تخوفات بقفزة في التضخم وتآكل مدخرات العراقيين لدى البنوك
خفض البنك المركزي العراقي، الشهر الماضي، سعر صرف العملة المحلية (الدينار) أمام الدولار الأمريكي بنسبة 24 بالمئة، قال إنه قرار سيدفع نحو إدارة أفضل للمدفوعات وللأزمة الاقتصادية في البلاد.
وبلغ سعر صرف الدولار الأمريكي 1470 دينار لبيع العملة الأجنبية إلى الجمهور، مقابل 1460 دينار سعر بيع العملة الأجنبية للمصارف العاملة في البلاد.
قبيل تحرير أسعار الصرف جزئيا، كان الدولار يعادل في السوق المحلية 1182 دينارا لكل دولار واحد.
يعتمد العراق في 95 بالمئة من دخله على عائدات النفط؛ وكانت آخر مرة خفض فيها قيمة الدينار في ديسمبر/كانون الأول 2015 عندما رفع سعر بيع الدولار إلى 1182 دينارا مقابل 1166 دينارا في السابق.
ويفتح هذا التحرير الجزئي لأسعار الصرف، أمثلة حول العالم نفذت خلالها بنوك مركزية تحريرا جزئيا لعملاتها المحلية، نتج عنه تحديات وصعوبات اقتصادية مثل السودان، بينما كان قرارا صائبا لاقتصادات أخرى كالمغرب.
يرى البنك المركزي أن الاستمرار بسعر الصرف السابق، "يشكل عائقاً لإجراء التنمية وتعزيز التنافسية للإنتاج المحلي، بينما خفض سعر الصرف، سيسهل تمويل الموازنة لتغطية الاحتياجات المحلية أبرزها دفع الرواتب.
إلا أن قرار خفض سعر الدينار، سيدفع باتجاه زيادة أسعار السلع المستوردة أو السلع المحلية الذي يدخل في إنتاجها مواد أولية مستوردة، ينتج عنه تحميل فروقات أسعار الصرف للمستهلك النهائي.
يعني ذلك أن أسعار المستهلك (التضخم)، سيسجل زيادات حادة خلال الشهور القادمة من العام الجاري، لحين امتصاص قرار التحرير الجزئي للدينار أمام الدولار الأمريكي.
وبلغ معدل التضخم في العراق 1 بالمئة في أكتوبر/تشرين الأول 2020، على أساس سنوي، وفقا لبيانات البنك المركزي العراقي، ومن المتوقع أن يشهد ارتفاعا ملحوظا بعد خفض قيم العملة المحلية.
لكن التضخم لن يكون نقطة النهاية لتبعات خفض سعر الدينار، إذ سيفتح ارتفاع الأسعار، الباب أمام مطالبات للقطاعين العام والخاص بزيادة الأجور، لمواجهة الغلاء في السوق المحلية.
وفي حال عدم مصاحبة خفض سعر العملة المحلية، زيادة في الأجور، فإن المجتمع المحلي أمام انتقال قسري لفئات من الطبقة المتوسطة إلى الطبقة الأقل حظا، نتيجته زيادة نسب الفقر.
المسألة الأخرى، أن خفض الدينار أدى بشكل تلقائي إلى تآكل مدخرات العراقيين في السوق المحلية، إذ سترتفع تكلفة تحويل المدخرات إلى العملة الأجنبية، ما يعني خسارة بالمدخرات بنسبة 24 بالمئة.
ويعادل صرف وديعة بمليون دينار عراقي وفق أسعار الصرف الجديدة 680 دولارا أمريكيا، مقارنة مع 847.5 دولارا للأسعار السابقة، ما يعني أن الأسعار الجديدة أفقدت الوديعة 167.5 دولارا.
وفقد البنك المركزي خلال الربع الأخير 2020، السيطرة على أسعار الصرف، بتراجع الدينار إلى متوسط 1300 أمام الدولار، كانت نتيجة ظهور فوضى في سوق العملات.
وفي الأيام الأولى لقرار التحرير الجزئي، تراجع الطلب على النقد الأجنبي في السوق العراقية لمستويات متدنية غير مسبوقة، وهو مؤشر إيجابي للحفاظ على وفرة الدولار لدى البنوك.
ومنذ انهيار أسعار النفط في وقت سابق من العام الماضي، يواجه العراق أزمة سيولة غير مسبوقة، اضطرت حكومة رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي إلى الاقتراض من احتياطيات البنك بالدولار، لسداد 5 مليارات دولار شهريا، تمثل رواتب موظفي القطاع العام ومعاشات التقاعد.
وتعمدت الحكومة العراقية رفع أسعار الدولار مقابل الدينار العراقي، لتوفير فروقات مالية كبيرة على أمل تحقيق وفرة مالية لخزينة الدولة.
وتبيع بغداد النفط الخام بعملة الدولار، بينما نفقاتها المحلية تتم في معظمها بعملة الدينار، إذ ترى بغداد أن خفض سعر الدينار سيحقق وفرة مالية كافية لتوفير فاتورة الرواتب الشهرية.
المصدر:الاناظول