
Super User
آشتون بعد لقائها ظريف في نيويورك: لمست منه تصميماً والمحادثات جيدة
عشية الكلمة المرتقبة للرئيس الإيراني الجديد حسن روحاني أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، أعربت وزيرة خارجية الاتحاد الأوروبي كاثرين آشتون عن إعجابها بالحيوية، وبالتصميم الذي أظهره نظيرها الإيراني محمد جواد ظريف، من أجل تحقيق تقدم في المحادثات حول الشواغل المتعلقة بالبرنامج النووي الإيراني.
وقالت آشتون أمس بعد أول لقاء يجمعها مع ظريف، وذلك على هامش اجتماعات الأمم المتحدة في نيويورك، «تحدثنا عن عدة أمور مع تركيز على الموضوع النووي، وكانت المحادثات جيدة وبناءة. سينضم الوزير ظريف إلى محادثات «5+1» في وقت لاحق هذا الأسبوع الذي سأترأسه شخصياً لإجراء محادثات مقتضبة. واتفقنا على لقاء في جنيف في تشرين الأول المقبل. ما لمسته من الوزير هو حيوية وتصميم على السير قدماً في المحادثات معنا. ويمكن أن يتمخض الكثير من الأمور عن ذلك، لكن هذا كان الاجتماع الأول من أجل التأسيس لكيفية العمل معاً. ولا أستطيع تحميل الاجتماع أكثر مما يحتمل».
وأكدت آشتون أن اتصالاتها مع وزراء مجموعة الست، التي تمثل كلاً من الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا والصين وروسيا وألمانيا، متواصلة وكذلك مع المديرين السياسيين وأضافت، «وعندما ينضم إلينا الوزير الإيراني ستكون هناك فرصة لتبادل وجهات النظر. لكن كما تقدّرون هناك الكثير مما ينبغي فعله. وآمل البدء به فور اجتماعنا في جنيف».
من ناحية ثانية (أ ف ب، رويترز)، حذرت وزيرة الخارجية الأوروبية من «الخطر الكبير» في تسليم طهران سبعة معارضين إيرانيين من منظمة «مجاهدي خلق» معتقلين في العراق، ودعت الى الإفراج عنهم، حسبما أفاد مصدر برلماني أوروبي.
واعتقل هؤلاء خلال هجوم على معسكر تسبب بمقتل 52 لاجئاً وفق تعداد الأمم المتحدة، العديد منهم كانت أيديهم مكبلة الى ظهورهم عند قتلهم، حسبما أفاد تقرير الأمم المتحدة.
في وقت لاحق، أعلنت وزارة الخارجية الأميركية أن الولايات المتحدة مستعدة للعمل مع الرئيس الإيراني الجديد، إذا شاركت حكومته بجدية في جهود لحل المواجهة المستمرة منذ فترة طويلة بشأن برنامج طهران النووي.
وقالت المتحدثة باسم الوزارة جين ساكي «يرحب الوزير (جون) كيري بتعهد وزير الخارجية (الإيراني) باستجابة جادة وبموافقته على اجتماع في الأجل القريب مع الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن الدولي وألمانيا بتنسيق من الممثلة العليا للاتحاد الأوروبي آشتون لمناقشة البرنامج النووي».
من جهة ثانية، ندد الرئيس الإيراني حسن روحاني بالعقوبات الدولية المفروضة على بلاده، ودعا الغرب الى الحوار حول البرنامج النووي الإيراني، وقال عند مغادرته طهران أمس الى نيويورك، حيث سيلقي خطاباً اليوم، إن «طريق العقوبات غير مقبول. إن الذين اعتمدوا هذه العقوبات لن يحققوا أهدافهم».
وأضاف روحاني «بدلاً من سلوك هذا الطريق يجب أن يختاروا (الغربيون) طريقاً آخر يستند الى التفاعل والتفاوض والتفاهم».
وسيلتقي روحاني في نيويورك كلاً من الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند، والتركي عبد الله غول، والنمسوي هاينز فيشر، إضافة الى رئيس الوزراء الإسباني ماريانو راخوي، ورئيس الحكومة الإيطالية إنريكو ليتا، حسبما ذكرت وسائل الإعلام الإيرانية.
في غضون ذلك، ذكر مساعد مستشار الأمن القومي بين رودس، أن وزير الخارجية الأميركي جون كيري «سيلتقي نظراءه في مجموعة خمسة زائد واحد، إضافة الى وزير الخارجية الإيراني». وحول إمكانية حصول لقاء بين الرئيس الأميركي باراك أوباما وروحاني، أكد أنه «لا شيء مقرراً حتى الآن، غير أنه قال إن هذا النوع من الاتصال غير مستبعد».
إسرائيل وكينيا: تاريخ من العلاقات الحميمة
«أعداء كينيا هم أعداء إسرائيل، وهذا ما يدفعنا إلى تقديم المساعدة»، عبارات صدرت عن بنيامين نتنياهو في 13/11/2011، خلال استقباله الرئيس الكيني السابق رايلا أودينيغا، تختصر متانة العلاقات بين الطرفين
في خضم المواجهة التي شهدتها العاصمة الكينية نيروبي بين قوات الأمن وعناصر إسرائيليين ضد عناصر في حركة الشباب الصومالية احتجزوا رهائن في مبنى تجاري أول من أمس، لا بد من تذكّر عبارات رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو للرئيس الكيني السابق رايلا أودينيغا (زعيم المعارضة حالياً) في شهر تشرين الثاني 2011، والتي تختصر العلاقة المتميزة بين الجانبين، حيث يصفها الاعلام العبري بأنها الأكثر حميمية بين الدولة العبرية وأي دولة أفريقية أخرى.
لقد قال نتنياهو قبل سنتين ما أكده حجم التعاون بين جهازي أمن الدولتين خلال اليومين الماضيين، من أن «أعداء كينيا هم أعداء إسرائيل، وهذا ما يدفعنا إلى تقديم المساعدة»، بينما تشير صحيفة «معاريف» الى أن العلاقة قائمة على المصلحة المشتركة في مواجهة التهديدات، وعلى رأسها «مواجهة الاسلام والمساعي الايرانية في أفريقيا».
فالعلاقات بين إسرائيل وكينيا تعود الى ما قبل استقلال الدولة الافريقية في عام 1963، حسبما يشير أحد الكتيبات الصادرة عن السفارة الإسرائيلية في نيروبي، تحت عنوان «العلاقات الثنائية ــ إسرائيل وكينيا»، إذ عمل خبراء إسرائيليون الى جانب القيادة الكينية التي سعت في حينه الى الاستقلال عن البريطانيين، وقدموا لهم كل مساعدة ممكنة لإيجاد الظرف الملائم لإنشاء وتعزيز المؤسسات والهيئات القادرة فعلاً على إنشاء دولة، وذلك في كل المجالات.
نتيجة لذلك، أقامت إسرائيل في الستينيات قطاراً جوياً بين نيروبي وتل أبيب لنقل الكوادر الكينيين الى إسرائيل، من أجل تلقي الخبرات والمهارات تحت إشراف مباشر من قسم التعاون الدولي في وزارة الخارجية الإسرائيلية. وكان المتدربون الكينيون يعودون الى بلادهم محملين «بالخبرة» الإسرائيلية، مع كل ما يعنيه ذلك من «ترجمة لأواصر الصداقة، التي سمحت للبلدين بتجاوز كل الصعوبات التي نشأت لاحقاً، وتحديداً المقاطعة الأفريقية وقطع العلاقات الدبلوماسية بين الدول الأفريقية وإسرائيل عام 1973».
وتسمي تل أبيب فترة الستينيات فترة «المجد الإسرائيلي» في أفريقيا، وتحديداً في كينيا، حيث توغل «الخبراء الإسرائيليون» في كل المجالات، بدءاً من قطاع الزراعة، مروراً بالبنية التحتية على اختلاف أنواعها، وصولاً الى العلاقات المتميزة عسكرياً وأمنياً.
بعد حرب عام 1973، قطعت كينيا علاقاتها الدبلوماسية مع إسرائيل، على غرار دول أفريقية أخرى، إلا أنها، رغم ذلك، أبقت أبوابها مشرّعة أمام الإسرائيليين، واستمرت في المحافظة على علاقاتها كما هي، الى عام 1988، حين أعادت نيروبي العلاقات الدبلوماسية كاملة، وما كان بعيداً عن الاضواء، عاد ليبرز من جديد، وبنحو أكثر فاعلية وحضوراً من فترة الستينيات من القرن الماضي.
الإعلام العبري يشير إلى أن كينيا أدّت دوراً فاعلا ومؤثراً في عملية عنتيبي في أوغندا، عام 1976، حيث قام الكوماندوس الإسرائيلي بتحرير الرهائن الإسرائيليين من على متن طائرة تابعة للخطوط الجوية الفرنسية كانت مجموعة فلسطينية قد خطفتها الى مطار عنتيبي قرب العاصمة الاوغندية كمبالا.
وبحسب كتيّب العلاقات الصادر عن السفارة الإسرائيلية، ما كانت إسرائيل لتنجح في تنفيذ عملية الإنقاذ، حيث المكان بعيد جداً عن إسرائيل، لولا المساعدة الكينية التي سمحت للطائرات الإسرائيلية بالهبوط في كينيا والتزود بالوقود، قبل التوجه لتنفيذ العملية في أوغندا، في الوقت الذي كانت فيه الدول الأخرى المجاورة لتتردد في تقديم المساعدة المطلوبة.
في عام 2011، كشفت صحيفة «معاريف» عن مسعى لدى نتنياهو لإقامة «حلف جديد مع عدد من دول القرن الافريقي»، وعلى رأس هذه الدول كانت كينيا التي تربطها بإسرائيل علاقات مميزة وخاصة.
ونقلت الصحيفة عن مسؤول إسرائيلي رفيع المستوى تأكيده أن «التغييرات في شمال أفريقيا تؤثر على الدول الأفريقية التي تخشى الإسلام المتطرف، وهذا ما يثير قلقها كدول مسيحية في شرق أفريقيا، وأيضاً قلق إسرائيل على السواء. وبالتالي توجد قواسم مشتركة في الحلف الجديد».
ترجمة التوجه الإسرائيلي ميدانياً كانت سريعة، بل ساهمت بنحو كبير في فاعلية التدخل العسكري الكيني في الصومال، التي خاضت حرباً ضد الاسلاميين المتطرفين هناك، وكالة عن الغرب وإسرائيل.
في هذا الصدد، أشار الرئيس الإسرائيلي شمعون بيريز، خلال لقائه أودينيغا في عام 2011، الى أنه «يمكن إسرائيل أن تساعد كينيا في بناء منظومات مطاردة للمسلحين والمساعدة في توجيه ضربة استباقية لهم».
وينقل الإعلام العبري عن مصادر مطلعة على «الأحلاف الإسرائيلية الجديدة في القرن الافريقي» أن المساعدة العسكرية لكينيا تجعل من إسرائيل لاعباً مركزياً في الحرب التي تدور بعيداً عنها في شرق أفريقيا، بين الجيش الكيني والميليشيات الإسلامية في الصومال.
وبحسب «معاريف»، فإن «إسرائيل اختارت أن تلتزم الصمت حيال المساعدة العسكرية، لكن أودينيغا والوفد المرافق له قالوا فور عودتهم الى بلادهم إن إسرائيل استجابت لطلباتهم وستسلح وتدرب الجيش الكيني، بل ستضع تحت تصرفهم كل ما ينبغي لحماية حدودهم وفرض النظام في الصومال».
وعلى ضوء الهجوم المسلح في نيروبي والحديث عن تدخل إسرائيلي عسكري فيه، كشفت صحيفة «هآرتس»، أمس، أن المؤسسة الأمنية الإسرائيلية ترى في العاصمة الكينية محطة لفهم ما يجري في أفريقيا، ومحطة لمواجهة «التهديدات الإرهابية» ضد الأهداف الإسرائيلية في القارة السمراء. ومن أجل ذلك، فإن «كينيا تتلقى الكثير من الأسلحة الإسرائيلية، إضافة الى الخبرة الأمنية». وكشفت الصحيفة أن المئات من الجنود الكينيين تلقوا في السنوات الأخيرة تدريبات في إسرائيل أو تم تدريبهم في كينيا من قبل مدربين إسرائيليين.
