وقفة تأمل على ساحل التربية الحسينية

قيم هذا المقال
(0 صوت)

في ليلة ذلك اليوم الخالد جمع الإمام الحسين (ع) أهله و أصحابه وقال لهم : يا أهلي و شيعتي إتخذو هذا الليل جملاً لكم، فانجوا بأنفسكم، فليس المطلوب غيري، ولو قتلوني ما فكروا فيكم فانجوا رحمكم الله فأنتم في حل وسعة من يبغي وعهدي الذي عاهدتموني . فقال اهله و اخوته و انصاره بلسان واحد : والله يا سيدنا يا أبا عبدالله لا خذلناك ، ابداً، والله لا قال الناس : تركوا إمامهم وكبيرهم و سيدهم وحده حتى قتل، و نبلوا بيننا وبين الله عذراً والله لا نخليك أو نقتل دونك. فقال لهم (ع) يا قوم إني غدا أقتل و تقتلون كلكم معي، ولا يبقي منكم احد فقالوا: الحمدالله الذي اكرمنا بنصرك و شرفنا بقتل معك أولا نرضى ان نكون معك في درجتك يابن رسول الله فقال : جزاكم الله خيراً و دعا لهم بخير.. وكان من بين الحاضرين فتى لم يبلغ الحلم دب القلق في اعماقه فلعل سنين عمره القليلة تفوت عليه اللحوق بقافلة المجد فسأل سؤالاً يدل عن رغبة كامنة له في اعماق نفسه قائلاً و أنا فيمن يقتل؟ فسأله الحسين عدل كتاب الله الذين يقول ( لا إكراه في الدين ) ولم يكن يسأل القاسم وحسب بل كان يريد أن تسمع الأجيال رأي القاسم بن الحسن ليعروفوا انه لم يكن فرداً في قافلة العشق سأله: يا بني كيف الموت عندك؟ فاجاب : ياعم أحلى من العسل فقال له (ع) اي والله فداك عمك إنك من يقتل من الرجال معي . بعد ان تبلو ببلاء عظيم .

الاثار السلبية للإكراه :

أساساً أنّ اهداف التربية لا تتحقق بالميل والدافع الذاتي وفن التربية يتحقق عند تناغم المربي مع المتربي برغبته وميله ولا تتحقق بالتهديد و الإجبار الذي يسبب :

1. عدم تحقق التربية : ربما يجبر المربي المتربي القيام بعمل سام كالصلاة و تمسك بالحجاب لكن الأسلوب الخاطئ يدفع إلى نتيجة عكسية ، فالمجبر على الصلاة بدون فهم لفلسفتها و المحجبة بدون معرفة لأهمية الحجاب لحفظ إنسانيتها سيكون مثل القشة في مهب ريح

ذات يوم قال الإمام على عبارته المشهورة: سلوني قبل أن تفقدوني . فقام يهودي وإعترض عليه بطريقة غير مهذبة ، فهم المسلمون بضربه، لكن الإمام نهاهم قائلاً :( لا تعجلوا فإن الطيش لا يقوم به حجج الله و لا تظهر به براهين الله ) و طلب من اليهودي أن يسأل واجابه الإمام بكل لطف مما دفع إلى اسلام اليهودي على يد الأمير (ع) .

2. إضعاف عزة النفس : لو سئلت فتاة ورثت معنى الحجاب عن تقليد عن فلسفته ولم تلبسه؟ ولم سمح لها ان تعبر ما بداخلها من مشاعر لما كانت عاها أن تقول ؟

أما التي ارتدته كهبة الهية لحفظ إنسانيتها فهي غير مستعدة لخلطه بل مفتخرة بإرتداته .

3. النفاق :ان الشخص يخسر المبادئ التي حمل عليها عندما يغيب عنه الرقيب سواء كان المربي أو المجتمع .

4. العناد: ان كثرة الضغط تولد رغبة جامعة في العناد و الإنتقام .

5.تكرار الخطأ : متربي اليوم الذي يحمل و يجبر ويكره هو مربيي الغد الذي سيعيد ما تعرض له و يخلي العقد الناتجة في متربي الغد .

