
emamian
ما سر تزامن حظر ألمانيا لـ"حزب الله" مع تكثيف الهجمات الإسرائيلية بسوريا؟
لم يكن مفاجئا بالنسبة إلينا أن يتزامن القرار الألماني بوضع "حزب الله" على قائمة الإرهاب وتجريم أي تأييد له، مع توسيع دائرة الهجمات والغارات الصاروخية الإسرائيلية على أهداف في العمق السوري تشمل قواعد ومراكز أبحاث عسكرية ومخازن أسلحة.
القرار الألماني الذي جاء بعد ضغوط أميركية وإسرائيلية مكثفة يأتي في إطار خطة لزيادة الضغوط على إيران، والفصائل والأحزاب التابعة لها في سورية والعراق ولبنان واليمن، خاصة في ظل التوتر المتصاعد حاليا في منطقة الخليج (الفارسي)، ونجاح إيران في وضع قمر صناعي عسكري في المدار الأرضي من خلال صاروخ باليستي على ارتفاع 442 كيلومترا سيكون قادرا على رصد كل التحركات العسكرية الأميركية والإسرائيلية في أي مكان في الشرق الأوسط.
ذرائع هذا القرار الألماني، وخاصة تلك التي تقول إن الحزب كان يخطط لهجمات "إرهابية" انطلاقا من الأرض الألمانية غير مقنعة على الإطلاق، فالحزب كان على علاقة صداقة قوية مع ألمانيا التي قبل بها وسيطا أثناء مفاوضات تبادل الأسرى مع دولة الاحتلال، مضافا إلى ذلك أنه لم يقدم على أي عمل في أوروبا أو غيرها ضد الاحتلال الإسرائيلي، ومن المؤكد أن القرار أميركي إسرائيلي وليس ألمانيا بنسخته الأصلية.
***
الاستراتيجية الأميركية في خلق حالة من الفوضى والانهيار الاقتصادي في لبنان، بما يؤدي إلى "ثورة" ضد "حزب الله" تتطور إلى حرب أهلية لإضعافه، وربما نزع أسلحته، بقيادة أحزاب وميليشيات يمينية فشلت فشلا ذريعا بملئ الفراغ الوزاري وتشكيل حكومة برئاسة حسان دياب، ولهذا تحاول الولايات المتحدة وإسرائيل إعلان حرب على إيران وحزب الله في لبنان، وفي مختلف أنحاء العالم، ولا نستبعد أن تقدم دول أوروبية على الخطوة الألمانية نفسها وتلصق تهمة الإرهاب بالحزب، وتضطهد أنصاره، والمتعاطفين مع مواقفه في مقاومة الاحتلال.
من الواضح، ومن خلال تكثيف الهجمات العدوانية الإسرائيلية على شرق سورية وشمالها، وآخرها في حلب ودير الزور مساء أمس الاثنين تأتي في إطار مشروع دموي إسرائيلي مدعوم أميركيا يستغل حالة الانشغال العالمي بفيروس كورونا ويهدف إلى تحقيق ثلاثة أهداف:
الأول: إجبار إيران على سحب جميع قواتها ومستشاريها العسكريين و"فصائلها" من سورية تقليصا للخسائر.
الثاني: الاستمرار في هذا العدوان الاستفزازي وتوسيع دائرة أهدافه لإجبار إيران أو سورية أو "حزب الله" على الرد بالمثل في العمق الإسرائيلي أو في أماكن أخرى من العالم، مما يوفر الذريعة لشن الهجوم الأميركي الموسع المنتظر على إيران وسورية ولبنان.
الثالث: بذر بذور الفتنة بين سورية وإيران ومطالبة الأولى للثانية لسحب قواتها ومستشاريها و"الفصائل التابعة لها" المتواجدة على الأراضي السورية رضوخا للضغوط المتصاعدة من أكثر من طرف، خاصة من روسيا إلى جانب الولايات المتحدة ودولة الاحتلال الإسرائيلي.