وقالت الصحيفة إن التقارير التي تحدثت عن وصول مستشارين إسرائيليين الى نيروبي لمساعدة القوات الأمنية المحلية في معالجة أزمة الرهائن تتقاطع بنحو كبير جداً مع الودّ في العلاقات الأمنية والاستخبارية بين الدولتين، و«بعد الهجمة الارهابية هذه، يتوقع أن تتعزز العلاقات وتتوثق أكثر من ذي قبل».
مصر: القضاء يعيد الجماعة الى «المحظورة»
قضت محكمة مدنية مصرية، أمس، بحظر أنشطة تنظيم «الإخوان المسلمين» في مصر وجماعة «الإخوان المسلمين» المنبثقة عنه، وجمعية «الإخوان المسلمين» التي أعلنت قبل ثلاثة أشهر من عزل الرئيس الإخواني محمد مرسي، الى جانب حظر نشاط أي مؤسسة متفرعة أو تابعة للجماعة ولأعضائها أو تم تأسيسها بأموالهم. ولم يكتف الحكم بحظر نشاط الجماعة، بل ذهب أيضاً الى التحفظ على جميع الأموال العقارية والسائلة والمنقولة وكافة العقارات والمنقولات والأموال المملوكة للأشخاص المنتمين إلى إدارتها. وطالب مجلس الوزراء بتشكيل لجنة مستقلة لإدارة الأموال والعقارات والمنقولات المتحفظ عليها مالياً وإدارياً وقانونياً الى حين صدور أحكام قضائية بشأن ما نُسب إلى الجماعة وأعضائها من اتهامات جنائية متعلقة بالأمن القومي وتكدير الأمن العام والسلم العام، مع إضافة المصروفات إلى عاتق الخزانة العامة، وهو ما دفع كثير من القانونيين الى تأكيد عدم قانونية الحكم وجنوحه الى السياسة أكثر من القانون، مبررين بأن الحكم خاطب الحكومة وكذلك الأزهر، واعتمد على لغة الخطابة بديلاً من مواد القانون.
وحسب المستشار محمود زكي، نائب رئيس مجلس الدولة، فإن محكمة القاهرة للأمور المستعجلة التي أصدرت الحكم غير مختصة بالفصل في القضية، مشيراً الى أنّ المحكمة تعدّت على الاختصاص الولائي لمحاكم القضاء الإداري بمجلس الدولة، وأصدرت قراراً حول تشكيل جمعية الإخوان رغم كونه قراراً إدارياً، وتعدّت على الاختصاص الجنائي للمحاكم العادية، فقضت بالتحفظ ومصادرة أموال الجماعة وقيادييها من دون وجود حكم قضائي يثبت عدم شرعية تلك الأموال. ولفت الى أنّ مصادرة الأموال هي عقوبة فرعية وليست أصيلة؛ فعندما يثبت أن تلك الأموال جاءت من مصادر غير قانونية عندها تستوجب مصادرتها. غير أن المحامي عصام الإسلامبولي رأى أن حكم الحل وافق صحيح القانون، وخاصة أن المحكمة تختص بالفصل في القضايا التي يمثل موضوعها ضرورة واستعجالاً وخطراً على المجتمع، مشدّداً على أنّ نشاط الجماعة وما يترتب عليه من انتشار العنف في الشارع يلزمان المحكمة بالتصدي لها واتخاذ قرارات عاجلة.
أعضاء جماعة «الإخوان المسلمين»، من جانبهم، قللوا من أهمية الحكم، ورأوا أنه لن يترتب عليه أي جديد بشأن وضع الجماعة، وأن الأزمة الحالية هي أزمة سياسية، وستنتهي بمجرد التوصل الى مفاوضات مقبولة بشأنها. وقال محامي الجماعة محمد السيسي لـ «الأخبار» إنه «لا توجد حسابات مسجلة باسم جمعية الإخوان المسلمين في البنوك المصرية، وتطبيق الحكم لن يترتب عليه سوى إغلاق مقر الجماعة في المقطم المغلق فعلياً، لكونه المقر الوحيد المسجل باسم الجمعية في وزارة التضامن الاجتماعي»، مشيراً الى أن باقي مقار الجماعة هي مقار غير مملوكة للجماعة بل مؤجرة لفترة مؤقتة.
ووفقاً لتصريحات صحافية للقيادي الإخواني محمد علي بشر، فإن جماعة «الإخوان» وأعضاءها لا يزالون في انتظار حل سياسي، مضيفاً أنهم سيطعنون في «الحكم، ولكن الأزمة لن تنتهي إلا بحل سياسي يقوم على الشرعية الدستورية»، معتبراً أن «الحكم يأتي في سياق الحل الأمني الذي يساهم في تفاقم انقسام المصريين».
في المقابل، استقبلت الأحزاب المصرية الحكم استقبال الفاتحين، وخاصة حزب التجمع الذي صدر الحكم استجابة لدعوى مقامة من أحد أعضائه، حيث أعلن عقب صدور الحكم تنظيمه لمؤتمر صحافي يوم الأربعاء المقبل لإعلان حيثيات الحكم والخطوات المقبلة لحزب التجمع في مواجهة الجماعة الإرهابية.
ورغم السجالات القانونية حول عدم اختصاص المحكمة التي أصدرت القرار، وأن المحكمة المختصة هي محكمة القضاء الإداري في مجلس الدولة المقرر أن تصدر حكمها في عدة دعاوى قضائية مقامة أمامها لحل الجماعة في جلستي 10 و23 كانون الأول المقبلين، غير أن مصادر حكومية أكدت أن الحكومة ستتخذ من الحكم مخرجاً للاستجابة الى المطالب الشعبية بإصدار قرار بحل جماعة «الإخوان المسلمين». ويبقى من مؤسسات جماعة «الإخوان المسلمين» حزب «الحرية والعدالة» الذي تم إشهاره إبان ثورة «25 يناير»، غير أنه هو الآخر قد يواجه مصير الجماعة نفسه نتيجة وجود عدة دعاوى قضائية متداولة الآن أمام القضاء تطالب بحله، بكونه منبثقاً عن جماعة «الإخوان المسلمين».
وهكذا يبدو كأنها كأس تدور على كل الأحزاب التي تفشل في مهمة إدارة شؤون البلاد، ليكون مصير الحل والملاحقة القضائية لقيادات الحزب بمثابة «لعنة الفراعنة» التي تصيب كل من يتولى السلطة ويحكم كفرعون.
قرار حل جماعة «الإخوان المسلمين» لم يكن مفاجئاً؛ فالأحداث السابقة والقرارات الرئاسية تكشف أن الرئيس المؤقت المستشار عدلي منصور أصدر في 16 آب الماضي قراراً جمهورياً يحمل الرقم 397 يقول نصّه «رئيس الجمهورية، بعد الاطلاع على الاعلان الدستوري وعلى القانون رقم 73 لعام 1956 قرر الآتي: الماده الاولى، وضع جماعة الإخوان المسلمين على اللائحة المصرية للمنظمات الإرهابية. الماده الثانية، إحالة كل من يثبت انتماؤه لجماعة «الإخوان المسلمين» للمحاكمة العسكرية. المادة الثالثة: مصادرة أموال ومقرات جماعة «الإخوان المسلمين» في الداخل».
لذلك لم يأت القرار القضائي بأي جديد، لأن عناصر الجماعة يعاملون كإرهابيين منذ الانتهاء من فض اعتصام ميداني «رابعة العدوية» و«النهضة»، الذي استمر لأكثر من 45 يوماً تقريباً، خصوصاً أن القرار الجمهوري ينص على إحالة كل من يثبت انتمائه لهذه الجماعة على المحاكمة العسكرية.
«حزب الوطني الديموقراطي» الذي خُلع بدوره من السلطة في انتفاضة «25 يناير»، كان قد سبق جماعة «الإخوان المسلمين» الى مصير الحظر، حيث قررت المحكمة الإدارية العليا في مصر في 16 نيسان من عام 2011 حل الحزب الذي كان يرأسه الرئيس المخلوع حسني مبارك، وكذلك تصفية أموال الحزب وأملاكه، وإعادة جميع مقاره إلى ملكية الدولة.
الأسد: نسيطر على الكيميائي بالكامل و«جنيف 2» وهم بلا وقف دعم المسلحين
لا تزال واشنطن تبحث عن مبرّر للحرب، برأي الرئيس السوري، رغم الاتفاق الروسي ــ الأميركي «غير المقلق» بالنسبة إلى سلاح دمشق الكيميائي، علماً بأن أيّ عمل سياسي بالنسبة إلى دمشق سيكون وهمياً إن لم يقترن بوقف دعم المسلحين واحتضانهم
الحرب لم تنتهِ. هي جولة، وواشنطن ستبحث عن مبررات جديدة للتدخل في سوريا. الرئيس السوري بشار الأسد المتيقّن من قدرة جيشه على استكمال نجاحاته، لا يرى مخرجاً سوى بالحل السياسي الذي يجب أن يقترن بوقف دعم المسلحين. وانتقد الرئيس السوري الولايات المتحدة لتهديدها بمهاجمة سوريا، موضحاً أنها تبحث عن «مبرر للحرب»، لافتاً، في مقابلة مع التلفزيون الصيني، إلى أنّ «الولايات المتحدة لم تتوقف عن الحرب على سوريا لأن هناك فقط اتفاقاً سورياً روسياً بالنسبة إلى تسليم الأسلحة الكيميائية، بل لأن هناك رفضاً عالمياً ورفضاً داخل الولايات المتحدة للحرب».
وأضاف «ما دامت الولايات المتحدة ودول غربية تريد الاستمرار في سياسة الهيمنة على الدول الأخرى، فيجب أن نبقى قلقين بغض النظر عن الأزمة الحالية».
وحول مشروع القرار الدولي بشأن الأسلحة الكيميائية السورية، أكد الرئيس السوري أن القرار لا يثير قلقه، مشيراً إلى أن بلاده تنتج هذا النوع من السلاح منذ عقود، نظراً إلى كونها في حالة حرب ولديها أراض محتلة. وأضاف أن «لدى سوريا كميّات من الأسلحة الكيميائية، لكن الجيش السوري هيّأ نفسه للقتال بالأسلحة التقليدية»، لافتاً إلى أن «الأسلحة الكيميائية في سوريا موجودة في مناطق ومواقع آمنة والجيش يسيطر عليها بنحو كامل».
من جهة أخرى، كشف الأسد أن ما تحصل عليه سوريا من روسيا بشكل أساسي «هو أسلحة الدفاع الجوي المضادة للطائرات... لأن الخطر الأكبر علينا يأتي من خلال الطائرات الإسرائيلية».
مع «جنيف 2» ووقف دعم الإرهاب
وفي ما خص مؤتمر «جنيف 2»، أكد الأسد أن سوريا منذ البداية دعمت مبادرة جنيف وتبني آمالاً على المؤتمر، لإيمانها بأن العمل السياسي هو الطريق لحل المشاكل الكبرى. وأشار إلى أن «أول عامل يؤمن النجاح لمؤتمر جنيف هو إيقاف الأعمال الإرهابية وإيقاف دخول الإرهابيين من خارج سوريا وإيقاف إمداد هؤلاء الإرهابيين بالسلاح والمال... إن لم نقم بذلك فأي عمل سياسي يكون وهمياً».
واتهم بعض الدول الغربية، وفي مقدمتها الولايات المتحدة، بعرقلة انعقاد مؤتمر «جنيف 2»، موضحاً «يريدون أن نصل إلى مؤتمر جنيف وقد تحقق شيء على الأرض من الناحية العسكرية لمصلحة الإرهابيين... أيضاً هناك سبب آخر هو أنهم لم يتمكنوا حتى الآن من توحيد ما يسمونه المعارضة، ولكن نعتقد كما تعتقد روسيا والصين بأن الوقت الآن مناسب للقيام بهذه الخطوة».
وفي ما يخص مسألة الترشح للرئاسة عام 2014، قال الأسد «هذا يعتمد على رغبة الشعب السوري»، مضيفاً أن من البديهي أن يريد جزء من الشعب السوري ترشحه ولا يريد جزء آخر.
وأشار إلى أن «الوضع الآن هو لمصلحة الجيش. ولذلك كان الجيش يتقدم خلال الأشهر الأخيرة لأن القسم الأكبر من السوريين يدعمه، خاصة بعد أن عرفت الغالبية من المجتمع السوري بأن ما يحصل هو إرهاب وليس عملية إصلاح».