السيدة زينب (ع) : المبلغة الأولى التي حملت جذوة النهضة الحسينية

لا يختلف اثنان على اهمية التبليغ كونه وظيفة الانبياء ( فبعث اليهم رسله وواتراليهم انبياء ليستأدوهم ميثاق فطرته ويذكروهم منسي نعمته و يحتجوا عليهم بالتبليغ و يثيروا لهم دفائن العقول ) كما و ازدادت الحاجة اليه بتصاعد وتيرة الإعلام المضاد فمن القنوات الفضائية الى الإذاعات و المواقع الأنترنيتية المضلة منها و المشبوهة التي تدعى انها تحمل راية الاسلام .

فالتبليغ اليوم اسهل واقل كلفة واهم وانفذ من الحرب المسلحة ولذا وبواسطة الدعايات، اناموا الشعوب واقاموا الحروب النفسية ضد الحركات الشعبية والانقلابية ووصلوا الى انواع الاستعمارات بواسطة التبعية الثقافية ومع الاسف لابد من الاعتراف انهم وفقوا لما ارادو الى حد كبير ,

اسم زينب من السماء !

لما ولدتها الزهراء (ع) وطلبت من ابيها ان يسميها فاخبرها انه ما كان يسبق رسول الله وكان في سفر ولما جاء من السفر سألاه، فقال لهما ما كنت لا سبق ربي تعالى، فهبط جبرائيل يقرأ النبي السلام من الله الجليل وقال له : سم هذه المولودة زينب ثم اخبره بما يجري عليها من المصائب، فبكى النبي (ص) وقال : ( من بكى على مصائب هذه البنت كان كمن بكى على اخويها الحسن والحسين ) عند ذلك نتسائل : ما السر الذي تحوية زينب؟ لكي يكون البكاء عليها كالبكاء على مصائب امامين واجبي الطاعة ؟!

لاشك ان التربية الدور الاكبر و الأهم ، والتربية كما يقول المختصون هي ما يفعله الاهل امام الطفل من سلوك اذن صقلت شخصية زينب بمواقف العصمة وهي تتربى في احضانه جداً و اباً و اماص و اخاً ، فنراها تحجم وهي طفلة عن ان تقول باللسان الذي قالت به واحد ان تقول اثنان .

اشتراكها مع الحسين بالتغذية من الرسول (ص) :

جاء في الطراز المذهب عن ناسخ التواريخ : ان من معجزات الرسول (ص) انه كان يضع لسانه في فم اولاد فاطمة الرضع فيغنيهم عن اللبن قال الاولاد الرضع يشمل الذكور و الاناث فزينب وام اكلثوم تشاركان الحسنين (عليهما السلام ) بهذه الفضيلة .

وقال العلامة البرغاني في مجالس المتقين : ان المقامات العرفانية الخاصة بزينب تقترب من مقامات الامامة وانها لما رأت حالة الإمام السجاد (ع) حين رأى اجساد ابيه و اخوته و عشيرته واهل بيته على الثرى صرعى مجزرين كالأضاحي وقد اضطرب قلبه و اصفر وجهه اخذت "عليها السلام " في تسليته و حدثته بحديث ام ايمن حول ان ما دار في الطف عهد من الله تعالى .

وروى الصدوق في كتاب " كمال الدين وتمام النعمة " : ومن الشرف الذي لا يقابله شرف ان الامام الحسين (ع) ائيمنها على اسرار الامامة، وروى الصدوق ايضاً انها سلام الله عليه كانت لها نيابة خاصة عن الامام الحسين وكان الناس يرجعون اليها في الحلال والحرام حتى برىء زين العابدين (ع) من مرضه .

سير في اغوار عظمتها

ماذا نقول فيمن لقبت بالعقيلة اي المرأة الكريمة على قومها و عابدة آل علي فحسب ماورده الفاضل الدربندي و غيره انها كانت تعلم علم البلايا و المنايا كميثم التمار و رشيد الهجري .

زينب المفسرة للقرآن الكريم : عندما اختار الامام علي الكوفة عاصمة للدولة الاسلامية انتقلت معه ابنته زينب لا كمال تنتقل غيرها من الاميرات من قصر لقصر ارفع ومن لذة للذة امتع بل كانت سلام الله عليها تعقد جلسات نسوية لتفسير القرآن الكريم وكانت ذات يوم بصدد تفسير ( كهيعص ) اذ دخل عليها اميرالمؤمنين فقال لها بنبرة الاب الحنون: يا نور عيني سمعتك تفسرين ( كهيعص ) للنساء فقالت نعم فقال لها هذه رمز لمصيبة تصيبكم عترة آل رسول الله ثم شرح لها المصائب فبكت بكائا عالياً .

