
emamian
من آداب مسيرة الأربعين
في سبيل إبطال دسائس العدوّ لمسيرة الأربعين، حسبنا مراعاة بعض آداب هذه الزيارة:
• باعتبار أن أعداءنا لن يجلسوا متفرّجين لهذه المسيرة العظيمة ولن يتركوها بلا دسائس ومؤامرات، حريّ بنا أن نتذاكر بعض آداب الأربعين.
• أنا في طوال هذه السنين التي مرّت علينا بعد انتهاء الدفاع المقدّس، كان لي حضور وارتباط مع كثير من الهيئات والمواكب الجيّدة. فكلّ موكب توسّع ونجح في نشاطاته وازداد عدد روّاده، نصحت شبابه بنصيحة واحدة وهي أن: «احذروا من أن يفرّق الشيطان بينكم ويلقي بينكم عداوات واختلافات، فإنكم الآن تتعاونون مع بعض بحبّ ومودّة، ولكن الشيطان يحاول أن يخرّب عملكم» وأقولها لكم من وحي التجربة أن كلّ موكب لم يراقب هذه المسألة المهمّة، نشأت فيه خلافات ونزاعات، لأن هذا هو عمل الشيطان.
• لقد أثبتت التجربة أن كلّ جماعة يقومون بعمل جميل، يلقي الشيطان بينهم العداوة والبغضاء لكي يخرّب نشاطهم. فبطبيعة الحال من المؤكد أن قد خطّط شياطين الجنّ والإنس من كبيرهم إبليس والشيطان الأكبر أمريكا إلى الشياطين الصغار، بعضَ المؤامرات والدسائس لمسيرة الأربعين العظيمة. أما نحن ففي سبيل إبطال دسائسهم حسبنا أن نطبّق بعض آداب هذه الزيارة:
1ـ إظهار المحبّة والإخوة الدينية:
• على رأس آداب مسيرة الأربعين هو «إظهار الحب والشعور بالإخوة الدينية». يجب أن تكون هذه المحبّة والأخوّة في قلوب مقيمي عزاء الإمام الحسين (عليه السلام) وتظهر على سلوكهم. أما كيف تجسّدوا هذا الحب والأخوة فهذا ما يرجع إلى ذوقكم.
• قال صاحب موكب عراقي: بسبب كثرة التبلیغات التي كان يبثّها النظام الصدّامي وباقي الأنظمة الفاسدة في البلدان الإسلامية، كنت أكره الإيرانيّين. حتى في السنين السابقة كان يأتي بعض الزوّار من إيران ولكن لم يزل في قلبي شيء تجاههم، إلى أن بدأت هذه الزيارات الجماهيرية في الأربعين فعشقت الإيرانيّين. لأني رأيتهم متواضعين وطيّبين ويمشون على أقدامهم ويتحمّلون الصعاب لحبّ أبي عبد الله الحسين (عليه السلام). يعني رأيت الأخوة الدينية في موسم الأربعين في سلوك الإخوة الإيرانيّين.
• كان يذهب الإيرانيّون إلى زيارة كربلاء عبر حملات، ولكنّهم لم ينجحوا في إظهار الأخوّة الدينية خلال تعاملهم مع الإخوة العراقيّين ولا سيما في تسوّقهم وشرائهم ومساومتهم. ولكنكم تستطيعون أن تجعلوا أيام الأربعين موسما لتعزيز المحبّة والأخوّة الدينية بين الشعبين الإيراني والعراقي.
بابتسامة واحدة، أبطلوا أثر مليارات الدولارات التي قد صرفها العدوّ لبثّ الفرقة بين هذين الشعبين
• ثقوا بأن أعداء هذين الشعبين قد صرفوا مليارات الدولارات لبثّ الفرقة بينهما، فأبطلوا أثر هذه الأموال الطائلة بابتسامة واحدة وبسلام حارّ. ما هو الإشكال لو تعلّمتم أربع مصطلحات في المجاملة وإظهار المحبّة لتستخدموها هناك؟! فعلى سبيل المثال، كم تشعرون بالودّية والعلاقة الحميمة لو قال لكم أخ عراقي: «آقا جون»، فكذلك بإمكانكم أن تتعلموا عبارات ومصطلحات من هذا القبيل وتستخدمونها في مواجهة إخوتنا من أبناء الشعب العراقي الحارّ.
يجب أن نجسّد أروع مظاهر الأخوّة في مسيرة الأربعين
• يجب أن نجسّد أروع مظاهر الأخوّة في الأربعين. ليجسّد الزوّار الإيرانيّون هذه الأخوّة بينهم وكذلك ليجسّدوها في تعاملهم مع الإخوة العراقيّين. بإمكانكم في الأربعين أن تجسّدوا الرحمة والصفاء والمحبّة وأمثال هذه العناوين التي رفعوا شعارها في العالم، ثم انظروا كيف يستقبلكم الحسين (عليه السلام)! فراقبوا أنفسكم ولا تنسوا الابتسامة وإظهار المحبّة لإخوتكم المؤمنين.
• أحد العوامل التي أدّت إلى تضاعف عدد الزوّار بسرعة رهيبة من المئة ألف إلى مليون ومنه إلى عشرة مليون ثم إلى عشرين مليون، هو تبلور هذا الحبّ بين المؤمنين. فإن الإنسان عندما يكون بين هذا العدد الكبير من الناس يشعر بالمحبّة والأخوّة جيّدا.
2ـ لا نكثر من الطعام/ اعتراض الإمام الصادق (عليه السلام) على إكثار زوار الحسين (عليه السلام) من الطعام
• من الآداب الأخرى لزيارة الإمام الحسين (عليه السلام) هو أن يقتصد الإنسان في الأكل والطعام. لا يخفى عليكم أن الضيافة في مسيرة الأربعين على أوجها وستجدون أصحاب المواكب يقدّمون لكم أحسن ضيافة لحبّهم للحسين (عليه السلام)، ولكن ينبغي لكم أن لا تحرصوا وتطمعوا بأنواع الأطعمة والأشربة، بل حتى اكتفوا أحيانا بالخبز اليابس الساقط على المائدة. فقد روي عن الإمام الصادق (عليه السلام) أنه قال: «بَلَغَنِي أَنَّ قَوْماً أَرَادُوا الْحُسَيْنَ عليه السلام حَمَلُوا مَعَهُمُ السُّفَرَ فِيهَا الْحَلَاوَةُ وَ الْأَخْبِصَةُ وَ أَشْبَاهُهَا لَوْ زَارُوا قُبُورَ أَحِبَّائهِمْ مَا حَمَلُوا مَعَهُمْ هَذَا»[كامل الزيارات/ص129]
• وكذلك روي عنه عليه السلام قال: «بَلَغَنِي أَنَّ قَوْماً إِذَا زَارُوا الْحُسَیْنَ بْنَ عَلِيٍّ حَمَلُوا مَعَهُمُ السُّفَرَ فِیهَا الْحَلَاوَةُ وَ الْأَخْبِصَةُ وَ أَشْبَاهُهَا لَوْ زَارُوا قُبُورَ أَحِبَّائِهِمْ مَا حَمَلُوا ذَلِكَ» [كامل الزيارات/ص129 , من لا يحضره الفقيه/ج2/ص281]
• و قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ ع لِبَعْضِ أَصْحَابِهِ: «تَأْتُونَ قَبْرَ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام؟ قَالَ قُلْتُ: نَعَمْ. قَالَ: تَتَّخِذُونَ لِذَلِكَ سُفْرَةً؟ قَالَ قُلْتُ: نَعَمْ. قَالَ: أَمَا لَوْ أَتَیْتُمْ قُبُورَ آبَائِکُمْ وَ أُمَّهَاتِکُمْ لَمْ تَفْعَلُوا ذَلِكَ. قَالَ قُلْتُ: أَيَّ شَيْءٍ نَأْکُلُ؟ قَالَ الْخُبْزَ بِاللَّبَنِ». [من لا يحضره الفقيه/ج2/ص281]
• وفي رواية أخرى قال أبو عبد الله (عليه السلام): «تَزُورُونَ خَیْرٌ مِنْ أَنْ لَا تَزُورُوا وَلَا تَزُورُونَ خَیْرٌ مِنْ أَنْ تَزُورُوا. قَالَ قُلْتُ: قَطَعْتَ ظَهْرِي. قَالَ: تَاللَّهِ إِنَّ أَحَدَکُمْ لَیَذْهَبُ إِلَى قَبْرِ أَبِیهِ کَئِیباً حَزِیناً وَ تَأْتُونَهُ أَنْتُمْ بِالسُّفَرِ. کَلَّا حَتَّى تَأْتُونَهُ شُعْثاً غُبْرا» [كامل الزيارات/ص130]
إن كنّا قادرين على ذكر الله في مسيرة الأربعين ببطن فارغة، فلماذا نعرّض أنفسنا للغفلة بالإكثار من الطعام؟
• لقد أوصانا أهل البيت بالعبادة بغير بطنة، وإن المشي في مسيرة الأربعين من أعظم العبادات النيّرة. طبعا لعلّ بعض الزوّار يقصد هذا الطريق ليحظى بالضيافة المتوفّرة على طول الطريق باسم الحسين (عليه السلام) ويتمتّع بها ولعلّ معرفته لم تتعدّ هذا المستوى، ولكن اعلموا أن الزيارة ولا سيّما زيارة الحسين (عليه السلام) تقتضي بعض الآداب ومنها قلّة الطعام والشراب كما صرّحت بذلك الروايات.