من جهة أخرى، اعتبر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أن أي تدخل عسكري في سوريا سيكون بمثابة «عدوان» ينتهك القانون الدولي ويزعزع الوضع في المنطقة. وأضاف، في اجتماع مجلس «منظمة معاهدة الأمن الجماعي» في سوتشي، إنه لا يجوز للمنظمة أن تتجاهل قضية سوريا، موضحاً أن «العصابات التي تنشط على أراضي هذه الدول لم تظهر من العدم ولن تذهب إلى العدم. إن قضية انتشار الإرهاب من دولة إلى أخرى واقعية تماماً وقد تطال مصالح أي من دولنا». وأعلن أن زعماء دول المنظمة أكدوا ضرورة التسوية السلمية للأزمة السورية وعدم جواز شن عدوان خارجي على دمشق.
بكين مستعدة لإرسال خبرائها
في السياق، أكد وزير الخارجية الصيني وانغ يي، خلال اجتماعه بالأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون في مقر الأمم المتحدة في نيويورك، استعداد بلاده لإرسال خبراء ينضمون إلى عملية فحص الأسلحة الكيميائية السورية وتدميرها، موضحاً في الوقت نفسه أن عملية تدمير الأسلحة الكيميائية السورية يجب أن تجري بالتزامن مع التسوية السياسية للأزمة.
أنقرة متخوّفة من «جهاديي الحدود»
من جهة ثانية، أقرّ الرئيس التركي عبدالله غول بتسلل متشددين قادمين من سوريا إلى تركيا، معبّراً، على هامش أعمال الدورة الـ68 للجمعية العامة للأمم المتحدة، عن قلقه من اقتراب جماعات جهادية من الحدود التركية.
في سياق آخر، لفت رئيس حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي صالح مسلم، في مقابلة مع وكالة الأنباء الألمانية، إلى أن 80% من عناصر «الجيش الحر» هم من «المتشددين الإسلاميين والمتطرفين». ورأى أنه «لا يوجد فارق كبير بين تلك التنظيمات المتشددة الموالية للقاعدة وجماعة الإخوان المسلمين». واعتبر «تركيا كغيرها من الدول، تحاول تحقيق أطماعها من خلال أزمات الربيع العربي، ورئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان يريد إحياء الإمبراطورية العثمانية». إلى ذلك، أكد رئيس «هيئة التنسيق الوطنية» في الخارج، هيثم مناع، أن «حجم خسائر سوريا قد تجاوز 350 مليار دولار خلال الثلاثين شهراً الأخيرة»، مرجّحاً أن «يستطيع السوريون تجاوز مأساتهم بنهاية هذا العقد».
نصرالله: كشفنا مفجّري الرويس
وصف الأمين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصرالله انتشار القوة الأمنية في الضاحية الجنوبية بـ«القرار الوطني»، نافياً أن يكون الحزب مارس الأمن الذاتي، لكنه اضطر إلى اتخاذ إجراءات بعد تفجيري بئر العبد والرويس. وقال: «اتصلنا بالدولة منذ الانفجار، ولكن الدولة قالت إنها تحتاج إلى وقت لتحمل مسؤولياتها». وكشف أن منفذي انفجار الرويس ينتمون إلى جهة تكفيرية تعمل في إطار المعارضة السورية. وفي الموضوع الحكومي، شدد على تمثيل الأطراف السياسية بحسب حجمها النيابي، موضحاً أن صيغة 8-8-8 هي في الحقيقة 10 وزراء لـ«14 آذار» و8 لـ«8 آذار» و6 للوسطيين.
مواقف نصرالله جاءت خلال كلمة متلفزة بثتها «قناة المنار» مساء أمس تناول فيها المستجدات في لبنان والمنطقة واستهلها بالترحيب بخطوة انتشار القوة الامنية في الضاحية الجنوبية، مقدّراً «هذا القرار الوطني»، وآملاً «أن تتحمل الدولة ومسؤولوها واجباتهم القانونية تجاه كل المناطق اللبنانية». وأكد دعمه المناشدات التي خرجت من طرابلس، متمنياً أن «تكون كل المناطق محصنة بسياج الدولة».
ودعا سكان الضاحية والوافدين اليها «إلى أقصى درجات التعاون مع إجراءات القوى الامنية وتقديم كل المساعدة لهم». ونفى أن يكون حزب الله مارس الامن الذاتي، موضحاً أنه «قمنا بالاجراءات الأمنية لأننا اضطررنا إلى منع دخول سيارات مفخخة». وقال: «اتصلنا بالدولة منذ الانفجار، ولكن الدولة قالت إنها تحتاج إلى وقت لتحمل مسؤولياتها».
ولفت الى أن «البعض ذهب ليتّهم حزب الله بأنه يريد أمناً ذاتياً ويستكمل دويلته»، موضحاً أن وقائع الانتشار الأمني في الضاحية أمس تكذب هذه الاتهامات، ومعتبراً أنه لو أن «حزب الله يستكمل دويلته لا يستجيب لما جرى اليوم (أمس)».
وتوجه إلى المسؤولين بالقول: «اليوم الضاحية بالكامل هي في عهدتكم وأنتم جديرون بتحمل هذه المسؤولية، وهذا دليل على إيماننا بمشروع الدولة، عندما تأتمن القوى في الضاحية الدولة على أمنها وسلامتها فهذا يعبّر عن هذا الخيار».
وأعلن أنه «توصلنا الى نتائج حاسمة، وأصبحت محددة لدينا بوضوح الجهة التي تقف خلف تفجير الرويس، ومن هي وأين تقيم والجهة المشغِّلة»، موضحاً أن «هذه الجهة تكفيرية تعمل في إطار المعارضة السورية وتنطلق من الاراضي السورية، والنتيجة نفسها توصلت اليها الاجهزة الرسمية».
من جهة أخرى، سخر نصرالله من مقولة تسليم سوريا حزب الله سلاحاً كيميائياً، وقال: «هذا اتهام مضحك. وكأن نقل الكيميائي كنقل القمح أو الطحين». وحذر من «أن هذه الاتهامات الخطيرة لها تداعيات خطيرة على لبنان»، نافياً «هذه الاتهامات التي لا أساس لها من الصحة».
وقال: «لم نسأل الإخوة في سوريا أن ينقلوا إلينا الكيميائي ولن نفعل مستقبلاً، كذلك فإن هناك محاذير دينية، والأمر محسوم عندنا. فهذا النوع من السلاح حتى استخدامه في الحرب النفسية ليس وارداً».
في سياق آخر، نفى نصرالله أن يكون حزب الله أنشأ شبكة اتصالات سلكية في زحلة. وإذ أوضح «أن البقاع وبعلبك جزء من المعركة مع العدو»، لفت إلى أنه «قبل سنوات تم مدّ كابل في طرف مدينة زحلة وليس في داخل المدينة، وذلك لوصل الخطوط وليس أكثر، وما حصل قبل أيام أن الشباب كانوا يقومون بصيانة الكابل»، معتبراً أن «البعض كان يخوض معركة وهمية عمّا جرى في زحلة».
وعن موضوع الحوار، أكد «أننا مستعدون للمشاركة بمعزل عمّن يشارك من هذا البعض أو لن يشارك، وأننا سنشارك في طاولة الحوار إذا دعا اليها رئيس الجمهورية ميشال سليمان، ولنناقش عليها التدخل في سوريا ومن فعل ذلك». وشدد على أنه «لا خيار أمام اللبنانيين إلا مناقشة بعضهم بعضاً».
وسأل: «ألا يعدّ تدخلاً كتابة الخطب والبيانات التي تنادي الرئيس الاميركي باراك أوباما بالعدوان العسكري على سوريا الذي لو حصل لكانت له تداعيات خطيرة على العالم وخاصة لبنان؟»، لافتاً الى «أننا نريد أن نناقش في الحوار أيهما أخطر مناشدة أوباما التدخل في سوريا أو ما يقوم به شبابنا فيها؟».
وعن تشكيل الحكومة، أشار نصرالله إلى أنه «من اللحظة الاولى التي كلف فيها رئيس الحكومة المكلف تمام سلام قال تيار المستقبل وبعض حلفائه إنهم لا يريدون مشاركة حزب الله في الحكومة، ورفضوا معادلة الجيش والشعب والمقاومة»، وقال: «نحن لم نضع أي فيتو، وبالتالي من يكون الذي يعطّل الحكومة؟». وأضاف: «قالوا، في ما بعد، نقبل بمشاركة حزب الله لكن بشرطين؛ الأول لا معادلة ثلاثية ولا ثلث ضامناً، نحن نضع شرطاً علناً وبشكل واضح، أن تمثل القوى السياسية في الحكومة بحسب حجمها النيابي».
وعن حكومةالـ8-8-8، رأى نصرالله أن «هذه الفكرة غير حقيقية، ورئيس الحكومة الذي وافقنا على تكليفه (تمام سلام) هو جزء من 14 آذار والوزير الذي سيسميه سيكون ملتزماً معه بالقرار السياسي، وهذا يعني أن قوى 14 آذار سيكون لها 10 وزراء». ونصح بتشكيل «حكومة وحدة وطنية بحسب حجم تمثيل الناس».
ولفت نصرالله الى أن بعض الدول الخليجية، وتحديداً السعودية، تصرّ «على اتهام حزب الله باحتلال سوريا، ويُبنى على هذا الأمر للقول إن ما يجري في سوريا ليس صراع دول ومشاريع وأمم، بل هناك قوة احتلال ومقاومة لمواجهة هذا الاحتلال ومن واجب الدول العربية مساعدة المقاومة لمواجهة هذا الاحتلال، هذا من جهة. ومن جهة ثانية، تبني على هذا الأمر خطوات انتقامية من حزب الله»، وأشار إلى أن «فيتو 14 آذار على مشاركة حزب الله في الحكومة هو فيتو سعودي، ومعاقبة اللبنانيين في الخليج تحت عنوان معاقبة حزب الله». وأوضح أن «عدد الحرس الثوري في سوريا لا يتجاوز عشرات الافراد وهم موجودون منذ عام 1982». وسأل: «هل يصدق عاقل في لبنان وسوريا والعالم أن حزب الله يملك القدرة على احتلال سوريا؟». ولفت الى أن «هذا المحور يعتذر عن فشله بالقول إن حزباً احتل سوريا». وقال: «ما يسمى الائتلاف الوطني السوري ألا يتهم المتطرفين بالسيطرة على أراض سورية؟ أليس هذا احتلالاً؟ ومن يقف وراءه؟»، معتبراً أن «من يتحدث عن احتلال في سوريا لا يدعو العالم لإرسال جيوشه لاحتلالها».
ووجه نصرالله «دعوة مخلصة وصادقة على ضوء الوقائع في سوريا والمنطقة والعالم وعلى ضوء التجربة الاخيرة التي عاشتها المنطقة والرهانات»، وطالب السعودية والدول الخليجية وتركيا بأن يراجعوا موقفهم»، مؤكداً أن «الرهان على الحسم العسكري والنجاح العسكري رهان فاشل ومدمر». وقال: «ضعوا أحقادكم جانباً وفكّروا في شعوب المنطقة. نجاة سوريا والجميع فيها وشعوب المنطقة وقطع الطريق على الفتن، هو بالحل السياسي».
وعن وصف حزب الله بالمنظمة الارهابية من قبل نظام البحرين، أوضح نصرالله أن «الإصرار الجديد لدى حكومة البحرين هو تجريم أي اتصال بحزب الله، وهذا موقف سياسي يدل على ضعفكم وهزالكم».
العرب قبل بعثة النبي(ص) كانوا أمة قبلية وعبدة للأصنام(2)
حال العرب قبل بعثة النبي (ص)
فإن البداية الطبيعة للحديث عن سيرة رسول الله (ص) تفرض علينا إعطاء لمحة مختصرة عن تاريخ ما قبل البعثة وما اتصل بها من أحداث لنتعرف إلى الظروف والأوضاع التي كانت تحكم المجتمع والمنطقة أنذاك، والتي انطلقت فيها دعوة النبي (ص) إلى الإسلام.
وسوف نستعرض في حديثنا هنا، الظروف والأوضاع الدينية والسياسية والاجتماعية والأخلاقية التي كانت سائدة في العصر الجاهلي في شبه الجزيرة العربية، أي في منطقة الحجاز وجوارها.
