فی ذکری استشهادالإمام الحسن المجتبی علیه‌السلام

قيم هذا المقال
(0 صوت)
فی ذکری استشهادالإمام الحسن المجتبی علیه‌السلام

وُلد الإمام الحسن علیه‌السلام  فی المدینة المنورة فی منتصف شهر رمضان عام ثلاثین من الهجرة.

والده: علیُّبن أبیطالب  علیه‌السلام  ووالدته: فاطمة  علیهاالسلامإبنة رسول اللّه صلی‌الله‌علیه‌وآله وکنیته: أبو محمد.

وأشهر ألقابه: التقیّ والطیّب والزّکیوالسید والسبط والولیّ.

ولقد قال رسول اللّه صلی‌الله‌علیه‌وآله  لأسماء بنت عمیس وأُم سلمة عند ولادة الامام‌الحسن علیه‌السلام :«إحضَروا فاطمة فاذا وقع ولدُها واستهلَّ صارخاً فأذِّنا فيأُذنه اليمنى ،و أقيما فيأذنه اليسرى، فانه لا يُفعل ذلك بمثله إلا عُصِم من الشيطان ولا تُحدثا شيئاً حتى آتيكما».

ثم ان النبی صلی‌الله‌علیه‌وآله  قطع سُرَّته وحنّکه وأطعمه بریقه الشّریف، وضّمه الی صدره، ورفع یدیه بالدعاءله‌قائلاً: «أللّهم: إني أُعيذه بك، وذريّته من الشيطان الرجيم»

ثم سمّاه حَسَناً، وَعقَّ عنه بکبش واحد، ووزع لحمه بین الفقراء.

ولم یُسرّ رسول اللّه  صلی‌الله‌علیه‌وآله  والإمام علیوالسیدة فاطمة  علیهماالسلام حسب بهذا المولود المبارک بل سُرّ به کل أعضاء البیت النبویّ.

لقد عاش الامامُ الحسن علیه‌السلام  مدة سبع سنوات وأشهراًمع جده رسول اللّه صلی‌الله‌علیه‌وآله ،
وآل الیه أمرُ الامامة بعد والده علی علیه‌السلام  وکان له من العمر ثلاثٌ وثلاثون سنة، واستمرت خلافته ( من بعد استشهاد والده أمیرالمؤمنین وإلی یوم مصالحته لمعاویة) مدة ستة أشهر وثلاثة أیام .

ففی السنة الواحدة والاربعین من الهجرة اضطُر الامامُ الحسن علیه‌السلام  للتصالح مع معاویة ثم عاد إلی المدینة من الکوفة، ومکث فی المدینة عشر سنوات ثم استُشهد فی الیوم الثامن والعشرین من شهر صفر ،عام خمسین هجریة.

وکان سبب وفاته علیه‌السلام  أن معاویة أرسل مبلغ مائة ألف درهماً إلی جعده‌بنت الاشعث الکندی(زوجة الامام ) مع سُمّ قاتل لتسم به الامامَ، ووعدها بأن تزوجه من ابنه یزید، وفعلت ماطلبه منها.[329]

 

حبُّ رسول اللّه  صلی‌الله‌علیه‌وآله له

یظهر من الأحادیث الوافرة أن رسول اللّه صلی‌الله‌علیه‌وآله  کان یُکنّ حباً شدیداً لابنته فاطمة الزهراء وولدیه الحسن والحسین علیهاالسلام ولطالما أظهر ذلک الحب.

