Super User

Super User

الأحد, 01 أيلول/سبتمبر 2013 07:38

حَقّ الْغَرِيمِ الطّالِبِ لَكَ

35. وَ أَمّا حَقّ الْغَرِيمِ الطّالِبِ لَكَ فَإِنْ كُنْتَ مُوسِراً أَوْفَيْتَهُ وَ كَفَيْتَهُ وَ أَغْنَيْتَهُ وَ لَمْ تَرْدُدْهُ وَ تَمْطُلْهُ فَإِنّ رَسُولَ اللّهِ (ص) قَالَ مَطْلُ الْغَنِيّ ظُلْمٌ وَ إِنْ كُنْتَ مُعْسِراً أَرْضَيْتَهُ بِحُسْنِ الْقَوْلِ وَ طَلَبْتَ إِلَيْهِ طَلَباً جَمِيلًا وَ رَدَدْتَهُ عَنْ نَفْسِكَ رَدّاً لَطِيفاً وَ لَمْ تَجْمَعْ عَلَيْهِ ذَهَابَ مَالِهِ وَ سُوءَ مُعَامَلَتِهِ فَإِنّ ذَلِكَ لُؤْمٌ وَ لا قُوّةَ إِلّا بِاللّهِ

الأحد, 01 أيلول/سبتمبر 2013 05:01

متطلبات عصر الإمام الصادق (ع)

بعد الوقوف على مظاهر الفساد والانحراف التي عمّت ميادين الحياة في عصر الإمام الصادق(ع)، نستطيع أن ندرك عمق المأساة التي كان الإمام (ع) قد واكبها منذُ نشأته حتى هذا التاريخ .

وفي هذا الظرف الذي خفّت فيه المراقبة بسبب ضعف الدولة الاُموية، وجد الإمام (ع) إنّ جانباً كبيراً من الإسلام قد أُقصي عن واقع الحياة، وأنّ قيم الجاهلية قد عادت تظهر للوجود ، وأنّ الصيغ الغريبة عن الدين أخذت تدخل في فهم القرآن والسنة الشريفة، وتسبّبت في تغيير مضمون الرسالة وجوهرها ، لاحظ أنّ الأمر أخذ يزداد تفاقماً في أواخر العهد الاُموي، الذي نمت فيه مدارسٌ فكريةٌ وتياراتٌ سياسيةٌ بعيدةٌ عن الإسلام ، وكان يرى(ع) أنّ الأكثرية الساحقة من الاُمة قد ركنت الى الطمع، بسبب ما شاهدته من صور الظلم والتعسف، الذي قد ارتكب بحقِّ كلِّ من كان يعترض على سياسة الحكّام المنحرفين عن الدين، كلّ هذه الاُمور قد لاحظها الإمام(ع) بدقّة، وبدأ يعالجها بكلِّ أناة. لنقرأ معاً حوار سدير الصيرفي مع الإمام (ع) :

قال سدير الصيرفيُّ: دخلت على أبي عبدالله (ع) فقلت له : والله ما يسعك القعود . فقال ولِمَ يا سدير ؟ قلت : لكثرة مواليك وشيعتك وأنصارك ، والله لو كان لأمير المؤمنين (ع) مالك من الشيعة والأنصار والموالي ما طمع فيه تيمٌ ولا عديٌّ.

فقال يا سدير : وكم عسى أن يكونوا ؟ قلت: مائة ألف . قال : مائة الف! قلت: نعم، ومائتي ألف فقال: ومائتي ألف ؟ قلت: نعم، ونصف الدنيا . قال : فسكت عني ثم قال : يخفُّ عليك أن تبلغ معنا الى ينبع(1)؟ قلت : نعم. فأمر بحمار وبغل أن يُسرَجا، فبادرت ، فركبت الحمار فقال : يا سدير ، أترى ، إنزل بنا نصلّي، ثم قال : هذه أرضٌ سبخةٌ لا تجوز الصلاة فيها فسرنا حتى صرنا الى أرض حمراءَ، ونظر الى غلام يرعى جداء(2).

فقال: والله يا سدير لو كان لي شيعةٌ بعدد هذه الجداءَ ما وسعني القعود. ونزلنا وصلّينا فلما فرغنا من الصلاةَ عطفتُ على الجداء، فعددتها فاذا هي سبعة عشر!(3).

فالإمام(ع) إزاء هذا الواقع المملوء بالفساد والضياع، قد وجد أنّ الأمر أحوج ما يكون الى إيجاد تيّار إسلامي أصيل يحمل قيم الرسالة التي جاء بها الرسول ((صلى الله عليه وآله وسلم)) ، ولابدّ أيضاً أن يتمَّ عزل الأمة عن الحكومات الظالمة، لئلا تكون مرتعاً لمظالمها ، فعن طريق غرس القيم الإسلامية، وإيجاد تيار فاعل يساهم في إجتثاث المظالم أو تقليلها يمكن التحرّك لإصلاح الواقع الفاسد، حيث إنّه قد يرغم الولاة على العدل استجابةً لإرادة قطّاع كبير من الاُمة حينما يرفض هذا القطّاع الكبير الاستبداد، ويدعو الى العدل بوعيٍّ إسلاميٍّ عميق.

لقد تخلّى الإمام الصادق (ع) عن ممارسة العمل المسلح ضد الحكّام المنحرفين بشكل مباشر، وكان موقفه هذا تعبيراً واقعياً عن اختلاف صِيَغِ العمل السياسيّ التي تحددها الظروف الموضوعية، وإدراكاً عميقاً منه لطبيعة العمل التغييريّ.

فالإمام (ع) حاول أن ينشر قيمه ومفاهيمه ودعوته بعيداً عن التصريحات السياسية الثورية، واتّجه نحو بناء تيار شعبيٍّ عامٍّ في الاُمة، كما ركّز على بناء الجماعة الصالحة الممثلة لخط أهل البيت ((عليهم السلام))، والإشراف عليها، وتنظيم أساليب عملها في مواجهة الانحراف المستشري في الأُمّة أيضاً، بحيث يجعلها كتلة مترابطةً في العمل والتغيير وإعداد أرضية صالحة تؤدي الى قلب الواقع الفاسد، على المدى القريب أو البعيد.

وقد استهدف الإمام (ع) في نشاطه الرساليِّ لونين من الانحراف.

اللون الأوّل: الانحراف السياسي المتمثل في زعامة الدولة (السلطة الحاكمة).

اللون الثاني: الانحراف العقائدي والفكري والأخلاقي ثم الانحراف السياسي عند الاُمة.

كما إتّجه الإمام(ع) في حركته التغييرية الشاملة الى حقلين مهمين:

أحدهما: الانفتاح العام والشامل على طوائف الاُمة واتجاهاتها السياسية والفكرية.

ثانيهما: مواصلة بناء جامعة أهل البيت ((عليهم السلام)) العلمية .

وكلا الحقلين يُعتبران من حقول النشاط العامَ وسنبحثهما في هذا الفصل من هذا الباب.

وأما حقل النشاط الخاص بمحاوره المتعددة، فيتلخّص في إكمال بناء الجماعة الصالحة. وهذا ما سنبحثه في الفصف الثالث من هذا الباب بإذن الله تعالى.

 

الانفتاح على الاتجاهات الفكرية والسياسية

ويقع البحث في هذا الحقل ضمن عدّة محاور:

1 ـ المحور العقائدي السياسي :

وفي هذا المحور ركّز الإمام على نشاطين هامّين:

النشاط الأوّل : التثقيف على عدم شرعيّة الحكومات الجائرة، ورتّب على ذلك تحريم الرجوع إليها لحل النزاع والخصومات كما ورد عنه : «إيّاكم أن يحاكم بعضكم بعضاً الى أهل الجّور، ولكن انظروا الى رجل منكم يعلم شيئاً من قضايانا فاجعلوه بينكم فإنّي قد جعلته قاضياً فتحاكموا إليه»(4).

وقال أيضاً: «إيّما مؤمن قدّم مؤمناً في خصومة الى قاض أو سلطان جائر فقضى عليه بغير حكم الله فقد شركه في الإثم»(5).

وعن أبي بصير عنه (ع) قال: « أيّما رجل كان بينه وبين أخ له مماراتٌ في حقّ فدعاه الى رجل من إخوانه ليحكم بينه وبينه فأبى إلاّ أن يرافعه الى هؤلاء ، كان بمنزلة الذين قال الله عزّ وجل: (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِن قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَن يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَن يَكْفُروا بِهِ)(6).

وعن عمر بن حنظلة قال : سألت أبا عبدالله عن رجلين من أصحابنا بينهما منازعةٌ في دَين أو ميراث فتحاكما الى السلطان أو الى القضاءَ أيحل ذلك ؟ فقال: «من تحاكم إليهم في حقٍّ أو باطل فإنّما تحاكم الى طاغوت وما يحكم له فانما يأخذ سحتاً وإن كان حقّه ثابتاً، لأنه أخذه بحكم الطاغوت، وقد أمر الله أن يكفر به قال الله تعالى: ( يُرِيدُونَ أَن يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَن يَكْفُروا بِهِ)»(7).

وفي توجيه آخر، حرّم أيضاً التعاون مع الأنظمة الجائرة، فمن توصياته بهذا الخصوص ، قوله (ع): «إنّ أعوان الظلمة يوم القيامة في سرادق من نار حتى يحكم الله بين العباد»(8).

وقال (ع) : «لا تُعِنْهم ـ أي حكّام الجّور ـ على بناء مسجد»(9).

وقال (ع) لبعض أصحابه: «يا عذافر نُبئت أنّك تعامل أبا أيوب والربيع فما حالك إذا نودي بك في أعوان الظلمة ؟ ! ! »(10).

وعن عليّ بن حمزة، قال كان لي صديقٌ من كتّاب بني اُمية فقال لي: استأذن لي على أبي عبدالله (ع) فاستأذنت له، فلما دخل سلّم وجلس، ثم قال: جُعلت فداك إنّي كنت في ديوان هؤلاء القوم، فأصبت من دنياهم مالاً كثيراً، وأغمضت في مطالبه.

فقال أبو عبدالله (ع): «لو أنّ بني اُمية لم يجدوا من يكتب لهم، ويجبي لهم الفيء(11) ويقاتل عنهم، ويشهد جماعتهم ، لما سلبونا حقّنا، ولو تركهم الناس وما في أيديهم، ما وجدوا شيئاً إلاّ وقع في أيديهم». فقال الفتى : جُعلت فداك فهل لي من مخرج منه ؟

قال: إن قلت لك تفعل ؟ قال: أفعل، قال: «اخرج من جميع ما كسبت في دواوينهم، فمن عرفت منهم رددت عليه ماله، ومَن لم تعرف تصدّقت به»(12).

النشاط الثاني: مارس فيه التثقيف على الصيغة السياسية السليمة، من خلال تبيان موقع الولاية المغتصب واستخدم الخطاب القرآنيّ في هذا المجال، الذي حاولت فيه المدارس الفكرية الأُخرى، تجميد النصّ بحدود الظاهر. فقد علّق(ع) على قوله تعالى : ( وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَات فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاماً قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَتِي قَالَ لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ)(13).

بأنّ الله عزّ وجلّ اتخذ إبراهيم عبداً قبل أن يتخذه نبيّاً، وأنّ الله اتّخذه نبيّاً قبل أن يتّخذه رسولاً، وأنّ الله اتّخذه رسولاً قبل أن يتخذه خليلاً وأنّ الله اتخذه خليلاً قبل أن يتخذه إماماً، فلما جمع له الأشياء قال: (إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاماً).

قال (ع): «فَمِنْ عِظَمِها ـ أي الإمامة ـ في عين إبراهيم (ع) قال: ومن ذرّيتي ؟ قال: لا ينال عهدي الظالمين، قال: لا يكون السفيه إمام التقي»(14).

كما فسّر (ع) قوله تعالى: (صِبْغَةَ اللّهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللّهِ صِبْغَةً وَنَحْنُ لَهُ عَابِدُونَ)(15) بأنّ الصبغة هي الإسلام(16)، وفي قول آخر عنه (ع) بأنّ الصبغة هي صبغ المؤمنين بالولاية ـ يعني الولاية لإمام الحقِّ. أمير المؤمنين(ع) ـ في الميثاق(17).

وعلّق العلاّمة الطباطبائي على ذلك بقوله: وهو من باطن الآية(18).

كما نجده(ع) يتحدث عن الإمام امير المؤمنين، ويذكّر الناس بحديث الغدير، ذلك الحدث السياسيُّ الخطير في حياه الاُمّة، ويذكّرهم به لئلا يتعرّض هذا الحدث للنسيان والإلغاء . قال في حقِّ عليٍّ (ع): «المدعو له بالولاية المثبت له الإمامة يوم غديم خم، بقول الرسول((صلى الله عليه وآله)) عن الله عزّ وجلّ: ألست أولى بكم من أنفسكم؟ قالوا: بلى قال: فمن كنت مولاه فعلىٌّ مولاه، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه وانصر من نصره واخذل من خذله وأعن من أعانه(19).

وعندما التقى وفدٌ من المعتزلة في مستوىً رفيع، ضمّ أعلامهم ورؤوسهم فكان من بينهم عمرو بن عبيد وواصل بن عطاء وحفص بن سالم، وذلك بعد قتل الوليد واختلاف أهل الشام، وقد أجمع رأي المعتزلة على محمّد ابن الحسن للخلافة الإسلامية، وبعد أن أسندوا أمرهم في الرأي الى زعيمهم الروحي عمرو بن عبيد، ودار حوار طويل بينه وبين الإمام خاطبه الإمام قائلاً: «يا عمرو لو أنّ الاُمة قلّدتك أمرها فملكته بغير قتال، ولا مؤنة فقيل لك: ولِّها من شئت، من كنت تولّي؟»

وبادر عمرو فقال: أجعلها شورى بين المسلمين.

قال: «بين كلهم؟» قال: نعم. قال: «بين فقهائهم وخيارهم؟» قال نعم... قال: «قريش وغيرهم؟» قال: قال له: العرب والعجم؟

قال (ع): أخبرني يا عمرو أتتولّى أبا بكر وعمر؟ أو تتبرّأ منهما؟ قال: أتولاّهما.

فقال له الإمام (ع): «يا عمرو إن كنت رجلاً تتبرّأ منهما فانه يجوز لك الخلاف عليهما، وإنت كنت تتولاّهما فقد خالفتهما . فقد عهد عمر الى أبي بكر فبايعه ، ولم يشاور أحداً، ثم ردّها أبو بكر عليه ولم يشاور احداً، ثم جعلها عمر شورى بين ستة، فأخرج منها الأنصار غير اُولئك الستة من قريش، ثم أوصى الناس فيهم ـ أي في الستة الذين انتخبهم ـ بشيء ما أراك ترضى أنت ولا أصحابك به.

وسأل عمرو الإمام (ع) عما صنع عمر قائلاً: ما صنع ؟

قال الإمام (ع): «أمر صهيباً أن يصلي بالناس ثلاثة أيام، وأن يتشاور أُولئك الستّة ليس فيهم أحد سواهم إلاّ ابن عمر، ويشاورونه ، وليس له من الأمر شيءٌ، وأوصى من كان بحضرته من المهاجرين والأنصار إن مضت ثلاثة أيّام ولم يفرغوا ويبايعوا ، أن تضرب أعناق الستة جميعاً وإن اجتمع أربعةٌ قبل أن يمضي ثلاثة أيّام وخالف اثنان أن يضرب أعناق الاثنين.. أفترضون بذا فيما تجعلون من الشورى بين المسلمين؟»(20).

 

2 ـ المحور الثقافي والفكري:

أـ مواجهة التيارات الإلحادية :

ومن الخطوات التي خطاها الإمام (ع) هي مواجهة الأفكار الإلحادية سابقة الذكر، حيث ناقشها بعدة أساليب حتى استفرغ محتواها ووقف أمام تحقيقها لأهدافها .

نختار نماذج من تحرّك الإمام ونشاطه في هذا المجال .

1 ـ جرت بين الإمام وأحد أقطاب حركة الكفر والإلحاد (أبو شاكر الديصاني ) عدة مناظرات أفحمه الإمام فيها، وأبطل مزاعمه الواهية وكان من بينها المناظرة التي وجّه فيها أبو شاكر السؤال التالي للإمام (ع) : قائلاً: ما الدليل على أنّ لك صانعاً ؟

فأجابه الإمام (ع) : « وجدت نفسي لا تخلو من إحدى جهتين : إما أن أكون صنعتها أنا أو صنعها غيري. فإن كنت صنعتها فلا أخلو من أحد معنيين : إمّا أن أكون صنعتها وكانت موجودةً فقد استغنيت بوجودها عن صنعتها ، وإن كانت معدومةً فإنك تعلم أنّ المعدوم لا يحدث شيئاً ، فقد ثبت المعنى الثالث: أنّ لي صانعاً وهو ربّ العالمين»(21).

2 ـ دخل الديصاني على الإمام الصادق (ع) فقال له : يا جعفر بن محمّد دُلّني على معبودي . . . وكان الى جانب الإمام غلام بيده بيضة فأخذها منه ، وقال له : « يا ديصاني هذا حصنٌ مكنونٌ له جلدٌ غليظٌ وتحت الجلد الغليظ جلد رقيق ، وتحت الجلد الرقيق ذهبةٌ مائعة وفضّةٌ ذائبةٌ فلا الذهبة المائعة تختلط بالفضة الذائبة ولا الفضة الذائبة تختلط بالذهبة المائعة ، فهي على حالها لم يخرج منها خارجٌ مصلحٌ فيخبر عن صلاحها ، ولا دخل فيها داخلٌ مفسدٌ فيخبر عن فسادها ، لا يُدرى للذكر خُلقت أم للانثى ، تنفلق عن مثل ألوان الطواويس ، أترى لها مدبّراً ؟ » .

وأطرق الديصاني مليّاً الى الأرض ، وأعلن التوبة والبراءة ممّا قاله(22).

3 ـ ووفد زنديقٌ آخرُ على الإمام (ع) وهو من الزنادقة البارزين في عصر الإمام الصادق (ع) وقد قدّم للإمام عدة مسائل حسّاسة فأجاب عنها الإمام(ع) نذكر بعضاً منها :

1 ـ سأله : كيف يعبد اللهَ الخلقُ ولم يروه ؟

فأجابه (ع) : « رأته القلوب بنور الإيمان ، وأثبتته العقول بيقظتها إثبات العيان وأبصرته الأبصار بما رأته من حسن التركيب وإحكام التأليف ، ثم الرسل وآياتها، والكتب ومحكماتها، واقتصرت العلماء على ما رأت من عظمته دون رؤيته»(23).

ويتضمّن جواب الإمام (ع) بعض الأدلة الوجدانية على وجود الخالق من خلقه للمجرّات في الفضاء، والتي لا تعتمد على شيء سوى قدرة الله تعالى. ثمّ إنّ العقول الواعية والقلوب المطمئنّة بالإيمان هي التي ترى الله بما تبصره من بدائع مخلوقاته ، إذ الأثر يدلّ على المؤثّر والمعلول يدلّ على علّته.

2 ـ وسأله : من أين أثبت أنبياءَ ورسلاً ؟

فأجاب (ع) : « إنا لمّا أثبتنا أنّ لنا خالقاً ، صانعاً ، متعالياً عنّا، وعن جميع ما خلق وكان ذلك الصانع حكيماً ، لم يجز أن يشاهده خلقه ، ولا أن يلامسوه ولا أن يباشرهم ويباشروه، ويحاجّهم ويحاجّوه، ثبت أنّ له سفراء في خلقه، وعبّاداً يدلّونهم على مصالحهم ومنافعهم، وما به بقاؤهم ، وفي تركه فناؤهم. فثبت الآمرون والناهون عن الحكيم العليم في خلقه، وثبت عند ذلك أنّ له معبّرين هم أنبياء الله وصفوته من خلقه، حكماء مؤدّبين بالحكمة مبعوثين عنه، مشاركين للناس في أحوالهم على مشاركتهم لهم في الخلق والتركيب، مؤيّدين من عند الحكيم العليم بالحكمة والدلائل والبراهين والشواهد من إحياء الموتى وإبراء الأكمه والأبرص ، فلا تخلو الأرض من حجة يكون معه علمٌ يدلّ على صدق مقال الرسول ووجود عدالته.

وأضاف الإمام الصادق (ع) قائلاً : « نحن نزعم أنّ الأرض لا تخلو من حجّة ولا تكون الحجّة إلاّ من عقب الأنبياء وما بعث الله نبياً قطّ من غير نسل الأنبياء ، وذلك أن الله شرع لبني آدم طريقاً منيراً، وأخرج من آدم نسلاً طاهراً طيّباً، أخرج منه الأنبياء والرسل، هم صفوة الله وخلص الجوهر، طهروا في الأصلاب، وحفظوا في الأرحام، لم يصبهم سفاح الجاهلية ولا شاب أنسابهم، لأنّ الله عزّوجلّ جعلهم في موضع لا يكون أعلى درجة وشرفاً منه، فمن كان خازن علم الله ، وأمين غيبه، ومستودع سرّه، وحجّته على خلقه، وترجمانه ولسانه لا يكون إلاّ بهذه الصفة، فالحجّة لا تكون إلاّ من نسلهم، يقوم مقام النبي ((صلى الله عليه وآله)) في الخلق بالعلم الذي عنده وورثه عن الرسول، إن جحده الناس سكت، وكان بقاء ما عليه الناس قليلاً ممّا في أيديهم من علم الرسول على اختلاف منهم فيه، قد أقاموا بينهم الرأي والقياس، وانّهم إن أقرّوا به وأطاعوه وأخذوا عنه ظهر العدل، وذهب الاختلاف والتشاجر، واستوى الأمر، وأبان الدين، وغلب على الشك اليقين، ولا يكاد أن يقرّ الناس به، ولا يطيعوا له، أو يحفظوا له بعد فقد الرسول، وما مضى رسولٌ ولا نبيٌّ قط لم تختلف اُمّته من بعده»(24).

