
emamian
قائد الثورة يبارك العام الجديد: العام الجاري هو عام "الانتاج،الدعم، ازالة الموانع
قدم قائد الثورة الاسلامية آية الله السيد علي خامنئي احر التهاني والتبريكات الى الشعب الايراني لاسيما عوائل الشهداء والمعوقين انفسهم والمضحين ، فضلا عن تهنئته لجميع الشعوب التي تحتفل بعيد النوروز ، مستعرضا العقبات التي اعترضت تحقيق شعار العام السابق بشكل كامل مقدما توضيحات بشان الحلول التي ينبغي اعتمادها لتحقيق ما فات وترجمة شعار العام الجاري على ارض الواقع .
العالم - ايران
وفيما يلي نص خطاب قائد الثورة الاسلامية :
بسم الله الرحمن الرحيم،
والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله الطاهرين.
يا مقلّب القلوب والابصار، يا مدبّر الليل والنهار، يا محوّل الحول والأحوال، حوّل حالنا الى أحسن الحال.
أبارك بعيد النوروز وحلول العام الجديد لأبناء وطننا الأعزاء جميعا، ولا سيما عوائل الشهداء، وعائلات الجرحى، والجرحى انفسهم، والمضحين جميعا، كما أبارك بهذا العيد للشعوب جميعا التي تحتفل بعيد النوروز.
يتصادف عيدنا هذا العام مع الأعياد الشعبانية، فنتمنى أن يكون لهذا بركات مادية وروحية كثيرة على عامنا الجديد و(سنة) 1400 مباركة بأنها تحتوي على يومي النصف من شعبان، وسوف يحتفل الناس مرتين في هذا العام بولادة ولي الله الأعظم، أرواحنا فداه.
انتهى عام 99 (1399 ه.ش.) بأحداث مختلفة وأحيانا غير مسبوقة. من تلك الأحداث التي لم يسبق لها مثيل حقا وكانت غير مألوفة لشعبنا ظاهرة "كورونا" التي أثرت بطريقة ما في حياة الشعب كافة تقريبا، سواء الأعمال التجارية والبيئات المدرسية والاجتماعات الدينية ومسألة السفر والرياضة، كما أثرت في القضايا الأخرى في البلاد، ووجهت ضربة قاسية إلى العمل في البلاد.
بالطبع، الأكثر مرارة من هذا موت عشرات الالاف من أبناء شعبنا الأعزاء، ما يعني أن عشرات الألاف من العائلات صاروا ذوي غصة وحرقة. من هنا، أغتنم هذه الفرصة لأقدم التعازي إلى تلك العائلات العزيزة جميعا، وأعبر عن مواساتي لهم. نرجو أن يمن الله عليهم بالصبر والأجر، وأن يشمل المتوفين برحمته ومغرفته.
كان 1399 عاما لظهور قدرات الشعب الإيراني أيضا، مثلما في مواجهة هذا الاختبار العظيم، أي "كورونا". وللإنصاف، أظهر شعبنا العزيز، من المجاميع الطبية والصحية إلى الباحثين والعلماء، إلى الأفراد والجماعات الجهادية والخدمية، أظهروا قدرات كبيرة في إدارة هذه الحادثة المرة، وذلك تحت الضغط من العدو بالحد الأقصى في زمن الحظر. فرغم الحظر، وقطع الطرق المختلفة على استخدام الإمكانات في الخارج، ... كان شعبنا وعلماؤنا وأطباؤنا وممرضونا ومسعفونا والعاملون في مختبراتنا وفي أقسام الأشعة، هؤلاء الذين شاركوا في علاج الناس، إنصافا كانوا قادرين على ترك ذكرى لتجربة عظيمة، وإظهار قدراتهم العظيمة.
كذلك أظهر الشعب الإيراني قدرته على مواجهة الضغط من العدو بالحد الأقصى. كانوا ينوون (أقصد) أعداؤنا وفي مقدمتهم أمريكا – أن يجثو الشعب الإيراني على ركبتيه بهذا الضغط بالحد الأقصى. واليوم هم أنفسهم يقولون ورفاقهم الأوروبيون بصراحة إن الضغط بالحد الأقصى قد أخفق. نحن كنا نعلم أنه سيخفق، وأننا عازمون على هزم العدو في هذا الصدد. كنا نعلم أن الشعب الإيراني سيصمد. لكنهم اليوم يعترفون بأن هذا الضغط بالحد الأقصى قد لاقى الهزيمة.
حسنا، كان الشعار لعام 99 هو "الطفرة في الإنتاج". إذا رغبت في إجراء تقييم، بناء على التقارير المتعددة الشعبية والحكومية، ومن الأجهزة المختلفة، إذ تصلنا تقارير من جهات مختلفة، إذا كنت أرغب في إجراء تقييم بناء على هذه التقارير، لا بد لي من القول إن هذا الشعار إلى حد ما، إلى حد ما، تحقق بمستوى مقبول.
أي تحققت الطفرة في الإنتاج في أجزاء من البلاد، وفي أجزاء متنوعة من قضايا البلاد، مع أنها لم تكن بالحد المنتظر. أي في الأماكن التي تحقق فيها هذا الشعار، وقد كان في أحيان كثيرة في البنية التحتية والإعمار وماشابه، لم تكن النتيجة محسوسة في الاقتصاد العام للبلاد ومعيشة الناس. أي لم تكن هذه الحركة محسوسة. لقد كنا ننتظر أن تخلق الطفرة في الإنتاج انفراجا في وضع الناس.
طبعا "الطفرة في الإنتاج" شعار ثوري بالمعنى الحقيقي للكلمة. إنه شعار مهم. إذا حدثت الطفرة في الإنتاج بطريقة صحيحة في البلاد، وهي ستحدث، إن شاء الله، سيكون لها تأثيرات اقتصادية عميقة في البلاد وقيمة العملة وسائر القضايا الاقتصادية الرئيسية. إضافة إلى ذلك، ستوجب الثقة بالنفس الوطنية والرضا العام للناس، وضمان الأمن الوطني. أي الإنتاج ذو الطفرة في البلاد، إذا حدث، إن شاء الله، ونأمل أن يحدث، سوف تتحقق به هذه المضاعفات المهمة والفوائد العظيمة.
حسنا، لماذا لم يحدث هذا بالكامل عام 99؟ بسبب الموانع من جهة، وفقدان الدعم للإنتاج في القطاعات جميعا من جهة اخرى. أي يحتاج الإنتاج إلى الدعم القانوني والحكومي اللازمين، وأيضا إلى إزالة الموانع من طريق الإنتاج.
الآن، على سبيل المثال، عندما تفترضون أن معملا يعمل بنصف قدرته، يعمل بـ30-40% مثلا من قدرته، أو أنه معطل بالكامل، ثم بهمة عدد من الشباب، مثلا، يبدأ هذا المعمل العمل، بالتشجيع وما إلى ذلك، فيبدأ هذا المعمل الحركة، وبعد وصوله إلى الإنتاج يرى المرء فجأة أن المنافس لهذا المنتج يدخل البلاد من الخارج بطريقة ما، إما على أيدي المهرب الخائن، وإما –للأسف- بالطرق القانونية وبسبب ضعف الضوابط القانونية.
بالطبع لايتم هكذا تشجيع الانتاج ، هذا عائق امام الانتاج ، اي ما يجري فعله في الواقع يخفق ، او ايضا غياب الحوافز ، مثل حوافز الاستثمار ، الاستثمار في الانتاج يحتاج لحوافز ، يجب تشجيع اولئك الذين يمكنهم الاستثمار على ذلك . وان يكون وضع الاعمال في البلاد على نحو يشجعهم على دخول هذه الاعمال ، او الا تزيد تكلفة الانتاج عليهم ، وهو ما لم يحدث للاسف ، اي لم تؤخذ التوجيهات اللازمة ، لم تكن هناك مثل هذه الحوافز ، ولم يفكر في تكاليف الانتاج .
في احدى السنوات ، ربما لم تكن 99 ، ربما قبل 98 كانت التكلفة للمنتج اعلى من التكلفة للمستهلك ، حسنا ، هذه بعض الاشياء التي تعيق الانتاج . حسنا لذلك بدانا في 99 هذه الحركة الثورية بطريقة عام 1400، الذي يبدا من لحظة بدء السنة ، هو في الواقع وبحساب ما دخول الى القرن الجديد ، في الواقع ، سيبدا قرن جديد لذلك يجب النظر الى قضايا البلاد من منظور بعيد المدى ، ولابد من احتسابها بمنظور بعيد المدى .
هذا العام ، 1400 ، عام حساس ومهم ، بسبب الانتخابات التي ستجري في بدايته ، في خرداد 1400 ( يونيو حزيان 2021) ، امامنا انتخابات مهمة ، ويمكن ان يكون لها تاثير كبير في اوضاع البلاد واحداثها ومستقبلها ، ستأتي ادارات جديدة الى راس العمل ، وربما مفعمة بالحيوية ، فتدخل البلاد بدوافع متنوعة وقوية ، ان شاء الله ، وتدخل في الادارة التنفيذية لها .
لذا تجعل الانتخابات هذا العام مهما وحساسا للغاية من جهة ، وساتحدث عن الانتخابات في خطاب لاحق بالطبع ، ساكتفي هنا بهذا القدر . من جهة اخرى ، ايضا الانتاج عام 99 قد تحرك الى حد ما ، انتجت الطفرة في الانتاج حركة ما ، هذا العام 1400 ، فيه ارضية جيدة للازدهار الطفرة في الانتاج ، يجب الاستفادة من هذا الى اقصى حد . لابد من متابعة هذه الحركة بجدية ، ويجب تقديم كل الدعم القانوني والحكومي من الجهات جميعا الى "الطفرة في الانتاج" ولابد من فعل ذلك سواء الى حين بقاء هذه الحكومة في الحكم ، او مع الحكومة المستقبلية وبداية تسلمها ، اذ يجب ان تضع جهدها لازالة العواق وتقديم الدعم اللازم ، وان شاء الله ستكون "الطفرة في الانتاج "بالمعنى الحقيقي للكلمة في هذا العام . لذلك نظمت شعار هذا العام على هذا النحو "الانتاج ، الدعم ، ازالة الموانع " . هذا الشعار هو : "الانتاج ، الدعم ، ازالة الموانع " يجب ان نجعل الانتاج محور عملنا ، وان نقدم الدعم اللازم ، وان نزيل الموانع من طريق الانتاج ، نرجو ان يتحقق هذا الشعار على النحو المطلوب باللطف الالهي . وسوف اتحث في خطاب لاحق في هذا الشان ، ان شاء الله ، وبشان الانتخابات ايضا .