• نحن ذاهبون إلى مجلس ضيافة. ونحن نتذكّر أيام طفولتنا كيف كانت الأمهات يمنعون أولادهم من الإكثار من الطعام عند ذهابهم إلى مجلس الضيافة. يعني كان الأمهات يأمرن أولادهم بشيء من كفّ النفس وعدم الإكثار من الطعام حفاظا على سمعتهم. كذلك ينبغي لنا أن نجسّد هذه الآداب عند حضورنا في مجلس الضيافة هذا. طبعا بعض الأحيان قد ترون بعض الخدّام وأصحاب المواكب يصرّون عليكم لتستريحوا عندهم وتأكلوا من مائدتهم، فلا بأس باستجابة دعوتهم ولكن حاولوا أن لا تملأوا بطنكم. لماذا يملأ الإنسان بطنه ويعرّض نفسه للغفلة وهو قادر على الذكر ببطن خالية في تلك الأجواء الرائعة؟ فإنها لخسارة كبيرة.
طوّلوا تعقيبات صلاتكم والزموا العبادة بالتركيز على صلاة الجماعة وتلاوة القرآن/ المخضرمون في زيارة الأربعين يقطعون طريق النجف إلى كربلاء في خمسة أيام لا يومين
• النقطة الثانية في زيارة الأربعين هي لزوم العبادة بالتركيز على صلاة الجماعة وتلاوة القرآن. يا حبّذا لو تكون صلوات جماعتنا بمزيد من الجمال والروحانيّة وبتعقيبات أطول. لا تستعجلوا في القيام بعد انتهاء صلاة الجماعة وأطيلوا التعقيبات بعد الصلاة فإن المخضرمين وأصحاب الخبرة في زيارة الأربعين لا يستعجلون لطيّ الطريق من النجف إلى كربلاء خلال يومين، بل يقطعونه في أربعة أو خمسة أيام. والعجيب أن روحانيّة المشي إلى كربلاء أكثر من روحانيّة الإقامة في كربلاء، وهي حقيقة لا تخلو من أسرار.
• إذا أردتم تحديد أماكن الاستراحة وسط الطريق، فيا حبّذا لو تجعلون مكان استراحتكم نفس المكان الذي تصلون إليه وقت الأذان. يعني كل ما تسمعون صوت الأذان وسط الطريق، توقفوا للصلاة واجعلوا ذلك المكان نفسه مكان استراحتكم. ثم طوّلوا التعقيبات قليلا.
اقرأوا مصائب أبي عبد الله في صفوف الصلاة/ يجب أن يتحوّل هذا الطريق إلى محلّ للعبادة!
• حتى إذا أردتم أن تقرأوا مصائب الحسين (عليه السلام) فاقرأوها في صفوف صلاة الجماعة. وأساسا يجب أن يتحوّل هذا الطريق إلى محلّ للعبادة! وهذا أيضا من المشاهد التي يجب أن تجسّدوها.
• لقد قرّر بعض الإخوة أن يختموا القرآن في طريقهم من النجف إلى كربلاء وهذا أمر ممكن. بإمكانكم أن تستخدموا سماعة الموبايل وتختموا كلّ القرآن أو بعضه تهدوا ثواب ختمتكم إلى فاطمة الزهراء (عليها السلام) والعقيلة زينب (عليها السلام) وباقي المعصومين (عليهم السلام). ثم اهدوا ثواب إهدائكم هذا إلى روح الإمام الخميني (ره) وأرواح الشهداء. وبعد ذلك اهدوا كلّ هذا الثواب المتضاعف إلى أرواح أمواتكم.
3ـ عدم النزاع أولى من إصلاح بعض الأعمال غير الصحيحة/ لا تثيروا في هذا السفر بعض النزاعات بذريعة النهي عن المنكر
• النقطة الأخرى التي يجب أن نلتفت إليها في هذا السفر، هو أن لا تثيروا في هذا السفر بعض النزاعات بذريعة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، إذ سوف يزداد نشاط بعض التيّارات والجهات هناك ليثيروا النزاع. وعدم النزاع أولى من إصلاح بعض الأعمال غير الصحيحة. فراقبوا أنفسكم ولا تعمدوا إلى إصلاح كلّ شيء في دفعة واحدة!
وصية الإمام الباقر (عليه السلام): لا تتنازع مع من سبّ أمير المؤمنين (عليه السلام) بل صافحه!
• باعتبار أن هذا التيّار الخبيث السياسي المعادي للإسلام والتشيّع وجبهة الإيمان، يهدف إلى إثارة الفتنة والنزاع، فحاولوا أن لا تعطوه فرصة لتحقيق أهدافه. يقول أحد أصحاب الإمام الباقر (عليه السلام): «قَالَ لِي أَبُو جَعْفَرٍ عليه السلام: إِنِّي أَرَاكَ لَوْ سَمِعْتَ إِنْسَاناً یَشْتِمُ عَلِیّاً فَاسْتَطَعْتَ أَنْ تَقْطَعَ أَنْفَهُ فَعَلْتَ. قُلْتُ: نَعَمْ. قَالَ: فَلَا تَفْعَلْ. ثُمَّ قَالَ: إِنِّي لَأَسْمَعُ الرَّجُلَ یَسُبُّ عَلِیّاً [جَدّی] وَ أَسْتَتِرُ مِنْهُ بِالسَّارِیَةِ فَإِذَا فَرَغَ أَتَیْتُهُ فَصَافَحْتُهُ.[المحاسن/ج1/ص260]
اجتنبوا عن المواجهات التي يستغلّها الأعداء/ من الطبيعي جدّا أن يكون العدوّ قد خطّط بعض المؤامرات في هذا المجال!
• لا شكّ في أنه يجب الحذر من إثارة النزاع، من قبيل النزاعات السياسيّة أو غيرها. حتى إذا رأيتم أحدا من الناس يحاول أن يبتدع بدعة، فلا بأس أن تتحدّثوا معه إن توفّرت الظروف للتحدّث معه في جوّ هادئ غير متوتّر، أمّا إذا وجدتموه يحاول أن يستفزكم ليثير نزاعا، فاحذروا بشدّة من النزاع ومرّوا كراما. عندنا أسلوب الإمام الصادق (عليه السلام) مع الناصبي الذي سبّ أمير المؤمنين (عليه السلام)، يجب أن نجتنب نحن أيضا عن بعض المواجهات التي تصبّ في صالح العدوّ. إذ من الطبيعي جدّا أن يكون العدوّ قد خطّط بعض المؤامرات في هذا المجال. وقد حدثت بعض التوتّرات المختصرة في العام الماضي. وبالتأكيد سوف يبرمج العدوّ لمثل هذه المواجهات.
• إن إنكلترا من الخباثة بحيث لا توظّف أجهزتها الأمنيّة والاستخباراتية فقط، بل حتى توظّف وسائل إعلامها التي تحاول أن تعطيها صبغة حياديّة وسمعة طيّبة لبث خبثها، فقد قالت إحدى قنواتها قبل عدة سنوات: «الیوم یوم تاسوعاء ويقيم الشيعة الإيرانيّون فيه العزاء على الأخ غير الشقيق للإمام الحسين (عليه السلام)»! بينما نحن نرى أن في العبّاس أعلى درجات الأخوّة. أما إنكلترا الخبيثة هذه تعبّر عن العبّاس بتعبير لم يخطر على قلب شيعيّ أبداً. وهذا ما يدلّ على أنها تحاول أن تطعن وتفرّق بكلّ وسيلة. ومنذ سنين تبرمج لبث الفرقة والنزاع بين الشيعة في أيّام محرّم وبين مواكب العزاء.
يجب أن يتمّ إعداد منشور لآداب الأربعين ويوزّع بين جميع الزوّار
• أنا آمل أن يتمّ إعداد قائمة طويلة لآداب زيارة الأربعين المعنوية والسلوكية والاجتماعية ليطّبقها زوّارنا في هذا السفر الروحاني. حريّ بأصحاب الذوق والدقّة أن يكتبوا آداب الأربعين ثم يوزّعوها على الزوّار ويشرحوها لهم، بحيث لا يبقى زائر ومشارك في هذه المسيرة إلا وتصله نسخة من هذا المنشور. واطمئنوا أن ثواب هذا السفر العظيم سيتضاعف بمراعاة هذه الآداب. ونحن على يقين بأن هذه الزيارة العظيمة ستمهّد لظهور الإمام الحجّة (عج) إن شاء الله.
كل من خطا خطوة لزيارة الأربعين، فسوف يسجّل الإمام الحسين (عليه السلام) اسمه
• باعتقادي أن كلّ من يحاول أن يقدّم شيئا ويخطو خطوة لزيارة الأربعين، فسوف يسجّل الإمام الحسين (عليه السلام) اسمه. وحقيقةً كلّ خطوة يخطوها الإنسان من أجل الأربعين يشعر بتحوّل في قلبه. أسأل الله أن يوفّقكم للمشي في هذا الطريق الروحاني، ولا سيّما في أربعين هذا العام الذي يقارب موقعه من فصول السنة، مع زمن مجيئ الحوراء زينب (عليها السلام) إلى كربلاء في العام 61 هـ.