3 ـ وسأله : ما يصنع بالحجة إذا كان بهذهِ الصفة؟

فأجابه (ع) : «يُقتدى به ، ويخرج عنه الشيء بعد الشيء، مكانه منفعة الخلق، وصلاحهم فإن أحدثوا في دين الله شيئاً أعلمهم، وإن زادوا فيه أخبرهم، وإن نقصوا منه شيئاً أفادهم»(25).

وبهذا المستوى من الحوار وعمقه، يستمرّ الإمام(ع) في أجوبته العملاقة حتى تصل الأسئلة والأجوبة الى خمسة وتسعين(26) ، ونظراً لسعتها اقتصرنا على الثلاثة الاُول منها .

 

ب ـ مواجهة تيار الغلوّ

لقد كان موقف الإمام الصادق(ع) من تيّار الغلوّ وحركة الغلاة حازماً وصارماً، فقال لسدير: «يا سدير سمعي وبصري وشعري وبشري ولحمي ودمي من هؤلاء براءٌ، برئ الله منهم ورسوله ما هؤلاء على ديني ودين آبائي والله لا يجمعني وإيّاهم يومٌ إلاّ وهو عليهم ساخطٌ»(27).

وقال ميسرة : ذكرت أبا الخطّاب عند أبي عبدالله (ع) وكان متكأً فرفع إصبعه الى السماء ثم قال: «على أبي الخطّاب لعنة الله والملائكة والناس أجمعين فأشهد بالله أنّه كافرٌ فاسقٌ مشركٌ، وأنه يحشر مع فرعون في أشدّ العذاب غدواً وعشيّاً، ثم قال : والله والله إنّي لأنفس على أجساد أصيبت معه النار»(28).

وقال عيسى بن أبي منصور : سمعت أبا عبدالله (ع) يقول ـ وقد ذكر

أبا الخطّاب ـ : «اللّهم العن أبا الخطّاب فإنه خوّفني قائماً وقاعداً وعلى فراشي اللّهم

أذقه حر الحديد»(29).

وكان موقفه (ع) صلباً أمام هذه الطائفة الخطيرة على الإسلام ، وما كان ليستريح طرفة عين حتى أحبط مؤامرتها وما ضمّته من الحقد اليهودي ودسائسه التاريخية على الإسلام، ولو كان قد تراخى وفتر عنها لحظة لكانت تقصم ظهر التشيع .

ونلمس في الروايتين التاليتين حرقة الإمام وألمه الشديد ومخافته من تأثيرهذه الدعوة الضالّة على الاُمّة وشعارها المزيّف بحبّها لأهل البيت((عليهم السلام))، فعن عنبسةَ بن مصعب قال : قال لي أبو عبدالله (ع): «أي شيء سمعت من أبي الخطاب ؟» قلت: سمعته يقول : إنّك وضعت يدك على صدره وقلت له: عه ولا تنسَ. وأنت تعلم الغيب. وأنك قلت هو عيبة علمنا وموضع سرّنا أمين على أحيائنا وأمواتنا.

فقال الإمام الصادق : «لا والله ما مسّ شيءٌ من جسدي جسده، وأما قوله أني قلت : إني اعلم الغيب فوالله الذي لا إله إلا هو ما أعلم الغيب(30) ولا آجرني الله في أمواتي ولا بارك لي في أحبّائي إن كنت قلت له ! وأمّا قوله إني قلت: هو عيبة علمنا وموضع سرّنا وأمين على أحيائنا وأمواتنا فلا آجرني الله في أمواتي ولا بارك لي في أحيائي إن كنت قلت له من هذا شيئاً من هذا قط»(31).

وقال الإمام (ع) لمرازم : «قل للغالية توبوا الى الله فإنكم فسّاقٌ كفّارٌ مشركون».

وقال (ع) له: «إذا قدمت الكوفة فأتِ بشّار الشعيري وقل له: يقول لك جعفر بن محمّد : يا كافر يا فاسق أنا بريءٌ منك . قال : مرازم فلمّا دخلت الكوفة قلت له: يقول لك جعفر بن محمّد : يا كافر يا فاسق يا مشرك أنا بريءٌ منك. قال بشار: وقد ذكرني سيدي؟! قلت: نعم ذكرك بهذا. قال: جزاك الله خيراً»(32).

لاحظ الخبث وطول الأناة وعمق التخطيط، حيث يذهب هذا الخبيث ليلتقي بالامام (ع) بعد كلِّ الذي سمعه. ولما دخل بشار الشعيري على لإمام (ع) قال له: «اُخرج عني لعنك الله والله لا يظلّني وإيّاك سقفٌ أبداً. فلمّا خرج، قال(ع) : ويله ما صغّر الله أحداً تصغير هذا الفاجر ، إنّه شيطانٌ خرج ليغوي أصحابي وشيعتي فاحذروه ، وليبلّغ الشاهدُ الغائب إني عبدالله وابن أمته ضمّتني الأصلاب والأرحام وإنّي لميّتٌ ومبعوثٌ ثم مسؤولٌ»(33).

 

ج ـ طرح المنهج الصحيح لفهم الشريعة:

إنّ الإمام الصادق(ع)، في الوقت الذي كان يواجه هذه التيارات الإلحادية الخطيرة على الاُمّة كان مشغولاً أيضاً بمواجهة التيّارات التي تتبنّى المناهج الفقهية التي تتنافى مع روح التشريع الإسلامي، والتي تكمن خطورتها في كونها تُعرّض الدين الى المحق الداخلي والتغيير في محتواه، من هنا كان الإمام(ع) ينهى أصحابه عن العمل بها حتّى قال لأبان: «يا أبان! إنّ السُنة إذا قيست محق الدين»(34).

وكان للإمام نشاطٌ واسعٌ لإثبات بطلان هذه المناهج وبيان عدم شرعيتها.

لقد كان أبو حنيفة يتبنّى مذهب القياس، ويعمل به كمصدر من مصادر التشريع في استنباط الأحكام ، لكنّ الإمام(ع) كان ينكر عليه ذلك ويبيّن له بطلان مذهبه.

وإليك بعض المحاورات التي جرت بينه وبين الإمام(ع) :

ذكروا أنه وفد ابن شبرمة مع أبي حنيفة على الإمام الصادق (ع) فقال لابن شبرمة: «مَن هذا الذي معك؟»

فأجابه قائلاً : رجلٌ له بصرٌ، ونفاذٌ في أمر الدين.

فقال له (ع) : « لعله الذي يقيس أمر الدين برأيه ؟» فأجابه: نعم.

والتفت الإمام (ع) الى أبي حنيفة قائلاً له: «ما اسمك ؟» فقال: النعمان.

فسأله (ع) : «يا نعمان ! هل قست رأسك ؟»

فأجابه : كيف أقيس رأسي؟.

فقال له (ع) : « ما أراك تحسن شيئاً. هل علمت ما الملوحة في العينين ؟ والمرارة في الاُذنين ، والبرودة في المنخرين، والعذوبة في الشفتين؟» .

فبهر أبو حنيفة وأنكر معرفة ذلك ووجّه الإمام إليه السؤال التالي: « هل علمت كلمة أوّلها كفرٌ، وآخرها إيمانٌ؟» فقال: لا .

والتمس أبو حنيفة من الإمام أن يوضّح له هذه الاُمور فقال له (ع) : «أخبرني أبي عن جدّي رسول الله ((صلى الله عليه وآله)) أ نّه قال: إنّ الله تعالى بفضله ومنّه جعل لابن آدم الملوحة في العينين ليلتقطا ما يقع فيهما من القذى ، وجعل المرارة في الاُذنين حجاباً من الدوابّ فإذا دخلت الرأس دابّةٌ، والتمست الى الدماغ ، فإن ذاقت المرارة التمست الخروج، وجعل الله البرودة في المنخرين يستنشق بهما الريح ولولا ذلك لانتن الدماغ ، وجعل العذوبة في الشفتين ليجد لذة استطعام كلٌّ شيء»(35).

والتفت أبو حنيفة الى الإمام (ع) قائلاً : أخبرني عن الكلمة التي أوّلها كفرٌ وآخرها إيمانٌ؟

فقال له (ع) : «إن العبد إذا قال: لا إله فقد كفر فإذا قال إلاّ الله فهو الإيمان»(36).

وأقبل الإمام على أبي حنيفة ينهاه عن العمل بالقياس حيث قال له: « يا نعمان حدثني أبي عن جدي رسول الله ((صلى الله عليه وآله)) إنه قال : أوّل من قاس أمر الدين برأيه إبليس ، قال له الله تعالى : اسجد لآدم فقال: (أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَار وَخَلَقْتَهُ مِن طِين) »(37).

والتقى أبو حنيفة مرّةً اُخرى بالإمام الصادق (ع) فقال له الإمام : « ما تقول في مُحرم كسر رباعية ظبيٍّ؟».

فأجابه أبو حنيفة: ياابن رسول الله ما أعلم ما فيه .

فقال له (ع) : « ألا تعلم أن الظبيَّ لا تكون له رباعيةٌ، وهو ثنيٌ أبداً ؟!»(38).

ثم التقى أبو حنيفة مرّة ثالثة بالإمام الصادق ، وسأله الإمام (ع) عن بعض المسائل ، فلم يجبه عنها.

وكان من بين ما سأله الإمام هو : « أيّهما أعظم عند الله القتل أو الزنا ؟» فأجاب: بل القتل.

فقال (ع) : « كيف رضي في القتل بشاهدين، ولم يرضَ في الزنا إلاّ بأربعة؟»

وهنا لم يمتلك أبو حنيفة جواباً حيث ردّ الإمام قياسه بشكل واضح.

ثم وجّه الإمام (ع) الى أبي حنيفة السؤال التالي : «الصلاة أفضل أم الصيام؟» فقال: بل الصلاة أفضل .

فقال الإمام (ع) : « فيجب ـ على قياس قولك ـ على الحائض قضاء ما فاتها من الصلاة في حال حيضها دون الصيام ، وقد أوجب الله تعالى قضاء الصوم دون الصلاة؟!»(39).

وبهذا أراد الإمام أن يثبت لأبي حنيفة أنّ الدين لا يُدرك بالقياس والاستحسان. ثم أخذ الإمام يركّز على بطلان مسلكه القياسيّ فوجّه له سؤالاً آخر هو : « البول أقذر أم المني ؟» فقال له : البول أقذر .

فقال الإمام (ع) : « يجب على قياسك أن يجب الغسل من البول; لأنه أقذر، دون المنيّ ، وقد أوجب الله تعالى الغسل من المني دون البول»(40).

ثم استأنف الإمام (ع) حديثه في الردّ عليه قائلاً: « ما ترى في رجل كان له عبد فتزوّج ، وزوّج عبده في ليلة واحدة فدخلا بأمرأتيهما في ليلة واحدة، ثم سافرا وجعلا إمرأتيهما في بيت واحد وولدتا غلامين فسقط البيت عليهم فقتلت المرأتان ، وبقي الغلامان أيهما في رأيك المالك ؟ وأيّهما المملوك وأيّهما الوارث ؟ وأيّهما الموروث؟»(41).

وهنا أيضاً صرح أبو حنيفة بعجزه قائلاً : إنما أنا صاحب حدود .

وهنا وجّه اليه الإمام السؤال التالي : « ما ترى في رجل أعمى فقأ عين صحيح، وقطع يد رجل كيف يقام عليهما الحدّ ؟».

واعترف مرةً اُخرى بعجزه فقال: أنا رجلٌ عالمٌ بمباعث الأنبياء...

وهنا وجّه له الإمام السؤال التالي: « أخبرني عن قول الله لموسى وهارون حين بعثهما الى فرعون (لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى)(42) ـ ولعلّ منك شكّ ؟) فقال: نعم. فقال له الإمام (ع) : « وكذلك من الله شكّ إذ قال : لعله ؟ ! » فقال : لا علم لي(43).

وأخذ الإمام باستفراغ كل ما في ذهن أبي حنيفة من القياس قائلاً له : « تزعم أنك تفتي بكتاب الله ، ولست ممّن ورثه ، وتزعم أنك صاحب قياس، وأوّل من قاس إبليس لعنه الله ولم يُبنَ دينُ الإسلام على القياس وتزعم أنك صاحب رأيٍّ، وكان الرأي من رسول الله ((صلى الله عليه وآله)) صواباً ومن دونه خطأً، لأنّ الله تعالى قال: (فَاحْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَرَاكَ اللّهُ)(44) ولم يقل ذلك لغيره ، وتزعم أنك صاحب حدود، ومن أُنزلت عليه أولى بعلمها منك وتزعم أنك عالم بمباعث الأنبياء، وخاتم الأنبياء أعلم بمباعثهم منك .

لولا أن يقال دخل على إبن رسول الله ((صلى الله عليه وآله)) فلم يسأله عن شيء ما سألتك عن شيء. فقس إن كنت مقيساً.

وهنا قال أبو حنيفة للإمام (ع) : لا أتكلم بالرأي والقياس في دين الله بعد هذا المجلس.

وأجابه الإمام (ع) : كلاّ إنّ حبّ الرئاسة غير تاركك كما لم يترك من كان قبلك »(45).

وهكذا وقف الإمام (ع) موقفاً لا هوادة فيه ضدّ هذه التوجّهات الخطيرة على الإسلام، فكثّف من نشاطه حولها، ولاحق العناصر التي كانت تتبنّى هذه الأفكار الدخيلة ليغيّر من قناعاتها .

ونجد للإمام (ع) موقفاً مع ابن أبي ليلى وهو القاضي الرسمي للحكومة الاُموية وكان يُفتي بالرأي قبل أبي حنيفة وقد قابل الإمام الصادق (ع) وكان معه سعيد بن أبي الخضيب فقال (ع) : « من هذا الذي معك ؟» قال سعيد : ابن أبي ليلى قاضي المسلمين(46).

فسأله الإمام (ع) قائلاً : «تأخذ مال هذا فتعطيه هذا وتفرّق بين المرء وزوجه ولا تخاف في هذا أحداً ؟!» قال: نعم .

قال : «بأيّ شيء تقضي ؟» قال: بما بلغني عن رسول الله((صلى الله عليه وآله)) وعن أبي بكر وعمر.

قال: فبلغك أنّ رسول الله ((صلى الله عليه وآله)) قال: « أقضاكم عليّ بعدي؟» قال : نعم قال: « كيف تقضي بغير قضاء عليّ ، وقد بلغك هذا ؟»

وهكذا عرف ابن أبي ليلى أنه قد جانب الحقّ فيما حكم وأفتى به.

ثم قال له الإمام (ع) : « التمس مثلاً لنفسك ، فوالله لا اُكلّمك من رأسي كلمة أبداً»(47).

وقال نوح بن درّاج(48) لابن أبي ليلى : أكنت تاركاً قولاً قلته أو قضاء قضيته لقول أحد؟ قال: لا ، إلاّ رجلٌ واحدٌ، قلت : مَنْ هو ؟ قال: جعفر بن محمّد (ع)(49).

 

د ـ مواجهة التحريف والاستغلال السياسي للقرآن ومفاهيمه:

قام الإمام الصادق(ع) بحماية القرآن وصيانته من عملية التوظيف السياسيّ التي تجعل النصّ القرآنيّ خادماً لأغراض سياسيّة مشبوهة تحاول إسباغ طابع شرعيٍّ على الحكم الظالم، وشلِّ روح الثورة، وإطفاء روح المقاومة في نفوس الاُمّة، وبالتالي اسقاط شرعيّة القوى الرافضة لهذهِ النظم الظالمة، حتى قيل في تفسير قوله تعالى : (وَمِنَ النَّاسِ مَن يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ* وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الْفَسَادَ)(50).

أنّها قد نزلت في عليّ بن أبي طالب(ع)(51).

كما زيّف الإمام(ع) النظرة الجامدة للنصّ القرآنيِّ والتي تحاول تعطيله عن المواكبة للواقع المتغيّر والمتطور وحبسه في حدود الظاهر، ولم يسمح بالتأويل الباطنيّ الفاسد . كما قاوم بعنف التفسير الذي يعتمد الرأي بعيداً عن الأحاديث الصحيحة الواردة عن الرسول ((صلى الله عليه وآله)) وأهل بيته المعصومين ((عليهم السلام)).

قال (ع) : « من فسّر القرآن برأيه إن أصاب لم يؤجر، وإن أخطأ كان إثمه عليه»(52).

قال(ع): « الراسخون في العلم أمير المؤمنين والأئمة من بعده »(53). وقال أيضاً: «نحن الراسخون في العلم ونحن نعلم تأويله »(54) وجاء عن زيد بن معاوية عن الإمام الصادق (ع) في تفسير قول الله عزّوجلّ : (وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ)(55)، «فرسول الله ((صلى الله عليه وآله)) أفضل الراسخين في العلم قد علّمه الله عزّوجلّ جميع ما أنزل عليه من التنزيل والتأويل ، وما كان الله لينزل عليه شيئاً لم يعلّمه تأويله وأوصياؤه من بعده يعلمونه كلّه»(56).

وجاء عنه (ع) في تفسير قوله تعالى : (بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ)(57)، «أ نّهم هم الأئمة »(58) .

ودخل عليه الحسن بن صالح بن حيّ فقال له : يابن رسول الله ! ما تقول في قوله تعالى : (أَطِيعُوا اللّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمْرِ مِنْكُمْ)(59)؟ من اُولو الأمر الذين أمر الله بطاعتهم ؟ قال: «العلماء».

فلما خرجوا قال الحسن : ما صنعنا ! ألا سألناه من هؤلاء العلماء ؟!

فرجعوا إليه، فسألوه فقال: « الأئمة منّا أهل البيت »(60).

لقد ثبّت (ع) بأن فهم القرآن لا يتمّ إلاّ بالرجوع الى ما جاء عن الرسول ((صلى الله عليه وآله)) وأهل بيته ((عليهم السلام)) لأنه يضمن الفهم الصحيح لنصوص القرآن الكريم.

كما أنّه فتح آفاقاً جديدةً لفهم القرآن وعلومه، وأحكامه، فحدّد المحكم والمتشابه، والتأويل والتفسير، والمطلق والمقيّد والجري والانطباق ... الى غيرها من شؤون القرآن الكريم.

 

3 ـ المحور الروحي والأخلاقي:

لاحظ الإمام الصادق (ع) تأثير موجات الانحراف الفكريّ والسياسيّ على الاُمّة ومدى إفسادها لعقول الناس، وما لعبته سياسة الاُمويين من خلق أجواء ملائمة لطغيان النزعات الإلحادية والقبلية حتى عمّ الانفلات الأخلاقي، كما كثر في زمانه (ع) رفع شعار الورع والتقوى. كل ذلك أفقد الاُمّة قيمها وأبعدها عن الأخلاق التي أمر بها الرسول ((صلى الله عليه وآله)) وأرادها لاُمّته .

من هنا كان دور الإمام (ع) وتوجّهه الروحي والأخلاقي مع الاُمة في عدّة أبعاد:

البعد الأوّل : كونه (ع) القدوة الصالحة والمثال الواقعيّ الذي تتجسّد في شخصه أخلاق الرسالة; مما يكون موقعاً لإشعاع الفضيلة ونموّها، ويكشف من جانب آخر زيف الأنانيّة ونزعات الذات.

البعد الثاني : تقديم مجموعة من الوصايا والرسائل والتوجيهات التربويّة والأخلاقيّة التي عالج من خلالها الخواء الروحيّ والانحراف الأخلاقيّ الذي نما في سنوات الانحراف .

أما في البعد الأوّل فنجد الإمام(ع) كان يدعو الناس الى الفضيلة برفق ولين، ويجادلهم بالتي هي أحسن، وكان يسمح للسائلين بطرح أسئلتهم مهما كانت، وكان يوضّح لهم ما كان غامضاً عليهم.

كما كان لا يقبل من مقرّبيه أن يتشدّدوا بدعوتهم، حيث كان يقول لهم: « لأحملنّ ذنوب سفهائكم على علمائكم، ما يمنعكم إذا بلغكم عن الرجل منكم ما تكرهون، وما يدخل به الأذى علينا، أن تأتوه فتؤنّبوه وتُعذلوه وتقولوا له قولاً بليغاً » فقال له بعض أصحابه إذاً لا يقبلون منّا، قال: «اهجروهم واجتنبوا مجالسهم»(61).

فالإمام هنا يوصي العالم من أصحابه أن لا يتخلى عن رسالته في إرشاد الإنسان الجاهل المنتمي الى مدرسة أهل البيت ((عليهم السلام)) بحجة تماديه وجرأته بارتكاب المخالفات، مما يعكس الوجه السلبيَّ لاتّباع الإمام فيؤذي دعاة الإصلاح.

ففي نظر الإمام (ع)، لا يجوز تركه وإهماله، إلاّ بعد اليأس من إصلاحه وازالة الشك من ذهنه .

البعد الثالث: وكان يحرص على شدّ أواصر المجتمع الإسلامي وإشاعة الفضيلة بين الناس، ليقضي على العداوة والبغضاء، فكان (ع) يدفع الى بعض أصحابه من ماله ليصلح بين المتخاصمين على شيء من حطام الدنيا من أجل القضاء على المقاطعة والهجران، لئلاّ يدفعهم التخاصم الى الترافع لحكّام الجور، والذي كان قد نهى (ع) عنه .

قال سعيد بن بيان: مرّ بنا المفضّل بن عمر وأنا وختني نتشاجر في ميراث، فوقف علينا ساعة ثم قال لنا: تعالوا الى المنزل ، فأتيناه فأصلح بيننا بأربعمائة درهم فدفعها إلينا من عنده حتّى اذا استوثق كل واحد منّا من صاحبه قال المفضّل: أما إنها ليست من مالي، ولكنّ أبا عبدالله (ع) أمرني إذا تنازع رجلان من أصحابنا في شيء أن اُصلح بينهما وأفتديهما من ماله، فهذا من مال أبي عبدالله (ع)(62).

