لمحة إلى حياة مؤسّس الوهّابيّة
تُنسب الطريقة الوهّابيّة إلى الشيخ محمّد بن عبدالوهّاب النجدي، وتُسمّى طريقته باسم أبيه «عبدالوهّاب» . أمّا السبب في عدم تسميتها بـ «المحمّدية» نسبة الى مؤسّسها محمّد، فهو ـ كما يقول البعض ـ للحذر من وقوع التشابه بينها و بين المسلمين أتباع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) و الحيلولة دون استغلاله. ( [1])
وُلد الشيخ محمّد عام 1115 هـ في قرية «عُيينة» إحدى القرى التابعة لـ «نجد» و كان والده قاضياً فيها.
كان محمّد بن عبدالوهّاب ـ منذ طفولته ـ ذا علاقة شديدة بمطالعة كتب التفسير و الحديث والعقائد، و قد درس الفقه الحنبلي عند أبيه الَّذي كان من علماء الحنابلة. و كان ـ منذ شبابه ـ يستقبح كثيراً من الشعائر الدينية التي كان يمارسها أهالي نجد. و لم يقتصر ذلك على «نجد» بل تعدّاه إلى المدينة المنوَّرة بعد ما انصرف من مناسك الحج، فقد كان يستنكر على الذين يتوسّلون برسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) عند مرقده المقدّس. ثم عاد إلى نجد و بعدها ارتحل إلى البصرة ـ و هو في طريقه إلى الشام ـ وهناك في البصرة طفق يستنكر على الناس شعائرهم الدينية و ينهاهم عنها، فثار عليه أبناء البصرة الغيارى وأخرجوه مدحوراً من ديارهم، فتوجَّه إلى مدينة الزبير.
و في الطريق ـ بين البصرة و الزبير ـ تعب من المشيو نال منه الحرُّ والعطش نيلا شديداً بحيث كاد أن يهلك فأدركه رجل من الزبير فعطف عليه عندما رآه مرتدياً زىَّ رجال الدين، و سقاه الماء و أركبه و أوصله إلى المدينة.
كان محمّد بن عبدالوهّاب عازماً على السفر إلى الشام، لكنّه لم يكن يملك ما يكفيه من المال و الزاد، فسافر إلى الأحساء و منها إلى حريملة التابعة لـ «نجد».
في تلك السنة ـ و كانت سنة 1139 هـ ـ انتقل والده عبدالوهّاب من عُيينة الى حريملة فلازَم الولد والده و تتلمذ على يده، و واصل حملاته المسعورة ضدّ الشعائر الدينية في نجد، ممّا أدّى إلى نشوب النزاع و الخلاف بينه و بين أبيه من جهة، و بينه و بين أهالي نجد من جهة أُخرى، و استمرّت الحالة على هذه حتى عام 1153 هـ حيث توفّي والده.( [2])
عند ذلك خلا الجوّ لمحمّد بن عبدالوهّاب، فراح يُعلن عن عقائده الشاذّة، و يستنكر على الناس ما يمارسونه من الشعائر الدينية، و يدعوهم إلى الانخراط في حزبه و تحت لوائه، فانخدع بعضٌ ورَفض آخرون، و اشتهر أمره في المدينة. عندها قَفل راجعاً إلى «عُيينة» و كان يحكم عليها عثمان بن حمد، فاستقبله و أكرمه، و وقع القرار بينهما على أن يُدافع كلٌّ عن صاحبه، باعتبار أنّ لأحدهما السلطة التشريعية و للآخر السلطة التنفيذية، فحاكم عيينة يمدّه بالقوّة و محمّد بن عبدالوهّاب يدعو الناس إلى طاعة الحاكم و اتّباعه.
و وصل الخبر إلى حاكم الأحساء بأنّ محمّد بن عبدالوهّاب يدعو إلى آرائه و مبتدعاته، و يعضده حاكم عُيينة فأرسل حاكم الأحساء رسالة تحذيرية الى حاكم عُيينة، فاستدعى الحاكم محمّد بن عبدالوهّاب و اعتذر من تأييده، فقال له ابن عبدالوهّاب: لو ساعدتني في هذه الدعوة لملكت نجد كلَّها، فرفضه الحاكم و أمره بمغادرة عُيينة مذموماً مدحوراً.
كان ذلك في عام 1160 هـ عندما خرج ابن عبدالوهّاب من عيينة و توجَّه إلى الدرعية التي كانت من أشهر المدن التابعة لنجد، و كان حاكمها ـ يومذاك ـ محمّد بن سعود ـ الجدّ الأعلى لآل سعود ـ فزاره الحاكم و أكرمه و وعده بالخير.
و بالمقابل بشَّره ابن عبدالوهّاب بالهيمنة على بلاد نجد كلّها، و هكذا وقع الاتّفاق المشؤوم.( [3])
و الجدير بالذكر: أنّ أهالي الدرعية كانوا يعانون من فقر مُدقع و حرمان فظيع، حتى وصول ابن عبدالوهّاب و عقد الاتفاقية بينه و بين محمّد بن سعود.
يقول ابن بشر النجدي ـ فيما يرويه عنه الآلوسي ـ : ... و كان أهل الدرعيّة ـ يومئذ ـ في غاية الضيق و الحاجة، و كانوا يحترفون لأجل معاشهم...
ولقد شاهدتُ ضيقهم في أول الأمر، ثم رأيتُ الدرعيّة بعد ذلك ـ في زمن سعود ـ و ما عند أهلها من الأموال الكثيرة و الأسلحة المحلاّة بالذهب و الفضَّة والخيل الجياد و النجائب العُمانيات والملابس الفاخرة، و غير ذلك من أسباب الثروة التامَّة، بحيث يعجز عن عدّه اللسان و يكلُّ عن تفصيله البيان.
و نظرتُ إلى موسمها يوماً ـ في الموضع المعروف بالباطن ـ فرأيتُ موسم الرجال في جانب، و موسم النساء في جانب آخر، فرأيت من الذهب و الفضّة والأسلحة و الإبل و الغنم و الخيل والألبسة الفاخرة و سائر المآكل ما لا يمكن وصفه، و الموسم ممتدٌّ مَدَّ البصَر، و كنت أسمع أصوات البائعين والمشترين و قولهم: بعت و اشتريت كدوىِّ النحل... .( [4])
ولكن من أين كلّ هذه الثروات الهائلة؟!
إنّ «ابن بشر النجدي» لم يتعرّض لذكر مصدر هذه الثروات الهائلة، لكن المستفاد من التاريخ هو أنّ ابن عبدالوهّاب كان يحصل عليها من خلال الهجمات التي كان يشنّها ـ مع أتباعه ـ على القبائل و المدن التي ترفض الانجراف إليه، و كان يسلب أموالها و ينهب ثرواتها و يوزّعها على أهل الدرعيَّة.
و كان محمّد بن عبدالوهّاب ينتهج اُسلوباً خاصّاً في تقسيم الغنائم ـ المسلوبة من المسلمين الرافضين للانحراف ـ فقد كان يتصرّف فيها حسب رغبته الشخصيَّة، فمرَّة كان يُقسّمها ـ رغم كثرتها ـ بين اثنين أو ثلاثة من أتباعه، و كان أمير نجد يأخذ نصيبه من الغنائم، بموافقة ابن عبدالوهّاب نفسه.
و من أهمّ نقاط الانحراف في ابن عبدالوهّاب هو هذه المعاملة السيّئة مع المسلمين الذين ما كانوا يخضعون لأهوائه و آرائه، فقد كان يُعاملهم معاملة الكافر المحارب، يُبيح أموالهم وأعراضهم.
و خلاصة القول: إنّ محمّد بن عبدالوهّاب كان يدعو إلى التوحيد، ولكن لتوحيد خاطئ من صُنع نفسه، لا التوحيد الَّذي يُنادي به القرآن الكريم، فَمن خضع له و لـ «توحيده» سلمتْ نفسه وأمواله، و من أبى فهو كافر حربي، و دمه وماله هَدَر!!
و على هذا الأساس كان الوهّابيّون يشنَّون المعارك في نجد و خارجها ـ كاليمن و الحجاز ونواحي سوريا و العراق ـ و كانوا يبيحون التصرّف بالمُدن ـ التي يسيطرون عليها ـ كيفما يشاءُون، فإن أمكنهم ضَمّ تلك الأراضي إلى ممتلكاتهم و عقاراتهم فعلوا ذلك، و إلاّ اكتفوا بنهب الغنائم منها.( [5])
و كان قد أمر كلّ من ينخدع بدعوته أن يتقدَّم إليه بالبيعة، و مَن رفض البيعة وجب قتله وتوزيع أمواله!!
و لهذا عند ما رفض أهالي قرية الفصول ـ من ضواحي الأحساء ـ بيعةَ هذا الرجل الشاذ هَجم عليهم و قتل ثلاثمائة رجل و نَهب أموالهم و ثرواتهم!( [6]) و أخيراً... مات محمّد بن عبدالوهّاب عام 1206 هـ ،( [7]) ولكنّ أتباعه واصلوا طريقه و أحيوا بدعه و ضلاله.
ففي عام 1216 هـ أعدَّ الأمير سعود ـ الوهّابي ـ جيشاً ضخماً يتألّف من عشرين ألفاً و شنّوا هجوماً عنيفاً على مدينة كربلاء المقدّسة بالعراق. و كانت كربلاء ـ و لا زالت ـ مدينة مقدّسة، تتمتّع بشهرة بالغة و محبَّة في قلوب المؤمنين و يقصدها الزوّارـ بمختلف جنسيّاتهم من إيرانيين وأتراك و عرب وغيرهم ـ فحاصر الجيش الوهّابي هذه المدينة المقدّسة ثم اقتحمها و دخلها وأكثر فيها القتل و النهب و الخراب و الفساد.
