الخیر المتلاحق لم یكن بین ولادة الإمام الحسن المجتبى علیه السّلام وولادة أخیه الإمام الحسین علیه السّلام من بعده إلاّ ستّة أشهر، وهو ما أكّده أكثر المؤرّخین، منهم: محمّد بن طلحة الشافعیّ حیث قال: وفیه ( أی الحسین علیه السّلام ) أنزل الله تعالى: وحَملُه وفِصالُه ثلاثون شهراً (1)
وإذا كان الفصال عن الرضاعة بعد سنتین، كما فی قوله تعالى: وفِصالُه فی عامَین (2)، فإنّه ستبقى مدّة أقلّ الحمل، وهی ستّة أشهر، وهنا قال محبّ الدین الطبریّ: قال ابن الدارع فی كتاب ( موالید أهل البیت علیهم السّلام ): لم یُولَد مولودٌ قطُّ لستّة أشهر فعاش.. إلاّ الحسینَ وعیسى علیهما السّلام (3).
استقبال الهدى
وُلد الإمام الحسین سلام الله علیه.. فكان رسول الله صلّى الله علیه وآله فی استقباله والسرور یغمره، وقد عمّت البشرى سماواتِ الله تعالى وأرضیه، وذلك فی عشیّة الخمیس لیلة الجمعة، الثالث من شعبان الخیر، فی السنة الرابعة من الهجرة النبویّة المباركة.
قال الحموینیّ مسنِداً خبرَه إلى ابن عبّاس أنّه قال: لمّا وُلد الحسین بن علیّ أوحى الله عزّوجلّ إلى « مالك » خازن النار أن أخمِدِ النیران على أهلها؛ لكرامة مولود وُلد لمحمّدٍ فی دار الدنیا (4).
أخذه جدُّه المصطفى الأكرم صلّى الله علیه وآله وسلّم وضمّه إلى صدره القدسیّ ثمّ قبّله، بعد ذلك أذّن فی أُذنه الیمنى وأقام فی الیسرى، وسمّاه ـ بأمر الله تعالى ـ «حُسَیناً»، وعقّ عنه كبشاً، وقال لأُمّه فاطمة صلوات الله علیها: إحلقی رأسه وتصدّقی بوزنه فضّة (5). وحنّكه صلّى الله علیه وآله بِرِیقه الزكیّ العاطر، وقیل: عقّ عنه بشاةٍ وتصدّق بِزِنة شعره المبارك.
طاب الحقّ
ویهبط الوحی الكریم الأمین.. فتنزل آیات مباركات تشمل الحسین حبیبَ رسول الله صلّى الله علیه وآله وسلّم فیما خصّ اللهُ تعالى به أهل بیته الطیّبین، فكان قوله تعالى:
• وهُوَ الذی خَلقَ مِن الماءِ بشَرَاً فجَعَلَه نَسَباً وصِهْراً.. (6):
قال المفسّرون: أخرج أبو نعیم الحافظ وابن المغازلی الشافعیّ بسندَیهما عن سعید بن جُبَیر، عن ابن عبّاس أنّه قال: نزلت هذه الآیة فی الخمسة من أَهل العباء. ثمّ قال: المراد من الماء نورُ النبیّ صلّى الله علیه وآله وسلّم الذی كان قبل خلق الخلق، ثمّ أودعه فی صُلب آدم علیه السّلام، ثمّ نقله من صلبٍ إلى صلب.. إلى أن وصل صلبَ عبدالمطّلب فصار جزءین: جزء إلى صلب عبدالله فولد النبیَّ صلّى الله علیه وآله وسلّم، وجزء إلى صلب أبی طالب فولد علیّاً علیه السّلام. ثمّ ألف النكاح فزُوّج علیّ بفاطمة فوَلَدا حسناً وحسیناً علیهم السّلام.
وأخرج الثعلبیّ والخوارزمیّ عن ابن عبّاس، وكذا عن ابن مسعود وجابر الأنصاریّ والبراء وأنس وأمّ سلمة.. قالوا: نزلت هذه الآیة فی الخمسة من أهل العباء (7).
• وفی ظلّ الآیة الشریفة: وجَعَلها كلمةً باقیةً فی عَقِبهِ لعلّهم یَرجِعون (8) بسند ینتهی إلى الإمام علیّ علیه السّلام فیقول: فینا نزل قول الله عزّوجلّ ( الآیة ).. أی جعل الإمامة فی عقب الحسین علیه السّلام إلى یوم القیامة (9).