اتمنى ان تكون الروح المطهرة لامامنا "الخميني" العظيم (قدس سره) والارواح الطيبة لشهدائنا العظيمي الشان راضية عنّا ومسرورة ، وان يكون هذا العام عاما مباركا للشعب الايراني ، وان يدعو ولي العصر - ارواحنا له الفداء – للشعب الايراني ومسؤولي البلاد وافراد الناس ، وان يمنّ على الشعب الايراني بفضله ، وان شاء الله ان يستمر بلطفه واهتمامه بالشعب الايراني كما في السابق .
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
دلالات الحجّ العبادية والروحية
العلّامة الراحل السيِّد محمّد حسين فضل الله
◄الحجّ من العبادات الإسلامية التي أرادها الله للناس، لتتحقّق لهم من خلالها النظرة الشاملة لقضية الإنسان في الحياة. فقد جعله الله فريضةً على كلّ مَن استطاع إليه سبيلاً، واعتبر تركها خروجاً على عمق الالتزام الإسلامي، حتى جعل التارك لها في حكم الخارج عن الإسلام.
وقد تعبّد الله بالحجّ عباده منذ النبيّ إبراهيم (ع)، وجاء الإسلام فأضاف إليه شروطاً وأحكاماً، وحدَّد له أهدافاً ورسم له خطوطاً، من أجل أن يحقّق للإسلام الدور الكبير في الحياة في فاعلية وامتداد، فلم يقتصر فيه على جانبٍ واحدٍ من جوانب التربية، بل استوعب المعاني التي تنطلق في العبادات الأُخرى.
لقد جعل الله الحجّ فريضةً على كلّ مَن استطاع إليه سبيلاً، واعتبر تركها خروجاً على عمق الالتزام الإسلامي
أ ـ الإحرام:
وقد شرَّع الإحرام في كلّ التزاماته وتروكه، ليحقّق للإنسان أهداف الصوم، ولكن في أسلوبٍ متحرّكٍ متنوّع، لا يخاطب في الإنسان جوع الجسد وظمأه، ولكنّه يخاطب فيه جوانب أُخرى تُهذِّب فيه نزعة القوّة، فتوحي إليه بالانضباط والتوازن، وتُهذِّب فيه نزعة الترف فتقوده إلى الخشونة، ونزعة الكبرياء فتوجّهه إلى التواضع، وتعلّمه كيف يحرّك الفكر والثقافة والمعرفة في اتّجاه الحقّ بدلاً من الباطل، لتبقى المعرفة سبيله الوحيد في حركة الكلمة والفكرة.
ب ـ الطواف:
وشرَّع الطواف حول البيت وجعله صلاةً، ليعيش معه الإنسان آفاق الصلاة وروحيتها، ذلك البيت الذي أراده الله رمزاً للوحدة بين الناس في معناه الروحي المتّصل بالله، لا في مدلوله المادّي المتمثّل بالحجارة، وللإيحاء بأنّ الحياة لابدّ من أن تتحوّل إلى طوافٍ حول إرادة الله، فيما يتمثّل في بيته من مشاعر الطهارة والنقاء والخير والبركة والرحمة والمحبّة.. لتكون الحياة حركةً في طريق الأهداف التي يحبّها الله ويرضاها، والتي يريد لعباده أن ينطلقوا معها في رسالته ومسؤوليته.
ج ـ السعي:
وفرض السعي بين الصفا والمروة، ليعيش الإنسان معه الشعور الواعي بأن خطواته لابدّ من أن تتّجه إلى المجالات الخيِّرة، ليكون سعيه سعياً في سبيل الخير، وابتعاداً عن طريق الشرّ، فهو يسعى هنا لا لشيء، إلّا لأنّ الله أراد منه ذلك ليحصل على القرب منه، ما يوحي بأنّ السعي هنا إذا كان للحصول على مرضاة الله فيما تعبَّدنا الله به من أمره ونهيه، فينبغي لنا أن نطلق السعي في مجالات الحياة الأُخرى، في كلّ آفاقها الاجتماعية والسياسية والاقتصادية في الاتجاه نفسه، لنحصل على رضاه في كلّ أُمورنا.
د ـ الوقوف بالمشاعر:
أمّا الوقفات التي أرادها الله في عرفات والمشعر ومِنى، فهي وقفات تأمّل وحساب وتدبّر وانطلاق، ليستعيد فيها الإنسان مبادئه التي قد تضيع في غمرات الصراع التي يخوضها في سبيل لقمة العيش أو في سبيل تحقيق رغباته ومطامعه المشروعة وغير المشروعة، فإنّ الإنسان قد يفقد الكثير من قيمه الكبيرة تحت تأثير النوازع الذاتية من جهة، والتحدّيات المضادة التي قد تخلق لديه ردود فعل متوترة ـ من جهةٍ أُخرى ـ فينسى في غمرة ذلك كلّه الكثير الكثير ممّا يؤمن به أو يدعو له، الأمر الذي يجعله بحاجةٍ إلى مزيدٍ من التأمّل والمحاسبة، ليرجع إلى فكره وعقيدته وخطّه المستقيم في الحياة.
الوقفات التي أرادها الله في عرفات والمشعر ومِنى، هي وقفات تأمّل وتدبّر ومحاسبة للنفس
هـ ـ الأضحية:
وجعل الأضحية رمزاً حيّاً للتضحية والعطاء، فيما يرمز إليه من تاريخ إبراهيم وإسماعيل (ع)، عندما أسلما لله الأمر وانتصرا على نوازع الأبوّة في عاطفتها تجاه البنوّة، وعلى حبّ الذات في إحساس الإنسان بحياته، وانتهى الأمر إلى أن فداه الله بذبحٍ عظيم، كما جعل الأضحية رمزاً للتضحية فيما يريد أن يثيره في حياة الإنسان في كلّ زمانٍ، من السَّير على هدى هذه الروح، ليكون ذلك خطّاً عملياً تسير عليه الحياة في كلّ مرحلةٍ تحتاج إلى التضحية والعطاء.
و - الرَّجم:
وكان رجم الشيطان إيحاءً بما يريد الله للإنسان أن يعيشه في حياته كهمٍّ يوميٍّ يواجه فيه خطوات الشيطان، في فكره وعاطفته وقوله وفعله وانتماءاته وعلاقاته العامّة والخاصّة. وربّما كان في هذا التكرير في الفريضة لرجم الشيطان - الرمز، إشارة إلى أنّ قضية محاربة الإنسان للشيطان ليست قضية حالة واحدة يعيشها الإنسان ويتركها، بل هي قضية متجدّدة في كلّ يوم.►
تعرف على الطريقة الصحيحة لتناول خل التفاح
يندرج خل التفاح ضمن العناصر الغذائية التي تساهم في تحقيق الكثير من الفوائد للجسم سواء في خسارة الوزن أو علاج العديد من الأمراض.
وعلى الرغم من احتوائه على العديد من المكونات الهامة، إلا أن تناوله على الريق يحدث الكثير من الاضطرابات الصحية، بحسب ما ذكر موقع "elconsolto" الطبي.
ومن أهم المضار التي يسببها تناول خل التفاح على الريق هي انخفاض البوتاسيوم، إذ يتسبب بحدوث نقص في بوتاسيوم الدم، الأمر الذي يسبب مشكلات في العضلات لا سيما عضلة القلب.
وأيضا يسبب خل التفاح ضعفا في مينا الأسنان، لذا فإن اعتماده على الريق قد يسبب تسوسا في الأسنان مع مضي الوقت.
وباعتباره يستخدم كواحد من الأساليب المعتمدة لخسارة الوزن فهو يساعد على الشعور بالشبع، لكن باستمرار تناوله يتسبب بالشعور بالغثيان وعسر في الهضم لا سيما حال تناوله في فترة الصباح، فضلا عما يسببه من حموضة في المعدة.
ونتيجة لاحتوائه على عدد من الفوائد الواجب الاستفادة منها، يمكن تناوله باتباع عدد من الإرشادات اللازمة.
ويكون ذلك عن طريق تخفيفه بالماء قبل تناوله للتقليل من إمكانية تعرض الأسنان له، وأيضا تجنب الإكثار من تناوله والاكتفاء بالقليل منه فقط.
وكذلك يجب غسل الفم بعد تناوله مباشرة والانتظار لمدة لا تقل عن ثلاثين دقيقة قبل تنظيف الأسنان بعده.
وأهم ما يتوجب ذكره، هو الابتعاد بشكل كامل عن تناوله على معدة فارغة، تجنبا للكثير من المضار الحقيقية التي يسببها.
المحاورة مع أطفالنا
إذا كنت قلقاً على طفل، فإنّ تشجيعه على التحدث قد يكون مفيداً جداً، سواء كنت أحد الوالدين، الأجداد، صديق أو مدرس.
إذا كنت تعتقد أنّ طفلاً تعرفه لديه مشكلة ما، قد يكون من الصعب معرفة كيفية بدء الحديث معه حول هذه المشكلة. عند وجود مشاكل في المنزل مثل خلافات الآباء أو الطلاق أو وفاة في العائلة، يمكن أن يصبح الطفل انطوائياً أو يصاب بالإحباط .
قد يساعد الطفل في بعض الأحيان أن يكون قادراً على التحدث إلى شخص آخر غير أحد الوالدين. يمكن للأجداد، الأعمام والعمات، المعلمين أو حتى مستشار تقديم الدعم.
شاهدهم يلعبون
يعبر الأطفال عن أنفسهم من خلال اللعب مثلما يعبرون من خلال الكلمات. يمكنك أن تتعلم الكثير عن كيفية شعورهم عبر قضاء بعض الوقت معهم ومشاهدتهم يلعبون ببساطة. غالباً يلعب الأطفال المنزعجون والمصابون بالإحباط ألعاب القتال بدماهم. علق على ذلك بالقول: "هناك الكثير من المعارك المستعرة"، أو "إنّ ذلك يبدو مخيف جداً". قد يساعد ذلك على جعلهم يتحدثون عما يزعجهم.
حتى لو لم تبدأ بالحديث، عليك أن تجعل الطفل يشعر براحة أكبر معك، مما يمهد الطريق له ليحدثك عن مشاكله.
إذا كنت تستطيع جعله يتحدث، اسأله بلطف عن المشكلة. ولكن إذا لم يكن الطفل يرغب بالحديث، انسى الموضوع، وكرر السؤال في وقت آخر، حتى يكون جاهزاً ليبوح لك بما يزعجه.