و قد ارتكب الوهّابيّون - في مدينة كربلاء المقدّسة ـ جرائم و فجائع لا يمكن و صفها، فقد قتلوا خمسة آلاف مسلم أو أكثر.
وعندما انتهى الأمير سعود من العمليات الحربية هناك، عَمد إلى خزانة حرم الإمام الحسين بن علي (عليهما السلام) و التي كانت مليئة بالذخائر النفيسة و الهدايا القيّمة التي أهداها الملوك و الأُمراء وغيرهم إلى الروضة المقدّسة فابتزَّها نهباً.
و بعد هذه الفاجعة الأليمة اتّخذت مدينة كربلاء لنفسها طابع الحزن والكآبة، حتى نظم الشعراء قصائد في رثائها.( [8])
و كان الوهّابيّون يشنّون بين فترة و أُخرى ـ و خلال مدّة تتراوح بين اثني عشر عاماً ـ هجماتهم و غاراتهم الحاقدة على كربلاء المقدّسة و ضواحيها، وعلى مدينة النجف الأشرف، ويعودون ناهبين سارقين، و كانت البداية هي الهجوم على مدينة كربلاء عام 1216 هـ ، كما سبقت الإشارة إليه.
و قد اتفقت كلمات المؤلّفين من الشيعة على أن ذلك الهجوم كان في يوم عيد الغدير المجيد، ذكرى تعيين النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) الإمامَ علي بن أبي طالب خليفة له من بعده.( [9])
يقول العلاّمة المرحوم السيد محمّد جواد العاملي( [10]):
«و قد منَّ الله سبحانه بفضله و إحسانه و ببركة محمّد و آله ـ صلَّى اللّهُ عليهم أجمعين ـ لإتمام هذا الجزء من كتاب «مفتاح الكرامة»، بعد انتصاف الليل من الليلة التاسعة من شهر رمضان المبارك سنة 1225 هـ على يد مصنّفه...و كان مع تشويش البال و اختلال الحال و قد أحاطت الأعراب ـ من عُنيزة القائلين بمقالة الوهّابيّ الخارجي ـ بالنجف الأشرف و مشهد الإمام الحسين (عليه السلام) و قد قطعوا الطّرق و نَهبوا زوّار الحسين (عليه السلام) بعد منصرفهم من زيارة نصف شعبان، وقتلوا منهم جماعة غفيرة، و أكثر القتلى من العجم، و ربّما قيل بأنهم مائة وخمسون، و قيل أقل...».
نعم، إنّ التوحيد الَّذي كان يدعو إليه محمّد بن عبدالوهّاب و جماعته ـ وكانوا يبيحون دماء وأموال مَن يرفض دعوتهم ـ هو القول بأنّ الله على العرش، يقول في الرسالة الحموية: إنّ الله سبحانه وتعالى فوق كل شيء، وعلى كل شيء، وإنّه فوق السماء . ثم يستدل على أنّه فوق السماء بقصة معراج الرسول إلى ربه ونزول الملائكة من عند الله وصعودهم إليه، إلى غير ذلك من الروايات.
ويستشهد بشعر عبد الله بن رواحة الّذي أنشده للنبي ـ حسب زعمه ـ:
شهدت بأنّ وعد الله حق *** وانّ النار مثوى الكافرينا
وانّ العرش فوق الماء طاف *** وفوق العرش رب العالمينا
إلى أمثال هذه الروايات الّتي استنتج منها أنّه سبحانه على العرش وله جهة.( [11])
ونحن نقتصر على ذلك فمن حاول أن يقف على التوحيد الّذي دعا إليه فليرجع إلى كتابنا «بحوث في الملل والنحل» الجزء الرابع، ولكن نقتصر في المقام بما ذكره ابن بطوطة في رحلته، يقول: حضرت يوم الجمعة بدمشق المسجد الّذي يخطب فيه على منبر الجامع أحمد بن تيمية، فكان من جملة كلامه: انّ الله ينزل إلى سماء الدنيا كنزولي هذا، ونزل درجة من درج المنبر، فعارضه فقيه مالكي يعرف بابن الزهراء، وأنكر ما تكلّم به، فقامت العامة إلى هذا الفقيه، وضربوه بالأيدي والنعال ضرباً كثيراً .( [12])
و يظهر من كتاب «الردّ على الأخنائي» لابن تيمية أنّه كان يعتبر الأحاديث المرويَّة في فضل زيارة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ، أحاديث موضوعة، و يصرّح بأنّ من يعتقد بحياة رسول الله بعد وفاته، كحياته زمن حياته فقد ارتكـب خطـأً كبيراً. و هذا ما يعتقده محمّد بن عبدالوهّاب و أتباعه، و قد زادوا على ابن تيمية في الانحراف والباطل.
لقد أدَّت معتقدات الوهّابيّين الباطلة إلى أن يعتبر بعض الباحثين حول الإسلام ـ ممّن نظروا في كُتبهم و تعرَّفوا على الإسلام من مطبوعاتهم ـ أَنْ يعتبروا الإسلام ديناً جامداً محدوداً لا يُنتفع به في كلّ العصُور و الأزمان.
يقول «لو تروب ستو دارد» الأمر يكي:
«... و قام على أثر ذلك عدد من النَّقَدة، اتّخذوا الوهّابية دليلا لكلامهم وقالوا: إنّ الإسلام ـ بجوهره و طبائعه ـ غير قابل للتكيّف على حسَب مقتضيات العصور و مُماشاة أحوال الترقّي و التبدّل، و ليس إلفاً لتطوّرات الأزمنة و تغيّرات الأيام...».( [13])
و من الجدير بالذكر أنّ علماء المذهب الحنبلي ثاروا ضدّ محمّد بن عبدالوهّاب و حكموا بانحرافه و بطلان عقائده منذ البداية.
و أوّل من تصدّى له و أعلن الحرب عليه هو أبوه الشيخ عبدالوهّاب، ثم أخوه الشيخ سليمان و كلاهما من علماء الحنابلة.
و قد كتب الشيخ سليمان كتاباً بعنوان: «الصواعق الإلهية في الردّ على الوهّابيّة» ردَّ فيه على أباطيل أخيه و خزعبلاته.
يقول زيني دحلان ـ ما معناه ـ :
«...و كان عبدالوهّاب ـ والد الشيخ محمّد ـ رجلا صالحاً من أهل العلم، وكان الشيخ سليمان ـ أخو محمّد ـ من أهل العلم أيضاً، و بما أنّ الشيخ عبدالوهّاب و الشيخ سليمان كانا من بداية الأمر ـ أي من يوم كان محمّد يواصل دراسته في المدينة المنوّرة ـ على علم بأفكار محمّد الشاذّة، لذلك كانا يلومانه على أقواله و يُحذّران الناس منه...»( [14]).
و يقول عبّاس محمود العقّاد المصري: «... و أكبر مَن خالف الشيخ في ذلك أخوه الشيخ سليمان ـ صاحب كتاب الصواعق الإلهية ـ و هو لا يُسلّم لأخيه بمنزلة الاجتهاد و الاستقلال بفهم الكتاب و السنّة...»( [15]).
و يرى الشيخ سليمان أنّ البدَع التي يمرّ بها الأئمة ـ جيلا بعد جيل ـ و لا يُكفّرون أصحابها، لا يكون الكفر فيها من اللزوم الَّذي يوجب القطع به ويُستباح من أجله القتال، و يقول الشيخ سليمان في ذلك: إنّ هذه الأُمور حدثت من قبل زمن الإمام أحمد بن حنبل في زمان أئمة الإسلام و أنكرها من أنكرها منهم، و لا زالت حتى ملأت بلاد الإسلام كلّها، و فُعلتْ هذه الأفاعيل كلّها التي تُكفِّرون بها، ولم يُروَ عن أحد من أئمة المسلمين أنّهم كفَّروا بذلك، و لا قالوا هؤلاء مرتدُّون، و لا أمروا بجهادهم، ولا سمُّوا بلاد المسلمين بلاد شرك وحرب كما قلتم أنتم، بل كفَّرتم من لم يُكفّر بهذه الأفاعيل و إن لم يفعلها...».( [16]) هذا...و قد سبق أنّ محمّد بن عبدالوهّاب ليس أوّل مبتدع في آرائه وأفكاره، بل سبقه إلى ذلك ـ بقرون عديدة ـ ابن تيميّة الحرّاني و تلميذه ابن القيّم الجوزيّة و أمثالهما، إلاّ أنّ أفكارهم لم تتّخذ لنفسها طابع المذهب كما أحدث ذلك ابن عبدالوهّاب.
الردود على قائد الوهابيين
إنّ حركة محمد بن عبد الوهاب هي امتداد لحركة أُستاذه ابن تيمية الحراني الدمشقي الّذي خرج من «حران» دمشق في القرن الثامن الهجري ،وقد تبنّى عقائد منحرفة وآراء شاذة بلبلت أذهان المسلمين، ومزّقت وحدتهم، وفرّقت جماعتهم، وأوقدت نيران الفتنة في مجتمعهم، ونظراً لآرائه السقيمة وأفكاره المنحرفة فقد تصدى علماء عصره. لنقد آرائه و الحكم بانحرافه وخاصّة بعد ما كتب عقائده الباطلة و نشَرها بين الناس.
و قد تلخّصت الحرب الدينية ضدّ ابن تيميّة في نقطتين:
الأُولى: تأليف الكتب و كتابة الردود على أفكاره الباطلة، و تزييفها على ضوء القرآن و السنَّة الشريفة.
و كنموذج من ذلك نُشير إلى بعض ما صدر ضدّه من الكتب:
1ـ شفاء السقام في زيارة قبر الإمام: بقلم تقىّ الدين السبكي.
2ـ الدرّة المضيئة في الردّ على ابن تيميّة: بقلم المؤلّف السابق.
3ـ المقالة المرضيّة: تأليف قاضي قضاة المالكيّة تقىّ الدين أبي عبدالله الأخنائي.
