موضوع عصمة الأئمة عليهم السلام من المواضيع المهمة في عقيدة الشيعة الإمامية الإثنی عشرية وهو يرتبط باُمور مهمَّة منها مسألة الإمامة والخلافة بعد النبي (ص) ، وقد تفرّدت الإمامية من بين الفرق الإسلامية بإيجابها عصمة الإمام من الذنب والخطأ، وهوأمر مفروغ عنه عند الشيعة ، وقد استدلّوا عليها بوجوه من العقل والشرع وسنأتي بتلک الأدلة بعد ما نتعرف علی المعنی اللغوي والإصطلاحي للعصمة ونبين حقيقتها:
حقيقة العصمة
العصمة في اللغة هي: المنع ومنه قوله تعالى: “قالَ سَآوي إِلى جَبَلٍ يَعْصِمُني مِنَ الْماءِ قالَ لا عاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلاَّ مَنْ رَحِمَ وَ حالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ فَكانَ مِنَ الْمُغْرَقينَ “ ([1]). وقال الراغب: العصم الإمساک والإعتصام الإستمساک، قال تعالی: “ لا عاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ “ أي:لا شئ يعصم منه. ([2]).
وأما العصمة في إِصطلاح المتکلمين العدلية هي: لطف يفعله الله تعالى بالمكلف لا يكون له معه داع إلى ترك الطاعة ولا إرتكاب المعصية مع القدرة عليهما([3]). وأيضاً قالوا: «العصمة قوّة وملکة تمنع صاحبها من الوقوع في المعصية والخطأ، حيث لا يترك واجباً، ولا يفعل محرّماً، مع قدرته على الترك والفعل، وإلّا لم يستحقّ مدحاً ولا ثواباً» ([4]). وهذا التعريف هو الأدق والأصح. وواضح من هذه التعاريف أنّ العصمة لا إلجاء فيها وإنما هي مجرد مدد من الله تعالى واستعداد من العبد، فهي أشبه شيءٍ باستاذ يقبل على تلميذه لأنّه وجد عند التلميذ استعداداً أكثر من غيره لتلقي العلم، فالمعصوم قد بلغ من التقوى حدّاً لا تتغلّب عليه الشهوات والأهواء، وبلغ من العلم في الشريعة وأحكامها مرتبة لا يخطأ معها أبداً.ولا يدخل في مفهوم العصمة سلب القدرة عن المعاصي، ولا كون المعصوم مضطرّاً إلى فعل الطاعات؛ فإنّ ذلك يستدعي بطلان الثواب والعقاب.
وبعد ما تعرفنا علی معنی العصمة نأتي بالأدلة العقلية والنقلية التي ذکرها الشيعة في عصمة أئمتهم الإثنی عشر من أهل البيت (ع) .
الأدلة العقلية علی عصمة الإمام(ع)
الدليل الأول : إنّ مفهوم الإِمام يتضمن معنى العصمة لأنّ الإِمام هو الذي يأتم به الناس ، فلو جاز عليه الذنب فحين إقدامه على الذنب إما أن يقتدى به أو لا؛ فإن كان الأول كان الله تعالى قد أمر بالذنب وهذا محال، وإن لم يقتد به خرج الإِمام عن كونه إماماً فيستحيل رفع التناقض بين وجوب كونه مؤتماً به وبين وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إلا بتصور أنّ العصمة متضمنة في مفهوم الإِمام ولازمة لوجوده .
الدليل الثاني: لمَّا کانت الإمامةاستمراراً لوظيفة النبوّة والرسالة، وكان الإمام يملأ جميع الفراغات الحاصلة جرّاء رحلة النبيّ الأكرم (ص) ، فلا مناص من لزوم عصمته، وذلك لأنّ تجويز المعصية يتنافى مع الغاية التي لأجلها نصبه اللَّه سبحانه إماماً للأُمّة؛ فإنّ الغاية هي هداية الأُمّة ولا يحصل ذلك إلّابالوثوق بقوله، والاطمئنان بصحّة كلامه، فإذا جاز على الإمام المعصية والخلاف،أو الخطأ والنسيان، لم يحصل الوثوق بأفعاله وأقواله، وضعفت ثقة الناس به، فتنتفي الغاية من نصبه، وهذ اهو الدليل نفسه الذي استدلّ به المتكلّمون على عصمة الأنبياء .