لا مثيل للحريّة في الإسلام
متى رأيتم في تاريخ العالم، أنّ بلداً يمتلك جميع أهاليه مشاعر وإحساسات دينيّة، يسمحون لأعداء الدّين إلى حدّ، أن يأتوا إلى مسجد النبيّ، أو إلى مكّة، ويتحدّثوا ويبرزوا عقائدهم كيفما يشاؤون، ينكرون الله وينكرون نبوّة النبيّ ويردّون على الصلاة والحجّ و...، ويقولون إنّهم لا يقبلونها، وفي الوقت نفسه يقابلهم المؤمنون المتديّنون بكلِّ ترحاب واحترام.
نرى نماذج مشرقة كثيرةً من هذا في تاريخ الإسلام، وبمثل هذه الحريّات تمكّن الإسلام من البقاء، فإذا كانوا في بداية الإسلام يردُّون على من يأتي ويُنكر وجود الله، بالضّرب والقتل، فإنّ الإسلام لم يكن ليَبقى حتى اليوم، لقد بقي الإسلام إلى اليوم، وذلك لأنّه قابلَ الأفكار بكلِّ شجاعةٍ وصراحة.
لقد سمعتم جميعاً قصّة رجلٍ يُدعى "مفضَّل". كان مفضَّل هذا، من أصحاب الإمام جعفر الصادق (عليه السلام)، كان يُصلّي يوماً في مسجد النبي، وفي أثناء الصلاة دخل رجلان ماديَّان (أي منكران لوجود الخالق)، وجلسا قريباً منه، وشرعا يتكلّمان بصوتٍ عالٍ بحيث كان يسمعهما.
وفي ضمن حديثهما جرى البحث حول النبي محمد (صلى الله عليه وآله)، فادّعيا أنّه كان رجلاً عبقرياً، وأراد أن يخلق تحوّلاً وثورةً في المجتمع، فرأى أنّ أحسن السّبل معتقداً بالله واليوم الآخر.
فبدأ "مفضَّل" يهاجمهما، في لهجة قاسية، فقالا له: قُلْ لنا: من أيّ الفرق أنت؟ ومَنْ هو إمامك؟ فإنْ كنت من أصحاب الإمام جعفر الصادق (عليه السلام)، فعليك أن تعلم بأنّنا نتحدّث بهذه الأحاديث في مجلسه، بل ونعرض أحاديث بأقسى ممّا سمعت، ولكنه لم يغضب أبداً، بل يسمع أقوالنا بكلِّ وقارٍ وطُمأنينة، ويردّ في النهاية على جميع أقوالنا، بالدلائل والبراهين، ويصحّح أخطاءنا.
بهذا استطاع الإسلام أن يبقى ويدوم، تُرى مَنْ الذي نقل وعرض أقوال واعتراضات الماديّين وحافظ عليها؟ وعلى مدى التاريخ الإسلامي؟ هل الماديّون أنفسهم؟ لا، اذهبوا وطالعوا لتروا، أنّ علماء الدّين هم الذين حافظوا على اعتراضات الماديّين؛ أي إنّهم عندما كانوا يعرضون أسئلتهم على علماء الدّين، ويقوم العلماء بالبحث معهم، فإنّ العلماء سجّلوا هذه المباحثات في كتبهم، وبقيت هذه الاعتراضات إلى زماننا هذا، بسبب ورودها في كتب علماء الدّين؛ وإلّا، فإنّ أكثر آثارهم قد اضمحلّت، أو أنّها ليست في متناول اليد.
انظروا على سبيل المثال إلى كتاب "الاحتجاج" للطبرسي [1] أو كتاب "بحار الأنوار"[2]، لكي تروا مقدار ما عرضاه من اعتراضات وادِّعاءات هذه الفئة.
وفي المستقبل أيضاً، يستطيع الإسلام فقط، عن طريق المواجهة الصريحة، والوقوف بشجاعة أمام العقائد والأفكار المختلفة، من الاستمرار في حياته.
إنّني أُحذّر الشباب المعتقدين بالإسلام، أن لا يتصوّروا بأنّ طريق المحافظة على المعتقدات الإسلامية، هو بمنع الآخرين من إبراز عقائدهم.
لا نستطيع حراسة الإسلام، إلّا عن طريق قوة واحدة فقط، ألا وهي قوّة العلم وإعطاء الحريّة للأفكار المخالفة، ومِن ثمّ مواجهتها مواجهةً صريحةً واضحة، لقد كان لثورتنا دوياً عظيماً في العالم.
يُقال في العالم اليوم: إنّ التظاهرات التي تقع هذه الأيّام في إيران[3] لم يسبق لها مثيل في التاريخ.
يا إخواني؛ إنّني أتساءل: ما هي القوّة التي تتمكّن من تحريك وإثارة 30 مليوناً على الأقلّ من شعب عدده 35 مليون نسمة؟ إنّ الذين قرؤوا تاريخ الثورات في العالم، يعرفون أنّه لم تصِلْ أية ثورة إلى ما وصلت إليه ثورة إيران، من حيث السعة والشمول.
لاحظوا إخواننا الطيّارين على سبيل المثال، ربّما كان قليل هم الذين يتصوّرون مدى قُدرة، وقوّة الأحاسيس والعقائد الدينية، المتفشيّة في صميم وأرواح هذه الطبقة.
إنّهم - وسط دهشة الجميع - يُضربون عن العمل، بإيمانٍ وإخلاص، ولم يخضعوا لأيّة قدرة ولا يُرعبهم أيَّ تهديد. ولكن عندما يأتي الإعلان عن قدوم الإمام، يتطوعون لقيادة طائرته.
تخالفهم السلطة وتهدّدهم - كما نقلوا لي بأنفسهم - وتحذِّرهم من مغبةِ إقدامهم على مثل هذا العمل، مع أنّهم لا يملكون وظيفة ولا منصباً (بعد أنْ أضربوا عن العمل)، بل وتهديدهم بأنّهم إذا قادوا الطائرة، فإنّ الحكومة سوف تقصفهم بالصواريخ وتقضي عليهم.
غير أنّهم يُجيبون: بالرّغم من كلِّ ذلك، فإنّنا عازمون على الحركة، واعملوا ما شئتم، عند ذاك تضطرّ السلطة إلى التراجع، وتسمح بفتح خطٍ واحدٍ من بين جميع الخطوط الجويّة، فيُسمّيه الطيارون: خطّ الثورة، ويا له من اسمٍ بديع!
أين هم أولئك الذين يقولون: إنّ الدّين يخصّ كبار السن، والعجائز وأهالي الجنوب[4]؟ ألم يُشارك بهذه الثورة، القرويُّ والحضريُّ، العامل والفلاح، الطالب والأستاذ، المحامي والموظّف؟ فما هي القوّة التي تستطيع أن تخلُقَ ثورةً كهذه، غير قوّة العقيدة، وبالأحرى عقيدة مثل الإسلام؟
إنّ هذا الأمل يحيا في قلبي تدريجياً: وهو أنّ الثورة لن تنحصر في إيران، وأنّها سوف تحتضن سبعمائة مليون مسلماً، وسوف يكون الفخر لإيران، حيث أنّ الثورة الإسلامية بدأت منها لِتعمّ كافّة البلاد الإسلامية، ولا شك في ذلك.
أخبروني قبل بضعة أيّام أنّ (كارتر) حذَّر الإمام الخميني(قدس سره): من أنّ القوّتين العظميين توافقان على حكومة "بختيار"15؛ وعليه أن يعرف ذلك، ولكن هذا الرجل العظيم لم يهتم بهذا التهديد أبداً.
أنا الذي درست وتتلمذت في محضر هذا الرجل العظيم، قرابة اثني عشر عاماً، فإنّني خلال سفري الأخير إلى "باريس" وزيارتي له، أدركت من روحيّته أشياء، لم تُزد من إعجابي فحسب، بل زادت من إيماني به أيضاً.
عندما رجعت سألني أصدقائي ماذا شاهدت؟ أجبتهم لمست فيه الإيمان بأربعة:
1.إيمانه بهدفه: إنّه يؤمن بهدفه، بحيث لو اجتمع العالم، ما استطاع أنْ يصرفه عنه.
2. إيمانه بسبيله: إنّه يؤمن بالطريق الذي اختاره، ولا يمكن لإنسان أن يحيده عن سبيله، ومثلما كان النبيّ يؤمن بهدفه وبطريقه فإنّه كذلك.
3. إيمانه بشعبه: لم أرَ أحداً قطُّ مثله، من بين جميع أصحابي وأصدقائي، مَنْ يؤمن بمعنوية الشعب الإيراني، ينصحونه أنْ يخفّف قليلاً من مواقفه، قائلين إنّ الشعب بدأ يتراجع تدريجياً، وإنّ معنوياته محطّمة، ولكنه يقول: لا، ليس الشعب "الإيراني" كما تقولون، إنّني أعرفه أحسن منكم، وها نحن نرى جميعاً صدق كلامه يتّضح يوماً بعد يوم.
4. وأهم من ذلك كلّه إيمانه بربّه: كان يقول لي في جلسةٍ: لا تتصوّر أنّنا نحن الذين نعمل هكذا (نقوم بالثورة)، إنّني أرى وألمس يدّ الله بوضوح، إنّ الذي يشعر بقوّة الله وعنايته ويسير في سبيل الله، فإنّ الله يُضيف إلى قوّته النصر، تصديقاً لقوله تعالى: ﴿ إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ﴾[5]، وتصديقاً لما يتحدّث به القرآن عن أصحاب الكهف، إذ يقول تعالى: ﴿ بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى﴾[6]، إنّهم قاموا لله، والله يربط على قلوبهم، ﴿ وَرَبَطْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ إِذْ قَامُوا فَقَالُوا رَبُّنَا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ﴾[7]
إنّني أرى هذه الهداية والتأييد (الإلهيين) بوضوح في هذا الرجل، إنّه قام لله، فمنحه الله تعالى قلباً قوّياً، حيث لا يأتيه الخوف، ولا يتزعزع أبداً.
