
emamian
شهيد فلسطيني في مواجهات جنين ومقاومون يستهدفون حاجزاً إسرائيلياً
استشهد في ساعة مبكرة اليوم الخميس فتى فلسطيني وأصيب آخرون برصاص الاحتلال خلال مواجهات اندلعت في بلدة كفر دان غرب مدينة جنين في الضفة الغربية المحتلة.
وذكرت مصادر طبية أن "عدي طراد هشام صلاح " استشهد من جراء إصابته برصاصة في الرأس في المواجهات الدائرة في بلدة كفر دان.
وأفادت مصادر محلية لوكالة "صفا" بأنّ مواجهات عنيفة اندلعت في كفر دان بعد اقتحام قوات الاحتلال البلدة ودهم منازل ذوي الشهيدين، أحمد وعبد الرحمن عابد، اللذين استشهدا أمس قرب حاجز الجلمة العسكري شمال جنين.
وقال شهود عيان إنّ قوات الاحتلال أخضعت ذوي الشهيدين إلى تحقيق ميداني، فيما اعتقلت الشاب أحمد عباد، ابن عم أحد الشهيدين.
كذلك، استهدف مقاومون فلسطينيون، مساء أمس الأربعاء، حاجز "دوتان" الإسرائيلي قرب بلدة يعبد جنوب غرب جنين بالرصاص، قبل أن ينسحبوا من المكان بسلام.
وأعلنت قوات الاحتلال الإسرائيلي يوم أمس مقتل ضابط إسرائيلي بعد إطلاق مسلحين فلسطينيين النار قرب حاجز الجلمة في جنين.
المصدر:المیادین
ايران توقّع على الزامات العضوية الدائمة في منظمة شنغهاي
وقع وزير الخارجية الايراني حسين أمير عبداللهيان على مذكرة الزامات العضوية الدائمة لايران في منظمة شنغهاي للتعاون الاقتصادي، وذلك اثناء حضوره قمة رؤساء دول منظمة شنغهاي في مدينة سمرقند الاوزبكية برفقة الوفد الايراني عالي المستوى.
وقال الوزير أمير عبداللهيان في تغريدة له على تويتر مساء الاربعاء انه والامين العام لمنظمة شنغهاي قد وقعا هذا المساء في مدينة سمرقند التاريخية على الزامات العضوية الدائمة للجمهورية الاسلامية الايرانية في منظمة شنغهاي للتعاون.
واضاف وزير الخارجية "لقد دخلنا الان في مرحلة جديدة من شتى اشكال التعاون الاقتصادي والتجاري والترانزيت والطاقة و غيرها" وتابع " لقد قدم الامين العام للمنظمة تهانيه بمناسبة الانضمام الدائم لايران والتوقيع على الوثيقة واعتبره تطورا هاما".
هذا وكان اعضاء منظمة شنغهاي قد وافقوا على الانضمام الدائم لايران، وذلك أثناء قمة رؤساء دول المنظمة التي عقدت في العاصمة الطاجيكية دوشنبة.
وقد وصل الرئيس الايراني آية الله السيد ابراهيم رئيسي يوم الاربعاء الى مدينة سمرقند على راس وفد رفيع المستوى للمشاركة في اجتماع قمة المنظمة، وكذلك للقيام بزيارة رسمية الى اوزبكستان.
وتعتبر منظمة شنغهاي للتعاون منظمة اقليمية كبرى انشأت في عام 2001 بهدف اطلاق التعاون المتعدد الاوجه، الأمني والاقتصادي والثقافي، بمبادرة من قادة الصين وروسيا وكازاخستان وقيرغيزيا وطاجيكستان واوزبكستان .
وقد انضمت لهذه المنظمة فيما بعد دولة منغوليا في عام 2004 ، كما انضمت اليها ايران وباكستان والهند وافغانستان في عام 2005 بصفة مراقب، وانضمت اليها بيلاروسيا ايضا بصفة مراقب فيما بعد.
واصبحت الهند وباكستان عضوان دائميان في المنظمة في صيف عام 2016 فيما استمرت ايران ومنغوليا وافغانستان وبيلاروسيا في العضوية بصفة مراقب.
اما الاعضاء الدائمون فهم الهند وكازاخستان والصين ومنغوليا وباكستان وروسيا وطاجيكستان واوزبكستان، فيما تشكل ايران وافغانستان وبيلاروسيا ومنغوليا الاعضاء المراقبون، الى جانب 6 دول أخرى هم شركاء الحوار في المنظمة وهم جمهورية أذربيجان وارمينيا وكمبوديا والنيبال وتركيا وسريلانكا.
الرئيس الايراني يجتمع بأمين عام منظمة شانغهاي للتعاون
إجتمع الرئيس الايراني ابراهيم رئيسي بأمين عام منظمة شانغهاي للتعاون " جانغ مينغ" اليوم الخميس، على هامش أعمال القمة الـ 22 لزعماء منظمة شانغهاي التي تستضيفها " سمرقند" في أوزبكستان.
ويزور رئيسي اوزبكستان ايضا، لاجراء لقاءات رسمية مع مسؤولي البلاد.
وتضم المنظمة الاعضاء الرئيسين، الهند وكازاخستان والصين وقرغيزيا وباكستان وروسيا وطاجيكستان واوزبكستان.
وتشارك ايران وبيلاروسيا وافغانستان ومنغوليا بصفة مراقب، فيما دول آذربيجان وأرمينيا وكبموديا النيبال وتركيا وسيرلانكا فتشارك بصفة شركاء حوار لمنظمة شانغهاي للتعاون.
وسط اجراءات امنية وخدمية مكثفة.. الملايين يتوافدون الى كربلاء المقدسة لاحياء الاربعينية
مسلمو العالم توحدوا في كربلاء خلف راية الامام الحسين عليه السلام في مسيرات وتجمعات اختصرت شغف الانسانية جمعاء بالثورة الحسينية.
بدت كربلاء كما لو انها ملاذاً لكل المظلومين والمستضعفين في كل اقطاب الارض.
افواج تتلوا اخرى، الصغير والكبير والنساء والشيوخ يتسابقون لشرف زيارة المرقد المقدس، وعلى الرغم من كثافة الحشود الزائرة والاجراءات الامنية المكثفة، الا ان مراسم الزيارة تسير بانسيابية تامة يكاد لا يستشعرها الزائر.
وتشير توقعات السلطات المحلية في كربلاء الى ان اعداد المشاركين في ذكرى اربعينية الامام الحسين هذا العام قد تصل الى 20 مليون زائر من بينهم 3 ملايين زائر من جمهورية ايران الاسلامية.
وتواصل الحشود المليونية توافدها من جميع انحاء العالم باتجاه كربلاء المقدسة للمشاركة في مراسم زيارة اربعين الامام الحسين عليه السلام لتجديد البيعة والولاء للثورة الحسينية.
قائد الثورة الاسلامية يبلغ السياسات العامة للخطة التنموية الـ 7 للبلاد
قام قائد الثورة الاسلامية سماحة آية الله العظمى الامام الخامنئي اليوم الاثنين بإبلاغ السياسات العامة للخطة التنموية الـ 7 للبلاد تنفيذا للبند الاول في المادة 110 من الدستور.
وجاء هذا الابلاغ بعد استشارة سماحته مجمع تشخيص مصلحة النظام مع أخذ اولوية تطور الاقتصاد المصحوب بالعدالة حيث تم ارسال هذه السياسة الى رؤساء السلطات الثلاث ورئيس المجمع ورئيس الاركان العامة للقوات المسلحة.
وأعرب سماحته عن شكره للجهود التي بذلها اعضاء وأمين مجمع تشخيص مصلحة النظام في تقديم وجهات نظرهم والمشاركة الفاعلة للسلطات الثلاث والاركان الاخرى في النظام الاسلامي، معتبرا اعداد ومصادقة قانون الخطة التنموية السابع على اساس هذه السياسات خطوة اخرى لتحقيق اهداف النظام الاسلامي.
وتشمل السياسات العامة لهذه الخطة التنموية الامور التالية: الاقتصاد وشؤون البنية التحتية والثقافة والاجتماع والعلم والتقنية والتعليم السياسة والسياسة الخارجية والدفاع والامن والادارة والحقوق القضائية.
والبنود التي أقرها سماحته مايلي:
الاقتصاد:
۱ـ الهدف العام والأولوية الرئيسية للخطة السابعة، وفقا للسياسات العامة المعتمدة، هو التقدم الاقتصادي جنبا إلى جنب مع العدالة بمتوسط معدل نمو اقتصادي يبلغ 8٪ خلال البرنامج.
۲ـ ترسيخ الاستقرار على المستوى العام للأسعار وأسعار الصرف والتضخم الأحادي الرقم خلال خمس سنوات وتوجيه السيولة والائتمانات المصرفية نحو الأنشطة الإنتاجية.
۳ـ إصلاح هيكل الميزانية الحكومية من خلال:
- حصر وتوضيح الديون العامة والتزامات الحكومة وادارتها وسداد الديون.
تحقيق الموارد وإدارة النفقات الحكومية وتجنب الاقتطاعات في الميزانية.
تحديد مهام المشاريع الإنشائية نصف المكتملة بتسليمها من خلال مشاركة القطاعين العام والخاص غير الحكومي في مشاريع البناء الهادفة للربح.
بيان وتنظيم إيرادات ومصروفات شركة النفط والشركات الحكومية الأخرى في الموازنة.
۴ـ إحداث تحول في النظام الضريبي مع نهج تحويل الضرائب إلى المصدر الرئيسي للتمويل الحكومي الحالي، وإنشاء قواعد ضريبية جديدة، ومنع التهرب الضريبي، وتعزيز دور توجيه وتنظيم الضرائب في الاقتصاد مع التركيز على ازدهار الإنتاج و العدالة الضريبية.
۵ ـ إنشاء نظام ضمان اجتماعي شامل يشمل مجالات الإغاثة والدعم والتأمين على المستويات الأساسية والفائضة والتكميلية من أجل تقديم خدمات عادلة.