وبعبارة اخری :إنّ الإمام منفّذ لما جاء به الرسول (ص) ، وحافظ للشرع، وقائم بمهام الرّسول كلّها، فلو جاز عليه الخطأ والكذب، لا يحصل الغرض من إمامته. نعم لو كانت وظيفة الإمام مقتصرة على تأمين السبل وغزو العدو والانتصاف للمظلوم وما أشبه ذلك، لكفى فيه كونه رجلًا عادلًا قائماً بالوظائف الدينية، وأمّا إذا كانت وظيفته کوظائف النبيّ (ص) ، فكون الإمام عادلًا قائماً بالوظائف الدينية، غير كاف في تحقيق الهدف المنشود من نصب الإمام.
الأدلة القرآنية على لزوم عصمة الإِمام(ع)
الدليل الأول: قوله سبحانه: “ وَ إِذِ ابْتَلى إِبْراهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِماتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قالَ إِنِّي جاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِماماً قالَ وَ مِنْ ذُرِّيَّتِي قالَ لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ” ([5]).إنَّ النبي إبراهيم كان نبيّاً ورسولًا وقائماً بوظائف النبوة طيلة سنين حتّى خوطب بهذه الآية، واُعطي للخليل في أوآخر عمره الإمامة،وهي عهد الله يؤتيه من يشاء من عباده المعصومين والمراد من الإمامة في المقام هو منصب القيادة، وتنفيذ الشريعة في المجتمع بقوّة، ويعرب عن كون المراد من الإمامة في المقام هو القيادة والحکومة قوله سبحانه: “أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلى ما آتاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنا آلَ إِبْراهِيمَ الْكِتابَ وَ الْحِكْمَةَ وَ آتَيْناهُمْ مُلْكاً عَظِيماً»([6]). فالإمامة التي أنعم بها اللَّه سبحانه على الخليل وبعض ذرّيته هي الملك العظيم الوارد في هذه الآية. والمتأمّل في هذه الآيات يخرج بهذه النتيجة: أنّ ملاك إمامة الناس في ذرّية إبراهيم هي العصمة، غير أنّه ربّما تجتمع مع النبوة، كما في إبراهيم الخليل، ويوسف، وداود، وسليمان، وغيرهم، وربّما تنفصل النبوة عنها فيکون إماماً معصوماً زاده الله بسطة في العلم والجسم ولم يک نبيَّاً كما في طالوت حيث أخبر الله عنه في قوله تعالی: “ وَ قالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللَّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طالُوتَ مَلِكاً قالُوا أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنا وَ نَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَ لَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِنَ الْمالِ قالَ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفاهُ عَلَيْكُمْ وَ زادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَ الْجِسْمِ وَ اللَّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَنْ يَشاءُ وَ اللَّهُ واسِعٌ عَلِيمٌ “ ([7]).
الدليل الثاني: قوله سبحانه: “أَطِيعُوا اللَّهَ وَ أَطِيعُوا الرَّسُولَ وَ أُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ”([8]). والدليل في الآية أنّ اُولي الأمر الواجب طاعتهم يجب أن تكون أوامرهم موافقة لأحكام الله تعالى لتجب لهم هذه الطاعة ولا يتسنى هذا إلا بعصمتهم إذ لو وقع الخطأ منهم لوجب الإِنكار عليهم وذلك ينافي أمر الله بالطاعة لهم([9]).