وهذا الاُسلوب يأتي كخطوة عمليّة ترفد ذاك التوجيه الذي تضمّن حرمة الترافع إلى حكّام الجور .

وكان (ع) يحثّهم على صلة الرحم، ومن حسن سيرته ومكارم أخلاقه أنّه كان يصل من قطعه ويعفو عمّن أساء إليه ، كما ورد أنه وقع بينه وبين عبدالله بن الحسن كلام ، فأغلظ عبدالله في القول ثم افترقا وذهبا الى المسجد فالتقيا على الباب فقال الصادق (ع) لعبد الله بن الحسن : كيف أمسيت يا أبامحمّد ؟ فقال عبدالله: ـ بخير ( كما يقول المغضب ) ـ . قال الصادق (ع): «يا أبا محمّد أما علمت أنّ صلة الرحم تخفّف الحساب؟» ! ثمّ تلى قوله تعالى : (وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَن يُوصَلَ وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخَافُونَ سُوءَ الْحِسَابِ)(63). فقال عبدالله : فلا تراني بعدها قاطعاً رحماً(64). فكان يصل رحمه ويبذل لهم النصح، كما كان يصل الفقراء في اللّيل سرّاً وهم لا يعرفونه.

قال هشام بن الحكم ((رحمه الله)) كان أبو عبدالله إذا أعتم وذهب الليل شطره ، أخذ جراباً فيه خبزٌ ولحمٌ ودراهمٌ فحمله على عنقه ثمّ ذهب الى أهل الحاجة من أهل المدينة فقسّمه فيهم، وهم لا يعرفونه وما عرفوه حتى مضى الى الله تعالى(65).

وقال مصادف : كنت مع أبي عبدالله (ع) ما بين مكة والمدينة فمررنا على رجل في أصل شجرة، وقد ألقى بنفسه ، فقال (ع) : «مِلْ بنا الى هذا الرجل فإنّي أخاف أن يكون قد أصابه العطش». فملنا إليه فإذا هو رجلٌ من النصارى طويل الشعر، فسأله الإمام (ع): أعطشان أنت ؟ فقال: نعم، فقال الإمام (ع): «انزل يا مصادف فاسقه». فنزلت وسقيته ثم ركبت وسرنا . فقلت له : هذا نصرانيٌّ، أفنتصدق على نصرانيٍّ؟ فقال : «نعم إذا كانوا بمثل هذه الحالة»(66).

وكان يرى (ع) أن الإعراض عن المؤمن المحتاج للمساعدة استخفاف به، والاستخفاف بالمؤمن استخفافٌ بهم ((عليهم السلام))، فقد كان عنده جماعةٌ من أصحابه فقال لهم : «ما لكم تستخفّون بنا؟!» فقام إليه رجلٌ من أهل خراسان فقال : معاذ الله أن نستخفّ بك أو شيء من أمرك ! فقال (ع) : «إنّك أحد من استخفّ بي».

فقال الرجل : معاذ الله أن أستخفّ بك!! فقال له (ع) : «ويحك ألم تسمع فلاناً ونحن بقرب الجحفة وهو يقول لك : إحملني قدر ميل فقد والله أعييت . فوالله ما رفعتَ له رأساً ، لقد إستخففت به ومن استخفّ بمؤمن فينا استخفّ وضيّع حرمة الله عزّوجلّ»(67).

أما البعد الثاني: فكما قلنا كان يتمثّل في مجموعة الوصايا والرسائل والمناظرات والتوجيهات التي عالج الإمام(ع) من خلالها الإخفاق الروحيَّ الذي كانت الاُمّة قد تعرّضت لإيصالها الى المستوى الإيمانيِّ الذي كانت تريده الرسالة.

فقد خاطب(ع) شيعته وأصحابه قائلاً: «فإنّ الرجل منكم إذا ورع في دينه، وصدق الحديث، وأدّى الأمانة وحسن خلقه مع الناس، قيل: هذا جعفريٌّ، فيسرّني ذلك، ويدخل عليّ منه السرور وقيل: هذا أدب جعفر، وإذا كان على غير ذلك دخل عليَّ بلاؤه، وعاره وقيل: هذا أدب جعفر...»(68).

وأراد الإمام(ع) أن يعزّز في نفوسهم صحة مذهبهم باعتباره يمثّل الخطَّ الإلهيَّ، فانتقد من جانب الاتّجاهات المنحرفة عن خطّ الرسالة وفتح أمامَ شيعته آفاقاً توجيهيّةً قائلاً: «أما والله ما أحدٌ من الناس أحبّ اليّ منكم وأن الناس قد سلكوا سُبلاً شتّى فمنهم من أخذ برأيه، ومنهم من اتّبع هواه، ومنهم من اتّبع الرواية، وأنكم أخذتم بأمر له أصلٌ فعليكم بالورع والاجتهاد واشهدوا الجنائز، وعودوا المرضى واحضروا مع قومكم في مساجدهم للصلاة، أما يستحي الرجل أن يعرف جاره حقه، ولا يعرف حقّ جاره»(69).

كما أوصى أحد أصحابه بأن لا ينتقدوا من هو ضعيف الإيمان من بينهم، بل يجب شدّ أزره، وتقويم ضعفه، مادام قد اختار طريق الحقّ وذلك كما في قوله(ع) : «يا ابن جندب لا تقل في المذنبين من أهل دعوتكم إلاّ خيراً، واستكينوا الى الله في توفيقهم، وسلوا التوبة لهم، فكلُّ من قصدنا ووالانا، ولم يوال عدوّنا، وقال ما يعلم وسكت عما لا يعلم أو أشكل عليه فهو في الجنة»(70) وتجد الإمام يغرس في أصحابه صفة التواضع التي من علاماتها السلام على كل من يلقاه، فإنّ ذلك يَنِّمُ عن سلامة النفس، واعتبر من التواضع ترك المناقشة العقيمة خصوصاً في المسائل العلمية، فيما إذا كانت تنطلق من الشعور بالتفوّق، واعتبر أيضاً من علامات التواضع أن لا يحب الشخص بأن يمتدح على ما يتمتع به من علم وأدب وتقوى، فإنّ حبّه لذلك حبٌّ للظهور والعظمة وليس من التواضع في شيء.

قال(ع): «من التواضع أن ترضى بالمجلس دون المجلس وأن تسلّم على من تلقى وأن تترك المراء وإن كنت محقّاً، ولا تحبُّ أن تحمد على التقوى»(71).

وكان (ع) يوصي أصحابه بالتسليم للحق في الحوار أو النقد وعدم التأثر بالعصبية للقوم أو العشيرة أو المذهب، فيكون الإنحياز حائلاً دون سماع الحقيقة التي هي شعار أهل البيت((عليهم السلام)) فقال: «المُسلّمُ للحقّ أوّلُ ما يصل الى الله...»(72).

البعد الرابع: ومن الاُمور التربوية التي أكّدها الإمام (ع) في نفوس أصحابه ـ ليكونوا بالمستوى المطلوب من النضج والسلامة في التفكير

ولئلاّ تكون مشاريعهم وتخطيطاتهم عرضةً للفساد ـ هي الدعوة الى

التثبّت في الاُمور.

قال (ع) : « مع التثبّت تكون السلامة ومع العجلة تكون الندامة، ومن ابتدأ بعمل في غير وقته كان بلوغه في غير حينه»(73).

 

مواصلة بناء جامعة أهل البيت الإسلامية

لقد واصل الإمام الصادق (ع) تطويره للمدرسة التي أسّسها الأئمة ((عليهم السلام)) من قبله، وانتقل بها إلى آفاق أرحب، فاستقطبت الجماهير من مختلف البلاد الإسلامية ، لأنّها قد لبّت الرغبة في نفوسهم وسعت لملء الفراغ الذي كانت تعانيه الاُمّة آنذاك.

خصائص جامعة أهل البيت((عليهم السلام))

ومن خصائص ومميزات مدرسة الإمام الصادق(ع) واختلافها عن باقي المدارس ما يلي:

1 ـ أنّها لم تنغلق في المعرفة على خصوص العناصر الموالية فحسب، وإنّما انفتحت لتضمّ طلاّب العلم من مختلف الاتّجاهات.

فهذا أبو حنيفة الذي كان يخالف منهج الإمام (ع) حيث سلك في القياس مسلكاً استوجب شدّة الإنكار عليه(74) وعلى أصحابه وهو الذي أطلق على مؤمن الطاق اسم شيطان الطاق كان ممّن يختلف إلى الإمام الصادق(ع)، ويسأله عن كثير من المسائل، وقد روى عن الإمام الصادق(ع) وحدّث عنه واتّصل به في المدينة مدّة من الزمن، وناصر زيد ابن عليّ وساهم في الدعوة الى الخروج معه وكان يقول ضاهى خروج زيد خروج رسول الله((صلى الله عليه وآله)) يوم بدر(75).

2 ـ انفتحت مدرسة الإمام (ع) على مختلف فروع المعرفة الإسلامية والإنسانية، فاهتمّت بالقرآن والسنة والفقه والتاريخ والاُصول والعقيدة والكلام والفلسفة الإسلامية، كما اهتمّت بعلوم اُخرى مثل علم الفلك، والطبّ، والحيوان، والنبات، والكيمياء ، والفيزياء .

3 ـ لم تتّخذ مدرسة الإمام سلام الله عليه طابع الإنتماء الى الدولة الاُموية أو العبّاسية، ولم تتلوّث بسياسة الحاكمين، ولم تكن أداة لخدمة الحكّام، بل رأت الاُمة أنّ هذه المدرسة هي التي تحقّق لها تطلّعاتها; إذ كانت ترى على رأسها وريث النبوة وعملاق الفكر المحمّديّ الإمام أباعبدالله الصادق (ع) المعروف بمواقفه واستقامته، حتى لُقّب بالصادق لسموّ أخلاقه وعدم مساومته وخضوعه لسياسة الحكّام المنحرفين .

من هنا شكّلت مدرسته حصناً سياسياً وفكريّاً يلوذ به طلاّب الحقيقة ومَن كان يشعر بالمسؤولية ويريد التخلّص من التّيه الذي خلّفته التيارات الفكرية والسياسية المتضاربة في أهدافها ومساراتها .

4 ـ وتميّزت أيضاً جامعة الإمام الصادق (ع) بمنهجها السليم وعمقها الفكريّ ولم تكن اُطروحتها في الإعداد العلميّ مبتنيةً على حشو الذهن ، وإنّما كانت تعتمد الفكر والتعمّق والأصالة، ونموّ الكفاءات العلمية، وتعتبرها اُسساً مهمّة في المنهج العلمي والتربوي .

5 ـ انتجت هذه الجامعة رموزاً للعلم والتقوى والاستقامة، وعرفت بالعطاء العلميّ والدينيّ للاُمة، وبما أبدعته في تخصّصاتها العلمية، وما حققته من إنجازات على صعيد الدعوة والإصلاح بين الناس ، وأصبح الانتساب الى مدرسة الإمام (ع) مفخرةً للمنتسب، كما ناهز عدد طلاّبها الأربعة آلاف طالب.

6 ـ واتّسعت هذه المدرسة فيما بعد، وشكّلت عدّة فروع لها في الكوفة والبصرة، وقم، ومصر.

7 ـ إنّ الإمام (ع) لم يجعل من جامعته العلمية والجهد المبذول فيها نشاطاً منفصلاً عن حركته التغييرية وأنشطته الاُخرى، بل كانت جزءاً من برنامجه الإصلاحي ، لأنها كانت تساهم بحقٍّ في خلق المُناخ المناسب لبناء الفرد الصالح، وكانت إمتداداً واعياً ومؤثّراً في المسيرة العامّة للاُمّة فضلاً عن النتائج السياسية الإيجابية الخاصّة حيث نجد الكادر العلميّ الحاضر في مدرسة الإمام (ع) هو نفسه الذي يحضر في نشاطات الإمام الخاصّة .

8 ـ تميّزت مدرسة الإمام الصادق (ع) بالارتباط المباشر بمصدَرَي التشريع والمعرفة وهما (الكتاب الكريم والسنّة النبوية الشريفة) بنحو

لا مثيل له.

ومن هنا حرص الإمام الصادق (ع) على أن يحقّق من خلال مدرسته إنجازاً بخصوص تدوين الحديث والحفاظ على مضمونه، بعد أن كان الحديث قد تعرّض في وقت سابق للضّياع والتحريف والتوظيف السياسيّ المنحرف ، بسبب المنع من تدوينه. ولم يستجب الأئمّة المعصومون((عليهم السلام)) لقرار المنع بالرُّغم من كلّ الشعارات التي رفعت لتجعل الهدف من حظر تدوين الحديث هو الحفاظ على القرآن وسلامته من التحريف .

بينما كان الهدف البعيد من منع تدوين الحديث هو تغييب الحديث النبوي الذي كان يؤكّد ربط الاُمّة بأهل البيت ((عليهم السلام))، فاستهدف الحكّام صرف الناس عن أهل البيت ((عليهم السلام)); لأنّ الحديث حين كان يؤكّد الارتباط بهم، كان يحول بينهم وبين الإنسياق وراء كلّ ناعق سياسيٍّ أو حاكم جائر.

يقول الإمام الصادق (ع) : «... أما والله إنّ عندنا ما لا نحتاج الى أحد والناس يحتاجون إلينا . إن عندنا الكتاب بإملاء رسول الله ((صلى الله عليه وآله))، وخطَّه عليٌّ بيده صحيفةً طولها سبعون ذراعاً فيها كلّ حلال وحرام»(76).

وجاء عنه (ع) أنه قال : « علمنا غابرٌ، ومزبورٌ ونكت في القلوب ونقر في الأسماع وأن عندنا الجفر الأحمر، والجفر الأبيض، ومصحف فاطمة ((عليها السلام)) وأنّ عندنا الجامعة فيها جميع ما يحتاج الناس إليه»(77).

9 ـ وتميزت أيضاً مدرسة الإمام (ع) بالاهتمام بالتدوين بشكل عامٍّ بل ومدارسة العلم لإنمائه وإثرائه .

فكان (ع) يأمر طلاّبه بالكتابة ويؤكد لهم ضرورة التدوين والكتابة، كما تجد ذلك في قوله (ع) : « إحتفظوا بكتبكم فإنكم سوف تحتاجون إليها»(78).

وكان يَشيدُ بنشاط زرارة الحديثيّ إذ كان يقول : «رحم الله زرارة بن أعين لولا زرارة لاندرست أحاديث أبي»(79).

وقال فيه وفي جماعة من أصحابه منهم أبو بصير، ومحمّد بن مسلم، وبُريد العجلي: «لولا هؤلاء ما كان أحدٌ يستنبط هذا الفقه، هؤلاء حفّاظ الدين واُمناء أبي(ع) على حلاله وحرامه وهم السابقون إلينا في الدنيا والآخرة»(80).

وكان يأمر طلاّبه أيضاً بالتدارس والمباحثة، فقد قال للمفضّل بن عمر : «أكتب وبث علمك في إخوانك ، فإنْ متّ فأورث كتبك بنيك، فإنه يأتي على الناس زمان هرج لايأنسون فيه إلاّ بكتبهم»(81).

وعلى هذا الأساس اهتمّ أصحابه بكتابة الأحاديث وتدوينها حتى تألّفت واجتمعت الاُصول الأربعمائة المعروفة(82)، والتي شكّلت المجاميع الحديثية الاُولى عند الشيعة الإمامية .

10 ـ وممّا تميزّت به مدرسة الإمام الصادق(ع)، هو إنماء الفكر الإسلامي وتطويره من خلال التخصص العلميّ في مختلف فروع المعرفة الإسلامية، وسوف نشير الى هذه الميزة بالتفصيل .

 

التخصّص العلمي في مدرسة الإمام (ع)

والتفت الإمام في تلك المرحلة لأهمّية الاختصاص ودوره في إنماء الفكر الإسلامي وتطويره ، وقدرته في استيعاب الطاقات الكثيرة الوافدة على مدرسته ، وبالتخصّص تتنوّع عطاءاته ، فيكون الإبداعُ أعمقَ نتاج وأكثر احتواء، لذا وجّه الإمام (ع) طلاّبه نحو التخصّصات العلمية، وتصدى بنفسه للإشراف فكان يعالج الإشكالات التي تُستجدُّ ، ويدفع مسيرة الحركة العلمية الى الأمام . ولا يمكن في هذا البحث أن نستوعب كلَّ هذه التخصّصات وإنّما نقتصر على ذكر بعض النماذج فيما يأتي :

أ ـ في الطب : سئل الإمام عن جسم الإنسان فقال (ع) : « إنّ الله خلق الإنسان على إثني عشر وصلاً وعلى مائتين وثمانية وأربعين عظماً، وعلى ثلاثمائة وستين عرقاً، فالعروق هي التي تسقي الجسد كلّه، والعظام تمسكه واللحم يمسك العظام والعصب تمسك اللحم، وجعل في يديه اثنين وثمانين عظماً في كل يد أحد وأربعون عظماً، منها في كفه خمسة وثلاثون عظماً وفي ساعده إثنان، وفي عضده واحد، وفي كتفه ثلاثة، فذلك أحد وأربعون، وكذلك في الاُخرى، وفي رجله ثلاثة وأربعون عظماً، منها في قدمه خمسة وثلاثون عظماً وفي ساقه إثنان، وفي ركبتيه ثلاثة، وفي فخذه واحد وفي وركه إثنان وكذلك في الاُخرى، وفي صلبه ثماني عشرة فقارة وفي كل واحد من جنبيه تسعة أضلاع وفي وقصته ثمانية وفي رأسه ستة وثلاثون عظماً وفي فيه ثمانية وعشرون عظماً أو اثنان وثلاثون عظماً »(83).

يقول الشيخ ميرزا محمّد الخليلي : ولعمري إنّ هذا الحصر والتعداد هو عين ما ذكره المشرّحون في هذا العصر، لم يُزيدوا ولم يُنقصوا(84).

وشرح الإمام الصادق (ع) كيفية دوران الدم في الجسم ولأوّل مرة في حديثه مع المفضّل بن عمر، وقد سبق بذلك العالم ( هارفي ) الذي عُرِفَ بأنه مكتشف الدورة الدموية .

قال (ع) : « فكّر يا مفضّل في وصول الغذاء الى البدن وما فيه من التدبير ، فإنّ الطعام يصير الى المعدة فتطبخه ، وتبعث بصفوه الى الكبد في عروق رقاق واشجة بينها، قد جُعلتْ كالمصفى للغذاء ، لكيلا يصل الى الكبد منه شيءٌ فينكأها وذلك أن الكبد رقيقة لا تحتمل العنف، ثم إنّ الكبد تقبله فيستحيل فيها بلطف التدبير دماً، فينفذ في البدن كله، في مجار مهيّأة لذلك بمنزلة المجاري التي تُهيّأ للماء حتى يطّرد في الأرض كلّها وينفذ ما يخرج منه من الخبث والفضول الى مغايض أعدّت لذلك فما كان منه من جنس المرّة الصفراء جرى الى المرارة، وما كان من جنس السوداء جرى الى الطحال وما كان من جنس البلّة والرطوبة جرى الى المثانة فتأمّل حكمة التدبير في تركيب البدن، ووضع هذه الأعضاء منه موضعها، وإعداد هذه الأوعية فيه لتحمل تلك الفضول لئلاّ تنتشر في البدن فتسقمه وتنهكه، فتبارك من أحسن التقدير وأحكم التدبير»(85).

ب ـ في الوقاية الصحية: حذّر الإمام من الأمراض المعدية وأوصى بعدم الاختلاط بالمصابين بمثل مرض الجذامَ حيث قال فيه: « لا يكلّم الرجل مجذوماً إلاّ أن يكون بينهما قدر ذراع»(86)، وقد جاء في الطب الحديث أنّ ميكروب الجذام ينتشر في الهواء حول المصاب أكثر من مسافة متر.

وقال (ع) أيضاً : « كُلّ داء من التخمة »(87).

وقال (ع) : « اغسلوا أيديكم قبل الطعام وبعده »(88) فإنّ غسل اليدين قبل الطعام، تعقيمٌ من الجراثيم المحتملة، والغسل بعد الطعام يُعدّ من النظافة .

ج ـ علم الحيوان: قال (ع) في مملكة النمل : « انظر الى النمل واحتشاده في جمع القوت وإعداده فإنك ترى الجماعة منها إذا نقلت الحبّ الى زُبيتها(89) بمنزلة جماعة من الناس ينقلون الطعام أو غيره، بل للنمل في ذلك من الجدِّ والتشمير ما ليس للناس مثله. أما تراهم يتعاونون على النقل كما يتعاون الناس على العمل، ثم يعمدون الى الحَبِّ فيقطعونه لكيلا ينبت فيفسد عليهم(90) فإن أصابه ندى أخرجوه فنشروه حتى يجف ثم لا يتخذ النمل الزُبية إلاّ في نشر من الأرض كيلا يفيض السيل فيغرقها، وكلّ هذا منه بلا عقل، ولا روّية بل خَلقة خلق عليها لمصلحة من الله عزّوجلّ(91).

وتكلّم الإمام أيضاً في كلٍّ من علوم: النبات ، والفلك ، والكيمياء ، والفيزياء والعلاجات النباتية(92) كما تكلّم في الفلسفة، والكلام، ومباحث الإمامة،والسياسة، والمعرفة، والفقه، واُصوله والحديث، والتفسير، والتاريخ .

وتخصص من طلاّب الإمام (ع) في مباحث الكلام كلٌّ من: هشام بن الحكم ، وهشام بن سالم ، ومؤمن الطاق ، ومحمّد بن عبدالله الطيّار، وقيس الماهر وغيرهم.

وتخصّص في الفقه واُصوله وتفسير القرآن الكريم : زرارة بن أعين ، ومحمّد بن مسلم، وجميل بن درّاج، وبريد بن معاوية، واسحاق بن عمّار وعبدالله الحلبي، وأبو بصير، وأبان بن تغلب ، والفضيل بن يسار، وأبو حنيفة، ومالك بن أنس، ومحمّد بن الحسن الشيباني، وسفيان بن عيينه، ويحيى بن سعيد، وسفيان الثوري. كما تخصّص في الكيمياء: جابر بن حيان الكوفي .