إذا كان الطفل خائفاً جداً من التحدث
إذا كنت قلقاً أنّ طفلاً تعرفه يتعرض للإساءة في المنزل، قد يساعد طرح سؤال مثل "هل تغضب أُمّك كثيراً منك؟ يمكنك أن تخبرني إذا كنت ترغب في ذلك". قد لا يفهم الطفل أنّه يتعرض للإساءة. قد يعتبر ببساطة أنّ أحد الوالدين غاضب أو منزعج منه.
سيسألك الطفل غالباً إذا ما كنت ستخبر أي أحد عما سيقوله لك. لا تعده أبداً بعدم إخبار أحد، ولكن اشرح له أنّك ستخبر فقط الناس الذين يريدون المساعدة.
إذا كان الطفل عدوانيا أو يسيء التصرف
إذا كان الطفل عنيفاً أو عدوانياً، فهو يفعل ذلك لسبب وجيه، والحديث قد يساعدك على اكتشاف السبب. ابدأ بإخبار الطفل أنّ سلوكه السيئ غير مقبول، واخبره السبب، على سبيل المثال لأنّه سيضر بالآخرين أو يوقعه في ورطة. ومن ثم اترك له الفرصة للحديث عن سبب غضبه.
هذا قد لا يجدي ذلك نفعاً على الفور، لأنّ الطفل الغاضب قد لا يستمع إليك على الفور. لا تستسلم. فالأطفال يدركون أنّهم يسيئون التصرف، ومن المهم معرفة الأسباب وراء سلوكهم، وكذلك تبليغهم الرسالة.
إذا كان الطفل حزيناً
لا يفهم الأطفال الصغار دائماً ما معنى الموت. قد يساعدك شرح الفكرة بالقول "توفيت نانا. لن تكون معنا مجدداً".
راقب الأطفال بعناية إذا توفي شخص قريب منهم. إذا بدا الأطفال دامعين أو انطوائيين، شجعهم على الإفصاح عن مشاعرهم عبر الحديث عن الشخص المتوفي. يكنك أن تقول شيئاً مثل، "إنّه لأمر محزن جداً أنّ نانا قد توفيت" أو "أنا أشعر بالحزن أنّ نانا قد توفيت، وأحياناً أنّه من الصعب أن نفهم لماذا يموت الناس".
إذا كنت لاتزال قلقاً بشأن طفلك
إذا كنت لاتزال تشعر بالقلق إزاء طفلك بعد التحدث معه، راجع الطبيب للحصول على مزيد من المشورة.
المجتمع الإسلامي في عصر الإمام السّجاد (عليه السلام)
الانحطاط الفكريّ والعقائديّ:
انتشر الانحطاط الفكريّ في أغلب أطراف العالم الإسلاميّ وأكنافه، نتيجة عدم الاهتمام بتعاليم الدّين في مرحلة العشرين سنة الماضية. وفيما بعدُ، هُجر التّعليم الدينيّ، وتعليم الإيمان، وتفسير الآيات، وبيان الحقائق منذ زمن النبيّ - في مرحلة العشرين سنة بعد عام 40 للهجرة، وإلى ذاك الوقت - فابتُلي النّاس، بلحاظ الاعتقاد والأصول الإيمانيّة، بالخواء والفراغ. عندما يضع المرء حياة النّاس في ذلك العهد تحت المجهر، يتّضح هذا الأمر من خلال التّواريخ والرّوايات المختلفة الموجودة. بالطّبع، كان هناك علماء وقرّاء ومحدّثون، سيأتي التعرّض لهم، لكنّ عامّة النّاس ابتُلوا بعدم الإيمان، وضعف الاعتقاد ضعفًا كبيرًا. وقد وصل الأمر إلى حيث إنّ بعض أيادي جهاز الخلافة يُشكّكون في النبوّة! ذُكر في الكتب أنّ خالد بن عبد الله القسريّ - ويُعدّ من عمّال بني أميّة المنحطّين جدًّا، والسيّئين - كان يُفضّل الخلافة على النبوّة، ويقول: "إنّ الخلافة أفضل من النبوّة"، ثمّ يستدل قائلًا: "أخليفتك في أهلك أحب إليك وآثر عندك، أم رسولك"([1])، أي لو أنّك تركت في أهلك شخصًا يخلفك في غيبتك، فهل هو أفضل وأقرب إليك، أم ذاك الّذي يأتيك برسالةٍ ما من مكانٍ معيّن؟ فمن الواضح أنّ ذاك الّذي جعلته في بيتك خليفةً لك سيكون أقرب إليك. فخليفة الله - وهنا لا يقول خليفة رسول الله - هو أفضل من رسول الله!
إنّ ما كان يقوله خالد بن عبد الله القسريّ كان يجري على لسان الآخرين. وعندما ننظر في أشعار شعراء العصر الأمويّ، نجد أنّه منذ زمان عبد الملك قد تكرّر تعبير "خليفة الله" في الأشعار، إلى درجة أنّه ينسى المرء أنّ الخليفة هو خليفة النبيّ! فقد استمرّ هذا الأمر إلى زمن بني العبّاس.
بني أميّة هِبّوا طال نومُكمُ إنّ الخليفة يعقوب بن داوودِ
ضاعت خلافتكم يا قوم فالتمِسوا خليفة الله بين الزقّ والعودِ([2])
حتّى عندما كانوا يريدون هجاء الخليفة، كانوا يقولون خليفة الله! وأينما كان الشّعراء المعروفون في ذلك الزمان، كجرير والفرزدق وكُثير وغيرهم، ومئات الشّعراء المعروفين والكبار، عندما يريدون مدح الخليفة، كانوا يُطلقون عليه لقب خليفة الله، لا خليفة رسول الله. وهذا نموذجٌ واحد. لقد ضعُفت عقائد النّاس بهذا الشكل، حتّى فيما يتعلّق بأصول الدين.
الانحطاط الأخلاقيّ:
في عهد الإمام السجّاد عليه السلام، انحطّت الأخلاق بدرجة شديدة. وبالرجوع إلى كتاب الأغاني لأبي الفرج، وهو أنّه في سنوات الـ 70 والـ 80 والـ 90 والمئة، إلى 150 - 160 تقريبًا، فإنّ أشهَر المغنّين والمطربين واللاعبين والعابثين في العالم الإسلاميّ كانوا في المدينة أو في مكّة، وكلّما كان يضيق صدر الخليفة في الشام شوقًا للغناء، ويُطالب بمغنٍّ أو مطرب، كانوا يرسلون له من المدينة أو مكّة أحد المطربين المعروفين، أو المغنّين. فأسوأ الشعراء والماجنين كانوا في مكّة والمدينة. فمهبط وحي النبيّ، ومنشأ الإسلام، أضحى مركزًا للفحشاء والفساد. ومن الجيّد أن نعرف هذه الأمور بشأن تاريخ المدينة ومكّة.
وسنتعرض لنموذجٍ من رواج الفساد والفحشاء:
كان في مكّة شاعرٌ يُدعى عمر بن أبي ربيعة، وهو من شعراء التعرّي والمجون، وقد مات في أوج قدرته وفنّه الشعريّ. ولو أردنا ذكر قصص هذا الشّاعر، وماذا كان يفعل في مكّة، لاحتاج الأمر إلى فصلٍ مشبّعٍ بالتّاريخ المؤسف لذلك العصر، في مكّة والطواف ورمي الجمرات. وهذا البيت مذكور في كتاب المغني:
بدا لي منها معصمٌ حينما جَمَّرت وكفٌّ خضيبٌ زُيّنت ببنان([3])
فوالله ما أدري وإن كنت داريًا بسبعٍ رميتُ الجمر أم بثمانيِ([4])
وعندما مات عمر بن أبي ربيعة، ينقل الراوي أنّه أقيم في المدينة عزاءٌ عامّ، وكان النّاس يبكون في أزقّة المدينة. ويقول إنّني أينما ذهبت كنت أجد مجموعة من الشباب، نساءً ورجالًا، واقفين ويبكون عمر بن أبي ربيعة في مكّة، فشاهدت جارية تسعى في عملها، وتحمل دلواً لتُحضر الماء، وكانت دموعها تنهمر على خدّيها بكاءً على عمر بن أبي ربيعة غمًّا وأسفًا، وعندما وصلت إلى مجموعة من الشّباب، سألوها لماذا تبكين لهذا الحدّ؟ فقالت لأنّ هذا الرّجل قد مات وخسرنا، فقال لها أحدهم، لا تحزني هناك شاعرٌ آخر في المدينة هو خالد المخزوميّ، والّذي كان لمدّةٍ حاكمًا على مكّة من طرف علماء الشّام، وقد كان من شعراء التعرّي والمجون، كعمر بن أبي ربيعة، فذكروا لها ذاك البيت، وأرادوا أن يذكروا لها بعض الأبيات الشعريّة لهذا الشّاعر، فاستمعت هذه الجارية قليلًا - وقد ذُكر في "الأغاني" هذا الشّعر وخصائصه - فمسحت دموعها وقالت: "الحمد الله الّذي لم يُخلِ حرمه"، فإذا فُقد شاعرٌ جاء آخر. هذا نموذج من الوضع الأخلاقيّ لأهل المدينة.
والقصص كثيرة عن سهرات مكّة والمدينة. ولم تكن المسألة منحصرة بالأفراد المنحطّين، بل شملت الجميع في المدينة، بدءًا من ذاك المتسوّل المسكين، كأشعب الطمّاع المعروف الّذي كان شاعرًا ومهرّجًا، ومرورًا بالأفراد العاديّين وأبناء السّوق، وأمثال هذه الجارية، إلى أبناء المعروفين من قريش، وحتّى بني هاشم، كانوا من هؤلاء الّذين غرقوا في هذه الفحشاء.
وفي زمن أمارة هذا الشّخص المخزوميّ، جاءت عائشة بنت طلحة، وكانت تطوف، وكان يُحبّها، وعندما حان وقت الأذان، أرسلت هذه المرأة رسالةً أن لا تؤذّنوا حتّى أُنهي طوافي، فأُمر بعدم رفع أذان العصر! فقيل له أنت تؤخّر الأذان من أجل شخصٍ واحدٍ وامرأة تطوف: أوَتؤخّر صلاة النّاس؟! فقال: واللهِ لو أنّ طوافها بقي إلى الصبح لقلت لهم أن يؤخّروا الأذان إلى الصبح! هذا كان حال ذلك الزمن.