على المستوى الديني على المستوى الديني كانت الوثنية هي الديانة الكبرى في شبه الجزيرة العربية. وكانت عقيدة الشرك وعبادة الأصنام متفشية بين سكان هذه المنطقة. ويكفي أن نذكر أن عبادتهم للأصنام كانت ملونة باللون القبلي، فلكل قبيلة، بل لكل بيت وثن وطريقة في العبادة. ورغم أنهم كانوا يعتقدون بوجود الله وخالقيته للكون، إلا أنهم كانوا يرون أن عبادتهم للأصنام تقربهم من الله،
وقد أشار القرآن الكريم إلى ذلك بقوله تعالى:" والذين اتخذوا من دونه أولياء ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى". على المستوى السياسي وأما على المستوى السياسي، فإن سكان شبه الجزيرة العربية أنذاك لم يخضعوا لأي سلطة أو نظام غير سلطة القبيلة، وبسبب أن معظم سكان هذه المنطقة، كانوا من البدو الرحل الذين يمسون في مكان ويصبحون في مكان أخر، هذا من جهة، وبسبب رفضهم لجميع أنواع التسلط الذي يحدّ من حرية الأفراد والأسرة والقبيلة من جهة ثانية، وبسبب بعض العوامل الاقتصادية نظرا لكون طبيعة المنطقة صحراوية لا تصلح للزراعة والعمل ولا تساعد على الاستقرار لتنظيم الحياة والانتاج من جهة ثالثة.
لأجل كل ذلك أن هذه المنطقة بقيت بعيدة عن سيطرة الدول الكبرى ونفوذها آنذاك، فدولة الفرس ودولة الرومان لم تخضع لحكم ونظام أي من الرومان والفرس والاحباش، ولم تتاثر بمفاهيمهم وأديانهم كثيرا.
ومن هنا فقد نشأت من هذا الوضع ظاهرة الدويلات القبلية، فكان لكل قبيلة حاكم، ولكل صاحب قوة سلطان، ولم يكن يجمعهم نظام واحد، أو سلطة سياسية واحدة، وإنما كانوا يعيشون فراغا سياسيا في هذا الجانب.
على المستوى الاجتماعي وأما الوضع الاجتماعي، فإن الحياة الصعبة، التي كان يعيشها الإنسان العربي في البادية. والحكم القبلي وعدم وجود روادع دينية أو وجدانية قوية دفع بالقبائل إلى ممارسة الحرب والاعتداء بعضهم على بعض كوسيلة من وسائل تقديم العيش أحياناً، وأحياناً لفرض السيطرة، وأحيانا أخرى للثائر للاقتصاص. فكانت هذه القبيلة تغير على تلك القبيلة وتستولي على أموالها وتسبي نسائها وأطفالها، وتقتل أو تأسر من تقدر عليه من رجالها ثم تعود القبيلة المنكوبة لتتربص بالقبيلة التي غلبتها وهكذا. ولذلك فإن من يطالع كتب التاريخ يرى بوضوح إلى حد كانت الحال الاجتماعية متردية في ذلك العصر.
فالسلب والنهب والإغارة والتعصب القبلي كان من مميزات ذلك المجتمع. وكانت لأتفه الأسباب تحدث بينهم حروب طاحنة ومدمرة يذهب ضحيتها الاف الناس.
ولعل أبرز الأمثلة على ذلك ما عرف بحرب داحس والغبراء. ولعل أفضل مرجع للتعرف إلى ملامح الوضع الاجتماعي في العقد الجاهلي هو كلمات أمير المؤمنين (عليه السلام) التي يصف فيها حال العرب قبل بعثة النبي (ص)، إذ يقول في بعض كلماته :" إن الله بعث محمداً نذيراً للعالمين وأمينا على التنزيل، وأنتم معشر العرب على شر دين وفي شر دار منخيون (مقيمون) بين حجارة خُشن وحيات سم تشربون الكدر وتأكلون الجشب (الطعام الغليظ) وتسفكون دماءكم وتقطعون أرحامكم، الأصنام فيكم منصوبة والأثام بكم معصوبة.
على المستوى الأخلاقي وأما الوضع الأخلاقي العام، فقد كانت القسوة والفاحشة وتعاطي الخكر والربا ووأد البنات والأبناء خشية العار والفقر هي السمات العامة للأخلاق المتفشية في المجتمع الجاهلي.
ويكفي أن نشير إلى بعض النماذج من العادات والتقاليد التي كانت سائدة أنذاك، والتي أشار إليها القرآن الكريم لمعرفة مدى شيوع الفاحشة وظاهرة انعدام الغيرة والتحلل الاخلاقي في تلك المجتمعات الجاهلية.
كما أن عاداتهم القبيحة أيضا الطواف حول الكعبة وهم عراة، سواء الرجال والنساء. وكان الرجل إذا هدده الإفلاس وشعر أنه سيصاب بالفقر كان يبادر إلى قتل أولاده خوفا من أن يراهم أذلاء جائعين.
ولقد أشار القرآن الكريم إلى ذلك، بقوله تعالى :" ولا تقتلو أولادكم من إملاق نحن نرزقكم وأياهم" . كما أننا نستطيع معرفة مدى شيوع ظاهرة وأد البنات ودفنهن وهن أحياء من تعرض القرآن الكريم لهذه العادة وإدانته لهذه الجريمة وتعنيفه لتلك المجتمعات على هذا السلوك الوحشي.
فقد قال تعالى :" وإذا المؤدة سئلت بأي ذنب قتلت"، وقال أيضا :"وإذا بشر أحدهم بالأنثى ظل وجهه مسودا وهو كظيم يتوارى من القوم من سوء ما بشر به". هذه هي أوضاع المجتمع العربي وأحواله في شبه الجزيرة أنذاك.
ومن قلب هذا المجتمع وهذا الجو القبلي المعقد والمشرذم الذي توافرت فيه كل أنواع الفساد والبعد عن القيم والأخلاق وأصبح بحاجة إلى عملية تغيير شاملة خرج رسول الله (ص) ليكون قائد عملية التغيير هذه.
ولقد استطاع هذا الرسول العظيم في مدة وجيزة جدا أن ينقل هذه الأمة من حضيض الذل والمهانة إلى أوج العظمة والعزة والكرامة. وأن يغيير فيها كل عاداتها ومفاهيمها، وأن يقضي على كل أسباب شقائها والامها.
الرسول يحدث انقلابا حقيقيا لقد استطاع الاسلام في مدة لا تتجاوز سنواتها عدد أصابع اليدين أن يحقق أعظم انجاز في منطقة كانت لها تلك الصفات والمميزات. وأن يحدث انقلابا حقيقيا وجذريا في عواطف وسلوك وعقلية وأخلاق تلك الأمة، وفي مفاهيمها وأن ينقلها من العدم إلى الوجود ومن الموت إلى الحياة.
ولقد عبّر عن ذلك جعفر بن طالب لملك الحبشة بعدما بيّن له الأوضاع المتردية التي كان يعيشونها قبل مبعث الرسول (ص) فقال :"فكنا على ذلك حتى بعث الله إلينا رسولا منا نعرف نسبه وصدقه وأمانته وعفافه فدعانا إلى الله لتوحده ونعبده ونخلع ما كنا نعبد نحن وأباؤنا من دونه من الحجارة والأوثان وأمرنا بصدق الحديث وأداء الامانة وصلة الرحم وحسن الجوار والكف عن المحارم والدماء ونهانا عن الفواحش وقول الزور وأكل مال اليتيم ".
حَقّ الصّغِيرِ
44. وَ أَمّا حَقّ الصّغِيرِ فَرَحْمَتُهُ وَ تَثْقِيفُهُ وَ تَعْلِيمُهُ وَ الْعَفْوُ عَنْهُ وَ السّتْرُ عَلَيْهِ وَ الرّفْقُ بِهِ وَ الْمَعُونَةُ لَهُ وَ السّتْرُ عَلَى جَرَائِرِ حَدَاثَتِهِ فَإِنّهُ سَبَبٌ لِلتّوْبَةِ وَ الْمُدَارَاةُ لَهُ وَ تَرْكُ مُمَاحَكَتِهِ فَإِنّ ذَلِكَ أَدْنَى لِرُشْدِهِ
سيرة سماحة السيد موسى الصدر
الامام السيد موسى الصدر هو ابن السيد صدر الدين ابن السيد اسماعيل ابن السيد صدر الدين ابن السيد صالح شرف الدين، من جبل عامل في جنوب لبنان.
ولد السيد صالح شرف الدين في قرية شحور ( قضاء صور- جنوب لبنان) سنة 1122هـ. وأقام فيها ، وكان عالماً دينياً جليلاً، وكان يملك مزرعة اسمها (شدغيت) بالقرب من قرية معركة (قضاء صور)، وفي هذه المزرعة ولد ابنه السيد صدر الدين.
تعرض السيد صالح شرف الدين لاضطهاد أحمد الجزّار، في إطار حملة الجزار الشاملة باضطهاد العلماء المسلمين الشيعة في جبل عامل، فأقدم جنود الجزار على قتل ابنه الاكبر السيد هبة الدين، وكان في الحادية والعشرين من عمره، أمام بيت والده في قرية شحور وبحضوره، ثم اعتقلوا السيد صالح وبقي تسعة أشهر في معتقله في عكا إلى أن تمكن من الفرار إلى العراق حيث أقام في النجف الأشرف.
تبع السيد صالح إلى النجف الاشرف أخوه السيد محمد الذي ألحق به زوجته وولديه السيد صدر الدين والسيد محمد علي.
صار السيد صدر الدين ابن السيد صالح من جهابذة علماء الدين وتزوج ابنة المجتهد الاكبر الشيخ كاشف الغطاء، ثم نزح إلى أصفهان في ايران، وأنجب خمسة علماء دين أصغرهم السيد اسماعيل الذي ترك أصفهان وأقام في النجف الأشرف وعرف باسم السيد الصدر وانعقدت له المرجعية العامة للشيعة إلى أن توفي سنة 1338هـ. تاركاً أربعة أولاد صاروا علماء دين، أولهم السيد محمد مهدي الذي صار أحد مراجع الدين الكبار في الكاظمية قرب بغداد وشارك في الثورة العراقية ( ابن عمه السيد محمد الصدر تولى رئاسة الوزارة في العراق وكان أحد قادة الثورة العراقية الكبار وشملت قيادته منطقتي سامراء والدجيل)، وثانيهم السيد صدر الدين ( والد الامام السيد موسى الصدر) قاد في شبابه حركة دينية تقدمية وارتبط اسمه بالنهضة الادبية العراقية ثم هاجر إلى ايران واستوطن خراسان وتزوج من السيدة صفية ( والدة الامام السيد موسى الصدر) كريمة السيد حسين القمي المرجع الديني للشيعة ، واستدعاه المرجع العام الشيخ عبد الكريم اليزدى ليقيم معه في (قم) معاوناً له في إدارة الحوزة الدينية ، وصار أحد أركان هذه الحوزة الكبار ومرجعاً معروفاً، وأنشأ مؤسسات علمية ودينية واجتماعية وصحية ، وتوفي سنة 1954م.
ثانياً: نشأته وعلومه
ولد الامام السيد موسى الصدر في 15 نيسان 1928م في مدينة "قم" في ايران حيث تلقى في مدارسها الحديثه علومه الابتدائية والثانوية، كما تلقى دراسات دينية في كلية "قم" للفقه.
تابع دراسته الجامعية في كلية الحقوق بجامعة طهران ، وكانت عمّته أول عمامة تدخل حرم هذه الجامعة، وحاز الأجازة في الاقتصاد.
أتقن اللغتين العربية والفارسية، وألّم باللغتين الفرنسية والانكليزية.
صار أستاذاً محاضراً في الفقه والمنطق في جامعة "قم" الدينية.
أنشأ في "قم" مجلة باسم "مكتب إسلام" أي المدرسة الاسلامية، امتيازها باسمه، وأدارها سنوات، وصارت أكبر مجلة دينية في ايران.
انتقل في سنة 1954 إلى العراق ، وبقي في النجف الأشرف أربع سنوات يحضر فيها دروس المراجع الدينية الكبرى: السيد محسن الحكيم، الشيخ محمد رضا آل ياسين والسيد ابو القاسم الخوئي، في الفقه والأصول.
تزوج سنة 1955 ورزق أربعة أولاد: صبيان وبنتان.
ثالثاً: كتاباته ومحاضراته
1 - مؤلفات: جمعت بعض محاضراته وأبحاثه في كتابين
أ- منبر ومحراب..
ب- الاسلام عقيدة راسخة ومنهج حياة ..