إنّ الأطبّاء الفرنسيّين، الذين فحصوا - أخيراً - هذا الشيخ، وقد تعرّض خمسة عشر عاماً - على الأقل - للحرب النفسيّة، والتأثُّرات الروحية، وفقد أخيراً ذلك الشابّ الصالح[8]؛ إنّهم، يعتقدون: بأنّ الإمام يمتلك قلباً، كقلب شابّ عمره عشرون سنة، إنّه الذي يسير في سبيل الله، وقد رأى بالتجربة ما وَعَدَنا القرآن[9].
لقد وعد القرآن أنّكم إذا قمتم لله وعملتم من أجل الله، فإنّكم ترون وقتئذٍ عناية الله. تحرَّكْ من أجل الله، لترى الله وترى عنايته.
إنّ الإنسان الذي تحرّك لله، وتوكّل عليه، فإنّه لا يخشى من تهديدات أمريكا، حتى ولو أضيفت إليها تهديدات الاتّحاد السو ڤييتي.
ولأذكر لكم مورداً آخر من مختصّات هذا الرجل العظيم، هذا الرجل الذي، ينشر ويُرسل في النهار تلك البيانات الثائرة اللاهبة، هو الذي يُناجي ربّه في الأسحار ساعةً واحدةً على الأقلّ، وتُسكب دموعه بطريقةٍ يصعُب تصديقها. إنّ هذا الرجل هو نموذج حقيقي ممّن سار على خُطى الإمام علي (عليه السلام).
قيل في الإمام علي (عليه السلام) إنّه هو الضحَّاك إذا اشتدَّ الضِّراب في ميدان القتال، وهو البكّاء في محراب العبادة بحيث يُغشى عليه من شدّة البكاء.
أتمنّى أنْ يمنح الله هذا القائد عمراً طويلاً ويوفّقه للخدمة، ويوفّقنا جميعاً أنْ نكون حماةً حقيقييّن للإسلام.
[1] من كبار الفقهاء والمفسّرين توفي سنة 548هـ. وللتوسُّع يراجع معالم العلماء، ص 25، كشكول البحراني، ج1، ص301، إيضاح المكنون ذيل كشف الظنون،ج1، ص31، معجم المؤلفين،ج 2، ص10، أعيان الشيعة،ج 9، ص99، الذريعة إلى تصانيف الشيعة،ج 1، ص281، وغيرها.
[2] كتاب "بحار الأنوار" عبارة عن دائرة معارف إسلامية في 110 مجلدات، للعلّامة محمّد باقر المجلسي، المتوفّى سنة 1111هـ. وللتوسُّع يُراجع: مقدّمة "بحار الأنوار" ج 1، ص 4 - 34؛ بقلم الحجّة: عبد الرحيم الرباني الشيرازي.
[3] أيّام الثورة.
[4] أهالي الجنوب، كناية عن الفقراء والمستضعفين حيث إنّ معظم سكانه هم من الفقراء.
[5] آخر رئيس وزراء للشاه هرب في الأيّام الأولى للثورة إلى باريس.
[6] القرآن الكريم،سورة محمّد، الآية 7.
[7] القرآن الكريم،سورة الكهف، الآية 14.
[8] نجلّ الإمام الأكبر، آية الله السيد مصطفى الخميني، الذي تُوفي في النجف الأشرف في عصر الشاه، وبقي سرّ وفاته غامضاً إلى الآن، (المترجم).
[9] إنّ الشهيد مطهّري(رضوان الله عليه) يُريد أن يقول: إنّ القائد الخميني(قدس سره) قد وجد بالتجربة أنّ ما كان لله ينمو، وأنّ مَن كان مع الله كان الله معه.
الإطار الاجتماعي للشهادة
الإطار الاجتماعي للشهادة ينظر إلى المسألة باعتبارها ظاهرة لها جذورها الممتدة في أعماق المجتمع، ولها آثارها الجسيمة التي ستتركها على الحياة الاجتماعية.
موقف المجتمع من الشهيد ومن حادثة الشهادة لا يرتبط بالشهيد ذاته فقط بما حقّقه الشهيد من نجاح فردي، أو بما مُني به من فشل فردي فحسب.. بل إنّ هذا الموقف يرتبط برد الفعل الذي سيبديه المجتمع تجاه الشهيد، وتجاه جبهة الشهيد من جهة، وتجاه الجبهة المعارضة للشهيد من جهة أخرى.
الشهيد يرتبط بمجتمعه عن طريقين:
الأوّل: ارتباطه بأفراد حرموا من وجوده ومن معطياته.
ووقع الشهادة على هؤلاء الأفراد مؤلم محزن. وإن بكى هؤلاء على الشهيد فإنّما يبكون في الحقيقة على أنفسهم.
الثاني: ارتباطه بالأفراد الذين ثار الشهيد بوجههم، لما بثّوه في المجتمع من إثم وفساد.
أي ارتباطه بالجو الفاسد الذي ناضل الشهيد لمحوه وسقط صريعاً على طريق نضاله.
هذا الارتباط يلقي على المجتمع أوّل درس من دروس الشهيد.
هذا الدرس يتلخّص في الطلب من أفراد المجتمع عدم السماح للأجواء الفاسدة أن تظهر في المجتمع..
شهادة الشهيد تطرح في إطار هذا الدرس على أنّها أمر مؤلم مفجع، لكن هذا الألم يتحوّل في نفوس الأفراد إلى سخط على الذين ثار الشهيد بوجههم، وعلى الذين قتل الشهيد بأيديهم..
وهذا السخط يحول دون ظهور قتلة جناة في المجتمع.
وهذا الدرس نتلمس آثاره في الذين تربوا في مجالس العزاء الواقعية على الحسين عليه السلام، إنّهم يأبون أن يتشبهوا قيد أنملة بقتلة الحسين (عليه السلام).
وللشهادة دروس اجتماعية أخرى. المجتمعات الإنسانية لا تخلو من أجواء فاسدة تتطلب الشهادة.
وهنا ينبغي دفع مشاعر أفراد المجتمع على طريق الاستشهاد، عن طريق سرد ما قام به الشهيد من أعمال بطولية عن "وعي" و"اختيار".
فعن هذا الطريق ترتفع مشاعر أفراد المجتمع إلى مستوى مشاعر الشهيد، وتنطبع بطابعها ومن هنا قلنا إنّ البكاء على الشهيد: اشتراك معه فيما سجله من ملاحم، وتعاطف مع روحه، وانسياق مع نشاطه وتحركه وتياره.
العبادة وخدمة عباد الله عز وجل
إحدى الفضائل المؤكّدة التي يقرّها الإسلام ويعتبرها فضيلة إنسانيّة هي خدمة خلق الله. وهذا الجانب أوصى به الرسول كثيرًا وحثَّ عليه القرآن بالقول: ﴿ لَّيسَ ٱلبِرَّ أَن تُوَلُّواْ وُجُوهَكُم قِبَلَ ٱلمَشرِقِ وَٱلمَغرِبِ وَلَٰكِنَّ ٱلبِرَّ مَن ءَامَنَ بِٱللَّهِ وَٱليَومِ ٱلأخِرِ وَٱلمَلَٰئِكَةِ وَٱلكِتَٰبِ وَٱلنَّبِيِّنَ وَءَاتَى ٱلمَالَ عَلَىٰ حُبِّهِۦ ذَوِي ٱلقُربَىٰ وَٱليَتَٰمَىٰ وَٱلمَسَٰكِينَ وَٱبنَ ٱلسَّبِيلِ وَٱلسَّائِلِينَ وَفِي ٱلرِّقَابِ ﴾[1]
ولكن تجد إنسانًا مثل سعدي–طبعًا سعدي لم يكن عمليًّا على هذه الشاكلة وإنَّما هذا لسان الشعراء–ينطلق مرّة واحدة قائلًا: "ليست العبادة إلّا خدمة الخلق" ولا شيء آخر سواها.
الذين يتفوّهون بهذا الكلام يستهدفون سلب فضيلة العبادة، ونفي فضيلة الزهد، وإنكار فضيلة العلم، وفضيلة الجهاد، وكلّ الفضائل السامية الأخرى التي أقرّها الإسلام للإنسان، فيقولون: أتعلمون ماذا تعني الإنسانيّة؟ تعني خدمة عباد الله، بخاصّة أنّ بعض المثقّفين اليوم يتصوّرون أنّهم بهذا المنطق حقّقوا إنجازًا رائعًا، وصاروا يسمّون هذا المنطق السامي نزعة إنسانيّة.
ولكن ماذا تعني النزعة الإنسانيّة؟ يقال إنّها تعني خدمة خلق الله، ونحن نخدم خلق الله، ونقول بوجوب خدمتهم؛ ولكن ماذا عن خلق الله ذاتهم؟ إذا افترضنا أنّنا أشبعنا بطون خلق الله وكسونا أجسادهم، فنحن إنّما نكون قد خدمنا حيوانًا. فإذًا نحن لم نعترف لهم بقيمة أسمى من هذه، وجعلنا القيم كلّها محصورة في إطار خدمة خلق الله، وليس في ذاتنا قيمة أعلى منها، ولا في ذات الآخرين قيمة أسمى منها؛ حينها يكون خلق الله مجموعة من الأغنام أو الخيل، ونكون نحن قد أشبعنا بطون عدد من الحيوانات وكسونا أجسادها.