6- ضمان الأمن الغذائي وإنتاج ما لا يقل عن 90٪ من السلع الأساسية والمواد الغذائية بالداخل مع الحفاظ على الاحتياطيات والموارد المائية وتحسينها ورفع مستوى صحة وسلامة الغذاء.
تعديل نمط الزراعة حسب المزايا الإقليمية والموارد المائية وإعطاء الأولوية لإنتاج السلع الزراعية الاستراتيجية.
۷ـ إنشاء نظام إدارة متكامل للموارد المائية بالدولة وزيادة إنتاجية المياه الزراعية بنحو خمسة بالمائة.
التحكم في المياه السطحية وإدارتها وزيادة موارد المياه الجوفية من خلال إدارة مستجمعات المياه والخزان الجوفي.
التخطيط للحصول على مياه أخرى وإعادة تدوير المياه الصناعية ومياه الصرف الصحي.
۸ ـ الزيادة القصوى في إنتاج النفط الخام والغاز الطبيعي في الحقول المشتركة.
زيادة معدل إعادة التدوير في المجالات المستقلة.
زيادة القيمة المضافة من خلال استكمال سلسلة القيمة في صناعة النفط والغاز.
۹ـ تنفيذ العديد من الخطط الاقتصادية الوطنية الضخمة، والرئيسية، والبنية التحتية، الحديثة التي تقوم على اساس النظرة المستقبلية.
۱۰ـ تفعيل المزايا الجغرافية السياسية وتحويل الجمهورية الإسلامية الإيرانية إلى مركز للتبادل التجاري والخدمات والطاقة والاتصالات والمواصلات من خلال تسهيل اللوائح وإنشاء وتطوير البنية التحتية اللازمة.
۱۱ـ تحقيق السياسات العامة لتنمية الأراضي فيما يتعلق بالمزايا الفعلية والمحتملة وتنفيذ حالاتها العالقة مع إيلاء اهتمام خاص للبحر والسواحل والموانئ والمياه الحدودية.
۱۲- تحسين النظام الصحي على أساس السياسات الصحية العامة.
البعد الثقافي والاجتماعي:
۱۳ـ الارتقاء بالثقافة العامة من أجل ترسيخ نمط الحياة الإسلامية الإيرانية، وتعزيز التضامن الوطني والثقة بالنفس، وتعزيز الهوية الوطنية وروح المقاومة والعمل والجهد في المجتمع من خلال حشد كافة مرافق وقدرات الدولة ، الحكومية والوطنية.
۱۴ـ تعزيز كفاءة وفاعلية الإعلام الوطني في توسيع وتعميق الثقافة الإسلامية الإيرانية والتصدي الفعال للحرب النفسية والغزو الثقافي والسياسي للأعداء.
۱۵ـ تعزيز ركن الاسرة وازالة العقبات التي تحول دون النمو وتطور النساء.
۱۶ـ زيادة معدل الولادة إلى 2.5 على الأقل في خمس سنوات، بما في ذلك دعم الإنجاب، وإزالة العقبات، وخلق حوافز فعالة، والإصلاح الثقافي.
۱۷ـ تطوير السياحة والدعاية للصناعات اليدوية.
۱۸ـ تعزيز الصحة الاجتماعية والوقاية والحد من الأضرار الاجتماعية وخاصة الإدمان والتهميش والطلاق والفساد بناء على مؤشرات صحيحة والاستفادة القصوى من مشاركة الناس وفي الوقت المناسب.
الشؤون العلمية والتكنولوجية والتعليمية:
۱۹ـ ترسيخ السيادة الوطنية وحماية القيم الإسلامية الإيرانية في الفضاء السيبراني من خلال استكمال وتطوير شبكة المعلومات الوطنية وتوفير المحتوى والخدمات المناسبة، وتعزيز القوة السيبرانية على مستوى القوى العالمية ، والتأكيد على تعزيز أمن الدولة والبنى التحتية الحيوية والبيانات العامة.
۲۰- زيادة تسريع التقدم العلمي والتكنولوجي والابتكار وتسويقهما ، خاصة في مجالات المعلومات والاتصالات ، والتكنولوجيا الحيوية ، والتكنولوجيا الدقيقة ، والطاقات الجديدة والمتجددة.
تحديث وتعزيز نظام التعليم والبحث في الدولة.
شؤون السياسة والسياسة الخارجية:
۲۱ـ النشاط الفعال في الدبلوماسية الرسمية والعامة من خلال خلق التحول الثوري وبناء القدرات في الموارد البشرية في الجهاز الدبلوماسي والتعاون المستهدف والفعال للمنظمات والمؤسسات المسؤولة عن الشؤون الخارجية.
۲۲ـ تعزيز النهج الاقتصادي في السياسة الخارجية والعلاقات الإقليمية والعالمية وتعزيز العلاقات الاقتصادية مع أولوية الجيران.
الشؤون الدفاعية والامنية:
۲۳ـ تعزيز القاعدة الدفاعية من أجل تحسين الردع واكتساب التقنيات القوية التي تحتاجها الصناعات الدفاعية والأمنية ، مع التأكيد على الاكتفاء الذاتي للدولة في أنظمة ومعدات وخدمات الأولوية من خلال تخصيص ما لا يقل عن 5٪ من الميزانية العامة للدولة.
۲۴ـ تقوية البنى التحتية وتحسين الآليات والأجهزة العامة لحماية وتحسين المرونة ضد التهديدات، وخاصة التهديدات السيبرانية والبيولوجية والكيميائية والبروتينية مع أولوية الدفاع المدني.
الشؤون الادارية والقانونية والقضائية:
۲۵ـ التحول في النظام الإداري وإصلاح هيكله على أساس السياسات العامة للنظام الإداري مع التأكيد على ذكاء وإدراك الحكومة الإلكترونية، وإزالة المنظمات الموازية وغير الضرورية ، وتحديث القوانين والأنظمة ، وإصلاح الأساليب والقضاء على الفساد وأسسه في الإدارة.
۲۶ـ تحديث وثيقة التحول القضائي وتنفيذها مع التركيز على الحيلولة دون وقوع الجرائم والدعاوى القضائية.
- استخدام التقنيات الحديثة في تقديم الخدمات القضائية.
- تنفيذ الحدود بنسبة 100٪.
الدعم القانوني والقضائي للاستثمار والأمن الاقتصادي وتحسين بيئة الأعمال.
- الاستفادة من قدرات الناس وتطوير الأساليب التعاونية وغير القضائية في تسوية الدعاوى.
- تقوية وتثبيت نصيب القضاء من موارد الموازنة العامة للحكومة وتوفير الاحتياجات المالية والتوظيفية للقضاء.
- رفع المستوى العلمي والكفاءة المعنوية للضباط القضائيين.
- مراجعة القوانين للحد من أنواع الجرائم وتقليل استخدام أحكام الحبس.
تربية احترام الوقت
لعل أظهر عيوبنا والتي تتمحور حولها معظم سلبيات الأداء أنّنا لا نقدّر قيمة الوقت، مقارنة مع من سبقونا على مضمار التطور العصري وهذا أمر شديد الخطورة يستحق أقصى الاهتمام في العملية التربوية ومنذ الصغر.
أن تحيا يعني أن تشعر بنبضات الزمن، تلك النبضات التي يظهر وقعها في كلّ التغيرات التي تجري في عالمنا الداخلي (النفسي) وعالمنا الخارجي (عالم الأشياء والوقائع) على السواء.
والزمن نسبي كما هو معلوم، فكل عالم له زمن محلي خاص به، بل إنّنا في عالمنا هذا نجد أزمنة عدة: زمن طبيعي تجري في رحابه الظواهر الطبيعية وزمن بيولوجي يتعلق بذات الإنسان ككائن عضوي يتكون من خلايا حية وزمن نفسي داخلي يتعلق بحياتنا النفسية ومشاعرنا الداخلية, وزمن تاريخي يتعلق بكل ما يصنعه الإنسان في شتى الحالات الاجتماعية عبر مسيرته التاريخية سواء كان فردا أو جماعة وهذا الصنف الأخير هو الذي يمس الإنسان مسا أعمق من غيره، ذلك لأنّ له علاقة مباشرة بحياته أي بمنجزاته وبطموحاته وبقيمه التي يختارها ويؤسس عليها سلوكه، وهو غالباً ما يبدأ الوعي به فور أن يشعر الكائن بالتغيرات التي تطرأ على محيطه الذي يعيش فيه خاصة حين يبدأ في التمييز بين ذاته كوجود مستقل وبين موضوعات العالم الخارجي التي تؤثر فيها هذه الذات وتتعامل معها. ويتفق علماء النفس على أن هذا الوعي نبدأ في اكتسابه منذ مراحل الطفولة المبكرة وينمو حسب تعامل ذواتنا مع المحيط ثم ينتهي بموت الفرد.
فما دور هذا الوعي بالزمن وما مدى تأثيره في تفاعلنا مع العالم الذي نعيشه؟
مرحلتان
إننا إذا أخذنا معياراً نفعياً لقياس هذا الوعي تجلت - في نظرنا - مرحلتان أساسيتان يمر من خلالهما الإنسان:
- المرحلة الأولى، وهي التي تبدأ منذ الولادة وتنتهي عند البلوغ، يكون الوعي فيها شبه منعدم ونعني بذلك عدم شعور الطفل بقيمة الزمن وأهميته وهذا - بالطبع - راجع لعدم نضج جهازه العضوي من جهة ولعدم اكتسابه خبرات اجتماعية من جهة أخرى ولذلك فإدراك الزمن في أبعاده الثلاثة (حاضر- ماض- مستقبل) والعلاقات التي تربط بينها يكون غير مكتمل، بل يكون فقط عبارة عن إحساس لا يؤدي بعد إلى ما يمكن أن نسميه بالقلق أو التوتر النفسي الذي يدفع الكائن الإنساني إلى القيام بأفعال وردود أفعال تجاه مثيرات تمس شخصيته ومقامه.
ـ المرحلة الثانية، وهي التي تبدأ مع سن النضج وتستمر حتى الشيخوخة مع ملاحظة أن تفاعلاتها تقل حدتها شيئا فشيئا مع الزمن.