وقد بدأ مركز الإمام الصدر للأبحاث والدراسات بجمع كتابات ومقالات الإمام ونشرها تباعاً منذ 1995 وقد صدر حتى الآن الكتب التالية:
- الاسلام وثقافة القرن العشرين
- الاسلام والتفاوت الطبقي
- حوارات صحفية (1) : تأسيساً لمجتمع مقاوم
- حوارات صحفية (2) : الوحدة والتحرير
- معالم التربية القرآنية "دراسات للحياة"
- معالم التربية القرآنية "احاديث السحر"
- المذهب الاقتصادي في الإسلام
- أبجدية الحوار
كما أصدر المركز عشرات المقالات المطبوعة في كتيبات منها:
- حوار تصادمي
- الاسلام وكرامة الانسان
- الدين وحركات التحرر
- العدالة الاقتصادية والاجتماعية في الاسلام
- القضية الفلسطينية وأطماع اسرائيل في لبنان
- تقرير الى المحرومين
- رعاية الاسلام للقيم والمعاني الانسانية
- الجانب الاجتماعي في الاسلام
- الاسلام، الاصالة- الروحية- التطور
2 - كتب الإمام مقدمات مطولة للمؤلفات التالية:
- كتاب "تاريخ الفلسفة الاسلامية" للبروفسور الفرنسي هنري كوربان،1966.
- كتاب "القرآن الكريم والعلوم الطبيعية" للمهندس يوسف مروة،1967 .
- كتاب "فاطمة الزهراء" للأديب الجزائري سليمان الكتاني. وهذا الكتاب نال جائزة أحسن كتاب عن فاطمة الزهراء، 1968.
- كتاب "ثمن الجنوب" لمؤلفة جان نانو.
-كتاب "حديث الغدير" لآية الله السيد مرتضى خسروشاهي 1978 .
- كتاب "تاريخ جباع" للاستاذ علي مروة.
3 - محاضرات:
ألقى مئات المحاضرات في الجامعات والمعاهد العلمية اللبنانية وفي الندوة اللبنانية وفي المؤسسات والمراكز الدينية والثقافية والاجتماعية الاسلامية والمسيحية وفي مؤتمرات البحوث الاسلامية في مصر (الازهر) مكة المكرمة،الجزائر والمغرب وفي اوروبا (المانيا وفرنسا) والاتحاد السوفياتي .
محاضراته في مواضيع مختلفة: دينية، تربوية، ثقافية، اجتماعية، وطنية، قومية وانسانية. ولا يزال معظمها غير منشور حتى الآن.
رابعاً: قدومه إلى لبنان
قدم الإمام السيد موسى الصدر إلى لبنان- أرض أجداده - أول مرة سنة 1955، فتعرف إلى أنسبائه في صور وشحور ، وحلّ ضيفاً في دار كبيرهم حجة الاسلام المرجع الديني السيد عبد الحسين شرف الدين الذي تعرف إلى مواهب الإمام الصدر ومزاياه ، وصار يتحدث عنه في مجالسه بما يوحي بجدارته لأن يخلفه في مركزه بعد وفاته.
فبعد أن توفي حجة الاسلام السيد عبد الحسين شرف الدين بتاريخ 30/12/1957، كتبت"صور" رسالة إلى الإمام الصدر في "قم" تدعوه إليها. ولفته المرجع السيد البروجردي إلى ضرورة تلبية الدعوة.
وهكذا قدم الإمام الصدر إلى لبنان في أواخر سنة 1959 وأقام في مدينة صور.
خامساً: نشاطاته قبل إنشاء المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى
بدأ الامام الصدر الرعاية الدينية والخدمة العامة في صور، موسعاً نطاق الدعوة والعمل الديني بالمحاضرات والندوات والاجتماعات والزيارات ، ومتجاوزاً سلوك الاكتفاء بالوعظ الديني إلى الاهتمام بشؤون المجتمع. وتحرّك في مختلف قرى جبل عامل ثم في قرى منطقة بعلبك- الهرمل، يعيش حياة سكانها ومعاناتهم من التخلف والحرمان. ثم تجوّل في باقي المناطق اللبنانية، متعرفاً على أحوالها ومحاضراً فيها ومنشئاً علاقات مع الناس من مختلف فئات المجتمع اللبناني وطوائفه، وداعياً إلى نبذ التفرقة الطائفية باعتبار أن وظيفة الدين هي الاستقامة الاخلاقية و"أن الأديان واحدة في البدء والهدف والمصير " (راجع خطبته في كنيسة الكبوشية، أبجدية الحوار) وداعياً أيضاً إلى نبذ المشاعر العنصرية وإلى تفاعل الحضارات الإنسانية وإلى مكافحة الآفات الاجتماعية والفساد والالحاد.
وفي مدينة صور، نجح في القضاء على التسوّل والتشرّد ، وفي شدّ أواصر الأخوة بين المواطنين من مختلف الطوائف.
وشارك في " الحركة الاجتماعية " مع المطران غريغوار حداد في عشرات المشاريع الاجتماعية. وساهم في العديد من الجمعيات الخيرية والثقافية. وأعاد تنظيم "جمعية البر والاحسان" في صور وتولى نظارتها العامة، وجمع لها تبرعات ومساعدات أنشأ بها مؤسسة اجتماعية لايواء وتعليم الايتام وذوي الحالات الاجتماعية الصعبة ثم أنشأ مدرسة فنية عالية باسم "مدرسة جبل عامل المهنية" وأنشأ مدرسة فنية عالية للتمريض وكذلك مدرسة داخلية خاصة للبنات باسم "بيت الفتاة" . كما أنشأ في صور "معهد الدراسات الاسلامية".
سافر الإمام الصدر إلى عدة بلدان عربية وإسلامية وإفريقية وأوروبية ، مساهماً في المؤتمرات الاسلامية ، ومحاضراً، ومتفقداً أحوال الجاليات اللبنانية والاسلامية ، ودارساً معالم الحياة الاوربية (راجع حول رحلاته كتاب" حوارات صحفية" الجزء الاول- تأسيساً لمجتمع مقاوم) ، ومتصلاً بذوي الفعاليات والنشاطات الإنسانية والاجتماعية والثقافية.
وبعد أن وقف على أحوال الطائفة الاسلامية الشيعية ومناطقها ومؤسساتها في لبنان ، ظهرت له الحاجة إلى تنظيم شؤون هذه الطائفة، باعتبار أن لبنان يعتمد نظام الطوائف الدينية وأن لكل من الطوائف الاخرى تنظيماً يختص بها، وكان قد أنشئ بالمرسوم الاشتراعي رقم 18 تاريخ 13/1/1955 تنظيم خاص بالطائفة الاسلامية السنية يعلن استقلالها، وأنشئ بعده بالقانون الصادر بتاريخ 7/12/62 تنظيم خاص بالطائفة الدرزية ، بحيث بقيت الطائفة الإسلامية الشيعية وحدها دون تنظيم.
فأخذ يدعو إلى إنشاء مجلس يرعى شؤون هذه الطائفة أسوة بالطوائف الأخرى ، ولقيت دعوته معارضة من بعض الزعماء السياسيين في الطائفة ومن بعض القوى خارجها. واستمر متابعاً هذه الدعوة سنوات، وفي مؤتمر صحفي عقده في بيروت بتاريخ 15/8/66 عرض آلام الطائفة ومظاهر حرمانها، بشكل علمي مدروس ومبني على إحصاءات، وبيّن الأسباب الموجبة للمطالبة بإنشاء هذا المجلس ، وأعلن أن هذا المطلب أصبح مطلباً جماهيرياً تتعلق به آمال الطائفة.
وأتت الدعوة نتائجها بإجماع نواب الطائفة الاسلامية الشيعية على تقديم اقتراح قانون بالتنظيم المنشود، أقره مجلس النواب بالاجماع في جلسة 16/5/67، وصدقه رئيس الجمهورية بتاريخ 19/12/1967، وبمقتضاه أُنشئ "المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى" ليتولى شؤون الطائفة ويدافع عن حقوقها ويحافظ على مصالحها ويسهر على مؤسساتها ويعمل على رفع مستواها. ونص القانون المذكور على أن يكون لهذا المجلس رئيس يمثله ويمثل الطائفة ويتمتع بذات الحرمة والحقوق والامتيازات التي يتمتع بها رؤساء الأديان.
سادساً: نشاطاته بعد توليه رئاسة المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى
1- انتخابه وولايته:
بتاريخ 69/5/23 انتخب الإمام السيد موسى الصدر أول رئيس للمجلس الإسلامي الشيعي الأعلى.
وكانت ولاية الرئيس محددة في قانون إنشاء المجلس، بست سنوات.
ونظراً لكون ولاية رؤساء الطوائف الأخرى تمتد مدى الحياة، فلقد جرى تعديل مدة ولاية رئيس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى بحيث أصبحت لغاية إتمامه الخامسة والستين من العمر. وتم هذا التعديل وفقاً للأصول بعد موافقة الهيئة العام للمجلس بالاجماع بتاريخ 29/3/75
2- برنامجه
أعلن برنامج عمله لتحقيق أهداف المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى ، في خطاب ألقاه يوم انتخابه، وفي كلمته الترحيبية برئيس الجمهورية اللبنانية عندما قدم لتهنئته بتاريخ 29/5/69، وفي البيان الأول الذي أصدره بتاريخ 10/6/69.
تضمن هذا البرنامج الخطوط الرئيسية الآتية:
- تنظيم شؤون الطائفة وتحسين أوضاعها الاجتماعية والاقتصادية.
- القيام بدور إسلامي كامل، فكراً وعملاً وجهاداً.
- عدم التفرقة بين المسلمين، والسعي للتوحيد الكامل.
- التعاون مع الطوائف اللبنانية كافة، وحفظ وحدة لبنان.
- ممارسة المسؤوليات الوطنية والقومية، والحفاظ على استقلال لبنان وحريته وسلامة أراضيه.
- محاربة الجهل والفقر والتخلف والظلم الاجتماعي والفساد الخلقي.
- دعم المقاومة الفلسطينية والمشاركة الفعلية مع الدول العربية الشقيقة لتحرير الأراضي المغتصبة
3- سعيه لحماية جنوب لبنان وصمود أهله
صادفت الأشهر الأولى من بداية ولاية الإمام الصدر، اعتداءات اسرائيلية على منطقة الحدود الجنوبية ، فقاد حملة مطالبة السلطات اللبنانية بتحصين قرى الحدود وتسليح أبناء الجنوب وتدريبهم للدفاع ووضع قانون خدمة العلم وتنفيذ مشاريع إنمائية في المنطقة، وذلك إلى جانب قيامه بحملة توعية حول الأخطار التي تهدد الجنوب مع دعوة المواطنين لعدم النزوح من قراهم الحدودية ولمجابهة الاعتداءات الاسرائيلية.
وتحت ضغط هذه الحملة ، اتخذت الحكومة اللبنانية قراراً بتاريخ 12/1/70 بوضع خطة عامة لتعزيز أوضاع منطقة الحدود الجنوبية
4- تحركه الشعبي لانقاذ الجنوب: إنشاء مجلس الجنوب
تابع الإمام الصدر ، بمحاضراته في المناطق اللبنانية كافة، يطرح وضع جنوب لبنان على المستوى الوطني العام، معبئاً المجتمع اللبناني بأسره ليتحرك باتجاه إنقاذ الجنوب.
وعلى أثر العدوان الإسرائيلي بتاريخ 12/5/70 على القرى الحدودية الجنوبية الذي ألحق خسائر جسيمة بأرواح المواطنين الأبرياء وممتلكاتهم ، وتسبّب بنزوح أكثر من خمسين ألف مواطن من ثلاثين قرية حدودية، بادر الإمام الصدر بتاريخ 13/5/1970إلى دعوة الرؤساء الدينيين في الجنوب، من مختلف الطوائف، فأسس معهم "هيئة نصرة الجنوب" التي أولته رئاستها وأولت نيابة الرئاسة للمطران انطونيوس خريش ( الذي أصبح فيما بعد بطريركاً للطائفة المارونية)، وتبنت هذه الهيئة مطالب الإمام الصدر من أجل حماية الجنوب وتنميته.
ثم دعا الإمام الصدر إلى إضراب وطني سلمي شامل لمدة يوم واحد من أجل الجنوب، وتجاوب كل لبنان مع هذه الدعوة، ونُفذ الاضراب الشامل بتاريخ 26/5/1970، واعتبر حدثاً وطنياً كبيراً.