اللافت أن هجوم ليل الاثنين الماضي الإسرائيلي على مخازن أسلحة وذخيرة ومركز أبحاث في حلب، هو الخامس في أقل من أسبوعين، ومن غير المستبعد أن يصبح يوميا، أو أكثر من مرة في اليوم وفي أكثر من مكان سعيا لتحقيق الأهداف المذكورة آنفا.
***
لا نعتقد أن هذه الاستراتيجية الإسرائيلية الأميركية ستحقق أي من أهدافها، فالتحالف الإيراني السوري أقوى وأصلب من أن تؤثر فيه مثل هذا الغارات أولا، والقيادة السورية التي رفضت عروضا عربية نفطية بعشرات المليارات من الدولارات لفك هذا التحالف قبل إشعال فتيل الحرب ضدها سترضخ للضغوط الحالية بعد استعادة جيشها لأكثر من ثمانين في المئة من الأراضي السورية ثانيا، أما الرد سيأتي حتما في المستقبل المنظور، فمن رد على أميركا وأسقط طائرتها المسيرة "غلوبال هوك" فوق مضيق هرمز، وقصف قاعدة عين الأسد الأميركية كرد على جريمة اغتيال اللواء قاسم سليماني ورفيقه أبو مهدي المهندس، لن يتردد في الرد على هذه الغارات الإسرائيلية بالأصالة أو بالإنابة، تماما مثلما كان الرد الصاروخي في العمق السعودي (بقيق وأبها ونجران وجيزان) أو إعطاب عدة ناقلات نفطية في بحر عمان.
لا نعتقد أنه من الحكمة الوقوع في المصيدة الأميركية الإسرائيلية والرد على هذه الهجمات الاستفزازية في وقت يعيش فيه العراق فراغا حكوميا، وتنشغل إيران بكيفية مواجهة فيروس كورونا وأخطاره الاقتصادية، وتواجه سورية تدخلا عسكريا تركيا مدعوما بجماعات متطرفة مصنفة إرهابيا في إدلب، وآخر أميركي في شرق الفرات حيث مخزون النفط والغاز السوري.
المواجهة الكبرى قادمة حتما، والمسألة مسألة وقت وتوقيت، سواء انطلقت شرارتها في الخليج (الفارسي)، أو من العراق أو سورية، وستدفع أميركا وإسرائيل ثمنها باهظا جدا، والزمن يتغير بسرعة، وسلاح النفط وأمواله بدأ يفقد مفعوله وتأثيره في المنطقة لصالح صعود القوى التقليدية التاريخية في الشرق الأوسط والاتحاد المغاربي، ومن يضحك أخيرا يضحك كثيرا.. والأيام بيننا.
* عبد الباري عطوان
المصدر:العالم
لماذا الإمام الحسن المجتبى (عليه السلام) هو الأكثر مظلومية؟
خلاصة حقبة حياة أمير المؤمنين عليه السلام فيها درس الصبر والمقاومة مصحوباً بالوعي والبصيرة؛ وما إن وصل الدور إلى الإمام الحسن عليه السلام حتى تكرّر الموضوع نفسه في حياته المباركة. وأول ما قام به عندما وصل إلى الحكم أن أكمل تجهيز جيش أمير المؤمنين عليه السلام. وقد لامه بعضهم: أنه ما الداعي لتعبئة العساكر؟
ولكن الإمام الحسن عليه السلام ليس هو من بدأ بإعداد العسكر. إنّ ذلك الجيش العظيم الذي كان ينتظر في نخيل الكوفة، ليذهب ويقارع جيش الشام، قد قام بإعداده هناك أمير المؤمنين عليه السلام، وإن ما تغيّر هو قائد المعسكر فقط. ولم يتغيّر الهدف ولا الطريق ولا العناصر.
