار البطولي لحركة حماس وكلمات الشهيد هنية: ’لن نعترف، لن نعترف، لن نعترف بإسرائيل.‘"

كما ندد البيان بقوة بجرائم الإبادة الجماعية في غزة، وصمت المؤسسات والمحافل الدولية أمام همجية الكيان الصهيوني، واعتبر أن التجويع المتعمد وخلق المجاعة في غزة يمثلان "جرائم ضد الإنسانية" بل و"جرائم حرب" بموجب القانون الدولي.

وطالب البيان المنظمات الحقوقية والمؤسسات الدولية بتحمل مسؤولياتها، وذلك من خلال التحرك الفوري لرفع الحصار عن غزة ووقف الإبادة الجماعية، واستخدام الوسائل الفاعلة والرادعة، وفرض عقوبات جادة على الكيان الصهيوني، مع العمل على محاكمة مرتكبي هذه الجرائم أمام المحكمة الجنائية الدولية، عبر إجراءات مماثلة لتلك التي تم تطبيقها بعد حقبة الفصل العنصري في جنوب إفريقيا، حتى لا يفلت الجناة من العقاب ويستمروا في استخدام الجوع والحرمان من الغذاء كسلاح حرب.

وفي ختام البيان، شدد الحرس الثوري على أن صمود ومقاومة أهالي غزة يمثل استمراراً لدرب الشهيد هنية وسائر شهداء المقاومة، ويعكس تمسكهم بقضية تحرير فلسطين والقدس الشريف، مؤكداً أن الذين يخططون للإبادة في غزة يسعون نحو أهداف كبرى، إلا أن كسر صمت المجتمع الدولي وتضافر موجة الاحتجاجات العالمية ضد الصهيونية، سيُفشل طموحات العصابة الإجرامية الصهيونية والأمريكية، وستتكشف نهايتهم الحتمية قريباً بإذن الله.

شبهة أنّ الإمام الحسن عليه السلام كان مطلاقًا: قراءة علمية نقدية

تمهيد

لم يَسلم أئمة أهل البيت عليهم السلام من ألسنة الجهّال، ولا من أقلام الحاقدين الذين امتلأت قلوبهم حسدًا وعداءً لأهل النبوة ومعدن الرسالة. فكما طُعن في أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام وأهل بيته وأصحابه ، لم ينجُ الإمام الحسن المجتبى عليه السلام من افتراءات حاولت تشويه صورته الناصعة. ومن تلك الشبهات ما يُنسب إليه من أنه "مطلاق ذوّاق"، أي كثير الزواج والطلاق، وهي شبهة تكررت على ألسنة بعض الطاعنين الذين نسبوها إلى روايات موجودة في كتب الشيعة الإمامية.

أولًا: بيان الشبهة

استند مثيرو الشبهة إلى رواية نُسبت إلى الشيخ الكليني في الكافي، بسند ينتهي إلى عبد الله بن سنان عن الإمام الصادق عليه السلام، « إِنَّ عَلِيّاً قَالَ وَ هُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ: لَا تُزَوِّجُوا الْحَسَنَ فَإِنَّهُ رَجُلٌ مِطْلَاقٌ، فَقَامَ رَجُلٌ مِنْ هَمْدَانَ فَقَالَ: بَلَى وَ اللَّهِ لَنُزَوِّجَنَّهُ وَ هُوَ ابْنُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وآله وَ ابْنُ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام فَإِنْ شَاءَ أَمْسَكَ وَ إِنْ شَاءَ طَلَّقَ » (1).

وقد جعل بعضهم هذه الرواية دليلاً على أن الشيعة الإمامية يقرّون بأن إمامهم الثاني كان كثير الطلاق، بل جعله بعضهم منقصة ومَطعنًا في عصمته وسلوكه، مع أن الطعن في الإمام هو في حقيقته طعن برسول الله صلى الله عليه وآله، لأن الإمام الحسن عليه السلام هو فلذة كبده وسيد شباب أهل الجنة.

ثانيًا: دراسة المواقف من هذه الشبهة

المؤيدون لكثرة الزواج والطلاق

ذهب بعض الباحثين إلى أن الإمام الحسن عليه السلام قد تزوج بكثرة، مستندين إلى ما ورد في بعض الروايات، ومُبررين ذلك بعدة أمور:

    استحباب الزواج في الشريعة الإسلامية

لا يوجد في أصل الشريعة الإسلامية ما يمنع كثرة الزواج ما دام في إطار الشرع، بل وردت أحاديث تحث على الزواج وتحث على التكاثر. وقد جاء في الحديث: « تَناكَحُوا تَكثُرُوا فإنّي اُباهِي بِكُمُ الاُمَمَ يَومَ القِيامَةِ » (2).

