emamian

emamian

الثلاثاء, 06 أيار 2025 04:06

أهمّية الوقوف على عيوب النفس

"يتّصف الإنسان - بشكل طبيعيّ - بحبّ الذات ولا يرغب في أن يرى في نفسه نقصاً، أو عيباً، أو ذنباً. وحتّى عندما يرتكب المعصية في العلن، فهو يختلق لنفسه المبرّرات ويحاول إقناعها بأنّه يمتلك الحقّ في هذا التصرّف، أو عندما يكون غير مطّلع على أمر وقد سُئل عنه فهو يحاول الإجابة بشكل لا يَشعر معه المقابلُ بجهله، كي لا يقول صراحة: لا أعلم!
 
"وهذا السلوك يدلّ على أنّ الإنسان بطبيعته شديد الحبّ لنفسه، ولا يودّ أن يقف على عيوبه. ولذا فعندما يعيبه أحدٌ مّا فإنّ أوّل ما يتبادر إلى ذهنه هو أنّ هذا الشخص يكذب وأنّني بريء من هذا العيب. فكثيراً ما توجد في المرء عيوب تكون غائبة عن باله, لأنّ من جملة حيل النفس - التي تُعدّ موجوداً عجيباً إلى أبعد الحدود - هي سترها لعيوب الإنسان ونقائصه حتّى عن نفسه، فهي أحياناً تجعل الأمر مشتبهاً على الإنسان نفسه فتُظهر نفسه له بشكل لا يُصدّق معه أنّه إنسان سيّئ.
 
ومن هنا يقول أبو جعفر الإمام الباقر (عليه السلام): "فَكِّرْ فِيمَا قِيلَ فِيكَ"[1]، أي: إنّ وجود هذا العيب فيك أو عدمه مبهم بعض الشيء حتّى بالنسبة لك، وقد لا تُصدّق بوجوده من دون تفكير وتأمّل، فإنّ الكثير من الرذائل كالحسد، والتكبّر، والأنانية موجودة، وإن كانت بمراتب ضعيفة، عند كثير من الناس لكنّهم غير مصدّقين بذلك"[2].
 
إن ضرورة التفكّر للوقوف على عيوب النفس، يحتّم علينا ويوجّهنا للسير برحلة البحث في كتاب الله تعالى ويوصلنا إلى قوله سبحانه: ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنفُسَهُمْ بَلِ اللّهُ يُزَكِّي مَن يَشَاء وَلاَ يُظْلَمُونَ فَتِيلاً﴾[3]، قال الراغب الأصفهاني: "أصل الزكاة النمو الحاصل من بركة الله تعالى - إلى أن قال -: وتزكية الإنسان نفسه ضربان: أحدهما: بالفعل وهو محمود، وإليه قصد بقوله: قد أفلح من تزكى، والثاني بالقول كتزكيته لعدل غيره، وذلك مذموم أن يفعل الإنسان بنفسه، وقد نهى الله تعالى عنه فقال: لا تزكوا أنفسكم، نهيه عن ذلك تأديب لقبح مدح الإنسان نفسه عقلاً وشرعاً، ولهذا قيل لحكيم: ما الذي لا يحسن وإن كان حقّاً؟ فقال: مدح الرجل نفسه"[4].
 
وفي هذا الموضع يطيب لنا أن ننقل كلاماً نفيساً لصاحب تفسير الميزان العلامة الطباطبائي (أعلى الله مقامه) حيث يقول: "قوله تعالى: ﴿بَلِ اللّهُ يُزَكِّي مَن يَشَاء وَلاَ يُظْلَمُونَ فَتِيلاً﴾ إضراب عن تزكيتهم لأنفسهم، وردّ لهم فيما زكوه، وبيان أنّ ذلك من شؤون الربوبية يختص به تعالى، فإن الإنسان وإن أمكن أن يتصف بفضائل، ويتلبّس بأنواع الشرف والسؤدد المعنوي غير أن اعتناءه بذلك واعتماده عليه لا يتم إلا بإعطائه لنفسه استغناء واستقلالاً، وهو في معنى دعوى الألوهية والشركة مع رب العالمين، وأين الإنسان الفقير الذي لا يملك لنفسه ضرّاً ولا نفعاً، ولا موتاً ولا حياة والاستغناء عن الله سبحانه في خير أو فضيلة؟ والإنسان في نفسه وفي جميع شؤون نفسه، والخير الذي يزعم أنه يملكه، وجميع أسباب ذلك الخير، مملوك لله سبحانه محضاً من غير استثناء، فماذا يبقى للإنسان؟ وهذا الغرور والإعجاب الذي يبعث الإنسان إلى تزكية نفسه هو العجب الذي هو من أمهات الرذائل، ثم لا يلبث هذا الإنسان المغرور المعتمد على نفسه دون أن يمس غيره، فيتولّد من رذيلته هذه رذيلة أخرى، وهي رذيلة التكبّر، ويتمّ تكبّره في صورة الاستعلاء على غيره من عباد الله، فيستعبد به عباد الله سبحانه، ويجري به كل ظلم وبغي بغير حق وهتك محارم الله وبسط السلطة على دماء الناس وأعراضهم وأموالهم، وهذا كله إذا كان الوصف وصفاً فردياً، وأما إذا تعدّى الفرد وصار خلقاً اجتماعياً وسيرة قومية، فهو الخطر الذي فيه هلاك النوع وفساد الأرض، وهو الذي يحكيه تعالى عن اليهود إذ قالوا: ﴿لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ﴾[5].
 
فما كان لبشر أن يذكر لنفسه من الفضيلة ما يمدحها به سواء كان صادقاً فيما يقول أو كاذباً لأنّه لا يملك ذلك لنفسه لكن الله سبحانه لمّا كان هو المالك لما ملّكه، والمعطي الفضل لمن يشاء وكيف يشاء كان له أن يزكّي من شاء تزكية عملية بإعطاء الفضل وإفاضة النعمة، وأن يُزكّي من يشاء تزكية قولية يذكره بما يمتدح به، ويشرفه بصفات الكمال كقوله في آدم ونوح..."[6].
 


[1] بحار الأنوار- العلامة المجلسي- ج75- ص 162.
[2] من محاضرة لسماحة آية الشيخ مصباح اليزدي (رضوان الله عليه) ألقاها بتاريخ 6 آب 2011م.
[3] القرآن الكريم، سورة النساء، الآية: 49.
[4] الحسين بن محمد بن المفضل، مفردات ألفاظ القرآن، ج 1، ص 436 ــ 437، ط: دار القلم، دمشق.
[5] القرآن الكريم، سورة آل عمران، الآية: 75.
[6] العلامة السيد محمد حسين الطباطبائي، تفسير الميزان، تفسير سورة النساء، الآية 49، ج 4، ص 373.

الثلاثاء, 06 أيار 2025 04:06

الإسلام دين العمل والجهاد

 الإسلام دين العمل، وهو يؤكد من خلال النصوص القرآنية على ارتباط مصير البشرية بعملها.

﴿وَأَن لَّيْسَ لِلْإِنسَانِ إِلَّا مَا سَعَى﴾([1]) .

  ﴿فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَه﴾([2]).

فعندما تسود ذهنية ارتباط مصير الأمة بعملها تسعى الأمة إلى الاعتماد على طاقاتها كما حصل مع المسلمين الأوائل فانبثقت في وجدانه الثقة القوية بالنفس مما دفعه إلى ساحات الجهاد دون أن يخشى أي قوة آنذاك، لكن اعترت هذه التعاليم بمرور الزمن أنواع الشوائب والانحرافات، حتى فشت الأفكار التي تستهين بالعمل، تاركة كل الأفكار الواقعية والمنطقية.

نماذج من انحراف مفهوم العمل‏
أ- الحظ: من الأفكار التي سرت في مجتمعاتنا رغم أنها لا تعتمد على منطق علمي أو فلسفي أو قرآني([3]).

ب- انتصار الباطل في صراعه مع الحق: وهي فكرة تشاؤمية مستشرية في مجتمعاتنا، ترى أن أي معاملة أو حركة ملتزمة بمعايير الصدق والإنصاف لا يمكن لها أن تحقق أي مكاسب مادية، وهذا يناقض النظرة الإسلامية التي ركزت على ضرورة النظرة التفاؤلية لمسيرة العالم، وأنه لا يمكن تصور نظام أحسن من النظام الموجود.
  ﴿الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَه﴾([4]).

  ﴿قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى﴾([5]).
 
 وقد خلق الله الإنسان مختارا يمكنه الانحراف يمنة أو يسرة، ويستتبع هذا الاختيار انحراف جماعة عن جادة الحق والعدل، وهنا تتحمل المجموعة الصالحة مسؤولية مقارعة المنحرفين، وهي تحظى في نفس الوقت بإسناد رب العالمين، وليس للباطل سوى جولة سرعان ما يتراجع بعدها أمام الحق، وأجمل تمثيل لصراع الحق مع الباطل نجده في القرآن الكريم:
 
  ﴿أَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَدًا رَّابِيًا وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي النَّارِ ابْتِغَاء حِلْيَةٍ أَوْ مَتَاعٍ زَبَدٌ مِّثْلُهُ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللّهُ الْحَقَّ وَالْبَاطِلَ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاء وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الأَرْضِ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللّهُ الأَمْثَال﴾([6]) .

