العمل والموازنة بين الدين والدنيا

قيم هذا المقال
(0 صوت)
العمل والموازنة بين الدين والدنيا


 "حثّ الإسلام على العمل والإنتاج، وقيّمه بقيمة كبيرة، وربط به كرامة الإنسان وشأنه عند الله، وحتّى عقله، وبذلك خلق الأرضيّة البشريّة الصالحة لدفع الإنتاج وتنمية الثروة، وأعطى مقاييس خلقيّة وتقديرات معيّنة عن العمل والبطالة، لم تكن معروفة من قبله. وأصبح العمل في ضوء تلك المقاييس والتقديرات عبادة يُثاب عليها المرء. وأصبح العامل في سبيل قوته أفضل عند الله من المتعبد الذي لا يعمل وصار الخمول أو الترفع عن العمل نقصاً في إنسانية الإنسان وسبباً في تفاهته"[1].
 
قيمة العمل في الإسلام
رُوي عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنّه قال: "العبادة سبعون جزءاً، أفضلها طلب الحلال"[2].

ورد عن الإمام الصادق عليه السلام، عن آبائه عليهم السلام، قال: "قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: مَنْ بات كالّاً من طلب الحلال، بات مغفوراً له"[3].
 
وعن خنيس، قال: سأل أبو عبد الله عليه السلام عن رجل، وأنا عنده، فقيل: أصابته الحاجة، قال عليه السلام: "فما يصنع اليوم؟"، قيل: في البيت يعبد ربّه، قال عليه السلام: "فمن أين قوته؟"، قيل: من عند بعض إخوانه، فقال أبو عبد الله عليه السلام: "والله، لَلَّذي يقوته أشدّ عبادةً منه"[4].
 
الموازنة بين الدين والدنيا
الإسلام دين الفطرة، جمع مقاصد الدنيا والآخرة، فوفّق بين طلب الدنيا بتحصيل الرزق والعيش بكرامة والسعي للآخرة بفعل الطاعات والاجتهاد في العبادة.
 
قال - تعالى -: ﴿فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِن فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾[5].

بل قرن -سبحانه- بين المجاهدين في سبيله والذين يضربون في الأرض، قال سبحانه: ﴿وَاللَّهُ يُقَدِّرُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ عَلِمَ أَن لَّن تُحْصُوهُ فَتَابَ عَلَيْكُمْ فَاقْرَؤُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ عَلِمَ أَن سَيَكُونُ مِنكُم مَّرْضَى وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِن فَضْلِ اللَّهِ وَآخَرُونَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَاقْرَؤُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنفُسِكُم مِّنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِندَ اللَّهِ هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجْرًا وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾[6].
 
فالمراد بقوله: ﴿عَلِمَ أَن لَّن تُحْصُوهُ﴾، عِلْمُه تعالى بعدم تيسّر إحصاء المقدار الذي أمروا بقيامه من الليل لعامّة المكلّفين.
 
والمراد بقوله: ﴿فَتَابَ عَلَيْكُمْ﴾، توبته تعالى ورجوعه إليهم، بمعنى انعطاف الرحمة الإلهيّة عليهم بالتخفيف، فلله سبحانه توبة على عباده ببسط رحمته عليهم، وأثرها توفيقهم للتوبة أو لمطلق الطاعة أو رفع بعض التكاليف أو التخفيف.
 
والمراد بقوله: ﴿فَاقْرَؤُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ﴾، التخفيف في قيام الليل، من حيث المقدار لعامّة المكلَّفين تفريعاً على علمه تعالى أنّهم لن يحصوه.
 
وقوله: ﴿عَلِمَ أَن سَيَكُونُ مِنكُم مَّرْضَى وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِن فَضْلِ اللَّهِ وَآخَرُونَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ﴾ "عَلِمَ أَن سَيَكُونُ مِنكُم مَّرْضَى وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِن فَضْلِ اللَّهِ وَآخَرُونَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ"، إشارة إلى مصلحة أخرى مقتضِية للتخفيف في أمر القيام ثلث الليل أو نصفه أو أدنى من ثلثيه، وراء كونه شاقّاً على عامّة المكلَّفين بالصفة المذكورة أوّلاً، فإنّ الإحصاء المذكور للمريض والمسافر والمقاتل، مع ما هم عليه من الحال، شاقّ عسير جدّاً.
 
والمراد بالضرب في الأرض للابتغاء من فضل الله، طلب الرزق بالمسافرة من أرض إلى أرض للتجارة[7].
 
المصدر: الإنسان والمجتمع، دار المعارف الإسلامية الثقافية

[1] الصدر، السيّد محمّد باقر، اقتصادنا، مكتب الإعلام الإسلاميّ - فرع خراسان، مؤسّسة بوستان كتاب قم (مركز النشر التابع لمكتب الإعلام الإسلاميّ)، 1425 - 1382ش، ط2، ص618.
[2] الشيخ الكلينيّ، الكافي، مصدر سابق، ج5، ص78.
[3] الحرّ العامليّ، وسائل الشيعة، مصدر سابق، ج17، ص24.
[4] الشيخ الكلينيّ، الكافي، مصدر سابق، ج5، ص78.
[5] سورة الجمعة، الآية 10 .
[6] سورة المزّمّل، الآية 20.
[7] الطباطبائيّ، العلّامة السيّد محمّد حسين، الميزان في تفسير القرآن، مؤسّسة النشر الإسلاميّ التابعة لجماعة المدرِّسين بقم المشرَّفة، إيران - قم، 1417ه‏، ط5، ج2، ص67.

18-02-2020

قراءة 1219 مرة