ففي هذه المرحلة يبدأ الكائن في الوعي بالزمن، وهذا - بالطبع - يرجع لأسباب عدة، منها النمو الاجتماعي والنمو الفكري وخاصة التغيرات العضوية والفيزيولوجية التي تلحق بنية الإنسان: فاستيقاظ الغريزة الجنسية مثلا يعتبر عاملاً مهماً في إدراك الزمن والوعي به ولذلك اعتبرت هذه المرحلة من أدق وأحرج المراحل التي يمر بها الإنسان في عمره، لأنّ ردود الفعل فيها غالباً ما تكون غير ناضجة وتتسم بالاندفاعية وعدم الروية، ذلك لأنّ الفرد يرغب في الاستفادة من الزمن بأقصر الطرق وأيسرها، بل وبأسرعها، كما سبق القول، الشيء الذي يؤدي به غالباً إلى السقوط في متاهات بل في متاعب ومشاكل (عقد نفسية، إحباطات، أمراض نفسية، فشل مدرسي، انحراف، جرائم... إلخ). خصوصاً إذا لم يكن المراهق مهيأ تربويا لهذه المرحلة، وذلك حتى يتمكن من إدراك عنصر الزمن وإقامة حساب له وتصريفه أحسن تصريف.
وهنا - بالطبع - يكمن دور التربية التي يتلقاها الطفل في المدرسة والبيت والتي تحاول أن تنظم أوقاته، وذلك بتعويده منذ بداية تربيته على إدراك قيمة الزمن وبضرورة إعطاء الأسبقية لما هو أهم وأفيد بالنسبة له ولمجتمعه، هذا دون إنكار دور التربية العامة التي من المفروض أن تلقن للطفل منذ نعومة أظفاره: تربية اجتماعية وأخلاقية ودينية ووجدانية... إلخ، والتي تحاول أن توجه هذه الاندفاعية نحو ما ينفع الفرد ومجتمعه في الوقت نفسه.
إذن أفلا يمكن أن نتحدث والحال هذه عن نمط آخر من التربية يمكن أن نصطلح عليه بـ(التربية الزمنية) أو التربية الوقتية؟
إنّه من الخطأ الجسيم أن نعتقد أن هذه المهمة الصعبة تقوم بها المدرسة بكاملها وأن الفرد يكتسب خطة لعمله ولوقته انطلاقاً مما يتلقنه من مناهج في الفصل.
حرب الوقت
إن مسألة إكساب الطفل هذا الوعي بالزمن لا يمكن أن تؤتي أكلها إلّا إذا شاركت الأسرة المدرسة وسهرت على بناء هذا الجانب العام الذي يعتبر أساساً مهماً في بناء المجتمع، خصوصاً في مجتمعاتنا النامية التي ما أحوجها إلى (تربية وقتية) تجعل الفرد يدرك أن الوقت رأسمال وجب استغلاله وترشيده ترشيداً حسناً.
وإذا كان عصرنا يشهد الآن ثورة في ميدان الزمن، إن صح هذا التعبير، وإذا كان الوقت قد أصبح بهذه القيمة، فما العمل بالنسبة لنا، نحن شعوب العالم الثالث؟ هل يلزمنا الخضوع لهذه الوتيرة السريعة التي تلف العالم الآن. أم يتوجب علينا السير وفقاً لخطط وقتية تقليدية وحاجياتنا وإمكاناتنا تنبع من ظروفنا، أم نبحث بدلاً من هذا وذاك عن خطة ثالثة توفيقية؟
لن أجيب عن هذا التساؤل لأني بدوري أطرحه على المهتمين والباحثين في شئون المجتمعات وتطوراتها وحركياتها ولكن كيفما كان الحال، فإنّه لابدّ لنا أولا وقبل كلّ شيء من أن نهتم بعنصر الوقت وأن ننشئ أبناءنا على الوعي به وبقيمته.
هنا إذن يبرز دور التربية الوقتية التي نقصد بها تلك العملية التي تقوم على إكساب الفرد وعيا بالزمن وبأهميته، وذلك بتلقينه الوسائل النظرية والعملية الكافية لتنظيم أوقاته وتصريفها تصريفاً إيجابياً وفق أهداف وغايات تحددها فلسفة المجتمع وتخطيطه التنموي، وذلك حتى يكون مهيأ لاستقبال ظروف مجتمعه والمساهمة في حل مشاكله أو على الأقل المساهمة في بحثها ودراستها. وحتى يقدر هذا الفرد وقته علينا أن نضبط أوقاته منذ نعومة أظفاره ونسهر على هذه العملية بكامل المسئولية: احترام أوقات الأكل والنوم والوقت الحر (لعب- مطالعة- فسح) وقت الدراسة... المواعيد... إلخ. بالإضافة إلى هذا محاولة الاستفادة من الوسائل التي تستجد في عالم التكنولوجيا والتي تعينه على التعلم الذاتي والبحث عن المعلومات من خلال الاستعانة - مثلاً - بالوسائط المتعددة الاتصال: كمبيوتر... إنترنت... إلخ، وذلك حتى يتمكن من مسايرة تضخم المعلومات وتراكم المعارف بسرعة أكثر.
وإذا كنا نعيش بالفعل في عصر تسيطر فيه التكنولوجيا وآلياتها التي تجتاح بيوتنا لتتعايش مع عاداتنا وتقاليدنا جنباً إلى جنب، إن لم نقل إنها أصبحت تقضي على بعضها لتحل محلها، فما أحوجنا في هذا الظرف إلى خطة ومنهج يتعلقان بترشيد هذه العملة التي هي الوقت. ويتناسبان مع هذه التحديات التي تواجهنا. في الحقيقة قد يقول قائل متسائلاً: ولم هذه التربية الوقتية إذن إذا كنا قادرين على الحصول على وسائل التكنولوجيا (في ميدان الإعلام والمواصلات والإنتاج الصناعي) أليست هذه كافية تماماً لبسط سيطرتها والتغلب في آن على المشاكل ومن بينها مشكلة الوقت في حد ذاتها؟
بالطبع، لا أحد يستطيع أن ينكر الدور الذي تلعبه التكنولوجيا في حياتنا اليوم، خصوصاً كعامل من عوامل النمو والتطور ولكن من جهة أخرى، يجب ألا يغيب عن أذهاننا أنّه لا يمكن لهذه الوسائل أن تؤدي دورها إلّا بوساطة عقلية - ذهنية تحسب للزمن حساباً وتقدّره تقديراً، إذ دون هذه العقلية لا يمكن أن ننتظر النتائج المرجوّة ولو كنا نملك ما نملك من القدرات العلمية والتكنولوجية المتطورة.
فمَن منا يستطيع أن ينكر أن هناك ثروات مهمة وطاقات لا يُستهان بها تهدر وتذهب سدى في مجتمعاتنا لا لسبب إلّا لعدم تقدير أبنائها لعامل الوقت وحتى نتلافى هذا يتوجب أن ننشئ أجيالنا المستقبلية على إدراك قيمة الزمن والوعي بخطورته، ذلك لأنّ الحرب الطويلة التي ننتظرها غداً هي حرب ضدّ الوقت.
المعارضة عند الطفل.. آفة أم أمر طبيعي؟
كريستين نصار
صعوبات عدة ومتنوعة يواجهها الأهل يوميًا مع أطفالهم. والمعارضة عند الطفل تأتي على رأس قائمة هذه الصعوبات حيث يفرض التساؤل التالي نفسه: أهي آفة أم أنها أمر طبيعي؟
كلّ الأطفال يستخدمون المعارضة: إما ليتكيّفوا مع مرحلة جديدة من حياتهم، أو ليكتسبوا استقلاليتهم، وإظهار الطفل لمعارضته شيء ضروري وصحي لنموه بشكل جيد، مهما بدا الأمر متناقضًا، يمكن القول إن الطفل بحال جيدة حين يعارض.
فالمعارضة هي انعكاس لمرحلة جديدة من حياة الطفل، ومن رغبته بالاستقلالية، وبالتالي، يعيش الأهل بشكل دائم ومنتظم وضعيّات، لا بل مراحل، من المعارضة تستمر عموماً إلى أن يستقل ويترك المنزل الأسري. هذا، ويحصل التعبير عنها في المجال أو المجالات المتعددة، التي تتضمن فرض الممنوعات (العائلية، الاجتماعية، المدرسية)، والتي تساعد الطفل على تكوين قوانينه الداخلية انطلاقًا من إدراكه الشخصي لهذه الممنوعات (وهذا ما يسمى «الأنا العليا»).
ومن الممكن أن تكون هذه المعارضة عبارة عن موقف رفض عام، حيث تتواتر الصراعات بشكل يومي، وحيث تتعدد مواضيعها وتتنوع: يمكن التمييز هنا بين شكلين (الرفض الناشط والرفض السلبي - العدائي) وهما غير متماثلين، إن من حيث الدلالة، أو من حيث المظاهر أو النتائج (أي ما ينجم عنهما من انعكاسات).
الرفض الناشط: هو الذي يتم التعبير عنه بـ«لا» واضحة، ببكاء، بغضب، بعدوانية لفظية...إلخ، من مظاهره الأكثر تواترًا نذكر: رفض البيبرون، رفض الأوامر والتعليمات، رفض القيام بالفروض والواجبات، التعبير عن مظاهر غضب مع التلفظ بإهانات، أو مع حركات عنيفة أي، باختصار، القيام بسلوكات ظاهرة خارجيًا، لكن، تجدر الإشارة إلى أن معظم الرافضين الناشطين لا يذهبون بعيدًا من حيث المشاكسة والصراع: فهم، غالبًا، أطفال يجادلون ويجب التصارع معهم ليقوموا بتنفيذ ما يُطلب منهم.
وتعتبر بعض مراحل الطفولة، مولدة لهذا النوع من الرفض:
- من السنة الثانية إلى أربعة أعوام: حيث يبدأ الطفل بضبط اللغة، وينمو الإحساس عنده، بقيمته كشخص قادر على تحقيق التواصل مع الآخرين، والتأثير فيهم: في هذه المرحلة، يرفض الطفل عمليًا كل شيء، ويقيّم نتائج رفضه، بحيث يعيد تكرار الأكثر تأثيرًا في هؤلاء ويترك السلوكات الأخرى.