فالزبد الذي يمثل الباطل يذهب جفاء أمام الحق، وهذا هو قانون الخليقة، بينما تسري بيننا أحاديث مشككة في جدوى الكفاح من أجل إحقاق العدل والحق، دون أن ندخل في تجربة كفاحية عملية واحدة.
 
 ج- وجود مجدد على رأس كل سنة: وهذه فكرة خاطئة وهي تعتمد على حديث واه السند يقول: "إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها"([7]).
 
 وقد راجت هذه الفكرة في الفكر السني قديما ودخلت الفكر الشيعي في القرن الحادي عشر، حيث وصف الشيخُ البهائي الشيخ َ الكليني بأنه مجدد المذهب في القرن الثالث، ثم أُطلق بعد ذلك هذا اللقب على المجلسي الثاني في القرن الثاني عشر، وعلى الوحيد البهبهاني في القرن الثالث عشر، وعلى الميرزا الشيرازي في القرن الرابع عشر الهجري.
 
 ومن الغريب في هذه الفكرة أنها لماذا لم تعتبر النوابغ الذين برزوا في أواسط القرون كالشيخ الطوسي مثلا من المجددين، وكأن ذنبهم الوحيد أنهم لم يظهروا على رأس القرن الهجري.
 
والملاحظ على هذه الفكرة أنها تعفي أفراد المجتمع ككل من التجديد، وتلقي بالمسؤولية على عاتق رجل واحد من بين أفراد معينين على رأس كل قرن، بينما نجد القرآن الكريم عندما يتحدث عن فكرة التغيير يلقي بالمسؤولية على عاتق الجميع.
 
  ﴿إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ﴾([8]).
 
 فتغيير المجتمع الإنساني مرتبط بتغيير المحتوى الداخلي لأفراد ذلك المجتمع وأن يكونوا مستعدين لمثل هذا التغيير، وليست فكرة التجديد الأحادي هذه إلا لصرف الأمة عن التفكير بعلاج مشاكلها وانحرافها وانتظار من يقوم عنها بهذا الدور.
  
 جذور انحراف مفهوم العمل‏
 بدأ انحراف مفهوم العمل كما يحدثنا التاريخ عند ظهور فكرة الإرجاء([9]) على يد أناس غارقين في بحر الرذيلة، وقد تبنت هذه الفكرة السلطة الحاكمة في العهد الأموي، وراحت تفرق بين الإيمان والعمل مؤكدة على أهمية ما يضمره المرء في قلبه من إيمان مستهينة بكل ما يصدر منه من أعمال.
 
  مدرسة أهل البيت (عليهم السلام) في وجه التحريف‏
 لقد وقف الأئمة الأطهار (عليهم السلام) في وجه كل انحراف ظهر بعد وفاة الرسول الأكرم محمد (صلى الله عليه وآله)، بما في ذلك انحرافات المرجئة، ومفهوم انفصال الإيمان عن العمل والاستهانة بالعمل، وما وصلنا من أحاديث عنهم عليهم السلام يكشف عما خاضوه من حرب فكرية تهدف إلى إحباط كل محاولات المسخ والتشويه في الدين الإسلامي.
 
 وأما مواجهتهم لفكرة العمل المشوهة، فلاحظ ما ورد عنهم) عليهم السلام) من حثّ وتأكيد على العمل وعدم فصله عن الإيمان:
 
 1- عن الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام): "... وإني لمن قوم لا تأخذهم في الله لومة لائم، سيماهم سيما الصديقين... لا يستكبرون ولا يعلون ولا يغلّون، ولا يفسدون، قلوبهم في الجنان، وأجسادهم في العمل" ([10]).

2-وعنه (عليه السلام): "المؤمن بعمله" ([11]).

3- وسئل علي (عليه السلام): الإيمان قول وعمل أم قول بلا عمل؟ فقال: "الإيمان تصديق بالجنان، وإقرار باللسان، وعمل بالأركان، وهو عمل كله". ([12])

4- وعن الإمام محمد بن علي الباقر (عليهما السلام): " إن ولايتنا لا تدرك إلا بالعمل" ([13]).

وعن الإمام جعفر بن محمد الصادق (عليهما السلام): "الإيمان عمل كله" ([14]).

5- وعنه (عليه السلام): "ملعون من قال الإيمان قول بلا عمل" ([15]) .

وهناك الكثير من الروايات التي تؤكد على مفهوم العمل، وأن الإيمان عمل كله، وجعله المعيار لتقييم خلوص الإنسان وقربه من الله.
 


([1]) القرآن الكريم، سورة النجم، الآية:39.
([2]) القرآن الكريم، سورة الزلزلة: 87.
([3]) يستشهد الأستاذ بأمثلة من الأدب الفارسي تركز على فكرة الحظ وتربطه بصير الإنسان.
([4]) القرآن الكريم، سورة السجدة، الآية: 7.
([5]) القرآن الكريم، سورة طه، الآية: 50.
([6]) القرآن الكريم، سورة الرعد، الآية: 17.
([7]) مستدرك سفينة البحار، الشيخ علي النمازي الشهرودي، ج3، ص409.
([8]) القرآن الكريم، سورة الرعد، الآية:  11.
([9]) يقول المرجئة "لا تضر مع الإيمان معصية كما لا تنفع مع الكفر طاعة"، "إن الإيمان هو الاعتقاد بالقلب وإن أعلن الكفر بلسانه، وعبد الأوثان، و...ومات على ذلك فهو مؤمن كامل الإيمان عند الله عز وجل، ولي لله عز وجل، من أهل الإيمان".
([10]) نهج البلاغة ج‏2، ص 160159.
([11]) غرر الحكم، 14.
([12]) بحار الأنوار، ج‏66، ص‏74.
([13]) الكافي، ج‏2، ص‏75.
([14]) الكافي، ج‏2، ص‏34.
([15]) بحار الأنوار، ج‏66. ص‏19.

الثلاثاء, 06 أيار 2025 04:05

طرق التمسك بالحق ومواجهة الباطل

بعد الاعتراف بوجود الحق والباطل ومعرفة تأثير كل منهما في تقرير مصير الفرد والمجتمع، علينا الآن أن نفكر جيداً: كيف يجب أن نكون أمام الحق والباطل؟

وعلى أي أساس نتخذ مواقفنا لكي نبلغ النضج والتكامل الحقيقي؟

ان الإجابة الصحيحة والشافية عن هذه الأسئلة يطرحها "نهج البلاغة" ضمن المواضيع الاتية:
 
1 ضرورة الوعي: ترتبط درجة نضج الفرد والمجتمع وتكاملهما ارتباطاً كاملاً بدرجة وعيهما ومعرفتهما الحق والباطل والحقائق، فالصحة النفسية والأخلاقية للفرد والمجتمع شأنها شأن الصحة والسلامة الجسدية فهي ترتبط مباشرة بمعرفة عوامل الصحة وسبل مكافحة الأمراض المختلفة.

اذن، ينبغي قبل كل شي‏ء التوصل الى المعرفة والوعي اللازم.

يقول الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام): "وَكَفى بِالمَرءِ جَهْلاً أَلاّ يَعرِفَ قَدرَهُ"([1]).
 
2 التزام الحق: بعد معرفة الحق من الباطل واكتساب الوعي اللازم، علينا التزام الحق والحقيقة والابتعاد عن الباطل. ان التزام الحق يعني السعي اليه والعمل به وعدم الخوف من أية مشاكل تقف على هذا الطريق.

قال الإمام (عليه السلام): "أَفْضَلُ النّاسِ عِندَ اللّهِ من كانَ العَمَلُ بِالحَقّ‏ أَحَبّ‏ إِلَيهِ وَإنّ نَقَصَهُ وكَرّثَه، مِنَ الباطِلِ وَإِنْ جَرَّ إِلَيهِ فائِدَةً وَزادَهُ"([2]).

وفي عبارة أخرى يعلمنا أن الحق والحقيقة يجب ان يتخذا أساساً لعمل الانسان لكي ينال السعادة، فهو (عليه السلام) يقول: "... وَلْيَكُن أحَبّ‏ الأُمُورِ إِلَيكَ أَوْسَطُها في الحَقّ‏ وَأَعَمُّها في العَدلِ"([3]).
 
3 العمل: لا يكفي، في نظر "نهج البلاغة" معرفة الحق والحقيقة والميل اليهما، بل يجب أيضاً السعي للعمل بالواقع وتحقيقه وتطبيق الحق، والامتناع عن رفع الشعارات فقط. يقول الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام): "... وَاللّهِ لَهِيَ أَحَبّ‏ إِلَيّ‏ مِن إِمْرَتِكُم، إِلاّ أَنْ أقيمَ حَقّاً أَو أَدفَعَ باطِلاً"([4]).
 
4 مقارعة الباطل: بعد معرفة الباطل، يجب العمل من أجل مكافحته والقضاء عليه واستئصال جذروه لكي يمهد السبيل أمام تحقيق الحق ويتسع المجال لتحقق النضج والتكامل، يقول الإمام علي (‏عليه السلام): "وَأَيمُ اللّهِ لأَبقُرَنّ‏ الباطِلَ حَتّى أُخرِجَ الحَقّ‏ مِن خاصِرَتِهِ"([5]).
 
5 الانصياع للحق والحقيقة: بعد معرفة الحق والحقيقة، لا بد من التزامهما وتحقيقهما، ويجب عدم رفع لواء معارضة الحق والحقيقة، أو مناوءة القوانين السائدة في نظام الخلق، يقول الامام علي (عليه السلام): "مَنْ أبدى صَفْحَتَهُ للِحَقّ‏ هَلَكَ"([6]).