وممّن صرّح بدلالة الآية على العصمة الإمام الرازي في تفسيره حيث قال: «إنّ اللَّه تعالى أمر بطاعة أُولي الأمر على سبيل الجزم في هذه الآية، ومن أمر اللَّه بطاعته على سبيل الجزم والقطع لابدّ وأن يكون معصوماً عن الخطأ؛ إذ لو لم يكن معصوماً عن الخطأ كان بتقدير إقدامه على الخطأ يكون قد أمر اللَّه بمتابعته، فيكون ذلك أمراً بفعل ذلك الخطأ، والخطأ لكونه خطأ منهيّ عنه، فهذا يفضي إلى اجتماع الأمر والنهي في الفعل الواحد بالاعتبار الواحد، وهو محال، فثبت أنّ اللَّه تعالى أمر بطاعة أُولي الأمر على سبيل الجزم، وثبت أنّ كلّ من أمر اللَّه بطاعته على سبيل الجزم وجب أن يكون معصوماً عن الخطأ، فثبت قطعاً أنّ أُولي الأمر المذكور في هذه الآية لابدّ وأن يكون معصوماً([10]). بيد أنّ الرازي، وبعد أن قادته استدلالاته المنطقية إلى لزوم عصمة الإمام بدأ يتهرّب من تبعة هذا القول، لأنّه لا يوافق مذهبه في تحديد الإمامة، فأخذ يؤوّل الآية ويحملها على غير ما ابتدأه، حيث استدرك قائلاً بأنّا عاجزون عن معرفة الإمام المعصوم،والوصول إليه،والإستفادة من علومه، فإذا كان الأمر كذلك، فالمراد بالإمام ليس بعضاً من أبعاض الأُمّة، بل المراد هو أهل الحلّ والعقد من الأُمّة. ولکن هذا التفسير لأُولِي الْأَمْرِ هو أشد غموضاً من الأوّل، فهل المراد من أهل الحل والعقد: العلماء والمحدّثون، أو الحكام والسياسيون؟ وليس هناک جواب مقنع.
الدليل الثالث: ذهبت الآية الثانية والثلاثين من سورة الأحزاب إلى عصمة أهل البيت الذين نزلت فيهم وهم: النبي (ص) وعليّ وفاطمة والحسن والحسين (ع) وهي قوله تعالى: “إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً”([11]). فبعد إثبات نزولها في أهل البيت الذي نص عليه قاطبة علماء الفريقين([12]). ويتساءل العلماء عن معنى ذهاب الرجس لينتهوا إلى أنّه نفي كل ذنب وخطأ عنهم والإِرادة هنا تكوينية لا تشريعية لوضوح أنّ التشريعية مرادة لكل الناس. ولا يلزم منه الإِلجاء لما سبق أن ذكرناه من أنّ العصمة مدد من الله تعالى واستعداد من العبد.
الأدلة الروآئية على عصمة الإئمة من أهل البيت (ع)
إنَّ هناک مجموعة من أحاديث النبي (ص) الدالة علی عصمة الأئمة من أهل بيته (ع) ، وممَّا جاء من أحاديثه الشريفة في هذا الموضوع حديث الثَّقلين وهو قوله (ص) : «إنّي تارك فيكم الثقلين: كتاب اللَّه وعترتي ما إن تمسّكتم بهما لن تضلّوا أبداً»([13]). فإذا كانت العترة عدل القرآن والقرآن هو كلام اللَّه تعالى ومصون عن التحريف، فالعترة معصومة كالكتاب، لا يخالف أحدهما الآخر حتَّی يصحَّ عدم الضلالة عند التمسُّک بهما وتوضيح ذلک کمايلي :
لقد قَرَنَ النّبيّ (ص) بين أهل بيته (ع) والقرآن العظيم، ولم يفصل بينهما، وأمر بالتمسّك بهما معاً دون أحدهما، وكشف عن كونهما «ثَقَلَين» ، وأخبر عن عدم افتراقهما إلي يوم القيامة، فهذا إنْ دلّ علي شيء فإنّما يدلّ علی عصمة أهل البيت (ع) وذلك التزاماً بالاُمور التالية :
الأمر الأول : لا ريب في أنّ القرآن الكريم مصون عن التحريف و عن کلِّ باطل ، وقد أشار القرآن إليه: “إِنّا نَحْنُ نَزّلْنَا الذّكْرَ وَإِنّا لَهُ لَحَافِظُونَ” ([14]). “وَإِنّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ، لاَ يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلاَ مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ” ([15]). والأمر بالاقتران بينهما يستلزم بالدلالة الإلتزامية عصمة أهل البيت (ع) وإلاّ لما صحّ الاقتران بينهما، والأمر بالتمسّك بهما، والإخبار بعدم افتراقهما إلی يوم القيامة.
