emamian

emamian

الأحد, 25 شباط/فبراير 2024 10:46

الدعاء لولي العصر (عجل الله تعالى فرجه)

إنّ لهذه التوسُّلات الموجودة في الزيارات المختلفة -والتي لبعضها أسانيد جيّدة- قيمة عالية. فالتوسُّل والتوجّه والأُنس بهذا الإنسان العظيم عن بُعد لا يعني أن يدّعي أحدٌ أنّني سأصل إلى محضره أو أسمع صوته؛ أبداً ليس الأمر كذلك، فأغلب ما يُقال في هذا المجال ادّعاءاتٌ: إمّا أن تكون كذباً، أو أنّ مَن يقولها لا يكذب ولكن يتخيّل. لقد شاهدنا أشخاصاً لم يكونوا كاذبين، ولكن كانوا يتخيّلون، وقد نُقلت تخيّلاتهم لهذا وذاك كوقائع! فلا ينبغي الإذعان لمثل هذه الأمور. إنّ الطريق الصحيح هو الطريق المنطقيّ. وذاك التوسُّل توسُّلٌ عن بُعد. والتوسُّل الذي يسمعه الإمام منّا سيقبله إن شاء الله ولو كنّا نتحدّث مع مخاطبنا عن بُعد، فلا إشكال في ذلك. والله تعالى يوصل سلام المسلّمين ونداء المنادين إلى هذا الجليل. فهذه التوسُّلات وهذا الأُنس المعنويّ جيدٌ جدّاً وضروريّ[1].

فليجعل كلّ واحدٍ من أبناء مجتمعنا توسُّله بوليّ العصر وارتباطه به، ومناجاته معه، وسلامه عليه، وتوجّهه إليه، تكليفاً وفريضةً، ولْيَدْعُ له كما لدينا في الروايات، وهو الدعاء المعروف «اللهمّ كن لوليّك»، الّذي يُعدّ من الأدعية الكثيرة الموجودة، ويوجد زياراتٌ في الكتب هي جميعاً، بالإضافة إلى وجود البعد الفكريّ والوعي والمعرفة، يوجد فيها أيضاً بعدٌ روحيّ وقلبيّ وعاطفيّ وشعوريّ وهو ما نحتاج إليه أيضاً. إنّ أطفالنا وشبابنا ومجاهدينا في الجبهة يحصلون على الروحيّة والمعنويّات بالتوجّه والتوسُّل بإمام الزمان ويفرحون ويتفاءلون. وببكاء الشوق ودموعه المنهمرة يقرّبون قلوبهم إليه، وهم بذلك يعطفون نظر الحقّ وعنايته إليهم، مثلما أنّ ذلك يتحقّق مع الإمام ويجب أن يكون موجوداً[2].

يا إمام الزمان! أيّها المهديّ الموعود المحبوب عند هذا الشعب! يا سلالة الأنبياء الأطهار! ويا وارث كلّ الثورات التوحيديّة والعالميّة! إنّ شعبنا هذا قد انبعث بذكرك واسمك واختبر لطفك في حياته وفي وجوده. أيّها العبد الصالح لله! إنّنا اليوم بحاجة إلى دعائك الّذي ينبعث من قلبك الإلهيّ والربّانيّ الطاهر ومن روحك القدسيّة من أجل انتصار هذا الشعب وهذه الثورة، ونحتاج إلى يد القدرة الإلهيّة الّتي جُعلت فيك لتساعد هذا الشعب.

«عزيزٌ عليّ أن أرى الخلق ولا تُرى»، يا إمام الزمان إنّه لصعبٌ جدّاً علينا أن نرى أعداء الله في هذا العالم وفي هذه الطبيعة المترامية الّتي هي لعباد الله الصالحين، ونتلمّس آثار وجود أعداء الله ولكن لا نراك أنت ولا ندرك فيض حضورك.

اللهمّ! بمحمّد وآل محمّد نُقسم عليك أن تليّن قلوبنا بذكر إمام الزمان دائماً[3].

أوصي بالمداومة على الأدعية والمناجاة، التي كان وما زال أبناء شعبنا يمارسونها والتي تضاعفت -والحمد للّه- كثيراً بعد انتصار الثورة على نحو أفضل لكي يوفّقوا لنيل ألطاف ذلك الإمام العظيم. فالإمام المعصوم حاضر وغير غافل أو منعزل عن أمّته وشيعته، إنّه حاضر بيننا، ومن خلال التوسُّل والاستغاثة به سيوفق الناس لإصابة طريق الرشاد والهداية والفتح إن شاء اللّه[4].
 


[1] كلمة الإمام الخامنئيّ في تاريخ ١٨/٤/١٣٩٠ هـ.ش (٩/٧/٢٠١١م).
[2] كلمة الإمام الخامنئيّ في تاريخ ٢١/٠١/١٣٦٦ هـ.ش (١٠/٤/١٩٨٧م).
[3] كلمة الإمام الخامنئيّ في تاريخ ٠٦/٠٤/١٣٥٩.
[4] كلمة الإمام الخامنئيّ في تاريخ ٠٨/٠٢/١٩٩١م.

هناك أسباب وشرائط أخرى لا بدَّ من توفُّرها أيضاً ليتحقّق الفَرَجُ، من هذه الأمور:
 
وجود الأنصار

لا بدَّ من توفُّر العدد الكافي من الأنصار المخلصين القادرين على تحقيق مشروع الإمام عجل الله فرجه الشريف، وهناك العديد من الروايات التي تحدَّثت عن هؤلاء الأنصار، الذين يجتمعون حول الإمام عند بداية حركته وعددهم 313 بعدد المسلمين في بدر، ولعلَّهم يشكِّلون نواة التحرُّك وقادة جيوش الإمام.
 
هؤلاء الذين يكفون الإمام ما يريد كما ذُكِرَ في الرواية عن الإمام جعفر بن محمَّد الصادق عليه السلام: "يحفُّون به يقونه بأنفسهم في الحروب ويكفونه ما يريد"([1]).
 
عدم التوقيت
هناك العديد من الروايات التي تؤكِّد على عدم توقيت ظهور الإمام الحجّة عجل الله فرجه الشريف، كما في الرواية عن الإمام عليّ بن موسى الرضا عليه السلام قال:"لقد حدَّثني أبي عن أبيه عن آبائه عليهم السلام أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وآله وسلَّم قيل له: يا رسول الله متى يخرج القائم من ذريَّتِك؟ فقال عليه السلام: مثله مثل الساعة لا يجلِّيها لوقتها إلا هو، ثقُلت في السماوات والأرض لا تأتيكم إلا بغتة"([2]).
 
بل هناك روايات واضحة في تكذيب من يوقِّت للظهور كالرواية عن الإمام محمَّد الباقر عليه السلام:"كذب الوقَّاتون، كذب الوقَّاتون، كذب الوقَّاتون"([3]).

وعن أبي عبد الله الصادق عليه السلام قال: "يا مهزم كذب الوقَّاتون، وهلك المستعجلون، ونجا المسلمون، وإلينا يصيرون"([4]).
 
فما هو السبب في إخفاء وقت الظهور؟ هناك العديد من الأسباب التي تدعو إلى ذلك، نذكر منها:
 
1- مادام للظهور ظروفه الموضوعية التي يتحقّق الكثير منها على يد المؤمنين، فمن المناسب أن يرتبط الظهور بعمل هؤلاء الناس، وبهمّتهم وحضورهم، ممَّا سيدفعهم للعمل ولتجهيز الأرضيَّة للظهور، وبالتالي للتعجيل بالظهور، وأمَّا ربط الظهور بزمن هو مجرَّد رقم وتاريخ، فهذا لن يكون ربطاً بالأسباب الحقيقيَّة، ولن يكون مساعداً على مستوى دفع الناس باتِّجاه تحقيق ظروف وشرائط الظهور.
 
2- إخفاء وقت الظهور سيبقى شعلة الأمل مشتعلة دائماً في قلوب المؤمنين، ففي الرواية عن محمَّد بن الفضيل عن الرضا عليه السلام، قال سألته عن شيء من الفَرَجِ، فقال: "أليس انتظار الفَرَجِ من الفَرَجِ، إِنَّ الله عزَّ وجلَّ يقول: "فانتظروا إنِّي معكم من المنتظرين""([5])، وهذا الأمل سيدفعهم لإصلاح أمورهم، والابتعاد عن المعاصي والتزام الطاعات، وتجهيز الأنفس لنصرة الإمام، ولذلك جاء في رسالة الإمام عجل الله فرجه الشريف التي أرسلها للشيخ المفيد: "فليعمل كلُّ امرئ منكم بما يقرِّبه من محبَّتِنا ويتجنَّب ما يدنيه من كراهيتنا وسخطنا، فإنَّ أمرنا بغتة فجأة، حين لا تنفعه توبة ولا ينجيه من عقابنا ندم على حوبة"([6]).
 


([1]) العلامة المجلسي، بحار الأنوار، ج 52، ص 208
([2]) م.ن.ج 51، ص 154
([3]) الشيخ الكليني، الكافي، ج 1، ص 368
([4]) م.ن. ج1، ص368
([5]) العلامة المجلسي، بحار الأنوار ج 52 ص 128
([6]) م.ن. ج 53، ص 176

الأحد, 25 شباط/فبراير 2024 10:44

كيف يحمل الانتظار البشرى للعالم أجمع؟

يحمل مفهوم "انتظار الفرج" البشرى للبشريّة جمعاء، فلا يختصّ بفرد معيّن أو جماعة محدّدة، إذ تمثّل مسألة نهضة المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف قضيّة اجتماعيّة وفلسفيّة كبرى لها خصائص وعناصر ذات أبعاد عالميّة، خصائص ثقافيّة تربويّة كما هي سياسيّة اقتصاديّة واجتماعيّة...
 
