محمود سامي - القاهرة
بعد أيام قليلة تحل الذكرى العاشرة لثورة 25 يناير/كانون الثاني 2011، في وقت تشهد فيه المعارضة المصرية انتكاسة على عدة مستويات، لكن تبقى مساعي إعادة تنظيم صفوفها من جديد أملا يتجدد مع كل ذكرى، فهل تشهد البلاد في 2021 إحياء للحراك الثوري أم تظل المعارضة "محلك سر"؟
وفي الآونة الأخيرة، ظهرت مساع جادة نحو تدشين مظلة ثورية جامعة تشمل مختلف الفاعلين في الثورة، بعد سنوات الانقسام والمعارك الكلامية والاتهامات المتبادلة بتحميل أسباب الانتكاسة الثورية، والتي كان أحد أسوأ كوارثها استمرار الانقلاب العسكري منذ عام 2013، وما خلفه من انقسامات مجتمعية وتدهور على أكثر من مستوى.
وعززت مشاهد إعادة تشكيل الواقع الدولي والإقليمي من جديد آمال شركاء الثورة، خاصة أن حالة الانقسام بينهم لا تنفي الحلم في التغيير وإعادة إحياء مشروع وطني جامع في مواجهات النظام العسكري الحاكم.
ومؤخرا، خرجت دعوات لتشكيل "تحالف موسع"، كانت أبرزها دعوة إبراهيم منير نائب المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين (المقيم خارج مصر) لاصطفاف وطني يقود إلى التغيير.
وقال منير -في تصريحات صحفية قبل أيام- إن جماعة الإخوان المسلمين تحاول إيجاد تحالف موسع بمشروع متفق عليه، مع تلافي أخطاء ما ظهر من كيانات سابقة، مشددا على أن أهداف أي تحالف محتمل "تتمثل في الاتفاق على خطوط عامة تنطلق من مبدأ عدم الاعتراف بالنظام القائم والحفاظ على سلمية الثورة، واحترام التنوع السياسي والأيديولوجي، واحترام الإرادة الشعبية".
دعوة منير تزامنت مع دعوات أخرى من معارضين وسياسيين بارزين، من بينهم المرشح الرئاسي الأسبق أيمن نور والمقاول والممثل محمد علي، الذي استجاب له قطاع كبير من الشعب على مدار العامين الماضيين في التظاهر ضد النظام والمطالبة بإسقاطه.
إخفاقات ومساع
خلال السنوات الماضية، شهدت الحالة السياسية المصرية المعارضة جهودا عدة للتصعيد الثوري، كما شهدت إخفاقات وتعثرات، ويمكن رصدها في النقاط التالية:
- أسفر الانقسام الحاد الذي شهده المجتمع والقوى السياسية المصرية قبيل الانقلاب عن خلافات بارزة، لا سيما بين القوى الليبرالية واليسارية والإسلاميين، وعلى رأسهم جماعة الإخوان المسلمين.
- خلال السنوات السبع الماضية لم يكل المخلصون للثورة من محاولات جمع شتات الفرقاء، غير أن أغلب هذه المساعي لم تحدث اختراقا.
- عدة عوامل عززت ضرورة توحيد صفوف المعارضة، وأبرزها تزايد التنكيل الحقوقي والأمني وتغييب النشاط السياسي والحزبي، وتهديد الأمن القومي في أكثر من ملف، وأبرزها العنف في سيناء وأزمة سد النهضة الإثيوبي والتنازل عن جزيرتي تيران وصنافير بالبحر الأحمر للسعودية، وهي الملفات التي قفزت فوق الخلافات السياسية والأيديولوجية المختلفة.
- فيما تبدو الأمور مستتبة ظاهريا لنظام السيسي، فإن الموجات الثورية التي تتحرك من آن لآخر تظهر هشاشة كبيرة في بنية نظامه، وفق مراقبين.
- مظاهرات خرجت من القرى في سبتمبر/أيلول الماضي بعد دعوة الممثل محمد علي بالتظاهر هددت وأقلقت النظام بشدة، ودفعته للتراجع وتأجيل فرض غرامات وضرائب على المواطنين، على خلاف تعامله مع دعوات مماثلة في السنوات الماضية بالقوة الغاشمة.
- خلال 7 سنوات لم تهدأ المعارضة المصرية، حيث إنها رغم القبضة الأمنية الشديدة شكلت تحالفات سياسية كان لها دور بارز في تحريك المياه الراكدة.
- اتسم الطابع العام لهذه التحالفات في مجمله بكونها قائمة على أساس أيديولوجي، مثل التحالف الوطني لدعم الشرعية (أغلبه أحزاب وحركات إسلامية)، والحركة المدنية الديمقراطية (ضمت أحزابا وشخصيات ليبرالية ويسارية).