طبعًا إذا أشبع الإنسان بطن حيوانٍ يكون قد قدّم خدمة، ولكن هل الحدّ الأعلى للإنسان يبيح بقاءه في حدود الحيوانيّة؟
العلاقة بين ذكر الله وخدمة العباد:
ذكر الله سبب لتقوية قلب الإنسان وخاصّة في الظروف العسيرة، وذكر الله يجعل المرء يستمدّ العون من قدرة الله، ويبعث في نفسه العزم والقوَّة.
﴿يَٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱستَعِينُواْ بِٱلصَّبرِ وَٱلصَّلَوٰةِ...﴾[2]. الصلاة تعني ذكر الله، والقرآن يقول استمدّوا العون من الصلاة.
أتذكّر قبل سنوات أنّ شخصًا كان في ما مضى في الحوزة العلميّة، ثمّ تركها وجاء إلى طهران وانضمّ إلى عصابة أحمد كسروي (وهي عصابة كانت تتنكّر للدِّين)، وألّف كتابًا يدحض فيه المذهب الشيعيّ وقد كتبت ردًّا عليه. ومن جملة ما سخر منه هذا الشخص هو ذكر الله، إذ قال هل أنّ رجلًا يحرس بيوت الناس في كبد اللّيل خير وأرضى لله أم شخص يجلس في موضع ما ويحرّك شفتيه ويقول أنا أذكر الله؟
ردّ عليه أحد العلماء بالقول: هذه القضيّة لها شقّ ثالث وهو أنّ هذا الحارس في الوقت الذي يحمل فيه بندقيّته ويجوب الشوارع، يذكر الله أيضًا.
فالإسلام لا يأمرك إمّا أن تكون حارسًا وإمّا أن تذكر الله، ولا يخيّرك بين أن تكون طيّارًا أو تذكر الله، ولا يفرض عليك إمّا أن تكون ملّاحًا في سفينة وإمّا أن تذكر الله، بل يقول: اذكر الله مع كلّ عمل تمارسه، وحينها تؤدّي عملك بشكل أفضل، ويكون اندفاعك للعمل أشدّ. القرآن لا يأمر الإنسان بالجلوس في حجرة وإغلاق الأبواب على نفسه، والإمساك بمسبحة ذات ألف حبَّة وذكر الله[3].
العبادة ومواساة المحرومين
ثمّة سُنَّة مشتركة بارزة عند جميع الأئمّة عليهم السلام بوضوح؛ أحدها الاعتقاد بالله وخشيته وعبادته. فالاعتقاد بالله سمة بارزة في حياتهم، وخشية الله تدفعهم في مواطن كثيرة إلى البكاء والخوف والتضرّع وكأنّهم يرونه، ويرون القيامة والعذاب، والجنّة والنار. جاء في وصف الإمام موسى بن جعفر (عليهما السلام) أنّه كان: "حليف السجدة الطويلة والدموع الغزيرة"[4]، فإذا لم يكن هناك تفاعل في داخل الإنسان، فهو لا يبكي.
والسُّنَّة الثانية التي كانت بارزة في حياة جميع ذرّية عليّ (عليه السلام) من الأئمّة المعصومين(عليهم السلام) هي مواساة الفقراء والمساكين والمحرومين؛ إذًا إنّ للإنسان عندهم قيمة ثمينة. ولو طالعنا تاريخ كلّ واحد من الأئمّة نجد الاهتمام بشؤون الضعفاء من جملة اهتماماتهم، وكانوا يتولّون هذه المهمّة بأنفسهم ولا يوكلون من يؤدّي هذه المهمّة نيابة عنهم[5].
[1] القرآن الكريم، سورة البقرة، الآية 177.
[2] سورة البقرة: الآية 153.
[3] التعرّف على القرآن: ص92.
[4] الشيخ عباس القمي، منتهى الآمال، ج2، ص222.
[5] في رحاب الأئمّة الأطهار، ص183.
قائد الثورة یصدر بيانا بمناسبة ذكرى أربعين شهداء العدوان الصهيوني
أصدر قائد الثورة الإسلامية في إيران سماحة آيةالله السيدعلي الخامنئي بيانا بمناسبة ذكرى أربعين استشهاد كوكبة من المواطنين، والقادة العسكريين والعلماء النوويين البارزين.
وإليكم النص الكامل لبيان سماحة القائد:
بسم الله الرحمن الرحيم،
أيّها الشعب الإيرانيّ الشامخ،
♦️ لقد حلّت اليوم ذكرى الأربعين لاستشهاد كوكبةٍ من أبناء وطننا الأعزّاء، كان من بينهم قادة عسكريّون أكفّاء وعلماء بارزون في مجال الطاقة النوويّة. وقد وجّهت هذه الضربةَ الفئةُ الحاكمةُ الصهيونيّة الخبيثةُ والمجرمة، العدوّ الرذل والمعاند للشعب الإيرانيّ.
♦️ لا شكّ في أنّ فقدان قادةٍ أمثال الشهداء باقري، وسلامي، ورشيد، وحاجي زاده، وشادماني، وغيرهم من العسكريّين، وكذلك علماء أمثال الشهيدَين طهرانتشي وعبّاسي وسواهما، لَمصابٌ أليمٌ على أيّ شعب، ولكنّ العدوّ الأحمق القصير النظر لم يبلغ هدفه. سيُظهر المستقبل أنّ المسارَين العسكريّ والعلميّ سيتقدّمان بوتيرةٍ أسرع من ذي قبل نحو آفاقٍ سامية، إن شاء الله.
♦️ لقد اختار شهداؤنا بأنفسهم طريقًا كانت احتماليّة نيل مرتبة الشهادة السامية فيه غير قليلة، وقد بلغوا في النهاية ما يتطلّع إليه كلّ مضحٍّ ومجاهد؛ هنيئًا لهم. أمّا مرارة هذا الفقد، فهي قاسيةٌ ومؤلمةٌ وثقيلةٌ على الشعب الإيرانيّ، ولا سيّما على عائلات الشهداء، وبالأخصّ أولئك الذين عرفوهم من كثب.
♦️ وفي هذه الحادثة، تتجلّى أيضًا نقاطٌ مشرقة. أوّلًا: صبرُ ذوي الشهداء وتحملهم وصلابةُ أرواحهم، وهي أمورٌ لا يُرى نظيرُها إلّا في مسيرة الجمهوريّة الإسلاميّة الإيرانيّة. ثانيًا: صمودُ المؤسّسات والأجهزة التي كانت بإمرة الشهداء وثباتها، والتي لم تسمح لتلك الضربة القاسية أن تعرقل حركتها أو تسلبها فرص التقدّم. ثالثًا: العظمةُ والصمودُ الإعجازيّ للشعب الإيرانيّ الذي تجلّى في وحدته وقوّة إرادته وعزيمته الراسخة على الثبات التامّ في الميدان. لقد أثبتت إيران الإسلاميّة مرّةً أخرى، عبر هذه الحادثة، صلابةَ بنيانها؛ وإنّ أعداء إيران ما يزالون يدقّون الحديد البارد.
♦️ ستتعزَّزُ قوّة إيران الإسلاميّة يومًا بعد يوم، بإذن الله وتوفيقه. المهم ألّا نغفل عن هذه الحقيقة، ولا عن الواجب المُترتب علينا بسببها. على كلّ فرد منّا الحفاظ على الوحدة الوطنيّة، كما على عاتق النخب العلميّة الإسراع في خطى التقدّم في قطاعات التكنولوجيا والمعرفة جميعها. إنّ صون عزّة البلاد والشعب وكرامتهما واجب لا يُقبل أن يتساهل فيه الخطباء والكتّاب، وعلى القادة العسكريين أن يُجهّزوا البلاد باستمرار بأدوات صون الأمن والاستقلال الوطني. تُلقى مسؤوليّة الجدّ والمثابرة وإتمام المهمات القائمة في البلاد على عاتق الأجهزة التنفيذية المعنيّة جميعها، وعلى عاتق أصحاب السماحة من العلماء توجيه القلوب على المستوى الروحانيّ وتنويرها، والدعوة إلى الصبر والثبات والسكينة الشعبية، وتُلقى مسؤوليّة الحفاظ على الحماسة والمشاعر والوعي الثوريّ على كلّ واحد منا، وخاصّة الشباب.
♦️ نسأل الله العزيز الرحيم أن يوفّق الجميع. سلامٌ على الشعب الإيراني، والسلام على الشهداء الشباب، وعلى النساء والأطفال الشهداء، وعلى الشهداء جميعهم وكل الذين فقدوا أحباءهم.
والسّلام عليكم ورحمة الله.
السيّد علي الخامنئي
25/7/2025
مكتب السيد السيستاني يصدر بيانا هاما بشأن الاوضاع فی غزة
أصدر مكتب المرجع الديني الأعلى فی العراق، السيد علي السيستاني، اليوم الجمعة، بياناً حول المأساة الإنسانية في غزة.
وذكر بيان للمكتب، انه "بعد ما يقرب من عامين من القتل والتدمير المتواصلين وما خلّف ذلك من مئات الآلاف من الشهداء والجرحى وهدم مدن ومجمعات سكنية بكاملها، يعاني في هذه الايام الشعب الفلسطيني المظلوم في قطاع غزة من ظروف حياتية بالغة السوء ولا سيما بسبب ندرة المواد الغذائية التي تسببت في مجاعة واسعة النطاق لم يسلم منها حتى الأطفال والمرضى وكبار السن".