جمعية المعارف الإسلامية
([1]) ابن قتيبة الدينوريّ، الأخبار الطوال، تحقيق عبد المنعم عامر، نشر دار إحياء الكتاب العربيّ، الطبعة الأولى، 1960م، القاهرة، ص 346.
([2]) السيد المرتضى علم الهدى، علي بن الحسين، أمالي المرتضى غرر الفوائد ودرر القلائد- ، تحقيق وتصحيح محمد أبو الفضل إبراهيم، نشر دار الفكر العربيّ، الطبعة الأولى، 1998م، القاهرة، ج1، ص141.
([3]) ابن هشام الأنصاري، مغني اللبيب، تحقيق وفعل وضبط محمد محي الدين عبد الحميد، نشر مكتبة الشيخ آية الله المرعشي ـ قم، 1404هـ، ج1، ص 14.
([4]) ابن عساكر، أبو القاسم علي بن الحسن الشافعيّ، تاريخ مدينة دمشق، تحقيق علي شيري، طبع ونشر دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت، لبنان، الطبعة الأولى، 1998م، ج69، ص260.
العبادة حاجة الإنسان الثّابتة
ما هي العبادة؟
أودّ أن أخصّص قسمًا من محاضرتي للحديث عن بعض الممارسات العامّة الثابتة الّتي لا تقبل النسخ والتغيير، والّتي لا يستطيع عامل الزمن أن يؤثّر عليها مطلقًا. ومن هذه الممارسات: العبادة، وهي من حاجات الإنسان. فما معنى العبادة؟
إنّ العبادة هي الحالة الّتي يتوجّه فيها الإنسان باطنيًّا نحو الحقيقة الّتي أبدعته، ويرى نفسه في قبضة قدرتها وملكوتها، ويشعر أنّه محتاج إليها. وهي في الواقع سير الإنسان من الخلق نحو الخالق.
العبادة حاجة الإنسان الثّابتة
بغضّ النظر عن كلّ فائدة يمكن أن تكون فيها، فهي نفسها من الحاجات الروحيّة للإنسان. وعدم القيام بها يؤدّي إلى حدوث خلل في توازنه، وأذكر مثالًا بسيطًا على عدم التوازن بالخرج الّذي يوضع على ظهر الحيوان، فإنّ هذا الخرج يجب أن يكون متوازنًا من طرفيه دون رجحان طرف على آخر. إنّ في وجود الإنسان فراغًا يستوعب كثيرًا من الأشياء، وكلّ حاجة لا تشبع تؤدّي إلى الاضطراب وفقدان التوازن في روحه، وإذا أراد الإنسان أن يقضي عمره بالعبادة تاركًا الممارسات الحياتيّة الأخرى، ومعرضًا عن تلبية حاجاته المنوّعة، فإنّ هذا سوف يبعث على اضطرابه وامتعاضه، والعكس هو الصحيح، أي إذا ركض الإنسان لاهثًا وراء الماديّات فقط دون الاهتمام بالمعنويّات والقضايا الروحيّة فسوف لن يقرّ لروحه قرار، وتظلّ روحه في عذاب دائم،. وقد التفت إلى هذه الناحية الزعيم الهندي "جواهر لآل نهرو" حيث تغيّرت حالته في أواخر أيّام حياته بعدما كان علمانيًّا في عنفوان شبابه.
يقول هذا الرجل: "أشعر أنّ في روحي وفي هذا العالم فراغًا لا يسدّه شيء إلّا المعنويّات، وما هذا الاضطراب والقلق الّذي برز في العالم إلّا بسبب عدم التوجه إلى الجانب الروحي وضعف النزوع إلى المعنويّات. وقد تمخض هذا عن فقدان التوازن"، ثمّ يردف قائلًا: "وتلحظ هذه الحالة - أي القلق - بصورة حادّة في الاتحاد السوڤياتي. فعندما كان الشعب الروسي جائعًا كان لا يفكّر إلّا كيف يسدّ جوعه، ولذلك كان في دوّامة من التخطيط للنضال من أجل تحصيل قوته. ولمّا استتبّ الوضع واستعاد حياته الاعتياديّة بعد الثورة برزت في وسطه ظاهرة القلق الروحي. وها هو يعاني منها. ولو سنحت فرصة لأحد بعد عمله، فإنّ أوّل مأساة يواجهها هي كيف يقضي ساعات فراغه، وكيف تُقَضى هذه الساعات". بعد ذلك يقول "نهرو": "أنا لا أظنّ أنّ هؤلاء يستطيعون سدّ فراغهم إلّا بالتوجه إلى الجانب المعنوي، والتركيز على المعنويّات في ملء ساعات الفراغ الّذي أعاني منه أنا أيضًا".
آثار ترك العبادة
إذاً العبادة حاجة ماسّة للإنسان ولا بدّ له منها، وما الأمراض النفسية المتفشية في عالم اليوم إلّا بسبب إعراض الناس عن العبادة، ولعلّنا لم نحسب لها حسابها ولكن هي حقيقية جليّة. والصلاة - بغض النظر عن كلّ شيء - طبيب متواجد في كلّ وقت، أي إذا كانت الرياضة مفيدة للصحّة، وكانت المياه الصافية ضروريّة لكلّ بيت، والهواء النقي ضروريّ لكلّ إنسان، وكذلك الغذاء السالم، فالصلاة ضروريّة أيضًا لصحّة الإنسان كضرورة تلك الأشياء وفائدتها. ولعلّكم غافلون عن أنّ الإنسان لو خصّص ساعة من وقته لمناجاة ربّه لرأى كم تطهر روحه وتصفو، وكم تفيض عليه هذه المناجاة من نقاء وصفاء واطمئنان، وتضمحلّ كلّ المفردات الروحيّة المؤذية الّتي قد يتعرّض لها الإنسان.
* الشهيد الشيخ مرتضى مطهري (رضوان الله عليه)
البراءة من المشركين يوم الحجّ الأكبر
العلّامة الراحل السيِّد محمّد حسين فضل الله
◄أراد الله لرسوله أن يعلن هذه البراءة بصوت عالٍ في الموسم الأكبر، ليسمعه الناس كلّهم، فيكون حجّةً عليهم، في ما أراد الله دعوتهم إليه، أو ما كلفهم بالقيام به، ليكون ذلك هو الحدّ الفاصل بين مرحلتين: مرحلة الصراع بين التوحيد والشرك، في حروب مختلفةٍ في نتائجها بين النصر لهذا والهزيمة لذاك، والتكافؤ في بعض الحالات، ومرحلة هيمنة التوحيد على الساحة كلّها، فلا يرتفع إلّا صوته، ولا تتحرّك إلّا مسيرته وسراياه، ولا تحكم الناس إلّا شريعته، ليفهم الجميع أنّ عهداً جديداً قد بدأ، وأنّ النتيجة الحاسمة بانتصار الإسلام قد فرضت نفسها على الجوّ كلّه، وأرسلَ رسول الله (ص) عليّ بن أبي طالب، ليبلّغ عنه هذا النداء، ولأنّ المهمّة تحتاج إلى رجل توحي شخصيته بالحسم والقوّة، ليتناسب ذلك مع طبيعة القضية، وقرأها لهم وأعلن ـ في ما أعلن ـ أنّه لا يطوف بالبيت عريان، ولا يحجّ بعد العام مشرك، ولا يدخل الجنّة إلّا مؤمن.
(وَأَذَانٌ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ) (التوبة/ 3) جميعاً من المشركين والمسلمين، ليقوم المشركون بتحديد موقفهم النهائي من نداء الله إليهم، وليستعدّ المسلمون لتنفيذ حكم الله (يَوْمَ الْحَجِّ الأكْبَرِ) (التوبة/ 3). وقد اختلف فيه، فقيل إنّه يوم عرفة، وقيل إنّه مجموع أيّام الحجّ، وقيل إنّه اليوم الثاني من أيّام النحر، وقيل إنّه يوم النحر، ولعلّه الأقرب، بلحاظ الروايات الواردة عن أئمّة أهل البيت (ع) وغيرهم، ولأنّه اليوم الذي اجتمع فيه المسلمون والمشركون عامّةً بمِنى. وربّما كانت سيرة النبيّ (ص) في إبلاغ الناس وصاياه، في أيّام الحجّ، أن يقوم فيهم خطيباً في هذا اليوم، كما نلاحظ ذلك في خطبته في حجّة الوداع، ما يوحي بأنّه يوم التبليغ الأخير في أيّام الحجّ؛ والله العالم.
(أَنَّ اللهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) (التوبة/ 3)، فليس لهم عهد عنده، في ما يوصي به رسوله والمسلمون من الوفاء لهم بالعهد، لأنّه لا يريد للشِّرك أن يعيش مع الإيمان على صعيد واحدٍ، بل يريد له أن يزول من حياة الناس، ولذلك كانت هذه البراءة التشريعية تأكيداً للبراءة الحقيقية في مقت الله للشِّرك والمشركين، (وَرَسُولُهُ) (التوبة/ 3) بريءٌ منهم، فقد صبرَ عليهم طويلاً وحاورهم وقاتلهم، وسلك جميع السُّبل التي يمكن أن تردعهم عن ضلالهم وغيّهم، فلم يترك لهم حجّةً لما يعتقدونه من شِركٍ، ولم يدع لهم عذراً في ما يخوضون به من تمرّدٍ وضلال، فزادوا في ضلالهم وطغيانهم، وعملوا على تدبير المكائد للإسلام والمسلمين، بحيث أصبح وجودهم في داخل المجتمع الإسلامي خطراً على العقيدة، في ما يحاولونه من فتنة المسلمين عن دينهم بالأساليب الملتوية الخادعة، وخطراً على الوجود، في ما كانوا يثيرونه من مشاكل، أو في ما كانوا يتحالفون فيه مع الآخرين من أعداء الإسلام ضدّ الإسلام والمسلمين، ما جعل من التحرّك في اتّجاه تصفية المجتمع على أساس التوحيد، حالةً ضرورية للحفاظ على المستقبل الكبير الذي يستهدف بناء الشخصية الإسلامية في الداخل، وبناء الدولة الإسلامية في الخارج.