فعن أبی هریرة، قال: سمعت رسول اللّه  صلی‌الله‌علیه‌وآله یقول: « مَنْ أحبّ الحسنَ و الحسين فقد أحبّني، و من أبغضهما فقد أبغضني».[330]

عن أبی بکرة، قال: بینما النبیُّ  صلی‌الله‌علیه‌وآله یخطب إذ صعد إلیه الحسن فضّمه إلیه و قال:«إنّ ابني هذا سيّد، و إنّ اللّه‏ تعالى يُصلح به بين فئتين من المسلمين عظميتين.».[331]

وعن أبی هریرة قال :مارأیت الحسن بن علی علیه‌السلام  اءلاّ فاضت عینای دموعاً،
وذلک أن رسول اللّه صلی‌الله‌علیه‌وآله  خرج ذات یوم فوجدنی فی المسجد، فأخذ بیدی فاتکأ علیَّ ثم انطلقت معه حتی جئنا سوق بنیقینقاع فما کلمنی فطاف ونظر ثم رجع ورجعت معه وجلس فی المسجد، فأحتبی ثم قال: «أدعُ لي لكع» .

قال: فأتی حَسَن یشتد حتی وقع فی حجره فجعل یُدخل یده فی لحیة رسول اللّه صلی‌الله‌علیه‌وآله ، وجعل رسول اللّه یفتح فمه فی فمه ویقول: «أللهم أُحبه وأُحب من يحبُه » ثلاثاً.[332]

وقال أبو ذر الغفاری: أمرنی رسول اللّه  صلی‌الله‌علیه‌وآله بحب الحسن والحسین فأحببتهما وأناأحب من یحبهما لحب رسول اللّه ایاهما.[333]

   وقال سلمان الفارسی(المحمدی ¨) : سمعت رسول اللّه  صلی‌الله‌علیه‌وآله یقول فی الحسن و الحسین علیهماالسلام:«اللّهم! إني أحبهما فأحِبَّهما و أحبب من أحبّهما».

و قال  صلی‌الله‌علیه‌وآله :«من أحب الحسن و الحسين أُحبّه، و من أُحبه أحبّه اللّه‏، و مَن أحبه اللّه‏ أدخله الجنة، و من أبغضهما أبغضته، و مَن أبغضتُه أبغضه اللّه‏، و من أبغضه اللّه‏ أدخله النار.».[334]

وهناک عشرات الاحادیث نظیر ماأدرجناه ولقد اکتفینا بهذا القدر .

 

النصوص علی إمامته

هناک أحادیث کثیرة صرح فیها رسول الاسلام الکریم  صلی‌الله‌علیه‌وآله بامامة الحسن والحسین علیهماالسلام وقد أوصی الامام علیٌّ قبیل استشهاده - أیضاً- بامامة إبنه الحسن علیه‌السلام .

فلقد قال النبی  صلی‌الله‌علیه‌وآله  حول الحسن و الحسین علیهماالسلام:«إبناى هذان أمامان قاما
أوقعدا».[335]

عن أبی عبداللّه  صلی‌الله‌علیه‌وآله قال:«أوصى رسول اللّه‏  صلى‌‏الله‌‏عليه‏‌و‏آله‌‌  إلى عليّ  عليه‌‏السلام  وحده، و أوصى علي إلى الحسن والحسين جميعاً».[336]

وعن سلیم بن قیس قال :شهدت أمیر المؤمنین حین أوصی الی إِبنه الحسن وأشهد علی وصیته الحسین ومحمد وجمیع ولده وروؤساء شیعته وأهل بیته، ثم دفع الیه الکتاب والسلاح وقال له: «يابني أمرني رسول اللّه‏ أن أوصي اليك وأدفع اليك كتبي وسلاحي كما أوصى اليّ ودفع إليّ كتبه وسلاحه».[337]

وعن شهر بن حوشب أن علیاً حین سار الی الکوفة استودع أم سلمة کتبه والوصیة، فلما رجع الحسن دفعتها الیه.[338]

وقد قال محمدبن الحنفیة للامام علی بن الحسین علیه‌السلام  قد علمت ان رسول اللّه دفع الوصیة والامامة الی امیر المؤمنین ثم الی الحسن ثم الی الحسین.[339]