واضاف البيان، "واذا لم يكن المتوقع من قوات الاحتلال إلا ممارسة هذا التوحش الفظيع في اطار محاولاتها المتواصلة لتهجير الفلسطينيين من وطنهم، فان المتوقع من دول العالم ولا سيما الدول العربية والإسلامية أن لا تسمح باستمرار هذه المأساة الإنسانية الكبرى بل تكثف جهودها في سبيل وضع حد لها وتمارس أقصى ما تستطيع لإلزام كيان الاحتلال وحماته لفسح المجال لايصال المواد الغذائية وسائر المستلزمات المعيشية إلى المدنيين الأبرياء في أقرب وقت ممكن".
وتابع: "ان المشاهد المروعة للمجاعة المستشرية في القطاع التي تتناقلها وسائل الإعلام لا تسمح لأي إنسان ذي ضمير أن يهنأ بطعام أو شراب بل - وكما قال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) بشأن الاعتداء على امرأة في بلاد الإسلام - (لو ان امرءاً مسلماً مات من بعد هذا أسفاً ما كان به ملوماً بل كان به عندي جديراً)".
دعوات دولية لإغاثة المجوّعين بغزة وإنهاء الحرب
دعا بيان مشترك بريطاني فرنسي ألماني إلى إنهاء الحرب في قطاع غزة ووضع حد للكارثة الإنسانية، وتزامن ذلك مع توالي الدعوات من جهات دولية من أجل إغاثة المجوعين في غزة وإنقاذهم من موت محقق يتربص بهم ما لم يتم إجبار إسرائيل على السماح بدخول المساعدات إلى القطاع المحاصر.
وقال زعماء بريطانيا وفرنسا وألمانيا في بيان مشترك اليوم الجمعة "حان الوقت لإنهاء الحرب في غزة.. الكارثة الإنسانية التي نشهدها في غزة يجب أن تتوقف الآن".
ودعا البيان إسرائيل إلى "الوفاء بالتزاماتها بموجب القانون الإنساني الدولي، والسماح فورا للأمم المتحدة والمنظمات غير الحكومية بالقيام بعملها بغزة".
من جانبه، قال وزير الخارجية الإيطالي أنطونيو تاياني "لم يعد بإمكاننا القبول بالمجازر والمجاعة" في غزة، وأضاف خلال افتتاح المجلس الوطني لحزبه المحافظ "فورتسا إيطاليا": إن الوقت حان للتوصل إلى وقف فوري لإطلاق النار.
وأكد برنامج الأغذية العالمي أن أزمة الجوع في قطاع غزة وصلت إلى مستويات غير مسبوقة، وأن نحو ثلث سكان القطاع لم يتناولوا وجبة طعام واحدة منذ أيام.
وأضاف البرنامج أنه مستعد لغمر قطاع غزة بالمساعدات والوصول إلى جميع الأسر المحتاجة وأن المطلوب هو وقف إطلاق النار حتى يستأنف إدخال المساعدات الإنسانية الأساسية والعاجلة.
من جانبها، قالت وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) إن تجويع سكان غزة من صنع الإنسان وطالبت بإدخال الطعام إلى المجوعين، ورفع الحصار.
شهداء الجوع
وأعلن المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان استشهاد أكثر من 60 طفلا فلسطينيا في قطاع غزة جراء إصابتهم بسوء التغذية، وذلك منذ إغلاق إسرائيل للمعابر أمام المساعدات الإنسانية والإغاثية والطبية مطلع مارس/آذار الماضي.
وقال المرصد الحقوقي في بيان اليوم الجمعة إن عشرات الآلاف من الأطفال معرضون للخطر بسبب سوء التغذية في غزة.
وأكد أن "مؤسسة غزة الإنسانية لا تُنهي المجاعة، بل تخفيها، إذ تعمل وفق نموذج مصمم خصيصا لخدمة السياسات الإسرائيلية، من خلال استبدال أنظمة توزيع المساعدات المحايدة ما يكرس وهما إعلاميا بوجود استجابة إغاثية".
وبعيدا عن إشراف الأمم المتحدة والمنظمات الإغاثية الدولية، بدأت إسرائيل منذ 27 مايو/أيار الماضي تنفيذ خطة توزيع مساعدات عبر ما يُعرف بمؤسسة غزة للإغاثة الإنسانية، وهي جهة مدعومة إسرائيليا وأميركيا، لكنها مرفوضة من قبل الأمم المتحدة.
وفي مقابلة مع الجزيرة قال المستشار الإعلامي لفريق الطوارئ في منظمة أطباء بلا حدود الدكتور عبد الحليم عبد الله إنّ ربع الأطفال والحوامل في غزة يعانون من سوء التغذية. وأشار إلى أنّ فرق المنظمة مكبلة بسبب عدم إدخال المساعدات والمستلزمات الطبية، واصفا الوضع بالكارثي.
وفي وقت سابق اليوم الجمعة، قالت وزارة الصحة بغزة إن 9 فلسطينيين استشهدوا بينهم طفلان خلال 24 ساعة جراء سياسة التجويع الإسرائيلية، ما يرفع عدد شهداء التجويع وسوء التغذية إلى 122 منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، بينهم 83 طفلا.
وتواصل إسرائيل بدعم أميركي منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، حرب إبادة جماعية بغزة خلفت أكثر من 203 آلاف فلسطيني بين شهيد وجريح، معظمهم أطفال ونساء، وما يزيد على 9 آلاف مفقود، إضافة إلى مئات آلاف النازحين وكارثة إنسانية غير مسبوقة.
بيان دمشق وواشنطن وباريس.. هل ترجم آمال ومطالب الشعب السوري؟
توافقت دمشق وباريس وواشنطن -خلال اجتماع عقد في العاصمة الفرنسية اليوم الجمعة- على الحاجة لإنجاح مسار الانتقال في سوريا، وهي خطوة قوبلت باحتفاء من السلطات السورية التي تسعى للمضي قدما في المسار الانتقالي ومعالجة الملفات الشائكة.
ويرى محللون أن البيان على أهميته يترك تساؤلات تتعلق خصوصا بمدى استعداد الأطراف الداخلية في سوريا للتعاطي مع ما يدعو إليه الإعلان.
والتقى وزير الخارجية والمغتربين أسعد الشيباني مع نظيره الفرنسي جان نويل بارو والمبعوث الأميركي الخاص إلى سوريا توم برّاك في باريس، وأصدروا في أعقاب اجتماعهم بيانا ثلاثيا، دعا للتعاون في مكافحة الإرهاب ودعم قدرات الدولة السورية ومؤسساتها.
كما حثّ مكونات الساحة السورية وحكومة دمشق على عقد مشاورات لمعالجة الأوضاع في الشمال السوري وفي محافظة السويداء جنوبي سوريا.
وجاء الاجتماع الثلاثي في ظل مشهد سوري معقد، وتحديات أمنية تواجهها السلطات، أبرزها الاعتداءات الإسرائيلية المتكررة للأراضي السورية وتمرد حكمت الهجري، أحد مشايخ الدروز في السويداء جنوبي سوريا، والمدعوم إسرائيليا، بالإضافة إلى التحدي الذي تطرحه قوات سوريا الديمقراطية (قسد) التي لا تزال تناور في مسألة تسليم سلاحها والاندماج في مؤسسات الدولة السورية.
ويرى محللون أن البيان الثلاثي لم يتطرق لتفاصيل وتعقيدات المشهد السوري، وجاء في شكل بنود وخطوط عريضة، وهو ما أشار إليه الكاتب والباحث السياسي، مؤيد غزلان قبلاوي في حديثه لبرنامج "ما وراء الخبر"، إذ يقول إن البيان يتحدث عن العملية الانتقالية، لكنه لا يذكر تفاصيلها، كما أنه يركز على الطابع الأمني ويتحدث عن خفض التصعيد، في الوقت الذي يريد فيه الشارع السوري إنهاء التصعيد.
وفي السياق نفسه، يلفت قبلاوي إلى أن الاشتباكات لم تنته بشكل كلي في السويداء، وهناك عراقيل تطرحها "قوات سوريا الديمقراطية"، مشيرا إلى أن اللقاءات القادمة يفترض أن تتطرق لاتفاقية عدم الاعتداء من طرف إسرائيل على سوريا، ويقول إن المبعوث الأميركي الخاص إلى سوريا يتحدث بدبلوماسية منمقة عن سوريا وينتقد إسرائيل، لكنه لا يتخذ إجراءات عملية لكبح جماحها.
تساهل أميركي
ويقر محللون أميركيون بأن بلادهم لا تمارس الضغط الحقيقي على إسرائيل كي تغير سياستها في سوريا.
ويوضح ستيفن هايدمان الباحث في مركز سياسة الشرق الأوسط بمعهد "بروكينغز" -في حديثه لبرنامج "ما وراء الخبر"- أن الإدارة الأميركية كانت متساهلة مع التوغلات الإسرائيلية في الأراضي السورية، ولم تجبر تل أبيب للتخلي عن الأرضي التي سيطرت عليها.
ورغم التساهل الأميركي مع إسرائيل، فإن واشنطن تجدد التزامها بسيادة سوريا على كامل أراضيها -وفق هايدمان- ولا تدعم العناصر داخل قسد التي قال إنها تتحدث عن حكم ذاتي.