نشير إلى بعض هذه الخصائص باختصار:

أ ـ تتّجه البشريّة نحو مستقبل مشرق تُجتثّ فيه جذور الظلم والفساد من منابتها. وهذا مما يبعث على التفاؤل في مستقبل البشريّة، ويقع ذلك في مقابل نظريّتين:
تعتقد الأولى أنّ الشرّ والفساد والتعاسة صفات ملازمة للحياة الإنسانيّة، وعليه فإنّ أفضل ما يمكن أن يقوم به الإنسان هو وضع حدّ لهذه الحياة.
وتؤمن الثانية بأنّ البشريّة، وبفعل تطوّرها وتقدّمها في صنع وسائل الدمار والخراب، تحفر قبرها بيدها، وبذلك فهي تسير نحو الانهيار والسقوط.
 
ب ـ ستنتصر قوى الحقّ والتقوى والسلام والعدل والحريّة على قوى الظلم والاستكبار والاستعباد، وستُقتلع جذور الفساد.

ج ـ ستقوم حكومةٌ عالميّةٌ واحدة، تجمع تحت ردائها جميع الفئات والمجموعات البشريّة.

د ـ ستعمر الأرض وتُستغلّ ثرواتها، وتستثمر ذخائرها إلى أقصى حدّ ممكن. وبالإضافة إلى ذلك ستحلّ المساواة بين البشر في مجال توزيع هذه الثروات.

هـ ـ ستبلغ البشريّة حدّ التكامل والنضج، حيث يتّخذ الإنسان سبيل العقل متحرّراً من أغلال الشهوات والظروف الطبيعيّة والاجتماعيّة، وتحصل المواءمة بين الإنسان والطبيعة، وتخلو النفوس من العُقَد والأحقاد.
 
وتحتاج هذه النقاط إلى تحليل ودراسة أكثر تفصيلاً لا يتّسع لها بحثنا هذا.
 
لماذ علينا نبذ الانتظار الهدّام؟
الانتظار الهدام هو الانتظار الذي يبعث على الخمول والكسل ويؤدّي إلى شلّ حركة الإنسان ويقيِّد طاقاته.

يبني هذا الانتظار تصوّره لنهضة المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف على أساس أنها مجرّد انفجار ينجم عن انتشار الظلم والفساد وشيوعهما في البلاد. فبحسب هذه النظرة إنّ مسيرة البشريّة تحثّ خطاها نحو انعدام العدل واستفحال الباطل، وهي متى تصل في انحدارها إلى نقطة الصفر فستمتدّ يد الغيب لإنقاذ الحقّ ودحض الباطل.
 
ولذلك لا يرى أصحاب هذه النظرة لأنصار الحقّ أيّ دور في عمليّة نهضة المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف، بل على العكس لكي يظهر المهديّ فلا بدّ من أن يزول أنصار الحقّ نهائيّاً.
 
من هنا يُدين هؤلاء كلّ إصلاح في المجتمع، على اعتبار أنّه يؤخّر الإمداد الغيبيّ الموعود، فيما يعتبرون أنّ من الأمور التي تساهم في تسريع ظهور المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف مسألةَ إشاعة الفساد، وعلى هذا فإشاعة الفساد أمر مطلوب بل من أفضل أنواع انتظار الفرج ولو من باب "الغاية تبرّر الوسيلة".
 
لذلك يُرى أصحاب هذا التصوّر ينظرون إلى المصلحين والمجاهدين بعين الحقد والعداء، فإنّ هؤلاء المجاهدين ـ طبقاً لهذه النظرة ـ عامل سلبيّ يساهم في تأخير الظهور.
 
والذين يتبنّون هكذا نوع من الانتظار، إن لم ينضمّوا إلى زمرة العاصين عملاً فإنّهم يتطلّعون إلى أصحاب المعاصي بعين الارتياح والرضا باعتبار أنّهم الممهّدون لظهور القائم المنتظر عجل الله تعالى فرجه الشريف.
 
الانتظار الهدّام والاتجاه الديالكتيكيّ([1])
ولذا فقد يتوافق هذا النوع من الانتظار والاتجاه الديالكتيكيّ في بعض النتائج، فهو يشاركه في معارضة الإصلاحات، بناءً على أنّها تؤخّر في عمليّة الوصول إلى المرحلة الأسمى، وفي التأكيد على ضرورة نشر الفوضى وإشاعة الفساد، فيرتئي ـ كالاتجاه الديالكتيكيّ ـ زيادة الظلم والفساد للوصول إلى النتيجة المطلوبة، وهي الوصول إلى الانفجار المقدّس([2]). وعلى قاعدة "الغاية تبرّر الوسيلة"، تستحقّ هذه الحركات ـ معارضة الإصلاح، وإشاعة الفساد، وفق هذا التصوّر، عنوان النضال المقدّس.
 
نعم، هناك فارق بينهما، فإنّ هدف الاتجاه الديالكتيكي من تعميق الفجوات والتناقضات هو تصعيد النضال والجهاد، فيما يفتقد هذا التفكير المبتذل في مسألة انتظار المهديّ لحركة الجهاد والعمل، وينتظر بعد نشر الفساد الوصول إلى النتيجة المطلوبة تلقائياً، بلا أيّ جهد يُبذل([3]).
 


([1]) الاتجاه الديالكتيكيّ أو الآليّ: ينطلق هذا الاتجاه في تفسيره لتكامل التاريخ على أساس الصراع بين المتناقضات، بعد التسليم بأنّ أجزاء الطبيعة هي في ترابط وثيق وحركة دائمة. ويتمّ التكامل في
الطبيعة، وفق هذا الاتجاه، على الشكل التالي:
أ ـ تحمل كلّ ظاهرة في أحشائها نقيضها.
ب ـ ينمو النقيض شيئاً فشيئاً وعندما يصبح قادراً على مواجهة الظاهرة ينشب صراع بينهما ينتهي بثورة يقلب النقيض فيها الأوضاع لصالحه حيث يحلّ محلّ تلك الظاهرة.
ج ـ ثم يقوم هذا النقيض بطيّ المراحل ذاتها، وهكذا...
بناءً عليه فالطبيعة ليست هادفة، إذ ليس منشأ تكاملها سوى الصراع الحتميّ بين المتناقضات.
وأمّا بالنسبة للتاريخ والمجتمع، فإنّ هذا الاتجاه يعتبر أنّ العامل الرئيس الذي يقوم بتشييد المجتمع ويؤثر في حركته وتكامله، هو العامل الاقتصاديّ الإنتاجيّ.
فالعامل الإنتاجيّ يوجِد علاقات اقتصاديّة بين أفراد المجتمع، تنبثق عن هذه العلاقات بقية العلاقات الاجتماعيّة الأخرى وهكذا يتشيّد المجتمع.
أمّا تكامل المجتمع فهو يتمّ وفق صراع التناقضات وتحت تأثير تطوير العوامل الإنتاجية والآليّة، ووفق مراحل الطبيعة نفسها ـ بما أنّه جزء من أجزاء الطبيعة ـ.
 ([2]) وذلك عندما تبنّى أصحاب هذا التصوّر أنّ المهديّ، إنما يظهر عندما يصل الانحدار إلى نقطة الصفر، فحينها تنقلب ظاهرة الفساد وبفضل يد العون الإلهيّة الغيبيّة يحلّ محلّها الحق والعدل والسلام...
([3]) راجع الهامش السابق.

الأحد, 25 شباط/فبراير 2024 10:41

ما هي آثار الإخلاص؟

للإخلاص آثارٌ وخصائص عديدةٌ وردت في النصوص والروايات الشريفة، لا يتمتّع بها إلّا المخلصون والمنقطعون إلى الله تعالى بنيّاتهم وأعمالهم، أمّا الآخرون فمحرومون من هذه النِّعم والكرامات السَّنيّة. وفيما يلي نذكر بعضا منها:

أولاً: عدم تسلّط الشيطان على الإنسان المخلص،
بحيث لا يعود للشيطان قدرة على إغوائه. لأنّ الله تعالى حاضرٌ دائماً في حياته، فهو لا يرى غيره، ولا يفكّر إلّا فيه، ونيّته دائماً متوجّهة إليه، فلا يكون للشيطان إليه سبيل: ﴿قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ﴾[1]. والمخلَص هو الذي خلّصه الله تعالى من دنس الخطايا والذنوب، واختاره بعد أن رأى فيه صدق النيّة وإخلاصها. "أَخْلَصَ للهِ الدِّينَ: أَمْحَضَهُ وتَرَكَ الرِّياءَ فِيهِ، فهُوَ عَبْدٌ مُخْلِصٌ ومُخْلَصٌ، وهو مَجَازٌ، وفي البَصَائِرِ: حَقِيقَةُ الإِخْلاصِ: التَّبَرِّي منِ دُونِ الله تَعَالَى، وقُرِئَ: ﴿إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ﴾[2] بِكَسْرِ الَّلامِ وفتْحِها، قال الزَّجّاجُ: المُخْلَص: الَّذِي جَعَلَه الله مُخْتاراً خَالِصاً من الدَّنَسِ، والمُخْلِصُ: الَّذِي وَحَّدَ الله تعالى خَالِصاً. وأَخْلَصَ الرَّجُلُ السَّمْنَ: أَخَذَ خُلاصَتَهُ، نَقَلَه الفَرّاءُ"[3]. وهو أمر اختياريّ يمكن لكل إنسان أن ينال نصيباً وحظاً منه بحسب سعيه واجتهاده. فإذا تدرّج الإنسان في مراتب الصدق والإخلاص اصطفاه الله واجتباه لنفسه فكان من المخلَصين، ولكن تبقى المراتب العالية للإخلاص والاجتباء مختصّة بأهل بيت العصمة والطهارة عليهم السلام.
 