    المصاهرة كأداة سياسية

 قد يكون الإمام عليه السلام اتخذ الزواج وسيلة لتقوية الموقع الاجتماعي والسياسي لأهل البيت عليهم السلام، من خلال مصاهرة القبائل المختلفة، ومنهم بعض القبائل التي كانت تدين بالولاء للأمويين، فيكون زواجه وسيلة لاحتواء الخصوم، أو لكسب النفوذ في مجتمعات مختلفة.

 إقبال الناس على تزويج بناتهم منه

 كان الناس يتشرفون بمصاهرة الإمام الحسن عليه السلام، فهو حفيد النبي صلى الله عليه وآله، ومن الطبيعي أن يُعرض عليه الزواج بكثرة، وقد لا يرفض تلك العروض ما دام لا يتعارض مع التقوى والشرع.

الرافضون للشبهة والنافون لكثرة الزواج والطلاق

في المقابل، رفض آخرون هذه الشبهة، بل نفوا أصلها، واستدلوا بأدلة عقلية ونقلية، منها:

كراهة الطلاق في الشريعة الإسلامية

الطلاق مكروه في الشريعة، وقد ورد عن ابي عبد الله عليه السلام : « مَا مِنْ شَيْ‌ءٍ مِمَّا أَحَلَّهُ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ أَبْغَضَ إِلَيْهِ مِنَ الطَّلَاقِ » (3).

فهل يُعقل أن يُكثر الإمام المعصوم من أمر مكروه لا يُلجأ إليه إلا عند الضرورة ؟

 تنافي الشبهة مع سيرة الإمام

 الإمام المعصوم عليه السلام هو القدوة في الأخلاق والرفق، ومن صفاته الرحمة والحنان. فهل يُعقل أن يسبب الأذى النفسي المتكرر للنساء بطلاقهن، خاصة وأن الطلاق المتكرر يترك أثرًا نفسيًا واجتماعيًا كبيرًا على المرأة في المجتمع ؟

مسؤوليات الإمام الكبيرة

كان الإمام الحسن عليه السلام إمامًا للأمة، ووريثًا للنبوة، ومشغولًا بهموم الأمة، ومتصديًا لقيادتها في أحلك الظروف، خصوصًا في ظل دسائس الأمويين والفتن السياسية. فمتى تفرغ – وفق هذه الدعوى – للزواج من عشرات أو مئات النساء كما يُقال؟

ضعف الروايات من حيث السند والمتن

أغلب الروايات التي تتحدث عن هذه الكثرة في الزواج والطلاق ضعيفة السند، وبعضها مرسل أو فيه رواة مطعون في عدالتهم، ما يجعل الاحتجاج بها باطلًا. بل إن نفس الرواية التي نُسبت للكليني يمكن مناقشة سندها، فضلاً عن مضمونها الذي يتنافى مع صفات الإمام المصعوم عليه السلام

ثالثًا: نظرة تحليلية متوازنة

يتبين من خلال ما تقدم أن هذه الشبهة ليست مسألة تاريخية بسيطة بل هي قضية عقائدية لها جذور طاعنة في مقام الإمامة والعصمة. وكما هو واضح، فإن الروايات المستخدمة في ترويج هذه الشبهة لا يمكن قبولها دون تحقيق علمي دقيق في أسانيدها ومتونها. ومجرد ذكر رواية في كتاب لا يعني تبني المؤلف لها، فإن الكليني وغيره من المحدثين كانوا ينقلون الروايات مع الثقة بأن العلماء سيُعرضونها على قواعد الجرح والتعديل وموازين الدراية.

بل إن الروايات الصحيحة والثابتة التي تُبيّن ورع الإمام وعلمه وتقواه تفوق بأضعاف هذه الروايات الشاذة التي لا تصمد أمام التحقيق العلمي.