4ـ نجم المهتدي و رجم المقتدي: بقلم فخر بن محمّد القرشي.
5ـ دفع الشبهة: بقلم تقىّ الدين الحصني.
6ـ التحفة المختارة في الردّ على منكر الزيارة: بقلم تاج الدين.
هذه بعض الردود التي كُتبت ضدّ عقائد ابن تيميّة و آرائه السقيمة، وكشفتْ عن سفاهتها وقشريَّتها.
الثانية: هجوم العلماء و الفقهاء عليه، و إصدار الحكم و الفتوى بفسقه تارةً، وبكفره تارةً أُخرى، و التحذير من البدَع التي أحدثها في الدين الحنيف.
و منهم قاضي القضاة في مصر «البدر بن جماعة» فقد كتبوا إليه رأي ابن تيميّة في زيارة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فكتب قاضي القضاة:
«إنّ زيارة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) سُنَّة مستحبة، و قد اتّفق العلماء على ذلك، و كلّ من يرى حرمة زيارته فيجب على العلماء زجره و نهيه عن مثل هذه الآراء، فإن لم يردعه ذلك لزم حبسُه و فضحه بين الناس حتى لا يقتدوا به».
و ليس هذا القاضي الشافعي في مصر وحيداً في فتواه هذه، بل أصدر قضاة المالكية والحنبلية فتاوى مماثلة في تفسيق ابن تيميّة والحكم بضلاله وانحرافه.( [17])
وبالإضافة إلى ذلك كلّه، فقد كتب الذهبي الَّذي يُعتبر من علماء القرن الثامن الهجري، و له تأليفات قيّمة في الحديث و الرجال ـ و كان مُعاصراً لابن تيميّة ـ كتب رسالة ودّية إليه ينهاه فيها عن منكراته، و شبَّهه فيها بالحجّاج الثقفي في ضلاله و فساده.( [18])
إلى أن أهْلك الله ابنَ تيميّة في عام 728 هـ في سجن الشام، فحاول تلميذه ابن القيّم أن يواصل نهج أُستاذه، لكنّه لم يفلح في ذلك، فماتت أفكار ابن تيميّة بموته، و فنيتْ بفنائه، و زالت بزواله، واستراح المؤمنون من بدعه وضلالاته.
إلى أن ألقى الشيطان حبائله من جديد، فجاء محمّد بن عبدالوهّاب حاملا أفكار ابن تيميّة البائدة و اتفق مع آل سعود ليقوم كلّ منهما بتأييد الآخر، هذا في الحكم و ذاك في التشريع، فعاد الضلال يَنشر خيوطه في «نجد» وانتشرت الوهّابيّة في بلاد نجد انتشار السرطان الأثيم في الجسم، فانخدع جمعٌ من الناس، و تحزَّبوا ـ و مع كلّ أسف ـ باسم التوحيد للقضاء على أهل التوحيد، و أراقوا دماء المسلمين باسم الجهاد مع المشركين، و راح الأُلوف من الناس ـ رجالا ونساءً و صغاراً و كباراً ـ ضحيَّة لهذه البِدَع و الأباطيل، و توسَّعت شُقّة الخلاف بين المسلمين، و أُضيف على مذاهبهم المتعدّدة، مذهب جديد.
و قد بلغت المصيبةُ ذروتَها عندما سقط الحَرَمان الشريفان ـ مكّة والمدينة ـ في قبضة هذه الزمرة المنحرفة، و عَمد النجديّون الوهّابيّون ـ وبالتعاون مع بريطانيا الحاقدة التي كانت تهدف إلى تقسيم الدولة الإسلامية إلى دويلات صغيرة تحدُّها الحدود الجغرافية ـ عمدوا إلى محو الآثار الإسلامية في مكّة والمدينة، و هدْم قبور أولياء الله و هتك حرمة آل رسول الله، و غير ذلك من الجرائم و المنكرات التي يهتزّ لها ضمير المسلم.
يقول بعض المؤرّخين:
«بادر الوهّابيّون ـ لمّا استولوا على مكّة ـ بالمساحي فهدموا ـ أوّلا ـ ما في «المعلّى» مقابر قريش ـ من الِقباب، و هي كثيرة، منها قُبَّة سيّدنا عبدالمطّلب جدّ النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم) و قُبَّة سيّدنا أبي طالب ـ رضوان الله عليه ـ و قبَّة السيدة خديجة ـ رضوان الله عليها ـ كما هدموا قبَّة مولد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) و مولد أبي بكر، و مولد الإمام علي (عليه السلام) و هدموا قبَّة زمزم و القباب التي حول الكعبة، و تتبّعوا جميع المواضع التي فيها آثار الصالحين فهدموها، و كانوا ـ عند الهدم ـ يرتجزون و يضربون بالطبول ويُغنُّون ويُبالغُون في شتم القبور... حتى قيل إنّ بعضهم بال على قبر السيّد المحجوب!!...».( [19])
قال العلاّمة السيد صدر الدين الصدر ـ المغفور له ـ :
لعمري إنّ فاجِعةَ البقيع *** يُشيبُ لهولها فؤود الرضيع
و سوف تكون فاتحة الرزايا *** إذا لم يُصحَ من هذا الهجوع
أما مِن مسلم للّه يرعى *** حقوق نبيِّه الهادي الشفيع
و قال آخر:
تبّاً لأحفاد اليهود بما جَنَوا *** لم يكسبوا من ذاك إلاّ العارا
هتكـوا حريـم محمّد في آلِه *** ياويلهم قد خالفـوا الجبّارا
هَدموا قبور الصالحيـن بحقـدهم *** بُعداً لهم قد أغضبوا المختارا
و انطلاقاً من قول النّبي ـ صلّى الله عليه و آله ـ :
«إذا ظهرت البِدَع فعلى العالِم أن يُظهر عِلمه، و إلاّ فعليه لعنة الله».
فقد تصدّى علماء الشيعة ـ و علماء السنّة أيضاً كما ذكرنا ـ لهذا الغزو الوهّابي الحاقد، وكتبوا الكتب و نشروا المنشورات، في فضح هذا الرجل ـ الَّذي جاء يُحقق أهداف بريطانيا في ثوب جديد ـ و كشف القناع عن حقيقته والردّ على آرائه الشاذّة.
و أوّل كتاب صدر في الردّ على ابن عبدالوهّاب هو كتاب «الصواعق الإلهية في الردّ على الوهّابيّة» بقلم أخيه الشيخ سليمان.
كما أنّ أوّل كتاب صدر ضدَّه من علماء الشيعة هو كتاب «منهج الرشاد» للشيخ الكبير المرحوم الشيخ جعفر كاشف الغطاء (المتوفّى سنة 1228 هـ ) و قد كتب كتابه هذا جواباً على رسالة بعثها إليه الأمير عبدالعزيز بن سعود ـ أحد الأُمراء السعوديّين في وقته ـ و قد زيَّف في كتابه أفكار محمّد بن عبدالوهّاب وأثبت بطلانها على ضوء القرآن و السنّة. و قد طبع الكتاب في عام 1343 هـ في النجف الأشرف في العراق.
ثم تتابَع الردّ و النقد في ظروف مختلفة، و صدرت الكُتب تترى واحدة تلو الأُخرى، حتى زماننا هذا. و في عصرنا الحاضر صعَّد الوهّابيّون حَملاتهم المسعورة ضدّ مخالفيهم من المسلمين، بفضل الثروة الطائلة التي يجنيها آل سعود من أرباح البترول العائدة إليهم فقط.
لقد خصّصت السلطة السعودية جزءاً كبيراً من أرباح البترول لترويج هذا المذهب المفرِّق و نشره بين المسلمين، ولولا هذه الأموال الطائلة لما عاش هذا المذهب الواهي إلى هذا الوقت.
لقد وَجد الاستعمار ضالَّته في هذا المذهب، و اتّخذه خير وسيلة لإلقاء التفرقة بين المسلمين وتشتيت صفوفهم، و ضرْب بعضهم البعض.
و قد حقّق هذا المذهب أهداف الاستعمار الغاشم الأثيم، فتراه قد أوجد الفتنة بين المسلمين، هذا يُفسّق ذاك و ذاك يُكفّر هذا... و لا حول و لا قوّة إلاّ باللّه العلىّ العظيم.
عقائد الوهابية 1 - تحريم بناء القبور وهدم المشاهد عليها
إنّ مسألة بناء القبور وتشييد مراقد الأنبياء وأولياء الله الصالحين من المسائل الحسّاسة عند الوهابيّين، وقد كان ابن تيمية وبعده ابن قيم أوّل من أفتى بحرمة بنائها ووجوب هدمها، يقول ابن القيم:
يجب هدم المشاهد الّتي بنيت على القبور، ولا يجوز إبقاؤها ـ بعد القدرة على هدمها وإبطالها ـ يوماً واحداً .( [20])
وعلى هذا الأصل لمّا استولى السعوديّون على الحرمين الشريفين هدموا المراقد المقدسة في البقيع، وبيوت أهل البيت (عليهم السلام) ، بعدما رفعوا سؤالاً إلى علماء المدينة المنورة، وإليك السؤال والجواب:
السؤال: ما قول علماء المدينة المنورة ـ زادهم الله فهماً وعلماً ـ في البناء على القبور، واتّخاذها مساجد، فهل هو جائز أم لا؟ وإذا كان غير جائز بل ممنوع منهي عنه نهياً شديداً، فهل يجب هدمها ومنع الصلاة عندها أم لا ؟
وإذا كان البناء في مسبلة كالبقيع، وهو مانع من الانتفاع بالمقدار المبني عليه، فهل هو غصب يجب رفعه لما فيه من ظلم المستحقين ومنعهم استحقاقهم أم لا ؟ الجواب: أمّا البناء على القبور فهو ممنوع إجماعاً، لصحّة الأحاديث الواردة في منعه، ولذا أفتى كثير من العلماء بوجوب هدمه، مستندين بحديث علي (رضي الله عنه) أنّه قال لأبي الهياج: ألا أبعثك على ما بعثني عليه رسول الله، ان لا تدع تمثالاً إلاّ طمسته، ولا قبراً مشرفاً إلاّ سويته. ( [21])
يلاحظ على ما ذكره: انّه كيف يدّعي إجماع المسلمين على حرمة البناء مع أنّ سيرة المسلمين وعملهم منذ أن ارتحل النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى يومنا هذا هي البناء على القبور، فقد دفن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في بيته الرفيع ولم يخطر ببال أحد من الصحابة الحضور أن البناء على القبر حرام، وانّه (صلى الله عليه وآله وسلم) نهى عنه نهياً شديداً، ولمّا كان البيت متعلّقاً بزوجته عائشة جعلوا في وسطه ساتراً، ولمّا توفّى الشيخان أوصيا بدفنهما في حجرة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) تبركاً بذاته ومكانه، ولم يخطر ببال أحد انّه على خلاف الدين والشرع.