ويقول العلّامة الطباطبائي في تفسير الآية: "وقد سمّاهم الله سبحانه عباد الله المخلصين فأثبت لهم عبودية نفسه. والعبد هو الذي لا يملك لنفسه شيئاً من إرادة ولا عمل فهؤلاء لا يريدون إلّا ما أراده الله ولا يعملون إلّا له. ثم أثبت لهم أنهم مخلصون بفتح اللام أي إنّ الله تعالى أخلصهم لنفسه فلا يشاركه فيهم أحد فلا تعلّق لهم بشي‏ء غيره تعالى من زينة الحياة الدنيا ولا من نعم العقبى وليس في قلوبهم إلّا الله سبحانه"[4].
 
ثانياً: الإنسان المخلص مُعفى من الحساب في يوم الحشر وعند الوقوف في عرصات يوم القيامة. فقد أشار القرآن الكريم إلى وجود فئة من الناس تأمن صعقة يوم القيامة وفزعه: ﴿وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَن شَاء اللَّهُ﴾[5]، وفي آيةٍ أخرى يقول الله تعالى: ﴿فَكَذَّبُوهُ فَإِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ * إِلَّا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ﴾[6]، فإذا ضممنا هذه الآية إلى الأولى يتّضح أنّ هذه الطائفة من النّاس هي عباد الله المخلصين، لأنه ليس لهؤلاء أعمال توجب حضورهم في عرصات يوم القيامة، فهم قد قتلوا النفس الأمّارة بالسوء في ساحات جهاد النفس وترويضها بالمراقبة والعبادة والأعمال الصالحة، وتمّ لهم حسابهم خلال فترة جهادهم لعدوّهم الباطنيّ والظاهريّ في الحياة الدنيا.
 
ثالثاً: كلّ ما يُعطى الإنسان في يوم القيامة من ثوابٍ وأجرٍ فهو مقابل ما عمله في الحياة الدنيا إلّا طائفة المخلَصين من الناس، فإنّ الكرامة الإلهيّة لهم تتعدّى حدود الأجر على العمل كما أخبر تعالى بذلك في كتابه الكريم حيث قال: ﴿وَمَا تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ * إِلَّا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ * أُوْلَئِكَ لَهُمْ رِزْقٌ مَّعْلُومٌ﴾[7]. فعباد الله المخلَصين لن يكون جزاؤهم بحسب أعمالهم، بل الله المنّان سوف يعطيهم بفضله وكرمه. فهم لا ينالون الجزاء مقابل العمل وإنّما ينالون من الكرامات الإلهيّة وفق إرادته تعالى ومشيئته وفيض كرمه وسعة عطائه الذي لا حدّ له.
 
رابعاً: إنّ لهؤلاء المقام المنيع والمنصب الرّفيع والمرتبة العظيمة التي يستطيعون فيها أداء الحمد والشّكر والثناء للذّات المقدّسة كما هو لائقٌ بها. قال عزّ من قائل ﴿سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ * إِلَّا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ﴾[8]. وهذه غاية كمال المخلوق. فهذه الآية وصفت المخلصين بأنّهم الوحيدون الذين يصحّ منهم وصف الذات الإلهيّة المقدّسة، مما يدلّ على عمق معرفتهم بالله سبحانه وتعالى، فلم يكن في وصفهم لله تعالى أيّ إشكال بخلاف سائر الناس.
 
خامساً: من يخلص لله يرزقه الله العلم والحكمة كما في الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنّه قال: "من أخلص العبادة لله أربعين صباحاً ظهرت ينابيع الحكمة من قلبه على لسانه"[9]. فالمداومة على الإخلاص تورث الإنسان العلم الإلهيّ الّذي ليس فوقه أيّ علم.
 
سادساً: من يخلص لله تعالى في النيّة والعمل يرزقه الله تعالى البصيرة في دينه، فلا تلتبس عليه الأمور، ولا يقع في مضلّات الفتن، ويصبح عارفاً بطريقه جيّداً وموقناً بما يفعله. فعن أمير المؤمنين عليه السلام أنّه قال: "عند تحقّق الإخلاص تستنير البصائر"[10].
 
سابعاً: نجاح الأعمال، فقد ورد في الحديث عن أمير المؤمنين عليه السلام قال: "فِي إخلاصِ النيّاتِ نَجاحُ الأمورِ"[11]. وقال عليه السلام أيضاً: "لَو خَلُصَتِ النِّيَّاتُ لَزَكَتِ الأَعمالُ"[12].
  


[1] سورة ص، الآيتان 82-83.
[2] سورة ص، الآية 83.
[3] الحسيني الزبيدي، محمد مرتضى، تاج العروس من جواهر القاموس، تحقيق علي شيري، بيروت، دار الفكر، 1414هـ - 1994م، ط 1، ج9، ص274.
[4] العلامة الطباطبائي، الميزان في تفسير القرآن، ج17، ص136.
[5] سورة الزمر، الآية 68.
[6] سورة الصافات، الآيتان 127- 128.
[7] سورة الصافات، الآيات 39-41.
[8] سورة الصافات، الآيتان 159-160.
[9] العلّامة المجلسي، بحار الأنوار، ج53، ص326.
[10] الليثي الواسطي، عيون الحكم والمواعظ، ص 338.
[11] م.ن، ص 354.
[12] م.ن، ص 415.

جاء ذلك في كلمة القاها وزير الثقافة والارشاد الاسلامي محمد مهدي اسماعيلي يوم السبت في الاجتماع الطارئ لوزراء الثقافة والاعلام بالدول الاعضاء في منظمة التعاون الاسلامي المنعقد بمدينة اسطنبول.

وفي كلمته اشار اسماعيلي الى الازمة الإنسانية المستمرة في غزة بسبب العدوان المتواصل للكيان الصهيوني، بدعم من حلفائه، والذي اسفر لغاية الان عن استشهاد نحو 30 ألف فلسطيني وإصابة عشرات الآلاف الاخرين وتشريد مئات الالاف وقال: من الواجب الرد بجدية واصرار على هذا الظلم الكبير والإبادة الجماعية والجرائم ضد الإنسانية التي يتعرض لها الشعب الفلسطيني، ويجب تعبئة مشاعر العالم الإسلامي لإحداث تغييرات ذات مغزى والحد من معاناة هذا الشعب.

واضاف: إن الرقابة المنهجية لوسائل الإعلام الغربية بشأن الإبادة الجماعية للفلسطينيين على يد الكيان الصهيوني تظهر الانعكاس المقلوب للأحداث وتشويه الحقائق، والتي تتولى في الواقع من خلال التاثير على الجمهور، الدعاية لصالح الصهاينة.

وتابع: ان السماح للصحفيين بالدخول الى غزة فقط في اطار المجموعات العسكرية الإسرائيلية ومطالبتها بتقديم جميع الصور المسجلة والتقارير المعدة قبل بثها إلى الجيش الإسرائيلي لمراجعتها، تمثل إساءة استخدام وسائل الإعلام من قبل الاحتلال.

وقال وزير الثقافة الايراني: وفقاً لمعايير القانون الدولي، وخاصة قانون حقوق الإنسان والقانون الإنساني الدولي، فإنه من غير القانوني استهداف المعدات التقنية للصحفيين ومكاتبهم بشكل متعمد. كما أن مجرد الادعاء بأن وسائل الإعلام تنشر الدعاية لا يمكن اعتباره هدفًا مشروعًا للهجوم.

وتابع: فيما يتعلق بحماية الصحفيين والعاملين في وسائل الإعلام بموجب القوانين الدولية كمواطنين عاديين ومدنيين، تم توضيح مدى وعمق الجرائم الصهيونية ضد الصحفيين ومعداتهم الفنية ومكاتب عملهم.

وقال وزير الثقافة الايراني: إن الإشارة العابرة إلى عدد شهداء الصحفيين الفلسطينيين يمكن أن تظهر نفاق الدعاية الإعلامية ورجال الدولة الغربيين، وخاصة الأمريكيين، في وصف الحكومة الصهيونية الغاصبة. اذ تشير التقارير الأولية التي اعدتها المنظمات الدولية مثل لجنة حماية الصحفيين (CPJ) إلى أن ما لا يقل عن 125 صحفيًا وعاملًا في وسائل الإعلام استشهدوا بسبب جرائم الكيان الصهيوني في العدوان على غزة حتى 22 فبراير 2024.

وقال اسماعيلي: تمشيا مع سياسة نصرة الشعب الفلسطيني المظلوم، تقدم جمهورية إيران الإسلامية الاقتراحات التالية للمساعدة في تخفيف معاناة هذا الشعب المظلوم:

أولا، يجب علينا تعبئة وتنسيق مواردنا الجماعية على المسرح العالمي من أجل الدفاع عن حقوق الشعب الفلسطيني وفي الوقت نفسه إدانة جرائم الكيان الصهيوني. ويمكن أن يشمل هذا الإجراء مواجهة الدعاية التي لا أساس لها من الصحة التي يقوم بها الكيان الصهيوني ومحاسبة مرتكبي هذه الجرائم في المحافل الدولية.

ثانياً، ينبغي إنشاء آلية خاصة في منظمة التعاون الإسلامي للتوثيق الدقيق لجرائم الكيان الصهيوني. ومن خلال جمع الأدلة الدامغة، يمكننا تحقيق العدالة من خلال الوسائل القانونية والتأكد من محاسبة المسؤولين عن هذه الممارسات اللاإنسانية على أفعالهم.

والأمر الثالث هو تعزيز التعاون والتبادل الإعلامي بين الدول الأعضاء لتعزيز صوت المظلومين ومواجهة التضليل الاعلامي الواسع من قبل الكيان الصهيوني. ويمكننا أن نلفت الانتباه إلى محنة الشعب الفلسطيني والدعم العالمي لقضيته من خلال الاتصالات والجهود الاستراتيجية.