وقال طارق بن شهاب: قال أمیرالمؤمنین  علیه‌السلام للحسن و الحسین علیهماالسلام:«أنتما إمامان بعدي و سيدا شباب أهل الجنة و المعصومون. حفظكمااللّه‏ و لعنة اللّه‏ على مَن عاداكما».[340]

وکتب الفضل بن الحسن الطبرسی فی کتابه (إعلام الوری ) یقول :تواتر نقل الشیعة  خلفاً عن سلف أن أمیر المؤمنین علیاً نص علی ابنه الحسن بحضرة شیعته واستخلفه علیهم بصریح القول .[341]

 

وخطب الحسن فی صبیحة اللیلة التی قبض فیه أمیر المؤمنین ثم قام عبد اللّه بن العباس فقال، معاشر الناس هذا إبن نبیکم ووصیُّ امامکم فبایعوه. فتبادر الناس إلیه بالبیعة له بالخلافة. [342]

وعن أبی عبد اللّه الجدلی فی حدیث أنه قال: حضرت أمیر المؤمنین علیه‌السلام  وهویوصی الحسن ثم ذکر الوصیة. [343]

و لما ضرب ابن ملجم المرادی أمیر المؤمنین  علیه‌السلام  قال:«دعوني و أهل بيتي أعهد إليهم.».

فقام الناس إلا قلیل من شیعته. فحمداللّه و أثنی علیه وقال:« إنى¨ أوصى إلى الحسن والحسين فاسمعوا لهما واطيعوا أمرهما فقد كان النبى نص عليهما بالامامة من بعدي». [344]

وقال الاصبغ بن نباتة :إنَّ علیّاً  علیه‌السلام لما ضربه الملعون بن ملجم دعا بالحسن و الحسین فقال:«إنّي مقبوض في ليلتي هذه فاسمعا قولي. و أنت يا حسن! وصيّي و القائم بالأمر بعدي. و أنت يا حسين! شريكه في الوصية، فأصمت و كن لأمره تابعاً مابقي. فإذا خرج من الدنيا، فأنتَ الناطق من بعده و القائم بالأمر عنه».[345]

 

عبادته

لقد نُقل عن کمال الدین بن طلحة أنه قسم العبادة الی ثلاثة انواع: بدنیة ومالیة ومرکبة منهما.

فالبدنیة کالصلاة والصوم وتلاوة القرآن وأنواع الذکر.


والمالیة کالصدقات والصِلات والمبرات.

والمرکب منهما کالحج والجهاد والاعتمار.

وقد کان الحسن ضارباً فی کل واحد من هذه الانواع بالقدح الفائز.

أما الصلاة والاذکار وما فی معناهما فقیامه بهما مشهور، وإسمه فی أربابهما مذکور.

وأَما الصدقات فقد صح النقل فی مارواه أبو نعیم بسنده فی حلیته أنه خرج من ماله مرتین، وقاسم اللّه تعالی ثلاث مرات ،وتصدق به حتی أنه کان لیعطی نعلاً ویمسک نعلاً.

وأما العبادة المرکبة فقد نقل الحافظ المذکور فی کتابه :(حلیة الأولیاء) بسنده أنه قال «إني لأَستحي من ربي أن ألقاه ولم أمش إلى بيته، فمشى عشرين مره‏من المدينة إلى مكة على رجليه وإن النجائب تُساق بين يديه».[346]

وجاء فی التواریخ أنه کان الحسن أشبه الناس برسول اللّه صلی‌الله‌علیه‌وآله  خلقاً وهدیاً وسؤدداً.[347]