وأمّا الحديث الّذي استدلّ به، فلا يدلّ على ما رامه لأنّ محل الشاهد في الحديث هو قوله: «إلاّ سويته» وهو يستعمل على وجهين :
أ ـ يطلق ويراد منه مساواة شيء بشيء، فيتعدى إلى المفعول الثاني بحرف التعدية كالباء، قال سبحانه: ( إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ ) ( [22]) .
أي نعد الآلهة المكذوبة متساوين مع رب العالمين، فنضيف إليكم ما نضيف إلى رب العالمين. ب ـ يطلق ويراد منه ما هو وصف لنفس الشيء لا بملاحظة شيء آخر، فيكتفي بمفعول واحد، قال سبحانه: ( الذِي خَلَقَ فَسَوَّى )( [23]) وقال سبحانه: ( بَلَى قَادِرِينَ عَلَى أَنْ نُسَوِّيَ بَنَانَهُ ) ( [24]) ، ففي هذين الموردين وضعت التسوية وصفاً لنفس الشيء بلا إضافة إلى غيره، وعندئذ يكتفي بمفعول واحد، ويكون المراد من التسوية حسب اختلاف الموارد تارة كمال الخلقة واستقامتها في مقابل نقصها واعوجاجها، وهذا هو المراد في الآيتين المذكورتين، وأُخرى تسطيحه مقابل اعوجاجه وبسطه مقابل كونه كالسنام.
إذا عرفت هذا فلنعد إلى الحديث ولنطبق الضابطة عليه، فبما انّه استعمل مع مفعول واحد فلا يراد منه المعنى الأوّل أي مساواته بالأرض، وإلاّ كان عليه أن يقول سويته بالأرض، بل يراد ما هووصف لنفس القبر، والمعنى المناسب هو تسطيح القبر في مقابل تسنيمه، وبسطه في مقابل اعوجاجه، وهذا هو الّذي فهمه شراح الحديث.
قال القرطبي: قال علماؤنا ظاهر حديث أبي الهياج منع تسنيم القبور ورفعها وان تكون واطئة. ( [25])
وقال النووي في شرح الحديث: إنّ السنّة ان القبر لا يرفع عن الأرض رفعاً كثيراً، ولا يسنّم، بل يرفع نحو شبر. وهذا مذهب الشافعي ومن وافقه. ( [26])
ويؤيّد ذلك انّ مسلماً صاحب الصحيح ذكر الحديث تحت عنوان باب تسوية القبور. ( [27])
عقائد الوهابية 2 - حرمة بناء المساجد على القبور والصلاة فيها
ذهبت الوهابية إلى حرمة بناء المساجد على القبور، وحرمة قصد الصلاة فيها حتّى قال ابن تيمية: إنّ المسجد والقبر لا يجتمعان. ( [28])مستدلاًّ بما روي عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) : لعن الله اليهود والنصارى اتّخذوا قبور أنبيائهم مساجد. ( [29])
وقد استغلت الوهابية هذا الحديث وخرجوا بالنتيجة التالية:
حرمة بناء المساجد على القبور وحرمة قصد الصلاة فيها .
وقبل تحليل الحديث نعرض المسألة على القرآن الكريم .
إنّ القرآن صادق مصدق لا يأتيه الباطل، يذكر سبحانه فيه قصة أصحاب الكهف وأنّ القوم لمّا عثروا على أجسادهم الطرية في الغار اختلفوا على قولين:
1- ( فَقَالُوا ابْنُوا عَلَيْهِمْ بُنْيَاناً رَبُّهُمْ أَعْلَمُ بِهِمْ ) .
2- ( قَالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلَى أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَسْجِدًا ) . فالآية صريحة في أنّ القوم بعدما عثروا عليهم اختلفوا في كيفية تكريمهم على قولين:
1-البناء على قبورهم: ( ابْنُوا عَلَيْهِمْ بُنْيَاناً ) .
2-بناء المسجد على قبورهم: ( لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَسْجِدًا ) .
والقرآن الكريم يذكر كلا القولين من دون رد وطعن، فلو كان كلّ من القولين خصوصاً القول الثاني على خلاف الهداية وفي جانب الضلالة لأشار إلى ردّه وطعنه، فسكوت القرآن تجاه هذين القولين ونقلهما عن القوم بصورة كونه عملاً مستحسناً (لأنّهم اقترحوا ذينك العملين لتكريم أصحاب الكهف) أقوى شاهد على جواز العمل في الأُمّة المحمدية.
وقد اتّفق المفسرون على أنّ القول الثاني كان للموحّدين، ويدلّ على ذلك ما جاء في التاريخ انّ العثور على أصحاب الكهف وانكشاف أمرهم كان في عصر انتصار التوحيد على الشرك، وكان قادة المشركين ـ الداعين إلى عبادة الأصنام ـ مندحرين مغلوبين، فاقتراح بناء المسجد جاء من المؤمنين بالله الموحّدين له سبحانه. فإذا كان بناء المسجد على قبور الصالحين أو بجوارها علامة على الشرك فلماذا صدر هذا الاقتراح من المؤمنين؟!
إنّ هذا تقرير من القرآن على صحّة اقتراح أُولئك المؤمنين، ومن المعلوم أنّ تقرير القرآن حجة شرعية لا ينازعه شيء.
وأمّا الحديث الّذي استدلّت به الوهابية على حرمة بناء المساجد على القبور، فالمراد بناء المساجد على القبور والسجدة لصاحب القبر أو اتّخاذه قبلة، لا مجرد من اتّخذ القبور مسجداً مجرداً عن أي شرك، أو إذا كانت إقامة الصلاة عند قبورهم من باب التبرّك بهم.
وممّا يدلّ على أنّ المراد هو بناء المساجد على القبور والسجود لهم أو إليها هو انّ بعض الروايات وصفت هؤلاء بأنّهم شرار الناس، ففي حديث: فاعلموا أنّ شرار الناس الذين اتّخذوا قبور أنبيائهم مساجد، ان توصيفهم بأنّهم شرار الخلق عند الله يميط الستر عن حقيقة عملهم، إذ لا يوصف الإنسان بالشر المطلق، إلاّ إذا كان مشركاً، قال سبحانه: ( إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لاَ يَعْقِلُونَ ) ( [30]) .
كلّ ذلك يكشف عن مغزى الحديث، وانّ عملهم لم يكن عملاً مجرداً مثل صرف بناء المسجد على القبر والصلاة فيه، أو إقامة الصلاة عند القبور، بل كان عملاً مقترناً بالشرك بألوانه وصوره المختلفة كاتخاذ القبر إلهاً ومعبوداً أو قبلة عند الصلاة أو السجدة عليها بمعنى اتّخاذها مسجوداً .
وقد فهم غير واحد من العلماء نفس ما ذكرناه من الحديث، يقول القسطلاني في «إرشاد الساري» نقلاً عن البيضاوي:
لمّا كانت اليهود والنصارى يسجدون لقبور الأنبياء تعظيماً لشأنهم ويجعلونها قبلة يتوجّهون في الصلاة نحوها واتّخذوها أوثاناً، لعنهم النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ومنع المسلمون عن مثل ذلك، فأمّا من اتّخذ مسجداً في جوار صالح وقصد التبرّك بالقرب منه ـ لا للتعظيم ولا للتوجه إليه ـ فلا يدخل في الوعيد المذكور. ( [31]) هذا كلّه حول بناء المساجد، وأمّا الصلاة على القبور فلأجل انّ لمشاهد الأولياء ومراقدهم شرفاً وفضيلة خاصّة لا توجد في غيرها.
إنّ القرآن الكريم يأمر حجاج بيت الله الحرام بإقامة الصلاة عند مقام إبراهيم وهي الصخرة الّتي وقف عليها إبراهيم لبناء الكعبة، فيقول:
( وَ إِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ وَ أَمْنًا وَ اتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى ) ( [32]) .
إنّ الصلاة في مقام إبراهيم لأجل التبرّك بمقام النبي إبراهيم، فلو كانت عبادة الله تبارك وتعالى مقرونة بالتبرّك بمكان المخلوق شركاً، فلماذا أمر به سبحانه، فهل هناك فرق بين مقامهم ومثواهم؟!
إنّ المسلمين جميعاً يصلّون في حجر إسماعيل مع أنّ الحجر مدفنه ومدفن أُمّه هاجر، فأي فرق بين مرقد النبي ومدفن أبيه إسماعيل؟!
إذا كانت الصلاة عند القبر محرمة في الشريعة الإسلامية، فلماذا قضت عائشة عمرها في البيت الّذي دفن فيه الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) ؟
وانّ السيدة فاطمة الزهراء ـ الّتي قال في حقّها النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) : إنّ الله يرضى لرضى فاطمة ويغضب لغضبها ـ كانت تزور قبر عمّها حمزة كلّ جمعة أو في كل أُسبوع مرّتين، فتصلّي وتبكي عنده . ( [33])
عقائد الوهابية 3 - جواز زيارة القبور وحرمة شدّ الرحال إليها
اتّفق المسلمون على استحباب زيارة القبور لما فيه من فوائد تربوية ذكرها النبي في حديثه المعروف .