الامر الرابع: تعزيز التعاون مع المنظمات الدولية العاملة في مجال الصحافة، مثل لجنة حماية الصحفيين، من أجل التوثيق الدقيق والكامل لجرائم الكيان الصهيوني ضد الإعلاميين وإثارة القضية في المنظمات الدولية.

وختم وزير الثقافة الايراني كلمته بالقول: دعونا نبني مستقبلًا على اساس السلام والعدالة والكرامة لجميع شعوب المنطقة والعالم. بالتعاون والتضامن، يمكننا تمهيد الطريق لحل عادل ومستدام للحد من معاناة الشعب الفلسطيني. وفي الختام، أطلب منكم ان نضع ايدينا بايدي البعض للتضامن مع الشعب الفلسطيني. دعونا نحول كلماتنا إلى أفعال ونبحث عن مستقبل أكثر إشراقًا للجميع معًا.

الخميس, 22 شباط/فبراير 2024 21:15

في ذکری ولادة علي الاکبرعلیه السلام

علي الأكبر عليه السلام ميلاده ونشأته

تعودنا الاختلاف في الروايات المدونة حول كثير من الأمور التاريخية.. ووفق هذهِ العادة الملحوظة يأتي الكلام عن زمن ولادة عليّ الأكبر عليه السلام. أما مكان ولادته فهو مدينة جده المنورة، من دون مبرر للشك والاختلاف في ذلك اللهّم،

ميلاده المجيد
تعودنا الاختلاف في الروايات المدونة حول كثير من الأمور التاريخية.. ووفق هذهِ العادة الملحوظة يأتي الكلام عن زمن ولادة عليّ الأكبر عليه السلام. أما مكان ولادته فهو مدينة جده المنورة، من دون مبرر للشك والاختلاف في ذلك اللهّم، إذا اعتبرنا ولادته في عهد خلافة الإمام أمير المؤمنين عليعليه السلام، فحينئذٍ يكون لدينا اح ل بأن المكان هو مدينة الكوفة، سيما وقد كان الإمام الحسين مقيماً فيها يومذاك.

فزمن ولادته هو:
في خلافة عثمان. وقيل قبل قتل عثمان بسنتين. وجاء أنه ولد بعد استشهاد الإمام علي أمير المؤمنين. ولعل ما أورده الاصفهاني أضبط من غيره، مؤيداً بما أورده النسابة الكلبي ومصعب. حيث ذكرا أنه ولد قبل قتل عثمان بسنتين.. هذا وان للاصفهاني قرائن تؤكد ولادته حين ذلك وتؤكد معاصرته للإمام أمير المؤمنين، فمما قاله الأصفهاني:"وقد روى عن جده علي بن أبي طالب".

لكنه لم يسجل لنا بعضاً مما رواه علي الأكبر عن جدِه، لضيق الوقت - كما قال الإصفهاني - أو لعدم المناسبة في ذلك الموضوع. أما فيما يتعلق بأخبار ميلاده الأغر، فليس لدينا شيء منها، بيد أن هناك مجموعة روايات عن عائشة بصدد ميلاد علي الأكبر، فقد جاء بكتاب مطبوع حديثاً ان لعائشة روايات كثيرة حول تولده عليه السلام ، ولم يورد الكتاب بعض تلك الروايات والذي يبدو أن تلك المجموعة من الأخبار والروايات ليست موجودة أو مدونة، وانما هي مجرد إشارات ينوهون بها فقط. ولو تجشم المؤرخون بعض الأتعاب الجزئية لتدوينها وسردها لما أخذت منهم وقتاً كما نرى، سيما وهي خير قرائن تفيد تحديد مدة ولادته الشريفة ومتعلقاتها، وتوحي إلى عدة أمور يمكن الاستفادة منها.

نشأته وترعرعه
ولد علي في بيت يتمتع بالحضور الكامل للإيمان والتقوى بيت رحب الفكر واسع المعرفة مزدحم بالصالحين والطاهرين والذين لا تأخذهم في الله لومة لائم، الذين لا يفتأون يحرصون على صيانة مبادئ رسالتهم، ويتمسكون بحرفيتها، ويرفعون ألوية العقيدة عالياً.. بيت هو العقيدة بذاتها، الأمر الذي يفسر دعوة الله للناس كي يحبوا ذلك البيت ويوادوه، ويحاربوا من يكرهه ويعادوه.. بيت عامر بكل ما يمت للإسلام بصلة وللحق والحقائق بروابط وعلائق.

ومن شأن الوليد الذي يفتح عينه في أجواء الصفاء لبيت الصفوة، وأوساط الشرف والسؤدد، وبيئة الخير والصلاح والهدى، من شأنه أن ينشأ على إفاضات ذلك البيت النبيل، وقبسات أهل ذلك البيت من الرجال الذين أنيطت بهم حراسة القضية الإسلامية، وصيانة الشرع الشريف، وحفظ الدين المحمدي الحنيف. نشأ وهو يرتشف لبن صدور المؤمنات التقيات، وقد تشرب بأخلص العواطف وصادق الحنان، وراح جسده ينمو وتنمو مشاعرهُ السليمة وروحه الطاهرة، ونفسه السوية، أكل وشرب مما أنعم الله به حلالاً طيباً لا يأتيه الباطل والشبهة.. نشأ على أسمى معاني المؤمنين الأتقياء، ومزاحهم الجميل معه. فمادته ومعنوياته من فيض حوض طاهر نقي، بمعنى أن جسده وروحه تنزها عن الشوائب المكدرة والأدران المقيتة.

ترعرع علي الأكبر في تلك الأوساط النظيفة، حيث قضى سني حياة صباه يدرج بين صفوة الرجال وصفوة النساء، وخيرة الفتيان والصبيان، بين شخصيات جليلة القدر وشباب يسمون نحو الكمال والعز والإباء. نشأ وترعرع وهو ملء العين، فتخطى الزمن وتجاوز الأيام، مضى يقضي أياماً زاهرة وليالي مباركة، وأشهراً وسنيناً خالدات، متسلقاً الدهر، يعلو فوق هامة التاريخ شخصاً فريداً في مجمل خصوصياته، وشاباً خلاّقاً في ربيع حياته، فرجلاً بطلاً ينفرد في مميزات جمة وجليلة سامية.. إذ نال من التربية ما يصعب على الكثيرين حصوله ونيله، حتى أبناء الملوك والأمراء، أبناء الأكاسرة، والقياصرة، وما هو وجه الشبه حتى نذكر ونمثل بأبناء الملوك؟!

تربيته
شب نحو العُلى والكمال، فهو بمستوى تعاطي القيم والمثل والتربويات القيمة، والحق أن آل الرسول صلى الله عليه وآله وسلم مكيفون لذلك منذ الصغر بدءاً من نعومة أظفارهم أي لا يشترط فيهم بلوغ سنٍ معينة ليكونوا على استعداد لأمر ما، كالتربية مثلاً التي تساير نشأتهم وترافق ترعرع صغارهم الكبار. أخذ علي الأكبر من التربية الشيء الكثير - دون أن نستكثره عليه سلام الله عليه - وذلك من أعضاء الأسرة الرسالية سواءً الرجال أو النساء، وخصوصاً والده الإمام الحسين الذي يقع عليه عبء إعدادهِ وتعبئتهِ إن صح قولنا عبء، والحق أن ذلك لم يكن عبئاً بنظرتهم، أهل البيت، لأنه من أخص خصوصياتهم، فلا يصعب عليهم تكوين النموذج الحي في التربية.

لقد ندرك ببساطة عوامل بلوغ أحدهم مستوىً تربوياً عالياً جداً، وهي بعض عوامل تضلعهم العلم واضطلاعهم بالحكمة فضلاً عن التربية بالذات، وذلك عندما نأخذ بنظر الاعتبار وجود العناصر، أو توفر المقدمات الأساسية هذهِ سلفاً، وهي:

1 - خلو الشخصية من الشوائب السلبية المعكرة والرافضة للإيجابيات والنافرة من الصفاء.
2 - طهارة الروح، وصفاء النفس.
3 - سلامة الضمير.. والتجاوب مع الوجدان.
4 - نزاهة المشاعر، وسمو الأحاسيس..
5 - التطلّع للأفضل والتوق للأحسن.
6 - السعي للاقتراب من الكمال وبلوغ مستوى المسؤوليات ومستوى حمل الرسالة.

هذه كلها مجتمعة تشكل تربة الأرض الخصبة لبذر بذور التربية وغرس أشجار التربية الراسخة الأصول، الضاربة الجذور.. الثابتة في الواقع طالما تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها.. لقد كانوا أهل البيت يحرصون على تطبيق نظرياتهم التربوية الرحبة، ويشددون على ضبط الأساليب التهذيبية، ويخلصون في ممارستهم المنهجية من أجل إعداد الإنسان، إعداداً لا يقبلونه إن لم يكن معادلاً لمهامه ومعادلاً لواجباته ومخاطر مسؤولياته الموكل بها..

انهم لا يقلدون أحداً أو فئة في طرائق التربية، وانما لهم عمقهم الفكري وبعد نظرتهم وإبداع أساليبهم، وممارساتهم المبتكرة، انهم يأخذون من الإسلام ما فيه من شذرات ليضيفوا إليها ليوضحوها ويفصلوها بتحويلها إلى فعل وعمل، إلى ترجمة حيوية صادقة، وذلك بجرها جراً إلى حيز التطبيق، لتدخل دائرة التجربة المؤكدة النجاح والحتمية العطاء.. أضف إلى تلك الممارسات الجادة، امتلاكهم للخبرة الواسعة جداً وإدراكهم للمناهج الفاشلة في هذا المضمار.