وروی الإمام الصادق عن أبیه وهو عن أبیه علی بن أبی الحسین علیهما السلام أنه قال:«کان الحسنُ بن علی بن أبی طالب کان أعبد الناس فی زمانه وأزهدهم وأفضلهم وکان إذا حج حج ماشیاً وربما مشی حافیاًو کان اذا ذکر الموت بکی واذا ذکر القبر بکی وإذا ذکر البعث والنشور بکی وإذا ذکر الممر علی الصراط بکی وإذا ذکر العرض علی اللّه تعالی ذکره شهق شهقة یُغشی علیه منها وکان إذا قام فی صلاته ترتعد فرائصه بین یدی ربه عزوجل وکان إذا ذکر الجنة والنار اِضطرب إضطراب السلیم وسأل‌اللّه الجنة وتعوذ به من النار، وکان لا یقرأ من کتاب اللّه عز وجل «يا أيها الذين آمنوا» إلاّ قال: اللّهم لبيك ولم يُر فى شيى‏ء من أحواله إلا ذاكراً
لله سبحانه وكان أصدق الناس لهجةً».[348]

وعن الرضا عن آبائه قال لما حضرت الوفاة الحسن بن علی بن أبی طالب الوفاة بکی فقیل له: یاابن رسول اللّه أتبکی ومکانک من رسول اللّه الذی أنت به وقد قال، فیک رسول اللّه ما قال، وقد حججتَ عشرین مرة ماشیاً، وقد قاسمتَ ربک مالک ثلاث مرات حتی النعل والنعل ؟

فقال: أبکی لخصلتین لهول المطَّلع وفراق الأحبة».[349]

وکان  علیه‌السلام  إذا بلغ باب المسجد رفع رأسه ویقول: إلهی ضیفک ببابک یامحسن قد أتاک المسی‌ء فتجاوز عن قبیح ما عندی بجمیل ما عندک یاکریم [350]

وکان اذا فرغ من الفجر لم یتکلم حتی تطلع الشمس.[351]

 

سخاؤه وإحسانه

قال الإمام أبوعبداللّه الصادق علیه‌السلام :«إن رجلاً مر بعثمان بن عفان و هو قاعد علی باب المسجد فسأله فأمر له بخمسة دراهم فقال له: أرشدنی.

فقال له عثمان: دونک الفتیة الذین تری، و أو مأبیده إلی ناحیة من المسجد فیها الحسن و الحسین و عبداللّه بن جعفر علیه‌السلام  فمضی الرجل نحوهم حتی سلَّم علیهم و سألهم.

فقال له الحسن علیه‌السلام  یا هذا إن المسألة لاتحلّ إلاّ فی إحدی ثلاث: دمٌ مفجع أو دَینٌ مقرح أو فقر مدقع، ففی أیها تسأل؟

فقال: فی وجهٍ من هذه الثلاث، فأمرله الحسن  علیه‌السلام بخمسین دیناراً، و أمر له
الحسین  علیه‌السلام بتسعة و أربعین دیناراً، و أمر له عبداللّه بن جعفر بثمانیة و أربعین دیناراً فانصرف الرجلُ، فمر بعثمان فقال له: ما صنعتَ؟

فقال: مررتُ بک فسألتک فأمرت لی بما أمرت و لم تسألنی فیما أسأل و إن صاحب الوفرة لما سألتُه قال لی: یا هذا فیما تسأل فإن المسألة لاتحلّ إلاّ فی إحدی ثلاث، فأخبرته بالوجه الذی أسأله من الثلاثة فأعطانی خمسین دیناراً و أعطانی الثانی تسعةً و أربعین دیناراً، و أعطانی الثالث ثمانیة و أربعین دینارا.

فقال عثمان و من لک بمثل هؤلاء الفتیة، أولئک فُطِموا العلم فَطماً، وحازوا الخیر و الحکمة».[352]

و قال سعید بن عبدالعزیز: و سمع رجلاً إلی جنبه علیه‌السلام  فی المسجد الحرام یسأل اللّه أن یرزقه عشرة  آلاف درهم فانصرف إلی بیته و بعث إلیه بعشرة آلاف درهم[353]

و وقف رجل علی الحسن بن علی علیه‌السلام  فقال یا: ابن أمیرالمؤمنین بالذی أنعم علیک بهذه النعمة التی ما تلیها منه بشفیع منک إلیه، بل إنعاماً منه علیک إلا ما أنصفتنی من خصمی فإنه غشومٌ ظلومٌ لایوقر الشیخ الکبیر و لایرحم الطفل الصغیر.