- مرحلة ما قبل - المراهقة (10 - 12 سنة) - وتتميز بوضعية خاصة، إذ يطلب من الطفل ترك أحلام أو مواقف الأطفال، لكن يمنع عليه التصرف كمراهق، هذا من جهة، ومن جهة أخرى، يترك المدرسة الابتدائية على المستوى المدرسيّ، ليجد نفسه ضمن إطار تربوي لن يتغير منذ السنوات العشر حتى سبعة عشر عاماً، وعلى المستوى الفيزيقي (الجسدي)، العقلي والعاطفي، هناك تفاوت بالنسبة للزملاء الذين يلتقيهم يومياً.
يواجه أطفال هذه المرحلة الإكراهات (الضغوط) نفسها: العائلية، المدرسية والاجتماعية - الثقافية المفروضة على المراهقين، وهم يترجمون انزعاجهم من هذا الوضع عن طريق رفض ناشط وشامل تجاه كلّ الإكراهات، رفض يهدف لإظهار اختلافهم عن المراهقين، لكن، بما أنهم مازلوا يجهلون تمنياتهم الفعليّة بخصوص المستقبل، فإنهم يرفضون كلّ شيء دون أن يكونوا قادرين على إعطاء التفسيرات الكفيلة بإيضاح رفضهم.
- مرحلة المراهقة: حيث تبدو المعارضة في أوجها، وهذا أمر طبيعي.
فلكي يصبح مراهقًا، على الطفل دفن معتقداته الطفلية السابقة، ومنها اعتقاده بأن أهله هم الأجمل، الأقوى، يعرفون كلّ شيء...إلخ، وبمقدار ما يكبر، يحتاج إلى هدم هذه الهوامة، الذي يتطلب مروره بعدّة مراحل:
المرحلة الأولى: حيث لا يتقبل الطفل إعادة النظر هذه بالنسبة للأهل كنموذج ويحاول، برعونة، إصلاح أهله محاولاً، بذلك، المحافظة على مثاله الهوامي للأهل الكاملين، وهذا المثال غير موجود، تماماً كمثال الطفل الكامل، غير الموجود هو الآخر.
المرحلة الثانية: حيث يقوم الطفل فعلياً بعملية الدفن للتخلص من هذا المعتقد، ومن الطبيعي أن يترافق ذلك مع ألم وحال نفسية مميزة: «فقد يتوصل لتحمل هذه الفترات المؤلمة عن طريق سلوكات تصحيح، إبداع أو تسامي: سيتابع بحثه من حيث التماهي، مثلا، عن طريق محاولة التشبّه براشدين يتخيّل أنهم مثاليون (وليتمكن من تحقيق الاستقلالية، يجب ألا يكون هؤلاء هم الأهل)، هنا نجد حيطان الغرفة تمتلئ بصور لأبطال رياضيين أو ممثلين... إلخ. وقد لا يتحمل هذا الألم، فيحاول إلغاء انزعاجه عن طريق سلوكات معارضة وانتقال للفعل (يتلفظ بتعابير نابية - عدائية، يكسر الأشياء فتتطاير شظايا، يتصرّف بعنف مثلاً) أو هروب أو انفجار غضب... إلخ.
المرحلة الثالثة: حيث يدرك الطفل واقع أن الأهل، وإن كانوا غير كاملين، فإنّهم نجحوا بأن يصبحوا راشدين، وهنا، سيحاول اختبار قوة مبادئهم وطبعهم كأهل عن طريق مهاجمتهم، فإن بقوا صامدين وثابتين في مواقفهم، يتخذهم مثالا له كي يصبح راشداً مستقلاً. غني عن القول هنا بأنّ «في كلّ مراهقة، هناك جريمة»، جريمة رمزية طبعاً، بحق الأهل لأخذ مكانهم، أي إبعادهم كي يصبح راشدًا ويتمكن من بناء منزله الخاص به، وهذا ما يفسر حدّة مشاهد المعارضة في هذه المرحلة من العمر.
الرفض السلبي - العدائي: هنا، يقول الشخص «نعم» بهز الرأس و«لا» بالقلب، فالرافضون السلبيون، العدائيون يتجنبون الوضعيات غير السارة دون الدخول في صراع، رسمياً، هم دائمو الموافقة، لكنهم يتدبرون أمرهم ليفعلوا ما قرروا هم فعله:
في البيت: يقولون بأنّهم يملّون (يضجرون)، ومع ذلك، لا يمكن التحدث معهم إن كانوا يشاهدون التلفزيون مثلا أو...، يوحون بالانطباع أنه يُطلب منهم الكثير (القمر مثلاً) تجاه أي طلب يتم توجيهه إليهم، لا يقبلون التعرّف على أخطائهم ويلقون المسئولية على الآخرين (قد يحلفون، لدى ارتكابهم خطأ إملائيا، أن الأستاذ هو من علّمهم بهذه الطريقة).
مع رفاقهم: يندمجون معهم، في مرحلة أولى، لأنّهم دائمو الموافقة على ما يقال، وقد يعدون، مثلا، بإعارة أشيائهم للرفاق، لكنهم، إن لم يكونوا يريدون ذلك، فإنهم يستنبطون أكاذيب لتبرير عدم جلبهم لها. وأكاذيبهم هذه سرعان ما تؤدي، في مرحة ثانية، لرفض الرفاق لهم حيث تكون ردة فعل هؤلاء قوية بمقدار ما كان تقديرهم الأوّلي لهم قوياً.
على مستوى التعلم: يعاني هؤلاء عموماً إخفاقاً مدرسياً، من تدن في احترام الذات، لكنّهم لا يفعلون شيئاً لتغيير موقفهم.
هذان النمطان من المعارضة لا يلتقيان إلا نادراً، لكن الطفل يلجأ غالباً لهذا النمط أو ذاك تبعاً للظروف كالكذب لتجنب تلقي القصاص أو الانخراط الشخصي في عمل ما، الغضب، العدوانية اللفظية أو الرفض الصريح لتأكيد الذات تجاه بعض المفروضات،... إلخ، لكن، تجدر الإشارة، هنا، إلى أن للموقف العدواني الفضل بأنه صريح، حتى وإن كان متطرفاً، إذ يسمح، بعد انقضاء الأزمة، بمناقشة المشاكل التي تمّ عرضها وليس لتجنبها.
هنا يفرض التساؤل الجوهري التالي نفسه على الأهل: حين يعارض الولد، ماذا نقول؟ ماذا نفعل؟
لابدّ من تنبيههم، بادئ ذي بدء، لواقع كون المعارضة لا تشكّل سوى الجزء المنظور، نوعاً ما، من المشكلة: فالطفل، المراهق على وجه الخصوص، يستخدم العديد من الوسائل الملتوية ليعبّر عن سوء حالته (ليقول إنه ليس على ما يرام)، فهو يتخيّل، عن خطأ أو عن صواب، أن الأهل يفهمون ألمه النفسي بشكل أفضل إن عبّر عنه، مثلاً، عن طريق الجسد، وهنا يحصل الخطر الأكبر، إذ قد يتم التركيز على الأعراض الظاهرة أو قد يحصل حوار أو عراك حول هذه الأعراض السطحيّة للمعارضة، في حين يبقى الاضطراب الأكثر عمقاً خارج الإطار فيزداد خطورة... إلخ.
لذا، من المتوجب على الأهل، كخطوة أولى، تقييم الوضعية: هل هي سوية أم غير سوية؟
بمعنى آخر يجب أن يكونوا قادرين على التمييز بين السلوكيات السوية (أي المتلائمة مع مميزات النمو) وبين السلوكيات المثيرة للتساؤل، وهذا ما يتطلب منهم تعلم الملاحظة والتقاط بعض مؤثرات الصحة، أي معرفة ما السلوكات التي يجب أن تشغل بالهم، وما السلوكات التي تعتبر عادية بالنسبة لنموّه، يشكل ذلك، في الحقيقة، أول مرحلة في برنامج التغيير الذي سيضعونه، ثم إن السلوك يمكن قياسه وملاحظته (مثل حرارة الجسم).
وباختصار، نقول: تجاه سلوك الطفل، على الأهل طرح الأسئلة الثلاثة التالية على أنفسهم:
- هل هو قادر، على المستوى النفسي والعاطفي، على تحقيق ما يطلبونه منه؟
- والتعليمات التي وجّهوها له، هل هي دقيقة وواضحة بشكل كاف كي تكون قابلة للتطبيق؟
- ومواقف الطفل و/أو المراهق، هل هو موقف رفضي واضطرابي أم أنه ببساطة تعبير عن عدم قدرته على احتمال الإحباط.
نصائح عملية
كي لا نطيل، في هذا المضمار، نتوجه للأهل بالنصائح العملية التالية (وهي ناجمة عن خبرة وممارسة علاجيتين طويلتي المدى من قبلنا، ومن قبل العديد من المعالجين النفسيين) التي تساعدهم بمقدار كبير:
- تجنبوا، قدر المستطاع، الدخول في صراع مع الطفل أو المراهق، وإن اضطررتم لذلك، فأوقفوا العراك بأسرع ما يمكن لأنّكم الخاسرون مسبقاً.
- لا تشعروا بالذنب، فلستم عرّافين، ثم، مع أفضل إرادة في العالم، تبقى الصراعات موجودة ومستمرة.
- لا تنسبوا الصراع لأنفسكم، فابنكم يحاول بكل بساطة، اختبار حدوده أو رؤية إن كان بإمكانه تسييركم.
- تقبّلوا الإخفاقات، فلستم كاملين (لا وجود لإنسان كامل، كما لا وجود لطفل أو مراهق كامل).
- فسّروا موقفكم مرة واحدة، لا تدخلوا في جدال معه، فأنتم الخاسرون مسبقاً.
- تقبّلوا، لا بل ساعدوه ليعبر عن إحباطه، فالتعبير اللفظي وغير اللفظي يساعده كثيراً على التنفيس عمّا يعتمل بداخله ومن ثم، على الارتياح.