شرع الإمام الحسن عليه السلام بتجهيز الجيش بقوّة، ضمن أوضاع صعبة جدًا وظروف شديدة المرارة والظلمة ووجود خونة، وليس الإمام الحسن عليه السلام من قام بإيجاد هذه الظروف إنَّما ورثها إرثًا.
هذه الظروف أدَّت إلى أن يجد خصمُ الإمام الحسن عليه السلام وعدوُّه الذي أراد الإمامُ مواجهتَه- أي معاوية - أشخاصًا انتهازيين مذبذبين، ذوي نفوس ضعيفة، أشخاصًا لم يتحملوا حكومة علي، أشخاصًا يلوكون الإسلام بألسنتهم فقط، ولا تعرف قلوبهم عنه شيئًا فكانوا عرضة لأن يجذبهم ]معاوية[ إليه ويجعلهم في صفه أو أقلّه يبعدهم عن الإمام الحسن عليه السلام.
ما العمل التالي الذي قام به معاوية؟
عمد من خلال هذا الجحفل الذي جعله في مواجهة الإمام الحسن عليه السلام الوحيد؛ الإمام الذي لم يبق حوله أي وجه من الوجوه المعروفة إلا القليل القليل، وان يوصل الإمام الى الشهادة، بعد أن أبعد عنه خيرة الجنود وصفوة القادة الذين كانوا من صحابة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم، ثمّ ومن خلال الأجواء المساعدة شرع ببثّ دعاويه أمام الملأ، وكما يقول الشاعر: خَلَا لَكِ الجو فبيضي واطربي"[1]، وهكذا بعد مضي عشر سنوات أو خمسة عشر سنة لم يبقَ لعلي بن أبي طالب عليه السلام ولأهل بيت النبي صلى الله عليه وآله وسلّم وللمعارف الإسلامية إسمٌ يذكر، ولم يبقَ ذكرى من تلك الحوادث التي عانى الإمام عليه السلام منها الأمرّين مع معاوية.
الصلح والمظلومية وهزيمة الأصحاب
فلو كانت شهادة الإمام الحسين عليه السلام وشهادة أخيه أبي الفضل العباس عليه السلام وكذلك شهادة الأبناء والأصحاب وشهادة محمد بن الحنفية وحجر بن عدي قد حصلت قبل شهادة الإمام الحسن عليه السلام؛ يكون جميع أصحابه الأوفياء قد رحلوا؛ حينها لن يتم العمل المطلوب للفضح والكشف عن تلك الجبهة التي كانت تحارب الإمام علي بن أبي طالب والإمام الحسن عليهما السلام والتعريف بها وتحديدها.
لقد قام الإمام الحسن عليه السلام هنا بتشخيص واجبه وتحديد تكليفه بدراية ويقين، فماذا كان تكليفه؟ كان البقاء؛ البقاء حيًّا لإماطة اللثام عن وجهٍ كان قد غدا محاربا للإسلام ولعليّ وأخرج الحسن عليه السلام من الساحة؛ وكان تكليفه عليه السلام إعداد أرضية لمواجهة طويلة الأمد، مع الطواغيت الذين سيأتون فيما بعد بشكل واضح.