(فَإِن تُبْتُمْ) (التوبة/ 3) ودخلتم في ما دخل فيه المسلمون من توحيد الله من خلال الحجّة القاطعة والبيِّنة الواضحة التي قدَّمها لكم الرسول، ورفضتم الشِّرك، الذي لم تعتقدوه على أساس قناعةٍ وجدانية، ولم تمارسوه على أساس حجّةٍ عقليةٍ، بل كانت القضية أنّه عقيدة الآباء وعادات المجتمع، ما يجعل من عملية الضغط على التراجع عنه، قضيةً لا تتصل بالحرّية في العقيدة، بل بمسألة تحرير الإنسان من الخرافة الضاغطة على وجدانه، من خلال الأجواء المنحرفة المحيطة به ممّا لا يرجع إلى وعيٍ للفكرة، أو وضوح في الرؤية، (فَهُوَ خَيْرٌ) (التوبة/ 3)، لأنّه يفتح لكم الآفاق الواسعة التي تنفتحون فيها على وحدانية الله المطلقة التي تشمل كلّ شيء، في ما يقودكم إليه الوجدان الصافي من أنّ كلّ شيء في الوجود مخلوق له، وأنّه ليس هناك أحدٌ أقرب إليه من أحدٍ من ناحيةٍ ذاتيةٍ، فليس هناك إلّا العمل. وإذا كانت هناك من شفاعةٍ، فإنّها لا تنطلق من رغبة الشفيع الخاصّة، بل هي بأمره ورضاه، فلا معنى لأن تتوجّه إلى المخلوق بطلب الشفاعة.
وفي ضوء ذلك، كان التوحيد يمثِّل الصفاء الروحي الذي يعيش معه الإنسان في حركة الإيمان المطلق، بعيداً من كلّ التعقيدات الخانقة التي تجرّ معها المزيد من العادات والتقاليد والأجواء الضاغطة على الفكر والروح والشعور، وبذلك كان خيراً لهم من ناحية السلام الروحي الداخلي، كما هو خيرٌ لهم في الانسجام الفكري العملي، مع المسيرة الإسلامية التي يتحرّك فيها المجتمع المسلم على أساس المسؤولية والمساواة بين أفراده، في ما ينطلقون به من علاقاتٍ، وما يعيشونه من تكافلٍ وتضامنٍ ومشاعر، وهو خيرٌ لهم في الآخرة، لأنّه يمثِّل النجاة من عذاب الله، والحصول على رضاه، لأنّ الله لا يغفر أن يشرك به، ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء.
(وَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ) (التوبة/ 3)، وأعرضتم عن هذه الدعوة المفتوحة الهادية، وأصررتم على التمرّد، في شعورٍ طاغٍ بالقوّة والاستعلاء، بأنّكم قادرون على المواجهة، وسائرون إلى النصر، (فَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللهِ) (التوبة/ 3) الذي لا يفوته أحد من خلقه، مهما حاول الفرار، في الدُّنيا والآخرة، لأنّه لا يفرّ من مكان إلى مكان آخر إلّا وجد الله عنده في ذلك المكان، لأنّه مالك السموات والأرض، فماذا يملكون من قوّةٍ ليواجهوا الله بها، وهو خالق القوّة، وهو المالك لكلّ ما يملكونه؟! وعليكم أن تدركوا هذه الحقيقة بوعيٍ، لئلّا يخدعكم الخادعون المضلِّلون عن أنفُسكم، وعن حركة الواقع في حياتكم. أمّا إذا كنتم تعتبرون إمهال الله لكم دليل عجز، فاعلموا أنّ الله يمهل عباده، ليقيم عليهم الحجّة، وليفسح لهم المجال للتراجع، حتى إذا قامت عليهم الحجّة، ولم يتراجعوا ـ من خلالها ـ عمّا يخوضون فيه من ضلال، أخذهم الله أخذ عزيز مقتدر.►
المصدر: كتاب تفسير من وحي القرآن
الاختراق الإسرائيلي لأفريقيا.. كيف تغيرت مواقف القارة المناصرة لفلسطين؟
تعتبر أفريقيا ونجاح إسرائيل في اختراق القارة وفتح علاقات متنامية مع دولها في السنوات الأخيرة واحدة من الملفات التي يوظفها نتنياهو في حملاته الانتخابية.
إسرائيل حققت اختراقا كبيرا في أفريقيا بتطبيع المجلس السيادي معها
تواصل إسرائيل، منذ سنوات، مد أذرعها السياسية والاقتصادية والعسكرية والأمنية في القارة الأفريقية؛ مما كشف عن أدوار المال والاقتصاد في هذا الاختراق، والحصاد العسكري والاستخباري، ومحاولة الحصول على موطئ قدم وسط التنافس الإقليمي والعالمي على هذه القارة.
ونحاول في هذا التقرير من خلال طرح الأسئلة المتداولة حول هذا الموضوع والإجابة عليها، تسليط الضوء على الاختراق الإسرائيلي لقارة أفريقيا، التي عرفت تاريخيا بدعمها للقضية الفلسطينية، وشرح أهداف إسرائيل من التوغل المتسارع فيها.
اقرأ أيضا
جنوب أفريقيا تعتبر احتلال فلسطين أسوأ من العنصريةإسرائيل وجنوب أفريقيا.. علاقة نفاقمساع إسرائيلية للانضمام للاتحاد الأفريقي كمراقب
- متى بدأ الاختراق الإسرائيلي لأفريقيا؟
بدأ الاختراق الإسرائيلي لقارة أفريقيا في السنوات الأخيرة بعد أكثر من 4 عقود على القطيعة معها، عقب حرب أكتوبر/تشرين الأول 1973، حيث تم إغلاق العديد من السفارات الإسرائيلية في الدول الأفريقية الأخرى، وشهدت السنوات الأخيرة زيادة القناعات الأفريقية بأن إسرائيل اتخذت قرارا إستراتيجيا بزيادة حضورها في القارة، وتطوير علاقاتها مع دولها، وشكلت الزيارات الأربع لنتنياهو منذ يوليو/تموز 2016 للقارة ترجمة أكثر من واضحة عن هذا القرار.
ومن بين الدول الـ54 التي تتكون منها القارة الأفريقية، تمتلك إسرائيل علاقات دبلوماسية مع 40 دولة، وهناك 10 سفارات إسرائيلية تعمل فيها؛ وهي جنوب أفريقيا، كينيا، نيجيريا، الكاميرون، أنغولا، إثيوبيا، أريتريا، غانا، ساحل العاج، والسنغال، وفي باقي الدول يوجد سفراء إسرائيليون غير مقيمين فيها بصورة دائمة، في حين أن 15 دولة أفريقية لديها سفارات دائمة في إسرائيل.
ويقف خلف هذا الاختراق الإسرائيلي المتنامي للقارة الأفريقية شعار أعلنه بنيامين نتنياهو، رئيس الحكومة الإسرائيلية، ونصه "إسرائيل تعود إلى أفريقيا، وأفريقيا تعود إلى إسرائيل".
- ما أهم الأطماع الإسرائيلية في أفريقيا؟
مع التنامي التدريجي للاختراق الإسرائيلي في أفريقيا، تظهر جملة من المصالح والأطماع التي تسعى إسرائيل إلى تحقيقها، من أهمها:
- زيادة العلاقات والتنسيق مع الدول الأفريقية في مجالات الأمن، والحرب على الجماعات المسلحة، وبناء البنية التحتية، واستخدام الموارد الطبيعية والتكنولوجيا.
- تقديم مساعدات في مجالات التكنولوجيا، والسايبر والفضاء، والتطوير الزراعي وتحلية المياه، وافتتاح خط طيران مباشر بين الدول الأفريقية وإسرائيل لتقريب العلاقات بينهما.
- تقليل ساعات السفر من إسرائيل لأميركا اللاتينية، وتوفير النفقات المالية، باستغلال الأجواء السودانية.
- مساعدة الدول الأفريقية بتمهيد طريقها أمام الولايات المتحدة، و"فتح بوابتها" أمامها.
- أين يكمن الجانب الدبلوماسي في الاختراق الإسرائيلي لأفريقيا؟
تأمل إسرائيل من الكتلة الأفريقية في الأمم المتحدة ووكالاتها الدولية بأنها قد تصوت بما يمنع اتخاذ قرارات معادية لها، ورغم أن الدول الأفريقية دأبت على التصويت ككتلة واحدة؛ لكن تل أبيب تلاحظ وجود تصدعات تدريجية بمواقفها، وباتت كل دولة تتخذ مواقف فردية.
ومن بين 1400 تصويت دولي خاص بالصراع العربي الإسرائيلي منذ 1990، صوتت الدول الأفريقية لصالح إسرائيل في عدد قليل جدا منها، ولذلك تسعى الأخيرة لاستمالة التصويت الأفريقي بجانبها، ويتمثل طموحها الأعلى بأن تصوت الدول الأفريقية الـ54 لصالحها، والأدنى أن تمتنع عن التصويت ضدها؛ مما سيحسن وضع إسرائيل دوليا.
كما تسعى إسرائيل منذ 2002 للحصول على مكانة "دولة مراقب" في الاتحاد الأفريقي، ومشاركة بقممه الدورية؛ لكن أحد العقبات الرئيسة التي تعترض طريقها هو موقف جنوب أفريقيا، التي تقف حائلا أمام أي انضمام إسرائيلي لمؤسسات الاتحاد، بسبب تبنيها الرواية الفلسطينية، ودعمها لـ"حركة المقاطعة العالمية" (BDS)، واحتفاظ ذاكرتها بالتحالف الإستراتيجي بين إسرائيل ونظام الفصل العنصري الأبارتهايد في جنوب أفريقيا.
الاحتفاء بإطلاق اللوبي الإسرائيلي الأفريقي في الكنيست الإسرائيلي عام 2016 جمع نتنياهو وسفراء دول أفريقية (الجزيرة)
- كم يبلغ حجم التنسيق الأمني والتعاون العسكري الإسرائيلي الأفريقي؟
ضمن مؤشرات دفء العلاقات الإسرائيلية الأفريقية، عاد الجيش الإسرائيلي لتدريب عدد من جيوش القارة، وبدأت تسافر وفوده العسكرية لعدد من دول القارة لإجراء تدريبات لجيوشها المحلية، الراغبة بالحصول على خبراته القتالية.
من أهم الدول الأفريقية التي تستعين عسكريا بإسرائيل: إثيوبيا، كينيا، أنغولا، جنوب أفريقيا، ساحل العاج، ملاوي، زامبيا، توغو، نيجيريا، الكاميرون، والنيجر، ويطلق الجيش الإسرائيلي عليها "الدبلوماسية العسكرية"، التي تشمل تدريبات مشتركة، وتعيين ملحقين عسكريين بدول القارة، أبرزهم أبيعازر سيغال، الذي قال إن "أحد الأمور المقلقة ظهور إسرائيل داعمة لأنظمة دكتاتورية أفريقية تقمع شعوبها".