وتخصّص في حكمة الوجود: المفضّل بن عمر والذي أملى عليه الإمام الصادق (ع) كتابه الشهير المعروف ( بتوحيد المفضّل).

ونشط طلاب الإمام في نتاجاتهم كلاً حسب اختصاصه في التأليف والمناظرة، يدلُّ على ذلك ما جمعه السيد حسن الصدر عن مؤلّفات الشيعة في هذه الفترة وقد ذكر أنها وصلت الى ستة آلاف وستمائة كتاب(93).

وبرز في المناظرة: هشام بن الحكم وكان الإمام الصادق (ع) مسروراً بمناظرات هشامِ وحين استمع مناظراته مع زعيم المعتزلة ـ عمرو بن عبيد ـ وأخبره بانتصاره عليه قال له الإمام (ع): «يا هشام من علّمك هذا قال: يابن رسول الله جرى على لساني قال الإمام (ع): هذا والله مكتوبٌ في صحف إبراهيم وموسى»(94).

ومن الأهداف الكُبرى التي خطّط لها الإمام (ع) في مدرسته الى جانب الاختصاصات الاُخرى، هو تنشيط حركة الاجتهاد الفقهيّ الخاص، الى جانب التفقّه في الدين بشكل عام .

من هنا نجد تأصيل منهج الاجتهاد الفقهيّ، واستنباط أحكام الشريعة، قد تمثّل في الرسائل العلميّة التي دوّنها أصحابه في خصوص أُصول الفقه، وفي الفقه والحديث، والتي تميّزت بالاعتماد على مدرسة أهل بيت الوحي((عليهم السلام))، واتّخاذها أساساً للفقه والإفتاء دون الرأيِّ والاستحسان .

قال (ع) : « حديثي حديث أبي، وحديث أبي حديث جدي، وحديث جدي حديث الحسين، وحديث الحسين حديث الحسن، وحديث الحسن حديث أمير المؤمنين، وحديث أمير المؤمنين حديث رسول الله ((صلى الله عليه وآله))، وحديث رسول الله قول الله عزّوجلّ »(95).

وقال (ع) : « إنّا لو كنّا نفتي الناس برأينا وهوانا، لكنّا من الهالكين، ولكنّا نفتيهم بآثار من رسول الله ((صلى الله عليه وآله))، وأُصول علم عندنا نتوارثها كابرٌ عن كابر، نكنزها كما يكنز هؤلاء ذهبهم وفضّتهم »(96).

وقد تكفّلت كتب اُصول الفقه بيان قواعد استنباط الأحكام ومناهجها وكيفية التعامل مع الأحاديث المدوّنة في عامة موسوعات الحديث واُصوله.

وعلّم طلاّبه كيفية استنباط الأحكام من مصادر التشريع كما علّمهم كيفية التعامل مع الأحاديث المتعارضة. قال(ع) فيما عارض القرآن: « ما لم يوافق من الحديث القرآن فهو زخرفٌ»(97) وقال أيضاً : « إنّ على كلِّ حقّ حقيقةً، وعلى كلِّ صواب نوراً فما وافق كتاب الله فخذوه وما خالف كتاب الله فدعوه »(98).

وفي حالة تعارض الأحاديث فيما بينها قال (ع) : « إذا ورد عليكم ديثٌ فوجدتم له شاهداً من كتاب الله أو من قول رسول الله ((صلى الله عليه وآله)) وإلاّ فالّذي جاءكم به أولى به»(99).

وقال (ع) : « إنّما علينا أن نلقي إليكم الاُصول وعليكم أن تفرّعوا »(100).

وفعلاً كان ذاك وقد ألّف تلاميذه من جمع الأحاديث والدروس التي كانوا يتلونها في مجلسه مجموعة من الكتب تعدّ بمثابة دائرة معارف للمذهب الشيعي أو الجعفري ويبلغ عددها في أيّام الإمام الحسن العسكري(ع) أربعمائة كتاباً(101).

فهشام بن الحكم والطاقي وزرارة وأبو بصير ومحمّد بن مسلم من نوابغ تلاميذ الإمام جعفر الصادق(ع) وهم في الحقيقة المرجع الأصلي لفقه المذهب الجعفري أو مذهب الشيعة وحكمته كان خلفاء الإمام جعفر الصادق يُعدَون مورداً فيّاضاً للإستفادة المذهبية والعلمية للشيعة(102).

 

الهوامش

(1) يَنبع حصن له عيون ونخيل وزروع بطريق حاج مصر.

(2) الجدي : من أولاد المعز .

(3) الكافي : 2 / 242 ، وبحار الأنوار : 47/372 .

(4) وسائل الشيعة: 27/13 ح5 عن الكافي والفقيه والتهذيب.

(5) المصدر السابق: 27/11 ح 1 المصادر السابقة.

(6) وسائل الشيعة: 27/12 ح5، والآية (60) من سورة النساء.

(7) وسائل الشيعة: 27/13 ح4 عن الكافي والتهذيب. والآية: 60 من سورة النساء.

(8) وسائل الشيعة: 17/179 ح6 عن الكافيوالتهذيب.

(9) المصدر السابق: 17/180 ح8 عن التهذيب.

(10) المصدر السابق: 17/178 ح3 عن الكافي.

(11) الفيء : الخراج.

(12) الكافي: 5/106، والمناقب لابن شهر آشوب: 3/365، بحار الأنوار: 47/138 .

(13) البقرة (2): 124.

(14) الميزان في تفسير القرآن، محمّد حسين الطباطبائي: 1/276 .

(15) البقرة (2): 138.

(16) تفسير الصافي : 1/176.

(17) تفسير العياشي : 1/62.

(18) الميزان: 1/315.

(19) عوالم العلوم والمعارف : 15/3 ـ 270 ـ 271) و شواهد التنزيل : 1/187 والدر المنثور : 2/298 وفتح القدير : 3/57 وروح المعاني : 6/168.

وحديث الغدير حديث مروي بطرق شتى سنّية كانت أو شيعية وقد اعتمد المؤرخون على المصادر السنّية أكثر من غيرها. رواه البغوي في مصابيح السنّة 2: 204، وأخرجه الحاكم فى المستدرك 4: 109، وذكره العلاّمة السيد خير الدين أبي البركات نعمان الآلوسي في غالية المواعظ 2: 87 .

(20) بحار الأنوار: 47/213 ـ 216 عن الكافي: 3/554 والاحتجاج: 2/118 ـ 122.

(21) بحار الأنوار: 3/50 عن التوحيد للصدوق.

(22) اُصول الكافي : 1 / 80 ، والاحتجاج : 2 / 71 ـ 72 .

(23) الاحتجاج : 2/77 .

(24) الاحتجاج، الطبرسي: 2/78 .

(25) الاحتجاج للطبرسي : 2/77 ـ 78.

(26) الاحتجاج : 2/77 ـ 100 عن يونس بن ظبيان وعبدالدين سنان، ولم يسمّيا الزنديق ولم يرويا توبته!

(27) اُصول الكافي: 1 / 269 .

(28) اختيار معرفة الرجال، الطوسي: 2/585 .

(29) اختيار معرفة الرجال، الطوسي: 2/576 ح509 .

(30) والإمام(ع) هنا في مقام نفي العلم بالغيب الاستقلالي الذي يدّعيه الغلاة، لا العلم بالغيب الممنوح للنبي((صلى الله عليه وآله)) ولهم منه سبحانه .

(31) اختيار معرفة الرجال (المعروف برجال الكشي): 2/580 كما تقدم في المصدر الأوّل .

(32) اختيار معرفة الرجال، الطوسي: 2/701 ح744.

(33) اختيار معرفة الرجال، الطوسي: 2/702 ح746 .

(34) بحار الأنوار : 104/405 عن المحاسن للبرقي، اختيار معرفة الرجال، الطوسي: 2/702 .

(35) انظر علل الشرائع، الصدوق: 1/87 .

(36) في المصادر إنّ السائل هو الإمام(ع)، انظر علل الشرائع: 1/87، مناقب آل أبي طالب: 3/376، الاحتجاج، الطبرسي: 2/114 .

(37) اُصول الكافي: 1/58 ح 20 وعنه في بحار الأنوار : 47/226 ح 16 .

(38) مرآة الجنان : 1 / 304 ، ونزهة الجليس : 2 / 57، المصايد والمطارد لكشاجم: 202، ووفيات الأعيان 1: 212.

(39) الاحتجاج، الطبرسي: 2/116 .

(40) المصدر السابق .

(41) المصدر السابق.

(42) طه (20) : 44 .

(43) انظر الاحتجاج، الطبرسي: 2/117 .

(44) إشارة الى الآية 48 من سورة المائدة والآية (فَاحْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنْزَلَ اللّهُ) .

(45) الاحتجاج للطبرسي : 2 / 110 ـ 117 .

(46) هو عبدالرحمن بن أبي ليلى الأنصاري المتوفى سنة (148 هـ ) وليس هو عبدالرحمن بن أبي ليلى الأوسي الكوفي فإنّ الأخير من أصحاب الإمام عليّ(ع)، وهو من التابعين وقد ضربه الحجاج بن يوسف الثقفي بالسياط حتى أسودّت كتفاه حينما أمره بسبِّ عليٍّ وشتمه. راجع الإمام الصادق والمذاهب الأربعة حاشية رقم 1 / ص323 المجلد الثاني.

(47) الاحتجاج : 2 / 102 .

(48) نوح بن درّاج من أصحاب الإمام الصادق (ع) / تنقيح المقال : 3 / 275 وابن أبي ليلى هو محمّد بن عبدالرحمن مفتي الكوفة وقاضيها ، راجع سير اعلام النبلاء : 6 / 310 .

(49) حلية الاولياء : 3 / 193 .

(50) البقرة (2) : 204 ـ 205 .

(51) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : 4 / 73 عن أبي جعفر الاسكافي : 240 .

(52) تفسير العياشي : 1 / 17 وعنه في تفسير الصافي : 1 / 21 .

(53) اُصول الكافي : 1 / 213 .

(54) المصدر السابق .

(55) آل عمران (3): 7 .

(56) اُصول الكافي لثقة الإسلام أبو جعفر محمّد بن يعقوب الكليني : 1 / 213 .

(57) العنكبوت (29): 49 .

(58) تفسير الصافي : 1 / 12 .

(59) النساء (4) : 59 .

(60) بحار الأنوار : 47/29 .

(61) الكافي: 8/162 ، الإمام الصادق والمذاهب الأربعة : 3 / 291 .

(62) اُصول الكافي : 2 / 209، تهذيب الأحكام: 6/312 ح46.

(63) الرعد (13): 21 .

(64) كشف الغمّة: 2/375 عن الجنابذي ، وعنه في بحار الأنوار : 47/274 .

(65) بحار الأنوار : 47/38 عن فروع الكافي: 4/8 .

(66) وسائل الشيعة : 6 / 285 الحديث 3 .

(67) الإمام الصادق والمذاهب الأربعة : 2 / 296، الكافي، الكليني: 8/102 .

(68) اُصول الكافي: 2/636 وعنه في وسائل الشيعة: 12/5 ح 2، نهج السعادة: 8/32 .

(69) اُصول الكافي: 8/146 ح 121 .

(70) تحف العقول: 302 من وصيته(ع) .

(71) الكافي، الكليني: 2/123 .

(72) لم نجده في المصادر الروائية وغيرها.

(73) الخصال، الصدوق: 100 .

(74) راجع الفقرة ج (طرح المنهج الصحيح لفهم الشريعة) التابعة للمحور الثقافي والفكري صفحة (117) .

(75) حياة الإمام محمّد الباقر : 1 / 75 .

(76) بصائر الدرجات: 149.

(77) الإرشاد: 2/186 وعنه في مناقب آل أبي طالب: 4/396، والاحتجاج : 2/134، وبحار الأنوار: 47/26 وزادوا فيه : فسئُل عن تفسير هذا الكلام فقال : أما الغابر فالعلم بما يكون .

(78) الكافي : 1 / 52 .

(79) انظر: اختيار معرفة الرجال، الطوسي: 1/348، والحديث هكذا: «رحم الله زرارة بن أعين، لولا زرارة ونظراؤه لاندرست أحاديث أبي(ع)» .

(80) وسائل الشيعة : 8 / 57 ـ 59 .

(81) اُصول الكافي : 1 / 52 .

(82) وسائل الشيعة : 18 / 57 ـ 59 .

(83) المناقب : 4 / 256 ، وبحار الأنوار : 14 / 480 .

(84) طب الإمام الصادق (ع) : 3 .

(85) بحار الأنوار: 3/57 عن كتاب التوحيد للمفضل بن عمر الجعفي .

(86) وسائل الشيعة : 2 / 208 .

(87) بحار الأنوار : 63/336.

(88) المصدر السابق: 63/356

(89) الزبية ـ بضم فسكون ـ الزابية لا يعلوها ماء، جمعها زبى .

(90) اذا خشي النمل من الحبة المدخرة أن تنبت في الأرض فلقتها نصفين، وقد تفلق بعض الحبوب كحب الكزبرة الى أربعة أقسام لأن نصف الكزبرة أيضاً ينبت .

(91) التوحيد للمفضل : 66، وبحار الأنوار: 3/ 61 و 62 / 102 .

(92) راجع حياة الإمام الصادق للشيخ باقر شريف القرشي: 2/289 وما بعدها .

(93) تأسيس الشيعة لعلوم الإسلام : 288 .

(94) راجع الاحتجاج : 2 / 125 ـ 128 .

(95) أُصول الكافي : 1 / 53 ـ 58 .

(96) بصائر الدرجات : 300 .

(97) الوسائل : 18 / 78 .

(98) اصول الكافي : 1 / 69 .

(99) المصدر السابق .

(100) بحار الأنوار : 2/245 ح 53.

(101) الإمام الصادق والمذاهب الأربعة المجلد الأوّل.

(102) رسالة الإسلام العدد 4 السنة السادسة من مقال الأُستاذ صادق نشأت الأُستاذ بكلية الآداب، القاهرة.

السبت, 31 آب/أغسطس 2013 07:56

حَقّ الْمَالِ

34. وَ أَمّا حَقّ الْمَالِ فَأَنْ لَا تَأْخُذَهُ إِلّا مِنْ حِلّهِ وَ لَا تُنْفِقَهُ إِلّا فِي حِلّهِ وَ لَا تُحَرّفَهُ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَ لَا تَصْرِفَهُ عَنْ حَقَائِقِهِ وَ لَا تَجْعَلَهُ إِذَا كَانَ مِنَ اللّهِ إِلّا إِلَيْهِ وَ سَبَباً إِلَى اللّهِ وَ لَا تُؤْثِرَ بِهِ عَلَى نَفْسِكَ مَنْ لَعَلّهُ لَا يَحْمَدُكَ وَ بِالْحَرِيّ أَنْ لَا يُحْسِنَ خِلَافَتَهُ فِي تَرِكَتِكَ وَ لَا يَعْمَلَ فِيهِ بِطَاعَةِ رَبّكَ فَتَكُونَ مُعِيناً لَهُ عَلَى ذَلِكَ أَوْ بِمَا أَحْدَثَ فِي مَالِكَ أَحْسَنَ نَظَراً لِنَفْسِهِ فَيَعْمَلَ بِطَاعَةِ رَبّهِ فَيَذْهَبَ بِالْغَنِيمَةِ وَ تَبُوءَ بِالْإِثْمِ وَ الْحَسْرَةِ وَ النّدَامَةِ مَعَ التّبِعَةِ وَ لا قُوّةَ إِلّا بِاللّهِ

السبت, 31 آب/أغسطس 2013 07:15

نشأة الإمام جعفر الصادق (ع)

نشأة الإمام جعفر الصادق (ع)

الأُسرة الكريمة :

إنّ أُسرة الإمام الصادق (ع) ، هي أجلُّ وأسمى أسرة في دنيا العرب والإسلام، فإنّها تلك الأُسرة التي أنجبت خاتم النبيين وسيد المرسلين محمّد ((صلى الله عليه وآله وسلم))، وأنجبت أيضاً عظماء الأئمة وأعلام العلماء، وهي على امتداد التاريخ لا تزال مهوى أفئدة المسلمين، ومهبط الوحي والإلهام.

من هذه الأُسرة التي أغناها الله بفضله، والقائمة في قلوب المسلمين وعواطفهم تفرّع عملاق هذه الاُمة، ومؤسس نهضتها الفكرية والعلمية الإمام جعفر بن محمّد الصادق (ع)، وقد ورث من عظماء أُسرته جميع خصالهم العظيمة فكان ملء فم الدنيا في صفاته وحركاته.

 

الأب الكريم :

هو الإمام محمّد بن عليّ الباقر (ع) سيد الناس لا في عصره، وإنما في جميع العصور على إمتداد التاريخ علماً وفضلا وتقوى، ولم يظهر من أحد في ولد الإمامين الحسن والحسين ((عليهما السلام)) من علم الدين والسنن وعلم القرآن والسير، وفنون الأدب والبلاغة مثل ما ظهر منه(1).

لقد فجّر هذا الإمام العظيم ينابيع العلم والحكمة في الأرض، وساهم مساهمةً إيجابيةً في تطوير العقل البشري، وذلك بما نشره من مختلف العلوم. لقد أزهرت الدينا بهذا المولود العظيم الذي تفرع من شجرة النبوة ودوحة الإمامة ومعدن الحكمة والعلم، ومن أهل بيت أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً.

 

الاُم الزكية :

هي السيدة المهذبة الزكية (اُم فروة) بنت الفقيه القاسم(2) بن محمّد بن أبي بكر(3) وكانت من سيدات النساء عفةً وشرفاً وفضلا، فقد تربت في بيت أبيها وهو من الفضلاء اللامعين في عصره، كما تلقت الفقه والمعارف الإسلامية من زوجها الإمام الأعظم محمّد الباقر (ع)، وكانت على جانب كبير من الفضل، حتى أصبحت مرجعاً للسيدات من نساء بلدها وغيره في مهام اُمورهنَّ الدينية وحسبها فخراً وشرفاً أنها صارت أُمّاً لأعظم إمام من أئمة المسلمين، وكانت تُعامَلُ في بيتها بإجلال واحترام من قبل زوجها، وباقي أفراد العائلة النبويّة.

 

ولادة النور :

ولم تمضِ فترةٌ طويلةٌ من زواج السيدة (أُمّ فروة) بالإمام محمّد الباقر (ع) حتَّى حملت، وعمت البشرى أفراد الأُسرة العلوية، وتطلعوا إلى المولود العظيم تطلعهم لمشرق الشمس، ولما أشرقت الأرض بولادة المولود المبارك سارعت القابلة لتزف البشرى إلى أبيه فلم تجده في البيت، وإنّما وجدت جده الإمام زين العابدين (ع)، فهنأته بالمولود الجديد، وغمرت الإمام موجات من الفرح والسرور لأنه عَلِمَ أنّ هذا الوليد سيجدد معالم الدين، ويحيي سنّة جدّه سيّد المرسلين ((صلى الله عليه وآله وسلم)) وأخبرته القابلة بأنَّ له عينينِ زرقاوينِ جميلتينِ، فتبسم الإمام (ع) وقال: إنه يشبه عيني والدتي(4).

وبادر الإمام زين العابدين (ع) إلى الحجرة فتناول حفيده فقبّله، وأجرى عليه مراسيم الولادة الشرعية، فأذّن في اُذنه اليمنى، وأقام في اليسرى.

لقد كانت البداية المشرقة للإمام الصادق (ع) أن استقبله جدّه الذي هو خير أهل الأرض، وهَمَسَ في أذنه:

«الله أكبر..»

«لا إله إلاّ الله»

وقد غذّاه بهذه الكلمات التي هي سرّ الوجود لتكون أنشودته في مستقبل حياته.

 

تاريخ ولادته :

اختلف المؤرخون في السنة التي وُلد فيها الإمام الصادق (ع) فمن قائل إنّه وُلد بالمدينة المنورة سنة ( 80 هـ )(5).

وقال آخرون إنّه وُلد سنة ( 83 هـ ) يوم الجمعة أو يوم الاثنين لثلاثِ عشرةَ ليلةً بقيت من شهر ربيع الأوّل(6).

وقال ثالثٌ إنّه وُلد سنة ( 86 هـ )(7).

 

تسميته وألقابه :

أمّا اسمه الشريف فهو (جعفر) ونصّ كثيرٌ من المؤرخين على أنّ النبيّ ((صلى الله عليه وآله وسلم)) هو الذي سماه بهذا الاسم، ولقّبه بالصادق(8).

لقد لُقِّب الإمام (ع) بألقاب عديدة يمثلّ كلٌّ منها مظهراً من مظاهر شخصيّته وإليك بعض هذه الألقاب الكريمة :

1 ـ الصادق: لقبه بذلك جدّه الرسول ((صلى الله عليه وآله وسلم)) باعتباره أصدق إنسان في حديثه وكلامه(9) .

وقيل: إنّ المنصور الدوانيقي الذي هو من ألد أعدائه، هو الذي أضفى عليه هذا اللقب، والسبب في ذلك: أنّ أبا مسلم الخراساني طلب من الإمام الصادق(ع) أن يدله على قبر جده الإمام أمير المؤمنين (ع) فامتنع، وأخبره أنه إنّما يظهر القبر الشريف في أيّام رجل هاشميٍّ يقال له أبو جعفر المنصور، وأخبر أبو مسلم المنصور بذلك في أيام حكومته وهو في الرصافة ببغداد، ففرح بذلك، وقال: هذا هو الصادق(10).

2 ـ الصابر(11) : ولقب بذلك لأنه صبر على المحن الشاقة والخطوب المريرة التي تجرعها من خصومه الاُمويين والعباسيين.

3 ـ الفاضل(12): لقب بذلك لأنه كان أفضل أهل زمانه وأعلمهم لا في شؤون الشريعة فحسب وإنما في جميع العلوم، فهو الفاضل وغيره المفضول.