بعد ذلك يشير الى زوال القيم وانهيارها لدى الأمم السالفة فيقول ‏(عليه السلام): "... فَإِنّما أَهَلَكَ مَن كانَ قَبلَكُمْ أَنَّهُمْ مَنعُوا النّاسَ الحَقّ‏ فاشتَرَوهُ، وَأَخَذُوهُم بالباطِلِ فَافْتَدَوهُ"([7]).
 
6 التحرك ضمن حدود الحق: بعد معرفة الحقائق والانصياع للحق، علينا إدراك حقيقة أساس مفادها أن الحركة التكاملية لا تتحقق إلا ضمن حدود الحق وفي إطاره، ولن تكون نتيجة أي صراع مع الحق، أو تقدم عليه، أو تجاوزه إلاّ الهلاك والتعاسة، لذا لا بد من معرفة حدود الحق والحقيقة، واحترامها. يقول الإمام علي (عليه السلام): "مَنْ تَعَدَّى الحَقّ‏ ضاقَ مَذهَبُهُ"([8]).
 
7 محاربة أنصار الباطل: مثلما كان علينا القضاء على الباطل، ومكافحة المفاسد، علينا أيضاً محاربة انصار الباطل ومكافحتهم، لكي لا يتمكنوا من طرح الباطل من جديد، واشاعة الأفكار الباطلة، يقول الإمام علي (عليه السلام): "... وَلَعَمري ما عَلَيّ‏ مِن قِتالِ مَن خالَفَ الحَقّ‏ وَخابَطَ الغَيّ‏ مِن إدهانٍ وَلا إيهانٍ"([9]).
 
8 معرفة مُثلُ الحق الكاملة: بعد معرفة الحق والباطل، فإن لمعرفة مثل الحق الكاملة اثاراً تربوية كثيرة، لأن الناس بحاجة الى المثال الكامل الحق في عملية بناء الذات واصلاح السلوك الفردي والاجتماعي، اذ باطاعته واتباعه يبلغ السعادة وينجو من الانحراف.

والامام علي (عليه السلام) يصف بهذا الشأن نبي الإسلام والأئمة الحقيقيين بأنهم مُثل الحق الكاملة، فيقول: "... أَرسَلَهُ داعِياً إِلى الحَقّ‏ وشاهِداً عَلَى الخلقِ"([10]).

ويقول عن أهل بيت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): "وَبَينَكُم عِترَةُ نَبيكُم وَهُم أَزِمَّةُ الحَقّ‏ وَأَعلامُ الدّينِ"([11]).
 
وبذلك لن يواجه البشر مشكلة في السير على طريق التكامل ومحاربة الباطل والزيف، إذ أن الحق والحقيقة قائمان، ومعرفتهما أمر ممكن، كما أن مثل الحق الكاملة تدلنا دوماً على الفضائل وتحذرنا من الرذائل، وتدل البشرية على سبيل اتباع الحق ومقارعة الباطل. يقول الإمام علي (عليه السلام) بهذا الشأن: "الذّليلُ عِندِي عَزِيزٌ حَتّى اخُذَ الحَقّ‏ لَهُ، وَالقَويّ‏ عِندي ضَعِيفٌ حَتى اخُذَ الحَقّ‏ مِنه"([12]).
 


([1]) الخطبة 16.
([2]) الخطبة 125.
([3]) الخطبة 53.
([4]) الخطبة 33.
([5]) الخطبة 104.
([6]) الخطبة 16.
([7]) الرسالة 79.
([8]) الرسالة 31.
([9]) الخطبة 24.
([10]) الخطبة 116.
([11]) الخطبة 87.
([12]) الخطبة 37.

أوصى الإسلام بنظم الأمور في مختلف جوانب الحياة الإنسانيّة، بأبعادها الفرديّة والاجتماعيّة. ويتجلّى الالتزام بالنظام والانضباط، من خلال التربية والالتزام بتعاليم الإسلام التي جاءت لتنظيم الحياة الإنسانيّة وتأمين السعادة للمجتمع البشري كلّه، وهو ما أشار إليه أمير المؤمنين عليه السلام في وصيّته، حيث قرن التقوى، الّتي تعبّر عن أعلى مراتب الإيمان، بنظم الأمر, فلا يمكن أن يكون الإنسان مؤمناً تقيّاً دون أن يربّي نفسه على الالتزام بالحقوق والواجبات تجاه الله والناس، وإلّا لابتلي بالنفاق والكذب.
 
أوّلاً: النظم في الحياة الشخصيّة
وتشتمل الحياة الشخصيّة للإنسان على النظافة والصحّة وترتيب اللباس...
 
أ- التجمّل للإخوان
كان النبيّ محمد (صلى الله عليه وآله وسلم)، كلّما أراد الخروج إلى المسجد أو إلى لقاء أصحابه ينظر في المرآة ويرتّب شعره ويتعطَّر، وكان يقول: "إنّ الله يحبُّ من عبده إذا خرج إلى إخوانه أن يتهيَّأ لهم ويتجمَّل"[1].
 
ب- النظافة
رعاية الطهارة والنظافة، فعن الإمام علي الرضا (عليه السلام) أنّه قال: "من أخلاق الأنبياء التنظّف والتطيّب"[2].
 
ج. تسريح الشعر والسواك
اهتمّ الإسلام بالمظهر الخارجيّ للإنسان، فأمر بترتيب اللباس وعدم إطالة الشعر وقصّ الأظافر والاستياك...
 
فعن الإمام جعفر الصادق (عليه السلام): "استأصل شعرك يقلّ درنه ودوابّه ووسخه وتغلظ رقبتك ويجلو بصرك"[3]،
 
وعن الإمام علي الرضا (عليه السلام) في تفسير ﴿خُذُواْ زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ﴾: "من ذلك التمشيط عند كلّ صلاة"[4].
 
وعن الإمام جعفر الصادق (عليه السلام) أنّه قال: "من أخلاق الأنبياء، السواك"[5].
 
د. الزينة و اللباس الحسن
"كان أبو عبد الله عليه السلام متّكئاً عليَّ، فلقيه عبّاد بن كثير - وكان من الزهّاد المرائين -، وعليه ثياب مرويّة حِسَان، فقال: يا أبا عبد الله، إنّك من أهل بيت النبوّة... فما لهذه الثياب المزيَّنة عليك؟! فلو لبست دون هذه الثياب، فقال له أبو عبد الله (عليه السلام): "ويلك يا عبّاد! مَنْ حرّم زينة الله التي أخرج لعباده والطيّبات من الرزق؟! إنّ الله عزّ وجلّ إذ أنعم على عبد نعمة، أحبَّ أن يراها عليه"[6].
 
وكان النبيّ محمد (صلى الله عليه وآله وسلم)، كلّما أراد الخروج إلى المسجد أو إلى لقاء أصحابه ينظر في المرآة ويرتِّب شعره ويتعطَّر، وكان يقول: "إنّ الله يحبُّ من عبده إذا خرج إلى إخوانه أن يتهيَّأ لهم ويتجمَّل"[7].
 
ثانياً: النظم في العلاقات الاجتماعيّة
أ. المسؤوليّة الاجتماعيّة
المسلم مسؤول عن إصلاح نفسه وأفراد مجتمعه وتحصينهما، قال تعالى: ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ..﴾[8]
 
ومن الإصلاح الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وحفظ النظام العامّ، والمساهمة والحضور الاجتماعيّ.
 
ب- المسؤوليّة العائليّة
- الآباء تجاه الأبناء
من نواحٍ مختلفة، جسديّة، نفسيّة، إيمانيّة...
قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ﴾[9].
 
وعن رسول الله محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) أنّه قال: "كلّكم راعٍ، وكلّكم مسؤول عن رعيّته"[10].
 
وعن الإمام جعفر الصادق (عليه السلام) أنّه قال: "ما من مولود يولد إلّا على الفطرة، فأبواه اللذان يهوّدانه وينصّرانه ويمجّسانه"[11].
 
وعن أمير المؤمنين (عليه السلام) أنّه قال: "علّموا صبيانكمما ينفعهم الله به، لا تغلب عليهم المرجئة برأيها"[12].
 
- الأبناء تجاه آبائهم
قال تعالى: ﴿وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا وَإِن جَاهَدَاكَ لِتُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ﴾[13]، وقال سبحانه: ﴿وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ ِحْسَانًا﴾.[14]
 
- الزوجان، تجاه بعضهما
عن رسول الله  (صلى الله عليه وآله وسلم) أنّه قال: "أوصاني جبرئيل عليه السلام بالمرأة، حتّى ظننت أنّه لا ينبغي طلاقها، إلّا من فاحشة مبيّنة"[15].
 
وفي جوابه  (صلى الله عليه وآله وسلم) عن سؤال خولة بنت الأسود حول حقّ المرأة، قال: "حقّك عليه أن يطعمك ممّا يأكل، ويكسوك ممّا يلبس، ولا يلطم، ولا يصيح في وجهك"[16].
 
وفي مسؤوليّة الزوجة، يقول أمير المؤمنين (عليه السلام): "خير نسائكم الخَمْس[17]"، قيل: يا أمير المؤمنين، وما الخمس؟ قال: "الهيّنة، الليّنة، المؤاتية، الّتي إذا غضب زوجها لم تكتحل بغمض حتّى يرضى، وإذا غاب عنها زوجها حفظته في غيبته، فتلك عامل من عمّال الله، وعامل الله لا يخيب"(163).
 