الأمرالثاني: إنّ النّبيّ (ص) قد اعتبر التمسّك بهما عاصماً للأمّة عن الضلالة والانحراف كاشفاً ذلك عن إخبار الله تعالي له بقوله (ص) « ولقد نبأني اللّطيف الخبير أنّهما لن يفترقا حتّي يردا عَلَيَّ الحوض»، كما أنّ مقتضی ما تفيده أداة (لن) هو التأبيد، بمعني عدم افتراقهما عن منهج الحق إلی يوم القيامة، وهذا ما يفيد حقيقة العصمة عن كلّ باطل.، وإلاّ لما صح الاقتران بينهما والأمر بالتمسّك بهما معاً.
الأمرالثالث : إنّ القول بعدم عصمة الإئمة من أهل البيت (ع) يستلزم تكذيب النّبيّ (ص) فيما أخبر عنه عن الله تعالی، ومن المعلوم أنّ عصمة النّبيّ (ص) في التبليغ والإخبار عن الله تعالی وبيان الأحكام هو مورد اتفاق بين المسلمين جميعاً، وذلك لأنّ القول بعدم عصمتهم تجويز لافتراقهم عن الكتاب، وهو مخالف لما أخبر به النّبيّ (ص) مراراً وتكراراً .
ومن الروايات الدالة علی عصمة الأئمة من أهل البيت (ع) حديث السفينة وهو قوله (ص) : «ألا إنّ مثل أهل بيتي فيكم مثل سفينة نوح، من ركبها نجا، ومن تخلّف عنها غرق» ([16])، والمراد من تشبيههم (ع) بسفينة نوح: أنّ من لجأ إليهم في الدين فأخذ فروعه وأُصوله عن أئمّتهم الميامين نجا من عذاب اللّه تعالی،وهذا يقتضي أن يکونوا معصومين.
ومن الروايات الدالة علی ضرورة عصمة الإمام (ع) ، قوله (ص) في حقِّ علِّیٍ: «علي مع الحقّ والحقّ مع عليّ يدور معه كيفما دار» ([17]). ومن دار معه الحقّ كيفما دار محال أن يعصي أو أن يخطئ.
موقف علماءالسنة من العصمة
يذهب الفخرالرازي في معرض رده على عصمة الإِمام عند الشيعة: إلى أن لا حاجة إلى إمام معصوم، وذلك لأنّ الاُمة حال إجماعها تكون معصومة لاستحالة اجتماع الأمة على خطأ، بمقتضى حديث رسول الله (ص) :«لا تجتمع اُمتي على ضلالة» ([18]). ومع غض النظر عن صحة وعدم صحة هذا الحديث، نسأل هل مثل هذا الإِجماع ممكن بحيث يضم كل مسلم في شرق الأرض وغربها ؟، قد يكون الجواب أنّ المسلمين يمثّلون في هذا الإِجماع بأهل الحل والعقد، وهنا يتکرر السؤال ما هوعددهم؟ وهل هم محصورون في مكان معين؟.
وإذا كان الفخر الرازي قد آمن في تفسيره([19]) بعصمة أهل الحلّ والعقد من الاُمة فمن الأولى أن نؤمن بعصمة أهل البيت (ع) الذين خصّهم الله بمزية الحد الأعلى من التطهير في قوله تعالى: “إنّما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهّركم تطهيرا” ([20]). ومن كلّ ما تقدّم من مفهوم حديث الثقلين وإستناداً إلی آية التطهيريتجلّی القول بثبوت العصمة لأهل البيت (ع) بدليل قاطع.
