الكثير من الايرانيين يشككون كثيرا في إمكانية ان تغير الولايات المتحدة الامريكية سلوكها العدائي ازاء الجمهورية الاسلامية في ايران بمجرد اعتراف الرئيس الامريكي باراك اوباما بإرساله رسائل الي الرئيس حسن روحاني.الحقيقة ان الشكوك الايرانية تستند الي تجربة تاريخية مؤلمة ومُرة عاشها الشعب الايراني مع التدخلات الامريكية في شؤونه الداخلية قبل وبعد انتصار الثورة الاسلامية ، و وصلت هذه التدخلات ذروتها عندما اقدمت امريكا قبل الثورة الاسلامية علي اسقاط حكومة الدكتور محمد مصدق الوطنية عام ۱۹۵۱بعد اقدامها علي تأميم النفط الايراني.
اما بعد انتصار الثورة الاسلامية في ايران عام ۱۹۷۹ جندت الولايات المتحدة الامريكية كل امكانياتها لوأد هذه الثورة ، بدءا من اثارة القلاقل القومية والمذهبية واغتيال رجالات الثورة ومحاولات قلب النظام عبر عملائها ، ومرورا بالحرب الظالمة التي فرضها النظام الصدامي علي الجمهورية الاسلامية والتي استغرقت ثماني سنوات بتحريض ودعم امريكي ، وانتهاء بالحظر الظالم التي تفرضه امريكا علي ايران واغتيال علمائها علي خلفية برنامجها النووي السلمي.
ان ما يؤكد هذه الشكوك هو ان العداء الامريكي للجمهورية الاسلامية لم يتغير بتغير الحكومات الايرانية التي قادتها شخصيات من مختلف المشارب ، معتدلة واصلاحية ومحافظة ، بل عل العكس تماما ان العداء الامريكي اصبح اكثر شراسة في ظل حكومة الرئيس محمد خاتمي ، المعروف باعتداله ودعوته للحوار بين الحضارات ، حيث وضع الرئيس الامريكي حينها ، جورج بوش ، ايران علي محور الشر ، ولم تُفلح اجراءات خاتمي في وقفه لتخصيب اليورانيوم علي مدي عامين ، ولا توقيعه علي البرتوكول الاضافي طواعية ، في تغيير السلوك العدائي الامريكي ازاء ايران.
في مقابل هذا الراي ، هناك راي اخر ، ورغم انه لايبتعد كثيرا عن الراي السابق ، يقول ان الوقائع علي الارض تغيرت كثيرا خلال العقد الفائت ، فلم تعد امريكا ، من وجهة نظر انصار هذا الراي ، القوة العظمي الوحيدة في العالم التي تفرض ارادتها علي الاخرين دون رادع ، والدليل علي ذلك الفوضي التي سادت امريكا ، علي مستوي القيادة والنخب السياسية بسبب الازمة السورية وكيفية التعامل معها ، كما لم يعد الشعب الامريكي ولا الشعوب الاخري تنطلي عليها حكاية المعلومات السرية للاستخبارات الامريكية والتي كانت سببا في احتلال دول والعدوان علي اخري ، وهي مغامرات كلفت امريكا وشعبها واقتصادها ونفوذها في العالم أثمانا باهظة.
ويري اصحاب هذا الراي انه بالاضافة الي ما تقدم ، فان التراجع الامريكي الواضح عن نهج المواجهة العسكرية لحل الازمات الدولية ، بغض النظر عن الاسباب التي وراء ذلك ، اذا ما اُسند الي التصريحات الامريكية الباحثة عن مقاربة مشرفة مع ايران وآخرها رسائل الرئيس الامريكي اوباما الي الرئيس حسن روحاني في ذروة الازمة السورية ، كل ذلك يضع الجانب الايراني في موقف يفرض عليه اتخاذ ما من شانه يسحب البساط من تحت اقدام الجهات التي تحاول دائما ان تُظهِر الجانب الايراني بانه الجانب الذي يرفض الحوار ولايغتنم الفرص المتعددة التي تظهر في افق العلاقة الامريكية الايرانية ، وان مثل هذه الجهات ليست قليلة في امريكا والعالم ولاتخلو ايران منهم ايضا.
يبدو ان اصحاب الرأيين ورغم الاختلاف الظاهر بينهما الا انهما ينطلقان من مقولة قائد الثورة الاسلامية سماحة اية الله السيد علي الخامنئي التي اكد فيها سماحته انه ليس متفائلا بالحوار مع امريكا الا انه لا يعارضه في الوقت نفسه ، فالحوار اذا ليس خطا احمر في ايران ، بل الخط الاحمر هو مباديء واهداف الثورة الاسلامية ، التي لايمكن لاية حكومة ايرانية ان تتخطاها ابدا في اي حال من الاحوال ، اما التفاؤل البعيد المنال ، فلن يكون عائقا امام هذا الحوار.
انطلاقا من هذا المبدأ اعتبر الكثير من العقلاء في ايران ومن بينهم كبير مستشاري قائد الثورة الاسلامية في الشؤون الدولية الدكتورعلي ولايتي ، اعتبروا انتخاب الرئيس حسن روحاني فرصة لقياس مدي صدقية الغرب ازاء ايران ، وعلي الغرب الا يُفوّت هذه الفرصة ، واكدوا علي استعداد ايران للدخول مع الجميع في حوارات متعددة او ثنائية الاطراف ، ودون اي شروط مسبقة ، للوصول الي حلول مشرفة للجميع ، شريطة ان يثبت الغرب انه يعمل علي تغيير موقفه المعادي لايران.
اخيرا علي الرئيس الامريكي باراك اوباما ، الا يُكلف نفسه عناء إرسال الرسائل الخطية الي طهران ليبرهن انه ينوي تغيير سياسته ازاء الشعب الايراني ، يكفي ان يغير سلوك ادارته المعادي لهذا لشعب عبر اجراءات عملية ملموسة ، فمثل هذه الرسائل فقط تُقرأ في طهران.
بقلم: ماجد حاتمي