- ظهرت بوادر مظلات جامعة للمعارضة، مثل حملات "مصر مش للبيع"، التي عارضت التنازل عن تيران وصنافير، إضافة إلى مساعي المعارضة في الخارج، التي أفضت إلى تشكيل تحالفات متباينة، مثل "وثيقة التوافق الوطني" التي أطلقها محمد علي، ومن قبلها "وثيقة بروكسل" و"المجلس الثوري المصري".
تحالف ضحايا النظام
حسب المرشح الرئاسي الأسبق أيمن نور، فإن قطاعا كبيرا من المصريين لديه شعور متزايد بأن "ثورة يناير" لم تحقق أهدافها الأساسية منذ إزاحة مبارك من السلطة، وقال نور -في تصريحات للجزيرة نت- إن الحراك ليس له موعد وليس بالضرورة أن يكون في ذكرى الثورة أو استجابة لدعوات شخصية أو عشوائية أو جماعية من المعارضة.
اعلان
وأكد أنه في ظل المتغيرات الكثيرة على المستوى الدولي، وفي ظل وجود إدارة الرئيس الأميركي المنتخب جو بايدن "المعروف بمواقف مناوئة لنظام السيسي"، والضغوط الدولية الأخيرة من البرلمان والاتحاد الأوروبيين؛ فإن الثورة تنتظر تحفيزا قويا للحراك مرة أخرى بعد أن تزال موانعه.
الحراك الثوري -حسب نور- مرتبط بتحقق إمكاناته على أرض الواقع، بوجود مساحة من الأمان يمارس فيها الناس حقوقهم، لكنه حذر من أنه في ظل "الدكتاتورية السوداء" لنظام السيسي تعد الدعوة للخروج دفعا للناس للاستشهاد، وليس من العقل دفعهم إليه مرة وراء مرة.
وشدد على أن الأهم من أن تدعو المعارضة لحراك الشارع أن تساعد في توفير المناخ والبيئة المناسبة له من دون الشعور بالخوف، مؤكدا أن التغيير قادم لا محالة، لكن يجب أن يعتمد على مجموعة أسس؛ أولها ألا يكون الفرز في التغيير القادم قائما على قاعدة أيديولوجية بين حداثيين وإسلاميين، أو على قاعدة صراع الأجيال.
ورأى أن الحل يكمن في تحالف ضحايا النظام مجتمعين، بعيدا عن القبعات الأيديولوجية والخلافات التاريخية ومجموعات المصالح وقوى الثورة المضادة، مجددا دعوته لكافة القوى الوطنية لاتحاد حقيقي يلتقي مع مطالب الشارع بوحدة الصف وأولويات السيادة الوطنية والاستقرار السياسي والإصلاح الهيكلي وتكريس الشفافية والمحاسبة وإنقاذ الاقتصاد الوطني عبر كسر طابعه الاحتكاري العسكري.
نشر الأمل
بدوره، يرى الناشط السياسي المصري حسام المتيم أن يوم 25 يناير/كانون الثاني المقبل ينتظر أن تكون انطلاقة جديدة لموجة ثورية تجدد العهد وتكرر محاولات رفض الانصياع للقمع والظلم والاستبداد، وتنشر الأمل في قلوب الأجيال الجديدة، وتحفزهم على السعي من أجل تحقيق الحرية لبلادهم والكرامة لأنفسهم.
وشدد المتيم -في تصريحات للجزيرة نت- على أن إحياء الحراك الثوري في الداخل المصري يجب أن يكون عمل المعارضة الأساسي، سواء كان ذلك في الداخل وسط مناخ استبدادي قمعي لا يعترف بجدوى المعارضة، أو في الخارج رغم افتقاد الحاضنة الإقليمية الحقيقية، وتخلي الهيئات والمؤسسات الدولية عن دور فعال في كفالة حق الشعب في العيش وفق أسس الديمقراطية، والتي تضمن له الحرية والعدالة والكرامة.
وقال الناشط السياسي المعارض إنه رغم المعوقات فلا يجب أن يظل نجاح محاولات إحياء الحراك المصري مرهونا بالتوقعات، أو أن يبقى عملا في الظل كصندوق مغلق يصعب على الناس سبر أغواره، مؤكدا أن من الواجب على قيادات المعارضة البدء فورا في تقديم ما عندهم من أفكار ورؤى وحلول لرجل الشارع، حيث إن الشارع وحده سيكون صاحب القرار في إنجاح وإحياء الحراك، وذلك بناء على واقعية ما قُدم له من أفكار.
وحول كيفية تحقيق الحراك في الذكرى العاشرة، أوضح أنه يمكن أن تتعدد صوره وحالاته، لكن يجب في كافة الأحوال أن يرسخ في الأذهان أن الثورة ومطالبها العادلة تمثل الأمل لمصر المستقبل والحرية والمساواة والكرامة.
المصدر : الجزيرة