ثم إن خريج مدارسهم إنسان رفيع في التربية،عالٍ في العلم، علواً يؤهله وبجدارة لأن يكون هو بشخصه مربياً ومعلماً ينهج ويبدع في المنهج الإسلامي، بل يكون هو بالذات مدرسة مستقلة كفيلة باستيعاب المجتمع وتقديم العطاءات الاصلاحية له، لأن خريج مدارسهم مكيف لذلك جاهز له بحكم مضمونه ومحتواه وكل إناء بالذي فيه ينضح. ولمن يريد الوقوف على مدارس التربية عند أهل البيت ومناهجهم الواعية، ولمن يريد التوفر على نظرياتهم الثرية، فما عليه إلا أن يراجع مذخوراتهم والثروة الكبيرة من التراث الذي خلفوه. سلام الله عليهم. ان خصوصيات مناهجهم، التربوية قد انعكست على مواقفهم الصارمة الحاسمة، ففوق أنها سر كمالهم، فهي تفسير مواقفهم المبدئية وقراراتهم الخطيرة التي آلوا على ألا يفرطوا في جنبها. ونحن إذ نمجد، والمسلمون إذ يمجدون ذلك فيهم فليس من باب الزهو بهم، وانما من باب التأثر والاقتداء بهم لندرك أسرار سيرتهم وأبعاد أعمالهم الصعبة وأمرهم المستصعب، الذي عجز الرجال عن تحمله لافتقارهم للرجولة ولأن رجولتهم الضعيفة تنقصها تربويات الإسلام وفق منهاجه التام.

أوصافه وصفاته
تمتع آل الرسول صلى الله عليه وآله وسلم بأوصاف جميلة وصفات جليلة، أوصاف ظاهرة على شخصياتهم للعيان وصفات كامنة تتجلى منهم عند التعرف إليهم ومعايشتهم كما لاحظها وعاشها المعاصرون لهم. تمتعوا بتجميع الكمالات لديهم دون استثناء أو افتقار لشيء صغير أو كبير.. تمتعوا بتجمع كبريات المواصفات وحسنيات الصفات النبيلة الساميات، فلم يتركوا جميلاً جليلاً إلا ولهم فيه خصوصية، وما من قبيح حقير إلا ولهم في النهي عنه وحربه ممارسات وظيفية.. ذلك لأن تمتعهم بما ذكرنا هو من أخص خصوصياتهم، التي أهلتهم للرسالة، بل هو من أهم اختصاصاتهم - بتعبير أدق -، إذ أنهم ينبغي أن يكونوا في مستوى ما يدعون إليه، وليس من المعقول أن يكونوا رواداً لنظريات ومبادئ، وهم بعيدون عنها أو يفتقرون لمؤهلاتها ومتطلباتها سواء أثناء الدعوة أو خلال التطبيق لما لديهم من مقررات، فالنظرية والتطبيق مما لا يمكن فصلهما قط.. وبذلك فان اختصاصهم الفعال هو كونهم المثل الأعلى، والقدوة الحسنى..

ولو قمنا باستقصاء النظر في مميزاتهم، واستقرأنا مواصفاتهم وأخص خصوصيات شخصياتهم، لما عدونا علي الأكبر عنهم فيما كانوا عليه مما لم يشاركهم أحد فيه.. بل هو في ذروة المميزات وله الحظ الأكبر والقسط الأوفر منها، بحكم أنه شبيه جده النبيصلى الله عليه وآله وسلم، الذي حاز قصب السبق إذ كان الأول كما كان المنبع والمصدرصلى الله عليه وآله وسلم.

وما قولنا بأنه شبيه جده رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مأخوذ من راوٍ أو مؤرخ أو شاهد عيان بسيط ومعاصر عادي، وإنما هو مأخوذ عن شاهد دقيق النظر، صادق صدوق، فقد صرح بذلك والده الإمام الحسين عليه السلام، وعنه روى الراوي وأرخ المؤرخ. سيما وأن الإمام أعرف الناس برسول الله، وأكثرهم التصاقاً به وأشدهم تعلقاً به كما أنه ورث منه واكتسب عنه، فلما ولد نجله علي الأكبر وشب يافعاً، فقد أخذ يوحي بصورته وأخلاقه ومنطقه إلى الرسول، فأضحى ذكراه وتذكاره حتى كان الناس - من أهل المدينة - يشتاقون لرؤياه، سلام الله عليه.. ثم ليس أكثر من أبيه الإمام الحسين حضوراً لملامح جده ومعالم تلك الشخصية العظيمة.. وعليه فان كلامه - والذي سنسجل نصه في القسم الثاني بمكانه المناسب - الذي يؤكد محاكاة علي للنبي وأنه أشبه الناس به خَلقاً وخُلقاً ومنطقاً، كلام بمستوى الحضور الحقيقي. وكان علي الأكبر من أصبح الناس وجهاً، وأحسنهم خلقاً حسبما اتفق المؤرخون فضلاً عن اتفاقهم واجماعهم على مضمون تصريح أبيه الحسين من كونه مثيل الرسول من حيث الخلقة، والأخلاق، والنطق.

وحري بنا أن نعود لتسجيل بعض ما ورد عن النبي الأعظم بالذات، فقد كان صلى الله عليه وآله وسلم: يتلألأ وجهه تلألؤ القمر ليلة البدر، أطول من المربوع وأقصر من المشذب أي الطويل القامة، عظيم الهامة رجل الشعر.. أزهر اللون واسع الجبين، أزج الحواجب سوابع في غير قرن، بينهما عِرق يدرّه الغضب، أقنى العِرنين، ولـه نور يعلوه يحسبه من لم يتأمله أشم، كث اللحية، سهل الخدين، أدعج، ضليع الفم، أشنب مفلج الأسنان، دقيق المسرٌبة كأن عُنقه جيد دُمية في صفاء الفضة ، معتدل الخلق بادناً متماسكاً، سواء البطن والصدر عريض الصدر.. حتى يقول: خافض الطرف، نظره إلى الأرض أطول من نظره إلى السماء، جُلّ نظره الملاحظة، يسوق أصحابه ويبدر من لقي بالسلام.

تلك بعض أوصافه المقدسة، ومن بعض صفاته الجليلة تقرأ
كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم متواصل الأحزان، دائم الفكرة، ليس له راحة، ولا يتكلم في غير حاجة، طويل السكوت، يفتتح الكلام ويختمه بأشداقه، ويتكلم بجوامع الكلم، فصلاً لا فضولاً ولا قصيراً فيه، دمثاً ليس بالجافي ولا بالمهين، يُعظم النعمة وان دقت ولا يذم منها شيئاً، ولا يذم ذواقاً ولا يمدحه، ولا تغضبه الدنيا وما كان لها، إذا تعوطي الحق لم يعرفه أحد ولم يقم لغضبه شيء حتى ينتصر له، ولا يغضب لنفسه، ولا ينتصر لها.. وإذا غضب أعرض وأشاح، وإذا فرح غضّ من طرفه، جُلّ ضحكه التبسم. وغير تلك الصفات والأوصاف الشيء الكثير لذلك الرجل الكامل، سيد الكمالات وصاحبها، على أن ما يروى بهذا الصدد إنما هو محاولة لتقريب شخصه الشريف للأذهان.

وبعد: فلنا أن نؤكد حقائق هامة قبل أن نختم الموضوع، فنقول: بأن حرصنا للوقوف على الأوصاف والصفات وتأكيد التقاء علي الأكبر بالنبي الأعظم في مميزاته يرجع إلى أسباب هامة ومبررات موضوعية جادة، منها مثلاً:

1 - إجلاء الشخصية الحيوية السامية، لا لأنها منتسبة إلى الرسول صلى الله عليه وآله ، وإنما لما اتسمت به مما توفر في شخص الرسول بالذات، ولمضمون الشخصية ومحتواها، وبحكم أنها تشكل المثل الأعلى.

2 - إن الانتساب للرسول كان يكفي للاحترام والامتناع عن القتل، ولكن الأوصاف والصفات كانت تشكل حجة أكبر بجمعها مع النسب الشريف المقدس، ومن هنا كان العدو يخشى قتل علي الأكبر أو يتجنبه كما قيل، لا لأنه سليل الرسول بل لما فيه من اجتماع لمواصفات الرسول بيد أنهم تناسوا ذلك كله فانتهكوا حرمته..

3 - إن أوصافهم وصفاتهم تعطي إيحاءات راقية ومفاهيم خلقية وقيماً ومثلاً نبيلة، لها دورها في إبراز مصداقية المعاني السامية الكريمة التي تكمن فيهم والتي يتسربلون بها.

4 - وأخيراً فمن الضروري جداً إدراك هذه الناحية وهي أنه ليست المميزات المتطابقة مهمة بقدر أهمية تطابق المواقف الرسالية.. وقد شهد التاريخ لعلي الأكبر مواقف جده الصلبة الصارمة، وشهد له أنه شبيه جده رسول الله خلقاً وخُلقاً ومنطقاً وموقفاً وعملاً..

فنحن إذ نقف على الخصال الخيرة المتطابقة، فليس على حساب تطابق النتائج، لاسيما وأن ثمة علاقة بين المميزات المتشابهة - كمقدمات - وبين المواقف المصيرية - كنتائج - ولنختم هذا الفصل ببيتين لشاعر الرسول حسان بن ثابت :
وأحسن منك لم تر قط عيني                 وأجمل منك لم تلد النساء
خلقت مبرّءاً من كل عيـب                   كأنك قد خلقت كما تشـاء
.

* حياة علـى الأكبـر عليه السـلام محمد علي عابدين

الخميس, 22 شباط/فبراير 2024 21:13

هل إطعام الفقراء خير من الحج!