وقفة على موقفها في عاشوراء والمعطيات التي اوجدت هذا الموقف

لقد ارتبطت وامتزجت سيرة السيدة زينب (ع) بيوم عاشوراء حتى قيل كأنها ولدت في ذلك اليوم او لذلك اليوم ولكن قبل ان نتناول موقفها الفريد هذا لنرجع الى ما قبل عاشوراء نستشفي من صفحات التاريخ ماهي التربية التي اوجدت زينب المرأة التي تصّبر اماما معصوما و تحنو على جراحه تضميدا علنا نمد المجتمع بنماذج زينبية الوعي ولا ادعى في المستوى.

وما كان النجاح يكتب لزينب (ع) التي كانت العامل الاهم في اعلام الثورة الحسينية في قلب الموازين و كشف الحقائق التي اراد يزيد لها ان تنطمس انطماس الآثار في الكثبان الرملية وهو يحاصر الامام الحسين (ع) بجيش جرار في صحراء بعيدة و ينهي المسألة بعيدا عن الانظار ثم يفتري على الحسين بما يحلو له ، ما كان لها ان تقلب معادلة خططت من قبل سلطة حاكمة تستعين بشاطين الانس و الجن لو لا انها اعدت لهذا الدور عقائدياً فما كان لها سلام الله عليها ذلك لو لا صلابة عقيدتها وهي ترى ما يجري على الامام الحسين (ع) من فجائع لم يعرف لها التاريخ مثيلاً وكما يقول السيد الخامنئي : ان هناك مايدل على حصول الشك و الارتداد بعد حادثة عاشوراء بينما نجدها سلام الله عليها تؤدي النوافل فيما بعد عاشوراء.

كما للدور التربوي اثرا كبيراً اذ ان زينب انما استطاعت ان تضطلع بهذا الدور لانها اعدت لهذا اليوم و تربت على الشجاعة وقول الحق و تمتعت بعزة النفس وهي من اسمى ما يقدمه الاباء لابنائهم .

وهكذا صور لنا التاريخ صورة مشرقة ركزنا و للآسف على جانب المظلومية منها حين مرر الدناة النساء على الإجساد المباركة بعد ان داسوا عليها وقد مثلوا بها ليضهروا لهن مدى الانتصار مروا بهن تشفيا حتى يبكين حتى يندبن و يمكننا ان نتصور الموقف : كل امرأة لها اخ او زوج أو ابن لكن كيف موقف العقيلة ؟ عندما وصلت الى الجسد الطاهر و المقطع للحسين (ع) نفضت الحجارة ، نزعت الرماح، أخرجت السيوف ثم وضعت يدها تحته و رفعته تحت السماء، وقالت : اللهم تقبل منا هذا القربان إعلاناً ان هذا الموقف هو من صنع ايدنا ولا ولم يفرض علينا، طالما جنيناه صنع ايدينا، نحن قدمنا الحسين الى جواد المنية فداءاً للدين نرجو من الله ان يتقبل منا

احداث عاشوراء جميلة بعين زينب !

طرق أسماعنا جميعاً قول عبيدالله بن زياد حين خاطب السيدة زينب بمنطق الثمل بسكر العشق الدينوي: ( كيف رأيت صنع الله باخيك الحسين )؟! وبكينا من أعماق مشاعرنا ونحن نخال السيدة بعد كل المصائب التي جرت عليها ... بكينا لشماتة ابن زياد و نسينا ان علينا التدقيق في جواب السيدة لكي نستوحي من عاشوراء درس العبرة و العبرة ليطير القلب بهما في مدارج الكمال و لكي لا يكون نظرنا الى عاشوراء بعين عوراء وهذا ما نود تلافيه حين نتأمل عمق الرؤية الزينبية لحقائق الامور و بواطنها و نتائجها على المدى البعيد ، فأي فرق بين الرؤية التي نبع منها جواب ابن زياد و الرؤية التي انبثق منها جواب السيدة زينب .

قراءة 2679 مرة