• وفی ظلّ الآیة المباركة: مَرَجَ البحرَینِ یلتقیان (10)، عن أنس بن مالك قال مبیّناً مَن البحران: علیٌّ وفاطمة. یَخرجُ منهما اللُّؤلؤُ والمَرجان (11)، قال أنس: الحسن والحسین.
وعن ابن عبّاس قال: علیٌّ وفاطمة بینهما برزخ ـ النبیّ صلّى الله علیه وآله ـ، یخرج منهما الحسن والحسین صلوات الله علیهما (12).
وتنساب الآیات الشریفة تخصّ الإمام الحسین علیه السّلام مع أهل بیته الأطهار علیهم الصلاة والسّلام، مثل: آیة التطهیر ـ قوله تعالى: إنّما یُریدُ اللهُ لِیُذهِبَ عنكمُ الرِّجْسَ أهلَ البیتِ ویُطهِّرَكم تطهیرا (13)، وآیة القربى أو المودّة ـ قوله تعالى: قُلْ لا أسألُكم علیه أجراً إلاّ المودّةَ فی القُربى (14)، وآیة المباهلة: فمَن حاجَّكَ فیهِ مِن بعدِ ما جاءَك مِن العلمِ فقلْ تَعالَوا نَدْعُ أبناءَنا وأبناءَكم ونساءَنا ونساءَكم وأنفسَنا وأنفسَكم ثمّ نَبتهلْ فنجعلْ لعنةَ اللهِ على الكاذبین (15).. وقد أجمع المفسّرون تقریباً على أنّ فاطمة الزهراء علیها السّلام هی المعنیّة بـ « نساءَنا »، وأن أمیر المؤمنین علیّاً علیه السّلام هو المعنیَّ بـ « أنفسَنا »؛ إذ هو نفس رسول الله صلّى الله علیه وآله وسلّم بصریح الآیة الكریمة. أمّا الأبناء فی المباهلة « وأبناءَنا » فلم یكونوا إلاّ الحسن والحسین صلوات ربّنا علیهما.
الحُجّة البالغة
لقد أقرّ المسلمون.. قدیماً وحدیثاً على مرّ العصور، أنّ الفضل لأهل بیت رسول الله صلّى الله علیه وآله وسلّم، لا یضاهیه بیت آخر، ثمّ الفضل والكرامة لمَن والاهم. وأمّا مَن جحدهم وهو یعلم، فذلك الظالم المنافق.. وكیف لا وقد سُمع رسول الله صلّى الله علیه وآله وسلّم یقول على مسامع المسلمین ومشاهدهم ـ مرّاتٍ عدیدةً ـ فیها: «حسینٌ منی وأنا من حسین». «مَن سرَّه أن ینظر إلى سیّد شباب أهل الجنّة فلْینظرْ إلى الحسین». «حسین سبط من الأسباط». «مَن أحبّنی فلْیُحبَّ حسیناً». وخاطبه قائلاً: «إنّك سید ابن سیّد أبو سادة، إنك إمام ابن إمام أبو أئمّة، إنك حجّة ابن حجّة أبو حُجج تسعة من صلبك، تاسعهم قأئمهم» (16).
هذا.. إلى مئات الروایات التی نقلها العامّة والخاصّة، حتّى روى: أحمد بن علیّ بن حجر العسقلانیّ الشافعیّ فی ( الإصابة فی تمییز الصحابة 333:1 )، والخطیب البغدادیّ فی ( تاریخ بغداد 141:1 ) بسند ینتهی عن عبید بن حنین، أنّ عمر بن الخطّاب قد قال للحسین سلام الله علیه فی صِغر سنّه: إنّما أنبتَ ما ترى فی رؤوسنا اللهُ ثمّ أنتم (17).
وربّما كنّى عمر بالشَّعر عن العلم أو الستر والوقاء، فیعنی أنّه: ما كان من دین أو علم إلاّ أنبته الله ثمّ أهلُ البیت: النبیّ وآله صلوات الله علیهم، ومن الآل الكرام سیّد الشهداء الإمام السبط.. الحسین بن علیّ صلوات الله علیه.