عبدالله نجيب

أخذ الملاحدة العرب من بلادهم الجهل والتعصب وأخذوا من الغرب الانحلال والغرور فجمعوا بين السوء هنا وهناك، وانسلخوا من انتماءاتهم ولم ينسلخوا من عيوبهم، وافتخروا -وهم العرب- على العرب بما عند الغرب! "مذبذبين بين ذلك، لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء".

      

يدعوني النظر للجاهل إلى الشفقة به وتعليمه، إلا الجاهل المتعالم الذى ساوى غيره في الجهل ثم تعالى وتعالم وادعى الفهم، فهذا يدعو إلى الغيظ منه أو السخرية به، وكلام الملحدين العرب نموذج صارخ لذلك. الذين يحاربون كل ما هو إسلامي بدعوى كل ما هو إنساني، ويوهموننا التناقض بين غير متناقضات فيقولون: (العمل أم التوكل- الرحمة أم تطبيق الحدود- العلم أم الدين) في صورة ساذجة غبية تفقدك حتى الرغبة في الحوار، ومثل هذه الأمثلة يسميه المنطقيون "السؤال المشحون أو الملغوم" الذي يفترِضُ ابتداءًا تعارضًا وهميًا ثم يبني سؤاله عليه فيضلل غيره!

     

ومنه كذلك دعواهم التي يقيؤونها كل حج (إطعام الفقراء خير من الحج) وكأن هناك تعارضًا، ويرددها المسلمون جهلًا وعاطفةً، والحق أنه لا تعارض، فالعبادة لها مقاصدها وسبيلها، وفعل الخير له مقاصده وسبله، لا يغنى هذا عن ذلك. والعبادة -فضلًا أنها أمر الله واجب النفاذ- لا يقول عاقل بعدم أهميتها وأهمية الجانب الروحي للإنسان وأثره في السكينة والاتزان النفسي، ولا يغني عنه كل شيء من الأنشطة الخاصة أو الاجتماعيه

لا مشكلة أن نتحدث عن أفضلية إطعام الفقير على تكرار الحج، وقد تحدث الفقهاء في هذا ولكنه في إطار الإقرار بأهمية كل عمل من هذه الأعمال، واحترامها، والإيمان بها

      

كما أن الله -حاشاه- لم يهمل الفقير، والأوامر كثيرة للدولة وللفرد في التصدق على المسكين وكفايته، وكفالة اليتيم، والسعي في حاجة الأرملة والمسكين، ومراعاة شعوره عند العطاء، ويكفي أن الأمر بالزكاة هو القرين للصلاة في أغلب آيات القرآن. فدعوى الملحدين والتنويريين تلك أبعد ما تكون عن المنطق والإنصاف والاتزان. وأتساءل: لماذا لا نسمع هذه المقارنات إلا فيما يخص الإسلام؟ لماذا لا يقولون: "إطعام الفقراء خير من المصايف أو من السينما أو غيرها؟". مع أن الحج لا يتكلف عُشر معشار ما يتكلفه غيره من وسائل الترفيه قليلة أو عديمة الأهمية أو حتى المضرة! فالأمر ليس شفقة بالفقير بقدر ما هو كره للإسلام وشعائره، وما أحقر التخفي بالخير لقصد آخر، والتلبس بالشفقة لستر الكره!

   

يجب أن نحقق التوازن بين تعاليم الدين المختلفة، وبين الشخصي منها والاجتماعي، ومع الحذر من قوم فُتنوا بالغرب فحملوا إلينا حضارتهم بغثٍّها وسمينها، بل غثِّها فقط

ثم أقول للمسلمين المخدوعين المنهزمين نفسيًا أمام الغرب، لِمٙ لا نعتز بإسلامنا بكل تفاصيله من أعظمها إلى أدقه؟ تخجلون من حديث الإسلام عن تفاصيل طريقة الطعام والنوم ودخول الحمام، ثم تهتمون وتفخرون بطريقة الغرب في إمساك السكين والشوكة، وفي طريقة التحية والسلام والجلوس والقيام، وغيرها من القوانين الدقيقة التي تسمى "الإتيكيت"، لماذا يحترم الغرب تلك الآداب الصغيرة وتحترمونها تبعًا لهم، ثم تخجلون من آداب الإسلام العظيمة إذا ما قورنت بغيرها في الذوق والنظافة والجمال؟

        

والعجيب أن هؤلاء المخدوعين ألغوا كل تعاليم الدين، فإن حدثتهم عن تعاليم الإسلام للدولة والمجتمع، قالوا "الدين أمر شخصي"، وإن حدثتهم في الأمور الشخصية، سخروا وقالوا: "وهل أرسل الله نبيًا ليخبرني كيف آكل؟ وهل يغضب الله لو دخلت الخلاء بالقدم اليمنى بدل اليسرى؟"، وإن أمرتهم بالعبادة قالوا: "نقاء القلب خير من ذلك، وحسبنا أننا ندين بالإنسانية" فلم يبق من إسلام التنويريين إلا بعض القيم التي يكاد يتفق عليها البشر جميعًا، فلا حاجة أصلًا لاسم "الإسلام" إذ الحاجة للاسم هي تعيين شيء مميز، ولا شيء هنا ندعوه!

         

أيها المستغربون (نسبة للغرب) لماذا لا ترون التقدم إلا في الانسلاخ التام عن الثقافة والتراث العربي (وليس فقط الإسلامي) والتلبس الكامل بالثقافة الغربية واقتفاء العادات والمظاهر الغربية واحدة واحدة؟ دول شرق آسيا والهند -مثلًا- مع تقدمهم يتمسكون ويعتزون بحضاراتهم وثقافاتهم وطقوسهم بشكل كبير حتى في أقل تفاصيل الحياة كالملابس والطعام. لماذا العلمانيون العرب -دون غيرهم- يريدون أنفسهم وأقوامهم مسوخًا ونُسٙخًا من حضارات أخرى، ولا يتوقفون عند التنصل من تعاليم الدين، بل يتنصلون من أصلهم وماضيهم وحضارتهم على الجملة!

      لامشكلة أن نتحدث عن أفضلية إطعام الفقير على تكرار الحج، وقد تحدث الفقهاء في هذا ولكنه في إطار الإقرار بأهمية كل عمل من هذه الأعمال، واحترامها، والإيمان بها، وتحقيق التوازن بين تعاليم الدين المختلفة، وبين الشخصي منها والاجتماعي، وبين ما بيني وبين الله وما بيني وبين الناس، ومع الحذر من قوم فُتنوا بالغرب فحملوا إلينا حضارتهم بغثٍّها وسمينها، بل غثِّها فقط!

 المصدر: الجزیره

الخميس, 22 شباط/فبراير 2024 21:12

طاقة الألوان وتأثيرها على الجسم

لوّن حياتك!

يعتبر العلاج بالألوان حالياً حقيقة علاجية وطريقة سهلة لتحسين بيئة المنازل والمكاتب ولا تحتاج مجهوداً في تعلمها.
وفائدتها تكمن في أنها تساعدنا على التواصل مع أنفسنا وطاقتنا وتؤهلنا للتجاوب مع كل الأشياء المحيطة بنا ومع مشاعرنا أيضا.
كما أن الإنسان بفطرته وطبيعته يميل إلى الألوان التي يتعرض أو يتعامل معها في ملبسه ومأكله ومشربه لأن الجسم يميل إلى تعويض النقص في طاقته تلقائيا، وهذا يفسر سلوكياتنا وتفضيلنا لتناول طعام معين دون سواه أو ارتداء أزياء بألوان معينه.
العلاج بالوان موسوعة كبيرة و مترابطة مع بعضها البعض طبعا يختلف اذا كان الخلل ناتج عن زيادة او عن نقص
يستخدم المعالجون اساليب عديدة لمعالجة مرضاهم مثل عرض ألون معين عليهم او تدليكهم بزيوت ملونة او تسليط اضواء على اجزاء مختلفة من اجسادهم او اضافة الوان مختلفة لخزانة ملابسهم .
وقد طور علماء أعصاب أمريكيون تقنيه علاجيه وتعرف باسم "لوما ترون" وهي عبارة عن استخدام صناديق ضوئية ملونه تستخدم لتنشيط الخلايا المستقبلة للضوء الواقعة خلف العين في عدة جلسات لتستغرق كل منها 20 دقيقه وذلك لهدف أعادة التوازن للجهاز العصبي الذاتي فهي تحسن من الصحة النفسية للمريض وتخفف حالات التوحد النفسي وعسر القراءة وخلل التناسق وعسر الانسجام والعدوانية عند الأطفال والراحة النفسية لمرضى السرطان
ملاحظة مهمة: لايمكن الاعتماد عليها كليا فهي مكملة للعلاج الطبي وليست بديلة.

اللون الاحمر

يتميز بكونه منشطا ومنبها. يلفت الانتباه وفتح الشهية. يعالج فقر الدم ويساعد التئام الجروح ويشفي الأكزيما والحروق ويزيد معدل ضربات القلب ومعدل التنفس.
وهو لون العواطف والطاقة وهو يساعد على الشفاء من العجز الجنسي والبرود والتهاب المثانة البولية والمشاكل الجلدية. ولا ينصح لمن يعانون من ضغط الدم العالي.
وقد وجد العالم غاديلي أن الشعاع الأحمر هو لون البناء والتشييد ويساعد على استمرار خلايا الحمراء في الجسم وينبه الكبد.
وبينت دراسة أجريت عام 1990 تم فيها تسليط أضواء حمراء اللون على عيون مجموعة المرضى يعانون من الصداع النصفي في بداية ظهور النوبة أن 93% منهم تعافوا جزئيا نتيجة هذا العلاج وارجع المعالجون السبب أن اللون الأحمر يزيد ضغط الدم الشرياني ويوسع الأوعية الدموية.