لقد بقي الحسن عليه السلام حيًا ليبقى الحسين بن علي حيًّا ويبقى حجر بن عدي وكذلك رشيد الهجري. لقد حفظ الإمام الحسن عليه السلام أشخاصًا لحالات شهادة كبيرة، فبعد حادثة الصلح مع معاوية وخلال السنوات العشر التي كان فيها الإمام الحسن المجتبى عليه السلام حيًا، بدأ بمساعدة أخيه ومساعدة كل الأصحاب بتهيئة حالة في العالم الإسلامي؛ حالة تَعِدُ أنه إذا نهض الإمام الحسين يومًا وثار ستظهر تلك الحالة التي قد شاهدتموها في التاريخ وأنّ شهادة الإمام الحسين ستستطيع بعد كل تلك الأعمال التبليغية وبعد كل تلك الأعمال التي فضحت وبينت الحقائق التي حصلت خلال تلك السنوات حادثة خالدة، حادثة العالم الإسلامي التي لا تقبل الوضع في زوايا النسيان. لهذا، يظهر أن الإمام الحسن عليه السلام عمد إلى الصلح، وكان هذا في الظاهر ترك المنازعة. أي أنه عليه السلام أحجم عن المواجهة العسكرية مع عدوّ -حيث ينبغي أن يفضحه من قبل ومن ثمّ محاربته -كي يبدأ بالمواجهة السياسية والثقافية والإسلامية. وأصبحت النتيجة أنّه بعد شهادة الإمام الحسن عليه السلام أن أكمل الإمام الحسين عليه السلام طريق الإمام الحسن عليه السلام نفسه أيضًا عشر سنوات ووصل المجتمع الإسلامي إلى حالة استطاع فيها ابن الرسول صلى الله عليه وآله وسلّم، وحفيد من أحفاده أن يستجيب لشهادة تبقى خالدة لآخر يوم في التاريخ؛ وتصبح منشأ المقاومة ومَعلَمها الكبير، كما أصبحت؛ وتحفظ الإسلام، كما حفظت؛ هذا ما فعله الإمام الحسن عليه السلام.
الإمام الحسن (عليه السلام) حفظ امجاد الإسلام
فيما يخصّ ما قام به الإمام الحسن عليه السلام نحن لا نتكلم أبدًا من منطق الدفاع[2]، أي أنَّه لماذا أجرى صلحًا؟ وما الأسباب التي دفعته إلى ذلك؟...
لو لم يجرِ صلحًا لتلقّى الإسلام ضربة بكل تأكيد؛ كانت الناس آنذاك لا تزال تجهل الكثير من الحقائق، إلى حد أن آلاف الأشخاص أو مئات الأشخاص من جنود الإمام الحسن عليه السلام كانوا حاضرين للتخلي عن القتال مع الشخص الذي قاتل مع الإمام علي عليه السلام.
لقد فعلت الدعايات المغرضة وإغداق الأموال والألاعيب السياسية فعلتها وأوجدت جوًّا سيئًا حيث أنَّه لو قام الإمام الحسن عليه السلام أثناءها لفقد روحه والثلّة المتبقية من أصحابه ولم يبق من الإسلام شيء. وبعد سنوات فإنّ اسم علي عليه السلام واسم الحسن عليه السلام واسم الحسين عليه السلام وأمجاد صدر الإسلام وكل تلك الحوادث المربيّة حتى لو بقيت في طيّات الكتب فلن تبقى طويلًا سالمة دون تحريف؛ هذا ما قام به الإمام الحسن عليه السلام.
خلاصة القول أنّ ما قام به الإمام الحسن عليه السلام مع ما قام به الإمام علي عليه السلام وما قام به الإمام الحسين عليه السلام وكذلك كلُّ الأئمة له مضمون واحد ومعنى واحد؛ وهو المقاومة ببصيرة واستقامة وفهم للتكليف.
أقول لكم أيها الأخوة والأخوات لقد قام الإمام الحسن عليه السلام بأكثر الأعمال شجاعة لأداء هذا التكليف، لماذا؟ ذلك لأنّ من كان يطعن بالأنبياء والرسول صلى الله عليه وآله وسلّم والإمام علي عليه السلام وسائر الأئمة هم الأعداء؛ بينما تشعّب عمل وظيفة الإمام الحسن عليه السلام ودقّة موقفه جعل حتى أصحابه يطعنون به. وكان أيضًا أصحابه من قبيل "الحجر بن عديين"[3] غير مدركين وكانوا ينادونه "يا مذلّ المؤمنين" ولكنه صبر.