- تجاه الأرحام والأصدقاء والجيران
قال تعالى: ﴿وَاعْبُدُواْ اللّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى﴾[18].
 
وعن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أنّه قال: "ما زال جبرائيل يوصيني بالجار، حتّى ظننت أنّه سيورِّثه"[19].
 
ج. تنظيم الوقت
إنّ الاستفادة الصحيحة من الوقت هي من أهمِّ الأمور التي توجب نجاح الإنسان في أموره الاجتماعيّة، فالانضباط والعمل موجب للاستفادة من طاقة الإنسان واستثمار النتائج.
عن الإمام موسى الكاظم (عليه السلام) أنّه قال: "اجتهدوا في أن يكون زمانكم أربع ساعات: ساعة لمناجاة الله، ساعة لأمر المعاش، ساعة لمعاشرة الإخوان والثقات الذين يعرِّفونكم عيوبكم ويخلصون لكم في الباطن، ساعة تختلون فيها للذَّاتكم في غير محرَّم"[20].
 


[1] نهج البلاغة، مصدر سابق، ص421.
[2] الشيخ الطبرسيّ، مكارم الأخلاق، مصدر سابق، ص35.
[3] الشيخ الكلينيّ، الكافي، مصدر سابق، ج5، ص567.
[4] المصدر نفسه، ج6، ص484.
[5] القرآن الكريم، سورة الأعراف، الآية 31.
[6] الشيخ الكلينيّ، الكافي، مصدر سابق، ج6، ص489.
[7] المصدر نفسه، ج6، ص462.
[8] القرآن الكريم، سورة الحجرات، الآية 10.
[9] المصدر نفسه، ج3، ص348
[10] الحرّ العامليّ، وسائل الشيعة، مصدر سابق، ج5، ص11.
[11] القرآن الكريم، سورة الحجرات، الآية 10.
[12] القرآن الكريم، سورة التحريم، الآية 6.
[13] العلّامة المجلسيّ، بحار الأنوار، مصدر سابق، ج72، ص38.
[14] القرآن الكريم، سورة الإسراء، الآية 23.
[15] الشيخ الصدوق، من لا يحضره الفقيه، مصدر سابق، ج2، ص49.
[16] الشيخ الصدوق، الخصال، مصدر سابق، ص614.
[17] القرآن الكريم، سورة العنكبوت، الآية 8.
[18] القرآن الكريم، سورة الإسراء، الآية 23.
[19] الشيخ الكلينيّ، الكافي، مصدر سابق، ج5، ص512.
[20] الشيخ الطبرسيّ، مكارم الأخلاق، مصدر سابق، ص218.

أجرى وزير الخارجية الإيراني  عباس عراقجي، الذي وصل فجر الإثنين، إلى إسلام آباد على رأس وفد رسمي، سلسلة لقاءات مهمة مع كبار المسؤولين الباكستانيين، تناولت العلاقات الثنائية والقضايا الإقليمية والدولية ذات الاهتمام المشترك.

لقاء وزير الخارجية الإيراني بنظيره الباكستاني

وفي صباح الإثنين، التقى عراقجي بالسيد محمد إسحاق دار، نائب رئيس الوزراء ووزير خارجية باكستان، في مقر وزارة الخارجية الباكستانية، حيث عقد الجانبان محادثات ثنائية شاملة.

وبحث الجانبان آخر مستجدات العلاقات بين البلدين الجارين وسبل تعزيزها في مختلف المجالات. وأشار وزير الخارجية الإيراني إلى العلاقات الجيدة التي تربط إيران بباكستان منذ تأسيس هذه الدولة، مذكراً بالروابط الثقافية والحضارية والتاريخية العميقة بين الشعبين، ومؤكداً عزم الجمهورية الإسلامية الإيرانية على الاستفادة من هذه الأرضيات المهمة لتعميق وتوسيع العلاقات بين البلدين في إطار نهج حسن الجوار.

كما شدد على الأهمية الاستراتيجية للسلام والاستقرار في المنطقة لكل من إيران وباكستان، مؤكداً على الموقف المبدئي للجمهورية الإسلامية الإيرانية بضرورة الحيلولة دون تصاعد التوتر في منطقة غرب آسيا وشبه القارة الهندية.

من جهته، أعرب وزير الخارجية الباكستاني عن سعادته باستمرار العلاقات الجيدة والودية بين البلدين، مؤكداً على أهمية تعزيز التفاعلات الثنائية والمتعددة الأطراف لتحقيق المصالح المشتركة للشعبين.

كما تطرق اللقاء إلى التطورات المتعلقة بالقضية الفلسطينية ومنطقة غرب آسيا، مع تأكيد الجانبين على ضرورة تحرك الدول الإسلامية لوقف الإبادة الجماعية في غزة، ومنع تصاعد انعدام الأمن في المنطقة نتيجة الاعتداءات المتواصلة للكيان الصهيوني على لبنان وسوريا.

لقاء رئيس الوزراء الباكستاني

وفي إطار زيارته، التقى وزير الخارجية الإيراني، الإثنين، رئيس وزراء باكستان شهباز شريف، بحضور نائب رئيس الوزراء ووزير الخارجية محمد إسحاق دار.

تناول اللقاء طيفاً واسعاً من القضايا المدرجة على جدول أعمال العلاقات الثنائية، وشمل التعاون في مجالات السياسة والأمن والاقتصاد والتجارة والثقافة.

وأكد رئيس الوزراء الباكستاني خلال اللقاء عزم كبار المسؤولين في البلدين على تعزيز العلاقات والتنسيق المتزايد، خاصة على المستوى المتعدد الأطراف وفي المحافل الدولية، مشدداً على أهمية استثمار جميع الطاقات المتاحة لتحقيق هذا الهدف.

من جهته، أشار وزير الخارجية إلى اهتمام الرئيس الإيراني السيد مسعود بزشكيان بتطوير شامل للعلاقات مع دول الجوار، مؤكداً على المكانة الخاصة التي تحتلها باكستان في السياسة والعلاقات الخارجية الإيرانية، وعلى إرادة إيران في تطوير العلاقات مع هذا البلد الجار والشقيق المسلم.

كما لفت عراقجي إلى الفرص والتحديات المشتركة التي تواجه البلدين، مشدداً على أهمية استمرار التواصل والتشاور بين كبار المسؤولين على مختلف المستويات للاستفادة من هذه الفرص وتحقيق المصالح المشتركة ومواجهة التحديات.

وأشار وزير الخارجية الإيراني أيضاً إلى استمرار جرائم القتل والإبادة الجماعية التي يمارسها الكيان الصهيوني في غزة والضفة الغربية، واعتداءاته المتكررة على سيادة ووحدة أراضي لبنان وسوريا، محذراً من الأهداف الخبيثة لهذا الكيان في جرّ المنطقة نحو الحرب وتعريض أمنها واستقرارها للخطر.

كما أعرب عن شكره لمواقف حكومة وشعب باكستان في دعمهم وتضامنهم مع الشعب الفلسطيني المظلوم، مؤكداً على ضرورة التشاور والتنسيق بين الدول الإسلامية المؤثرة، وخاصة في إطار منظمة التعاون الإسلامي، لاتخاذ موقف موحد ومنسجم ضد انتهاكات الكيان الصهيوني للقانون.

لقاء رئيس جمهورية باكستان

وفي مساء اليوم نفسه، التقى وزير الخارجية الإيراني بالسيد آصف علي زرداري، رئيس جمهورية باكستان، ضمن برنامج زيارته إلى إسلام آباد.

ووصف الرئيس الباكستاني خلال اللقاء العلاقات الثنائية بين إيران وباكستان بأنها علاقات متميزة، تقوم على حسن الجوار والمصالح المشتركة بين الشعبين، وترتكز على روابط الصداقة العميقة، مؤكداً حرص حكومته على توسيع العلاقات في جميع المجالات.

بدوره، أشار عراقجي إلى محادثاته البناءة مع رئيس الوزراء ووزير الخارجية الباكستاني، مؤكداً على إرادة إيران في متابعة تنفيذ الاتفاقات المبرمة بين البلدين في المجالات الاقتصادية والمصرفية والتجارية والأمنية والحدودية.

كما شرح وجهات نظر الجمهورية الإسلامية الإيرانية بشأن تطورات منطقة غرب آسيا، مشدداً على ضرورة تحرك فوري وفعّال من المجتمع الدولي، ومبادرة جدية من الدول الإسلامية لوقف المجازر بحق الشعب الفلسطيني الأعزل، ومحاكمة المسؤولين الصهاينة على جرائمهم الفظيعة.

وأوضح أن تقاعس منظمة الأمم المتحدة عن التصدي لخروقات إسرائيل، واستمرار دعم الولايات المتحدة وبعض الدول الغربية لهذا الكيان، أدى إلى تطبيع الجريمة وزعزعة أمن المنطقة.

لقاء قائد الجيش الباكستاني

وفي صباح اليوم ذاته، زار وزير الخارجية الإيراني مدينة راولبندي، المتاخمة للعاصمة، حيث التقى بالجنرال سيد عاصم منير، قائد الجيش الباكستاني.

وخلال اللقاء، تبادل الجانبان وجهات النظر حول آخر تطورات العلاقات الثنائية، والتعاون الحدودي، وتعزيز أمن الحدود المشتركة، كما تم التأكيد على ضرورة التعاون والتنسيق من أجل دعم الأمن والاستقرار في منطقة غرب آسيا وجنوب غرب آسيا.