استعمالات يومية:
الأحمر لون قوي ومرتبط دائما بالنشاط والحيوية فهو يلفت الانتباه ويفتح الشهية ولذلك ينصح باستخدامه في المطبخ. كما أنه يناسب كثيرا الأماكن الخاصة للعب الأطفال والأماكن التي تحتاج إلى النشاط والحيوية لانجاز العمل بها. كذلك يدل اللون على كرم الضيافة والمشاعر الجياشة لذلك نلاحظ أن المطاعم الشهيرة تعتمد على استخدام الأحمر في ديكوراتها أو استخدامه كلون للمفارش أو الزهور.
واللون الأحمر هو أعلى الألوان طاقة وهو اللون الوحيد الذي يجب تجنبه في غرف النوم خاصة للأشخاص الذين يعانون من الأرق لأنه يصدر ذبذبات عالية تؤدي إلى زيادة في حركة ونشاط الخلايا وتسارع دقات القلب وبالتالي فإن الشخص الذي ينام في أماكن مليئة باللون الأحمر سيعاني من الأرق والأحلام المزعجة. من جهة أخرى يمكن إضافة القليل من اللون الأحمر لأنه يبعث على الصحة، التنفس العميق.


اللون الأزرق:

استعمالاته العلاجية:
هو أفضل الألوان التي توحي بالهدوء والاسترخاء وهو لون بارد يفيد كثيرا في الإقلال من التوتر العصبي لأنه يخفض من الموجات المخية التي تنشط المخ.

استعملاته:

لإزالة الألم، إيقاف النزف، المغص والأمراض الروماتيزمية وتصلب الشرايين ويؤدي إلى الاسترخاء ويخفف من عدد مرات التنفس.
وقد أجريت تجربه أتوا بها بأطفال عدوانيين ووضعوهم في صف دراسي أزرق ولاحظوا هدوء نسبي وانخفاض في العدوانية.
كما يستعمل اللون النيلي في علاج عتامة عدسة العين (المياه الزرقاء)، الصداع النصفي، الصمم وحالات الأمراض الجلدية وله تأثير في العين والأذن والجهاز العصبي.

استعمالات يومية:
الأزرق هو أفضل الألوان التي توحي بالهدوء، الطمأنينة والسلام. لذا ينصح باستعماله في غرف النوم والحمامات حيث يضفي جوا من النظافة. ويتميز الأزرق بدرجاته العديدة ولكن من الأفضل تجنب الأزرق الداكن جدا فهو لون بارد يضفي ثقلا على المكان. لذا ينصح بمزجه بألوان مفعمة بالطاقة كالأصفر، الوردي أو الخوخي.
ويناسب اللون الأزرق أماكن الاجتماعات التي يكثر فيها المجادلات والمشاحنات لأنه يساهم في تقليلها وتهدئتها.
وبالفطرة نجد الأشخاص الذين يعانون من ضغوط وحالات قلق يلجئون لاستنشاق هواء البحر وبالفعل تتحسن نفسيتهم والسبب الحقيقي لذلك هو أن حركة أمواج البحر بالإضافة إلى لونه الأزرق يساعد على سحب الطاقة السلبية واستبدالها بأخرى إيجابية وكما يفيد التأمل في السماء الزرقاء أو وضع صوره في البيت أو المكتب لبحر وسماء صافية زرقاء لتزيد من جو الاسترخاء والراحة.
كما أن اللون الأزرق يقلل من الشهية فالطعام المصنع المصبوغ باللون الأزرق غير قابل للشهية والطعام إذا قدم في أطباق زرقاء لا يفتح الشهية.
مثلا إذا أردت إنقاص وزنك استبدل ضوء البراد إلى لون أزرق فستنخفض شهيتك للأكل بدرجه كبيره.. فسبحان الله،
لا نجد طعاماً طبيعياً من خضار أو فاكهه باللون الأزرق.


اللون الاصفر

استعمالاته العلاجية
يوحي الأصفر بالسعادة والمرح والانشراح وكذلك الذكاء.
وهذا اللون يزيد الطاقة في الجهاز الليمفاوي ويستعمل في علاج حالات السكري، عسر الهضم والاضطرابات الكلوية، الكبد والإمساك وكذلك بعض اضطرابات الحنجرة والعينين.
وتحمل أشعة اللون الأصفر التيارات المغناطيسية الموجبة التي نتنفسها وتثيرنا فتقوى وتنشط حركة الأعصاب في الجسم والعضلات وتحسن البشرة وتعالج الجروح وخصوصا الأكزيما.

استعمالات يومية:

الأصفر هو أقرب الألوان إلى الضوء فيجمع بين الدفء والمرح وهو ينشط الذهن ويساعد على الإبداع في الكتابة ويفضل استخدامه في أماكن تجمّع الأسرة وغرف النوم لأنه يساعد على تخفيض الطاقة وبالتالي يمهد لعملية الاسترخاء والراحة ويزيد من مشاعر التجاوب والجو الأسري الحنون.
أيضا الفيتامينات ترتبط بالألوان حيث نجد أن الأطعمة التي يكون لونها أصفر أو أخضر مثل الليمون أو الأجاص تكون غنية بفيتامين C والأطعمة الحمراء مثل الطماطم والتفاح الأحمر غنية بفيتامين B12 أو B المركب. الأطعمة صفراء اللون تكون غنية بفيتامين A والأطعمة كحلية اللون أو التي لونها أزرق داكن غنية بفيتامينK والأطعمة البنفسجية غنية بفيتامين هـ.
واللون الأصفر هو أشد الألوان التي ترسخ في الذاكرة، فلا عجب أن نرى الأوراق التي تدون عليها الملاحظات للتذكر تكون صفراء. وتطلى سيارات الأجرة في أكثر البلدان بالأصفر لأنه أشد الألوان إيقاعا الألوان في الذاكرة.


اللون الأخضر


أستعمالاته العلاجية:
يتميزاللون الأخضر بكونه لونا مهدئا ومضادا للتوتر.
ويستعمل في معالجة بعض الحالات العصبية، الإنهاك، مشاكل القلب، الحمى، القرحة، الأنفلونزا، الرشوحات ولتهدئة الآلام في حالة الإصابة بالسرطان.

الاستعمالات اليومية:

الأخضر يضفي مسحه من السكون والطمأنينة ويناسب جدا غرف الأطفال خاصة درجاته الفاتحة. ونلاحظ أن دائما في المستشفات يكثرون من الأخضر وخصوصا في غرف العمليات وثياب الأطباء لبعث الهدوء.
أما من حيث الطاقة فهو متوسط الطاقة والذبذبة طاقته معروفة على امتصاص كل الطاقات السلبية من كل أنحاء الأجسام الحية وغير الحية التي تتعرض له.
والدليل على ذلك الامتصاص أن الإنسان المكتئب أو الحزين عندما يجلس في مكان مليء بالأشجار والنباتات الخضراء تزول كآبته ويصبح سعيد ونشيط.
ولا يناسب اللون الأخضر أماكن العمل التي تحتاج إلى بذل مجهود ذهني أو جسمي لأنه كما ذكرنا يساعد على الهدوء والاسترخاء وهي أمور لا تتناسب مع طبيعة ومتطلبات أي عمل


اللون البرتقالي

أستعملاته العلاجية
لون دافئ ومشرق وأشعة اللون البرتقالي تستخدم في حالة الإرهاق والتعب. ومعالجة مرض الكلى، المرارة، علاج المغص، التشنجات العضلية كما يوصف للمرضعة لزيادة إدرار الحليب ويستعمل في بعض حالات الفتق والتهاب الزائدة الدودية.
أنه مقوي للقلب ويستعمل في زيادة معدل نبضات القلب. وهو منشط عام ومضاد للإحساس بالهبوط، الفتور والاكتئاب والنعاس.
هو يساعد على الشفاء من التهابات العينين مثل القرنية. وهو من أحسن الألوان لرفع معدل الشهية وعند الشعور بالتعب والإرهاق حاول ارتداء البرتقالي فمن شأنه أن يرفع من مستوى طاقتك.


اللون البنفسجي


أستعملاته العلاجية
يستخدم لمعالجة الإضرابات النفسية و العاطفية,وآلام المفاصل ,كما يستعمل لتخفيف الآلم و تسهيل الولادةويستعمل أحيانا مع اللون الأصفر لمعالجة بعض أمراض حالات سرطان الجلد، كما وينشط الطحال.
أستعملاته اليومية
البنفسجي يبعث علي الهدوء والنظرة المنتعشة وفي العمل نجد أن اللون الأصفر أو اللون البنفسجي يبعثان علي التركيز والتفكير العميق والحكمة والابتكار والجدل ولكن يفضل الإبتعاد عنه تماما إن كان مزاجك نص نص يعني منتي مرتاحة لأن كثرة النظر إليه تحرك الكآبة والحزن داخلك.


اللون الأبيض

أستعمالاته العلاجية

الأبيض هو رمز الهدوء والنقاء وهو يشمل كافة ألوان الطيف الضوئي .
يستعمل لعلاج : مرض الصفراء وخاصة للمصابين بها من الأطفال حديثي الولادة حيث يسلط الضوء الأبيض الشديد عليهم فوق منطقة الكبد فيتم الشفاء.
وكذلك ينصح الأطباء مرضى الدرن الرئوي التعرض لضوء الشمس القوي وارتداء الثياب البيضاء.
كما أثبت أن ضوء الشمس بما فيه سرعة ألوان الطيف له قدره على أنتاج فيتامين "د" تحت الجلد وهذا الفيتامين يساعد على تكوين العظام ومعالجة هشاشة العظام.