- لا تكثروا من استخدام القصاصات، وعلى العكس، أكثروا من استخدام التدعيم والتركيز على السلوكات الإيجابية والمتكيفة التي يقوم بها.
- لا تحسّوا أنكم وحدكم من يواجه مثل هذه الصعوبات، وأنكم مسئولون عن كلّ سوء يحدث، حاولوا مناقشة ذلك مع أهل آخرين (خصوصاً الصادقين منهم)، فسرعان ما يتبين لكم أنّهم يواجهون المشاكل مع أولادهم: استغلوا الفرصة وتبادلوا الخبرات فيما بينكم إذ من شأن ذلك مساعدتكم على مواجهة الصعوبة بتقاسمها مع الآخرين وبالاغتناء مما يقدمه لكم تبادل الخبرات فيما بينكم.
- لاحظوا دون تأويل: خذوا حذركم من انفعالاتكم وردّات فعلكم (اللفظية وغير اللفظية).
- حاولوا دائماً استعادة التواصل مع ابنكم (أو ابنتكم): فالصراع والشجار... يحولان دون ذلك أما الحوار الهادئ فيؤمنه.
- حاولوا دائماً إيجاد مجال ثان للتفاهم، فيما بعد: من الأسهل دائماً فهم الأمور بعد أن تهدأ الحالة.
- لا تسمحوا أبداً للاعتقاد بأنّكم مربون سيئون يسيطر على ذهنكم.
- اعتبروا، منذ البداية، أن السلوك (سلوك المعارضة خصوصاً) هو مؤشر على الصحة: صحة ابنكم (أو ابنتكم) الذي يكبر، يصبح أكثر استقلالية وتتطور شخصيته، ودوركم، يكمن في رعاية هذا النمو والتطور المحققين عنده وتأمين الإطار السليم لهما.
- خذوا الوقت الكافي لتقييم النصائح الموجهة إليكم، إذ ليس من السهل تطبيقها ضمن الإطار اليومي: فقد تشعرون، في أحيان كثيرة، أن الأحداث تتجاوزكم (وهذا أمر طبيعي)، لكن ثقوا بأنفسكم وتذكروا دائماً أنكم لستم وحيدين، وأن الوقت يجري لمصلحتكم.
- لا تترددوا أبداً باستشارة الأخصائي حين تحسّون بأن الأمور تتجاوزكم، فكلما جاءت المعالجة بشكل أبكر كان الحل أسرع، وإمكانات الشفاء أكبر وأفضل، وإلّا فإنّ الأمور ستتفاقم وستتأزم الأحوال.
كخلاصة لما سبق، نعيد التركيز على واقع كون سلوك المعارضة (أو أي سلوك اضطرابي وإشكالي) عند الطفل أو المراهق هو عبارة عن طريقة اتصال غير مباشر يسمح له بتحقيق فوائد مباشرة كالاستئثار باهتمامكم، تجنب القيام بما تطلبونه منه (أو منها)...إلخ، كما يسمح له - وعلى المدى الطويل - بتأكيد شخصيته ورغبته بالاستقلالية لكن، شرط ألا يكون مكثفًا (حادًا) ويؤدي لتهميشه، ولإثارة الاضطرابات بالعلاقات أو بالدينامية العلائقية المميزة للعائلة. إن كان كذلك، على الأهل التصرف وأخذ الأمور بأيديهم (تعتبر هذه آخر مرحلة في برنامج التغيير). وهنا، نشير إلى أن التغيير ممكن، لا بل يحققه الأهل غالباً، في مسيرة حياتهم العائلية، ودن أن يدروا، يساعدهم في ذلك الحب والعفوية المميزان لهم كأهل، ما القول، إذن، حين يضيفون لهذه القدرة العفوية فعالية التخطيط له (أي للتغيير)؟
باختصار نقول: من غير الممكن، ومن غير المطلوب، تغيير شخصية الولد، لكن إمكان تعديل الأهل للسلوكات الإشكالية التي تظهر عنده تبقى شديدة الارتفاع، خصوصاً حين يتعاملون معها بالشكل الموضوعي الذي تم التركيز عليه في السطور السابقة: تقييم ومن ثمّ، معالجة كلّ سلوك بمفرده: بدءاً بالأقل حدّة واضطراباً، صعوداً للأكثر إشكالية.
العراق.. الإطار التنسيقي متمسك بمرشحه لرئاسة الحكومة
أعلن الإطار التنسيقي في العراق تمسكه بمرشحه لرئاسة الوزراء محمد شياع السوداني، على الرغم من اعتراض التيار الصدري عليه.
ولا تزال الأزمة السياسية في البلاد قائمة بقوّة، إذ يعيش العراق شللا سياسيا تاما منذ الانتخابات التشريعية في أكتوبر 2021.
ولم تفض مفاوضات لا متناهية بين القوى السياسية الكبرى إلى انتخاب رئيس للجمهورية أو تكليف رئيس للحكومة.
ويطالب زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، الخصم الأساسي للإطار التنسيقي، بحل البرلمان وإجراء انتخابات مبكرة.
ووفقا للدستور العراقي، لا يمكن حل البرلمان إلا بناء على طلب من ثلثي أعضاء مجلس النواب أو بطلب من رئيس الوزراء وموافقة رئيس الجمهورية.
وفي المقابل يشترط الإطار التنسيقي تعيين رئيس جديد للحكومة قبل إجراء أي انتخابات جديدة.
ويضم الإطار التنسيقي الكتلة البرلمانية الممثلة لفصائل الحشد الشعبي وكتلة رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي،.
والاثنين أعلن الإطار التنسيقي في بيان أوردته وكالة الأنباء العراقية (واع) عن توصله "إلى تفاهمات متقدمة مع القوى الوطنية".
وأشار البيان إلى أن الإطار التنسيقي يؤكد "تمسكه الكامل بمرشحه لرئاسة الوزراء محمد شياع السوداني".
كما أكد الإطار التنسيقي في بيانه "استمراره في الحوار مع جميع الأطراف لتنفيذ الاستحقاقات الدستورية وعودة المؤسسات إلى أداء مهامها وتشكيل حكومة كاملة الصلاحيات، حرصا منه على تجنيب البلاد مزيدا من الأزمات".
وأعرب الإطار التنسيقي عن "تقديره الكبير للموقف الوطني والدستوري لتحالف السيادة والحزب الديمقراطي الكردستاني بعد اجتماعهم في أربيل والذي أعلن فيه الطرفان تمسكهما بالخيار الدستوري في إجراء الانتخابات المبكرة بعد خلق المناخات المناسبة لها وتحت إشراف حكومة كاملة الصلاحيات وعودة المؤسسات الدستورية لممارسة عملها".
والأحد أيد تحالف السيادة والحزب الديمقراطي الكردستاني تنظيم "انتخابات مبكرة" على أن تجرى بعد تشكيل الحكومة.
المصدر: أ ف ب
الطفل والمراهق ومواقع التواصل الاجتماعي
لم يعُد ممكناً، في العالم الذي نعيش فيه اليوم، تجاهل أو إنكار الأثر الذي تتركه مواقع التواصل الاجتماعي على تطوّر الطفل ومن ثمّ المراهق، المعاصرين لتلك المواقع، فهو في الواقع، دور يستحيل تجاهله بتربية هذا الطفل، فهو يوازي، كي لا نقول يفوق أحياناً، دور الأهل.
والحقيقة أن شاشات (التلفاز، والكمبيوتر أو الحاسوب، والتابلت، والآيباد، والتلفون الذكي/ المحمول... إلخ) تشكّل جزءاً لا يتجزّأ من يوميّات معظم العائلات؛ وهي - أي الشاشات - تضاعف عمليّات التواصل الممكنة بين الناس، فتلغي المسافات، وتفتح الأفق على عالمٍ من المعلومات والمعارف وعلى عالم من التواصل من دون وسيط... إلخ.
بفعل هذا الدخول المباشر والإمكانات التي لا حدود لها، تشكّل هذه الشاشات أدوات جديدة تثير العديد من أحاسيس القدرة والفرح، ويستخدمها صغار السنّ بنَهَم؛ الأمر الذي يدفعنا للتساؤل: أيؤدّي ذلك للأفضل أم للأسوأ؟
وللإجابة عن هذا التساؤل، ننطلق من مشاعر الحيرة التي يبديها الأهل والمربّون، بشكل عام، حول انعكاسات هذه الثورة الرقميّة على طفلهم: ألا تعرض هذه الشاشات تلك التحوّلات الضروريّة لنموّه وتطوّره كطفل على مستوى عمليّات التعلّم التي يحقّقها لبناء هويّته الشخصيّة؟ وعلى إمكانيّة أن يشغلوا، كأهل راشدين، مكانهم بالنسبة لتأمين الاحتياجات اللازمة لولدهم ومساعدته على بناء شخصيته ضمن إطار الحياة الاجتماعيّة، لكن مع الحفاظ على فرادته؟
يمكّننا هنا القيام بجولة سريعة في أفق هذه الثورة الرقميّة للاطّلاع على آراء الاختصاصيين بهذا المجال، وعلى آراء علماء النفس والاختصاصيين في عالم الطفولة للتعرّف إلى مختلف الانعكاسات الاجتماعية والنفسية المرتبطة باستخدام الأطفال والمراهقين لهذه الشاشات، نظرًا للاهتمام الكبير الذي أولوه لإيجابيّاتها (من إبداعات ومبادرات فرديّة حقّقها هؤلاء الصغار والمراهقين) ولسلبيّاتها المتعددة والمتنوعة وهي تشتمل على أضرار نفسيّة متعدّدة، يبقى أهمّها إصابة تشكيل الهويّة الشخصية بالاضطراب... وعلى أضرار جسميّة تطال، على سبيل المثال، مشاكل السمع واضطرابات النوم و... إلخ.
وترتبط هذه الأضرار، عموماً، بالإفراط في استخدام مواقع التواصل من جهة، وبجهل الأهل لكيفيّة التعامل مع أولادهم بهذا الخصوص، من جهة أخرى.