الإمام الخامنئي، صباح اليوم الاحد خلال لقائه بالقيّمين على شؤون الحج و جمعٍ من الحجاج الإيرانيين، هدف الله من فرض فريضة الحج هو تقديم نموذج كامل و هادف لادارة البشرية و أوضح الإمام الخامنئي أنّه، إلى جانب الشكل و التركيب السياسي للحج، فإنّ مضمونه عبادي و معنويّ بالكامل؛ فكلّ شعيرة فيه تنطوي على رمز و تعليم يلامس قضايا الحياة الإنسانية و ضروراتها. مشددًا على أنّه لا توجد اليوم منفعة أعظم للأمّة الإسلامية من الاتّحاد، الذي لو تحقّق، لما وقعت مآسي غزّة و فلسطين، ولما تعرّض اليمن لهذا الحجم من الضغوط.

في بداية حديثه، عزّى الإمام الخامنئي مجدّدًا «عائلات ضحايا الحادثة الأليمة في بندر عباس»، داعيًا للمصابين وذويهم بالصبر و السكينة، و أكّد أنّ «الله يمنح الإنسان أجرًا عظيمًا و مضاعفًا آلاف المرات مقابل صبره على الحوادث المختلفة».

أشار سماحته إلى أنّ «الأضرار التي تلحق بالمؤسسات و المعدات في الحوادث الطبيعية أو غير الطبيعية يمكن تعويضها بفضل جهود و إمكانات المؤسسات الأخرى»، وأضاف: «لكن ما يُحرق قلب الإنسان هو فقدان العائلات لأعزائهم، و هذا ما حول الحادثة إلى مصيبة لنا جميعًا».

اعتبر قائد الثورة الإسلامية، الإمام الخامنئي، فهم أهداف الحج و أبعاده المتعدّدة هو مقدّمة ضرورية لأداء هذه الفريضة العظيمة على الوجه الصحيح. وأضاف: «إن تكرار استخدام تعبير «الناس» في العديد من آيات الحج يُظهر أن الباري قد شرّع هذه الفريضة لتنظيم شؤون البشرية جمعاء، لا المسلمين فقط، ومن هنا فإن إقامة الحج بالشكل الصحيح تُعدّ خدمة للإنسانية».

و في معرض تبيينه الأبعاد المعرفية للحج، أشار سماحته إلى أنّ الحج ربما يكون الفريضة الوحيدة التي تتّسم من حيث ظاهرها و تركيبها بأنها «سياسية بالكامل»، إذ يجتمع الناس سنويًا في مكان و زمان محدّدين لهدف مشترك و هو ما يحمل في طيّاته طابعًا سياسيًا واضحًا.

أوضح الإمام الخامنئي أنّه، إلى جانب الشكل و التركيب السياسي للحج، فإنّ مضمونه عبادي و معنويّ بالكامل؛ فكلّ شعيرة فيه تنطوي على رمز وتعليم يلامس قضايا الحياة الإنسانية و ضروراتها.

و في سياق شرحه لهذه الرموز، عدّ سماحته «الطواف» درسًا يجسّد أهمية الدوران حول محور التوحيد ومركزه، قائلاً: «الطواف يعلّم البشرية أن تُبنى شؤون الحكم، و الحياة، و الاقتصاد، و الأسرة، وكل جوانب الحياة، على أساس التوحيد، وإذا تحقّق ذلك، ستزول مظاهر القسوة، و قتل الأطفال، و الجشع، و يتحوّل العالم إلى جنة».

كما أشار قائد الثورة الإسلامية إلى أن «السعي بين الصفا والمروة» يرمز إلى ضرورة المثابرة في مواجهة التحديات، مؤكّدًا أن الإنسان ينبغي أن يواصل السعي بين جبال المصاعب، من دون توقّف أو تردّد أو حيرة.

ولفت الإمام الخامنئي إلى أنّ «التحرّك نحو عرفات والمشعر ومِنى» يحمل في طيّاته درسًا في الحركة المستمرة وتجنّب التوقف، و أضاف: «الأضحية أيضاً تحمل دلالة رمزية على هذه الحقيقة، وهي أنّ الإنسان قد يُضطر أحيانًا إلى التخلي عن أعزّ ما يملك، وأن يُقدِّم قربانًا، أو حتى يُضحِّي به».

و وصف سماحته «رمي الجمرات» بأنه تجسيد لتأكيد إلهي على ضرورة أن يعرف الإنسان شياطين الإنس و الجن، و أن يضربهم أينما وُجدوا ويسحقهم.

كما عدّ قائد الثورة الإسلامية «ارتداء لباس الإحرام» رمزًا للخشوع والتواضع، وتعبيرًا عن وحدة البشر في حضرة الله، مضيفًا: «جميع هذه الشعائر هي توجيه لمسيرة حياة الإنسان».

و استنادًا إلى آية من القرآن الكريم، رأى الإمام الخامنئي أنّ الهدف من اجتماع الحج هو «إدراك شتى أنواع المنافع الإنسانية و نيلها»، و قال: «اليوم، لا توجد منفعة أعظم من وحدة الأمّة الإسلامية. فلو كان هناك اتحاد و تنسيق و تآزر بين صفوف الأمّة الإسلاميّة، لما وقعت المآسي الجارية في غزّة وفلسطين، و لما تعرّض اليمن لكل هذا الضغط».

أشار سماحته إلى أنّ «التشرذم و الفرقة داخل الأمّة الإسلامية» يُمهّدان الطريق أمام هيمنة القوى الاستعمارية، من أمريكية  وصهيونية و سواها من المستكبرين، على مصالح الشعوب، و أضاف: «عندما تتحقّق وحدة الأمّة، يتحقّق معها الأمن و التقدّم و التآزر بين الدول الإسلامية، و يغدو من الممكن أن يمدّ بعضها يد العون لبعضها الآخر؛ يجب أن يُنظر إلى فريضة الحج بهذه النظرة».

كما أكّد الإمام الخامنئي أنّ «لدول العالم الإسلامي، و لا سيما الدولة المضيفة للحجاج، دورًا مهمًا و مسؤولية بارزة في توضيح حقيقة الحج و أهدافه»، و أضاف: «ينبغي على مسؤولي الدول و العلماء و المثقفين و الكتّاب و المؤثرين في الرأي العام أن يبيّنوا للناس حقائق الحج».

بمناسبة حلول العام الهجري الشمسي الجديد 1404، أطلق الإمام الخامنئي شعار "الاستثمار من أجل الإنتاج"، داعيًا إلى تعزيز الاقتصاد وتحسين معيشة الشعب. كما أكد سماحته على ضرورة تلاحم الأمّة الإسلامية لمواجهة جرائم الكيان الصهيوني.

بمناسبة حلول العام 1404 هـ.ش الذي يصادف عيد النوروز، وجّه الإمام الخامنئي بتاريخ 20/03/2025 خطابا إلى الشعب الإيراني. وتمنّى سماحته أن تشمل بركات ليالي القدر وعنايات أمير المؤمنين (ع) حال جميع الذين يبدأ عامهم الجديد بـ«النوروز»، معلنًا أن شعار العام الجديد هو «الاستثمار من أجل الإنتاج». وأكّد سماحته على وجوب تلاحم الأمّة الإسلاميّة في وجه جرائم الكيان الصهيوني، وأنّ معاودة الكيان الصهيوني الهجوم على غزّة جريمة كبيرة جدًّا ومفجعة، وهي تتمّ بضوء أخضر من أمريكا.

وفيما يلي نص الخطاب:

بسم الله الرّحمن الرّحيم

يا مُقلّبَ القلوبِ والأبصار، يا مُدبِّرَ اللّيلِ والنّهار، يا مُحوّلَ الحَولِ والأحوال، حَوّل حالَنا إلى أحسنِ الحال.

تتزامن بداية العام الجديد مع ليالي القدر وأيام استشهاد أمير المؤمنين (صلوات الله وسلامه عليه). نأمل أن تشمل بركات هذه الليالي وعنايات مولى المتقين (عليه الصّلاة والسّلام) على مدى العام، حال أهلنا الأعزّاء، وشعبنا، وبلدنا وجميع الذين يبدأ عامهم الجديد بـ«النوروز».