الاستعمالات اليومية
الأبيض يرمز للعفة، النقاء، النظافة والهدوء.
وهو اللون السائد المنتشر في كل ما له علاقة بحياة الإنسان فأغلب المنازل يغلب عليها اللون الأبيض وكذلك ملابس الرجال، النساء، الأطفال، السيارات والكثير من أثاث المنزل يغلب عليها هذا اللون إلى جانب أدوات المطبخ وغرف النوم.
أللون الأبيض أكثر الألوان راحة للنفس وأكبر دليل لذلك استعماله بكل ما يتعلق بالمرض مثل ألوان جدران المستشفيات وملابس الأطباء والممرضين وأغطية الأسرة وملابس المرضى وستائر الغرف والأجهزة الطبية.
كما أن اللون الأبيض يترك مسحه من البرودة لذلك يناسب طلاء جميع غرف البيت بالأخص اللون الأبيض اللون المائل إلى الزهر، الأصفر، الأزرق أو الأخضر أو ما يسمى بالأبيض الملون.
ففي غرفة الاستقبال بشكل عام يفضل أن تكون الجدران باللون الأبيض وكذلك جدران وسقف غرفة الطعام وكذلك الستائر، مع إضافة ألوان زاهية أخرى بالأثاث.


اللون الأسود


استعمالاته العلاجية
لا يستعمل هذا اللون للعلاج.

الاستعمالات اليومية:

اللون الأسود هو لون القوة وغير موجود في ألوان الطيف وضد اللون الأبيض وينطلق من المواد المخدرة والسامة ويعطي إحساس بالقوة والثقة بالنفس.
ولكنه محبط للشهية فإذا أردت إنقاص وزنك فافرش طاولة طعامك بغطاء أسود.
وكثرة التعرض له تزيد من شعورنا بالحزن وتعمق إحساسنا بذاتنا، وكلما تعمق إحساس الإنسان بذاته كلما هاجت الأحزان المكبوتة في النفس.
لذلك شاع استعماله في فترة الحداد.

الخميس, 22 شباط/فبراير 2024 21:11

أن تكون صاحب طاقة إيجابية

تعتبر الطاقة الإيجابية قوة مدهشة تمكن الإنسان من الاستمتاع بالسعادة وتحقيق النجاح.

فعندما يكون لدينا طاقة إيجابية، يزداد تفاؤلنا، ورؤيتنا للحياة تصبح أكثر وضوحاً، ونرى الفرص وراء التحديات. في هذا المقال، سنستكشف أهمية الطاقة الإيجابية، وكيف يمكن أن تؤثر في حياتنا وسعادتنا؟

الجسم الإيجابي

الطاقة الإيجابية تنبع من داخلنا، وتشمل العقل والروح والجسد. لذا، فمن الضروري أن نهتم بصحة جسمنا وتغذيته بالطعام الصحي وممارسة الرياضة بانتظام. كما يجب أن نستثمر في النوم الجيد والاسترخاء للحفاظ على توازن الطاقة الإيجابية.

العقل المثبت

تلعب العقلية الإيجابية دوراً حاسماً في تعزيز السعادة وطاقتنا. عندما نغرس الأفكار الإيجابية في ذهننا ونعتقد بأن الحياة تحمل الخير والمحبة، فإننا نجتذب المزيد من هذه الطاقة الإيجابية. لذا، يجب أن نمارس التفكير الإيجابي، ونعزز حب الذات ونتعلم من التحديات بإيجابية.

التأثير الاجتماعي

تلعب العلاقات الاجتماعية دوراً أساسياً في تحقيق السعادة والطاقة الإيجابية. عندما نحيط أنفسنا بأشخاص إيجابيين، ونقوم بتبادل الأفكار والمشاعر الإيجابية، فإننا نشجع بعضنا بعضا على النمو والتطور. لذا، يجب أن نختار أصدقاء إيجابيين، ونبذل جهودًا لبناء علاقات صحية ومثمرة.

الاهتمام بالروح

الروح تمثل الجانب العاطفي في حياتنا لتعزيز الطاقة الإيجابية في الروح. يمكننا ممارسة التأمل والقراءة الإلهامية، فنحن نحتاج إلى القدرة على توجيه نفسنا نحو الهدف وتحقيق النجاح بشكل أكبر.

وإن حضور الطاقة الإيجابية في حياتنا يمكن أن يجعل الحياة أفضل وأكثر سعادة. من خلال الاهتمام بالجسم والعقل والتأثير الاجتماعي والروح، يمكننا اكتشاف قدراتنا الحقيقية وتحقيق أهدافنا. دعونا نتبنى هذه الطاقة الإيجابية ونعيش حياة مشرقة وسعيدة.

 

الخميس, 22 شباط/فبراير 2024 21:07

الفراغ السلبي عند الشباب

عبدالله أحمد اليوسف

كان الإنسان في الماضي قلّما يجد له متسعاً من الوقت، فهو دائم العمل والشغل في سبيل تأمين لقمة العيش، واليوم حيث حلت الآلة محل الإنسان في جوانب كثيرة من الحياة، وحيث العمل محدد بساعات معينة، وأيام العطل كثيرة ومتنوعة، ففي كلّ أسبوع يوم أو يومان، بالإضافة إلى عطلات الأعياد والمناسبات، والإجازات المرضية والاضطرارية وغيرها؛ أصبح لدى الشباب المزيد من الفراغ، والمزيد من الوقت غير المبرمج بعمل محدد.

وفي مثل هذه الحالة فإنّ الشاب المجد في حياته يبذل قصارى جهده في استثمار فراغه فيما يفيد جسمه وعقله وروحه. أما الشاب الذي لا يعرف هدفه في الحياة فإنّه يعتبر الفراغ فرصة ذهبية للمزيد من النوم والكسل، أو اللعب فيما لا يفيد، أو الجلوس في الطرقات والشوارع، أو الذهاب إلى الأسواق بلا حاجة، أو مشاهدة التلفاز بدون توقف، أو المعاكسة من خلال الهاتف والإنترنت.

والفراغ عندما يستثمر ويوظف في العمل والإنتاج والنشاط فإن نتائجه كثيرة ومتنوعة على الفرد والمجتمع والأُمّة، أما عندما يهدر وقت الفراغ فيما لا فائدة فيه، فإنّه يتحول إلى معول هدم ودمار وفساد؛ ولذلك نجد أن أكثر الذين ينحرفون من الشباب هم الذين يقضون أوقات فراغهم في اللهو واللغو والعبث.

ويرى الكثير من الباحثين أن هناك ارتباطاً وثيقاً بين الفراغ وانحراف الأحداث والشباب، إذ أنّ الشاب عندما يشعر بالفراغ ولا يمتلك الإرادة أو التفكير في استثمار الفراغ وتوظيفه فيما يفيد، فإنّه بذلك يتحول إلى نقمة على الفرد والمجتمع معاً.

ولو ألقينا نظرة على التعاليم الدينية لرأينا أنها تحث على استثمار كلّ لحظة ودقيقة من الزمن وتوظيفها في العمل الصالح، يقول تعالى: (فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ* وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ) (الشرح/ 7-8)، ويقول النبيّ (ص): "إنّ العمر محدود لن يتجاوز أحد ما قدر له، فبادروا قبل نفاد الأجل".

ويحذر النبي (ص) من افتتان الإنسان بالصحة والفراغ، حيث يقول (ص): "خلتان كثير من الناس فيهما مفتون: الصحة والفراغ"، ويقول (ص) أيضاً: "إنّ الله يُبْغِضُ الصحيح الفارغ لا في شغل الدنيا ولا في شغل الآخرة".

والفراغ السلبي أحد أسباب الفساد، يقول الإمام عليّ (ع): "إن يكن الشغل مجهدة فاتصال الفراغ مفسدة"، وعنه (ع) قال: "من الفراغ تكون الصَّبوة"، وعنه (ع) أيضاً: "اعلم أنّ الدنيا دار بلية لم يفرغ صاحبها فيها قط ساعة إلا كانت فَرْغَتُهُ عليه حسرة يوم القيامة".

وللأسف الشديد فالكثير من الشباب لا يتعامل مع الفراغ بصورة إيجابية، فلو ألقينا نظرة فاحصة على كيفية قضاء الشباب لأوقاتهم لاستنتجنا ما يلي: ثمان ساعات للنوم وربما أكثر، أربع ساعات لمشاهدة التليفزيون، ثلاث ساعات للأكل والشرب، ساعتان للتجوال والنزهة، ساعة واحدة للمكالمات الهاتفية، ست ساعات للعمل.. هذا هو المعدل المتوسط لقضاء يوم كامل.

ومعدل العمل الحقيقي في الدول النامية – كما تشير الدراسات – لا يتجاوز ساعة واحدة على أفضل تقدير. والمتبقي من وقت العمل يذهب في الأكل والشرب، وقراءة الصحف، والتحدث مع الزملاء، والاتصال بالهاتف، والخروج من دائرة العمل لسبب أو آخر.

وقد أكّدت العديد من الدراسات والاستطلاعات بأن مشاهدة برامج التلفاز ومتابعة الشؤون الرياضية والتجول بالسيارات يأخذ معظم أوقات الفراغ لدى الشباب، في حين أن عادة القراءة والكتابة، أو استثمار أوقات الفراغ في إنجاز الأعمال المفيدة والمنتجة لا تكاد تسجل إلا أرقاماً منخفضة جدّاً.

ومن هنا، فالشباب مدعوون لإعادة رسم خريطة أوقاتهم، وجدولة أوقات فراغهم فيما يفيد وينفع، بما يتناسب والتطلعات الحضارية، والقدرة على المنافسة في ظل فرص العولمة وتحدياتها.

 

المصدر: كتاب الشباب/ هموم الحاضر وتطلعات المستقبل