وکان الاما م متکئاً فاستوی جالساً و قال له :من خصمُک حتی انتصِف لک منه؟

فقال له: الفقر.

فأطرق ساعة ثم رفع رأسه إلی خادمه و قال له: أحضر ما عندک من موجود فأحضر خمسةَ آلاف درهم فقال: ادفعها إلیه.

ثم قال: «بحق هذه الأقسام التي أقسمتَ بها عليَّ متى أَتاك خصمُك جائراً إلا
ما أتيتني منه متظلماً».[354]

وروی ابنُ عائشة أن شامیاً رآه راکبا فجعل یلعنُه و الحسن علیه‌السلام  لایرد فلما فرغ أقبل الحسن  علیه‌السلام فسلم علیه و ضحک فقال: «أيها الشيخ أظنك غريباً و لعلك شبّهتَ فلو استعتبتَنا أعتبناكَ و لو سألتنا أعطيناكَ و لو استرشدتنا أرشدناك و لو استحملتنا أحملناكَ وإن كنتَ جائعاً أشبعناكَ و إن كنتَ عرياناً كسوناكَ و إن كنتَ محتاجاً أغنيناكَ و إن كنتَ طريداً آويناكَ و إن كان لك حاجة قضيناها لك فلو حرّكت رَحلك إلينا و كنت ضيفنا إلى وقت ارتحالك كان أعودَ عليك لأن لنا موضعاً رحباً و جاهاً عريضاً و مالاً كثيراً».

فلما سمع الرجل کلامه بکی ثم قال: أشهد أنک خلیفة اللّه فی أرضه، اللّه‌ُ اَعْلَمُ حَیْثُ یَجْعَلُ رِسالَتَهُ، و کنت أنت و أبوک أبغضَ خلق اللّه إلیَّ و الآن أنتَ أحبّ خلق اللّه إلیّ و حوّل رَحله إلیه و کان ضیفه إلی أن ارتحل و صار معتقداً لمحبتهم.[355]

 

الامام الحسن بعد والده

استُشهد الامام علی  علیه‌السلام  لیلة الحادی عشر من شهررمضان من عام أربعین هجریة.

ودُفن لیلاً ومن دون علم الناس بناءً علی وصیته  علیه‌السلام ثم خطب ابنُه الحسن علیه‌السلام  صبیحة ذلک الیوم  فی الناس، و بعد الحمد والثناء علی اللّه تعالی اخبرهم بوفاة والده وأشار الی بعض مناقبه وفضائله، وبکی النا س ایضا وتحدث عن فضائل أهل البیت کذلک، ثم نزل عن المنبر وجلس علی الارض، وهنا قام عبد اللّه بن عباس  وقال: معاشر الناس هذا إبن نبیکم ووصی إمامکم فبایعوه .

فاستجاب له الناسُ وبایعوا الامام الحسن  علیه‌السلام  ومنذئذ شغل مسند الخلافة
عملیا، فرتب العمال وأمر الامراء و نصب ولاةً جددا، وأنفذ عبد اللّه بن عباس الی مکان عمله (البصرة).

ولما بلغ معاویة - الذی أقام حکومة قویة فی الشام - موتُ أمیر المؤ منین علی  علیه‌السلام  ومبایعة الناس للحسن  علیه‌السلام  قام بمعارضة الامام فانفذ جاسوسین مجرّبین من جواسیسه الی الکوفة والبصرة لیطلعاه علی الاخبار هناک ویفسدا علی الامام الحسن أمره، فعرف الامام بهما وأمر بالقبض علیهما وقتلهما، فورا، ثم کتب کتابا الی معاویة اعترض فیه علی عمله.