كان العام 1403 هـ. ش عامًا مليئًا بالأحداث. إنّ الأحداث التي يتوالى وقوعها في هذا العام، تشبه أحداث العام 1360 هـ. ش. التي حملت إلى أهلنا الأعزّاء مشقّاتٍ ومصاعب. في بدايات العام، استُشهد رئيس الجمهوريّة، محبوب الشعب الإيراني، المرحوم السيد رئيسي (رحمة الله عليه). قبل ذلك، استُشهد عددٌ من مستشارينا في دمشق، بعد ذلك وقعت أحداثٌ مختلفة في طهران ثمّ في لبنان، وفقدَ الشعب الإيراني والأمّة الإسلاميّة شخصيات ذوي مكانة. كانت هذه أحداثًا مريرة قد وقعت. إضافة إلى هذا، ضغطت المشكلات الاقتصاديّة على الناس طوال العام، وخاصّة في الشطر الثاني منه، وتسببت صعوبات المعيشة بمعاناة الناس. سادت هذه المصاعب العام كله، لكن في المقابل، برزت ظاهرة عظيمة ومذهلة، وهي إبراز قوّة الإرادة لدى الشعب الإيراني والروحيّة المعنويّة لديه، واتحاده واستعداداته ذات المستوى العالي. بدايةً، إزاء حادثة من قبيل فقد رئيس الجمهوريّة، والتشييع العظيم الذي سطّره الناس، والشعارات التي رددوها، والروحيّة العالية التي أبدوها، وعلى الرغم من هول هذه المصيبة، فقد عجزت عن إشعار الشعب الإيراني بالضعف، الذي تمكّن بسرعة من إجراء الانتخابات ضمن المهلة القانونيّة المحددة، وانتخاب رئيس الجمهوريّة الجديد، وتشكيل الحكومة، وإخراج العمل الإداري في البلاد من حالة الفراغ. هذه الأمور بالغة الأهميّة، وتكشف عن الروحيّة العالية والقدرات العظيمة والقوّة المعنويّة لدى الشعب الإيراني، وهي تستوجب شكر الله عليها؛ إضافة إلى هذه الأمور، فإنّ أحداث الأشهر الأخيرة، التي أصابت عددًا كبيرًا من إخوتنا في لبنان، إخوتنا في الدين وأشقائنا اللبنانيّين، استطاع الشعب الإيراني مدّ يد العون لهم برحابة صدر. إنّ ما حدث في هذا المجال، أي سيل المساعدات الشعبيّة بنحوٍ عجيب إلى إخوتهم اللبنانيّين والفلسطينيّين، لهو من الأحداث الخالدة التي لن تُنسى في تاريخ بلدنا، فالذهب الذي آثرت به سيداتنا ونساؤنا بسخاء وقدّمنه في هذا السبيل، وكذلك المساعدات التي قدّمها أهلنا ورجالنا، كلّها أمور مهمّة؛ إنها تثبت قوّة الإرادة لدى الشعب وعزمه الراسخ. هذه الروحيّة، وهذا الحضور، وهذا الاستعداد، وهذه القوّة المعنويّة، هي ذخرٌ لمستقبل البلاد وديمومة حياة إيراننا العزيزة. سوف تستفيد البلاد من هذا الذخر الاستفادة القصوى، إن شاء الله، وسيُواصل الله المتعالي أيضًا تفضّلاته على هذا الشعب.

طرحنا في العام المنصرم شعار «الطفرة الإنتاجيّة بمشاركة شعبيّة»، وكان ضروريًّا للبلاد، بل كان مصيريًّا بمعنى من المعاني. حالت مختلف الأحداث في العام 1403 هـ. ش دون تحقّق هذا الشعار بالمعنى الحقيقي للكلمة. طبعًا، بُذلت جهودٌ جيّدة، واستطاعت الحكومة، والناس، والقطاع الخاص، والمستثمرون، وروّاد الأعمال، استطاعوا إنجاز أعمال جيّدة. لكن ما تحقّق تفصله مسافة عمّا كان يُنتظر. لذا، فإنّ قضيّتنا الأساسيّة هذا العام أيضًا هي قضيّة الاقتصاد. ما سأطرحه هذا العام، وهو المنتظر من الحكومة الموقّرة والمسؤولين المحترمين وأهلنا الأعزّاء، هو مجدّدًا قضيّة اقتصاديّة؛ قضيتنا الاقتصاديّة ستكون أيضًا شعار هذا العام، وهي مرتبطة بالاستثمار في الاقتصاد، واحدة من القضايا المهمّة للاقتصاد في البلاد، هي الاستثمارات الإنتاجيّة. يحقّق الإنتاج طفرةً عندما يتمّ الاستثمار. طبعًا، يجب أن يجري الاستثمار من قِبل الناس بنحو أساسي، وأن تخطّط الحكومة لمختلف أساليبه. لكن، عندما لا يكون لدى الناس دافع أو قدرة على الاستثمار، فلا بدّ للحكومة من أن تخوض الميدان أيضًا، لا تحت عنوان التنافس مع الناس، بل كونها بديلًا لهم، فحيثما لا يدخل الناس، فلتدخل الحكومة الميدان وتستثمر. على أيّ حال، الاستثمار في الإنتاج هو من القضايا الضروريّة لاقتصاد البلاد ومن أجل معالجة مشكلة معيشة أبناء الشعب. إنّ تحسين معيشة الناس يحتاج إلى التخطيط، لكن هذا التخطيط ليس ممكنًا من دون مقدّمات من هذا القبيل. ينبغي حتمًا أن تأخذ الحكومة والناس أيضًا الاستثمار من أجل الإنتاج على محمل الجدّ وأن يتابعوه بعزم ودوافع كثيرة. إنّ مَهمّة الحكومة هي توفير الأرضيّات، وإزالة موانع الإنتاج، ومَهمّة الناس هي أن يتمكّنوا من توظيف رؤوس أموالهم الصغيرة والكبيرة في طريق الإنتاج. إذا جرى توظيف رأس المال في طريق الإنتاج، فإنّه لن يتّجه نحو أعمالٍ مضرّة من قبيل شراء الذهب، وشراء العملات الصعبة وما شابه. لن يُقدم الناس على الأعمال المضرّة بعد ذلك. يمكن للمصرف المركزي أن يؤدّي دورًا في هذا المجال، كما يمكن للحكومة أيضًا صنع أدوار مؤثّرة كثيرة. عليه، فإنّ شعار العام هو «الاستثمار من أجل الإنتاج» وسوف يؤدي، إن شاء الله، إلى انفراجة في معيشة الناس، كما إنّ تخطيط الحكومة مع مشاركة الناس جنبًا إلى جنب، سوف يعالج المشكلة، إن شاء الله.

أودّ أن أشير أيضًا إلى هذه الأحداث التي وقعت في الأيام القليلة الأخيرة. إنّ معاودة الكيان الصهيوني الغاصب شنّ الهجوم على غزّة هي جريمة كبيرة جدًّا ومُفجعة. يجب على الأمّة الإسلاميّة أن تقف متلاحمة في وجه ذلك. عليهم أن يضعوا نزاعاتهم في شتّى القضايا جانبًا، فهذه القضيّة هي قضيّة الأمّة الإسلاميّة. بالإضافة إلى هذا، ينبغي على جميع أحرار العالم، وفي أمريكا نفسها، وفي الدول الغربيّة والأوروبيّة وسائر الدول، أن يواجهوا بحزم هذه الخطوة الخائنة والمفجعة التي يرتكبها هؤلاء. يُقتَل الأطفال مجدّدًا، وتُدمّر البيوت، ويُهجَّر الناس، وينبغي على الناس أن يوقفوا هذه الفاجعة. طبعًا، أمريكا شريكة في المسؤوليّة إزاء هذه الفاجعة. أصحاب الآراء السياسية في العالم، توصّلوا جميعًا إلى أنّ هذه الخطوة حصلت بإشارة من أمريكا، أو على الأقل بموافقتها وبضوء أخضر منها. لذلك، إنّ أمريكا أيضًا شريكةٌ في هذه الجريمة. كذلك هي الحال بالنسبة إلى أحداث اليمن أيضًا، إذْ إنّ العدوان على الشعب اليمني والمدنيّين اليمنيّين، هو أيضًا جريمة ينبغي التصدّي لها حتمًا.

نأمل أن يكون الله المتعالي قد قدّر في هذا العام الجديد الخير والصلاح والنصر للأمّة الإسلاميّة، وأن يتمكّن الشعب الإيراني من بدء هذا العام، الذي يبدأ الآن، والمضي فيه حتى نهايته بسعادة، ورضا، واتحاد تام، ونجاح، إن شاء الله. أرجو أن يكون القلب المقدّس لصاحب العصر (أرواحنا فداه) والروح المطهّرة للإمام [الخميني] الجليل (قده) والأرواح الطيّبة للشهداء راضية عنا ومسرورة.

والسّلامُ عليكم ورحمة الله وبركاته

ليلة 23 من شهر رمضان المبارك، إحدى الليالي الوترية في العشر الأواخر من هذا الشهر الفضيل، تُعرف لدى بعض المسلمين بـ”ليلة الجهني”، وهي من الليالي التي يُحتمل أن تكون ليلة القدر، التي قال الله عنها: “ليلة القدر خيرٌ من ألف شهر”

وكالة أنباء الحوزة - ليلةُ الجُهَني ليلةٌ مباركة جاء ذكرها في عدد من الروايات والأحاديث، وهي ليلة الثالث والعشرين من شهر رمضان المبارك والتي يُتوقع أن تكون ليلة القدر.

أما سببُ تسميتها بالجُهني كما صرَّح بذلك الشيخ الصدوق (1) (قدَّس الله نفسه الزَّكية) فيعود إلى نسبتها إلى رجل من أصحاب النبي المصطفى (صلى الله عليه وآله) يُسمى بعبد الله بن أُنَيْسٍ الْأَنْصَارِي الْجُهَنِي (2) إثرَ حديثٍ جرى بينه وبين الرسول (صلى الله عليه وآله).

ليلة ثلاث وعشرين هي ليلة الجهني

أما قصته فهي كما ترويها الأحاديث والروايات كالتالي:

رَوى مُحَمَّدُ بْن يُوسُف عَنْ أَبِيهِ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا جَعْفَرٍ (3) (عليه السَّلام) يَقُولُ:

"إِنَّ الْجُهَنِيَّ أَتَى النَّبِيَّ (صلى الله عليه وآله)، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ لِي إِبِلًا وَغَنَماً وَغِلْمَةً وَعَمَلَةً، فَأُحِبُّ أَنْ تَأْمُرَنِي بِلَيْلَةٍ أَدْخُلُ فِيهَا (4) فَأَشْهَدُ الصَّلَاةَ وَذَلِكَ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ. فَدَعَاهُ رَسُولُ اللَّهِ (صلى الله عليه وآله) فَسَارَّهُ فِي أُذُنِهِ (5)، فَكَانَ الْجُهَنِيُّ إِذَا كَانَ لَيْلَةُ ثَلَاثٍ وَعِشْرِينَ دَخَلَ بِإِبِلِهِ وَغَنَمِهِ وَأَهْلِهِ (6) إِلَى مَكَانِهِ" (7) .