أهمية الخواص أصحاب البصيرة
لقد توصّلت من خلال دراسة حوادث زمن الإمام المجتبى عليه السلام إلى هذه النتيجة، وهي أنّ الناس في ذاك الزمن لم يمتلكوا قدرة التحليل السياسي. يعني أنّ أشخاصًا- كعمار ياسر ومالك الأشتر الذين كانوا يسدّون مثل هذا الفراغ في عهد أمير المؤمنين عليه السلام -لم يكونوا موجودين في زمن الإمام الحسن، فأمير المؤمنين عليه السلام لم يكن ينفّذ كل الأمور، فذاك الإمام الجليل كان أحد طرفي النزاع ولم يكن باستطاعته التحدّث عن نفسه باستمرار.
كان شخص مثل عمار ياسر موجودًا، حيث كان دوره مميّزًا في زمن أمير المؤمنين عليه السلام. وحيثما وُجدت معضلة سياسية في عقول الناس كان عمار حاضرًا.
في زمن الإمام الحسن عليه السلام كان في عداد جيشه شخص مثل عبيد الله بن عباس كان النقيض له موجودًا في جيش أمير المؤمنين عليه السلام مثل عمار ياسر ومالك الأشتر.
كان عبيد الله بن عباس قد ترك جيشًا من ثلاثمائة ألف جندي والتجأ ليلًا إلى معسكر معاوية. فعندما يقوم قائد جيش بهكذا فعل، ماذا سيحلُّ بهذا الجيش!![4]
كان قيس بن سعد أحد الشخصيات البارزة في جيش الإمام الحسن عليه السلام، وقد لعب دورًا مهمًا في قضية عبيد الله بن عباس.
وقف قيس أمام عساكر جيش الإمام عليه السلام وشرح قضية هروب عبيد الله بن عباس، شرح المسألة بدقة وبراعة حتى قال الجنود "الحمد لله أنّه رحل"! وكأنّ رحيله جاء متأخرًا وكان ينبغي عليه الذهاب في وقت مبكر أكثر. هذا هو دور التحليل السياسي! كان الوضع جيدا خلال الفترة التي وجد فيها أمثال قيس بن سعد في جبهة الامام الحسن عليه السلام. وبعد غياب هذه الثلّة بقي الإمام عليه السلام وحيدًا، وهذه الوحدة أثّرت على تاريخ الإسلام، إنَّ حادثة صلح الإمام الحسن عليه السلام هي إحدى الحوادث المرة في تاريخ الإسلام. وباعتقادي أنّ الإمام الحسن عليه السلام هو الأكثر مظلوميّة.(14/4/1992).
الاستقامة والبصيرة – بتصرّف يسير، مقتطف من كلمات سماحة الإمام القائد السيد علي الخامنئي (دام ظله) حول البصيرة والاستقامة
[1] صدر بيت لطرفة بن العبد
[2] أي ان الصلح وما يتعلق به مقطوع لدينا ولا شك به. (المعرب)
[3] كناية عن الصحابة الذين كانوا معه كأمثال الصحابي حجر بن عدي.
[4] يستطرد الامام الخامنئي هنا قائلًا: لقد رأينا نموذجًا عنه في الحرب المفروضة أيضًا. حيث أنّه في صباح أحد الأيام سمعنا صوت إحدى الشخصيات الإيرانية المشهورة يتحدث من إذاعة العراق قائلًا أننا رحلنا! أنظروا ما الذي يحلُّ بمعسكر يكون قائده على هذه الشاكلة ؟!.
في ذکری میلاد الامام الحسن المجتبی
النبي (صلى الله عليه وآله) والإمام الحسن (عليه السلام) ومستقبل الأمة
الرسول الأعظم محمد (صلى الله عليه وآله) هو ذلك الشخص الذي يتحمل مسؤولية هداية ورعاية الأمة، ومسؤولية تبليغ وحماية مستقبل الرسالة، ثم وضع الضمانات التي لا بد منها في هذا المجال..
