إن الانسان يمارس الذنب حتى ينقطع قلبه عن الله، فإذا انقطع قلبه عن الله انتكس القلب، فكان اعلاه اسفله، واسفله اعلاه، وفقد كل خصائصه.
فعن أبي عبدالله الصادق عليه السلام: «كان أبي يقول: ما من شيء أفسد للقلب من خطيئته. إن القلب ليواقع الخطيئة، فلا تزال به حتى تغلب عليه، فيصير اعلاه اسفله»([1]).
وعن أبي عبدالله الصادق عليه السلام أيضاً: «إذا أذنب الرجل خرج في قلبه نكتة سوداء، فإن تاب انمحت، وان زاد زادت، حتى تغلب على قلبه، فلا يفلح بعدها ابداً»([2]).
بالذنوب يفقد الانسان حلاوة الذكر:
ولذكر الله حلاوة في القلوب المؤمنة، ليس فوقها حلاوة، فإذا انتكس القلب فقد هذه الحلاوة، ولم يعد يتذوق حلاوة الذكر، كالمريض الذي تنتكس سلامته فيفقد شهية الطيبات، لا لأن الطيبات فقدت طيبها، ولكن لأن المريض فقد الشهية إليها، كذلك القلوب إذا انتكست فقدت حلاوة ذكر الله، ولم يعد لذكر الله تعالى لديها حلاوة وجاذبية.
في الحديث: «إن الله أوحى الى داود أن ادنى ما أنا صانع بعبد غير عامل بعلمه من سبعين عقوبة باطنية أن انزع من قلبه حلاوة ذكري)([3]).
وجاء رجل الى أمير المؤمنين عليه السلام، فقال: «يا أمير المؤمنين، إني قد حرمت الصلاة بالليل.
فقال عليه السلام؛ أنت رجل قد قيدتك ذنوبك»([4]).
وعن الامام الصادق عليه السلام: «إن الرجل يذنب الذنب، فيحرم صلاة الليل، وإن العمل السيئ اسرع في صاحبه من السكين في اللحم»([5]).
الذنوب التي تحبس الدعاء:
اذن انقطاع القلب عن الله من المردودات المباشرة للذنوب، وإذا انقطع القلب عن الله فلا يأخذ ولا يعطي.
و(الدعاء) مما يرفعه الانسان الى الله تعالى، ولذلك قلنا: إنه (القرآن الصاعد) الذي يرفعه العبد الى الله، بعدما يستقبل من عند الله (القرآن النازل)، فإذا انقطع الانسان عن القرآن النازل انقطع بالضرورة عن القرآن الصاعد، فيحبس عن الدعاء، ولا يتوفق له. وحتى إذا ألحت عليه الضرورات ودعا الله تعالى حبس الله تعالى دعاءه عن الصعود ولم يجد الاستجابة.
روي عن علي عليه السلام: «المعصية تمنع الاجابة».
وسأل رجل عليّاً عليه السلام عن قوله تعالى: (وادعوني استجب لكم): «ما لنا ندعو فلا يستجاب لنا؟ قال عليه السلام؛ فأي دعاء يستجاب لكم، وقد سددتم أبوابه وطرقه، فاتقوا الله وأصلحوا أعمالكم، وأخلصوا سرائركم، وامروا بالمعروف، وانهو عن المنكر، فيستجيب الله دعاءكم»([6]).
وعن علي بن الحسين زين العابدين عليه السلام: «والذنوب التي تردّ الدعاء، وتظلم الهواء عقوق الوالدين»([7]).
وفي رواية اخرى: «والذنوب التي ترد الدعاء: سوء النية، وخبث السريرة، والنفاق، وترك التصديق بالإجابة، وتأخير الصلوات المفروضات حتى تذهب أوقاتها، وترك التقرب إلى الله عز وجل بالبر والصدقة، واستعمال البذاء والفحش، في القول»([8]).
وعن أبي جعفر الباقر عليه السلام: «إن العبد يسأل الله الحاجة، فيكون من شأنه قضاؤها الى أجل قريب، فيذنب العبد ذنباً، فيقول الله تبارك وتعالى للملك: لا تقض حاجته، واحرمه إياها، فإنه تعرض لسخطي واستوجب الحرمان مني»([9]).
الدعاء عند أهل البيت (عليهم السلام)، سماحة الشيخ محمد مهدي الآصفي – بتصرّف يسير
([1]) بحار الانوار ج 73 ص 412.
([2]) بحار الانوار ج 73 ص 327.
([3]) دار السّلام للشيخ النوري 200: 3.
([4]) علل الشرائع 51: 2.
([5]) اصول الكافي 2: 272.
([6]) بحارالانوار 93: 376.
([7]) معاني الاخبار: 270.
([8]) معاني الاخبار: 271.
([9]) اصول الكافي 3: 373.