واجتمع مجلس النواب في مساء اليوم ذاته، فأقر تحت ضغط التعبئة العامة ، مشروع قانون وضع أفكاره الإمام الصدر يقضي بإنشاء مؤسسة عامة تختص بالجنوب، مهتمها "تلبية حاجات منطقة الجنوب وتوفير أسباب السلامة والطمأنينة لها". وصدر هذا القانون بتاريخ 2/6/1970، وسنداً له أنشئ "مجلس الجنوب" وربط برئاسة مجلس الوزراء، وتأمنت لهذا المجلس واردات بلغ مجموعها لغاية منتصف سنة 1980 أكثر من مائتي مليون ليرة لبنانية خصصت لتعزيز صمود الجنوبيين وللتعويض عن أضرار الاعتداءات الإسرائيلية وللإنفاق على مشاريع وخدمات عامة في الجنوب.
5- حركته من أجل المحرومين:
مع استمرار الاعتداءات الاسرائيلية على جنوب لبنان في سنة 1971وما يليها ، استمر الامام الصدر حاملاً لواء الدفاع عن هذه المنطقة ومعلناً أن انهيارها يعني انهيار لبنان ، ومؤكداً مطالبته بالتجنيد الاجباري وتعميم الملاجيء وتحصين القرى وتأمين وسائل الدفاع الحديثة.
إلى جانب مطالبته هذه ، قاد الامام الصدر حملة مطالبة السلطة اللبنانية بتنمية المناطق المحرومة وإلغاء التمييز الطائفي وإنصاف الطائفة الإسلامية الشيعية في المناصب الوزارية والوظائف العامة وموازنات المشاريع الانمائية.
أنكر العهد الجمهوري الجديد في لبنان ( عهد الرئيس فرنجية الذي بدأ في أيلول 1970) على المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى ورئيسه حقهما القانوني في تعاطي الشؤون العامة ، فتجاهلت الدولة هذه الحملة.
أعلن الإمام الصدر بتاريخ 2/2/1974 معارضته للحكام المسؤولين في لبنان "لأنهم يتجاهلون حقوق المحرومين وواجب تعمير المناطق المتخلفة ويهددون بسلوكهم أمن الوطن وكيانه".
صعد الإمام الصدر حملته من أجل المحرومين ، بمهرجانات شعبية عارمة كان أضخمها مهرجان بعلبك بتاريخ 17/3/74 ومهرجان صور بتاريخ 5/5/74 اللذين ضم كل منهما أكثر من مائة ألف مواطن أقسموا مع الإمام "على أن يتابعوا الحملة، وأن لا يهدأوا إلى أن لا يبقى محروم في لبنان أو منطقة محرومة".
وهكذا ولدت " حركة المحرومين" التي رسم مبادئها الإمام الصدر بقوله: " إن حركة المحرومين تنطلق من الإيمان الحقيقي بالله وبالإنسان وحريته الكاملة وكرامته. وهي ترفض الظلم الاجتماعي ونظام الطائفية السياسية. وتحارب بلا هوادة الاستبداد والاقطاع والتسلط وتصنيف المواطنين. وهي حركة وطنية تتمسك بالسيادة الوطنية وبسلامة أرض الوطن، وتحارب الاستعمار والاعتداءات والمطامع التي يتعرض لها لبنان".
اثر المهرجانات اهتمت قيادة الجيش اللبناني بالمطالب، فشكلت بتاريخ 20/6/74 لجاناً مشتركة من اختصاصيين في الجيش واختصاصيين انتدبهم الإمام الصدر ، لدراسة المطالب وعددها عشرون مطلباً، ولتحديد وسائل تنفيذها. ووضعت هذه اللجان تقارير عن بعض المطالب ، بقيت دون نتيجة. فتابع الإمام الصدر الحملة بنداء وجهة علماء الدين المسلمون الشيعة إلى السلطة بتاريخ 4/8/74" بتأييد حركة المطالبة والتحذير من مغبة الاستمرار في إهمال المطالب أو تمييعها..."، وباجتماعات عقدها مع شخصيات البلاد ورؤساء الطوائف والأحزاب، وبحوار مع نخبة من المفكرين اللبنانيين من مختلف الطوائف انتهى بوثيقة وقعها /190/ مفكراً بإقرار هذه المطالب. ثم دعا الإمام الصدر إلى اجتماع عقدته الهيئة العامة للمجلس الإسلامي الشيعي الأعلى بتاريخ 13/9/74 وهي تضم أكثر من ألف شخص هم علماء الدين للطائفة ونوابها وكبار موظفيها في الدولة ونخبة من أبنائها المجلين في مختلف النشاطات والفعاليات السياسية والاجتماعية والمهنية والاقتصادية والفكرية . فأقرت هذه الهيئة بالاجماع "التأييد المطلق للإمام الصدر في جهاده الوطني من أجل المطالب، واستنكار موقف الدولة اللامبالي منها، وتفويضه باتخاذ كافة الخطوات في سبيل تحقيق هذه المطالب".
وحدث إثر ذلك أن استقالت الحكومة، وقامت حكومة جديدة تعهدت بموقف ايجابي من المطالب، إلا أنه لم ينقض على حكمها سوى أشهر قليلة، حتى قدمت استقالتها بتاريخ 15/5/57 تحت وطأة حادث مقتل النائب السابق معروف سعد وحادث اوتوبيس عين الرمانة اللذين كانا الشرارة لاندلاع الحرب اللبنانية فيما بعد، وأعلن رئيس تلك الحكومة (رشيد الصلح) في بيان تلاه بالتاريخ المذكور في مجلس النواب أسباب الاستقالة وهي تضمنت حسب نص البيان: "إن الامتيازات الطائفية التي تشكل أساس النظام السياسي اللبناني ... تحولت إلى عائق يمنع أي تقدم ... ويحول دون المساواة الحقيقية بين المواطنين بما يقضي على الحرمان ويرفع من مستوى المناطق المحرومة...
6- دوره في إنشاء أفواج المقاومة اللبنانية " أمل".
في خطاب ألقاه الإمام الصدر بتاريخ 20/1/1975، بمناسبة ذكرى عاشوراء، دعا المواطنين اللبنانيين إلى تشكيل مقاومة لبنانية تتصدى للاعتداءات الإسرائيلية وللمؤامرات التي تدبرها اسرائيل لتشريد اللبنانيين من أرضهم "لأن الدفاع عن الوطن ليس واجب السلطة وحدها، وإذا تخاذلت السلطة فهذا لا يلغي واجب الشعب في الدفاع".
وفي مؤتمر صحفي عقده الإمام الصدر بتاريخ 6/7/1975، أعلن ولادة أفواج المقاومة اللبنانية "أمل"، وقدمها بأنها " أزهار الفتوة والفداء ممن لبوا نداء الوطن الجريح الذي تستمر اسرائيل في الاعتداء عليه من كل جانب وبكل وسيلة". وأوضح أن شباب "أمل" هم الذين استجابوا لدعوته من أجل حماية الوطن وصيانة كرامة الأمة عندما وجه لهذه الغاية دعوته إلى اللبنانيين جميعاً بتاريخ 20/1/1975" في الايام التي بلغت الاعتداءات الاسرائيلية على الجنوب ذروتها ولم تقم السلطات المسؤولة بواجبها الدفاعي عن الوطن والمواطنين".
وبرهن شباب "أمل" على أرض جنوب لبنان، عن مواقف بطولية في عدة معارك مع العدو الإسرائيلي ( معركة الطيبة مثلاً) وسقط منهم شهداء في الهجمات الاسرائيلية المتكررة على الجنوب، وكان لهم فضل كبير في منع صهاينة القطاع الحدودي وفي تثبيت المواطنين في قراهم الجنوبية
7- إنجازاته في المشاريع وبتمليك عقارات للأوقاف:
في بدء ولايته، عمل الإمام الصدر علي تأمين مقر للمجلس الإسلامي الشيعي الاعلى في بناء لائق يتألف من أربعة طوابق ويقوم على عقار مساحته /6375/م مربع، ويحتوي على قاعات واسعة للاجتماعات العامة ، ويقع في محلة الحازمية بضاحية بيروت الشرقية الجنوبية، سجلت ملكية هذا العقار باسم أوقاف الطائفة الإسلامية الشيعية.
كما عمل على تمليك أوقاف الطائفة عقاراً ثانياً في ضاحية بيروت الغربية الجنوبية (محلة خلدة) مساحته /7904/م. مربع ويقوم عليه بناء مؤلف من سبع طوابق، أطلق عليه اسم "مدينة الزهراء الثقافية والمهنية" ، تستعمله مؤسسات الطائفة.
وأمن لمشاريع المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى الانتفاع من قطعة أرض مساحتها/15034/م مربع من مشاعات قرية الغبيري في ضاحية بيروت الغربية الجنوبية (محلة الجناح) ، أنشأ عليها " مستشفى الزهراء" التابع للمجلس.
وحقق شراء /190/ألف متر مربع من الأراضي في الوردانية ( طريق صيدا-بيروت) لتشييد مؤسسات اجتماعية وثقافية ومهنية عليه. وسجل ملكية هذه الأراضي باسم أوقاف الطائفة.
كما حقق لجمعية البر والاحسان في صور التي يتولى نظارتها العامة، وهي من مؤسسات الطائفة ذات المنفعة العامة، شراء /900/ ألف متر مربع في اللبوة -بعلبك، لإنشاء مدرسة فنية زراعية ومشاريع اخرى عليها.
وعمل على توسيع منشآت وتجهيزات جميعة البر والاحسان في صور، تحقيقا بتوسيع المؤسسات المهنية التابعة لها وإنشاء المدرسة الفنية العالية للتمريض التي استحدثها.
أقام مبرة الإمام الخوئي لرعاية أبناء الشهداء في برج البراجنة (ضاحية بيروت الجنوبية) وفي بعلبك والهرمل.
كما أقام مراكز صحية في برج البراجنة وحي السلم ( ضاحية بيروت الجنوبية) وفي صور، وأقام مدرسة للتعليم الديني في صور.
وقدرت قيمة هذه العقارات والمنشأت والتجهيزات آنذاك بأكثر من مائة مليون ليرة لبنانية.
سابعاً- موقفه من الحرب الداخلية في لبنان
فور انطلاق الشرارة الأولى لهذه الحرب بتاريخ 13/4/1975، بادر الإمام الصدر إلى بذل المساعي الحميدة والجهود لدى مختلف الفرقاء، لخنق الفتنة وتهدئة الوضع ، ووجه نداءاً عاماً نُشر بتاريخ 15/4/1975، حذر فيه من مؤامرات العدو ومخططات الفتنة، ودعا اللبنانيين " لحفظ وطنهم وفي قلبه مكان للثورة الفلسطينية" وناشد الثوار الفلسطينيين" لحفظ قضيتهم التي جعلت لها من قلب لبنان عرشها".
وبادر الإمام الصدر إلى دعوة عدد كبير من نخبة المفكرين وممثلي الفعاليات اللبنانية ، اجتمع منهم/77/شخصا في مركز المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى بتاريخ 18/4/1975 وشكلوا من بينهم لجنة دعيت " لجنة التهدئة الوطنية" اجتمعت فوراً بممثل المقاومة الفلسطينية وباشرت مهمتها لتهدئة الاوضاع وتحديد أسباب المحنة ووضع الحلول الآنية والبعيدة المدى، مسترشدة بتوجيهات الإمام الصدر القاضية بوجوب المحافظة على تعايش الطوائف اللبنانية واعتماد الحوار والوسائل الديمقراطية سبيلا لتحقيق الاصلاحات السياسية والاجتماعية ورفض القهر الطائفي و وجوب المحافظة على التعايش اللبناني – الفلسطيني . وصيانة الثورة الفلسطيني.
ولما استمر القتال ، واستقالت الحكومة بتاريخ 26/5/75، وظهرت صعوبات في وجه قيام حكومة جديدة الأمر الذي هدد بخطر انقسام الوطن، أعتصم الإمام الصدر بتاريخ 27/6/75 في مسجد الصفا (الكلية العاملية) ببيروت، متعبدا وصائماً، وأعلن: "نعتصم لنفرض على المواطنين الاعتصام عن السلاح الذي يستعمل ضد اللبنانيين والأخوان ... إننا نريد أن نخنق صفحة العنف بصفحة العبادة والاعتصام والصيام ... فالسلاح لا يحل الأزمة بل يزيد في تمزيق الوطن. " وطالب بالاسراع في ايجاد حكومة وطنية تعيد السلام وتقيم المصالحة الوطنية على أسس واضحة يعاد بناء الوطن عليها وتلبي مطالب المحرومين. ولقيت خطوته تأييداً شاملاً في الاوساط الدينية لدى مختلف الطوائف والاوساط الشعبية والسياسية . وتألفت حكومة جديدة بتاريخ 1/7/1975 فأنهى اعتصامه بعد أن تلقى وعداً بتبني المطالب المطروحة والعمل على تنفيذها. وسارع إلى منطقة بعلبك -الهرمل ليعمل على فك الحصار عن قرية "القاع" المسيحية وتهدئة الاوضاع في المنطقة.