ويذكر أنه تم تأجيل اجتماع كان مقررا أمس الخميس في باريس بين وفد حكومي سوري وممثلين عن الأكراد، وذلك وفقا لوكالة أنباء هاوار الكردية.
ووفق أستاذ العلاقات الدولية بجامعة جنيف، الدكتور حسني عبيدي، فإن الرئيس الأميركي دونالد ترامب يفتقد لرؤية واضحة ومستقرة خاصة بسوريا، وبالتالي فإن سفيره لن تكون لديه رؤية، لكنه يرى أن البيان الثلاثي بين دمشق وواشنطن وباريس هو خطوة إيجابية وبداية مشجعة إذا تركت واشنطن الفرصة لباريس كي يكون لها دور في عملية المسار الديمقراطي في سوريا.
وتريد فرنسا أن تكون عضوا مساهما في عملية الانتقال السياسي في سوريا -يضيف عبيدي- وتقضي رؤيتها بأن تعطى الأولوية لحل مشكلة الأقليات عبر حوار وطني ودستور جامع بإشراك كل المكونات السورية وصلا إلى نزع سلاحها.
ونقلت وسائل إعلام تصريحات لمسؤول في الخارجية السورية أشار إلى أن مشكلة المفاوضات مع "قوات سوريا الديمقراطية" حاليا هي غياب رؤية موحدة لدى قيادتها.
وأوضح أن موقف باريس يؤكد الاستعداد للضغط على هذا التنظيم للوصول للحل.
تصاعد التوتر بين تركيا وإسرائيل في سوريا
بدأت عملية دمج القوات الكردية في الدولة السورية باتفاق وُقّع 10 مارس/ آذار 2025، عقب لقاء بين الرئيس السوري أحمد الشرع، وقائد قوات سوريا الديمقراطية "قسد" مظلوم عبدي.
وجرى اللقاء الثاني بين الشرع وعبدي في العاصمة دمشق بتاريخ 9 يوليو/ تموز، بمشاركة السفير الأميركي في أنقرة والمبعوث الخاص إلى سوريا، توم باراك. وقد جاء هذا اللقاء الثاني بعد أن كان الوفد الكردي قد أعلن في شهر يونيو/ حزيران عن مطلبه بدولة "ديمقراطية ولا مركزية".
وكشفت التصريحات التي أعقبت اللقاء الثاني أن المحادثات بين حكومة دمشق وقوات سوريا الديمقراطية لم تسفر عن نتائج، وأن العملية لا تتقدم بشكل سليم.
وفي الوقت الذي كانت تمر فيه المفاوضات بين "قسد" وحكومة دمشق بمرحلة صعبة، أثرت الاشتباكات التي اندلعت في مدينة السويداء جنوب سوريا بين المليشيات المسلحة الموالية للزعيم الدرزي حكمت الهجري المدعوم من إسرائيل، والعشائر العربية البدوية، سلبًا على المفاوضات مع الوفد الكردي.
كما أن تدخل إسرائيل لصالح حكمت الهجري في اشتباكات السويداء، وقصفها قوات الجيش السوري ومقر هيئة الأركان العامة في دمشق، قد دفع الجماعات الكردية في شرق الفرات إلى إعادة التفكير في مواقفها.
اللقاء الثاني في دمشق
كانت تركيا تخطط لتنفيذ عملية عسكرية ضد قوات سوريا الديمقراطية فور سقوط نظام بشار الأسد في 8 ديسمبر/ كانون الأول 2024، وقد أتمت أنقرة كافة استعداداتها للعملية العسكرية.
وصرح وزير الخارجية التركي هاكان فيدان بأنهم "قبلوا عرض دمشق بضرورة إعطاء فرصة للمفاوضات والدبلوماسية، وبالتالي فإنهم يتابعون من كثب المفاوضات بين دمشق وقسد، لكن في حال عدم التوصل إلى نتائج، فلن يبقى خيار آخر سوى العملية العسكرية".
وقد أظهرت تركيا بوضوح عزمها على عدم القبول بوجود أي كيان مسلح على حدودها غير مندمج في حكومة دمشق.
وقد أرضى الاتفاق الذي تم توقيعه في 10 مارس/ آذار 2025 بين أحمد الشرع ومظلوم عبدي تركيا. وأعرب هاكان فيدان عن ارتياحهم للاتفاق، مشيرًا إلى أنهم يتابعون من كثب عملية تنفيذه.
بيدَ أن اللقاء الثاني الذي عقد في يوليو/ تموز لم يكن إيجابيًا. فقد أصر مظلوم عبدي خلال اللقاء على إقامة دولة "لامركزية". واعتبرت حكومة دمشق هذا المقترح "محاولة لفرض واقع انفصالي" ورفضته.
وأعلن المبعوث الأميركي الخاص إلى سوريا، توم باراك، الذي حضر الاجتماع الثاني، أن الخلاف بين دمشق وقسد بشأن دمج شمال شرق سوريا لا يزال قائمًا.
إن السبب الرئيسي لعدم الخروج بنتيجة إيجابية من اللقاء الثاني في دمشق، هو أن تركيا وسوريا والولايات المتحدة تدافع عن خطة "سوريا موحدة"، بينما تقف "قسد" أقرب إلى الطرح الإسرائيلي الداعي إلى "سوريا مقسمة".
تأثير أحداث السويداء
مما لا شك فيه أن الأزمة في السويداء وتدخل إسرائيل لتعميقها لا يؤثران فقط على جنوب سوريا، بل على سوريا بأكملها.
وتستغل إسرائيل الاشتباكات في السويداء بين الزعيم الدرزي حكمت الهجري المدعوم منها والجماعات المسلحة التابعة له من جهة، والعرب البدو من جهة أخرى، لتنفيذ مشروع "ممر داود"، وتتخذ خطوات لنشر الفوضى في جميع أنحاء سوريا.
إن انسحاب قوات الأمن السورية من السويداء في إطار اتفاق تم بوساطة أميركية بين الحكومة السورية وإسرائيل، قد دفع "قسد" إلى التحرك بما يتعارض مع اتفاق 10 مارس/ آذار.
وبينما كانت الاشتباكات مستمرة في السويداء وإسرائيل تقصف دمشق، تناقلت وسائل الإعلام العالمية أنباء عن استعدادات عسكرية لقوات سوريا الديمقراطية في الرقة.
ورغم أن العلاقة الإستراتيجية بين الولايات المتحدة وقسد مستمرة منذ أكثر من 15 عامًا، فإن "قسد" تفضل الوقوف إلى جانب إسرائيل في الملف السوري. وذلك لأنّ مشروع "ممر داود" الذي تسعى إسرائيل لتنفيذه في سوريا يشمل إقامة حكم ذاتي أو فدرالية في كل من السويداء وشرق الفرات.
وتؤدي أحداث السويداء وتدخلات إسرائيل إلى تأخير دمج قوات سوريا الديمقراطية في الدولة السورية، وتهيئ الأرضية لعودة نشاط العصابات التي تشكلت من بقايا نظام بشار الأسد في المنطقة الساحلية، مما يزعزع الأمن والاستقرار. كما أظهرت أزمة السويداء وجود علاقة وتنسيق قويين بين إسرائيل وحكمت الهجري وقسد.
فقد أجرى وزير الخارجية الإسرائيلي ساعر اتصالًا هاتفيًا مع القيادية البارزة في "قسد" إلهام أحمد في 3 يناير/ كانون الثاني، وأبلغها، بحسب صحيفة "يسرائيل هيوم"، بأن إسرائيل ستقدم الدعم للأكراد.
تركيا في حالة تأهب
تتابع تركيا بصبر عملية دمج "قسد" في الدولة السورية من جهة، وتراقب بحذر الأزمة في السويداء من جهة أخرى. وتعتقد تركيا أن أي وضع سلبي محتمل في السويداء لن يقتصر على المنطقة، بل سيمتد إلى سوريا بأكملها.
وتُقيّم المؤسسات التركية المختصة أن خروج السويداء عن سيطرة حكومة دمشق، وإقامة حكم فدرالي أو شبه فدرالي في جنوب سوريا، سيشكل سابقة للمناطق السورية الأخرى.
وهذا التقييم للمؤسسات التركية المختصة لا يعني فقط أن أي وضع قد ينشأ في منطقة "قسد" على حدود تركيا يُعتبر تهديدًا لأمن تركيا، بل يمكننا أن نستنتج أن أي وضع محتمل في السويداء سيؤثر على مناطق أخرى، وبالتالي سيشكل تهديدًا للأمن القومي التركي.
وكان تصريح وزير الخارجية التركي هاكان فيدان بشأن أحداث السويداء والهجمات الإسرائيلية واضحًا جدًا. حيث شارك فيدان 22 يوليو/ تموز تصور تركيا الجديد لـ"تهديد الأمن القومي" فيما يتعلق بسوريا.
وقال فيدان في تصريحه:
"على أي جماعة ألا تتجه نحو التقسيم. لدينا الكثير لنتحدث عنه عبر الدبلوماسية. كل شيء قابل للنقاش، والمناقشات جارية مع جميع الجماعات والعناصر. لكن إذا تجاوزتم ذلك واتجهتم نحو التقسيم وزعزعة الاستقرار باستخدام العنف، فإننا سنعتبر ذلك تهديدًا مباشرًا لأمننا القومي وسنتدخل. ناقشوا ما شئتم باستثناء التقسيم. قدموا ما لديكم من مطالب. وسنساعدكم قدر استطاعتنا في هذا الشأن، لكن عندما تتجاوزون هذا الحد، فلن نعرض أنفسنا للتهديد".
