كثيرون ـ حتّى من المعتقدين بإمامة الحسين عليه السلام فضلاً عن محبّيه من غير أُولئك ـ يُعلنون عن أنّ قضية كربلاء لم تُبنَ على الإعجاز الغيبيّ، وإلاّ لكان لِيَدِ الإعجاز أنْ تُبيد الأعداء، وأنْ تُحرق كياناتهم بإصبعٍ من الغيب! وأنْ يكون للحسين ولكربلاء شأنٌ آخر.
لكنّ الأمر في مفهوم (المعجزة) وتقديرها وتصوّر أهدافها يختلف من شخصٍ إلى آخر.
فإنْ كانَ المنظورُ منها «إتمامُ الحُجّة» فإنّ قضايا كربلاء قد احتوتْ على الحُجج التامّة، لا على الأعداء المُعتدين فقطْ، بل على الأُمّة الإسلاميّة المغلوبة على أمرها ـ مدى التاريخ ـ فضلاً عن الطغاة الظالمين في العالم أجمع!
وإنْ كانَ الإعجازُ من منظار الانتصار، فإنّ الانتصار الحقيقيّ ليس بمجرّد الاستمرار في الحياة والبقاء في الدُنيا، بل هو انتصار الحقّ، بتحقّق الأهداف المطلوبة من المواقف والوقائع، واستمرارها في كيان الإنسانيّة، وأداء أثرها، وهو ما قد حَصَلَ من كربلاء.
ولكن المعجزة الّتي تحقّقت في كربلاء هي من نوعٍ آخر فإنّ أعلى وأهمّ مظاهر الإعجاز في كربلاء هو (العَبّاس عليه السلام) نفسه، حيث احتوى بمفردهِ على كلّ تلك المكارم والمآثر في سماته وسيرته ؛ فبلغ من المقام والرفعة (درجةً يغبطُهُ بِها الشُهداء يوم القيامة).
ومع أنّ العبّاس لم يكن إماماً، وقد ورد النصّ بذلك عن أبي عبد الله الصادق عليه السلام عن قول الله عزّ وجلّ: (أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنكُمْ) سورة النساء الآية 59؛ قال: نزلت في عليّ بن أبي طالب، والحسن، والحسين عليهم السلام ؛ فلمّا مضى عليٌّ، لم يكن يستطيع عليٌّ، ولم يكن ليفعل: أن يُدخِلَ محمّدَ بن عليّ، ولا العبّاسَ بن عليّ، ولا واحداً ([1]) من ولده ([2]).
كما لم يكن العبّاس معصوماً، بل ليس من شأننا الحديث عن ثبوت العصمةَ له، بعد أنّ انحصر المعصومون من أهل البيت بالأئمّة الإثني عشر عليهم السلام لكنّ العباس ـ بلا شكٍّ ـ كانَ أكبرَ معجزةٍ لأخيه الإمام المعصوم، وذلك لأنّ قتل الحسين عليه السلام هو من دلائل النبوّة، لأنّ النبيّ صلى الله عليه وآله أخبر عنه، وهو من إخباره بالغيب بأُمور تحقّقت في المستقبل، كما أورده أرباب الكتب الجامعة لدلائل النبوّة، كالبيهقي، وأبي نعيم الأصفهاني، والسيوطي، وغيرهم، كما أنّ أمير المؤمنين عليه السلام أخبر عن مقتله، وهذا ـ أيضاً ـ من دلائل الإمامة.
فهذه كلّها معجزاتٌ؛ لتحقُّقِها، واقترانِ أخبارها باليقين، فليستْ إلاّ من الوحي المُبين من ربّ العالمين على نبيّه الأمين.
وبذلك، فإنّ وجود العبّاس عليه السلام في واقعة الطفّ في كربلاء ـ وهو من أعلامها وأعيانها، وعليه تدورُ أكثر قضاياها المهمّة.
بل؛ وجوده وجودٌ عضويّ في إنجازها، كلّ ذلك يدخله في المعجزة، ویتحقّق به الإعجاز.
مع أنّ خروج العبّاس عليه السلام مع الحسين عليه السلام وقيامه بتلك المهمّات وفي جميع أدوارها الحسّاسة؛ لهو من خوارق العادة، فليكن بذاته معجزةً للحسين عليه السلام حيث كان مثلُ العبّاس طوعَ إرادته، ومُقتدياً به، يميل معه حيث مال، بل يسيرُ أَمَامَهُ في تلك الظروف الرهيبة، حتّى الشهادة بين يديه.
فسلامُ الله يومَ وُلِدَ، ويومَ قُتِلَ شهيداً، ويومَ يُبْعَثُ في الجنان.
العباس أبو الفضل ابن أمير المؤمنين (عليهما السلام)، السيد محمد رضا الحسيني الجلالي
([1]) في بعض النّسخ [أحداً].
([2]) تفسير العيّاشي (1 / 409) وتفسير فرات (ص 110 ح 27) والكافي (1 / 286 ـ 288).