كانت نظرة الإمام الصدر إلى الحرب اللبنانية منذ بدايتها، حسب قوله في جلسة عقدها المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى بتاريخ 13/9/1975:"ان انفجار الوضع اليوم يؤدي إلى سقوط لبنان وتحجيم المقاومة الفلسطينية وإلحاق الضرر الكبير بسوريا وبالقضية العربية، وهو لمصلحة العدو الإسرائيلي ". ولذا ألح منذ البدء في الدعوة إلى المصالحة الوطنية على أسس جديدة للوطن تحقق العدالة الاجتماعية ومعالجة الحرمان، وتصون جنوب لبنان". وكانت مطالبته بالأسس الجديدة للوطن منطلقة من نظرة عبر عنها في الجلسة المشار اليها بقول:" لم يتفق اللبنانيون منذ الاستقلال وعند إقرار تأسيس لبنان الكبير، على المبادئ الوطنية الأساسية، فاجتنبوا البحث فيها خوفاً من الانقسام، وعرضوا عن ذلك بالمجاملات واستعمال الكلمات ذات المعاني المتعددة ، وباختيار الحلول لمشاكلهم، حتى كاد أن لا نحس بوحدة الشعب اللبناني".
دعا الإمام الصدر لاقامة حوار وطني مهد له بمبادرته التي حققت بتاريخ 4/10/75 عقد مؤتمر قمة للرؤساء الدينيين لمختلف الطوائف اللبنانية ، نتج عنه:
التأكيد على وجوب استمرار تعايش الطوائف في لبنان ،
والدعوة إلى الحوار ووقف القتال،
وتبنى مطلب تحقيق العدالة الاجتماعية،
إنصاف المحرومين
والتمسك بالسيادة الوطنية
ورفض التقسيم
ودعم القضية الفلسطينية.
بتاريخ 27/11/75 أعلن الإمام الصدر ورقة للحوار الوطني، متضمنة مقترحات محددة للاصلاحات المنشودة في شتى الحقول. وعندما نادى رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء بتاريخ 30/11/75 بالمصالحة الوطنية ، سارع إلى التأييد.
ولما وقعت مجزرة السبت الأسود بتاريخ 6/12/75 وقُتل فيها حوالي مائتي شخص من أبناء الطائفة الاسلامية الشيعية من العمال الأبرياء فيما كانوا بأعمالهم في منطقة مرفأ بيروت، وأُحرقت بتاريخ 11/12/75 وبعده مساكن المسلمين واعتدي عليهم وهجروا من حارة الغوارنة وسبنيه ورويسات الجديدة وعين بياقوت والزلقا الواقعة ضمن مناطق ذات أكثرية مسيحية، وظهرت بوادر للتدخل الاسرائيلي في لبنان مع إقدام اسرائيل على إزالة الشريط الحدودي في بعض المواقع ودخول جيشها الأراضي اللبنانية وقيام طيرانها بتاريخ 2/12/75 بالقصف الجوي الواسع الذي أدى إلى تقديم لبنان شكوى أمام مجلس الأمن، في هذه الظروف أعلن الإمام الصدر في خطبة له في صور بتاريخ 21/12/75 أن ملامح تقسيم الوطن قد برزت، وحذر من مخاطر إقامة اسرائيل جديدة في لبنان وتصفية القضية الفلسطينية والاعتداء الاسرائيلي على الجنوب، ودعا للتدريب وحمل السلاح دفاعاً عن النفوس والوطن ومنعاً للتقسيم، وشدد على وجوب حماية الأقليات من الطوائف الأخرى المقيمة في مناطق إسلامية ، محذراً من الاعتداء والانتقام من الأبرياء، إلى جانب ذلك استمر بوجه النداءات لوقف القتال وإعادة النظام والسيادة الوطنية وللعودة إلى الحوار والتلاقي.
شارك الإمام الصدر في اجتماعات القمة الإسلامية التي تكونت من رؤساء الطوائف الإسلامية ورئيس الوزراء وبعض كبار الشخصيات الاسلامية السياسية، والتي رفضت الحكومة العسكرية المعينة بتاريخ 23/5/75، ورحبت بالمبادرة السورية التي أدت إلى " الوثيقة الدستورية" التي أعلنها رئيس الجمهورية اللبنانية بتاريخ 14/2/1976.
اعتبر " الوثيقة الدستورية" مدخلا للسلام النهائي في لبنان وأرضية للوفاق الوطني، وأن كل تعديل لها يجب أن يتم بالطرق الديمقراطية والحوار الهادىء في المستقبل، وعلى هذا الأساس استمر بتأييد الوساطة السورية الرامية إلى إنهاء الحرب وإجراء مصالحة وطنية ، وشجب بشدة استئناف القتال في أواخر آذار 1976 وتوسيع رقعته في الجبال.
بذل جهوداً لإزالة سوء التفاهم بين المقاومة الفلسطينية وبين سورية ، وتحمل لهذه الغاية مخاطر الانتقال مراراً إبان المعارك بين بيروت ودمشق، وأمن اللقاء بين الرئيس الاسد ورئيس منظمة التحرير الفلسطينية ، بحضوره وإسهامه في إنجاح المحادثات، بتاريخ 6/5/76، الأمر الذي أسهم في تأمين انعقاد مجلس النواب اللبناني بتاريخ 8/5/76 حيث تم انتخاب رئيس الجمهورية الجديد وتحقق بذلك استمرار السلطة الشرعية اللبنانية. واستأنف هذه الجهود خلال شهري حزيران وتموز 1976 عندما اهتزت العلاقات مجددا بين الطرفين.
عارض الإمام الصدر بشدة أعمال الجبهتين المتحاربتين في لبنان، في إنشاء "إدارات محلية" تابعة لهما، بديلة عن الادارات الرسمية ، وندد بهذه الاعمال في بيانه بتاريخ 27/4/76، معتبراً هذه الاعمال أنها تمهيد لتقسيم الوطن وناعتاً القائمين بها أنهم انفصاليون . وانتقل إلى بعلبك بتاريخ 23/7/76 يعمل على إحياء الادارات الرسمية في محافظة البقاع، ولبى المحافظ دعوته ابتداء من تاريخ 7/8/76 حيث عاد إلى مزاولة وظيفته وأعيد سير دوائر المحافظة
ثامناً- سعيه لإنهاء الحرب الداخلية في لبنان
أدرك الإمام الصدر أن إنهاء الحرب في لبنان يتطلب قراراً عربياً مشتركا. وأن هذا القرار يجب أن يسبقه وفاق وطني.
فانتقل الإمام الصدر إلى دمشق بتاريخ 23/8/76 ومنها انتقل إلى القاهرة بتاريخ 2/9/76، عاملا على تنقية الاجواء بين البلدين وتوحيد موقفيهما من حرب لبنان من أجل إنهائها . واستمر لغاية 13/10/76 متنقلا بين هذين البلدين وبين السعودية والكويت ومتصلا برئيس الجمهورية اللبنانية الجديد وبالمقاومة الفلسطينية ، ساعياً مع الملوك والرؤساء والمسؤولين العرب لتحقيق تضامن عربي يُنهي حرب لبنان. وأثمرت هذه المساعي مع مساعي مسؤولين عرب وانتهت بانعقاد مؤتمر قمة الرياض بتاريخ 16/10/76 الذي تلاه مؤتمر قمة القاهرة بتاريخ 25/10/76، وفيهما تقرر إنهاء الحرب اللبنانية وفرض ذلك بقوات الردع العربية.
مع دخول قوات الردع العربية ، دعا الإمام الصدر إلى الخروج من أجواء الحرب والالتفاف حول الشرعية اللبنانية والتمسك بوحدة لبنان الواحد وصيانة كيانه واستقلاله وإعادة بناء الوطن ومؤسساته. وأعلن بتاريخ 11/5/1977 ورقة عمل بمقترحات الاصلاحات السياسية والاجتماعية والمبادئ الاساسية لبناء لبنان الجديد متمسكا بصيغة التعايش بين طوائفه الدينية. ونادى بفضل الازمة اللبنانية عن أزمة الشرق الاوسط، وبوضع اتفاق بديل لإتفاق القاهرة في تنظيم العلاقات بين الدولة اللبنانية والمقاومة الفلسطينية .ودعا الحكم اللبناني لاتخاذ مواقف حازمه ممن يعرقلون مسيرة السلام والوفاق
تاسعاً- سعيه لإنقاذ جنوب لبنان
لم تدخل قوات الردع العربية جنوب لبنان، ولم تتمكن السلطة اللبنانية من بسط سيادتها على هذه المنطقة ، فانتقل إليها صراع الفئات والقوى التي كانت تتصارع على الآراضي اللبنانية الاخرى قبل دخول القوات المذكورة.
واشتدت محنة جنوب لبنان وباتت هذه المنطقة مسرحاً لأحداث خطيرة تهدد مصيرها، فيما الإمام الصدر يتابع مساعيه مع المسؤولين والقيادات في لبنان، ورؤساء بعض الدول العربية ، ويرفع صوته في الخطابات والأحاديث الصحفية والمناسبات ، ابتداء من أواخر سنة 1976 وطيلة سنة 1977 وفي أوائل سنة 1978 محذراً من كارثة في جنوب لبنان ومن خطر تعريضه للاحتلال الإسرائيل ولمؤامرات التوطين، وداعياً لتحقيق السلام في هذه المنطقة ولإعادة سلطة الدولة اللبنانية عليها. ولما حصل الاجتياح الإسرائيلي لهذه المنطقة بتاريخ 14/3/1978، واستقر الاحتلال الإسرائيلي في الشريط الحدودي من جنوب لبنان، قام الإمام الصدر بجولة جديدة على الدول العربية ، يعرض خلالها على الملوك والرؤساء العرب واقع الاوضاع في هذه المنطقة مطالباً بإبعاد لبنان عن ساحة الخلاف العربي وبعقد مؤتمر قمة عربية محدود يعالج قضية جنوب لبنان ويعمل على إنقاذه.
وبعد أن زار لهذه الغاية سوريا والاردن والسعودية والجزائر، انتقل إلى ليبيا بناء على إشارة من الرئيس الجزائري بومدين بتاريخ 25/8/1978
اخفاؤه في ليبيا
وصل الامام الصدر الى ليبيا بتاريخ25/8/1978 يرافقه فضيلة الشيخ محمد يعقوب والصحافي الاستاذ عباس بدر الدين ، في زيارة رسمية، وحلوا ضيوفاً على السلطة الليبية في "فندق الشاطئ" بطرابلس الغرب.
وكان الامام الصدر قد أعلن قبل مغادرته لبنان، أنه مسافر إلى ليبيا من أجل عقد اجتماع مع العقيد معمر القذافي.
أغفلت وسائل الاعلام الليبية أخبار وصول الامام الصدر إلى ليبيا ووقائع أيام زيارته لها، ولم تشر إلى أي لقاء بينه وبين العقيد القذافي أو أي من المسؤولين الليبيين الآخرين. وانقطع اتصاله بالعالم خارج ليبيا، خلاف عادته في أسفاره حيث كان يُكثر من اتصالاته الهاتفية يومياً بأركان المجلس الاسلامي الشيعي الاعلى في لبنان وبعائلته.
شوهد في ليبيا مع رفيقيه ، لآخر مرة ، ظهر يوم 31/8/1978.
بعد أن انقطعت أخباره مع رفيقيه، وأثيرت ضجة عالمية حول اختفاءه معهما، أعلنت السلطة الليبية بتاريخ 18/9/1978 أنهم سافروا من طرابلس الغرب مساء يوم31/8/1978 إلى ايطاليا على متن طائرة "أليطاليا".
وجدت حقائبه مع حقائب فضيلة الشيخ محمد يعقوب في فندق "هوليداي ان" في روما.
أجرى القضاء الايطالي تحقيقاً واسعاً في القضية انتهى بقرار اتخذه المدعي العام الاستئنافي في روما بتاريخ 12/6/79 بحفظ القضية بعد أن ثبت أن الامام الصدر ورفيقيه لم يدخلوا الأراضي الايطالية.
وتضمنت مطالعة نائب المدعي العام الايطالي المؤرخة في 19/5/79 الجزم بأنهم لم يغادروا ليبيا.