رابعًا: مناقشة علمية إضافية تُسقط دعوى كثرة أزواج الإمام الحسن عليه السلام

ومهما يكن من شيء، فإنّه لا يوجد دليل علمي موثق يثبت كثرة أزواج الإمام الحسن عليه السلام غير الروايات التي أُشير إليها، وهي لا تصلح للاعتماد بسبب ما يحيط بها من شبهات وطعون سندية ومضمونية. بل هناك عدة قرائن تاريخية وعقلية تؤكد افتعال تلك الأكاذيب، منها:

1. عدم توافق عدد الذرية مع عدد الأزواج المزعوم

لو صحّت تلك الروايات عن كثرة زواجه وطلاقه، لكان عدد أولاد الإمام عليه السلام كبيرًا جدًا، في حين أن النسّابين والمؤرخين لم يذكروا له سوى اثنين وعشرين ولدًا بين ذكر وأنثى، وهو عدد معتدل لا يتناسب مع من يُدعى أنه تزوج العشرات أو المئات من النساء.

وهذا الاختلاف الكبير بين عدد الزوجات المزعوم وعدد الذرية الفعلي ينقض أصل الرواية.

2. صمت الخصوم عنه في مناظراته

لقد ورد في كتب التاريخ أن الإمام الحسن عليه السلام خاض مناظرات علنية مع خصومه من الأمويين وغيرهم، وخاصة الذين كانوا في دمشق، وكانوا في تلك المواقف يتربصون به ويحاولون النيل من شخصه الكريم، ولكنهم لم يذكروا شيئًا عن كثرة زواجه أو طلاقه.

ولو كانت تلك الشبهة حقيقية، لكانت أفضل وسيلة للطعن فيه علنًا، ولكن صمتهم يُعدّ دليلاً على عدم واقعيتها.

3. قلة عدد الأصهار

ذكر أبو جعفر محمد بن حبيب (ت: 245هـ) في كتابه المحبّر ثلاثة أصهار فقط للإمام الحسن عليه السلام:

    الإمام زين العابدين عليه السلام (ابنه من أم عبد الله)

    عبد الله بن الزبير (كان زوجًا لأم الحسن)

    عمرو بن المنذر (كان زوجًا لأم سلمة)

    ولو كان الإمام كثير الزواج لذكر له المؤلف عددًا كبيرًا من الأصهار، خصوصًا أن المؤلف معروف بعنايته بتوثيق نوادر الأزواج والأنساب، ولم يفعل ذلك.

4. استحالة أن يُنهى عنه علنًا من أمير المؤمنين عليه السلام

من الروايات الموضوعة: أن الإمام علي عليه السلام كان يصعد المنبر ويقول: « لا تزوجوا الحسن، فإنه مطلاق »

وهذا القول غير منطقي على عدة مستويات:

    هل عصى الإمام الحسن أمر والده؟ هذا مستبعد تمامًا لأن الإمام من أهل العصمة، ولا يمكن أن يُخالف وصية أبيه، وهو الإمام المعصوم كذلك.

    هل كان أمير المؤمنين عليه السلام سيعلن كراهته لفعله على المنبر أمام الناس؟ وهذا أيضًا بعيد، لأن الإمام لا يفضح أهل بيته بهذه الطريقة، بل يُربيهم بالحكمة والموعظة.

    هل كان الفعل غير سائغ شرعًا؟ فإن لم يكن، فكيف يفعله الحسن عليه السلام؟ وإن كان سائغًا، فلماذا يُنهى عنه؟

    كل ذلك يُؤكد أن الرواية موضوعة من خصوم الإمام لتشويه صورته وإسقاط مقامه، وللتأثير في مكانته كإمام من أهل البيت عليهم السلام.

5. كذب قصة "النسوة الحافيات" في جنازته

يروي بعضهم أن عند تشييع الإمام الحسن عليه السلام خرجت جمهرة من النساء حافيات حاسرات خلف جنازته، وهن يهتفن بأنهن زوجاته.

وهذا أمر بعيد كل البعد عن أخلاق نساء أهل البيت، إذ أن خروجهن بهذه الهيئة أمام الجماهير يُخالف السلوك الإسلامي والتقاليد الهاشمية القائمة على الحياء والتستّر. وهذا يُظهر أن القصة موضوعة لتُعزز الشبهة لا أكثر.

فرية المنصور :

ورجّح هذا الرأي المحقق النبيه والمدقق الواعي، سماحة الشيخ باقر شريف القرشي قدّس سره، في دراسته وتحقيقه المعمّق في كتابه حياة الإمام الحسن بن علي عليهما السلام دراسة وتحليل.