4 ـ الطاهر(13): لأنه أطهر إنسان في عمله وسلوكه واتجاهاته في عصره.

5 ـ عمود الشرف(14): لقد كان الإمام (ع) عمود الشرف، وعنوان الفخر والمجد لجميع المسلمين.

6 ـ القائم(15): لأنه كان قائماً بإحياء دين الله والذب عن شريعة سيد المرسلين.

7 ـ الكافل(16): لأنه كان كافلا للفقراء والأيتام والمحرومين، فقد قام بالإنفاق عليهم وإعالتهم.

8 ـ المنجي(17): من الضلالة، فقد هدى من إلتجأ إليه، وأنقذ من اتصل به.

وهذه بعض ألقابه الكريمة التي تحكي بعض صفاته، ومعالم شخصيته.

 

كُناه :

وكني الإمام الصادق (ع) بأبي عبد الله، وأبي إسماعيل، وأبي موسى(18).

 

ذكاؤه :

كان الإمام الصادق (ع) في سنه المبكر آيةً من آيات الذكاء، فلم يجاريه أحدٌ بمثل سنه على امتداد التاريخ بهذه الظاهرة التي تدعو إلى الإعجاب والإكبار، والتي كان منها أنه كان يحضر دروس أبيه وهو صبيٌّ يافعٌ لم يتجاوز عمره الثلاث سنين، وقد فاق بتلقيه لدروس أبيه جميع تلاميذه من كبار العلماء والرواة. ومن الجدير بالذكر أنّ دروس أبيه وبحوثه لم تقتصر على الفقه والحديث، وتفسير القرآن الكريم، وإنّما شملت جميع أنواع العلوم، وقد ألمَّ بها الإمام الصادق (ع) أحسن إلمام. ويدل على ذلك ما نقله الرواة من أنّ الوليد بن عبد الملك أمر عامله على يثرب عمر بن عبد العزيز بتوسعة المسجد النبوي، فأنجز عمر قسماً كبيراً منه، وأعلمه بذلك، وسافر الوليد إلى المدينة ليطّلع بنفسه على ما أنجزه عمر من أعمال التعمير والتوسيع، وقد استقبله عمر من مسافة خمسين فرسخاً، وأعدَّ له استقبالا رسمياً، وخرجت أهالي يثرب بجميع طبقاتها لاستقباله والترحيب به، وبعدما انتهى إلى يثرب دخل إلى الجامع النبوي ليشاهد ما أنجر من أعمال التعمير، وقد رأى الإمام الباقر (ع) على المنبر، وهو يلقي محاضرة على تلاميذه فسلم عليه، فرد الإمام السلام عليه، وتوقف عن التدريس تكريماً له، فأصرّ عليه الوليد أن يستمرّ في تدريسه، فأجابه إلى ذلك، وكان موضوع الدرس (الجغرافيا) فاستمع الوليد، وبهر من ذلك، فسأل الإمام: ما هذا العلم؟.

فأجابه الإمام: «إنّه علمٌ يتحدث عن الأرض والسّماء، والشمس والنجوم».

ووقع نظر الوليد على الإمام الصادق، فسأل عمر بن عبد العزيز: من يكون هذا الصبيُّ بين الرجال؟

فبادر عمر قائلا: إنه جعفر بن محمّد الباقر...

وأسرع الوليد قائلا: هل هو قادرٌ على فهم الدرس واستيعابه؟.

فعرفه عمر بما يملكه الصبيُّ من قدرات علمية، قائلا: إنه أذكى من يحضر درس الإمام وأكثرهم سؤالا ونقاشاً.

وبهر الوليد، فاستدعاه، فلما مثل أمامه بادر قائلا: «ما اسمك؟».

وأجابه الصبيُّ بطلاقة قائلا: «اسمي جعفر..».

وأراد الوليد امتحانه، فقال له: «أتعلم من كان صاحب المنطق ـ أي مؤسسه ـ ؟».

فأجابه الصبيُّ: «كان أرسطو ملقَّباً بصاحب المنطق، لقّبه إياه تلامذته، وأتباعه».

ووجَّه الوليد إليه سؤالا ثانياً قائلا: «من صاحب المعز؟».

فأنكر عليه الإمام وقال: «ليس هذا اسماً لأحد، ولكنه اسمٌ لمجموعة من النجوم، وتسمى ذو الأعنة...»(19).

واستولت الحيرة والذهول على الوليد، فلم يدرِ ما يقول، وتأمّل كثيراً ليستحضر مسألةً اُخرى يسأل بها سليل النبوة، وحضر في ذهنه السؤال الآتي فقال له: «هل تعلم من صاحب السواك؟».

فأجابه الإمام فوراً: «هو لقب عبد الله بن مسعود صاحب جدّي رسول الله((صلى الله عليه وآله وسلم))».

ولم يستحضر الوليد مسألة يسأل بها الإمام، ووجد نفسه عاجزاً أمام هذا العملاق العظيم، فراح يبدي إكباره وإعجابه بالإمام، ويرحب به، وأمسك بيده، ودنا من الإمام الباقر (ع)، يهنئه بولده قائلا: إنّ ولدك هذا سيكون علاّمة عصره...(20).

وصدق توسم الوليد، فقد أصبح الإمام الصادق (ع) أعلم علماء عصره على الإطلاق، بل أعلم علماء الدنيا على إمتداد التاريخ، وليس هناك تعليلٌ مقنعٌ لهذه الظاهرة التي إتّصف بها سليل النبوة في حال طفولته، إلاَّ القول بما تذهب إليه الشيعة من أنّ الله تعالى منح أئمة أهل البيت ((عليهم السلام)) العلم والحكمة في جميع أدوار حياتهم كما منح أنبياءه ورسله.

 

معرفته بجميع اللغات :

وكان في سنه المبكر عارفاً بجميع لغات العالم إذ كان يتكلم مع كلِّ أهل لغة كأنه واحد منهم. وإليك نماذج تشير الى ذلك :

1 ـ روى يونس بن ظبيان النبطي أنّ الإمام الصادق (ع) تحدث معه باللغة النبطية فأخبره عن أول خارجة خرجت على موسى بن عمران، وعلى المسيح، وعلى الإمام أمير المؤمنين (ع) بالنهروان، وأعقب كلامه بقوله: «مالح ديربير ماكي مالح». ومعناه أن ذلك عند قريتك التي هي بالنبطية(21).

2 ـ روى عامر بن عليّ الجامعي، قال: قلت لأبي عبد الله (ع): جُعلت فداك، إنا نأكل كلَّ ذبائح أهل الكتاب، ولا ندري أيسمون عليها أم لا ؟ فقال (ع): «إذا سمعتموهم قد سموا فكلوا، أتدري ما يقولون على ذبائحهم؟

فقلت: لا .

فقرأ شيئاً لم أعرفه ثم قال: بهذا اُمروا.

فقلت: جعلت فداك إن رأيت أن نكتبها.

قال (ع): اُكتب نوح أيوا ادينو بلهيز مالحوا عالم اشرسوا أورصوبنوا (يوسعه) موسق ذعال اسطحوا»(22).

وفي رواية اُخرى أنّ النص كالآتي «باروح أنا ادوناي إيلوهنوا ملخ عولام اشرفدشنوا عبسوتا وسينوانوا على هشخيطا» ومعناه تباركت أنت الله مالك العالمين، الذي قدسنا بأوامره، وأمرنا على الذبح(23).

3 ـ روى أبو بصير قال: كنت عند أبي عبد الله (ع) وعنده رجلٌ من أهل خراسان وهو يكلمه بلسان لا أفهمه(24) وكانت الفارسية.

ووفد عليه قوم من أهل خراسان، فقال (ع) لهم: «من جمع مالا يحرسه عذبه الله على مقداره» فقالوا له باللغة الفارسية: لا نفهم العربية، فقال (ع) لهم: «هركه درم اندوزد جزايش ذوزخ باشد»(25).

4 ـ روى أبان بن تغلب قال: غدوت من منزلي بالمدينة وأنا أريد أبا عبدالله فلما صرت بالباب وجدت قوماً عنده لم أعرفهم، ولم أرَ قوماً أحسن زيّاً منهم، ولا أحسن سيماءً منهم كأنَّ الطير على رؤوسهم، فجعل أبو عبدالله(ع) يحدّثنا بحديث فخرجنا من عنده، وقد فهَّم خمسة عشر نفراً، متفرقي الألسن، منهم العربيُّ، والفارسيُّ، والنبطيُّ، والحبشيُّ، والصقلبيُّ، فقال العربيُّ: حدثنا بالعربية، وقال الفارسيُّ: حدثنا بالفارسية، وقال الحبشيُّ: حدّثنا بالحبشية، وقال: الصقلبيُّ: حدثنا بالصقلبية وأخبر (ع) بعض أصحابه بأنّ الحديث واحد، وقد فسره لكل قوم بلغتهم(26).

5 ـ ودار الحديث بين الإمام (ع) وبين عمار الساباطي باللغة النبطية فبهر عمار وراح يقول: (ما رأيت نبطياً أفصح منك بالنبطية..).

فقال (ع) له: «يا عمار وبكلّ لسان»(27).

 

هيبته ووقاره :

كانت الوجوه تعنو لهيبة الإمام الصادق (ع) ووقاره، فقد حاكى هيبة الأنبياء، وجلالة الأوصياء، وما رآه أحدٌ إلاَّ هابه إذ كانت تعلوه روحانية الإمامة، وقداسة الأولياء . وكان ابن مسكان وهو من خيار الشيعة وثقاتها لا يدخل عليه شفقة أن لا يوافيه حقّ إجلاله وتعظيمه، فكان يسمع ما يحتاج إليه من اُمور دينه من أصحابه، ويأبى أن يدخل عليه(28) .

الهوامش

(1) الفصول المهمّة لابن الصباغ، : 2/878 .

(2) أُصول الكافي: 1/472، تاريخ أهل البيت: 122، الإرشاد: 2/180، تذكرة الخواص: 306 و307 .

(3) القاسم بن محمّد بن أبي بكر كان من الفقهاء الأجلاء، وكان عمر بن عبد العزيز يجله كثيراً وقد قال: لو كان لي من الأمر شيء لوليت القاسم بن محمّد الخلافة، وقد عمر طويلا وذهب بصره في آخر عمره، ولما احتضر قال لابنه: سن عليّ التراب سناً ـ أي ضعه علي سهلا ـ وسوّي على قبري، والحقّ بأهلك، وإياك أن تقول: كان أبي، وكانت وفاته بمكان يقال له قديد، وهو اسم موضع يقع ما بين مكة والمدينة، راجع ترجمته في صفة الصفوة: 2/51 ـ 52 والمعارف: 102، ومعجم البلدان: 3 / 313، ووفيات الأعيان: 4/ 59.

(4) الإمام الصادق كما عرفه علماء الغرب: 72.

(5) تاريخ ابن الوردي: 1/266، الاتحاف بحب الإشراف: 54، سر السلسلة العلوية لأبي نصر البخاري: 34، ينابيع المودة: 457، تذكرة الحفاظ: 1/157، نور الأبصار للشبلنجي: 132، وفيات الأعيان: 1/191.

(6) أُصول الكافي: 1/472، تاريخ أهل البيت: 81 ، والإرشاد 2/179، إعلام الورى: 1/514 .

(7) مناقب آل أبي طالب: 4/208.

(8) موسوعة الإمام الصادق(ع) القزويني: 1/162 .

(9) قال السمعاني في أنسابه : 3 / 507، الصادق لقب لجعفر الصادق لصدقه في مقاله.

(10) موسوعة الإمام الصادق، للقزويني : 1 / 22 .

(11) تذكرة الخواص: 307، مرآة الزمان: 5/ ورقة 166 من مصورات مكتبة الإمام أمير المؤمنين.

(12) تاريخ أهل البيت: 131، وتذكرة الخواص: 307 .

(13) مرآة الزمان: 5/ ورقة 166 .

(14) سر السلسلة العلوية: 34.

(15) مناقب آل أبي طالب، لابن شهرآشوب: 4/281.

(16) المصدر السابق.

(17) المصدر السابق.

(18) مناقب آل أبي طالب: 4/281. .

(19) هذه المجموعة من النجوم تسمى في اصطلاح العلم الحديث «أوريكا» أو «أريجا».

(20) الإمام الصادق كما عرفه علماء الغرب: 108 ـ 112.

(21) الإمام الصادق كما عرفه علماء الغرب: 48، انظر بحار الأنوار، المجلسي: 47/84 .

(22) الإمام الصادق كما عرفه علماء الغرب: 47، بصائر الدرجات، الصفار: 354 .

(23) المصدر السابق : 48، بحار الأنوار، المجلسي: 63/27 ولم يرد ذلك في رواية ممّن يعرف باللغة العبرية .

(24) الاختصاص: 183.

(25) الإمام الصادق كما عرفه علماء الغرب: 46.

(26) الإمام الصادق كما عرفه علماء الغرب: 46 ـ 47 ، انظر بحار الأنوار، المجلسي: 47/99 وفي الرواية (متفرقوا الألسن) وما في متن الكتاب مضمون الرواية وليست نصّها .

(27) الاختصاص: 283.

(28) الاختصاص: 203.

طهران لواشنطن: كراهية البشرية لك ستتفاقم

تواصلت التصريحات الرافضة لأي تدخّل عسكري خارجي في سوريا، في طهران عاصمة الحليف الاستراتجي لدمشق، حيث كرّر وزیر الخارجیة محمد جواد ظریف، أمس، خلال اتصال هاتفي مع مبعوث الأمم المتحدة الخاص الی سوریا الاخضر الابراهیمي، التعبير عن قلق الجمهوریة الاسلامیة من أي مغامرة جدیدة في المنطقة، محذّراً من تداعیاتها الخطیرة.

وتباحث ظریف خلال هذا الاتصال الهاتفي مع الابراهیمي بشأن المستجدات علی الساحة السوریة. وندد ظریف مرة أخری باستخدام الأسلحة الکیمیائیة.

وكتب ظریف أمس في صفحته علی أحد مواقع التواصل الاجتماعي، تحت عنوان «هل جمیع الخیارات مطروحة علی الطاولة؟» وجّه فیه نقداً لقرار عدد من الدول الغربیة بمهاجمة سوریا.

وتساءل ظریف: «هل یمكن في عالم الیوم تحقیق الأهداف الانسانیة أو السیاسیة من طریق الحرب والعملیات العسكریة؟».

وأضاف وزير الخارجية الإيرانية أن «استخدام السلاح الكیمیائي بغض النظر عمّن یستخدمه یُعتَبر جریمة یجب ادانتها، وهذا هو موقف إیران الثابت والشفاف. لكن الذین یقیمون الدنیا ولا یقعدونها هل اتخذوا الموقف ذاته عندما استهدف المدنیون في سردشت وحلبجة وكان المجرم معروفاً»، في اشارة الى نظام صدام حسين في العراق خلال الحرب العراقية الايرانية (1980-1988).

واستنتج قائلاً: «یجب النظر بشك وریبة الی أهدافهم، ولا سیما أن احتمال ارتكاب هذه الجریمة من قبل المجموعات المتطرفة كبیر جداً في ضوء الظروف المیدانیة والوثائق الموجودة».

في غضون ذلك، أكد وزير الدفاع الإيراني، العميد حسين دهقان، في اتصال هاتفي مع نظيره السوري، العماد جاسم الفريج، أن الخاسر الرئيسي في اي حرب في المنطقة هو من يبدأ بها.

وقال دهقان، للفريج، إن «ايران تتابع بدقة وحساسية التطورات الأمنية في المنطقة والأزمة الحاصلة في البلد الصديق والشقيق سوريا». وأكد «ضرورة الاستفادة من الوسائل السياسية والسلمية لحل المشكلات الأمنية»، معتبراً أن استخدام القوة والعنف سيؤدي إلى تصاعد الأزمة وتعميمها على الوحدات السياسية ولن يؤدي إلى الحد من التوتر.

وأعرب وزير الدفاع السوري عن شكره لاتصال وزير الدفاع الايراني، ونفى بشدة مزاعم الغربيين باستخدام الجيش السوري للسلاح الكيميائي، وقال: «ان الارهابيين الجناة عمدوا الى استخدام الأسلحة الكيميائية وقتل النساء والاطفال والأبرياء للحصول على المزيد من الدعم من الدول الإقليمية والكبرى للتعتيم على هزيمتهم ولحرف الرأي العام وتبرير استمرارهم في جرائمهم».

في هذه الاثناء، أكد خطيب جمعة طهران المؤقت، كاظم صديقي، أن أميركا اذا شنت هجوماً على سوريا، فإن النصر سيكون حليف المقاومة والشعب السوري الذي سيمرغ أنفها بالتراب.

وأشار صديقي الى الأحداث على الساحة السورية، قائلاً «إن الأميركيين بصدد الهجوم على سوريا بذريعة استخدام السلاح الكيميائي، وطبعاً يتذكر الجميع انهم (الاميركيين) قاموا بغزو أفغانستان تحت ذريعة غامضة، واجتاحوا العراق بنفس ذريعة السلاح الكيميائي. واضاف أن «الادارة الاميركية والمسؤولين وصلوا الى حضيض الذلة بحيث غرقوا في المستنقع الذي ورطتهم فيه اسرائيل، وهم قد دخلوه بأنفسهم لكن الخلاص منه خارج عن ارادتهم».

ووصف خطيب جمعة طهران المؤقت، الهجوم الاميركي المحتمل على سوريا بأنه عامل لإثارة الازمة في المنطقة، قائلاً إن «هذا الهجوم سيعرّض اسرائيل للخطر، وبالتالي لن يؤدي الى تحقيق أميركا للنصر، بل سيفاقم من كراهية بشرية جمعاء لأميركا».

السبت, 31 آب/أغسطس 2013 05:19

التموين والفكاهة في مواجهة الحرب

التموين والفكاهة في مواجهة الحرب

شكّلت التهديدات الأميركية ضغطاً إضافياً بالنسبة لحركة نزوح ولجوء السوريين إلى المدن والبلدان المجاورة. وزادت هذه التهديدات الطين بلّة بما يخص متطلبات الحياة اليومية وتأمين مستلزمات الاستمرار في ظل أصوات طبول الحرب التي تُقرَع بشدّة

أيام من الازدحام على الأفران في معظم المدن السورية؛ حيث انشغل الدمشقيون بتحضير «وسائل الصمود» في وجه التحديات الراهنة، فيما تسمّرت العيون أمام شاشات التلفزة تترقّب التطورات السياسية التالية.

الأفران الرئيسية الكبرى شهدت حالات تدافع بغرض الحصول على كميات أكبر من الخبز، خشية انقطاعه فيما لو حصلت الضربة الأميركية فعلاً. الأمر نفسه رصد في مدينة اللاذقية، التي خشي سكانها من ضربة بحرية متوقعة، إذ يقول محمد، خباز في إحدى القرى: «البعض يشتري كميات كبيرة من الخبز، وهو ما حاولنا ضبطه من خلال عدم إعطاء أي شخص كميات زائدة عن حاجة عائلته». يتابع الرجل حديثه عن وضع الأفران في المدينة بقوله: «الخبز متوافر كالمعتاد. يومان من الازدحام مرّا، وعندما اكتفى الناس من التمون بما يحتاجون إليه، عادت الأمور إلى طبيعتها. لم ينقطع الخبز يوماً واحداً من أفران المدينة».

محطات الوقود تشهد بدورها ازدحاماً دائماً، ولا سيما في العاصمة دمشق. وقد نالت حصتها من الضغط في طلب البنزين، إلا أنّ حسن، عامل في محطة وسط دمشق، يؤكد أن الوقود متوافر رغم الازدحام الشديد، وهو ما تفسّره الطوابير اللامتناهية من السيارات المتزاحمة على جميع محطات الوقود في المدينة. يسخر الشاب من الوضع بابتسامة متفائلة، ويقول: «الحمدلله ما فيه شي مقطوع بالبلد إلا نفَس العالم بانتظار الضربة العسكرية». إمكانية صمود الدمشقيين لن تحصل دون تأمين مستلزمات الأيام الصعبة المتوقعة، الأمر الذي تشرحه ملاحظة الوضع العام والتدقيق في ردود الأفعال الشعبية حيال احتمال الحرب القائم، حيث امتلأت البيوت بالمواد الغذائية المخزّنة التي تساعد الناس على التسمّر أمام شاشاتهم، وفي بيوتهم، أطول وقت ممكن، ريثما يظهر ما ستتمخض عنه الأحداث من حولهم.

وفي حين ارتفع سعر الدولار خلال يومين ليتجاوز 250 ليرة سورية، وليتراوح السعر حول هذا الرقم انخفاضاً أو ارتفاعاً، إلا أن إمكانية التصريف قليلة بسبب جمود الأسواق، والذي يترافق مع توتر الوضع الأمني والسياسي في المنطقة. يأتي ذلك في ظل تحفظ التجار على البيع والشراء، إلا لمن يرغب بالبيع بأسعار أقل من السعر الحقيقي، ولا سيّما في ظل الرقابة العالية للدولة السورية على الصرافة، وتشدّدها في القبض على المخالفين، والذي لم يتوقف في ظل الضجة الإعلامية المرافقة للتهديدات. فيما يلاحظ انخفاض سعر الدولار أو ارتفاعه عشرات الليرات بحسب حالة الخوف والترقب لدى السوريين.