أهميّة الشاشات بالنسبة للطفل
يعتبر الإنترنت، والآيباد، والتلفون الذكي والتطبيقات الاجتماعيّة بتعدّد أنواعها من غوغل، ويوتيوب، وتويتر، وألعاب على الخط، وواتساب،... إلخ، التي تنتشر في جميع مجالات الحياة بمنزلة شاشات في نظر الطفل؛ إنّها أدوات تواصُل قيّمة جدّاً في تقريب المسافات، وفي توسيع المدى المعرفي لدى الإنسان المعاصر، وفي تجديد معارفه، وفي تسريع الاتّصالات التي يقوم بها حاليًّا؛ كما أنّها أيضاً في تجدّد دائم.
وقد كشفت العيادة النفسيّة للأطفال والمراهقين، في هذا الإطار، عن نهمهم بالنسبة إلى هذه الأدوات، إذ يمنحهم استخدامهم لها العديد من المشاعر والأحاسيس التي تُشعرهم بالقوّة والفرح؛ أمّا الأهل فقد بدوا في غاية البلبلة وفي حاجة ماسّة إلى نصائح الاختصاصيين الهادفة لتوجيه خطاهم.
هذه الشاشات، وإن كانت مسلّية وعمليّة في بعض المواقف، قد تجرّ أضراراً متعدّدة على صحّة الطفل ونموّه؛ لذا، يُنصَح بتأطير (أي الحدّ من) استخدامها؛ وبالفعل، فقد صاغت إدارات صحّية رسميّة متعدّدة (في أميركا وكندا وأوربا... إلخ)، إضافة إلى العديد من جمعيات أطبّاء الأطفال في العالم بأسره، نصائح مماثلة بالنسبة لتعرُّض صغار الأطفال للشاشات.
قوة مسيطرة
الحقيقة أن وسائل الإعلام، بدءاً بالتلفزيون، وصولاً إلى وسائل التواصل الاجتماعي الجديدة، التي تتضمّن الهواتف المحمولة/ الذكيّة، إضافة إلى الآيباد ومختلف وسائل التواصل الاجتماعي (المذكورة أعلاه) من واتساب، وغوغل، ويوتيوب، وفيسبوك، وإنترنت... إلخ، تعدّ بمنزلة قوّة تسيطِر على حياة الإنسان المعاصر، وعلى حياة الطفل بوجه خاص؛ ولا يزال التلفزيون، هو الآخر، وسيلة مسيطِرة لدى الطفل والمراهق، مع العلم بأنّ شعبيّة الوسائل التكنولوجيّة الجديدة تتزايد بسرعة فائقة.
لا بدّ من التوقّف هنا عند الاهتمام الذي أبدته وتبديه بشكلٍ مستمر المنظّمات والأكاديميات الصحية العالمية بالنسبة لطبيعة التأثيرات المحتملة (إيجابيّة كانت و/ أو سلبيّة على حدٍّ سواء) الناجمة عن الرسائل والصور التي تُطلقها الوسائل الإعلاميّة؛ يُضاف إليها نتائج مختلف البحوث والدراسات العلميّة التي تمحورت حول هذا الموضوع: لقد تمّ التركيز، في هذا الإطار، على أمور متعدّدة تأتي في مقدّمتها كيفيّة استخدام العالَم الرقمي، وطبيعة العلاقة التي تجمع كلًّا من الطفل والمراهق بالشاشات (أضرار هذه الشاشات وفوائدها...)، ثمّ ضرورة تثقيف الأهل في هذا المضمار.
كيفيّة استخدام العالم الرقمي
قد يُستخدَم هذا العالم الرقمي في كل الاتّجاهات، كما قد يُنظَر إليه بأشكالٍ عديدة ومتنوّعة تساهم كلّها في خلق أشكال جديدة من الترابط liens والتنافس والإبداع؛ لكنّ الأهم إنّما يكمن في فهم مدى تحويل الفرد هذه الأدوات الجديدة لطرق تواصُل لديه، لبناء هويّته وعلاقته بعمليّات التعلّم والمعرفة.
ويمكن فهَم إمكانيّة تحقيق ما سبق ذكره في ضوء ما كشفت عنه البحوث المعاصرة بخصوص تميّز الدماغ بمرونة كبيرة وتطوّرٍ سريع تحت تأثير النشاطات التي يقوم بها الفرد، نذكر من ضمنها تأثير التكنولوجيّات التي يستخدمها هنا.
المسألة، إذن، مسألة استخدام الإنسان للأدوات التي اخترعها: فإنّ لم يتعوّد، مثلًا، على إرفاق ما تعلّمه ضمن إطار العالم الرقمي (من اختبارات رقميّة وغير ذلك...) بنشاطات تتم ممارستها ضمن إطار الحياة الواقعيّة، لن يتعلّم أبدًا كيف يتصرّف في الحياة اليوميّة، أي: كيف يتفاعل، مثلًا، مع الرفاق، مع الزملاء، مع المربّين... إلخ؟
يُضاف إلى ذلك مسألة حياتيّة أخرى في غاية الأهميّة وتكمن في الدور الذي يلعبه الراشد (الأهل بوجه خاص) في خفض مدى الاهتمام الذي يوليه الطفل لهذه الشاشات، وبشكل خاص الوقت الذي يقضيه أمامها؛ يوضح ذلك الواقع التالي وهو شائع جدّاً على مستوى الحياة اليوميّة: تعامل الطفل، بشكل مكثّف جدّاً، مع العالم الرقمي ضمن إطار منزله، لكنّه، في المقابل، يهمله بشكل تامّ حين يكون، مثلاً، عند الأجداد: ما الفرق؟ إلامَ يعود ذلك؟ يجيب الطفل حين يُسأل عن ذلك، على سبيل المثال لا الحصر، «عندما أكون عند أجدادي، لا أحتاج أبدًا إلى استخدام العالم الرقمي لأنّهم يقترحوا عليّ العديد من النشاطات كي أقوم بها مثل: الذهاب لصيد السمك، والمساعدة في حرث الحديقة، بجمع الفاكهة والثمار، بتنظيف الحديقة، بالمساعدة في الأعمال البيتيّة...، أنا مشغول طوال الوقت ولا وقت عندي لألعاب الفيديو أو للاهتمام بالشاشات».
من المنطقي إذن أن يلجأ الطفل إلى العالم الرقمي/ الشاشات كي يتسلّى حين يكون وحيداً وضجرًا بعد إنهاء واجباته المدرسيّة؛ وهكذا، قد تصبح التسلية مع الوقت إدماناً عند مَن يمتلك الاستعداد الشخصي للإصابة بذلك، لمَ لا؟
لاختصار ما سبق، نستعيد ما يقوله الطفل غالبًا «أنا ضجران»؛ لكنّ الضجر عند صغير الإنسان، المشهور بحركته الدائمة، هو أمرٌ غير مستحبّ على الإطلاق وخطِر جدّاً، إذ هناك دائمًا ما يتسلّى به: المهم تركه هادئاً، وهو سيجد ما يتلهّى به، فمثلاً قد ينزع خيوطاً من السجّادة، يحرّك رِجل كرسي...؛ هو لا يتوقّف أبداً عن التحرّك... ويجد دائماً شيئاً ما.. وهذا ما يزعج الأهل فينهروه «توقّف عن لمس كل شيء» ويُجلِسونه/ يلصقونه أمام التلفزيون أو يسمحون له باستخدام ما يرغب به.
قدرة فطريّة
يتعرّض الصغير لفقدان قدرته على الاستكشاف، على الاختراع... إلخ، لأنّ قدرة الاستكشاف لديه هي فطريّة عنده كإنسان، لكنّها لا تصبح فعليّة ومحسوسة إن لم تتمّ رعايتها من قِبَل أهل/ راشدين يدركون أهميّة ذلك، أي أهميّة ترك الولد يلعب كما يشاء طالما لا يتعرّض أو يُعرّض شيئاً للخطر؛ والأهم، توجيهه وإرشاده للقيام بنشاطات ذات هدف مفيد قد يساعده على تنمية المهارات التي سيحتاج إليها لاحقًا كمهارة التفاعل مع الآخرين (مع أمثاله، بوجه خاص) لتطوير علاقاته الاجتماعية لاحقاً، مهارة تعلّم كيفيّة تسلية نفسه بنفسه حين يكون مضطرّاً للبقاء بمفرده، حيث يتمكّن من القيام بأعمال قد تصبح إبداعيّة: لمَ لا؟... إلخ.
ومن ناحية أخرى، يمكن التنبيه للأخطار الناجمة عن قضاء طفل ما بين الصفر والسنوات الثلاث أمام الشاشات (التي في مثلاً) على نموّه نذكر من أهمّها استحالة تعلّمه كيفيّة تصوّر الشخص الآخر (تصوّر وجهه وحركاته و...) فيكوّن عنه معالم واقعيّة - حيّة تساعده، فيما بعد، على التفاعل مع الآخرين؛ أكثر من ذلك نقول: قد تصبح الشاشات/ العالم الرقمي وسيلةً دائمة تساعد الطفل على الهروب، مثلاً، من وضعيّات تضطرّه لمواجهة وجوه أخرى تثير قلقه. ذلك أمرٌ لا بدّ من إيلائه أهميّة خاصّة، لأنّ الوقاية من الاستخدام المَرَضي للعالم الرقمي/ الشاشات يجب أن تبدأ، عند الإنسان، منذ طفولته.
هناك واقع آخر في غاية الأهميّة لا بدّ من الإشارة إليه ضمن هذا الإطار، ونقصد به اختلاف الوظيفة التي يشغلها العالم الرقمي عند الطفل عنها عند المراهق، وذلك على مستويات متعدّدة يبقى أهمّها: المفاجأة، واللذّة، والتمتّع، وحتّى إحساس الفرد بوجوده، إذ يكون الطفل، انطلاقاً من 5 إلى 6 سنوات، قد امتلك اللغة والقوّة المحرِّكة له بشكلٍ جيّد؛ ثمّ إنّ حشرّيته كطفل تجاه العالم المحيط به تكون قد بلغت مداها، فتتحدّد مثلاً بالتركيز على العالم الرقمي (على اليوتيوب، والإنترنت، والشبكات الاجتماعيّة، وألعاب الفيديو،... إلخ) مع كلّ ما يرافق ذلك من مخاطر حتميّة، وذلك بعيداً عن العالم الواقعي/ الحياتي؛ لذا، من الضروري التعرّف إلى معالم هذه الحشريّة، فيتم تشجيعها أو، على العكس، يتم تغيير مسار توجّهها لديه ككائن في عزّ نموّه وتطوّره.