ثم جرت مکاتبات بین الامام  علیه‌السلام  وبین معاویة بعد ذلک، وقدذکر الامام فی رسائله الیه - بعد الاشارة الی فضائله - بأولویته بالحکم وشغل مسند الخلافة.

و لم یکن  معاویة - الذی دأب سنینا عدیدة علی معارضة حکومة الامام علیٍّ الحقة والشرعیة والمنع من استقرارها واتساع رقعتها- لیصغی الی ما یقوله الإمام الحسن  علیه‌السلام  ویخضع للحق، بل قد عزم علی ان یناهض حکومة الحسنَ الفتیة الناشئة، ویزحزحه عن میدان السیاسة بکل وسیلة ممکنة ومهما بلغ الثمن، ولهذا توجه علی رأس جیش عظیم نحو الکوفة.

ولما سمع الامام الحسن بذلک اضطُر لدفع جیش معاویة الی إعداد جیش والتحرک صوب معاویة وبعد اعلان الحرب أمر حجر بن عدیٍّ بأن یعبِّی ء الناس للقتال، ویتوجه الی ساحة الحرب، ولکن أکثر الناس - وللاسف - أحجموا عن نصرة الامام والخروج للقتال، فلم یتوفر نتیجة ذلک العددُ اللازم من الرجال الذین کان الامام یحتاج الیهم لمواجهة معاویة وجیشه الکبیر جدا.

إلا أن الاسوأ من ذلک هو ان هذاالعدد القلیل هوالاخر لم یکن یتصف بالتناسق والتجانس والوحدة الفکریة والانسجام فی الهدف والغایة .

فقد قسم أحد المحققین جیش الامام الحسن  علیه‌السلام  علی النحو التالی:

1-  من  کانوا من شیعته وشیعة أبیه علیه‌السلام .


2-  من کانوا علی عقیدة الخوارج الذین کانوا أعداءً لمعاویة و یؤثرون قتاله بکل حیلة ،لا بهدف الدفاع عن حکومه‌الامام الحسن  علیه‌السلام .

3-  من  کانوا أصحاب طمع فی الغنائم.

4- من کانوا شُکاکا.

5 -  من کانوا أصحاب عصبیة وطاعة لرؤساء قبائلهم، ولا یرجعون إلی دین.[356]

وعلی کل لم یکن للامام الحسن علیه‌السلام  من بُدّ من أن یتوجه مع مثل هذا الجیش لمواجهة العدو، ویسعی لدفعه ومقاومته.

فعمد إلی تنظیمه وترتیبه ،فوجه أوَّلاً أربعة آلاف منهم بقیادة رجل من بنی کندة إلی الانبار وقال له: لا تفعل  شیئا حتی یأتیک أمری.

ولقد استفاد معاویة من حیلته الدائمیة وسلاحه النافذ اذ بعث بمبلغ خمسمائة ألف دینار الی قائد جیش الامام الحسن  علیه‌السلام  وطلب منه أن یعتزل القتال، ویلتحق به، فاستلم الرجل الکندی المال والتحق مع مائتین من رجاله بمعاویة .

ولما بلغ الحسن ذلک  تأسف وأمّر علی الجیش قائدا آخر (من قبیلة مُراد) مکانه، فاشتراه معاویة بالمال أیضا، بخمسمائه درهم، و وعده بامارة إحدی محافظاته بعد القتال ، فاخذ هو الآخر المال والتحق بصاحبه.

ولقد تعرض عددٌ آخر من اصحابه لحیلة معاویة وتطمیعه بالمال والتحقوا به أیضا مثل عبید اللّه بن العباس .

ولقد کتب جمعٌ من روساء القبائل الکوفیة الی معاویة سرا قائلون له بعد ان استحثوه للتوجه الیهم :نحن معک وانا مُسْلموه الیک ، أو قاتلوه ان شاء.