شوارع دمشق تشهد حركة طبيعية خلال أوقات محددة من النهار، غير أنها تفرغ من سكانها وسياراتها بعد الظهر. إرادة الحياة لدى الدمشقيين تحاول أن تغلب أمزجتهم التي ساءت مع ظروفهم وأوضاع بلادهم، ما جعل التشاؤم يغلب على أيامهم. حركة النزوح داخل المدن ازدادت أيضاً، فيما شهدت الحدود عبور أكثر من 10 آلاف سوري نحو الأراضي اللبنانية، ضمن سياراتهم، ما يعطي انطباعاً واضحاً عن الأحوال المادية للاجئين. اللجوء الموقت إلى لبنان، يترافق مع نزوح بسيط بين المناطق السورية، ولا سيّما من دمشق والجنوب باتجاه الساحل. بالإضافة إلى تحرّك للمقيمين في مناطق قريبة من المواقع الاستراتيجية والمطارات باتجاه مراكز المدن. في وقت أصبحت استعدادات الجيش السوري حديث الشارع في الداخل، إذ إن تغيير المواقع ورفع حالة الاستنفار إلى أقصى درجاتها هي أبرز ما يسود الوضع العسكري الحالي. أحد العسكريين يؤكد لـ«الأخبار» أنّ لا خشية من مسلحي الداخل الذين لم يكونوا يوماً سوى أدوات بسيطة للعدو الخارجي، ولم يكن دورهم يتمثل إلا في التغلغل بين المدنيين وإرباك الجيش واستنزافه. ويشير الضابط إلى أنّ المعركة الإقليمية منتظرة منذ سنوات، تأخرت أو تقدمت، فلا ضير من أن يحين وقت إعلانها، ما دام الموت يخيّم على كل شيء في البلاد. يطيب للعسكري السوري الموت أمام عدو خارجي بدل «الموت بيد ابن البلاد وحلفائه التكفيريين».

وعلى الرغم من أن أثرياء دمشق هرّبوا عائلاتهم إلى العاصمة اللبنانية، خشيةً على حياتهم من الموت الذي يحاصر البلاد، يبقى السؤال عن أكثر ما يمكن أن يخيف سكان البلاد، وكيف يحصّنون أنفسهم؟ سؤال يجيب عنه سالم، طالب جامعي: «نتحصن في بيوتنا التي لا نملك إلا جدرانها. وأكثر ما نخشاه الفوضى ما بعد الضربة العسكرية». في حين تستهزئ سماح، مدرّسة، بما يُشاع عن أي ضربة محدودة لدمشق، معتبرة أنّ الأمر لا يتعدى التهويل الإعلامي لسحق معنويات الشعب السوري وفرض تنازلات على القيادة السياسية.

ليس أمر مواجهة التهديدات الأميركية لسوريا سهلاً على أبناء البلاد، الذين يحاولون مغالبة واقعهم بحس الفكاهة واختراع النكات، إلا أن احتمال قطع الاتصالات يشكّل رعباً آخر يخيّم على كوابيسهم. وفي الوقت الذي يسخر معظمهم مما ستؤول إليه الأوضاع، يرى كثيرون أن الأمور تسوء منذ أشهر طويلة، وهذا لم يضعف عزيمة الجيش، إذ بقي مؤيدوه يستمدون من قوته التفاؤل والاستمرار. وبينما ينتظر الجميع ما ستؤول إليه الأوضاع يواجه السوريون التهديدات بتموين ما يحتاجون إليه، وكتابة الوصايا الفايسبوكية، ومحاولة الابتسام، على أمل إيجاد حل سياسي يعفيهم من الحرب القادمة ونكباتها الإضافية.

أوباما يقدّم مطالعة الحرب... في انتظار التوقيت

هي الحرب المنتظرة في المنطقة. الأصابع على الزناد وما عاد ينقص سوى إطلاق الرصاصة الأولى. أما التوقيت فدونه حسابات لا علاقة لها بأصل القرار. لعبة رأي عام دولي وتوازنات داخلية أميركية ليس أكثر. ألم يقدم باراك أوباما مطالعته الأخيرة أمس معلناً عودة البرابرة إلى بلاد العرب؟

الكلام صدر أمس، صحيح أن باراك أوباما قال إنه «لم يتخذ قراراً» بعد، لكنه قدم كل الأسباب الموجبة التي جعلته يستخلص أن دمشق يجب أن تدفع ثمن فعل تؤكد هي أن لا دليل على أنها ارتكبته. قالها بوضوح ان لديه من الأسباب ما يكفي لشن حرب من دون شرعية الأمم المتحدة.

بل حتى من دون مساعدة من بريطانيا التي أجبرها مشرعوها على الوقوف جانباً. وما أغفله الرئيس الأميركي، تولى وزير خارجيته جون كيري الإفصاح عنه. ملف كامل كان لا بد لموسكو أن تسارع في الرد عليه، معتبرة أن حجة واشنطن غير مقبولة، ولدمشق أن تقدم مرافعة تجدد فيها التأكيد على أن القضية مفبركة.

وكرر اوباما مقولة أن العملية الاميركية لمعاقبة النظام السوري ستكون «محدودة». ورأى أن الاسلحة الكيميائية تهدد الامن القومي الأميركي، ومعه الأردن وإسرائيل. وأعرب عن اعتقاده بأن مجلس الأمن الدولي عاجز عن اتخاذ الإجراءات المناسبة ردا على استخدام السلاح الكيميائي بسورية، مشيرا إلى أن عدم القيام بأي عمل في هذه الظروف سيعني أن القوانين الدولية غير مجدية. واعترف بأن الولايات المتحدة ترى أنه من الأفضل الآن «إيجاد حل متعدد الأطراف» للملف السوري.

أما كيري فأكد أن أي عمل عسكري ستقوم به بلاده وحلفاؤها لن يكون مثل الذي قاموا به في العراق وأفغانستان وليبيا، مشيراً إلى أن الحرب لن تكون طويلة بل ستكون الضربة محدودة ومؤثرة ولن تشارك فيها قوات على الارض. وأضاف أن «الصواريخ انطلقت من المناطق التي يسيطر عليها النظام، وسقطت في الأماكن التي تسيطر عليها قوات المعارضة، نعرف من أين انطلقت وأين سقطت ومتى وقع الهجوم بالأسلحة الكيميائية».

وأفاد الوزير الأميركي أن نظام الرئيس بشار الأسد لديه أكبر مخزون للأسلحة الكيميائية في المنطقة وأنه استخدمها ضد المدنيين العزل في ضواحي دمشق في 21 آب الحالي، مشيراً إلى أن النظام السوري قصف مكان «الجريمة» لمدة أربعة أيام لإخفاء الأدلة على استخدامه السلاح الكيميائي.

وللقيام بهذا التدخل العسكري المحتمل، سمى وزير الخارجية حلفاء لواشنطن مثل فرنسا والجامعة العربية واستراليا. واعتبر ايضا ان هذه العملية ستكون بمثابة رسالة الى ايران وحزب الله اللبناني، حليفي النظام السوري.

كذلك، اعلن مسؤول مقرّب من الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند أن الأخير واوباما اللذين تحدثا عبر الهاتف أمس «واثقان كلاهما بالطبيعة الكيميائية للهجوم وبالمسؤولية المؤكدة للنظام» السوري عنه.

تصريحات تزامنت مع تسريب تقرير للاستخبارات الأميركية حمّل «بقدر عال من الثقة» النظام السوري مسؤولية الهجوم الكيميائي، لافتاً إلى أنه اسفر عن 1429 قتيلاً على الاقل بينهم 426 طفلاً. وأفاد التقرير الذي نشره البيت الابيض واستند في معلوماته إلى «عدة» مصادر استخباراتية أن النظام السوري استخدم في هذا الهجوم غازات الاعصاب، مستبعداً «في شكل كبير» أن يكون المعارضون السوريون قد شنوا الهجوم.

وكان الرئيس الأميركي باراك أوباما، أبلغ أعضاء الكونغرس الأميركي بتفاصيل رد الولايات المتحدة المحتمل على النظام السوري.

وكشف وزير الدفاع الأميركي تشاك هاغل أن الولايات المتحدة ما تزال تعمل على تشكيل «تحالف دولي» للرد على الهجوم المفترض بالسلاح الكيميائي في سوريا، وذلك بعد رفض مجلس العموم البريطاني المشاركة بالتدخل العسكري ضد سوريا.

هولاند استبعد من جهته احتمال أن توجه الولايات المتحدة وحلفاؤها ضربة إلى سوريا قبل الأربعاء المقبل الذي سيشهد انعقاد جلسة طارئة للجمعية الوطنية الفرنسية لمناقشة الموضوع السوري.

ورفض رئيس الوزراء التركي رجب طيب اردوغان «الاكتفاء بعملية عسكرية محدودة ضد سوريا المتهمة بشن هجوم كيميائي على مدنيين من سكانها»، معتبرا ان «اي تدخل ينبغي ان يهدف الى اسقاط النظام في هذا البلد».

ومن نيويورك، قال دبلوماسيون ان الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون ابلغ الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن أن النتائج النهائية لتحليل العينات التي جمعها خبراء الأسلحة الكيميائية في سوريا الاسبوع الماضي قد لا تكون جاهزة قبل اسبوعين.

وسارع الناطق باسم الخارجية الروسية ألكسندر لوكاشيفيتش إلى التأكيد أن «التصريحات التي أطلقتها واشنطن والتي تهدد فيها باستخدام القوة ضد سوريا غير مقبولة». وأضاف أن «أي عملية عسكرية دون تفويض من مجلس الأمن الدولي، مهما كانت محدودة، ستصبح خرقا مباشرا للقانون الدولي وستنسف آفاق الحل السياسي الدبلوماسي للنزاع في سوريا وستؤدي إلى تصعيد جديد للمواجهة وسقوط المزيد من الضحايا. ولذا لا يجوز السماح بذلك».

أما وزارة الخارجية السورية فوصفت تقرير الاستخبارات الاميركية بأنه مجرد ادعاءات «كاذبة» و»بلا دليل» بل «روايات قديمة نشرها الارهابيون منذ اكثر من اسبوع بكل ما تحمل من فبركة وكذب وتلفيق»، مؤكدة ان «كل نقاط الاتهام للحكومة السورية هو كذب وعار عن الصحة».

وفند البيان السوري بعضا من عناصر الاتهام التي وردت في التقرير الاميركي ومنها «قضية الاتصال لأحد الضباط السوريين بعد الهجوم المفترض وهي أسخف من أن تناقش»، في اشارة الى اتصالات قالت الاستخبارات الاميركية انها اعترضتها بين مسؤول سوري رفيع المستوى «على علم وثيق بالهجوم» يؤكد فيها استخدام اسلحة كيميائية من جانب النظام. وقد ابدى هذا المسؤول، بحسب التقرير الاميركي، قلقه من حصول مفتشي الامم المتحدة الموجودين في العاصمة على ادلة، بحسب التقرير.

وكان وزير الخارجية السوري وليد المعلم أكد لبان كي مون أن دمشق سترفض اي تقرير جزئي تصدره الأمم المتحدة قبل انتهاء فريق التحقيق في استخدام السلاح الكيميائي من عمله.

اللافت كان في ما نقله مراسل وكالة «اسوشيتد برس» دايل كفاليك ونشره موقع «infowars.com» أمس في شأن أن «استخدام الكيميائي في الغوطة الشرقية والتي أدت الى مقتل نحو 800 شخص، واتهمت القوى الغربية النظام باستخدامها، كانت ناتجة عن سوء استعمال المسلحين لمواد زودتهم بها السعودية». وأشار المراسل الى أن «بعض المسلحين استلموا أسلحة كيميائية عن طريق رئيس المخابرات السعودية الأمير بندر بن سلطان، وهم من قاموا بتنفيذ هذا الهجوم». ولفت المراسل نقلا عن المسلحين، الى «أنهم غير مدربين بشكل صحيح على كيفية التعامل مع الأسلحة الكيميائية وأنه على ما يبدو كان من المفترض أن تعطى الأسلحة إلى تنظيم القاعدة فرع جبهة النصرة في سوريا».

السبت, 31 آب/أغسطس 2013 04:53

قدرنا...المقاومة!

قدرنا...المقاومة!

إلى الجحيم كل نقاش حول ديموقراطية تدعمها أميركا وفرنسا وبريطانيا والسعودية وتركيا وإسرائيل...

إلى الجحيم كل مسعى إلى حرية بدعم من هؤلاء القَتَلة.

إلى الجحيم كل تافه، مجرم، خائف، مهما كان شكله أو اسمه أو عنوانه أو وظيفته.

 

الى الجحيم كل الذين يدعمون حرب التدخل العالمية لإسقاط سوريا.

الى الجحيم كل هذه الحفنة من العملاء الذين لا بد ان يحاكمهم الناس في يوم قريب، في حالة استقرار أو حالة فوضى.

الى الجحيم كل الخونة، وكل خطاباتهم، وكل دموعهم الكاذبة، وكل عويلهم وصراخهم، وكل منظماتهم الخاصة بحقوق الانسان، وكل منظمات مجتمعاتهم المدنية الخانعة.

قرار الحرب على سوريا، ليس سوى الخطوة الاخيرة، المقررة منذ سنتين ونصف، بحثاً عن تدمير المقاومة، مدنا وبشرا وفكرة ايضا.

لا مجال لأيّ نوع من المساومة، ولا مجال لأيّ نقاش أو سجال، ولا مجال للاستماع إلى أيّ عميل يعرض علينا لائحة الأسباب والمسبّبين، ومَن يتمسّك من هؤلاء برأيه أو موقعه، أو تصنيفه، فليذهب ويضع عصبة على جبينه بعدما وضع عصبة على عينيه، ولينضمّ إلى مجموعات العملاء والتكفيريين.

هؤلاء يعيشون أصلاً على فتات سارقي الثروات العربية، يعملون عندهم، ويتلقّون منهم الأموال وكل أشكال الدعم، ولم يعد ينقصهم سوى إعلان الاندماج كليّاً في عوالم هؤلاء القَتَلة الذين بات واجباً وفرض عين على كل قادر مقاتلتهم، حيث هم، حيث يتواجدون، حيث تتوافر فرصة الانتقام منهم، ومعاقبة كل الخونة، واحداً تلو الآخر، في أسرّتهم، أو خلف مكاتبهم، أو داخل دباباتهم، أو في قصورهم، لوحدهم، أو بين أفراد عائلاتهم...

ماذا تريدون منا اليوم؟

هل تريدون تكرار تجربة العراق؟

هل تريدون تكرار تجربة أفغانستان والصومال؟

هل تريدون تكرار تجربة ليبيا؟

هل تريدون تكرار تجربة حروب لبنان؟

او هل انتم تعتقدون انها الحرب التي تقضي على حق لن يزول اسمه الوحيد الدائم الى ابد الابدين: فلسطين!

لسنا مضطرّين إلى تكرار السجال، ولا إلى تكرار البحث والأجوبة والتعليقات والتحذيرات، ولسنا مضطرّين سوى إلى إعلان موقف واحد، وهو أنّ الحرب التي يُعَدُّ لها ضدّ سوريا هي حرب استعمارية، وكل مشارك فيها، كلياً، تأييداً، تمويلاً، ترويجاً، تبريراً، وقتالاً، هو عميل خائف، ولا عقوبة له سوى الموت، جهاراً نهاراً بدون خجل أو حياء!

إنّها الحرب!

سيستفردون دمشق، أم مدن العالم، ويريدون سحق الناس والجيش والقيادة هناك. يريدون تدمير التاريخ والموروث الوطني بوجه الغزاة. ويريدون تدمير كل روح تقاوم الاستعمار وتدعم المقاومين في كل المنطقة. ويريدون مدّ شريان حياة دائمة لإسرائيل، ولأنظمة القهر في بلادنا العربية، ويريدون إيصال العملاء، من كل الصنوف والأشكال، لتولّي بلدان وسرقة ثرواتها، وإبادة شعوبها.

عندما تقول اميركا انها لا تحتاج الى تغطية، ولا الى تبرير قانوني، ولا الى تحقيق علمي، ولا الى دعم سياسي، وانها تقدر على التحكم بمصير امة لمجرد انها قررت ان مصلحتها تفرض عليها ذلك، يعني ان علينا التصرف مثلها تماماً، بأن لا ننتظر تغطية ولا دعما ولا تبريرا ولا سؤالا عن معايير دولية وخلافه، وان نخوض بوجهها، ووجه مستعمراتها، كل انواع الحروب والقتال، وان نسعى، بكل جهد، الى نقل النار الى ارضها، في كل مكان من ارضها ومدنها، والى أن نصرخ بوجه السفاح، ان كل ذلك سنقوم به، من دون ان تقدروا على تجريدنا من انسانيتنا، تلك التي نحتفظ بها لاجل انفسنا ولاجل اولادنا ولاجل المقهورين في كل الارض.

امس، ظهر الغرب كله على حقيقته. غرب حاقد، قاتل، لا مكان فيه لحق إلا لمن يعرف الخنوع امامه، ولا امان فيه الا لمن يرفع الراية البيضاء.

امس بدت اوروبا كريهة. ليست عجوزا حمقاء فقط، بل قبيحة، السم يفحّ من كل ثناياها، وفيها العار يسكن صناع الرأي العام، ويسكن مصانعها ومدارسها وجامعاتها وناسها الذين لا يخرجون ويطردون القتلة من بينهم.

ليس لنا سوى مقاومتهم، بكل ما تملكه ايدينا وعقولنا ودمائنا، ولا شيء سيحجب عنا رؤية العدو الواحد، الذي له وجوه عدة، ولكن باسم واحد: انهم البرابرة، مصاصو الدماء... اما نحن، فقدرنا هو المقاومة!

ابراهيم الأمين

الإمام الخامنئي يستقبل رئيس الجمهورية و أعضاء هيئة الوزراء بمناسبة أسبوع الحكومة طباعة

28/08/2013

استقبل سماحة آية الله العظمى السيد علي الخامنئي قائد الثورة الإسلامية صباح يوم الأربعاء 28/08/2013 م رئيس الجمهورية الإسلامية الإيرانية الجديد الشيخ حسن روحاني و أعضاء هيئة الوزراء في أول لقاء له بالحكومة الحادية عشرة الجديدة، و ثمّن التنسيق بين الحكومة و مجلس الشورى الإسلامي لبدء أعمال الحكومة الجديدة بسرعة، و وصف السيد روحاني بأنه رئيس جمهورية جيد و ثقة و ذو سوابق ثورية مشرقة، و عدّد المؤشرات المهمة للحكومة الجيدة بما في ذلك النزاهة العقيدية و الأخلاقية، و تقديم الخدمة للشعب، و العدالة، و النزاهة الاقتصادية و مكافحة الفساد، و النزعة القانونية، و الحكمة و العقلانية، و الاعتماد الإمكانيات الداخلية الذاتية للبلاد، مؤكداً: اجعلوا الاقتصاد و العلم على رأس أولوياتكم، و اعملوا على احتواء التضخم، و تأمين الاحتياجات الأساسية للشعب، و ازدهار الإنتاج، و خلق الحراك و الاستقرار في القطاع الاقتصادي، لتضاعفوا من آمال الشعب بمستقبل مشرق.

كما وصف سماحته تهديد أمريكا بالتدخل في سورية بأنه فاجعة أكيدة للمنطقة مؤكداً: أي نوع من أنواع التدخل و إثارة الحروب سينتهي يقيناً بضرر مؤجّجي الحروب.

و بارك آية الله العظمى السيد علي الخامنئي أسبوع الحكومة لكل المسؤولين و المدراء و المنتسبين الخدومين للسلطة التنفيذية منوّهاً: يتزين أسبوع الحكومة باسم الشهيدين الجليلين رجائي و باهنر، و مبادرة كل الحكومات إلى جعل أسماء و أهداف هذين الشهيدين نصب أعينهم ممارسة ذات مغزى.

و أثنى سماحته على سرعة رئيس الجمهورية و متابعته في تسميته الفورية للوزراء و تقديمهم إلى مجلس الشورى الإسلامي لإحراز الثقة، مضيفاً: الثقة الجيدة التي منحها مجلس الشورى الإسلامي للوزراء المقترحين مهّدت الأرضية لبدء الحكومة الجديدة بأعمالها سريعاً، و هذا ما يدل على تنسيق و تناغم قيّم بين السلطتين، و الاهتمام الجدير بالتقدير لرئيس الجمهورية و مجلس الشورى الإسلامي بالبدء السريع للحكومة بأنشطتها.

و أبدى قائد الثورة الإسلامية أمله بالبروز العيني لنقاط قوة الحكومة الحادية عشرة و استمرار و مضاعفة آمال الشعب مردفاً: وجود السيد روحاني بسوابقه الكفاحية و الثورية المشرقة و مواقفه الجيدة و الصحيحة طوال العقود الثلاثة الأخيرة، هو بلا شك من نقاط قوة الحكومة الجديدة.

و أشار سماحته إلى العزيمة الراسخة لرئيس الجمهورية على حلّ المشكلات مردفاً: ستستطيع الحكومة إن شاء الله و بالاعتماد على العزيمة القوية و السير في الطريق الصحيح النهوض بواجباتها الجسيمة.

و استمر حديث قائد الثورة الإسلامية في أول لقاء له بأعضاء هيئة الوزراء الجديدة بذكر المؤشرات المهمة للحكومة الإسلامية الجيدة.

فاعتبر الإمام الخامنئي النزاهة العقيدية و الأخلاقية من المؤشرات البارزة للحكومة الإسلامية المطلوبة مضيفاً: هذه العقائد و النظرات الصحيحة لحقائق المجتمع من شأنها أن تؤدّي إلى سلامة أداء الحكومة.

و في هذا الصدد، اعتبر سماحته كلمات الإمام الخميني (رض) و توجيهاته و مواقفه مؤشراً أساسياً، و أضاف مؤكداً: أصول الثورة الإسلامية و قيمها متجلية في كلمات الإمام الخميني و مواقفه، و إذا التزمنا بها و انشددنا إليها عملياً، و راجعناها في مواطن الغموض و الالتباس، فستكون عاقبة الأمور و مآلها بفضل من الله إلى خير، و سنتقدم إلى الأمام.

