قال تعالى: ﴿فَبِما رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَی اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ﴾([1])
إشارات:
- شأن نزول هذه الآية يتعلّق بمعرکة أحد أيضاً وذلک علی الرغم من أنّها تتضمّن سلسلة من الأحکام والتعاليم العامة. فبعد رجوع المسلمين من تلک الوقعة الأليمة، أحاط أولئک الذين فرّوا من المعرکة برسول الله صلّی الله عليه وآله وسلّم حيث کانوا يحترقون بنار الندم والحسرة فاعتذروا للنبي وأظهروا له الندامة علی فعلتهم، فنزلت هذه الآية التي أعلن فيها الله تعالی عفواً عاماً عنهم.
- "الشُّوْر" في اللغة هو مصّ النحل رحيقَ الأزهار، وفي المشورة أيضاً يأخذ الإنسان أخلص الرأي وأفضله، وفي هذا يقول الإمام علي عليه السلام: "من شاور الرجال شارکهم عقولهم"، ويقول الشاعر الفارسي الکبير جلال الدين الرومي: هذه العقول مصابيح منيرة، وعشرون مصباح أنور من واحد([2]).
التعاليم:
١ـ معاملة الناس باللين والرفق، نعمة من الله، «فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللهِ لِنْتَ لَهُمْ».
٢ـ الإنسان الفظّ القاسي يعجز عن التواصل مع الناس، «لاَنْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ».
٣ـ يقوم النظام الإسلامي علی أسس المحبّة والعلاقة الحميمة مع الناس، «حَوْلِكَ».
٤ـ القيادة الصحيحة تحتاج إلی العفو والسماحة والرأفة، «فَاعْفُ عَنْهُمْ».
٥ـ افتحوا صدورکم للمخطئين التائبين والمذنبين النادمين، «فَاعْفُ عَنْهُمْ واسْتَغْفِرْ لَهُمْ وشَاوِرْهُمْ».
٦ـ لا تضيّعوا المشورة بسبب المصائب المؤقتة([3])، «وشَاوِرْهُمْ».
٧ـ النبي الکريم صلّی الله عليه وآله وسلّم کان مأموراً أن يُشرِک في مشورته حتی أولئک الذين صدرت عنهم أخطاء وزلّات، «وشَاوِرْهُمْ».
٨ ـ اعف عمّن ظلمک؛ «فَاعْفُ عَنْهُمْ» واستغفر لذنوبه؛ «واسْتَغْفِرْ لَهُمْ»، وشاوره في القضايا السياسية والاجتماعية، «وشَاوِرْهُمْ».
٩ـ کان النبي الکريم صلّی الله عليه وآله وسلّم مأموراً بالاستغفار لأمّته، لذلک فهذا الاستغفار مقبول عند الله، «واسْتَغْفِرْ لَهُمْ».
١٠ـ لا تتنافی المشورة مع الحاکمية الموحّدة والحزم، «وشَاوِرْهُمْ... فَإِذَا عَزَمْتَ».
١١ـ وأنت تفکّر وتستشير، لا تنس التوکّل علی الله، «فَتَوَكَّلْ».
١٢ـ معالجة الأمور تتمّ بالمشورة أوّلاً ثمّ بالتوکّل، بغضّ النظر عمّا إذا کانت النتيجة إيجابية أم سلبية، «وشَاوِرْهُمْ... فَتَوَكَّلْ... إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ».
تفسير النور، سماحة الشيخ محسن قراءتي
([1]) سورة آل عمران: ١٥٩.
([2]) الشعر بالفارسية: کاين خردها چون مصابيح، انور است بيست مصباح، از يکي روشنتر است.
([3]) ربّما يقول قائل إنّ نتيجة المشورة بنقل معرکة أحد إلی خارج المدينة کانت الهزيمة، غير أنّ هذه الحالات الاستثنائية يجب أن لا تثنينا عن مبدأ المشورة وما تنطوي عليه من فوائد جمّة.