وَفِي رِوَايَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُكَيْرٍ عَنْ زُرَارَةَ عَنْ أَحَدِهِمَا (8) (عليهما السلام) قَالَ: سَأَلْتُهُ عَنِ اللَّيَالِي الَّتِي يُسْتَحَبُّ فِيهَا الْغُسْلُ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ.

فَقَالَ: " لَيْلَةُ تِسْعَ عَشْرَةَ، وَلَيْلَةُ إِحْدَى وَعِشْرِينَ، وَلَيْلَةُ ثَلَاثٍ وَعِشْرِينَ".

وَقَالَ: "لَيْلَةُ ثَلَاثٍ وَعِشْرِينَ هِيَ لَيْلَةُ الْجُهَنِيِّ".

"وَحَدِيثُهُ: أَنَّهُ قَالَ لِرَسُولِ اللَّهِ (صلى الله عليه وآله): إِنَّ مَنْزِلِي نَاءٍ عَنِ الْمَدِينَةِ فَمُرْنِي بِلَيْلَةٍ أَدْخُلُ فِيهَا؟

فَأَمَرَهُ بِلَيْلَةِ ثَلَاثٍ وَعِشْرِينَ" (9) .

ويبدو أن المسلمين لمَّا تعودوا رؤية الجهني في ليلة الثالث والعشرين من شهر رمضان فقط خلال السنة لإنشغال هذا الرجل بإبله وغنمه وعدم تمكنه من الحضور في غيرها من الأيام والليالي لذلك أسموا هذه الليلة بإسمه .

هذا من جهة، ومن جهة أخرى فإنه يُستفاد من مجموع الروايات والأحاديث الواردة بهذا الشأن أن المسلمين آنذاك فهِموا بصورة غير مباشرة من إسْرارِ النبي (صلى الله عليه وآله) للجُهَني، وما لَحِقَ ذلك اللقاء من مواظبة الجُهني على إحياء هذه الليلة والحضور في مسجد النبي (صلى الله عليه وآله) بالمدينة المنورة للعبادة والذكر أن ليلة الثالث والعشرين هي ليلة القدر.


1. الشيخ أبو جعفر محمد بن علي بن حسين بن بابويه القمي المعروف بالصدوق، المولود سنة: 305 هجرية بقم، والمتوفى سنة: 381 هجرية، في كتابه من لا يحضره الفقيه: 2 / 161، طبعة انتشارات إسلامي التابعة لجماعة المدرسين، الطبعة الثالثة، سنة: 1413 هجرية، قم / إيران.

2. نسبة إلى جُهَيْنَة، وهي قبيلة معروفة، راجع مجمع البحرين: 6 / 230، للعلامة فخر الدين بن محمد الطريحي، المولود سنة: 979 هجرية بالنجف الأشرف/ العراق ، والمتوفى سنة: 1087 هجرية بالرماحية، والمدفون بالنجف الأشرف / العراق، الطبعة الثانية سنة: 1365 شمسية، مكتبة المرتضوي، طهران / إيران .

3. أي الإمام محمد بن علي الباقر (عليه السَّلام)، خامس أئمة أهل البيت (عليهم السلام).

4. أي أدخل فيها المدينة.

5. أي أسَرَّ له حديثاً في أذن ، بحيث لم يطلع على ذلك أحد.

6. وفي مستدرك وسائل الشيعة زيادةٌ، وهي: وَوُلْدِهِ وَغِلْمَتِهِ، فَبَاتَ تِلْكَ اللَّيْلَةَ بِالْمَدِينَةِ فَإِذَا أَصْبَحَ خَرَجَ بِمَنْ دَخَلَ بِهِ، فَرَجَعَ إِلَى مَكَانِهِ، راجع: مستدرك وسائل الشيعة: 7 / 469، للشيخ المحدث النوري، المولود سنة: 1254 هجرية، والمتوفى سنة: 1320 هجرية، طبعة: مؤسسة آل البيت، سنة: 1408 هجرية، قم / إيران.

7. تهذيب الأحكام: 4 / 330، للشيخ أبي جعفر محمد بن الحسن الطوسي، المولود بخراسان سنة: 385 هجرية، والمتوفى بالنجف الأشرف سنة: 460 هجرية، طبعة دار الكتب الإسلامية، سنة: 1365 هجرية / شمسية، طهران / إيران.

8. أي الإمامين محمد بن علي الباقر، وجعفر بن محمد الصادق (عليهما السلام).

9. من لا يحضره الفقيه: 2 / 160، للشيخ أبي جعفر محمد بن علي بن حسين بن بابويه القمي المعروف بالشيخ الصدوق، المولود سنة: 305 هجرية بقم، والمتوفى سنة: 381 هجرية، طبعة انتشارات إسلامي التابعة لجماعة المدرسين، الطبعة الثالثة، سنة: 1413 هجرية، قم / إيران .

وصف قائد الثورة الإسلامية، الإمام الخامنئي، في اليوم الأول من العام 1404 هـ ش (21/3/2025)، خلال لقائه مع مختلف فئات الشعب، تقليد الإيرانيين في بدء العام الجديد بالدعاء والتوسل والاجتماع في الأماكن المقدسة بأنه دليل على النظرة الروحانية للشعب تجاه عيد «النوروز». وأوضح سماحته آثار الدعاء والاستقامة في تحقيق الانتصارات الكبرى لجبهة الحق على مرّ التاريخ، مشيرًا إلى أن العام الماضي كان عامًا للصبر والصمود وبروز القوة الروحانية لدى الشعب الإيراني.

ولفت الإمام الخامنئي إلى أن هذه الأيام تتعلق بأمير المؤمنين (ع)، وأضاف: «ينبغي أن يرجع الشعب الإيراني والشعوب الإسلامية إلى نهج البلاغة للاستفادة من دروس الإمام علي (ع)، باعتباره أفضل إنسان بعد النبي (ص)، كما ينبغي أن يولي الناشطون في المجال الثقافي اهتمامًا خاصًا بدراسة هذا الكتاب العظيم وتعليمه».

وعدّ سماحته ليالي القدر فرصة ثمينة للدعاء والتضرع إلى الله، وقال: «كل ساعة من هذه الليالي تساوي عمراً كاملاً، وإن التوجه والتوسل بالأئمة (ع) وأدعية الناس، ولا سيما الشباب، هي أمور يمكنها أن تغيّر مصيرهم ومصير حياة شعب بأكمله».

وفي جزء آخر من كلمته، أشار قائد الثورة الإسلامية إلى أن التهديدات الأمريكية لن تجدي نفعاً مع إيران، قائلاً: «فليعلم الأمريكيون أنهم لن يصلوا إلى نتيجة أبدًا بتهديدهم لإيران».

وتابع سماحته: «إذا أقدم الأمريكيون أو غيرهم على أي خباثة تجاه إيران، فسيتلقون صفعة قاسية».

وأكّد الإمام الخامنئي أن وصف الساسة الأمريكيين والأوروبيين لقوى المقاومة بأنها «قوات إيرانية بالوكالة» هو خطأ فادح وإهانة لهذه القوى، موضحًا: «ما معنى قوات بالوكالة؟! الشعب اليمني يمتلك دافعه الخاص، وحركات المقاومة في المنطقة تمتلك دوافعها الخاصة أيضًا في مواجهة الصهاينة، وجمهورية إيران الإسلامية ليست بحاجة إلى قوات بالوكالة. رأينا واضح، ورأيهم واضح أيضًا».

وأوضح قائد الثورة الإسلامية أن الصمود والمقاومة في وجه فظائع الكيان الصهيوني وأنواع الظلم الذي يمارسه أمران متجذران في المنطقة، مضيفًا: «منذ بداية اغتصاب فلسطين، كان اليمن في طليعة الدول التي تصدت لهذا العدوان، حيث وقف حاكمه آنذاك في المحافل الدولية معارضًا لهذه الخطوة».

كما أشار سماحته إلى اتساع نطاق الاحتجاجات المنددة بجرائم الكيان الصهيوني ليشمل حتى الشعوب غير المسلمة، بالإضافة إلى المظاهرات الطلابية والشعبية في أمريكا والدول الأوروبية، منتقدًا: «يلجأ الساسة الغربيون إلى إجراءات مثل قطع الميزانية عن الجامعات التي شهدت تظاهرات طالبية داعمة لفلسطين، وهذا بدوره يعكس حقيقتهم في ما يخص مزاعمهم حول حرية التعبير، الليبرالية، وحقوق الإنسان».

وشدّد الإمام الخامنئي على رفض الشعوب لفظائع الكيان الصهيوني ومقاومتها بكل الوسائل المتاحة، مشدّدًا: «تقف جمهورية إيران الإسلامية بثبات في مواجهة هذه الفظائع، وتعلن بصراحة مواقفها ونهجها الدائم في دعم المناضلين الفلسطينيين واللبنانيين المدافعين عن أوطانهم».