وأكبر الظن أن أبا جعفر المنصور هو أول من افتعل ذلك ، وعنه أخذ المؤرخون ، وسبب ذلك هو ما قام به الحسنيون من الثورات التي كادت أن تطيح بسلطانه ، وعلى أثرها القى القبض على عبد الله بن الحسن وخطب على الخراسانيين في الهاشمية خطابا شحنه بالسبّ والشتم لأمير المؤمنين ولأولاده ، وافتعل فيه على الحسن ذلك ، وهذا نص خطابه :

« إن ولد آل أبي طالب تركناهم والذي لا إله إلا هو والخلافة ، فلم نعرض لهم لا بقليل ولا بكثير ، فقام فيها علي بن أبي طالب ، فما أفلح وحكم الحاكمين ، فاختلفت عليه الأمة ، وافترقت الكلمة ، ثم وثب عليه شيعته وأنصاره وثقاته ، فقتلوه ، ثم قام بعده الحسن بن علي فو الله ما كان برجل عرضت عليه الأموال فقبلها ، ودسّ إليه معاوية أني أجعلك ولي عهدي ، فخلعه ، وانسلخ له مما كان فيه وسلمه إليه ، وأقبل على النساء يتزوج اليوم واحدة ، ويطلق غدا أخرى ، فلم يزل كذلك حتى مات على فراشه » (4).

خاتمة

يتّضح من خلال هذا البحث العلمي النقدي أنّ شبهة "كثرة زواج وطلاق الإمام الحسن عليه السلام" لا تمتّ إلى الواقع بصلة، بل هي دعوى مفبركة لا تقوم على أساس صحيح من النقل أو العقل. وقد ثبت بما لا يقبل الشك أن الأدلّة التي استند إليها مثيرو هذه الشبهة إما ضعيفة السند، أو مخالفة لمقام العصمة، أو متناقضة مع السيرة المعروفة للإمام الحسن عليه السلام في الحكمة، والورع، والعفة، وتحمل هموم الأمة.

إنّ الهدف من هذه التهمة كان واضحًا: تشويه صورة إمام معصوم من أهل البيت عليهم السلام، والإساءة إلى رموز الرسالة المحمدية، والحطّ من مكانتهم التي جعلها الله لهم. وقد لعبت الدوافع السياسية دورًا محوريًا في اختلاق هذه الفرية، خصوصًا في عهد العباسيين، كما أشار إلى ذلك المحقق الشيخ باقر شريف القرشي، حيث كانت السلطة ترى في الحسن المجتبى عليه السلام وأبنائه تهديدًا مباشرًا لشرعيتهم.

لقد أثبت هذا البحث أن مثل هذه الشبهات لا تصمد أمام النقد العلمي الرصين، ولا يمكن تمريرها على من يعرف قدر أهل البيت عليهم السلام ويدرك طبيعة سيرهم وسلوكهم، الذين هم ورثة النبوة، ومصابيح الهدى، ومراجع الأمة في الدين والأخلاق. ومن هنا، فإن مسؤولية التصدي لمثل هذه الدعاوى تقع على عاتق العلماء والباحثين، ليُزيلوا الغبار عن الحقائق، ويُفشلوا محاولات التشويه، ويُحيوا تراث الأئمة عليهم السلام صافياً نقيًّا كما أراده الله ورسوله.

وبهذا نخلص إلى أنّ ما نُسب إلى الإمام الحسن عليه السلام من كثرة الزواج والطلاق، ليس إلا وهمًا شُحن بالحقد والجهل والتضليل، ولا يصح أن يكون مادة للطعن في إمامته أو شخصه الشريف. بل الإمام الحسن عليه السلام يبقى مثالًا أعلى في العفة، والحكمة، والقيادة الربانية، كما يليق بسيدٍ من سادة أهل الجنة، وسبطٍ من سبطي رسول الله صلى الله عليه وآله.

ـــــــــــــــــــــــــــــــ

1. الكافي / الشيخ الكليني / المجلّد : 6 / الصفحة : 56 / - ط الاسلامية.

2. عوالي اللئالي / ابن أبي جمهور / المجلّد : 2 / الصفحة : 261.

3. الكافي / الشيخ الكليني / المجلّد : 6 / الصفحة : 54 / - ط الاسلامية.

4. حياة الإمام الحسن بن علي عليهما السلام دراسة وتحليل / باقر شريف القرشي / المجلّد : 2 / الصفحة : 452.