رأي ابن تيمية في العصمة
قال ابن تيمية عند رده على الشيعة عند قولهم: إنّ وجود الإِمام المعصوم لابد منه بعد موت النبي (ص) وذلك لأنّ الأحكام تتجدد تبعاً للموضوعات، والأحوال تتغير وللقضاء على الإِختلاف في تفاسير القرآن وفي فهم الأحاديث وغير ذلك. ولو كانت عصمة النبي (ص) وكمال الدين كافيين ، لما حدث الإِختلاف، فثبت أنّه لابد من إمام معصوم يبين لنا معاني القرآن ويعين لنا مقاصد الشرع كما هو مراده إلى آخر ما ذكروه في المقام: فقال ابن تيمية: لا يسلّم أهل السنة أن يكون الإِمام حافظاً للشرع بعد انقطاع الوحي لأنّ ذلک حاصل للمجموع، والشرع إذا نقله أهل التواتر كان ذلك خيراً من نقل الواحد، فالقراء معصومون في حفظ القرآن وتبليغه، والمحدثون معصومون في حفظ الأحاديث وتبليغها، والفقهاء معصومون في الكلام والإِستدلال([21]). ويختلف هنا ابن تيمية عن الرازي فإذا كانت العصمة عند الرازي لمجموع الأمة فهي عند ابن تيمية لجماعة من الناس كالقراء والفقهاء والمحدثين، وهنا يشترط ابن تيمية العصمة لضمان حفظ مضمون الشريعة كما هو الحال عند الآخرين من الشعية وغيرهم، فما الذي أجازها لمجموعة ومنعها عن فرد؟ إنّ عدد المعصومين عند الشيعة لا يتجاوز الأربعة عشر وهم مجموعة منتخبة خصها الله تعالى بكثير من الفضائل بإجماع فرق المسلمين فلماذا نستكثر عليهم العصمة ونجيزها لغيرهم ؟
يقول التفتازاني وهو من أجلاء علماء السنة في كتابه شرح المقاصد: احتج أصحابنا على عدم وجوب العصمة: بالإِجماع على إمامة أبي بكر وعمر وعثمان (رض) مع الإِجماع على أنّهم لم تجب عصمتهم، وإن كانوا معصومين بمعنى أنّهم منذ آمنوا كان لهم ملكة اجتناب المعاصي مع التمكن منها([22]).
وفي هذا النص يصرح التفتازاني بعصمة الخلفاء الثلاثة، و مفاد كلامه أنّ العصمة ملكة تمنع صاحبها من مقارفة الذنب لا على نحو سلب الإِختيار وهذا عين ما يقوله الشيعة في أئمتهم.
رأي جمهور أهل السنة في العصمة
يمكن القول أنّ جمهور السنة يصحِّحون الحديث المروي عن النبي صلى الله عليه وآله وهو قوله (ص) : «أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم»([23]). ولازم هذا الحديث عصمة الصحابة كما سيرد به التصريح من بعضهم لأنّ صحة الإِقتداء بأي منهم ومتابعته في الظلم لو حصلت حال كونه مرتكباً للذنب وهو الحاصل من كونه غير معصوم فمعناه الأمر من الله تعالى باتباع العاصي والظالم ولو لنفسه وإذا لم يتابع ويعمل بما أراده النبي فإنّ معناه ترك أمر القرآن لأنّه قال: “ ...وَ ما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَ ما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا ... “ ([24]). والصحابي هنا ينقل أمر الرسول، فإن قلت إنّ الله تعالى أمرنا بأن نأخذ الحديث من العادل الثقة لقوله تعالى: “يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوماً بجهالة” ([25]). التي دلت بمفهومها على حجية خبر العادل، ونحن لا نأخذ الأمر إلا من العادل منهم، قلت: إنّ ذلك يدل بالمفهوم على أنّ فيهم غير العادل حينئذ وهو المطلوب.
([2]) المفردات: کتاب العين ، مادة عصم.
([4]) راجع التعريفات للمحقق الجرجاني(المتوفی 816هـ).
([9]) كشف المراد للعلامة الحلي :124.
([12]) لقد صرَّح بنزول الآية في حق أهل البيت (ع) كل من الإِمام أحمد في مسنده، وخصائص النسائي ، ومسند أبي داوود ، وتفسير الطبري، وتاريخ بغداد ،وصاحب مستدرك الصحيحين، والإستيعاب لابن عبد البر، وأسد الغابة ، والدر المنثور، وكنز العمال ، ،وغيرهم. (راجع فضائل الخمسة من الصحاح الستة 5 :219 وموسوعة التاريخ الإسلامي 3: 129 )
([13]) حديث متواتر، أخرجه مسلم في صحيحه، والدارمي في فضائل القرآن، وأحمد في مسنده 2 : 114 وغيرهم.
([16]) مستدرك الحاكم 3: 151 بسنده إلى أبي ذر.
([17]) حديث مستفيض، رواه الخطيب في تاريخه 14: 321 والهيثمي في مجمعه 7 :236، وغيرهما.
([18]) المستصفى مبحث أركان الإِجماع.