 

مصالحة معاویة

عندما کان  الامام الحسن  علیه‌السلام  مع جیشه البالغ أربعة آلاف فی ( ساباط) أرسل معاویة مابعث به أهل الکوفة ورؤساء القبایل بها الیه وکتب الیه قائلاً: یا ابن عمّ لاتقطع الرحِم الذی بینک و بینی فإن الناس قد غدروا بک و بأبیک من قبلک، فقالوا: إن خانک الرجلان و غدروا بک فإنا مناصحون لک.

ثم اقترح الصُلح وأبدی استعداده له .

ولقد کان الامام الحسن  علیه‌السلام  یراقب بدقة أوضاع جنوده ویدرس أحوالهم باستمرار، وکان علی علم بخیانة بعض قادتهم والتحاقهم بمعاویة و مطلعاً علی عدم وفاء أهل الکوفة وخلافاتهم الفکریة وأهدافهم المختلفة فأحس  علیه‌السلام  فی مثل هذه الظروف ان مواصلة القتال لا ینطوی إلا علی مصرع جمعٍ کبیر من المسلمین، وینتصر معسکر العدو فی المآل وسیواصل مضایقته وأذاه للشیعة بصورة أشد، واکثر قسوة،علی ان المصالحة لیست هی الأخری أمراً سهلاً.

فقرر الامام  علیه‌السلام  أن یختبر أصحابه ویقف علی حقیقة رأیهم من خلال خطبة یلقیها فیهم، فدعا الناس الی الاجتماع وخطب فیهم وذکر اُموراً.

فلم ترق هذه الخطبة لجماعة من الحضور، وظنوا أن الامام یرید مصالحة معاویة وتسلیم الأمر الیه!!.

فقامت جماعة غاضبة وصاحت: أللّه اکبر أشرکتَ یاحسن، کما أشرک أبوک، ثم شدوا علی فسطاطه فانتهبوه حتی أخذوا سجادته من تحته، ثم شدوا علیه واخذوا عباءته من عاتقه.

ولما رأی أن حیاته فی خطر، اضطر الی رکوب فرسه لینجو بنفسه من الموت، واحاط به جماعة من  شیعته وخواص أصحابه، لیحافظوا علیه من کید الأعداء المتظاهرین فی صورة الاصدقاء،


وفی جنح الظلام وفیما کان قدانقضی ردحٌ من لیل ساباط هاجمه رجل فجأة وطعنه بخنجر فی فخذه علیه‌السلام أحدث فیه جرحاً عمیقاً فساعده مرافقوه وأنقذوه من شر ذلک الرجل الخبیث ومساعدیه وأخذوه الی المدائن، ونزلوا فی بیت أحد الشیعة من ولاته وأخذوا فی معالجته.

وعلی أثر هذه الإساءات وارتکاب مثل هذه الإهانات وقف الإمام الحسن علی وضع جنوده بصورة أفضل، فکیف یمکن قتال العدو بجیش فیه أشخاص مثل هؤلاء یکفِّرون قائدهم الأعلی ویسبونه، ویبیحون دمه وینهبون أمواله، وینتصر علیهم.؟

أم هل‌یمکن الاعتماد علی مثل هذا الجیش غیرالمخلص وغیر الخالص؟

فی هذا الوقت بعث  معاویة الی الامام الحسن بکتب أُرسلت إلیه من قِبل بعض رؤساء القبائل من أصحابه وفیها أنهم یضمنون تسلیمه الی معاویة او یفتکوا به، وکتب الیه: أبمثل هؤلاء ترید قتالی، فمن مصلحته ومصلحة الامة تجنیب الامة الحرب والدخول معه فی الصلح، وأنه یقبل أی شرط یشترطه الامام علیه، وأنه سیفی بها جمیعا.

ومع ان الامام کان عارفاً بمکر معاویة وحیله لم یکن له بدٌّ من قبول هذا الاقتراح .