روى أصحاب السنن عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أنّه قال: «كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها، فإنّها تزهّد في الدنيا وتذكّر الآخرة». ( [34])
وقد اتّفق المسلمون أيضاً على استحباب زيارة قبر النبي خصوصاً ـ غير ابن تيمية ـ وأفضل دليل على ذلك هو السيرة المستمرة من عصر رحيل الرسول إلى يومنا هذا، مضافاً إلى الروايات المتوفرة من أنّه (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: «من زار قبري وجبت له شفاعتي». ( [35]) ولكن المروي عن محمد بن عبد الوهاب في الرسالة الثانية من رسائل الهدية السنية: تسنّ زيارة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) إلاّ أنّه لا يُشدّ الرحال إلاّ لزيارة المسجد والصلاة فيه. والدليل الّذي يتمسّكون به في تحريم الزيارة هو الحديث المذكور في صحاحهم عن أبي هريرة انّه قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) :
لا تشدّ الرحال إلاّ إلى ثلاثة مساجد: مسجدي هذا، ومسجد الحرام، والمسجد الأقصى.
وروي هذا الحديث بصورة أُخرى، وهي:
إنّما يسافر إلى ثلاثة مساجد: مسجد الكعبة، ومسجدي، ومسجد إيليا.
وروي أيضاً بصورة ثالثة، وهي:
تشدّ الرحال إلى ثلاثة مساجد... .( [36])
لكن مفاد الحديث لا يصلح للاستدلال، لأنّ الاستثناء في الحديث مفرغ بمعنى انّ المستثنى منه غير مذكور، وبما انّ المستثنى هو المساجد الثلاثة فيكون قرينة على أنّ المستثنى منه هو لفظة مسجد، فيكون معنى الحديث لا تشدُّ إلى أي مسجد من المساجد سوى المساجد الثلاثة، وأين هذا من شدّ الرحال إلى زيارة قبر النبي؟!
نعم لو كان المستثنى منه وهو لفظة مكان لدلّ على ما يرتئيه الوهابيون من تحريم شدّ الرحال، فيكون معنى الحديث: لا يشدّ إلى مكان من الأمكنة إلاّ السفر إلى المساجد الثلاثة، ومن المعلوم أنّ هذا باطل، إذ لو كان الهدف منع كافة السفرات الدينية ـ غير المساجد الثلاثة ـ محرّمة، فلماذا يُشدّ الرحال إلى هذه المناطق؟ مع أنّ القرآن الكريم أشار إلى بعض السفرات الدينية ورغب فيها كالسفر لأجل الجهاد وطلب العلم وصلة الرحم وزيارة الوالدين.
وفي الختام لابد من الإشارة إلى أنّ النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) عندما قال: «لا تُشدّ الرحال إلاّ إلى ثلاثة مساجد...» فانّه لا يعني انّ شدّ الرحال إلى المساجد الأُخرى حرام، بل معناه أنّ المساجد الأُخرى لا تستحقّ شدّ الرحال إليها، وتحمّل مشاق السفر من أجل زيارتها، لأنّ المساجد الأُخرى لا تختلف من حيث الفضيلة مع الآخر اختلافاً كبيراً، فلا داعي إلى أن يشدّ الإنسان الرحال إلى المسجد، أمّا إذا شدّ الرحال إليه فليس عمله هذا حراماً ولا مخالفاً للسنّة الشريفة، ويدلّ عليه ما رواه أصحاب الصحاح والسنن:
«كان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يأتي مسجد قبا راكباً وماشياً فيصلي فيه ركعتين».( [37])
ولنا ان نتساءل: كيف يمكن أن يكون شدّ الرحال وقطع المسافات من أجل إقامة الصلاة مخلصاً لله في بيت من بيوته سبحانه حراماً ومنهياً عنه؟!
إذا كانت الصلاة في المسجد مستحبة، فانّ الظاهر انّ مقدّمة المستحب مستحبة أيضاً .
عقائد الوهابية 4 - حرمة التوسّل بالأنبياء والصالحين
يعتبر التوسّل بأولياء الله وأحبّائه من المسائل المعروفة بين المسلمين في كافة أنحاء العالم، وقد وردت أحاديث كثيرة في جوازه واستحبابه، فهو ليس ظاهرة غريبة، بل هو أمر ديني تعارف عليه المسلمون منذ فجر الإسلام حتّى هذا اليوم، ولا تجد مسلماً ينكره.
وطوال أربعة عشر قرناً لم ينكره أحد سوى ابن تيمية وتلاميذه في القرن الثامن الهجري، وبعد قرنين جاء محمد بن عبد الوهاب فاعتبر التوسّل بأولياء الله بدعة تارة وعبادة للأولياء أُخرى .
فنقول: إنّ القرآن الكريم حثّ المسلمين على الإتيان إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وطلب الاستغفار منه، وهو نوع توسّل بدعاء النبي في حياته، قال سبحانه: ( وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللهَ وَ اسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللهَ تَوَّاباً رَحِيماً ) ( [38]) . وقال سبحانه: ( وَ إِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ اللهِ لَوَّوْا رُؤُوسَهُمْ وَرَأَيْتَهُمْ يَصُدُّونَ وَ هُمْ مُسْتَكْبِرُونَ ) ( [39]) .
وقال سبحانه ناقلاً عن أبناء يعقوب: ( يَا أَبَانَا اسْتَغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا إِنَّا كُنَّا خَاطِئِينَ ) ( [40]) .
ولأجل هذا قبل الوهابيون التوسّل بدعاء النبي في حال حياته وانّما يمنعون موردين آخرين :
1-التوسّل بدعاء النبي بعد رحيله .
2-التوسّل بذات النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وجاهه وحرمته مطلقاً، سواء أكان النبي حيّاً أم ميتاً .
وليس لهم دليل صالح على المنع مع أنّ الأدلّة تؤيّد كلا التوسّلين، فإليك دراسة التوسّل بمقام النبي وذاته وجاهه وحرمته، ثم دراسة التوسّل بدعاء النبي بعد رحيله .
التوسّل بذات النبي ومنزلته:
إنّ الدعاء الّذي علّمه النبي للضرير، فقد جاء فيه التوسّل بذات النبي وقدسيّته والحديث من الأحاديث الصحاح الّتي اعترف بها حتّى ابن تيمية.
روى عثمان بن حنيف أنّه قال: إنّ رجلاً ضريراً أتى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال: ادع الله أن يعافيني.
فقال (صلى الله عليه وآله وسلم) : «إن شئت دعوت، وإن شئت صبرت وهو خير» .
قال: فادعه! فأمره (صلى الله عليه وآله وسلم) أن يتوضّأ فيحسن وضوءه، ويصلّي ركعتين، ويدعو بهذا الدعاء :
«اللّهم إنّي أسألك وأتوجه إليك بنبيّك نبي الرحمة، يا محمد إنّي أتوجّه بك إلى ربي في حاجتي لتقضى، اللّهم شفّعه فيّ».
قال ابن حنيف: والله ما تفرّقنا وطال بنا الحديث، حتّى دخل علينا كأنّه لم يكن به ضر.( [41])
إنّ دلالة الحديث على أنّ النبي أمر الضرير أن يتوسّل بنفس النبي وفي الحقيقة انّ حرمته ومكانته عند الله واضحة، وإليك بيانها:
1-«اللّهم إني أسألك وأتوجه إليك بنبيّك:
إنّ كلمة «بنبيّك» متعلّقة بفعلين: «أسألك» و «أتوجه إليك» والمراد من النبي نفسه المقدّسة وشخصه الكريم، لا دعاؤه.
إنّ من يقدّر كلمة «دعاء» قبل لفظ «نبيك» ويصور أنّ المراد: أسألك بدعاء نبيك أو أتوجّه إليك بدعاء نبيك، فهو يتحكّم بلا دليل، ويؤوّل بلا جهة، ولو أنّ محدثاً ارتكب مثله في غير هذا الحديث لرموه بالجهمية والقدرية.
2-«محمد نبي الرحمة»:
لكي يتّضح انّ المقصود هو السؤال من الله بواسطة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وشخصه جاء بعد كلمة «نبيك» جملة «محمد نبي الرحمة» لكي يتّضح الهدف بأكثر ما يمكن.
3-انّ جملة «يا محمد إنّي أتوجّه إلى ربي»:
تدلّ على أنّ الرجل اتّخذ النبي نفسه وسيلة لدعائه، أي انّه توسّل بذات النبي لا بدعائه.
4-انّ قوله: «وشفّعه فيّ»:
معناه يا رب اجعل النبي شفيعي وتقبّل شفاعته في حقّي، وليس معناه تقبل دعاءه في حقّي.
التوسّل بدعاء النبي والصالحين بعد رحيلهم:
من أقسام التوسّل الرائجة بين المسلمين هو التوسّل بدعاء النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أو الصالحين بعد رحيلهم.
ولكن ثمة سؤالاً يطرح نفسه وهو:
إنّ التوسل بدعاء الغير انّما يصحّ إذا كان الغير حياً يسمع دعاءك ويستجيب لك ويدعو الله سبحانه لقضاء وطرك ونجاح سؤالك، أمّا إذا كان المستعان به ميتاً انتقل من هذه الدنيا، فكيف يصحّ التوسّل بمن انتقل إلى رحمة الله وهو لا يسمع ؟
والجواب: انّ الموت ـ حسب ما يوحي إليه القرآن والسنّة النبوية ـ ليس بمعنى فناء الإنسان وانعدامه، بل معناه الانتقال من دار إلى دار، وبقاء الحياة بنحو آخر والّذي يعبّر عنه بالحياة البرزخية.