كارثة عصبيّة
مع البلوغ المسمّى عموماً «كارثة عصبيّة» (بنظر الأهل والبالغ معاً)، وبعد ذلك، مع المراهقة، تختلف وظيفة الشاشات بمعنى أنّها ترتبط بقدرة البالغ والمراهق على اختبار الانفعالات نفسها التي يحسّ بها الراشد (ونعني، بالدرجة الأولى، الانجذاب الجنسي والعنف)، لكنّه لا يزال عاجزاً عن امتلاك القدرة على ضبط نزواته الذي لن يتمكّن من تحقيقه سوى أخيراً؛ ثمّ، حتّى وإن كان قادراً على ضبط نزواته هذه، ستتأثّر قدرته كمراهق بضغط الجماعة التي ينتمي إليها.
ويميل المراهق لحماية نفسه من خطر اللقاءات الفعليّة الواجب عليه تحقيقها مع الآخرين، لأنّه لا يعرف كيف يتفاعل معهم: مع الجنس الآخر، ومع الرفاق، وبشكل خاص مع الأهل الذين لم يعانِ من تجاذُب المشاعر تجاههم (يحبّهم ويكرههم في الوقت نفسه) كما هي الحال معه في الوقت الحاضر.
وهكذا، يميل هذا المراهق للهروب من وضعيّات التفاعل هذه عبر اللجوء إلى العالم الرقمي، علّه يتخلّص من «قلق أزمة المراهقة»، الذي يسيطر عليه، والذي يترافق، بشكل عام، مع بعض السلوكيات غير المتوقّعة وغير القابلة للضبط نتيجة عجزه، غالباً، عن ضبط قلقه. لكنّ هذه المعاناة التي يتعرّض لها المراهق (خصوصاً على مستوى اضطراب علاقاته مع الأقران والأهل والراشدين بشكل عام) لا ترتبط بلجوئه إلى الشاشات إذ كان يتعرّض لها كمعاناة حتى حين لم يكن هناك عالم رقمي.
لاستكمال هذا العرض السريع الخاص بهذا العالم الرقمي، لا بدّ لنا من التوقّف عند تأثيره على الطفل وعلى المراهق؛ وبالتالي يفرض التساؤل التالي نفسه: ما هي طبيعة تأثير هذا العالم الرقمي على نمو الطفل؟
تأثير العالم الرقمي على نمو الطفل والمراهق
ككل اكتشاف، لهذا العالم الرقمي تأثيرٌ مزدوج، أي أنّه إيجابي حين يحسُن استخدامه، خصوصاً على المستوى التربوي، وسلبي إن أسيءَ هذا الاستخدام. ثمّ إنّ هذا التأثير يرتبط، عمومًا، بالمساحة الكبيرة التي يشغلها هذا العالم من حياة الطفل وتفاصيلها، إذ يقضي ساعات طويلة من وقته أمام الشاشات دون كلل أو ملل، ترافقه أينما كان ويدخل هذا العالم لينعزل عن محيطه وكأنّه لا يشعر بالانسجام والفرح والتواصل إلّا من خلالها.
وبالنسبة لتأثير هذا العالم الرقمي على الطفل، ومن ثمّ على المراهق، يمكن القول إنّه شديد التنوّع والتعدّد إيجاباً وسلباً:
على المستوى الإيجابي، يمكن القول إنّ للأجهزة الإلكترونيّة العديد من الفوائد التي يصعُب إحصاءها، لذا سنركّز، بالدرجة الأولى، على ما يرتبط بالطفل والمراهق:
- لقد سهّلت الأجهزة (كالهاتف المحمول/ الذكي، الكمبيوتر/ الحاسوب،... إلخ) على الإنسان المعاصر حياته، إذ اختصرت عليه الكثير من الوقت وتوفير الجهد الذي كان سلفه يتحمّله سابقاً للحصول على خدمة الاتّصال والتواصل مع الآخرين.
- وقد وفرّت هذه الأجهزة العديد من وسائل الترفيه (للطفل والمراهق بشكل خاص) كألعاب الفيديو، وأجهزة البلاي ستيشن، البرامج التلفزيونية المتنوّعة... إلخ؛ والمعلوم أنّ هناك استحالة لرؤية منزل يخلو من وجود تلفزيون.
- لقد سهّلت العمليّة التعليميّة وطوّرتها بشكل مهم جدًّا، إذ وفّرت وسائل للتعلّم عن بُعد، إضافة إلى توفير سُبُل تمكّن المعلّمين والتلامذة/ الطلّاب مع بعضهم بشكل أبسط وسريع.
- أدّت إلى زيادة فرص التعليم وإتاحته لجميع الأشخاص حول العالم نتيجة ظهور التعلّم عن بُعد.
- لقد فتحت الأجهزة الإلكترونيّة الباب على العديد من التخصّصات التعليميّة، وذلك في العديد من المجالات، ومنها، مثلًا، مجال الأجهزة الإلكترونيّة وصناعتها وصيانتها.
- مكّنت من إجراء اجتماعات ولقاءات في آنٍ واحد ومن أماكن مختلفة عبر مؤتمرات الفيديو video conference.
- مكّنت من الاطّلاع على آخر الأخبار والمستجدّات لحظة بلحظة من خلال شبكات التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام وشبكة الإنترنت.
استمرار المخاطر
هذا غيضٌ من فيض بالنسبة إلى إيجابيّات التكنولوجيا، وقد اختصرناها لأنّ ما يهمّنا هنا يكمن في التعرّف على ما هو على علاقة بالطفل والمراهق من جهة، وفي تجنّب التطويل من جهة أخرى.
وعلى المستوى السلبي، يعتبر تأثيرها بمنزلة استمرار للمخاطر التي تعرّض لها الطفل، ومن ثمّ المراهق، منذ الصغر.
والحقيقة تُقال، يستحيل التوقّف عند كلّ السلبيّات، إذ، كما بالنسبة للإيجابيّات، يتطلّب ذلك العديد من الصفحات؛ لذا سنكتفي بذكر المخاطر الناجمة عن وضع الأجهزة التقنيّة الحديثة بين يدي الطفل في سنّ مبكرة، وخصوصاً في ضوء التأكيد الدائم على ضرورة عدم تعريض أو السماح للأطفال حديثي الولادة حتى السنوات الثلاث باستخدام أيٍّ من هذه الأجهزة، وفي عمر الـ 3 - 5 سنوات ينبغي الاكتفاء بساعة واحدة يوميّاً، وبعد ذلك (من عمر 6 - 13 سنة) تكفي ساعتان فقط يوميّاً.
تجدر الإشارة هنا إلى سهولة حصول الأولاد من الأعمار كافة، اليوم، على أحد هذه الأجهزة (الآيباد والهاتف الذكي/ المحمول بشكل خاص) واستغلالها للدخول إلى عالم الإنترنت واستخدامه؛ لذا، لا بدّ أن يتخذ المسؤولون والأهل خطوات جدّيّة بالنسبة لموضوع التقيّد بالتحذيرات/ المخاطر التي تمّ ويتم التركيز عليها دائمًا في هذا المضمار:
مخاطر استخدام الأجهزة في سنّ مبكرة
- تعرّض نمو الدماغ للخطر: لقد بات معروفًا، في ضوء التطور الهائل الذي حصل على مستوى العلوم العصبيّة، أنّ حجم دماغ الطفل يتضاعف ثلاث مرّات منذ ولادته حتّى عمر السنتين، ويستمر في النمو حتى عمر الـ 21 سنة، يتم ذلك تحت تأثير المحفّزات البيئيّة المحيطة بالطفل؛ لكن، عند تعرّضه بشكل مفرط لاستخدام هذه الأجهزة، يحدث عند ذلك تحفيزًا قويًّا للدماغ قد ينجم عنه أخطار جمّة مثل: نقص الانتباه، وتشتّت التفكير، وضعف أو صعوبات في التعلّم، عجز عن تنظيم التنفّس، وقد يدخل الطفل في نوبات غضب متكرّرة... إلخ.
- تأخّر في التعلّم، إذ يؤدّي تعرّض الطفل لهذه الأجهزة في سنّ مبكرة جدّاً إلى تأخّر نمو المهارات التعليميّة لديه؛ ممّا يؤدّي إلى انخفاض تحصيله الدراسي (على سبيل المثال، كشفت الأبحاث عن وجود واحد من 3 أطفال في أميركا يُعتبرون متأخّرين تعليميًّا، وذوي تحصيل دراسي منخفض وارتفاع بنسبة الأمّيّة سببه تعرّضهم المبكر لاستخدام الأجهزة الحديثة).
- إصابة بالبدانة، وخصوصاً لدى الأطفال الذين لديهم جهاز تقني (تلفزيون مثلاً) في غرفته؛ وكما قيل، قد تكون أجيال القرن الواحد والعشرين الأقصر عُمراً بين الأجيال السابقة.
- إصابة بالأرق، نتيجة عدم رقابة الأهل بخصوص وجود جهاز تقني في غرفة نوم الطفل، والسماح له باستخدامه دون فرض رقابة عليه؛ الأمر الذي يؤدّي إلى حرمانه من النوم وإصابته بالأرق، ومن ثمّ خفض أدائه الذهني... إلخ.
- إصابة بالأمراض العقليّة: اعتبر العديد من الدراسات الاستخدام المبكر للأجهزة الحديثة أحد أهم عوامل إصابة أطفال اليوم بأمراض نفسيّة، مثل الاكتئاب، والقلق، ونقص الانتباه، والتوحّد، والذهان، ومشاكل سلوكيّة، كالعنف مثلاً (خصوصاً عند من يتعرّض لمَشاهِد القتل والتعذيب والاغتصاب والجنس وتعاطي المخدّرات الذي أصبح شديد الانتشار)،... إلخ.