وجدّد قائد الثورة الإسلامية تأكيده، ردًا على تهديدات أعداء إيران: «لم نكن يومًا البادئين بأي مواجهة أو اشتباك، ولكن إذا تجرّأ أحدهم على ارتكاب أي خباثةٍ، فسيتلقى صفعات قاسية».

وفي جانب آخر من حديثه، أشار سماحته إلى التضحيات المستمرة التي تقدمها جبهة الحق في مواجهة الباطل، موضحًا: «ينبغي النظر إلى أحداث العام الهجري الشمسي 1403 (من 21 مارس 2024 إلى 20 مارس 2025) من هذا المنظور، فانتصار الحق في هذه المعركة محسوم، لكنه يتطلب تضحية وثمن، مثلما جرت هذه السنة الإلهية في مرحلة الدفاع المقدس».

وأشار الإمام الخامنئي، في معرض حديثه عن فقد شخصيات بارزة خلال أحداث العام الماضي، إلى أن النتيجة الحتمية لتحمل هذه الأحداث المريرة و«الاستقامة والاستعانة بالله» هي هزيمة الأعداء، وعلى رأسهم الكيان الصهيوني الفاسد والخبيث، مشدّدًا على أنّه «في العام 1403 هـ.ش الصعب، تجلّت القوة الروحانية والصبر والشهامة والشجاعة لدى الشعب الإيراني بصورة مشرقة».

إلى ذلك، عدّ سماحته التشييعَ المهيبَ للشهيد رئيسي، والمشاركة الحاشدة في «صلاة جمعة النصر» رغم تهديدات العدو، والمشاركة الفاعلة في الانتخابات الرئاسية، وتشييع قادة المقاومة الذين اغتالهم الكيان الصهيوني، تجليات واضحة للقوة الروحية والمعنوية للشعب الإيراني.

وأشار قائد الثورة الإسلاميّة إلى أن مسيرات «22 بهمن» التاريخية كانت ذروة هذا المسار، مؤكدًا أنها «أظهرت للعالم بأسره وفاء الشعب الإيراني للثورة الإسلامية وتمسّكه بالجمهورية الإسلامية، ووجهت رسالة قوية للمستكبرين والمنافقين، وعرّفت العالم إلى حقيقة الشعب الإيراني».

كما أكّد سماحته ضرورة فهم خصائص الشعب الإيراني وهويته، حتى داخل البلاد، موضحًا: «قد تؤدي الضغوط الاقتصادية والمعيشية إلى إحباط أيّ شعب، لكن الشعب الإيراني القوي والشجاع، ورغم كل الصعوبات، نزل إلى الساحة في العام الماضي مدافعًا عن النظام الإسلامي».

ورأى الإمام الخامنئي أن التركيز المتكرر على قضية الإنتاج في شعارات الأعوام الأخيرة ينبع من تأثيره الأساسي في تحسين الأوضاع الاقتصادية والمعيشية.

وأشار قائد الثورة الإسلاميّة إلى أن أيّ استثمار في مجال الإنتاج، سواء كان صغيرًا أو كبيرًا، هو أمر مفيد وضروري، داعيًا الجميع إلى استثمار رؤوس أموالهم في الإنتاج، سواء أصحاب الإمكانيات المحدودة عبر إنشاء مشاريع إنتاجية صغيرة، أو كبار المستثمرين عبر مشاريع ضخمة.

وشدّد الإمام الخامنئي على أن تهيئة الظروف وتسهيل استثمار المواطنين هو الواجب الأهم للحكومة في تحقيق شعار العام.

كما أشار سماحته إلى هواجس المسؤولين بشأن تحسين معيشة الناس، موضحًا: «يسعى مسؤولو البلاد بجدية إلى تحسين الأوضاع المعيشية للناس، لكن هذا الهدف لا يتحقق بالإجراءات الداعمة فقط، بل يتطلب خطوات جذرية، ويُعدّ الاستثمار إحداها وأهمها».

يَروي المؤرِّخونَ حالَ أميرِ المؤمنينَ (عليه السلام) في شهرِ رمضانَ الذي كانتْ فيهِ شهادتُهُ، قائلينَ: وَلَقَدْ كَانَ أَمِيرُ في ذَلِكَ الشَهْرِ، يَفْطُرُ لَيْلَةً عِنْدَ الْحَسَنِ (عليه السلام)، وَلَيْلَةً عِنْدَ الْحُسَيْنِ (عليه السلام)، وَلَيْلَةً عِنْدَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ (رضوان الله عليه)، لَا يَزِيدُ عَلَى ثَلاَثِ لُقَمٍ، وَيَقُولُ: «أُحِبُّ أَنْ أَلْقَى اللَّهَ وَأَنَا خَمِيصٌ». فَلَمَّا كَانَتِ اللَّيْلَةُ الَّتِي ضُرِبَ فِيهَا، أَكْثَرَ الْخُرُوجَ وَالنَّظَرَ إِلَى السَّمَاءِ، وَيَقُولُ: «وَاللَّهِ، مَا كَذَبْتُ وَلَا كُذِبْتُ، وَإِنَّهَا هِيَ اللَّيْلَةُ الَّتِي وَعَدَ اللهُ»[1].

وكانَ الإمامُ عليٌّ (عليه السلام) ينتظرُ تلكَ اللَّيلةَ المباركةَ التي سيصلِّي في فجرِها صلاةً طالَ انتظارُها! إنَّها تلكَ الصلاةُ التي قالَ عنها رسولُ اللهِ (صلّى الله عليه وآله): «كأنِّي بكَ وأنتَ تُصلِّي لربِّكَ، وقدِ انبعثَ أشقى الأوَّلينَ والآخِرينَ، شقيقُ عاقرِ ناقةِ ثمودَ، فضربَكَ ضربةً على قرنِكَ، فخضَّبَ منها لحيتَكَ»[2].

عرَفَ أميرُ المؤمنينَ (عليه السلام) تلكَ الليلةَ، فخرجَ إلى المسجدِ مُستبشِراً، وأبَتْ مسيرةُ عليٍّ (عليه السلام) إلَّا أنْ يكونَ المسجدُ مبتدأَ ولادتِهِ، والمسجدُ منتهى شهادتِهِ. دخلَ الصلاةَ هائماً في اللهِ، وحينما شعرَ بضربةِ الشهادةِ على رأسِهِ، كانتْ كلمتُهُ التي عبَّر فيها عنْ نتيجةِ كلِّ ذلكَ العشقِ للشهادةِ، فقالَ (عليه السلام): «فُزْتُ وَرَبِّ الكعبةِ»[3]، ثمَّ قالَ بعدَها: «وَاللَّهِ، مَا فَجَأَنِي مِنَ المَوْتِ وَارِدٌ كَرِهْتُهُ، وَلَا طَالِعٌ أَنْكَرْتُهُ، وَمَا كُنْتُ إِلَّا كَقَارِبٍ وَرَدَ، وَطَالِبٍ وَجَدَ»[4].

نعم، لقدْ طلَبَ قتلاً في سبيلِ اللهِ، فوجدَ ما طلَبَ في بيتِ اللهِ، وفي شهرِ ضيافةِ اللهِ عزَّ وجلَّ.

عنِ الأَصْبَغِ بْنِ نُبَاتَةَ، قَالَ: لَمَّا ضُرِبَ عَلِيٌّ (عليه السلام) الضَّرْبَةَ الَّتِي مَاتَ فِيهَا، كُنَّا عِنْدَهُ لَيْلاً، فَأُغْمِيَ عَلَيْهِ، فَأَفَاقَ، فَنَظَرَ إِلَيْنَا، فَقَالَ: «مَا يُجْلِسُكُمْ؟»، فَقُلْنَا: حُبُّكَ، يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ! فَقَالَ: «أَمَا وَالَّذِي أَنْزَلَ التَّوْرَاةَ عَلَى مُوسَى، وَالْإِنْجِيلَ عَلَى عِيسَى، وَالزَّبُورَ عَلَى دَاوُودَ، وَالْفُرْقَانَ عَلَى مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللهِ (صلّى الله عليه وآله)، لَا يُحِبُّنِي عَبْدٌ إِلَّا رَآنِي حَيْثُ يَسُرُّهُ، وَلَا يُبْغِضُنِي عَبْدٌ إِلَّا رَآنِي حَيْثُ يَكْرَهُهُ. إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ (صلّى الله عليه وآله) أَخْبَرَنِي أَنِّي أُضْرَبُ فِي لَيْلَةِ تِسْعَ عَشْرَةَ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ، فِي اللَّيْلَةِ الَّتِي مَاتَ فِيهَا مُوسَى (عليه السلام) -أَوْ قَالَ وَصِيُّ مُوسَى (عليه السلام)- وَأَمُوتُ فِي لَيْلَةِ إِحْدَى وَعِشْرِينَ يَمْضِي مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ، فِي اللَّيْلَةِ الَّتِي رُفِعَ فِيهَا عِيسَى (عليه السلام)».

قالَ الأَصْبَغُ: فَمَاتَ، وَالَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ، فِيهَا[5].


[1] ابن عنبة، عمدة الطالب في أنساب آل أبي طالب، ص60.
[2] الشيخ الصدوق، الأمالي، ص155.
[3] السيّد الرضيّ، خصائص الأئمّة، ص63.
[4] السيّد الرضيّ، نهج البلاغة، ص387، الرسالة 23.
[5] النعمان المغربيّ، شرح الأخبار، ج2، ص446.