من الأسئلة المهمة التي قد تطرح حول الفطرة الإنسانية هو أنه ما دام الإنسان مفطورا على التوحيد، فلماذا نرى الكثير من الناس يخالفون الفطرة، ويذهبون مذاهب شتى فمنهم من ينكر الألوهية، ومنهم من يعتقد بتعدد الآلهة وأن له تعالى شركاء، بل إن بعض المؤمنين بالإله الواحد يبتلون بالشرك من حيث لا يشعرون، كما قال تعالى: ﴿وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون﴾[1].
وفي الحقيقة ان كثيرا من العوامل الداخلية والخارجية تلعب دورا أساسيا، وتؤثر تأثيرا مباشرا في معتقد الإنسان، الأمر الذي يؤدي إلى انحراف الفطرة وضمورها، ويمكن الإشارة إلى عاملين من هذه العوامل وهما:
أولا: ان شدة ارتباط المرء بالمادة والمحسوسات وانسه بها، وعدم تعويد النفس على التأمل في حقائقها وما ورائها، يؤدي إلى الذهول والغفلة عن تلك العوالم، والابتعاد عن حقائق الأشياء ومنشأ خلقها.
ثانيا: ان البيئة والمحيط الذي يعيش الإنسان فيه، وينشأ على مفاهيمه وتقاليده وعاداته، يؤثر في شخصيته وتعاطيه مع الأحداث والوقائع، سواء في ذلك بيئته الأسرية، والاجتماعية، والثقافة المدرسية، فتطبع شخصيته وكيانه بطابعها، وتؤدي به إلى سلامة الفطرة أو انحرافها، وقد أشار النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله) إلى هذه الحقيقة في الحديث الوارد عنه فقال: "كل مولود يولد على الفطرة وأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه".
وهذه العوامل وغيرها، وإن كانت تؤثر في الإنسان تأثيرا حقيقيا ومباشرا، إلا أنها لا تحجب عنه القدرة على الاختيار والتمييز، من خلال التدبر والتأمل في آيات الله تعالى ومخلوقاته كما بين ذلك القرآن الكريم في كثير من آياته المباركة.
فقد أراد الله تعالى من خلال الدعوة إلى التفكر والتأمل في آياته أن يرجع الإنسان إلى فطرته، عبر إعمال عقله، والغوص في أسرار الكون، لعل ذلك يرجعه إلى حقيقة أمره، فيعيد ربطه به تعالى، وتعلقه وسعيه إلى ما ينجبه في الدنيا والآخرة.
ولما كان الناس متفاوتين في درجات وعيهم ومعرفتهم، ومدى إدراكهم لما حولهم من كائنات وموجودات، عمل القرآن الكريم على كافة المستويات ليرجعهم إلى الفطرة السليمة، مخاطبا إياهم بما يكفل لهم هذه النتيجة، لتصل الحجة إلى الجميع، ولا يبقى عذر لمعتذر، في أنه لم يدرك معاني هذه الآيات والدلائل، سواء على المستوى الداخلي النفسي، أم على المستوى الخارجي بمختلف أبعاده وشؤونه، التكوينية والاجتماعية والتربوية وغيرها، وقد أشار بداية إلى هذه المجالات في قوله تعالى: ﴿سنريهم آياتنا في الآفاق حتى يتبين لهم أنه الحق﴾[2].
سماحة الشيخ حاتم اسماعيل - بتصرّف
[1] سورة يوسف، آية: 106
[2] سورة فصلت، آية: 53