- ما هي المكاسب الاقتصادية الإسرائيلية من اختراق أفريقيا؟
كشفت وزارة الاقتصاد الإسرائيلية أن 700 مليون دولار تنتظر شركاتها المعنية بتوسيع صادرتها في أفريقيا؛ لأنها ذاهبة باتجاه استغلال الفرص السانحة هناك في ظل المقدرات والإمكانيات الهائلة التي تحوزها القارة.
وتطمع إسرائيل أن تكون لتوجهها الاقتصادي نحو أفريقيا آثار وتبعات على نمو اقتصادها، وزيادة فرص العمل فيها، مع أن ميزان القوى الإسرائيلي الأفريقي يصل إلى مليار دولار سنويا، ثلثا المبلغ مع جنوب أفريقيا، لا سيما في قطاع المجوهرات.
وبلغة الأرقام، يتوزع الاستثمار والتصدير الإسرائيلي في الدول الأفريقية على النحو التالي: كينيا 150 مليون دولار، نيجيريا 105 مليون دولار، أوغندا 70 مليون دولار، إثيوبيا 33 مليون دولار، كاميرون 60 مليون دولار.
وفي ظل الإستراتيجية القائمة لتعزيز علاقات إسرائيل بأفريقيا، فهي تعمل بعدة مجالات وعبر عدة قنوات لمساعدة المصدرين الإسرائيليين لاختراق أسواق القارة بتعيين موفدين تجاريين جدد في عدة دول؛ منها غانا ونيروبي وكينيا.
كما وقعت إسرائيل اتفاقية مع منظمة "قوة أفريقيا" (Power Africa) التابعة لـ"وكالة التعاون والتنمية الأميركية" (USAID) المتخصصة بإقامة مشاريع الطاقة في القارة الأفريقية.
زيارات نتنياهو الأربع لأفريقيا خلال 5 سنوات مؤشر على مدى تغلغل إسرائيل في القارة (الجزيرة)
- ما حجم التورط الإسرائيلي في الحروب الأهلية الأفريقية؟
تصدر بين حين وآخر اعترافات إسرائيلية عن التورط بصفقات بيع أسلحة وتدريب مقاتلين في دول القارة الأفريقية الغارقة في الحروب الأهلية، بزعم أن هذه الصفقات العسكرية توفر لإسرائيل مصدرا اقتصاديا وماليا كبيرا، وتحقق لها مصالح أمنية في أفريقيا.
وتحولت إسرائيل لواحدة من الدول العشر الأولى عالميا ببيع السلاح، بينها قائمة من الدول الأفريقية التي تشهد عمليات قتل جماعي وجرائم بحق المدنيين.
وقد زادت قيمة السلاح الإسرائيلي، الذي وصل الدول الأفريقية عن 163 مليون دولار، بنسبة 2.5% من إجمالي الصادرات العسكرية الإسرائيلية للعالم، حيث إن العنصر الأساسي من أسلحة بعض الجيوش الأفريقية من إنتاج إسرائيلي.
اعلان
وتركز إسرائيل في اختراقاتها على 6 بلدان أفريقية، وهي: توغو ورواندا وجنوب السودان والكاميرون والكونغو؛ لكن رواندا، تحظى باتصالات أكثر معها، وتأخذ علاقاتهما مدى متزايدا.
كما تجري إسرائيل اتصالاتها مع الدول الغربية لتسويق أنظمة الحكم الدكتاتورية في القارة الأفريقية، من خلال قسم التعاون الدولي بوزارة خارجيتها وشركات العلاقات العامة.
- أين تقع أفريقيا في مسيرة التطبيع مع إسرائيل؟
أخذت الدول العربية والإسلامية في القارة الأفريقية نصيبها من مسلسل التطبيع الإسرائيلي، وعلى رأسها تشاد، التي تم استئناف العلاقات الدبلوماسية الإسرائيلية معها، مرورا بالمغرب، وانتهاء بالسودان، الذي لم ينس مواطنوه بعد السلاح الإسرائيلي، الذي استخدمه المتمردون بإقليم دارفور في تنفيذ العديد من المجازر والمذابح.
تأمل إسرائيل من تطبيعها الحاصل مع الدول الأفريقية أن تبعدها عن دائرة "الدول المعادية"، وتخفيف تعاطفها مع القضية الفلسطينية، وعدم الرغبة في الدخول بمعارك دبلوماسية وسياسية، وتعتمد إسرائيل في مسيرتها التطبيعية مع الدول العربية والإسلامية الأفريقية، على من تعتبرهم "أصدقاءها" هناك مثل جنوب السودان وإثيوبيا وكينيا ونيجيريا.
- كيف يمكن اعتبار السودان نموذجا للتطبيع الأفريقي مع إسرائيل؟
يشكل التطبيع الإسرائيلي مع السودان، دراسة حالة، للحديث عن آثاره ومساهمته في إحكام القبضة الإسرائيلية على القارة الأفريقية، ومن أهمها:
- اقتصاديا: ستكون السودان سوقا متطورة للبضائع الإسرائيلية.
- إستراتيجيا: ستمنح إسرائيل قطاعا طويلا على البحر الأحمر، بفضل علاقاتها مع إثيوبيا وأريتريا ومصر.
- سيأخذ الوجود الإسرائيلي اتساعا واضحا بالمنطقة المضطربة، التي تشمل مصر وتشاد وجنوب السودان.
- إعادة اللاجئين السودانيين المتسللين إلى إسرائيل لبلادهم.
- السماح برحلات جوية إسرائيلية من وسط أفريقيا، وتقصير الرحلة لأميركا الجنوبية بساعتين كاملتين، وقد شهد عام 2020 مرور طائرة "إلعال" في الأجواء السودانية.
- تحقيق انتصار رمزي لإسرائيل، فالتطبيع تم مع الخرطوم صاحبة "اللاءات الثلاثة" بعد حرب 1967.
- طي صفحة العداء السوداني الإسرائيلي، الذي امتد عقودا طويلة، فالسودان قاتل إسرائيل بجانب عدة دول عربية، وساعد بنقل شحنات الأسلحة لحماس في غزة، فيما دربت إسرائيل القوات الانفصالية في جنوبه.
المصدر : الجزيرة
الآثار الجزيلة والفوائد العظيمة للحجّ
الشيخ حسين مرعي
1
◄إنّ الله عزّوجلّ قد فرض على عباده فرائض عدّة، بعضها بدني كالصلاة والصوم، وبعضها مالي كالخُمس والزكاة، وجمعهما معاً في فريضة الحجّ فكان مشتملاً على الواجبات المالية كبذل الهدي. وعلى الواجبات البدنية كالطواف والسعي. وهذا إن دلّ على شيء فإنّما يدل على عِظم هذه الفريضة وأهميتها عند الباري عزّوجلّ.
وممّا يمتاز به الحجّ أيضاً أنّه عبارة عن زيارة لله عزّوجلّ، بذهاب الحاجّ والناسك إلى بيت الله تعالى زائراً له، وعبّر عنه في الروايات بضيف الله، وهذا شرف عظيم لمن تفكّر وفكّر في ذلك، وهذا بدوره يزيد في أهمّية الحجّ ومنزلته.
ومن جهة ثالثة يمتاز الحجّ بأنّه مقسوم، فإنّ الله تعالى يتولى تقديره، فمن كَتَبَ له الحجّ وُفِق إليه وإلّا فلا، فهو كالرزق المقسوم، وقد ورد أنّه يقدر وفد الحجيج في ليلة القدر؛ وهذا يعني أنّ امتثال هذه الفريضة لا يكون إلّا بعد قضاء الله بذلك، وتوفيقه تعالى له وهذا شرف آخر للحاجّ عليه أن يلتفت إليه ليكون شكوراً لله على هذه النِّعمة ولا يكون كفوراً.
آثار الحجّ:
إنّ الجوانب المتعلِّقة بالحجّ كثيرة بعضها عبادي، وبعضها أخلاقي واجتماعي، ونحو ذلك، وسنتناول فيما يلي جانب الآثار المترتبة على «الحجّ» بحسب ما يستفاد من الأدلة الشرعية:
1- من آثار الحجّ: أنّه يغفر الذنوب جميعاً، بل هناك ذنوب مستعصية قد لا تُغفر في غير الحجّ، ولذا ورد أنّ من الذنوب ما لا يغفر إلّا «بعرفات» وإنّما سُمّي «عرفات بعرفات» لأنّه يعترف فيه بالذنب، فهو محل غفرانها ومحوها بإذن الله تعالى، وفي الخبر عن رسول الله (ص) من أنّه قال: «فإذا وقفت بعرفات إلى غروب الشمس فلو كان عليك من الذنوب قدر رمل عالج وزبد البحر لغفرها الله لك». وبالمراد بالرمل العالج الجبال المتواصلة، المحيطة بأكثر أرض العرب.
2- من آثار الحجّ وبركاته أنّه يوجب الحسنات ورفع الدرجات إضافة لما تقدَّم من غفران الذنوب ومحو السيِّئات.
حتى أنّه قد ورد أنّ في الطواف والسعي لوحدهما ستة آلاف حسنة ويحط بهما ستة آلاف سيِّئة ويرفع بهما للحاجّ ستة آلاف درجة.
وفي بعض الروايات أنّه أفضل من عتق سبعين رقبة، وقال رسول الله (ص): «لو أنّ أبا قبيس لك زنته ذهبة حمراء أنفقته في سبيل الله ما بلغت ما بلغ الحاجّ»، وأبو قبيس اسم لجبل معروف في مكّة يتصف بضخامته.
3- يوجب حصول الخير في الدُّنيا - فضلاً عن الآخرة -، وعن أبي عبدالله الصادق (ع) أنّه قال: «مَن حجّ حجّتين لم يزل في خير حتى يموت».
4- ومن آثار الحجّ أنّه يوجب كون الحجّ ضيفاً لله تعالى، وهذا الأثر لوحده يكفي الحاجّ فخراً وعزّاً، وفي الخبر عن عبّاد بن صهيب قال: «إنّ ضيف الله عزّوجلّ رجل حجّ واعتمر فهو ضيف حتى يرجع إلى منزله».
5- يُوجب الغنى والزيادة في الرزق، والصحّة في البدن وعن رسول الله (ص) قال: «حجّوا تستغنوا».
وعن أبي عبدالله (ع) قال: «قال رسول الله (ص): الحجّ والعمرة ينفيان الفقر والذنوب كما ينفي الكير خبث الحديد»، والكير هو ما يبنيه الحدّاد من الطين ليحمي الحديد فيه.