وقد استوفينا الكلام في هذا الموضوع من كتابنا «بحوث قرآنية في التوحيد والشرك».( [42])
عقائد الوهابية 5 - حرمة طلب الشفاعة من النبي
اتّفقت الأُمّة الإسلامية على أنّ الشفاعة أصل من أُصول الإسلام نطق به الكتاب والسنّة النبوية، وأحاديث العترة الطاهرة، ولم يخالف في ذلك أحد من المسلمين وإن اختلفوا في بعض خصوصيّاتها.
وأجمع العلماء على أنّ النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أحد الشفعاء يوم القيامة، إلاّ أنّ الكلام في المقام في طلب الشفاعة من النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فهل يجوز أن نقول: يا رسول الله اشفع لنا عند الله، كما يجوز ان نقول اللّهم شفّع نبينا محمداً (صلى الله عليه وآله وسلم) فينا يوم القيامة، أو لا يجوز ؟
فلنذكر نصّ محمد بن عبد الوهاب في هذا الصدد:
إنّ طلب الشفاعة يجب ان يكون من الله لا من الشفعاء بأن يقول:
اللّهم شفّع نبيّناً محمداً فينا يوم القيامة، أو اللّهم شفّع فينا عبادك الصالحين، أو ملائكتك أو نحو ذلك ممّا يطلب من الله لا منهم، فلا يقال: يا رسول الله أو يا ولي الله أسألك الشفاعة أو غيرها ممّا لا يقدر عليه إلاّ الله، فإذا طلبت ذلك في أيّام البرزخ كان ذلك من أقسام الشرك.( [43]) يلاحظ عليه: أنّ شفاعة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وسائر الشفعاء هي الدعاء إلى الله وطلب المغفرة منه سبحانه للمذنبين، والله سبحانه أذن لهم في الدعاء في ظروف خاصة، فيستجاب فيما أذن، وهم لا يدعون في غير ما أذن الله لهم.
وعلى هذا فالشفاعة هي دعاء الشفيع للمذنب، وطلب الشفاعة منه هو طلب الدعاء منه، وقد سمّي في الأحاديث: دعاء المسلم لأخيه المسلم شفاعة له.
هذا هو انس بن مالك يقول: سألتُ رسول الله ان يشفع لي يوم القيامة قال انا فاعل... ( [44]). ولو كان طلب الشفاعة شركاً، لزجره عنه.
روى مسلم في صحيحه عن ابن عباس عن النبي أنّه قال: ما من رجل مسلم يموت فيقوم على جنازته أربعون رجلاً لا يشركون بالله إلاّ شفّعهم الله فيه. ( [45])
دليل الوهابيّين على حرمة طلب الشفاعة:
قد مرّ آنفاً أنّ طلب الشفاعة ليس إلاّ طلب الدعاء من الشفيع الّذي تستجاب دعوته إذا أذن الله سبحانه، غير أنّ للوهابيّين شبهة ربما يغتر بها البسطاء، وهي انّ المشركين كانوا يطلبونها من أصنامهم فسمّى الله طلب الشفاعة منهم عبادة لهم، فيكون طلب شفاعة المسلم من النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) عبادة له، يقول سبحانه: ( وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ مَا لاَ يَضُرُّهُمْ وَ لاَ يَنْفَعُهُمْ وَ يَقُولُونَ هَؤُلاَءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللهِ قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللهَ بِمَا لاَ يَعْلَمُ فِي السَّموَاتِ وَ لاَ فِي الأَرْضِ سُبْحَانَهُ وَ تَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ ) ( [46]) . والشاهد في قوله: ( وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ ) مع ملاحظة ما في ذيل الآية: ( وَ يَقُولُونَ هَؤُلاَءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللهِ ) وكان وجه عبادتهم لهم هو قولهم ( هَؤُلاَءِ شُفَعَاؤُنَا ) . ( [47]) يلاحظ عليه: أوّلاً: أنّ ظاهر الآية انّهم كانوا يقومون بأمرين:
أ ـ كانوا يعبدونهم، ويدلّ عليه قوله: ( وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ ) .
ب ـ يعتقدون بشفاعتهم وبالتالي يطلبون منهم الشفاعة، ويدلّ عليه قوله ( وَ يَقُولُونَ هَؤُلاَءِ شُفَعَاؤُنَا ) .
والعطف يدلّ على المغايرة بمعنى انّ هنا عبادة وانّ هناك أمراً آخر وهو طلب الشفاعة فما هذا الخلط؟!
والحاصل: انّ عبادتهم للأوثان شيء وطلب الشفاعة شيء آخر، وإلاّ لما عطف الثانية على الأُولى .
وثانياً: نفترض انّ عبادتهم للأوثان كانت متحقّقة بطلب الشفاعة منهم، ولكن هناك فرق بين طلب شفاعة المشرك من الأوثان وطلب شفاعة المسلم من النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ، فالمشرك كان يطلب الشفاعة من الوثن معتقداً بأنّه إله فوض إليه أمر الشفاعة، وأمّا المسلم فكان يطلب الشفاعة معتقداً بأنّ النبي عبد مقرب تستجاب شفاعته إذا أذن الله.
أفهل يمكن جعل القسمين على حد سواء؟!
عقائد الوهابية 6 - حرمة النذر للأنبياء والأولياء
ذهبت الوهابية تبعاً لابن تيمية إلى حرمة النذر للأنبياء والأولياء، يقول ابن تيمية: وإذا كان الطلب من الموتى ـ ولو كانوا أنبياء ـ ممنوعاً خشية الشرك، فالنذر للقبور أو لسكان القبور نذر حرام باطل يشبه النذر للأوثان. ( [48])
أقول: يجب تفسير النذر شرعاً كي يتّضح الفرق بين نذر المشركين للأوثان والأصنام ونذر المسلمين للأنبياء والأولياء، فالمشابهة بينهما مشابهة لفظية وبينهما بون شاسع، فالنذر معناه أن يلزم الإنسان نفسه بأداء شيء معيّن إذا تحقّق هدفه وقضيت حاجته، فيقول: لله عليَّ أن... ويذكر نذره إذا كان... ويذكر حاجته.
مثلاً يقول: لله عليَّ أن أختم القرآن إذا نجحت في الامتحانات الدراسية.
هذا هو النذر الشرعي، ويجب أن يكون لله فقط، فإذا قال الناذر: نذرت لفلان، ففي قوله مجاز، والمعنى: نذرت لله على أن يكون ثوابه لفلان، وثواب النذر يقع على ثلاثة أقسام : 1-أن يكون الثواب لنفس الإنسان الناذر.
2-أن يكون لشخص حي.
3-أن يكون لشخص ميت .
فقد يخصص الإنسان الناذر ثواب نذره لنفسه، أو لشخص حي ـ واحد كان أو أكثر ـ أو لشخص ميت واحد كان أو أكثر .
وهذه الأقسام الثلاثة كلّها جائزة، ويجب على الناذر الوفاء بنذره إذا قضيت حاجته.
وقد تعارف بين المسلمين النذر لله وإهداء ثوابه لأحد أولياء الله وعباده الصالحين .
وهذه السيرة موجودة عبر القرون إلى يومنا هذا، ولم يقدح فيها إلاّ ابن تيمية ومن تبعه محتجّاً بأنّ عمل المسلمين كعمل المشركين، يقول ابن تيمية :
من نذر شيئاً للنبي أو غيره من النبيّين والأولياء من أهل القبور، أو ذبح ذبيحة، كان كالمشركين الذين يذبحون لأوثانهم وينذرون لها، فهو عابد لغير الله، فيكون بذلك كافراً. ( [49])
يلاحظ عليه: وجود الفرق بين النذرين، فإنّ المشركين ينذرون للأصنام والأوثان فيكون المنذور له هو آلهتهم المزعومة، وأمّا المسلمون فانّما ينذرون لله سبحانه فيقول: لله عليَّ إن نجحت في امتحاني أن أذبح شاة للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ، واللام في قوله «لله» يقصد به وجه الله سبحانه، وأمّا اللام في قوله للنبي يقصد به انتفاع النبي بإهداء ثوابه إليه، وابن تيمية زعم انّ اللام في قوله للنبي نفس اللام في قوله لله، ولم يفرق بين المضمونين، وانّ اللام في الأوّل للغاية وفي الثاني للانتفاع، وقد ورد في الحديث أنّ سعداً سأل النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أي الصدقة أنفع يا رسول الله، فقال: الماء .
فحفر بئراً، وقال: هذه لأُمّ سعد. ( [50])
واللام في قوله: «هذه لأُمّ سعد» هي اللام الداخلة على الجهة الّتي وجهت إليه الصدقة، لا على المعبود المتقرب إليه، وهي كذلك في كلام المسلمين فهم سعديّون لا وثنيّون.
يقول الخالدي ردّاً على ابن تيمية: إنّ المسألة تدور مدار نيّات الناذرين، وانّما الأعمال بالنيّات، فإن كان قصد الناذر الميت نفسه، والتقرب إليه بذلك، لم يجز ـ قولاً واحداً ـ وإن كان قصده وجه الله تعالى وانتفاع الأحياء ـ بوجه من الوجوه ـ به، وإهداء ثوابه لذلك المنذور له ـ وسواء عيّن وجهاً من وجوه الانتفاع أو أطلق القول فيه، وكان هناك ما يطرد الصرف فيه في عرف الناس، أو أقرباء الميت، أو نحو ذلك ـ ففي هذه الصورة يجب الوفاء بالنذور. ( [51)
ومن وقف على أحوال الناذرين يجد انّهم ينذرون لله تعالى ولرضاه ويذبحون الذبائح باسمه عزوجل، لكن بهدف انتفاع صاحب القبر بثوابها وانتفاع الفقراء بلحومها، فلو قالوا: هذا نذر للنبي، أي هذا النذر لله سبحانه لغاية انتفاع النبي به بإهداء ثوابه إليه، فاللام في قوله للنبي كاللام في قوله: ( إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَ الْمَسَاكِينِ ) ( [52]) .