و في معرض إيضاحه لمؤشر النزاهة العقيدية و الأخلاقية أكثر، أكد قائد الثورة الإسلامية على ضرورة الثقة و الطمأنينة التامّة بالوعود الإلهية بالنصرة و العون، مردفاً: في تجارب مثل انتصار الثورة و الدفاع المقدس و الانتصار على حالات التمرّد القومية المتعددة في مستهل الثورة، لمس الشعب و المسؤولون في البلاد تماماً و بشكل واضح تحقق الوعود الإلهية، و هذه التجارب القيّمة أرضية ممهدة لثقة أتمّ و أكمل بوعود الباري سبحانه بالنصر و المعونة.

و ألمح آية الله العظمى السيد الخامنئي إلى كلام السيد روحاني قائلاً: الثقة بالله و النظرة الصحيحة و العقلانية هي التي تعالج المشكلات و القضايا.

و كان تقديم الخدمة للناس المؤشر الثاني الذي ذكره قائد الثورة الإسلامية في سرده لخصوصيات الحكومة الإسلامية المحبّذة.

و اعتبر سماحته تقديم الخدمة للناس الخطاب الأصلي للحكومة الإسلامية و فلسفة وجود المسؤولين مؤكداً: يجب أن لا تحول أية قضية بين المسؤولين و تقديم الخدمة للناس.

و لفت آية الله العظمى السيد الخامنئي: التصورات و الأذواق السياسية و الاقتصادية و الاجتماعية المتنوعة أمور جانبية، و تقديم الخدمة للناس هو الأصل، فلا تسمحوا للهوامش و الأمور الجانبية أن تتغلب على الأصل.

و ذكّر الإمام الخامنئي الحكومة الجديدة بالمرور السريع لفرصة تقديم الخدمة للناس مضيفاً: قلت لكل الحكومات السابقة أيضاً إن فرصة أربعة أو ثمانية أعوام من المسؤولية تمرّ بسرعة، و لكن حتى هذه المدة المحدودة تنطوي على فرص لا نهائية لتقديم الخدمة للشعب، و يجب عدم تفويت أي من هذه الفرص.

و في إطار موضوع خدمة الناس، أكد سماحة آية الله العظمى السيد الخامنئي على أهمية و قيمة النظرة و الأعمال الجهادية مردفاً: لا يعني العمل الجهادي العمل من دون قانون، و أنا أعارض بشدة الممارسات اللاقانونية، و لكن يمكن في إطار القوانين العمل بعيداً عن النظرة الإدارية المرسومة، و بنظرة جهادية و شوق مبدئي، و تجاوز العقبات و الموانع في السير إلى الأمام.

و اعتبر آية الله العظمى السيد الخامنئي العدالة من المؤشرات المهمة الأخرى للحكومة الإسلامية المطلوبة مردفاً: كما جرى التأكيد في السابق أيضاً، فإننا نتحرّى التقدم أو «التنمية» حسب التعبير الدارج، و لكن يجب بالتأكيد أن يكون هذا التقدم مصحوباً بالعدالة، و إلّا سيصاب المجتمع كما في البلدان الغربية بانقسام و تمييز و حالات سخط.

و كانت النزاهة الاقتصادية و مكافحة الفساد المؤشر الرابع للحكومة المنشودة من وجهة نظر قائد الثورة الإسلامية.

و ذكّر سماحته أعضاء الحكومة الجديدة بأن المنصب الحكومي موقع ذو وساوس تتعلق بحبّ السلطة و الامتيازات المادية، فحاذروا دوماً بعين بصيرة و مثل البروجكتر القوي الدائمي لإبعاد المؤسسة التي تتولون إدارتها عن وساوس الفساد.

و أشار الإمام السيد علي الخامنئي إلى وجود أجهزة إشراف في كل واحدة من السلطات الثلاث، و قال مخاطباً هيئة الوزراء: الفساد كالأرضة، لذا عليكم أن تمنعوا دبيب الفساد و الشفاعات و الارتشاء و الإسراف بكل حسم، حتى لا تكون هناك حاجة أساساً لتدخل الأجهزة الإشرافية و التفتيشية إلى حيّز عملكم الإداري.

و وصف قائد الثورة الإسلامية العاملين و المسؤولين في الأجهزة التنفيذية بأنهم أناس شرفاء و نزيهون، مردفاً: وجود عدد قليل من الأفراد غير النزيهين هو للأسف كالميكروب الذي يبدد جهود و مساعي العاملين الخدومين في الأجهزة و المؤسسات المختلفة، و يجب الحيلولة دون ذلك.

و اعتبر الإمام الخامنئي النزعة القانونية المؤشر الآخر المهم جداً للحكومة المطلوبة قائلاً: القانون هو السكة التي تسير عليها قاطرة الحكومة، و إذا خرجتم لأي سبب من الأسباب عن هذه السكة تعرض البلد و الشعب للأضرار.

و أردف سماحته قائلاً: قد تكون بعض القوانين ناقصة أو فيها عيوب، لكن أضرار عدم العمل بها أكثر من تطبيقها، لذا حاولوا تكريس النزعة القانونية و الالتزام بالقانون في كل الأجهزة و المؤسسات.

الإمام الخامنئي يستقبل رئيس الجمهورية و أعضاء هيئة الوزراء بمناسبة أسبوع الحكومة طباعة

و اعتبر قائد الثورة الإسلامية تطبيق الوثائق و القوانين الأساسية بما في ذلك السياسات العامة للنظام الإسلامي و ميثاق الأفق العشريني من لوازم النزعة القانونية مردفاً: قرارات المجالس العليا، بما في ذلك المجلس الأعلى للثورة الثقافية، و المجلس الأعلى للسايبري، و هو على جانب كبير من الأهمية، يجب أن تولى أهمية كبيرة و يجري العمل على أساسها.

و على الصعيد نفسه اعتبر قائد الثورة الإسلامية السياسات العامة لتطوير النظام الإداري مهمة جداً و أضاف قائلاً: للأسف حصل تأخير في تطبيق هذه السياسات، و يجب تنفيذها.

و كانت الحكمة و العقلانية الخصوصية السادسة التي أكد عليها قائد الثورة الإسلامية في لقائه بالسيد روحاني و حكومته.

و أكد سماحته على الحكومة بالاستفادة بشكل جيد من إمكانيات و قدرات الخبراء الداخليين في كل المجالات و الميادين مردفاً: يجب قبل أية خطوة، بل قبل أي تصريح و اتخاذ موقف، إجراء الدراسات الخبروية و التخصصية اللازمة، لأن تكاليف معالجة التبعات السلبية للأعمال غير الناضجة و الكلمات غير المدروسة تكاليف عالية.

الاعتماد على الإمكانيات الداخلية و الذاتية للبلاد كانت نقطة مهمة أخرى لفت قائد الثورة أنظار هيئة الوزراء إليها مؤكداً: مفتاح حل المشكلات يكمن في الإمكانيات و القدرات الداخلية للبلاد، و يجب الانتفاع منها بعقلانية.

و في معرض إيضاحه لضرورة الاعتماد على الإمكانيات الداخلية للبلاد أضاف قائلاً: هذا الكلام لا يعني عدم الاستفادة من الإمكانيات و الفرص الخارجية، إنما النقطة الأساسية هي أن لا نعقد الآمال على الخارج و لا نعتمد على الخارج.

و أشار قائد الثورة الإسلامية إلى جبهة أعداء الثورة مضيفاً: الواقع هو أنه لا يمكن و لا يجب توقع الصداقة و الصميمية من جبهة الخصوم.

و لفت سماحته قائلاً: نصيب كل بلد في العلاقات الدولية منوط باقتدار ذلك البلد، لذا ينبغي السعي بنحو مستمر لمضاعفة الاقتدار الداخلي للبلاد.

و تابع قائد الثورة الإسلامية حديثه بالإشارة إلى عدة نقاط بخصوص أولويات الحكومة الحادية عشرة.

فأشار آية الله العظمى إلى الجهوزية الجديدة لأعضاء الحكومة، و كذلك إلى محدودية الفرص و الهمم مؤكداً: القضايا الاقتصادية و التقدم العلمي أولويّتان أصليتان في البلاد يجب أن توليهما السلطة التنفيذية، و السلطات الأخرى أيضاً، اهتماماً خاصاً.

و أشار سماحته في إطار القضايا الاقتصادية إلى البنى التحتية الاقتصادية الجيدة التي أرسيت طوال العقد المنصرم في البلاد و أضاف: بالنظر لهذه البنى التحتية يجب أن توضع في جدول الأعمال الفوري للحكومة مهمّات توفير الاستقرار و الهدوء الذهني لدى الشعب و في السوق، و خفض التضخم، و تأمين الاحتياجات الأساسية للشعب، و تفعيل الإنتاج الوطني.

و لفت قائد الثورة الإسلامية: هذه الخطوات الفورية هي في الواقع بداية الملحمة الاقتصادية التي جرى التأكيد عليها في بداية العام.

و أضاف آية الله العظمى السيد الخامنئي: طبعاً تحقيق الملحمة الاقتصادية بحاجة إلى مسيرة طويلة الأمد، و ما من إنسان منصف يمكنه أن يتوقع من الحكومة حلاً سريعاً لكل المشكلات الاقتصادية، و لكن هناك توقع بالسير نحو معالجة المشكلات بنظرة حكيمة و مدبّرة.

و أشار سماحته إلى دراسة سياسات الاقتصاد المقاوم في مجمع تشخيص مصلحة النظام قائلاً: الاقتصاد المقاوم لا يعني اقتصاد التقشف و التقتير، بل هو اقتصاد يستطيع المقاومة مقابل الأزمات و حالات الجزر و المدّ الدولية.

كما أشار قائد الثورة الإسلامية إلى الحركة العلمية المتسارعة في البلاد و التي بدأت قبل نحو عشرة أعوام مؤكداً: هذه الحركة العلمية المتسارعة يجب أن لا تتوقف بأيّ حال من الأحوال.

و اعتبر قائد الثورة الإسلامية وزارة العلوم و التقنية و وزارة الصحة و العلاج و التعليم الطبي الوزارتين المسؤولتين بشكل أساسي عن الحركة العلمية في البلاد مردفاً: الوزارات و الأجهزة الخدمية نظير وزارة الصناعة و التجارة و الجهاد الزراعي يجب أن تتعاون تعاوناً قريباً مع هاتين المسؤولتين الأصليتين لتوفير مجالات الاستفادة من التقدم العلمي للجامعات و المراكز العلمية و العمل على مضاعفة الحراك العلمي للجامعات.

و أوصى سماحة آية الله العظمى السيد الخامنئي الحكومة توصية أكيدة بدعم الشركات العلمية المحورية منوّهاً: من الموضوعات المهمة في المسيرة العلمية للبلاد استكمال السلسلة العلمية و التقنية.

و في مقام إيضاحه لهذه السلسلة أضاف سماحته يقول: تبدأ هذه السلسلة من الأفكار، و تصل إلى العلم و التقنية، و تنتهي إلى الإنتاج و السوق، لذلك لا يكفي مجرد الوصول إلى التقنية المحضة، إنما يجب استكمال هذه السلسلة إلى النهاية.

و تطرق قائد الثورة الإسلامية في جانب آخر من حديثه إلى موضوع السياسة الخارجية مؤكداً: على هذا الصعيد إذا جرى فهم و تطبيق المبادئ الثلاثة: العزة و الحكمة و المصلحة بنحو صحيح، فإن السياسة الخارجية ستكون في المستوى اللائق بنظام الجمهورية الإسلامية.

و أشار آية الله العظمى السيد الخامنئي إلى الظروف الحساسة و المأزومة في المنطقة قائلاً: إننا لا نرغب أبداً بالتدخل في الشؤون الداخلية لمصر، لكننا لا نستطيع غض أنظارنا عن المذابح التي ترتكب ضد الشعب المصري.

و أكد سماحته قائلاً: إننا ندين قتل أبناء الشعب المصري و الذين لم يكونوا مسلحين.

و أضاف قائد الثورة الإسلامية: أيّاً كان فاعل هذه المذابح فإنه مُدان من وجهة نظر الجمهورية الإسلامية الإيرانية.

و استطرد الإمام الخامنئي يقول: يجب تحاشي الحرب الداخلية في مصر بكل إصرار، لأن الحرب الداخلية في مصر ستكون فاجعة على العالم الإسلامي و المنطقة.

و شدّد سماحته على ضرورة العودة للديمقراطية و أصوات الشعب في مصر، ملفتاً: بعد سنوات من الحكم الاستبدادي أقام الشعب المصري بفضل الصحوة الإسلامية انتخابات نزيهة، و سياق الديمقراطية هذا مما لا يتوقف.

و بخصوص التطورات في سورية، اعتبر قائد الثورة الإسلامية التهديدات و التدخلات الأمريكية فاجعة للمنطقة مؤكداً: إذا حصلت مثل هذه الخطوة فإن الأمريكان سيتضررون بلا شك كما تضرروا من تدخلهم في العراق و أفغانستان.

و استطرد آية الله العظمى السيد الخامنئي: تدخل القوى الأجنبية و من خارج المنطقة في بلد، لن تكون له من ثمار سوى تأجيج النيران و زيادة كراهية الشعوب لهم.

و أكد قائلاً: تأجيج النيران هذا سيكون بمثابة شرارة في مخزن بارود و لن تكون أبعاده و تبعاته معلومة.

و تحدث في هذا اللقاء أيضاً رئيس الجمهورية حجة الإسلام و المسلمين الشيخ روحاني فحيّى أسبوع الحكومة و ذكرى الشهيدين رجائي و باهنر، و استعرض التوجهات الداخلية و الخارجية للحكومة الحادية عشرة و الظروف الراهنة للبلاد و المنطقة و الساحة الدولية.

الأربعاء, 28 آب/أغسطس 2013 00:00

في ذكری ولادة الإمام جعفر الصادق (ع)

انطباعات عن شخصية الإمام الصادق (ع)

 

اسمه: جعفر.

لقبه: الصادق، الفاضل، الطاهر، الكافل، الصابر.

كنيته: أبو عبد الله، أبو إسماعيل، أبو موسى.

ولادته: ولد سنة83هـ في17 ربيع الأول في المدينة.

والده: الإمام الخامس من أئمة الهدى محمد الباقر (عليه السلام).

والدته: فاطمة بنت القاسم بن محمد بن أبي بكر وتكنى (أم فروة).

جده: الإمام الرابع من أئمة المسلمين السجاد (عليه السلام).

ملوك عصره: منهم إبراهيم بن الوليد، ومروان الحمار آخر ملوك بني أمية، وعاصر الدولة العباسية منهم السفاح والمنصور الدوانيقي.

عمره: 65 سنة.

إمامته: استلم مهام الإمامة العظمى وله من العمر34 سنة. سنة117هـ.

إقامته: أقام مع جده12 سنة، وأقام مع أبيه19 سنة، وعاش بعدهما34 سنة أيام وسنين إمامته.

صفته: كان (عليه السلام) أزهر الوجه أشم الانف. أي فيه ارتفاع قليل من الاعلى. أنزع رقيق البشرة على خده خال أسود، أسود الشعر في صدره شعر إلى بطنه لا بالقصير ولا بالطويل.

فضائله: وهي كثيرة منها بالسند المتصل إلى النبي (صلى الله عليه وآله) انه قال: إذا ولد ابني جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب فسموه الصادق، فإنه سيكون في ولده سمي له، يدعي الإمامة بغير حقها ويسمى كذابا.

مكانته: لقد كان (عليه السلام) من الفضل بمكان يقر له العدو والصديق، التف حوله كافة العلماء والفقهاء والقراء كلهم كانوا يجلسون تحت منبر درسه وينهلون من رحيق أنفاسه علما وأدبا وحكمة، فكان أعلم الأمة في زمانه بلا منافس.

انطباعات عن شخصية الإمام الصادق (ع)

أشاد الإمام الباقر (ع) أمام أعلام شيعته بفضل ولده الصادق (ع) قائلا: هذا خير البريّة(1).

وأفصح عمّه الشهيد زيد ابن الإمام عليّ زين العابدين((رضي الله عنه)) عن عظيم شأنه فقال: «في كلِّ زمان رجلٌ منّا أهل البيت يحتج الله به على خلقه وحجة زماننا ابن أخي جعفر لا يضلّ من تبعه ولا يهتدي من خالفه»(2).

وقال مالك بن أنس: «ما رأت عينٌ ولا سمعت أذن ولا خطر على قلب بشر أفضل من جعفر بن محمّد الصادق علماً وعبادةً وورعاً»(3).

وقال المنصور الدوانيقي مؤبّناً الإمام الصادق (ع): «إنّ جعفر بن محمّد كان ممّن قال الله فيه: ( ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا)(4) وكان ممن اصطفى الله وكان من السابقين بالخيرات»(5).

قال عبد الرحمن بن أبي حاتم الرازي ( ت 327 هـ ) : سمعت أبي يقول: جعفر بن محمّد ثقة لا يُسألُ عن مثله.

وقال: سمعت أبا زرعة وسئل عن جعفر بن محمّد عن أبيه وسهيل بن أبي صالح عن أبيه والعلاء عن أبيه أيّما أصحُّ؟ قال: لا يُقرنُ جعفر بن محمّد إلى هؤلاء(6).

وقال ابو حاتم محمّد بن حيّان ( ت 354 هـ ) عنه: كان من سادات أهل البيت فقهاً وعلماً وفضلا(7).

وقال أبو عبد الرحمن السلمي ( 325 ـ 412 هـ ) عنه: فاق جميع أقرانه من أهل البيت (ع) وهو ذو علم غزير وزهد بالغ في الدنيا وورع تام عن الشهوات وأدب كامل في الحكمة(8).

وعن صاحب حلية الأولياء ( ت 430 هـ ) : ومنهم الإمام الناطق ذو الزمام السابق أبو عبد الله جعفر بن محمّد الصادق، أقبل على العبادة والخضوع وآثر العزلة والخشوع ونهى عن الرئاسة والجموع(9).

وأضاف الشهرستاني ( 479 ـ 548 هـ ) على ما قاله السلمي عنه: وقد أقام بالمدينة مدة يفيد الشيعة المنتمين إليه ويفيض على الموالين له أسرار العلوم ثمَّ دخل العراق وأقام بها مدَّة، ما تعرّض للإمامة قط ، ولا نازع في الخلافة أحداً(10)، ومن غرق في بحر المعرفة لم يطمع في شط، ومن تعلّى إلى ذروة الحقيقة لم يخف من حطٍّ(11).

وذكر الخوارزمي ( ت 568 هـ ) في مناقب أبي حنيفة أ نَّه قال: ما رأيت أفقه من جعفر بن محمَّد. وقال: لولا السنتان لهلك النعمان. مشيراً إلى السنتين اللتين جلس فيهما لأخذ العلم عن الإمام جعفر الصادق(12).

وقال محمّد بن طلحة الشافعي ( ت 652 هـ ) عنه: هو من عظماء أهل البيت ((عليهم السلام)) وساداتهم ذو علوم جمّة وعبادة موفورة وأوراد متواصلة وزهادة بيّنة، وتلاوة كثيرة، يتتبع معاني القرآن الكريم ويستخرج من بحره جواهره ويستنتج عجايبه، ويقسم أوقاته على أنواع الطاعات بحيث يحاسب عليها نفسه، رؤيته تذكّر الآخرة، واستماع كلامه يزهّد في الدنيا، والإقتداء بهديه يورث الجنة، نور قسماته شاهد أنه من سلالة النبوّة، وطهارة أفعاله تصدع أنه من ذريّة الرسالة، نقل عنه الحديث واستفاد منه العلم جماعة من الأئمة وأعلامهم .. وعدّوا أخذهم عنه منقبةً شُرِّفوا بها وفضيلةً اكتسبوها.

وأما مناقبه وصفاته فتكاد تفوت عدّ الحاصر ويُحار في أنواعها فهم اليقظ الباصر حتَّى أنّ من كثرة علومه المفاضة على قلبه من سجال التقوى، صارت الأحكام التي لا تدرك عللها، والعلوم التي تقصر الأفهام عن الإحاطة بحكمها، تضاف إليه وتروى عنه.

وقد قيل أنّ كتاب الجفر الذي بالمغرب ويتوارثه بنو عبد المؤمن هو من كلامه (ع) وأنّ في هذه لمنقبةً سنيّةً، ودرجةً في مقام الفضائل عليّةً، وهي نبذةٌ يسيرةٌ مما نُقِلَ عنه(13).

وفي تهذيب الأسماء ( 631 ـ 676 هـ ) عن عمرو بن أبي المقدام قال: كنت إذا نظرت إلى جعفر بن محمّد علمت أ نَّه من سلالة النبيين(14).

وقال ابن خلكان ( 608 ـ 681 هـ ) : جعفر الصادق ... أحد الأئمة الاثني عشر على مذهب الإمامية وكان من سادات أهل البيت، ولُقّب بالصادق لصدقه في مقالته، وفضله أشهر من أن يذكر وله كلامٌ في صنعة الكيميا، والزجر والفال ... ودفن بالبقيع في قبر فيه أبوه محمّد الباقر وجدّه عليّ زين العابدين وعمّ جدّه الحسن بن عليّ(رضي الله عنهم أجمعين) فللّه درّه من قبر ما أكرمه وأشرفه(15).

وقال البخاري في فصل الخطاب ( 756 ـ 822 هـ ) : اتّفَقوا على جلالة الصادق (ع) وسيادته(16) .

وقال ابن الصبّاغ المالكي (784 ـ 855 هـ ) : نقل الناس عنه من العلوم ما سارت به الركبان، وانتشر صيته وذكره في سائر البلدان، ولم يُنقل من العلماء عن أحد من أهل بيته ما نُقل عنه من الحديث.

وروى عنه جماعةٌ من أعيان الاُمة.. وصّى إليه أبو جعفر(ع) بالإمامة وغيرها وصيّةً ظاهرةً، ونصّ عليها نصّاً جليّاً (17).

من مظاهر شخصية الإمام الصادق (ع)

سعة علمه :

لقد شقَّق الإمام الصادق (ع) العلوم بفكره الثاقب وبصره الدقيق، حتَّى ملأ الدنيا بعلومه، وهو القائل: «سلوني قبل أن تفقدوني فإنه لا يحدثكم أحدٌ بعدي بمثل حديثي»(18). ولم يقلْ أحدٌ هذه الكلمة سوى جده الإمام أمير المؤمنين (ع).