"أما إسرائيل، فهي تسعى لتخريب كل هذه المبادرات الرامية لتحقيق السلام والاستقرار والأمن في سوريا. هناك حقيقة يجب قولها بوضوح: إسرائيل، التي لا تريد أن ترى دولة مستقرة في محيطها، تهدف إلى تقسيم سوريا".
وصرح الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، أثناء عودته من جمهورية شمال قبرص التركية، في حديث للصحفيين على متن الطائرة الرئاسية، بوضوح تام حول سوريا قائلًا: "إسرائيل تسعى باستمرار لإشعال المنطقة بأكملها. الرئيس السوري أحمد الشرع أظهر موقفًا حازمًا في السويداء وحافظ على السيطرة. نحن مصممون، ولن نترك الشرع وحيدًا في سوريا. لا نريد تقسيم سوريا".
إن تصريحات كل من أردوغان وفيدان تظهر أن تركيا قد غيرت وقوّت وشددت من نهجها تجاه التهديدات التي قد تطال أمنها القومي عبر سوريا.
فبينما كانت تركيا في السابق تعتبر التطورات في شرق الفرات تهديدًا لأمنها القومي، أصبحت الآن تعتبر جميع الأعمال والتحركات الرامية إلى تقسيم سوريا بأكملها تهديدًا لأمنها القومي، وتصرح بوضوح أنها ستتدخل في مثل هذه الحالة.
إن "سياسة الأمن القومي" الجديدة التي طورتها تركيا على خلفية أزمة السويداء ستشكل عائقًا جديًا أمام انخراط "قسد" بسهولة في خطة "ممر داود" الإسرائيلية. كما أن الموقف التركي الجديد في سوريا سيجعل من الصعب على "قسد" تطبيق سياستها المماطلة والمؤجلة لعملية الاندماج في الدولة السورية.
سياسة الولايات المتحدة تجاه الأكراد في سوريا
تتبع الولايات المتحدة سياسة تدعم عملية دمج "قسد" في الدولة السورية، وتُظهر في هذه العملية تعاونًا متناغمًا مع تركيا وحكومة دمشق.
ويدافع السفير الأميركي في تركيا والمبعوث الخاص إلى سوريا، توم باراك، عن ضرورة أن تتحرك "قسد" بشكل أسرع للاندماج في الدولة السورية.
وفي مقابلة مع قناة "سي إن إن ترك" ، قال باراك: "قسد هي وحدات حماية الشعب وحزب العمال الكردستاني. ليس لدينا أي التزام تجاههم بإقامة دولة مستقلة"، مُظهرًا بذلك تبنيه سياسة تركيا التاريخية.
والجدير بالذكر أنه في حين أن تركيا تؤكد أن "قسد" وحزب العمال الكردستاني كيان واحد، وأن "قسد" هي امتداد لحزب العمال الكردستاني في سوريا، فإن الولايات المتحدة، منذ عهد أوباما وحتى اليوم، كانت تعترض دائمًا على هذا الطرح التركي، مؤكدة أنها ترى "قسد" مختلفة عن حزب العمال الكردستاني وأنها أقوى حلفائها.
كما أن توم باراك صرح بوضوح في مؤتمر صحفي عقده الأسبوع الماضي في واشنطن، بأنه لا خيار أمام "قسد" سوى الاتفاق مع دمشق، وأنهم لا يدعمون سوريا مقسمة.
نرى أن تركيا والولايات المتحدة وحكومة دمشق لديها سياسات متقاربة جدًا تجاه سوريا. أما إسرائيل، فلديها ملف سوري مختلف عن الولايات المتحدة، وتتخذ خطوات على الأراضي السورية بنفسها وعبر حلفائها لتحقيق أهدافها.
في هذا الإطار، نرى أن الزعيم الدرزي حكمت الهجري يتبنى سياسة إسرائيل في سوريا، بينما تقف "قسد" أقرب إلى إسرائيل منها إلى أميركا.
في الختام
يُقدَّر أنه لا يوجد طريق بديل أمام قوات سوريا الديمقراطية سوى الاندماج في الدولة السورية، وأن إتمام عملية المفاوضات مع دمشق بسرعة سيؤدي إلى نتائج أفضل بالنسبة لقسد.
ومن الواضح أن تركيا لن تقف صامتة أمام أي تحرك عسكري محتمل من جانب "قسد" في شرق الفرات، سواء كان مرتبطًا بالتطورات في السويداء أو مستقلًا عنها، وستتدخل عسكريًا.
كذلك، يمكن القول إنه في حال تصاعد أزمة السويداء ووصولها إلى نقطة قد تؤدي إلى تقسيم سوريا، فإن تركيا لن تتردد في الاهتمام بالسويداء واستخدام إمكاناتها والتدخل.
مصدر:الجزیرة
علاج القلب المختلط بحب الدنيا
عندما يكون قلب الإنسان مختلطاً بحبّ الدنيا، وليس له مقصدٌ ولا مقصودٌ غير تعميرها، فلا محالة أن يكون هذا الحب مانعاً من فراغ القلب وحضوره في ذلك المحضر القدسيّ، وعلاج هذا المرض المهلك والفساد المبيد هو العلم والعمل النافعان:
1- العلم النافع: التفكّر في ثمرات هذا المرض الذي هو مصدر الأمراض والمفاسد الأخلاقية، وفي نتائجه والمقارنة بينها وبين مضارّه ومهالكه الحاصلة منه. فكم هي محدودةٌ ومحكومةٌ بالفناء والزوال الفوائد الدنيوية التي قد يجنيها الإنسان المحب للدنيا؟ في مقابل ما يُسبّبه حبّها من ضررٍ له!! ويكفي لتبيان فداحة هذا الضرر ما ورد في الكافي عن الإمام الصادق عليه السلام: "رَأْسُ كُلِ خَطِيئَةٍ حُبُ الدُّنْيَا"[1].
بقليلٍ من التأمّل يُدرك الإنسان أنّ جميع المفاسد الخُلقية كالطمع والحرص والاستعباد والتملّق.. والمفاسد العملية كالقتل والنهب والظلم.. وسائر الأخلاق الفاسدة وليدة أمّ الأمراض هذه.
وحبّ الدنيا مانعٌ من الفضائل المعنوية، فالشجاعة والعفّة والسخاء والعدالة وطمأنينة النفس وسكون الخاطر وسلامة القلب والكرامة والحرية وعزّة النفس، وكذلك المعارف الإلهية والتوحيد في الأسماء والصفات والأفعال والذات وطلب الحق ورؤية الحق، جميعها متضادّةٌ مع حبّ الدنيا.
فعن الإمام الصادق عليه السلام: "الدُّنْيَا بِمَنْزِلَةِ صُورَةٍ رَأْسُهَا الْكِبْرُ وَعَيْنُهَا الْحِرْصُ وَأُذُنُهَا الطَّمَعُ وَلِسَانُهَا الرِّئَاءُ وَيَدُهَا الشَّهْوَةُ وَرِجْلُهَا الْعُجْبُ وَقَلْبُهَا الْغَفْلَةُ وَكَوْنُهَا الْفَنَاءُ وَحَاصِلُهَا الزَّوَالُ فَمَنْ أَحَبَّهَا أَوْرَثَتْهُ الْكِبْرُ وَمَنِ اسْتَحْسَنَهَا أَوْرَثَتْهُ الْحِرْصُ وَمَنْ طَلَبَهَا أَوْرَدَتْهُ إِلَى الطَّمَعِ وَمَنْ مَدَحَهَا أَكَبَّتْهُ الرِّئَاءُ وَمَنْ أَرَادَهَا مَكَّنَتْهُ مِنَ الْعُجْبِ وَمَنِ اطْمَأَنَّ إِلَيْهَا رَكِبَتْهُ الْغَفْلَةُ وَمَنْ أَعْجَبَهُ مَتَاعُهَا فَتَنَتْهُ فِيمَا يَبْقَى وَمَنْ جَمَعَهَا وَبَخِلَ بِهَا رَدَّتْهُ إِلَى مُسْتَقَرِّهَا وَهِيَ النَّار"[2].
2- العمل النافع: إنّ طريق علاج حبّ الدنيا هو مبدأ العمل بالضدّ. فكلّ محبٍّ للدنيا لديه نمطٌ من التعلّق بها، فالبعض يُحبّ المال والثروة وتكديس الخيرات وادّخار النفائس، وعلاج هذا الشخص يكون بأداء الحقوق المالية الشرعية الواجبة وبالصدقة المستحبّة، فيُعطي ممّا يُحبّ ﴿لَن تَنَالُواْ الْبِرَّ حَتَّى تُنفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ﴾[3]. فإنّ من أسرار الصدقات تقليل التعلّق بالدنيا. وإنْ كان هذا الأمر ثقيلاً على نفسه بادئ الأمر فليعلم أنّ السبب هو استحكام حبّ المال في قلبه، وليستمرّ في إنفاقه حتى يقضي على هذا الحبّ شيئاً فشيئاً.. وقد يُصبح العطاء لديه لذّة كما كانت لذّة التملّك وجمع الأموال[4].
[1] الشيخ الكليني، الكافي، ج2، ص315.
[2] العلامة المجلسي، بحار الأنوار، ج70، ص105.
[3] سورة آل عمران، الآية 92.
[4] راجع: الإمام الخميني قدس سره الآداب المعنوية للصلاة، المقالة الأولى، الفصل الثامن في بيان حضور القلب.