عقائد الوهابية 7 - حرمة التبرّك بآثار الأنبياء والصالحين
تعتقد الوهابية بأنّ التبرّك بآثار أولياء الله شرك بالله، وتعتبر الّذي يُقّبل محراب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ومنبره مشركاً وإن لم يأت بذلك بنيّة العبادة، بل كانت المحبة والمودة تجاه النبي الكريم هي الدافع له إلى التبرّك والاستشفاء بآثاره (صلى الله عليه وآله وسلم) .
إنّ المنع من التبرّك بآثار الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) وتقبيل ضريحه المقدّس ومنبره الشريف هو من أشدّ الإجراءات الّتي يتّخذها الوهابيون ضد المسلمين، وقد استخدموا مجموعة من الشرطة الإرهابيّين باسم «الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر» ووزّعوهم في مسجد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) للحيلولة دون تقبيل ضريحه المقدّس ومنبره الشريف ومحراب مسجده المبارك، وهؤلاء الوهابيون يواجهون المسلمين الحجّاج بكلّ خشونة وصلافة ويمنعونهم عن التبرّك والتقبيل، وطالما أمسكوا بأيديهم العصا أو الأسلاك الغليظة، وطالما أراقوا في هذا السبيل دماء الأبرياء وهتكوا الأعراض والنواميس في حرم النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) زعماً منهم انّ التبرّك والتقبيل عبادة لصاحب القبر!!
القرآن والتبرّك:
إنّ النبي يوسف (عليه السلام) أرسل قميصه إلى أبيه وقال لإخوته اذهبوا بقميصي هذا واُلقوه على وجهه يرتدّ بصيراً، يقول سبحانه حاكياً عن النبي يوسف: ( اذْهَبُوا بِقَمِيصِي هَذَا فَأَلْقُوهُ عَلَى وَجْهِ أَبِي يَأْتِ بَصِيرًا ) ( [53]).
ثم يقول: ( فَلَمَّا أَنْ جَاءَ الْبَشِيرُ أَلْقَاهُ عَلَى وَجْهِهِ فَارْتَدَّ بَصِيرًا ) ( [54]) .
فالآية صريحة بجواز التبرّك بآثار الأنبياء والأولياء حتّى لنبي آخر، فهذا النبي يعقوب يتبرّك بقميص النبي يوسف (عليه السلام) ،ومن الواضح انّ الشفاء من الله سبحانه، فهو المؤثر في الأشياء إلاّ أنّ التبرّك بالقميص صار وسيلة للشفاء كما يكون الدواء كذلك بإذن الله تعالى .
التبرّك وسيرة المسلمين:
إنّ إلقاء نظرة سريعة على سيرة المسلمين بدءاً من الصحابة وانتهاءً إلى عصرنا الحاضر يكشف لنا عن السنّة الجارية بينهم، وهي التبرك بآثار النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) الشريفة .
قال ابن حجر: كلّ مولود ولد في حياة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) يحكم بأنّه رآه. وذلك لتوفر دواعي إحضار الأنصار أولادهم عند النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) للتحنيك والتبرّك، حتّى قيل: لما افتتحت مكة جعل أهل مكة يأتون إلى النبي بصبيانهم ليمسح على رؤوسهم ويدعو لهم بالبركة. ( [55]) إنّ النهي عن التبرّك بالضريح النبوي الطاهر وآثار رسول الله كان من دأب الأمويّين لا سيّما مروان بن الحكم اللعين ابن اللعين على لسان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) .
أخرج الحاكم في «المستدرك» عن داود بن صالح، قال :
أقبل مروان يوماً فوجد رجلاً واضعاً وجهه على القبر، فأخذ برقبته ثم قال: هل تدري ما تصنع؟
فأقبل عليه فإذا هو أبو أيوب الأنصاري، فقال: نعم إنّي لم آت الحجر. انّما جئت رسول الله ولم آت الحجر، سمعت رسول الله يقول: «لا تبكوا على الدين إذا وليه أهله، ولكن أبكوا على الدين إذا وليه غير أهله». ( [56])
هذا وقد نقل عبد الله بن أحمد بن حنبل، قال: سألته عن الرجل يمسّ منبر النبي ويتبرّك بمسّه ويقبّله، ويفعل بالقبر مثل ذلك أو نحو هذا يريد بذلك التقرّب إلى الله عزوجل، فقال: لا بأس بذلك. ( [57])
وقد روى ابن تيمية في «الجواب الباهر» تقبيل منبر النبي عن ابن عمر.( [58])
روى أبو بكر بن أبي شيبة في «المصنّف» عن زيد بن الحباب، قال: حدّثني أبو مودود قال: حدّثني يزيد بن عبد الملك بن قسيط، قال: رأيت نفراً من أصحاب النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) إذا خلا لهم المسجد قاموا إلى رمانة المنبر القرعاء فمسحوها ودعوا، قال: ورأيت يزيد يفعل ذلك. ( [59])
إلفات نظر:
إنّ محقّق كتاب «العلل ومعرفة الرجال» لمّا كان من المتحمّسين لآراء ابن تيمية ورأى أنّ ما نقله عن ابن شيبة يمسّ كرامة إمام مسلكه، فحاول أن يفسّر الرواية على نحو لا يمسّ كرامة المذهب، فقال :
وهذا (تقبيل رمانة المنبر) كان لما كان منبره الّذي لامس جسمه الشريف، أمّا الآن بعد ما تغير لا يقال بمشروعية مسحه تبرّكاً به .
وأمّا جواز مسح قبر النبي والتبرّك به فهذا القول غريب جداً، لم أجد أحداً نقله عن الإمام.
وقال ابن تيمية في الجواب الباهر لزوار المقابر: اتّفق الأئمة على أنّه لا يمسّ قبر النبي ولا يقبله، وهذا كلّه محافظة على التوحيد.
يلاحظ عليه: أوّلاً: أنّ التفريق بين المنبرين: المنبر الّذي لامس جسمه الشريف والمنبر الّذي لا يلامس يضاد أُصول الوهابية، فإنّهم لا يرون لما سوى الله سبحانه تأثيراً وعلّية وما شابه ذلك، فلو قلنا بأنّ لجسمه الشريف الملامس للمنبر تأثيراً في المنبر فهو على طرف النقيض من توحيد الربوبية .
وثانياً: لو كان التبرّك فهو منوطاً بملامسة جسم النبي فلماذا وصّى الشيخان بدفنهما في حجرة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) مع أنّ القبر الّذي دفنا فيه لم يمس بترابه جسم النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) .
وثالثاً: كيف ينكر مسّ قبر النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ويقول: اتّفق الأئمة على أنّه لا يمسّ قبر النبي ولا يقبله، مع أنّ الصحابي العظيم مضيف النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) كان يمس قبر النبي على رؤوس الأشهاد، وقد منع عنه مروان بن الحكم مناوىء النبي وأهل بيته.
عقائد الوهابية 8 - حرمة تكريم مواليد أولياء الله ووفيّاتهم
إنّ من المنكرات والبدع عند ابن تيمية وابن عبد الوهاب هو تكريم مولد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بالاحتفال وقراءة القرآن وإنشاد القصائد والأشعار، والإحسان إلى المؤمنين بالإطعام، إلى غير ذلك ممّا يعد مجالي لحب النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وتكريمه ورفعه، كما رفعه الله سبحانه، وقال: ( وَ رَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ ) ( [60]) .
قال الشيخ عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ :
وقد أحدث هؤلاء المشركون أعياداً عند القبور الّتي تعبد من دون الله، ويسمّونها عيداً كمولد البدوي بمصر وغيره، بل هي أعظم لما يوجد فيها من الشرك والمعاصي العظيمة.( [61])
وقال محمد حامد الفقي: والمواليد والذكريات الّتي ملأت البلاد باسم الأولياء، هي نوع من العبادة لهم وتعظيمهم. ( [62])
إنّ السبب الرئيسي من وراء كل هذه الانحرافات هي أنّ الوهابيّين لم يحدّدوا معنى التوحيد والشرك والعبادة حتّى الآن وبالتالي يعتبرون كل تكريم لأولياء الله عبادة لهم وشركاً بالله، وحتّى انّ المؤلف الوهابي (الفقّي) خبط خبطة عشواء فقرن بين كلمتي العبادة والتعظيم، وقد ذكرهما كانّهما مترادفان. ظنّاً منه انّ المعنى فيهما واحد.
فالعبادة عبارة عن التعظيم أمام من يُعتقد بألوهيته وربوبيته، سواء أكان خالقاً للعالم أو كان مخلوقاً لكن فوض إليه تدبيره، وبكلمة موجزة إمّا أن يكون إلهاً حقيقياً أو إلهاً مزعوماً فوض إليه أفعال الإله الحقيقي، وأمّا احترام الإنسان بما انّه من عباد الله الصالحين فهو تكريم له لا عبادة، وإلاّ لما يمكن تسجيل اسم أحد في ديوان التوحيد لو فسرنا العبادة بالتكريم والتعظيم.
إذا عرفت ذلك فنقول: إنّ القرآن الكريم يدعو المسلمين لتعظيم النبي ويقول: ( فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَ عَزَّرُوهُ وَ نَصَرُوهُ وَ اتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ) ( [63]) . ان الكلمات الواردة في هذه الآية هي:
1- ( آمَنُوا بِهِ ) .
2- ( عَزَّرُوهُ ) .
3- ( نَصَرُوهُ ) .
4- ( اتَّبَعُوا النُّورَ ) .
والمراد من قوله عزّروه هو التكريم والتعظيم، فالله سبحانه يريد أن يكون حبيبه المصطفى معظماً ومكرماً حتّى الأبد، وهذه الاحتفالات تجسيد لقوله سبحانه: ( وَ عَزَّرُوهُ ) .