لقد کان الامام الحسن علیه‌السلام  یعلم جیداً انه لایمکنه الغلبة علی جیش معاویة بمن کان معه من الجنود فمن الأفضل ان یقبل بالصلح حقناً للدماء، وحفظاً للنفوس .

ولذا اعلن عن استعداده للصلح واشتر ط الامور التالیة:

1- أن لا یسمی معاویة نفسه بأَمیر المؤمنین.

2- أن لایطلب منه الحضور عنده للشهادة.

3- أن یؤمن شیعة علی علیه‌السلام  ولا یتعرض لأَذاهم فی کل مکان.

4- ان یوزع الف الف درهم بین أبناء الشهداءالذین استُشهدوا فی وقعة الجمل وصفین فی جیش علیّ علیه‌السلام .

5- أن یعمل بکتاب اللّه و سنة رسوله  صلی‌الله‌علیه‌وآله  و سیرة الخلفاء الصالحین.

6- لیس لمعاویة بن أبی سفیان أن یعهد إلی أحدٍ من بعده عهداً، بل یکون الأمر من بعده شوری بین المسلمین .

7-  أن لایبغی للحسن بن علی و لا یکید له، ولأخیه الحسین  علیه‌السلام  و لا لأحدٍ من أهل بیت رسول اللّه  صلی‌الله‌علیه‌وآله غائلة سراً و لاجهراً، و لایخیف أحداً منهم فی أُفق من الآفاق.

وهکذا تم تنظیم وثیقة الصلح هذه والتوقیع علیها من الطرفین.

ولکن معاویة لم یف بالتزامه وتعهده بالعمل طبق تلک الوثیقة بل کشف عن سوء نیته وخیانته فهو عندما نزل (النخیلة) قال بعد الصلاة جماعة - فی خطبته - : إنی و اللّه ماقاتلتُکم لتصلُّوا و لالتصوموا و لالتحجُّوا و لالتزکوا إنکم لتفعلون ذلک، و لکنی قاتلتُکم لأتأمَّر علیکم ،و قد أعطانی اللّه ذلک و أنتم له کارهون، ألا و إنی کنتُ منیّتُ الحسن و أعطیته أشیاء و جمیعها تحت قدمی لاأفی بشیی‌ء منها له!!.[357]

 


[329]  إِعلام الوری ج1 ص402-403 ومناقب آل ابی طالب ج4 ص33، کشف الغمة ج2 ص140-144 بحار الأَنوار ج43 ص255
[330]  کشف الغمة ج2 ص153
[331]  کشف الغمة ج2 ص172
[332]  کشف الغمة ج2 ص 149
[333]  بحار الأنوار ج43 ص 269
[334]  بحار الانوار ج43 ص 275
[335]  إثبات الهداة ج 5 ص 134
[336]  إثبات الهداة ج5 ص126
[337]  إثبات الهداة ج5 ص126
[338]  إثبات الهداة ج5 ص122
[339]  إثبات الهداة ج5 ص123
[340]  إثبات الهداة ج5 ص133
[341]  إثبات الهداة ج5 ص133
[342]  إثبات الهداة ج5 ص134
[343]  إثبات الهداة ج5 ص137
[344]  إثبات الهداة ج5 ص138
[345]  إثبات الهداة ج5 ص140
[346]  کشف الغمة ج2 ص181
[347]  کشف الغمة ج2 ص142
[348]  بحارالأنوار ج43 ص331
[349]  بحارالأنوار ج43 ص332
[350]  بحارالأنوار ج43 ص339
[351]  بحارالأنوار ج43 ص339
[352]  بحارالأنوار ج43 ص332
[353]  بحارالأنوار ج43 ص342
[354]  بحارالأنوار ج43 ص350
[355]  بحارالأنوار ج43 ص344
[356]  کشف الغمه ج2 ص 164 - 165
[357]  بحارالأنوار ج44 ص1-69 وکشف الغمة ص164-169 ومناقب آل ابی طالب، ج4 ص36-40

 

قراءة 1440 مرة