وهو (صلى الله عليه وآله) المطّلع عن طريق الوحي على ما ينتظر هذا الوليد الجديد، الإمام الحسن (عليه السلام) من دَور قيادي هام على هذا الصعيد.. كما أنه (صلى الله عليه وآله) مأمور بأن يساهم هو شخصياً، وبما هو ممثل للإرادة الإلهية بالإعداد لهذا الدور، سواء فيما يرتبط ببناء شخصية هذا الوليد اليافع، ليكون الإنسان الكامل الذي يمتلك الصفات الإنسانية المتميزة، أو فيما يرتبط ببنائه بناء فذّاً يتناسب مع المهام الجسام، التي يؤهل للاضطلاع بها على صعيد هداية ورعاية وقيادة الأمة.
وإذا كانت هذه المهام هي ـ تقريباً ـ نفس المهام التي كان يضطلع بها الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله).. فإن من الطبيعي أن تتجلى في شخصية من يخلفه نفس الصفات والمؤهلات التي كانت للشخصية النبوية المباركة..
وهكذا.. فإنه يتّضح المراد من قوله فإن قوله (صلى الله عليه وآله) للإمام الحسن (عليه السلام): أشبهت خَلْقي وَخُلُقي.. فأما شبهه له في الخلق، فذلك أمر واقع، كما عن أبي جحيفة[1] وأما شبهه له في الخُلُق فلا بد أن يعتبر وسام الجدارة والاستحقاق لذلك المنصب الإلهي، الذي هو وراثة وخلافة النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله)، ثم وصيه علي بن أبي طالب عليه الصلاة والسلام.
نعم.. لابد من ذلك، سواء بالنسبة لما يرتبط بشخصية ذلك الوليد.. أو بالنسبة إلى خلق المناخ النفسي الملائم لدى الأمة، التي يفترض فيها أن لا تستسلم لمحاولات الابتزاز لحقها المشروع في الاحتفاظ بقيادتها الإلهية، التي فرضها الله تعالى لها.. أو على الأقل أن لا تتأثر بعمليات التمويه والتشويه، وحتى الإعدام والنسف للمنطلقات والركائز، التي تقوم عليها رؤيتها العقائدية والسياسية، التي يعمل الإسلام على تعميقها وترسيخها في ضمير الأمة ووجدانها..
ومن هنا.. نعرف السر والهدف الذي يرمي إليه النبي (صلى الله عليه وآله) في تأكيداته المتكررة، تصريحاً، أو تلويحاً على ذلك الدور الذي ينتظر الإمام الحسن وأخاه (عليهما السلام)، وإلى المهمات الجلّى التي يتم إعدادهما لها، حتى ليصرح بأنهما (عليهما السلام): إمامان قاما أو قعدا[2] كما أنه يقول لهما: أنتما الإمامان، ولأمكما الشفاعة[3].
وفي مودة القربى أنه (صلى الله عليه وآله) قال للحسين (عليه السلام): « أنت سيد، ابن سيد، أخو سيد، وأنت إمام، ابن إمام، أخو إمام، وأنت حجة، ابن حجة، أخو حجة، وأنت أبو حجج تسعة، تاسعهم قائمهم»[4].
وفي حديث عنه (صلى الله عليه وآله) يقول فيه عن الإمام الحسن (عليه السلام): « وهو سيد شباب أهل الجنة، وحجة الله على الأمة، أمره أمري، وقوله قولي، من تبعه فإنه مني، ومن عصاه فإنه ليس مني الخ »[5] وثمة أحاديث أخرى تدل على إمامتهما، وإمامة التسعة من ذرية الحسين (عليه السلام): فلتراجع[6].
فكل ما تقدم إنما يعني: أن النبي (صلى الله عليه وآله) قد بث في الحسنين (عليهما السلام) من العلوم النافعة، والحكمة الساطعة، وربى فيهما من المؤهلات ما يكفي لأن يجعلهما، جديرين بمقام خلافته، وهداية الأمة بعده..