- الإدمان، ويغذّيه الأهل لدى أطفالهم الذين يرفضون أيّة هديّة لا تكون جهازاً إلكترونيّاً كالآيباد والبلاي ستيشن، وغير ذلك من الأجهزة الإلكترونيّة؛ لذا يجب أن يكون الأهل حازمين في هذا الإطار (أي ألّا يستسلموا لمتطلّبات طفلهم)، خصوصاً أنّ أعداد المدمنين على التكنولوجيا بين الأبناء بالفترة العمرية بين 8 و18 سنة تتزايد أكثر فأكثر.
- التعرّض لانبعاثات إشعاعيّة تصدر عن الأجهزة اللاسلكيّة والمحمولة، وهي تعتبر موادّ مسرطنة... إلخ.
- الاستدامة، بمعنى أنّ استخدام هذه الأجهزة ليس مشكلة حاليّة، بل هي مستدامة وستستمر أجيالاً إن لم يعمل الأهل والحكومات بقوّة على إيقاف تعرّض الأطفال لاستخدام التكنولوجيا بشكل مفرط، خصوصاً في المراحل العمريّة المبكرة.
- والأخطر من كلّ ذلك يتمثّل في طول الوقت الذي يقضيه الطفل أمام الشاشات، وذلك على حساب مختلف الأنشطة الواجب تحقيقها على المستوى اليومي كالقراءة، واللعب مع الرفاق، والتمارين الرياضيّة... إلخ.
وإضافة إلى هذه المخاطر العامّة الناجمة عن استخدام الشخص للأجهزة التقنيّة، لا بدّ من الإشارة إلى المخاطر الناجمة عن استخدامها في سنّ مبكرة، وقد تمّ التشديد على مدى الأذى الذي تُلحقه بنمو الأطفال حديثي الولادة وتطوّرهم فيما بعد، والذي يُترجم عبر اضطرابات المزاج والسلوك وصعوبة التعلّم؛ وانعزال الطفل عن محيطه الاجتماعي، وحصول خلل في بنيته الاجتماعيّة؛ وضعف التركيز وتشتّت الانتباه؛ وتعرّضه للعصبيّة والتوتّر والعدوانيّة؛ وتأثّر جهازه العصبي، ومن ثمّ حصول اختلال كبير في نموّه وتطوّره الطبيعيّين.
تثقيف الأهل
يختلف هذا التثقيف بخصوص الشاشات، كما بخصوص طرق استخدامها، تبعاً للعمر حيث، كلّما كان الطفل أصغر سناً يكون خفض الوقت المكرّس لاستخدام هذه الشاشات من قِبَله مهماً جدّاً؛ لكن، كلّما كبُر، يكون للتثقيف (بخصوص وظيفة الشاشات وتأثيراتها: السلبيّة والإيجابيّة... إلخ) أهميّة أكبر.
في الواقع، لا أهميّة/ لا قيمة للشاشات (مهما كان نوعها) لدى طفل ما قبل سن الثلاث السنوات، لأنّ الألعاب واللُعَب التقليديّة وحدها تتناسب مع هذا العمر.
من أهم ما ينبغي على الأهل وجمهور الناس (المربّين، بالدرجة الأولى) معرفته بالنسبة لعلاقة الشاشات بنمو الطفل والمراهق، إنّما يرتبط أساساً بطبيعة هذه العلاقة وما يمكن أن توفّره لهما، هذا من جهة، وبكيفيّة قضاء الأهل أوقات فراغهم من جهة أخرى: فمثلاً، من غير الممكن أن يحدّد هؤلاء الأهل لطفلهم الوقت الذي عليه أن يقضيه أمام الشاشات في حين أنهم يقضون هم أمامها من الوقت بدون حساب؛ يكفي هنا التذكير بأهميّة، لا بل بوجوب، أن يشكّل الأهل «مثالاً» لأبنائهم (بمعنى ألّا يفرض الأهل على الولد ما لا يفرضونه هم على أنفسهم) كي نفهم خطورة هذا التصرّف.
منع مشروط
من المهم جدّاً إدراك الأهل للواقع التالي: يلجأ ابنهم المراهق إلى الشاشات ليهرب، مثلاً، من قلق أزمة المراهقة؛ كما أنّ السلوكيات الاضطرابيّة وغير المتوقَّعة لديه تزداد كلّما عجز عن تجاوز هذا القلق... ويمكن القول، بالتالي، إنّ المراهق كان يعاني المشاكل، العلائقيّة/ الاجتماعيّة بوجه خاص، قبل ظهور الشاشات واهتمامه بها.
من المؤكد أنّه من غير الممكن، اليوم، منع أي شخص من استخدام الأجهزة الحديثة، إذ تعتبر التقنيّة المرتبطة بها مفيدة جدّاً، ومن أفضل وسائل التعلّم، هذا من جهة؛ ومن جهة أخرى، من غير الممكن العودة إلى الوراء، لأنّ التطوّر يفرض نفسه ويستحيل تجاهله.
ثمّ إنّ المنع المفروض قد ارتبط بشروط متعدّدة من أهمّها: الحرمان التام منها خلال الأعوام الثلاثة الأولى، ومنع ازدياد الاستخدام عن حدٍّ أقصى، وليس المنع التام الذي يعرّض لخسارة كبرى، وتكريس الأهل وقتًا محدّدًا كلّما تقدّم الولد بالعمر لمناقشة ما شاهده، أو تخصيص وقت معيّن ليشاهدوا مع الولد البرامج التي يختارها... إلخ.
أخيراً، يكمن الأهم في البدء بعدم شراء الأهل أي جهاز إلكتروني للطفل إلّا ضمن إطار احترامهم وتقيّدهم بالتعليمات التي صدرت وتصدُر باستمرار عن الأبحاث العلميّة وعن منظّمات الصحّة العالميّة... إلخ، وشرط تطبيق الحسم الصارم بالنسبة إلى شروط الاستخدام.
كربلاء المقدسة وكرم استضافة الزوار ... أين منه باقي العالم ؟
بنور كربلاء المقدسة يستضيء الكون بأكمله، وتستقبل هذه البقعة المباركة في 10 أيام اكثر من 20 مليون شخص هم زوار الاربعينية ، وبهذه الاستضافة، أين منها كبريات المدن السياحية في العالم، لندن وباريس وروما و .... ؟
منذ عقود تخطط بريطانيا وفرنسا وايطاليا وتضع البرامج وتبني البنى التحتية وتقوم بالدعايات الاعلامية لجذب الوافدين والسياح، فتجذب باريس 18 مليون شخص في السنة ولندن حوالي 15 مليون وروما 9 ملايين، لكن مدينة كربلاء المقدسة في العراق تستضيف في 10 ايام فقط اكثر من 20 مليون شخص ، فكيف يكون لها هذا الكم الهائل من الضيوف من دون توفّر تلك الخطط في البنى التحتية والدعاية الاعلامية وصرف المبالغ الطائلة للدعاية ؟
نعم لهذا العمل سرّ ، وهو "ان العراقيين يجيدون الاستضافة ويحسنونها ، انهم تدربوا منذ الصغر والصبا على فتح الأحضان لضم الزوار بمعزل عن جنسياتهم وقومياتهم وألوانهم ولغاتهم ... ان الوقوف في منتصف الطرقات والدروب ودعوة الناس الى الخيم والمنازل والمضائف بالرجاء والتمنّي وابداء الرضا على قبول الدعوة ، هو اسلوب العراقيين الكرماء ... انهم يأتون بكل ما يملكون ويضعونه امام الضيوف لاكرامهم".
من هم هؤلاء المضيفون الأجودون ؟
اذا وضعنا المدن السياحية العالمية جانبا، وأردنا ان نقيس مراسم زيارة الأربعين مع مراسم دينية اخرى يمكننا ان نشير الى استضافة السعودية لمراسم الحج. السعودية التي تقوم بالاعمال التنفيذية للحج ولها وزارة الحج ايضا، تصرف منذ عقود اموالا طائلة لتهيئة البنى التحتية لمراسم الحج وهي على الاكثر تستضيف مليوني شخص فقط في أيام الحج.
وهناك فروقات اخرى ايضا، السعودية تحدد عدد الحجاج وحصة كل دولة، وكل استضافتها للحجاج مقابل اموال تدفع، وتقاضي كلفة عالية من الحجاج ولها موارد كبيرة من موسم الحج ، لكن استضافة اهالي كربلاء المقدسة والعراق للزوار هي مجانية ويصرف العراقيون اموالهم من اجلها من اجل توفير الراحة لزوار العتبة الحسينية المقدسة. وهم على الشكل التالي: ان معظم اصحاب المواكب والخيم هم من المزارعين ويملكون بساتين النخيل ويجنون مئونة العام بكدّ وجهد، وخلال اسبوعين من شهر صفر ، يهيئون أفضل الاطعمة التي ربما لا يمكنهم ان يتناولونها بأنفسهم حتى في السنة، انهم يعدونها ليل نهار ويصرفون اموالهم ووقتهم لاستضافة الزوار ... وفي بعض المدن تجد أبواب بيوت الكثير من الاغنياء وغير الاغنياء مشرعة أمام الزوار ويضعون بيوتهم وأثاثها في خدمة الزوار.
منذ عقد من الزمن يبلغ عدد زوار كربلاء المقدسة أعلى عدد من جميع المدن في العالم والاستضافة هي أعلى درجة من أية استضافة في العالم رغم أن البنى التحتية في العراق مازالت غير مهيأة بشكل كاف لأسباب عدة، ومنها جور الزمن.
ان كربلاء المقدسة هي البقعة المباركة التي يحيي ذكر سيد الشهداء الامام الحسين (ع) فيها ، أرواح ونفوس وقلوب البشر، ولن يمضي زمن طويل حتى تصبح كربلاء المقدسة أرض ميعاد البشرية برمتها، حيث يكون العراق أكبر وأفضل مستقبل للضيوف في العالم.