إنّ من أُصول الإسلام هو حب النبي، دلّت عليه الآيات القرآنية والأحاديث النبوية، يقول سبحانه: ( قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَ أَبْنَاؤُكُمْ وَ إِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَ عَشِيرَتُكُمْ وَ أَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَ تِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَ مَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللهِ وَ رَسُولِهِ وَ جِهَاد فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِىَ اللهُ بِأَمْرِهِ وَ اللهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ ) ( [64]) .
1.وقال رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) : «لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحبَّ إليه من والده وولده والناس أجمعين».( [65])
2. قال رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) : «والذي نفسي بيده لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحبَّ الناس إليه من والده وولده».( [66])
3.قال رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) : «ثلاث من كنَّ فيه وجد حلاوة الإيمان وطعمه: أن يكون اللّه ورسوله أحبَّ إليه ممّا سواهما، وأن يحب في اللّه ويبغض في اللّه، وأن توقد نار عظيمة فيقع فيها أحبّ إليه من أن يشرك باللّه شيئاً».( [67])
وعلى ضوء ذلك فإقامة الاحتفالات والمهرجانات في مواليدهم وإلقاء الخطب والقصائد في مدحهم وذكر منزلتهم في الكتاب والسنّة تجسيد للحبِّ الذي أمر اللّه ورسوله به، شريطة أن لا تقترن تلك الاحتفالات بالحرام، ومن دعا إلى الاحتفال بمولد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في أيّ قرن من القرون فقد انطلق من هذا المبدأ، أي حبّ النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) الذي أمر به القرآن والسنّة .
هذا هو الديار بكري مؤلّف «تاريخ الخميس» يقول في هذا الصدد: لا يزال أهل الإسلام يحتفلون بشهر مولده، ويعملون الولائم، ويتصدّقون في لياليه بأنواع الصدقات، ويُظهرون السرور، ويزيدون في المبرّات، ويعتنون بقراءة مولده الشريف، ويظهر عليهم من كراماته كلّ فضل عظيم.( [68])
وقال القسطلاني: ولا زال أهل الإسلام يحتفلون بشهر مولده (صلى الله عليه وآله وسلم) يعملون الولائم، ويتصدّقون في لياليه بأنواع الصدقات، ويظهرون السرور، ويزيدون المبرات، ويعتنون بقراءة مولده الكريم، ويظهر عليهم من بركاته كلّ فضل عميم... فرحم اللّه امرئ اتخذ ليالي شهر مولده المبارك أعياداً ليكون أشد علّة على من في قلبه مرض وأعياه داء.( [69])
***
هذه هي أُمّهات عقائد الوهابية وأُصولهم الّتي يتدارسوها في جامعاتهم وينشرونها بين المسلمين بجد وحماس، وقد عرفت أنّها أُصول لا أساس لها، وكلّها رؤى شخصية انتزعت من الكتاب والسنّة، وليس لها لمسة من الصدق أو مسحة من الحق .
بقيت هنا أُصول ثانوية أُخرى، نظير :
1-حرمة الحلف على الله بحق الأولياء.
2-حرمة الحلف بغير الله .
3-حرمة إضافة العبد إلى غير الله .
4-حرمة البكاء على الميت .
ونظائرها، وكلّها محجوجة، بنص الكتاب والسنّة وسيرة المسلمين، وقد أوضحنا الكلام فيها في موسوعتنا «بحوث في الملل والنحل» الجزء الرابع، ومن أراد التفصيل فليرجع إليها، وغيرها من الكتب الّتي ألّفناها حول هذه الفرقة.
وأرجو من الله سبحانه أن يلم شعث المسلمين ويوحّد صفوفهم، لما فيه خير الإسلام والمسلمين .
[1] . دائرة معارف القرن العشرين لفريد وجدي: 10/871 ، نقلا عن مجلة المقتطف: 27/893 .
[2] . اقتطفناه من تاريخ نجد للآلوسي: 111- 113.
[3] . لقد ذكر أحد المؤلّفين العثمانيين ـ في كتابه تاريخ بغداد ص 152 ـ بداية العلاقة بين محمّد بن عبدالوهّاب و آل سعود بصورة أُخرى، و لكن الظاهر صحة القول الَّذي ذكرناه في المتن .
[4] . تاريخ نجد: 117ـ118 .
[5] . جزيرة العرب في القرن العشرين: 341.
[6] . تاريخ المملكة العربية السعودية: 1/51.
[7] . الأقوال متعدّدة في سنة ولادة محمّد بن عبدالوهّاب و مماته.
[8] . تاريخ كربلاء للدكتور عبدالجواد الكليدار.
[9] . لمزيد من المعلومات عن عيد الغدير المجيد راجع الجزء الأوّل من الغدير للشيخ الأميني.
[10] . في كتابه الفقهي القيّم مفتاح الكرامة: 7/653.
[11] . الرسالة الحموية الكبرى: الرسالة 11 من مجموع الرسائل الكبرى لابن تيمية: 429- 432 .
[12] . ابن بطوطة، الرحلة: 95- 96، طبع دار صادر .
[13] . حاضِر العالَم الإسلامي: 1/264.
[14] . الفتوحات الإسلامية: 2/357.
[15] . هذه الجملة تستدعي التوقّف و التأمّل، فمحمّد بن عبدالوهّاب كان يدّعي بلوغه درجة الاجتهاد و الاستقلال بفهم الكتاب و السنّة، و لكن أخاهُ الشيخ سليمان كان يردّ عليه هذا الادّعاء و يعتبره دون منزلة الاجتهاد و الاستقلال بالرأي - و أهل البيت أدرى بما فيه ـ إذن: آراء محمّد بن عبدالوهّاب و أفكاره كلّها باطلة و خاطئة ـ بشهادة أخيه الشيخ ـ لأنّها نابعة من علم ناقص و فكر هابط.
[16] . الإسلام في القرن العشرين حاضره ومستقبله: 72- 73، ط نهضة مصر .
[17] . للتفصيل راجع كتاب « دفع الشبهة » تأليف تقي الدين الحصني.
[18] . نُشرت هذه الرسالة في كتاب تكملة السيف الصقيل ص 190، كما نَشر نَصّها الشيخ الأميني في كتاب الغدير: 5/ 87- 89 فراجع.
[19] . كشف الارتياب: 22 نقلا عن تاريخ الجبرتي.
[20] . زاد المعاد في هدي خير العباد: 661 .
[21] . جريدة أُم القرى، وقد نشرت نص الاستفتاء وجوابه في العدد الصادر بتاريخ 17 شوال 1344 هـ .
[22] . الشعراء: 98 .
[23] . الأعلى: 2 .
[24] . القيامة: 4.
[25] . تفسير القرطبي: 2 / 380 .
[26] . صحيح مسلم بشرح النووي: 7 / 36، ط الثالثة .
[27] . المصدر نفسه .
[28] . مجموعة الرسائل والمسائل: 1 / 59- 60 ; زاد المعاد: 661 .
[29] . راجع للوقوف على مصادر هذا الحديث وأشباهه: صحيح البخاري: 2 / 111، كتاب الجنائز ; سنن النسائي: 2 / 871 ; صحيح مسلم: 2 / 568 .
[30] . الأنفال: 22 .
[31] . إرشاد الساري في شرح صحيح البخاري: 2 / 437- 438، باب بناء المساجد على القبر.
[32] . البقرة: 125 .
[33] . سنن البيهقي: 4 / 78 ; المستدرك: 1 / 377 .
[34] . سنن ابن ماجة: 1 / 501، باب ما جاء في زيارة القبور .
[35] . راجع مصادر هذا الحديث في وفاء الوفا: 4 / 1336 .
[36] . أورد مسلم هذه الأحاديث الثلاثة في صحيحه: 4 / 126، باب لا تشد الرحال من كتاب الحج .
[37] . صحيح مسلم: 4 / 127 .
[38] . النساء: 64 .
[39] . المنافقون: 5 .
[40] . يوسف: 97 .
[41] . سنن ابن ماجة: 1 / 444، برقم 1385 ; مسند أحمد: 4 / 138 .
[42] . بحوث قرآنية في التوحيد والشرك: 116 .
[43] . الهدية السنية: الرسالة الثانية: 42 .
[44] . تاريخ ابن عساكر: 9 / 360. لاحظ ذيل الحديث .
[45] . صحيح مسلم: 3 / 54 .
[46] . يونس: 18 .
[47] . مجموعة الرسائل والمسائل: 1 / 15 .
[48] . قاعدة جليلة في التوسل والوسيلة: 103 .
[49] . فرقان القرآن للعزامي: 132 .
[50] . سنن أبي داود: 2 / 130 برقم 1681، باب في فضل سقي الماء .
[51] . صلح الاخوان للخالدي: 102 .
[52] . التوبة: 70 .
[53] . يوسف: 93 .
[54] . يوسف: 96.
[55] . الإصابة: 3 / 631 .
[56] . المستدرك: 4 / 515 .
[57] . العلل ومعرفة الرجال: 2 / 492، برقم 3243 .
[58] . الجواب الباهر: 31 .
[59] . المصنف: 4 / 357، برقم 537، باب في مسّ منبر النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) .
[60] . الانشراح: 4 .
[61] . قرة العيون: 154 .
[62] . تعليق فتح المجيد: 154 .
[63] . الأعراف: 157 .
[64] . التوبة: 24 .
[65] . جامع الأُصول: 1/237 ـ238 برقم 20 و21 و22.
[66] . جامع الأُصول: 1/237 ـ238 برقم 20 و21 و22.
[67] . جامع الأُصول: 1/237 ـ238 برقم 20 و21 و22.
[68] . تاريخ الخميس:1 / 323 .
[69] . المواهب اللدنية:1/27.