في هذا اليوم من شهر صفر استشهد زيد بن علي(ع) ، وقبل ذكر خبر استشهاده نورد بعض الأخبار الدالة على فضله وكرامته، فقد روى علي بن العباس (بسنده) عن أبي جعفر قال: قال رسول الله(ص) للحسين: «يخرج رجل من صلبك يقال له زيد يتخطى هو وأصحابه يوم القيامة رقاب الناس غراً محجّلين يدخلون الجنة بغير حساب»([1]).
وعن الحسن بن الحسين عن يحيى بن مساور عن أبي الجارود قال: «قدمت المدينة فجعلت كلما سألت عن زيد بن علي قيل لي: ذاك حليف القرآن»([2]).
قصة الاستشهاد
ولإلقاء الضوء على قصة استشهاده نقتبس ما أورده المرحوم السيد محسن الأمين فيه من كتابه (المجالس السنية):
كان زيد بن علي بن الحسين(ع) عين إخوته بعد أخيه أبي جعفر الباقر(ع) وأفضلهم، وكان عابداً ورعاً فقيهاً سخياً شجاعاً وظهر بالسيف يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، ويطلب بثارات الحسين(ع) وكان سبب خروجه مضافاً إلى طلبه بدم الحسين(ع) ، أنه دخل على هشام بن عبد الملك وقد جمع هشام أهل الشام وأمر أن يتضايقوا في المجلس حتى لا يتمكن من الوصول إلى قربه. فقال له زيد: إنه ليس من عباد الله أحد فوق أن يوصى بتقوى الله، ولا من عباده أحد دون أن يوصي بتقوى الله وأنا أوصيك بتقوى الله فاتقه.
فقال له هشام: ما فعل أخوك البقرة؟
فقال: سماه رسول الله(ص) باقر العلم وأنت تسميه بقرة لشد ما اختلفتما في الدنيا ولتختلفان في الآخرة!
فقال له هشام: أنت المؤهل نفسك للخلافة الراجي لها؟ وما أنت وذاك لا أم لك وإنما أنت ابن أمة!
فقال له زيد: إني لا أعلم أحداً أعظم منزلة عند الله من نبي بعثه وهو
ابن أمة فلو كان ذلك يقصر عن منتهى غاية لم يبعث وهو إسماعيل بن إبراهيم(ع) فالنبوة أعظم منزلة عند الله أم الخلافة يا هشام؟ وبعد فما يقصر برجل أبوه رسول الله(ص) وهو ابن علي بن أبي طالب(ع).
فوثب هشام من مجلسه ودعا قهرمانه وقال: لا يبيتنّ هذا في عسكري.
فخرج زيد وهو يقول: إنه لم يكره قوم قط حد السيوف إلا ذلّوا. فحملت كلمته إلى هشام. فعرف أنه يخرج عليه فأرسل معه من يخرجه على طريق الحجاز ولا يدعه يخرج على طريق العراق. فلما رجع عنه الموكلون به بعد أن أوصلوه إلى طريق الحجاز. رجع إلى العراق حتى أتى الكوفة، وأقبلت الشيعة تختلف إليه وهم يبايعونه، حتى أحصى ديوانه خمسة عشر ألف رجل من أهل الكوفة سوى أهل المدائن والبصرة وواسط والموصل وخراسان والري وجرجان والجزيرة. فحاربه يوسف بن عمرو الثقفي، فلما قامت الحرب انهزم أصحاب زيد وبقي في جماعة يسيرة فقاتلهم أشد القتال وهو يقول متمثلاً:
فذل الحياة وعزّ الممات |
|
وكلاً أراه طعامـاً وبيلا |
وحال المساء بين الصفين، وانصرف زيد وهو مثخن بالجراح وقد أصابه سهم في جبهته، وطلبوا من ينزع السهم فأتي بحجام، فاستكتموه أمره، فأخرج النصل فمات من ساعته، فدفنوه في ساقية ماء وجعلوا على قبره التراب والحشيش وأجري الماء على ذلك، وحضر الحجام وقيل عبد سندي مواراته فعرف الموضع، فلما أصبح مضى إلى يوسف فدلّه على موضع قبره فاستخرجه يوسف بن عمرو وبعث برأسه إلى هشام وبعثه هشام إلى المدينة فنصب عند قبر النبي(ص) يوماً وليلة. (ولمّا) قتل بلغ ذلك من الصادق(ع) كل مبلغ وحزن عليه حزناً عظيماً وفرق من ماله في عيال من أصيب معه من أصحابه ألف دينار وكتب هشام إلى يوسف بن عمرو أن اصلبه عرياناً فصلبه في الكناسة فنسجت العنكبوت على عورته من يومه ومكث أربع سنين مصلوباً، حتى مضى هشام وبويع الوليد بن يزيد، فكتب الوليد إلى يوسف بن عمرو: أما بعد فإذا أتاك كتابي فاعمد إلى عجل أهل العراق فاحرقه ثم انسفه في اليم نسفاً. فأنزله وحرقه ثم ذراه في الهواء.
وبالفعل كانت طريقة قتل زيد فظيعة من الفظائع التي يندى لها جبين الإنسانية خجلاً، فلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون والعاقبة للمتقين.