وكلّما تكرّر الحجّ كلّما زاد رزقه وقد ورد أنّ مَن حج ثلاث حجج لم يصبه فقر أبداً.
6- يعوِّض عليه ما بذله من المال - وهذا مغاير لسابقه كما لا يخفى - بل في بعض الروايات أنّ الله تعالى يعوِّضه بأكثر ممّا بذل وهذا هو المؤمل من كرم الله عزّوجلّ اللا محدود، وفي الخبر عن الإمام الباقر (ع) قال: «الحاج وفد الله إن سألوه أعطاهم وإن دعوه أجابهم وإن شفعوا شفعهم وإن سكتوا ابتدأهم ويعوِّضون بالدرهم ألف ألف درهم».
7- من آثاره الجنّة، فجزاء الحجّ المقبول الجنّة وهذا يتلاءم مع تقدّم من الأثر الأوّل والثاني ويشير له الخبر الآتي.
8- يحفظ في أهله وماله، ففي الخبر عن الإمام زين العابدين (ع) أنّه قال: «حجّوا واعتمروا تصح أبدانكم وتتسع أرزاقكم وتكفون مؤونات عيالاتكم، وقال: الحاجّ مغفور له وموجوب له الجنّة ومستأنف له العمل ومحفوظ في أهله وماله».
9- يرفع عنه مكاره الدُّنيا وأهوال الآخرة، فعن أبي بصير قال: «سمعت أبا عبدالله (ع) يقول: عليكم بحجّ هذا البيت فادمنوه، فإنّ في إدمانكم الحجّ دفع مكاره الدُّنيا عنكم وأهوال يوم القيامة». ويظهر من الخبر المذكور أنّ هذا الأثر مترتب على إدمان الحجّ وتكراره.
10- يرفع العذاب عن الناس في الدُّنيا، فمن المعلوم أنّ الله تعالى قبل الإسلام كان يعاقب على المعصية مباشرة بالزلازل والريح والصواعق والمسخ ونحو ذلك، وبعد بعثة النبيّ (ص) رفع ذلك ببركة النبيّ (ص)، والأئمّة (ع) كما دلّ الدليل، وبركة الاستغفار، وببركة أداء العبادات، والطاعات ولو من بعض الناس، خاصّة الحجّ، فإنّ الحجّ يُطفئ غضب الربّ ويمنع نزول العذاب.
وفي جملة من الروايات: «لولا الحجّ لنزل العذاب»، وفي الخبر عن أبي بصير قال: «سمعت أبا عبدالله (ع) يقول: أمّا إنّ الناس لو تركوا حجّ هذا البيت نزل بهم العذاب ما نوظروا».
11- من آثار الحجّ وبركاته أنّه يرفع ضغطة القبر، ويشفع لصاحبه حيث أنّ الحجّ كباقي الأعمال تتجسّد يوم القيامة. في صحيح منصور بن حازم عنه (ع) قال: «مَن حجّ أربع حجّج لم تصبه ضغطة القبر أبداً، وإذا مات صوّر الله الحجّ الذي حجّ في صورة حسنة من أحسن ما يكون من الصور بين عينيه تصلي في جوف قبره حتى يبعث الله من قبره ويكون ثواب تلك الصلاة له».
12- يغفر لأهله وعشيرته: فبالإضافة لغفران ذنوبه وبالإضافة للخير الذي يناله، فإنّ الله تعالى يزيد في إكرامه بأن يغفر لأهله وعشيرته وكلّ مَن يدعو لهم الحاجّ في حجّه.
وفي الخبر عن أبي عبدالله (ع) قال: «إنّ الله عزّوجلّ ليغفر للحاجّ ولأهل بيت الحاجّ ولعشيرة الحاجّ ولمن يستغفر له الحاجّ». ►
آداب الحج
الشيخ محمّد البهاري
◄اعلم أيها الطالب للوصول إلى بيت الله الحرام، أنّ لله عزَّ وجلَّ بيوتاً مختلفة، فمنها هذه الكعبة الظاهرية، ومنها بيت المقدس، ومنها البيت المعمور، ومنها العرش إلى أن يصل الأمر إلى البيت الحقيقي وهو قلب المؤمن، الذي هو أعظم من كلّ هذه البيوت، ولا شك أنّ لكلّ بيتٍ من تلك البيوت مراسم وآداب، فالمهم أن نعرض هنا آداب زيارة الكعبة الظاهرية – غير ما ذكر في المناسك – وقد نشير إجمالاً إلى آداب الكعبة الحقيقية، فنقول:
اعلم أنّ الغرض من تشريع الحج، هو استيعاب هذه الحقيقة وهي أنّ الهدف من خلق الإنسان هو معرفة الله، والوصول إلى حبّه، والأنس به، ولا يمكن حصول هذين الأمرين إلّا بتصفية القلب، وهي بدورها لا تتمّ إلّا بكفّ النفس عن الشهوات والانقطاع عن الدنيا الدنية، وإيقاعها في المشاق من العبادات الظاهرية والباطنية، ولهذا لم يجعل الشارع العبادات على نسق واحد بل جعلها مختلفة متنوعة، إذ أن بكل عبادة من هذه العبادات تزول رذيلة من الرذائل، فبالصدقات والحقوق المالية ينقطع الميل إلى الحطام الدنيوي، وبالصوم تنقطع الشهوات النفسانية، وبالصلاة يتمّ النهي عن الفحشاء والمنكر، وهكذا سائر العبادات..
أما الحجّ فهو مَجمعٌ لهذه العناوين المتكثرة، إذ أنّه مشتملٌ على مشاق العبادات التي تفي كلّ واحدة منها بإزالة رذيلة من هذه الرذائل مثل: إنفاق المال الكثير، والانقطاع عن الأهل والأولاد والوطن، ومعاشرة النفوس الشريرة، وطي المنازل البعيدة، مع الابتلاء بالعطش في الحرّ الشديد، والقيام بأعمال غير مأنوسة لا يقبلها الطبع الأولي من الرمي والطواف والسعي والإحرام وغير ذلك.
كما أنّ في الحج فائدةً أخرى وهي تذكّر أحوال الآخرة، برؤية أصناف الخلق في صعيد واحد، على نهج واحد لاسيّما في الإحرام والوقوفين، وكذلك الوصول إلى محل الوحي ونزول الملائكة على الأنبياء، من لدن آدم إلى النبي الخاتم محمّد (ص)، والتشرّف بموضع أقدامهم الطاهرة، كل ذلك إلى جانب التشرّف بالحرم الإلهي الموجب لرقّة القلب، والمورث لصفاء النفس.
إنّ على العبد أن يعلم أنّ الإسلام – كما ورد – قد استبدل الرهبانية بالجهاد والحج.. وهو لا يصل إلى هذه الكرامة إلّا بملاحظة آداب ومراسم وهي:
الأولى: أن يجعل العبد عباداته كلها بنية صادقة، قاصداً امتثال أمر المولى فحسب، ليتحقق بذلك تلك العبادة كما أرادها الله تعالى.. فعلى الحاج – قبل الحج – أن يراجع نيته ويجعلها خالصة لمن يهمّ بزيارته، متحاشياً غير ذلك من المقاصد الباطلة:
كطلب الجاه، والتخلص من مذمّة الخلق بتفسيقهم له، أو حتى الخوف من الفقر – كما ورد من أن تارك الحج يُخشى عليه من الفقر – أو السعي للتجارة والسياحة في البلاد.. فلو التفت الحاج إلى بطلان قصده ونيته، لزمه إصلاح ذلك أوّلاً، والالتفات إلى قبح الورود على ساحة مالك الملك والملكوت، بهذه الحالة من الانصراف إلى مثل تلك الأمور السخيفة.. وهذا مما يوجب الخجل والوجل، لا العجب والغرور.
الثاني: أن يهيئ نفسه للمجالسة الروحانية، وذلك بالإتيان بتوبة جامعة كاملة بكل مقدماتها، كردّ الحقوق المالية: من الخمس والمظالم والكفارات.. أو غير المالية، كالاستحلال من الغيبة، والإيذاء، وهتك الأعراض، وسائر الجنايات بالتفصيل الذي ذُكر في محله.. وكذلك الاستحلال من والديه ومن هما مصدر وجوده.. ثمّ الوصية بمحضر الشهود من دون تضييق على الوصّي في كيفية صرف ثلث أمواله، لئلّا يوقع مسلماً في حرجٍ بعد وفاته.. وبعد هذا كله يوكل أمر أهله وعياله إلى الكفيل المتعال، فإنّه خير معين ونعم وكيل.
والحاصل أن على الحاج أن يقطع علائقه كلها، ليتوجه بعد ذلك بكلّه إلى الله، محتملاً بل مفترضاً عدم العود من سفره هذا إلى وطنه.. فيكون شأنه شأن من يحتمل الموت في كلّ لحظة من لحظات حياته.
الثالث: أن يتحاشى أسباب انشغال القلب في هذا السفر العظيم، لئلّا يذهل عن محبوبه في حركاته وسكناته، سواء كان سبب ذلك الذهول شخصاً أو مالاً.. ومن هنا لزم عليه أن لا يصطحب في سفره من يشغله عن همّه الأوحد.. ولهذا يحسن السفر مع من يغلب عليه الذكر، ليكون مذكّراً له في هذا السفر الإلهي، كلما غلب عليه الذهول عن الحق.
الرابع: السعي في أن تكون نفقة الحج من المال الحلال.. وأن يوسّع على نفسه وغيره في هذا الطريق، إذ أن درهماً يُنفقه في الحج – كما ورد – بسبعين درهماً.. فهذا الإمام السجّاد (ع) – وهو أزهد الزاهدين – كان يأخذ معه ما لذّ من الطعام..
ومما يترتّب على هذه المشاعر، أنّه لو فقد الحاج متاعاً في طريقه، أو سُرق منه شيء، فإنّه لا يغتنمّ لذلك، بل يدخل عليه الفرح والسرار، إذ قد عُوّضَ بما فَقَده أضعافاً مضاعفة في الديوان الأعلى، عند أكرم الأكرمين.
فلو أن عبداً تحمّل الأذى في زيارة سلطان من سلاطين الدنيا، لتدارك له ذلك السلطان ما فات منه بما أمكنه، ولاسيّما إذا دعاه لزيارته، فكيف ظنك بأقدر القادرين وأكرم الأكرمين؟!..