وأدلى (ع) بحديث أعرب فيه عن سعة علومه فقال: «والله إني لأعلم كتاب الله من أوله إلى آخره كأنه في كفي، فيه خبر السماء وخبر الأرض، وخبر ما كان، وخبر ما هو كائن، قال الله عزَّ وجلَّ: (وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَـبَ تِبْيَاناً لِكُلِّ شَيْء)(19).

وقد كان من مظاهر سعة علمه أنه قد ارتوى من بحر علومه أربعة آلاف طالب وقد أشاعوا العلم والثقافة في جميع الحواضر الإسلامية ونشروا معالم الدين وأحكام الشريعة(20).

 

كرمه وجوده :

لقد كان الإمام الصادق (ع)، من أندى الناس كفاً، وكان يجود بما عنده لإنعاش الفقراء والمحرومين، وقد نقل الرواة بوادر كثيرةً من كرمه، كان من بينها ما يلي:

1 ـ دخل عليه أشجع السلمي فوجده عليلا، وبادر أشجع فسأل عن سبب علته، فقال (ع): تعدّ عن العلة، واذكر ما جئت له فقال:

أَلبسك الله منه عافيةً *** في نومِكَ المعتري وفي أرقكْ

يُخرْج من جسمِكَ السقامَ *** كما أخرج ذلَّ السؤالِ من عنقك

وعرف الإمام حاجته فقال لغلامه: أي شيء معك؟ فقال: أربعمائة. فأمره بإعطائها له(21).

2 ـ ودخل عليه المفضل بن رمانة وكان من ثقاة أصحابه ورواته فشكا إليه ضعف حاله، وسأله الدعاء، فقال (ع) لجاريته: «هاتِ الكيس الذي وصلنا به أبو جعفر، فجاءته به، فقال له: هذا كيس فيه أربعمائة دينار فاستعن به، فقال المفضل: لا والله جُعلت فداك ما أردت هذا، ولكن أردت الدعاء، فقال(ع): لا أَدَعُ الدعاء لك»(22).

3 ـ سأله فقيرٌ فأعطاه أربعمائة درهم، فأخذها الفقير، وذهب شاكراً، فقال (ع) لخادمه: ارجعه، فقال الخادم: سئلت فأعطيت، فماذا بعد العطاء؟ قال (ع): قال رسول الله ((صلى الله عليه وآله)): «خير الصدقة ما أبقت غنى»، وإنّا لم نغنه، فخذ هذا الخاتم فاعطه فقد أعطيت فيه عشرة آلاف درهم، فإذا احتاج فليبعه بهذه القيمة»(23).

4 ـ ومن بوادر جوده وسخائه وحبه للبرّ والمعروف أنه كانت له ضيعةٌ قرب المدينة تسمى (عين زياد)، فيها نخلٌ كثيرٌ، فإذا نضج التمر أمر الوكلاء أن يثلموا في حيطانها الثلم، ليدخل الناس ويأكلوا من التمر(24).

وكان يأمر لجيران الضيعة الذين لا يقدرون على المجي كالشيخ والعجوز والمريض لكل واحد منهم بمدٍّ من التمر، وما بقي منهم يأمر بحمله إلى المدينة فيفرّق أكثره على الضعفاء والمستحقين، وكانت قيمة التمر الذي تنتجه الضيعة أربعة آلاف دينار، فكان ينفق ثلاثة آلاف منها، ويبقى له ألف(25).

5 ـ ومن بوادر كرمه أنه كان يطعم ويكسو حتَّى لم يبق لعياله شيء من كسوة أو طعام(26).

ومن كرمه أنه مرّ به رجلٌ، وكان (ع) يتغدّى، فلم يسلّم الرجل فدعاه الإمام إلى تناول الطعام، فأنكر عليه بعض الحاضرين، وقال له: السنة أن يسلمَ ثم يُدعى، وقد ترك السلام على عمد ... فقابله الإمام (ع) ببسمات مليئة بالبِشر وقال له: «هذا فقه عراقي، فيه بخل...»(27).

 

صدقاته في السرّ :

أما الصدقات في السرِّ فإنها من أفضل الأعمال وأحبها لله لأنها من الأعمال الخالصة التي لا يشوبها أيُّ غرض من أغراض الدنيا، وقد ندب إليها أئمة أهل البيت ((عليهم السلام))، كما أنها كانت منهجاً لهم، فكل واحد منهم كان يعول جماعةً من الفقراء وهم لا يعرفونه. وكان الإمام الصادق يقوم في غَلَسِ الليل البهيم فيأخذ جراباً فيه الخبز واللّحم والدراهم فيحمله على عاتقه ويذهب به إلى أهل الحاجة من فقراء المدينة فيقسمه فيهم، وهم لا يعرفونه، وما عرفوه حتَّى مضى إلى الله تعالى فافتقدوا تلك الصلات فعلموا أنها منه (28).

ومن صلاته السرية ما رواه إسماعيل بن جابر قائلاً: أعطاني أبو عبد الله (ع) خمسين ديناراً في صرة، وقال لي: «ادفعها إلى شخص من بني هاشم، ولا تعلمه أني أعطيتك شيئاً»، فأتيته ودفعتها إليه فقال لي: من أين هذه؟

فأخبرته أنها من شخص لا يقبل أن تعرفه، فقال العلوي: ما يزال هذا الرجل كل حين يبعث بمثل هذا المال، فنعيش بها إلى قابل، ولكن لا يصلني جعفر بدرهم مع كثرة ماله(29).

 

تكريمه للضيوف :

ومن بوادر كرمه وسخائه حبه للضيوف وتكريمه لهم، وقد كان يشرف على خدمة ضيوفه بنفسه، كما كان يأتيهم بأشهى الطعام وألذّه وأوفره، ويكرر عليهم القول وقت الأكل: «أشدكم حبّاً لنا أكثركم أكلا

عندنا...»(30).

وكان يأمر في كل يوم بوضع عشر ثبنات(31) من الطعام يتغدى على كل ثبنة عشرةٌ(32).

 

تواضعه :

ومن مظاهر شخصيته العظيمة نكرانه للذات وحبه للتواضع وهو سيّد المسلمين، وإمام الملايين، وكان من تواضعه أنه كان يجلس على الحصير(33)، ويرفض الجلوس على الفرش الفاخرة، وكان ينكر ويشجب المتكبرين حتّى قال ذات مرة لرجل من إحدى القبائل: «من سيّد هذه القبيلة؟ فبادر الرجل قائلا: أنا، فأنكر الإمام (ع) ذلك، وقال له: لو كنت سيّدهم ما قلت: أنا..»(34).

ومن مصاديق تواضعه ونكرانه للذات: أنّ رجلا من السواد كان يلازمه، فافتقده فسأل عنه، فبادر رجلٌ فقال مستهيناً بمن سأل عنه: إنه نبطيٌّ... فردّ عليه الإمام قائلا: «أصل الرجل عقله، وحسبه دينه، وكرمه تقواه، والناس في آدمَ مستوون...» . فاستحيى القائل(35).

 

سموُّ أخلاقه :

كان الإمام الصادق (ع) على جانب كبير من سموِّ الأخلاق، فقد ملك القلوب، وجذب العواطف بهذه الظاهرة الكريمة التي كانت إمتداداً لأخلاق جدّه رسول الله ((صلى الله عليه وآله وسلم)) الذي سما على سائر النبيين بمعالي أخلاقه.

وكان من مكارم أخلاق الإمام وسموِّ ذاته أنه كان يحسن إلى كل من أساء إليه، وقد روي أنّ رجلا من الحجاج توهم أنّ هميانه(36) قد ضاع منه، فخرج يفتش عنه فرأى الإمام الصادق (ع) يصلي في الجامع النبوي فتعلق به، ولم يعرفه، وقال له: أنت أخذت همياني..؟.

فقال له الإمام بعطف ورفق: ما كان فيه؟..

قال: ألف دينار، فأعطاه الإمام ألف دينار، ومضى الرجل إلى مكانه فوجد هميانه فعاد إلى الإمام معتذراً منه، ومعه المال فأبى الإمام قبوله وقال له: شيء خرج من يدي فلا يعود، إلي، فبهر الرجل وسأل عنه، فقيل له: هذا جعفر الصادق، وراح الرجل يقول بإعجاب: لا جَرَمَ هذا فعال أمثاله(37).

إنّ شرف الإمام (ع) الذي لا حدود له هو الذي دفعه إلى تصديق الرجل ودفع المال له.

وقال (ع): «إنا أهل بيت مروءتنا العفوُّ عمن ظلمنا»(38).

وكان يفيض بأخلاقه الندية على حضّار مجلسه حتَّى قال رجلٌ من العامة: والله ما رأيت مجلساً أنبل من مجالسته(39).

 

صبره :

ومن الصفات البارزة في الإمام (ع) الصبر وعدم الجزع على ما كان يلاقيه من عظيم المحن والخطوب، ومن مظاهر صبره أنه لما توفي ولده إسماعيل الذي كان ملأ العين في أدبه وعلمه وفضله ـ دعا (ع) جمعاً من أصحابه فقدّم لهم مائدةً جعل فيها أفخر الأطعمة وأطيب الألوان، ولما فرغوا من تناول الطعام سأله بعض أصحابه، فقال له: يا سيدي لا أرى عليك أثراً من آثار الحزن على ولدك؟ فأجابه (ع): «وما لي لا أكون كما تَرون، وقد جاء في خبر أصدق الصادقين ـ يعني جده رسول الله ((صلى الله عليه وآله وسلم)) ـ إلى أصحابه إني ميتٌ وإياكم»(40).

 

إقباله على العبادة :

أما الإقبال على عبادة الله تعالى وطاعته فإنه من أبرز صفات الإمام، فقد كان من أعبد الناس لله في عصره، وقد أخلص في طاعته لله كأعظم ما يكون الإخلاص، وإليك صورةٌ موجزةٌ عن عباداته:

أ ـ صلاته : إنّ الصلاة من أفضل العبادات وأهمها في الإسلام، وقد أشاد بها الإمام الصادق (ع) في كثير من أحاديثه:

قائلاً (ع): «ما تقرب العبد إلى الله بعد المعرفة أفضل من الصلاة»(41).

وقال (ع): «إن أفضل الأعمال عند الله يوم القيامة الصلاة، وما أحسن من عبد توضأ فأحسن الوضوء»(42).

وقال (ع): «الصلاة قربان كلّ تقي»(43).

وقال (ع): «أحبّ الأعمال إلى الله عزَّ وجلَّ الصلاة، وهي آخر وصايا الأنبياء، فما أحسن الرجل يغتسل أو يتوضأ فيسبغ الوضوء ثم يتنحى حيث لا يراه أنسيٌّ فيشرف الله عليه وهو راكعٌ أو ساجدٌ إنّ العبد إذا سجد فأطال السجود نادى إبليس: يا ويله أطاعوا وعصيتُ، وسجدوا وأبيتُ»(44).

وقال أبو بصير: دخلت على اُمِّ حميدة ـ زوجة الإمام الصادق (ع) ـ اُعزّيها بأبي عبد الله (ع) فبكت وبكيت لبكائها، ثم قالت: يا أبا محمّد لو رأيت أبا عبد الله عند الموت لرأيت عجباً فتح عينيه ثم قال: «اجمعوا كلَّ من بيني وبينه قرابة. قالت فما تركنا أحداً إلاَّ جمعناه، فنظر إليهم ثمَّ قال: إنّ شفاعتنا لا تنال مستخفاً بالصلاة»(45).

ومن الجدير بالذكر أنّ الإمام (ع) لم يَدَعْ نافلةً من نوافل الصلاة إلاّ أتى بها بخشوع وإقبال نحو الله.

وكان (ع) إذا أراد التوجه إلى الصلاة اصْفَرَّ لونه، وارتعدت فرائصه خوفاً من الله تعالى ورهبةً وخشيةً منه. وقد أُثِرَتْ عنه مجموعة من الأدعية في حال وضوئه، وتوجهه إلى الصلاة وفي قنوته، وبعد الفراغ من صلاته(46).

ب ـ صومه : إنّ الصوم من العبادات المهمة في الإسلام، وذلك لما يترتب عليه من الفوائد الاجتماعية والصحية والأخلاقية، «وهو جُنّةٌ من النار» ـ كما قال الإمام الصادق (ع) ـ(47).

وقد حثَّ الإمام الصادق (ع) الصائم على التحلي بالأخلاق والآداب التالية، قال (ع): «وإذا صمت فليصم سمعك، وبصرك، ولسانك من القبيح والحرام، ودعِ المراءَ، وأذى الخادم، وليكن عليك وقار الصيام، ولا تجعل يوم صومك مثل يوم فطرك سواء..»(48).

وكان (ع) صائماً في أغلب أيامه تقرباً إلى الله تعالى. أما شهر رمضان المبارك فكان يستقبله بشوق بالغ، وقد أُثرت عنه بعض الأدعية المهمة عند رؤيته لهلاله، كما أُثرت عنه بعض الأدعية في سائر أيامه وفي ليالي القدر المباركة وفي يوم عيد الأضحى الأغرّ (49).

ج ـ حجّه : أما الحجّ فهو بالإضافة إلى قدسيته فإنه من أهم المؤتمرات العبادية السياسية التي تعقد في العالم الإسلامي، حيث تُعرضُ فيه أهم المشاكل التي تواجه المسلمين سواء أكانت من الناحية الاقتصادية، أم الاجتماعية، أو المشاكل السياسية الداخلية والخارجية، مضافاً إلى أنه من أهم الروابط التي يعرف بها المسلمون بعضهم بعضاً.

وقد حجّ الإمام الصادق (ع) مرات متعددةً والتقى بكثير من الحجاج المسلمين، وقد كان المعلم والمرشد لهم على مسائل الحجّ، فقد جهد هو وأبوه الإمام محمّد الباقر ((عليهما السلام)) على بيان أحكام الحجّ بشكل تفصيليٍّ، وعنهما أخذ الرواة والفقهاء أحكام هذه الفريضة، ولولاهما لما عُرِفت مسائل الحج وأحكامه.

وكان الإمام الصادق (ع) يؤدي بخضوع وخشوع مراسيم الحجّ من الطواف، والوقوف في عرفات ومنى، وقد رَوى بكر بن محمّد الأزدي فقال: خرجت أطوف، وإلى جنبي الإمام أبو عبد الله الصادق (ع) حتَّى فرغ من طوافه ثم مال فصلى ركعتين بين ركن البيت والحجر، وسمعته يقول في أثناء سجوده: «سجد وجهي لك تعبداً ورقّـاً، لا إله إلاّ أنت حقاً حقاً، الأوّل قبل كلّ شيء، والآخر بعد كلّ شيء، وها أنا ذا بين يديك، ناصيتي بيدك فاغفر لي إنه لا يغفر الذنب العظيم غيرك، فاغفر لي، فإني مقرٌّ بذنوبي على نفسي، ولا يدفع الذنب العظيم غيرك».

ثم رفع رأسه الشريف، ووجهه كأنما غُمّس في الماء من كثرة البكاء(50).

ورَوى حمّاد بن عثمان فقال: رأيت أبا عبد الله جعفر بن محمّد بالموقف رافعاً يده إلى السماء... وكان في موقف النبيّ ((صلى الله عليه وآله وسلم)) وظاهر كفّيه إلى السماء(51).

وكان (ع) إذا خرج من الكعبة المقدسة يقول: «الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، اللهم لا تجهد بلاءنا، ولا تشمت بنا أعداءنا، فإنك أنت الضار النافع»(52).

وروى حفص بن عمر ـ مؤذن عليّ بن يقطين ـ فقال: كنا نروي أنه يقف للناس في الحجّ سنة ( 140 هـ ) خير الناس، فحججت في تلك السنة، فإذا إسماعيل بن عبد الله بن العباس واقف فداخلنا من ذلك غمٌّ شديدٌ، فلم نلبث، وإذا بالإمام أبي عبد الله (ع) واقفٌ على بغلة له، فرجعت أبشّر أصحابي، وقلت: هذا خير الناس الذي كنا نرويه(53).

وكان من أعظم الخاشعين والداعين في مواقف الحجّ، فقد رُوي أنّ سفيان الثوري قال: والله رأيت جعفر بن محمّد (ع) ولم أرَ حاجّاً وقف بالمشاعر، واجتهد في التضرُّع والإبتهال منه، فلمّا وصل عرفات أخذ من الناس جانباً، واجتهد في الدعاء في الموقف(54).

 

الهوامش

(1) الكافي : 1 / 307 .

(2) المصدر السابق : 306 .

(3) تهذيب التهذيب : 2 / 104 .

(4) فاطر (35): 32.

(5) تاريخ اليعقوبي : 3 / 17 .

(6) الجرح والتعديل : 2 / 487.

(7) الثقات : 6 / 131 .

(8) الإمام الصادق والمذاهب الأربعة: 1/58.

(9) حلية الأولياء: 1/72.

ومن الجدير ذكره أنّ الإمام(ع) نهى عن الرئاسة والجموع وآثر العزلة والخشوع، كون الإمام لابدّ أن يتعرض للملاحقة العبّاسية وأنّ الوضع السياسي آنذاك يتطلب من الإمام(ع) بناء القاعدة الأساسية الأُولى ووضع حجر الزاوية في ذلك البناء ليرسّخ مبادئ الفكر الإسلامي السليم ويثبّت قواعد الفقه وستر العلوم خشية أن تتعرض هي الأُخرى الى الانحراف والتشويه، وإلاّ فهو يؤمن بأنّ الرئاسة حقٌّ إلهيٌّ له منصوصٌ عليها من قبل الله تبارك وتعالى باعتباره إمام معصوم مفترض الطاعة ورئيس للدولة الإسلامية المعصومة .

(10) إذا كان يقصد بذلك التعرض الظاهر للإمامة كما يُفهم من قوله «ولا نازع في الخلافة» فهذا صحيح وإلاّ فلا .

(11) الملل والنحل : 1 / 147 منشورات الشريف الرضي .

(12) مناقب أبي حنيفة : 1 / 172 ، والتحفة الاثني عشرية : 8 .

(13) مطالب السؤول: 2/56.

(14) تهذيب الاسماء: 1 / 149 .

(15) وفيات الأعيان : 1 / 327.

(16) ينابيع المودّة : 380 ط اسلامبول.

(17) الفصول المهمّة : 222.

(18) تأريخ الإسلام للذهبي: 6/45، تذكرة الحفاظ: 1/157، تهذيب الكمال في أسماء الرجال: 5/79.

(19) أُصول الكافي : 1 / 229، والآية في سورة النحل(16) الآية 89 .

(20) الإرشاد: 2/179، عنه في إعلام الورى: 325، ومناقب آل أبي طالب: 4/247. المعتبر للمحقّق الحلّي : 5، حياة الإمام الصادق (ع)، باقر شريف القرشي: 1/62.

(21) أمالي الطوسي: 1/287، مناقب آل أبي طالب: 4/345.

(22) اختيار معرفة الرجال (للكشي) للطوسي: 2/422 رقم 322، ترجمة مفضل بن قيس بن رمانة .

(23) الإمام جعفر الصادق، أحمد مغنية: 47.

(24) الإمام جعفر الصادق: 47، انظر الكافي: 3/569 .

(25) المصدران السابقان .

(26) تاريخ الإسلام: 6/45، مرآة الزمان: 6/160، تهذيب الكمال: 5/87.

(27) حياة الإمام الصادق (ع): 1/64 عن نثر الدرر، بحار الأنوار: 75/205 .

(28) الإمام جعفر الصادق: 47، وانظر الكافي: 4/8 .

(29) مجموعة ورام: 2/82، الأمالي: 677 .

(30) الكافي، الكليني : 6/278 .

(31) الثبنات: مفردها ثبنة وهي الوعاء الذي يوضع فيها الطعام.

(32) الإمام جعفر الصادق: 46، انظر الكافي: 3/569 كما في الرواية السابقة.

(33) النجوم الزاهرة: 5/176.

(34) إحقاق الحقّ، المرعشي النجفي: 1/133.

(35) حياة الإمام الصادق (ع): 1/66 ، مطالب السؤول في مناقب الرسول، لمحمّد طلحة الشافعي: 440.

(36) الهميان: وهوكيس يجعل فيه ويشدّ على الوسط، وجمعه همايين، وهو معرّب عن الفارسية، كما نقله الطريحي عن الأزهري في مجمع البحرين: 6/330 .

(37) الإمام جعفر الصادق: 48، مناقب آل أبي طالب، لابن شهرآشوب: 3/394 .

(38) الخصال: 11.

(39) اُصول الكافي: 2/657.

(40) الإمام جعفر الصادق: 49، عيون أخبار الرضا(ع)، للصدوق: 1/5 .

(41) مجموعة ورام : 2 / 86. في المصادر الأصلية: «ما أعلم شيئاً بعد المعرفة أفضل من هذه الصلاة» الكافي: 3/264 .

(42) وسائل الشيعة: 6/432 و8/129 .

(43) المصدر السابق: 4/43 ـ 44 و7/262 .

(44) وسائل الشيعة: 3/26.

(45) وسائل الشيعة : 3 / 17، الأمالي للصدوق: 572 .

(46) راجع الصحيفة الصادقية. وهي مجموعة الأدعية المأثورة عن الإمام الصادق(ع) .

(47) وسائل الشيعة : 3 / 290.

(48) وسائل الشيعة: 1/165 .

(49) راجع الصحيفة الصادقية، باقر شريف القرشي: 5/119 ـ 147، تهذيب الأحكام، للطوسي: 3/94 .

(50) قرب الإسناد، للحميري عبدالله بن جعفر: 28.

(51) المصدر السابق : 31.

(52) المصدر السابق : 3.

(53) قرب الإسناد: 98.

(54) حياة الإمام الصادق (ع): 1/71 نقلاً عن ضياء العالمين، كشف اليقين، العلاّمة الحلّي: 330 .