أبلغت الحكومة الايطالية رسمياً، كلاً من الحكومة اللبنانية والمجلس الاسلامي الشيعي الاعلى في لبنان، وحكومة الجمهورية العربية السورية، وحكومة الجمهورية الاسلامية الايرانية، أن الامام الصدر ورفيقيه لم يدخلوا الاراضي الايطالية ولم يمروا بها "ترانزيت".
أوفدت الحكومة اللبنانية بعثة أمنية إلى ليبيا وايطاليا، لاستجلاء القضية فرفضت السلطة الليبية السماح لها بدخول ليبيا، فاقتصرت مهمتها على ايطاليا حيث تمكنت من إجراء تحقيقات دقيقة توصلت بنتيجتها إلى التثبت من ان الامام الصدر ورفيقيه لم يصلوا إلى روما وأنهم لم يغادروا ليبيا في الموعد والطائرة اللذين حددتهما السلطة الليبية في بيانها الرسمي.
أعلن المجلس الاسلامي الشيعي الاعلى ، في بيانات عدة ، وخاصة في مؤتمرين صحفيين عقدهما نائب رئيس هذا المجلس في بيروت بتاريخ 31/8/79 و10/4/1980 مسؤولية العقيد القذافي شخصياً عن إخفاء الامام الصدر ورفيقيه، كما أعلنت هذه المسؤولية أيضاً منظمة التحرير الفلسطينية في مقال افتتاحي في صحيفتها المركزية "فلسطين الثورة - العدد 949 تاريخ 11/12/1979".
وأعلن أيضاً نائب رئيس المجلس الاسلامي الشيعي الاعلى، أن ملوكاً ورؤساء عرب أبلغوه وأبلغوا ممثلي المجلس مسؤولية العقيد القذافي عن هذا الإخفاء.
ميركل: مستشارة ألمانيا لولاية ثالثة
أكدت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل (59 عاماً) موقعها كأقوى امرأة سياسية في العالم، بعدما أصبحت أول زعيمة أوروبية يُعاد انتخابها منذ الأزمة المالية والاقتصادية التي عصفت بالاتحاد الأوروبي.
وحققت المستشارة المحافظة، أمس، نصراً شخصياً في الانتخابات التشريعية، حيث حصد حزبها، الاتحاد المسيحي الديموقراطي أكثر من 42 في المئة من الأصوات لتبقى بذلك على رأس المستشارية لولاية ثالثة، لكن بشرط التحالف مع المعارضة.
وعلى الأثر، أبدت ميركل سعادتها بـ«النتيجة الرائعة» التي حققها حزبها، ووعدت بـ«أربع سنوات جديدة من النجاح».
وقالت: «معاً سنقوم بكل ما في وسعنا لنجعل السنوات الأربع المقبلة أربع سنوات من النجاح لألمانيا».
لكن يبدو أنه سيكون عليها أن تشكل حكومة مع المعارضة الاشتراكية الديموقراطية، بحسب تقديرات شبكات التلفزيون.
فقد أتاحت لحزبها تحقيق أفضل نتيجة له منذ إعادة توحيد البلاد عام 1990 بحصوله على 42,5 في المئة من الأصوات بارتفاع نسبته تسع نقاط عن النتيجة التي حققها في الانتخابات الأخيرة عام 2009، حسب الأرقام التي أذاعتها شبكة التلفزيون العامة «ZDF».
وجاء حزبها متقدماً بفارق كبير عن الحزب الاشتراكي الديموقراطي الذي حصل على 26,5 في المئة (+3,5) ليبقى قريباً من أدنى مستوى في تاريخه الذي سجله قبل أربع سنوات.
إلا أن حليف ميركل الليبرالي، الحزب الديموقراطي الحر، خرج من البرلمان بعد فشله للمرة الأولى ما بعد الحرب في الحصول على نسبة الـ 5 في المئة اللازمة، إذ لم يحصد سوى 4,5 في المئة، حسب التقديرات الأولية.
في المقابل، حقق حزب جديد معارض لليورو باسم «البديل من أجل ألمانيا»، يطالب بالخروج من منطقة اليورو، قفزة كبيرة بحصوله على 4,8 في المئة من الأصوات، رغم عدم تحقيقه النسبة المطلوبة لدخول البرلمان، وذلك نظراً إلى حداثة عهده، حيث لم ينشأ إلا في الربيع الماضي. ويأمل هذا الحزب تشكيل قوة ضغط مستغلاً معارضة الكثير من الألمان لخطط الإنقاذ التي تقدم للدول الأوروبية التي تعاني أزمات اقتصادية.
كذلك سجل حزب الخضر تراجعاً واضحاً بحصوله على 8 في المئة (-2,7) وذلك بسبب سوء استراتيجية حملته الانتخابية والجدل الذي أثاره تساهله القديم حيال الاستغلال الجنسي للأطفال. وتراجع كذلك حزب اليسار بأكثر من ثلاث نقاط حيث حصد 8,5 في المئة.
وهكذا، فإن إجمالي أصوات اليسار بلغ 43 في المئة، وهي نتيجة أضعف من تلك التي سجلها في انتخابات عام 2009 التي حصد فيها 45,6 في المئة.
ومع ثاني أسوأ نتيجة له ما بعد الحرب، يبدو أن الحزب الاشتراكي الديموقراطي يجني نتيجة الحملة الفاشلة لزعيمه بيير شتاينبروك (66 عاماً) الذي ارتكب سلسلة من الهفوات، آخرها صورته وهو يرفع إصبعه الأوسط في إشارة بذيئة على غلاف إحدى المجلات قبل أسبوع من موعد الانتخابات.
وهكذا حصلت ميركل على أصوات 62 مليون ناخب ألماني اعتبروا أنها نجحت في إدارة أزمة اليورو وتمكنت من إنقاذ أول اقتصاد أوروبي.
فمنذ هذه الأزمة الاقتصادية، لم يفز أيّ من نظرائها في إسبانيا وفرنسا وإيطاليا أو في بريطانيا بولاية جديدة.
وفي ألمانيا ما بعد الحرب، وحدهما كونراد أديناور ومستشار التوحيد هيلموت كول، تمكنا من الفوز بثلاث ولايات في المستشارية.
وركزت ميركل التي تحكم أكبر بلد أوروبي من حيث عدد السكان، والتي تلقّب تودداً بـ«الأم» داخل حزبها، حملتها الانتخابية على شعبيتها الشخصية وحصيلة أدائها.
وقالت «تعلمون من أنا، إنكم تعرفونني، فقد نجحنا معاً في أن نجعل في 2013 عدداً كبيراً من الناس في وضع أفضل من 2009»، مشيرة الى انخفاض معدل البطالة في ألمانيا الى 6,8 في المئة.
لكن يبدو أنه لن يكون أمام ميركل خيار غير تشكيل حكومة ائتلافية مع الحزب الاشتراكي الديموقراطي، كما يرى المحللون.
وينذر مثل هذا «الائتلاف الكبير» بين أكبر حزبين في البلاد، كما حدث في ولايتها الأولى (2005 - 2009)، باتباع سياسة أكثر ميلاً الى اليسار، إذ إن الاشتراكيين الديموقراطيين ركزوا خلال حملتهم على المطالبة بزيادة الضرائب على الأكثر ثراءً وتحديد حد أدنى للأجور بنسبة 8,50 يورو في الساعة.
ورغم هذه النتائج المشجعة، سيكون على ألمانيا مواجهة العديد من التحديات حيث يوجد فيها أكبر عدد من ذوي الرواتب الدنيا في أوروبا، كما تعاني من أقل نسبة ولادات في العالم ما يشكل قنبلة موقوتة بالنسبة إلى اقتصادها.
وكان استطلاع لرأي الناخبين لدى خروجهم من مراكز الاقتراع قد أظهر أن تكتل المستشارة فاز بأكبر عدد من الأصوات في الانتخابات أمس، ما يمهد الطريق أمام تولّيها المستشارية لفترة ثالثة.
وأظهر الاستطلاع الذي أجرته محطة «ARD» التلفزيونية أن الكتلة المحافظة بزعامة ميركل، والتي تضم حزبها الاتحاد الديموقراطي المسيحي والاتحاد الاجتماعي المسيحي، حصلت على 42 في المئة من الأصوات، وهي أكبر حصيلة لهما منذ عام 1990.
200 قتيل وجريح بتفجير كنيسة في بيشاور
جاء الدور هذه المرة على الأقلية المسيحية في باكستان لتكون الطرف المستهدف من «الإرهاب» الذي حصد 75 قتيلاً على الأقل في أكبر هجوم يتعرض له المسيحيون في هذا البلد
قتل 75 شخصاً على الأقل وأصيب 125 آخرون بجروح، غالبيتهم في حال حرجة، أمس، في هجوم انتحاري مزدوج أمام كنيسة «جميع القديسين» لدى الخروج من قداس في بيشاور شمال غرب باكستان، في أكبر هجوم دموي تتعرض له الأقلية المسيحية في البلاد.
ووقع الهجوم الذي لم تعلن أي جهة مسؤوليته عنه، أمس في بيشاور كبرى مدن شمال غرب باكستان، المنطقة التي تتعرض بانتظام لهجمات دامية تنسب بمعظمها إلى مقاتلي حركة طالبان.
وذكر الشرطي محمد نور خان أن الانتحاري هاجم الكنيسة، بينما كان المصلون يغادرون بعد حضور قداس في الكنيسة الواقعة في حي كوهاتي غيت، مضيفاً إنه تم العثور على ساقي المهاجم اللتين فصلتا عن جسده.
كذلك، أكد المسؤول الإداري في المدينة صاحب زادة أنيس للصحافيين أن السلطات كانت تعلم أن هذه الكنيسة قد تتعرض لهجوم، لذلك نشرت قوات أمنية حولها. وأوضح «إننا في منطقة تشكل هدفاً محتملاً للإرهاب، وقد اتخذت تدابير خاصة لحماية هذه الكنيسة. ما زلنا في مرحلة الإغاثة، لكن عندما ينتهي ذلك سنحقق لمعرفة ما لم يتم فعله».
من جهته، أكد الطبيب أرشاد جواد من مستشفى ليدي ريدينغ العام الرئيسي في بيشاور لوكالة «فرانس برس» أن «75 شخصاً قتلوا وأصيب أكثر من 125» بالاعتداء.
بدوره، أكد وزير الصحة شوكت علي يوسفزاي هذه الحصيلة، مضيفاً إن الحكومة الإقليمية أعلنت الحداد لثلاثة أيام.
الحادث هو أكبر هجوم دموي يتعرض له المسيحيون في باكستان، البلد الذي يدين أكثر من 95% من سكانه بالإسلام، فيما يمثل المسيحيون 3% من التعداد السكاني، وغالباً ما يتعرضون للتمييز، لكن نادراً ما يستهدفون باعتداءات.
وفي أول تعليق له على الحادث، دان رئيس الوزراء الباكستاني نواز شرف بشدة الاعتداء، وأعرب في بيان عن تضامنه مع المسيحيين، مشدداً على أن «الإرهابيين ليس لديهم دين، وأن استهداف أبرياء مخالف لتعاليم الإسلام وكل الديانات الأخرى».
وأضاف شريف إن «هذه الأعمال الإرهابية الوحشية تدل على الحالة الذهنية العنيفة والإنسانية للإرهابيين».
من جهة أخرى، قالت مصادر في باكستان أمس إن الملا عبد الغني بارادار الرجل الثاني سابقاً في حركة طالبان، الذي تم الإفراج عنه في باكستان الأسبوع الماضي موجود في منزل آمن في مدينة كراتشي، في الوقت الذي تناقش فيه قوى إقليمية دوره في عملية السلام في أفغانستان.
وذكر مصدر استخباري لوكالة «رويترز» أن «الملا بارادار نقل جواً إلى كراتشي من بيشاور في وقت مبكر صباح الأحد. هو في مكان آمن في كراتشي». وأفرجت باكستان عن الملا عبد الغني برادار، الذي كان الذراع اليمنى لزعيم حركة طالبان الأفغانية الملا عمر، استجابة لطلب كابول، أملاً بأن يقوم بدور حاسم في الدفع بعملية السلام في أفغانستان.
وأوضحت إسلام آباد أن «الهدف من الإفراج عن الملا برادار الذي اعتقل مطلع 2010، هو تسهيل عملية المصالحة الأفغانية من أجل وضع حد للنزاع القائم منذ نحو 12 سنة بين حكومة كابل، التي يدعمها الحلف الأطلسي، ومقاتلي طالبان».