حاشا وكلا أن يقلّ كرم المولى الأعظم، عن كرم أهل البادية الذين نعهد فيهم ذلك.. نعوذ بالله تعالى من سوء الظن به.
الخامس: أن يُحسّن خُلقه مع رفقته حتى المكاري الذي يسوق دابته.. ويتجنّب الفحش من القول، فإن حسْن الخلق لا ينحصر في كفّ الأذى عن الغير، بل في تحمّل الأذى منه، بل في خفض الجناح لمن يؤذيه.
السادس: أن يسعى في قضاء حوائج من معه من المؤمنين، وتعليمهم أحكام الشريعة، والدعوة إلى المذهب الحقّ، وتعظيم الشعائر، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
السابع: الابتعاد عن موجبات التجمّل والتكبّر، إذ أن ما أُمر به هو دخول الحرم الإلهي بذلّة وهو أشعث أغبر.. كما ورد في المناسك في باب الإحرام.
الثامن: أن لا يتحرّك من منزله إلّا وقد فوّض أمر نفسه وأهله ورفقته وما معه إلى الله تعالى، وأودع كلّ ذلك أمانة لدى الحفيظ العليم.. وهكذا يخرج من منزله متوكلاً عليه، متبرِّئاً من حوله وقوّته، فإنّه – جلّت عظمته – نعم الحفيظ، ونعم المولى ونعم النصير.
وهناك آداب أخرى مذكورة في المناسك، يحسن الالتزام بها ومنها الصدقة، فإنّه يشتري بها سلامة سفره.
وبعد ذلك كلّه، يتأمل في حقيقة أنّ هذا السفر هو السفر الجسمي إلى الله تعالى، وهناك سفر آخر روحي يتمثّل في الالتفات إلى أنّه لم يأت إلى هذه الدنيا للاستمتاع بملذّاتها، بل خُلِق لمعرفة ربّه وتكميل نفسه، ثمّ العمل بمقتضى هذا الالتفات.
وأخيراً نقول: كما أنّ لسفر الحج زاداً، وراحلة، ورفيقاً، وأمير حج، ودليلاً، فكذلك السفر الروحي، فإنّه يحتاج إلى مثل هذه الأمور.. فأما راحلته فهو بدنه، فلابدّ من رعايته باعتدال، فلا يُرخى له العنان ليستولي على صاحبه، ولا يضيّق عليه ليقعُد به الضعف عن المسير، بل خير الأمور أوسطها.
وأما زاده فأعماله الخارجية التي يُعبّر عنها بالتقوى، وهي في درجتها النازلة تستلزم العمل بالواجبات وترك المحرّمات، والإتيان بالمستحبّات والاجتناب عن المكروهات، وأما درجتها العالية فهو الاجتناب عمّا سوى الله تعالى، وبينهما متوسطات ينبغي الالتفات إليها.
فحاصل القول: إنّ كلّاً من فعل الواجبات وترك المحرّمات، بمثابة الزاد في كلّ منزل من منازل الآخرة.. ولو حُرم مثلُ هذا الزاد، وقع في المهالك العظيمة، نستجير بالله من هذه البلوى.. وأمّا الرفقة فهم المؤمنون الذين معه في الطريق إلى الله تعالى، وإليه يشير قوله تعالى:
(وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى) (المائدة/ 2). فباتحاد القلوب ووحدة الهمم، تطير القلوب إلى المنازل البعيدة.
وعلى أي حالٍ، فإذا وصل الحاج إلى الميقات، فلينتزعْ ثيابه وليبلبس ثوبي الإحرام، وليكن قصده في ذلك خلعَ ثياب المعصية، ولبسَ ثياب الطاعة والعبودية.. وليتذكر أنّه كما دخل الحرم الإلهي عارياً عن متعارف الثياب، فإنّه كذلك يلقى ربّه بعد موته عريانَ وحيداً.
وأمّا عند تنظيف بدنه، فليستحضر لزوم تنظيف روحه من أدران المعاصي وأوساخها.. وأما عند عقد الإحرام فعليه أن ينوي عقد التوبة النصوحة، فيحرّم على نفسه – بعزمٍ وإرادةٍ – كلّ ما حرّم الله تعالى عليه أثناء الحج وبعده.
وأما عند التلبية، فعليه أن يلتفت إلى حقيقة ما يلبّي به، فمن جهة يقصد الالتزام بكل طاعة لله عزَّ وجلَّ، ومن جهة أخرى يعيش حالة الخائف المردد بين الرد والقبول، فهذا إمامنا زين العابدين عليّ بن الحسين (ع) يُغمى عليه عند التلبية، لخوفه من أن يُقال له: لا لبّيك ولا سعديك، وليتذكّر في هذه الحالة أيضاً صفة أهل الحشر، الذين هم بين مقبول ومطرود ومتحيّر.. وأما عند دخول الحرم فعليه أن يكون متردداً بين الخوف والرجاء، كمن دخل حمى الملك وهو مقصّر في حقّ ذلك الملك.. وعليه أن يستحضر شرف البيت العظيم من ناحية، وكرم صاحبه من ناحية أخرى، إذ دعاه إلى ضيافته الخاصة وهو أكرم الأكرمين. واعلم أنّه – عزّ اسمه – كان يحبّ أن يراك عند بيته ولو مرة واحدة.. وها قد وجدك عنده، فسله ما تريد، فإنّه أجلّ من أن يردّك في حاجة، وقد حللت في ساحة قدسه، وهذا مما لا يُظن في حق أسخياء العرب، فكيف بالجواد المطلق؟!.
أمّا إذا كان السائل جاهلاً بكيفية السؤال، أو عاجزاً عن حفظ العطية والنوال، فما هو تقصير الكريم المتعال؟!
إنّ الهمّ الأعظم لغالبية حجاج البيت الحرام، هو إنهاء المناسك على سبيل الاستعجال، للتفرغ بعدها لأمور الدنيا من البيع والشراء، والمطلوب من الضيف في مثل هذه الأحوال، أن يكون متوجهاً للمُضيف بكل وجوده مستعدّاً للعمل بمطلوبه.
فإذا صار الصيام – المندوب في الأصل – مذموماً من دون طلب، فكيف بالمعاصي في محضر سلطانه وما هي إلّا هتكٌ لعرضه، إذ أن هتك حرمة السلطان إنّما هي بمخالفة أمره ونهيه.. وهنا فلنتساءل: كم من حجاج بيت الله الحرام، مَن اشتغل في حجّه بعشرات المعاصي من الكذب، والغيبة، والفحش، والنميمة، وتعطيل حقوق الغير وغير ذلك؟!.
وإذا همّ الحاج بالطواف، فليستذكر هيبة المولى ولزوم الخشية منه، وعليه أن يتشبّه بالملائكة الذين يطوفون حول عرش ربّهم.
واعلم أنّ الطواف لا ينحصر بطواف الجسم حول البيت، بل إنّ الطواف الحقيقي هو طواف القلب بذكر ربّ البيت، وإنّما فُرضت هذه الأعمال البدنية، لتكون أمثلةً يُحتذى بها في جانب الأعمال القلبية.
وكما أنّ التشرّف بالكعبة الظاهرية لا يتمّ إلّا بقطع العلائق عن الأهل والولد، فكذلك التشرّف بالكعبة الباطنية لا يتمّ إلّا بقطع حجب العلائق كلها.. ويستحب إتيان المستجار والحطيم، واستلام الحجر، والتعلّق بأستار الكعبة، متشبّهاً بعبدٍ مقصّر في حق مولاه، مقبّلاً قدامه، متشبّثاً بأذياله، مناشداً إياه بأحب أحبّته لديه، إذ لا يجد ملجأً وموئلاً سواه.. فيا ترى هل يترك مثلُ هذا العبد أذيال مولاه، من دون أن يأخذ منه رقعة العتق والخلاص؟!..
وإذا أردت أن تسعى فاستشعر حالة العبد المتردد في فناء السلطان، طامعاً في العطاء، خائفاً من الخيبة والخسران.
وإذا وقفت في عرفات وسمعت ضجيج الخلق بصنوف اللغات، فتذكر عرصات القيامة وعظيم أهوالها، وليغلب على ظنك قضاء جميع الحوائج، فإنّه موقف عظيم تمتد فيه الايدي إلى ساحة الكريم، وتنقطع القلوب إلى كرمه، وتشرئب الأعناق إلى إحسانه، وتجري الدموع خوفاً من هيبته، فذلك اليوم يوم عطاء السلطان لعامة وفده، وإلباس وليّه الأعظم خِلَع الكرامة، عجل الله تعالى فرجه وسهّل مخرجه.
وفي ذلك اليوم تصل الرحمة إلى منتهى مدارجها، لتعم كافّة الخلق، فقد ورد أن من أعظم الذنوب أن يقف الحاج بعرفات وهو يظن أنّه لم يُغفر له..
إذ كيف لا يُغفر لمن تعرّض لمغرفته في ذلك الموقف العظيم، منقطعاً عن الأهل والمال والولد؟!.. فما هكذا الظن به ولا المعروف من فضله!..
وإذا خرجت من عرفات ودخلت مزدلفة، فتفاءل خيراً بكون عودتك إلى الحرم ثانية علامة من علامات قبول الحج.. وإذا رميت الجمار فاعلم أن روح هذا العمل إنما هو رجمٌ للشيطان في باطنك، فإن كنت كالخليل كنت كالخليل وإلّا فلا!..
وإذا أردت أن تودّع الحرم فكن كفاقد من يعزّ عليك فقدُه، بحيث يُعلم ذلك من حالك، فكن مشوش البال منكسر الفؤاد.. وليكن بناؤك على الرجوع في أوّل زمان ممكن.. فهكذا كان عزم إبراهيم الخليل (ع) لما ترك إسماعيل وهاجر.. وعليك بمراعاة أدب المضيف عند وداعه، لئلّا يحرمك العودة إلى بيته أبد الآبدين، فإنّه وإن كان سريعاً في رضاه، إلّا أنّه ينبغي مراعاة الأدب بين يديه مهما أمكن.
واعلم أنّه يحسن بالحاج في مكة المكرمة، أن يتشرف بالبقاع التي تشرّفت برسول الله (ص) كغار حراء – للاعتبار لا للتفرّج – ثمّ يتقرّب إلى الله تعالى بركعتين، كما يحسن به إطالة الوقوف في هذه المشاهد الشريفة، وخاصة في حجّة الأوّل.. وإذا أمكنه دخول الكعبة دخلها مراعياً للآداب المأثورة فيها. ►
المصدر: كتاب تذكرة المتقين