كما أننا نلاحظ حرصه (صلى الله عليه وآله) على ربط قضاياهما عقيدة وتشريعاً، وحتى عاطفياً ووجدانياً بنفسه (صلى الله عليه وآله) شخصياً، حتى ليقول لهما: أنما سلم لمن سالمتم، وحربٌ لمن حاربتم[7] والأحاديث بهذا المعنى كثيرة جداً لا مجال لاستقصائها.
وفي نص آخر عن أنس بن مالك قال: دخل الحسن على النبي (صلى الله عليه وآله)، فأردت أن أمطيه عنه، فقال (صلى الله عليه وآله): «ويحك ياأنس، دع ابني، وثمرة فؤادي، فإن من آذى هذا آذاني، ومن آذاني فقد آذى الله»[8].
بل إنه (صلى الله عليه وآله) ليخبر الناس بما يجري على الإمام الحسن (عليه السلام) بعده، فيقول حسبما روي: «إن ابني هذا سيد، وسيصلح الله على يديه بين فئتين عظيمتين»[9].
أما إخباراته (صلى الله عليه وآله) بما يجري على أخيه السبط الشهيد الإمام الحسين (عليه السلام)، فهي كثيرة أيضاً، وليس هنا موضع التعرض لها.
وبعد ذلك كله، فإننا نجده (صلى الله عليه وآله) يُقَبّل الإمام الحسن (عليه السلام) في فَمِه، يُقَبل الإمام الحسين (عليه السلام) في نحره، في إشارة صريحة منه إلى سبب استشهادهما (عليهما السلام)، واعلاماً منه عن تعاطفه معهما، وعن تأييده لهما في مواقفهما وقضاياهما..
هذا كله، بالإضافة الى كثير من النصوص التي تحدثت عن دور الأئمة وموقعهم بشكل عام، ككونهم باب حطة، وربانيي هذه الأمة، ومعادن العلم، وأحد الثقلين، بالإضافة الى الأحاديث التي تشير الى ما سوف يلاقونه من الأمة، وغير ذلك مما لا مجال لتتبعه واستقصائه..
وعلى كل حال.. فإن الشواهد على أن الرسول الأعظم، محمداً (صلى الله عليه وآله) كان يهتم في إعطاء الملامح الواضحة للركائز والمنطلقات، التي لا بد منها لتكوين الرؤية العقائدية والسياسية الصحيحة والكاملة، تجاه الدور الذي ينتظر السبطين الشهيدين صلوات الله وسلامه عليهما، والتي تمثل الضمانات الكافية، والحصانة القوية لضمير الأمة ضد كل تمويه او تشويه ـ هذه الشواهد ـ كثيرة جداً لا مجال لاستقصائها..
الحياة السياسية للإمام الحسن (عليه السلام)، العلامة المحقق السيد جعفر مرتضى العاملي (قدس سره)
[1] راجع: ذكر أخبار أصبهان ج 1 ص 291 وتاريخ الخلفاء ص 188 و 189 عن عبد الله ابن الزبير.
[2] أهل البيت، تأليف توفيق أبو علم ص 307 والارشاد للمفيد ص 220 ومجمع البيان ج 2 ص 453 وكشف الغمة للأربلي ج 2 ص 159 وروضة الواعظين ص 156، وحياة الحسن بن علي (عليه السلام) للقرشي ج 1 ص 42، والبحار ج 44 ص 2، وعلل الشرايع ج 1 ص 211، وإثبات الهداة ج 5 ص 142 و 137 و 135 والمناقب لابن شهر آشوب ج 3 ص 367 وعبر عنه بالخبر المشهور، وقال ص 394: « اجتمع أهل القبلة على أن النبي (صلى الله عليه وآله) قال الخ.. » وسيرة الأئمة الاثني عشر للحسني ج 1 ص 554 و 544 وقال: «بإجماع المحدثين».
[3] نزهة المجالس ج 2 ص 184 وحياة الحسن بن علي للقرشي ج 1 ص 42 عنه وعن الاتحاف بحب الاشراف ص 129 وإثبات الهداة ج 5 ص 52.
[4] ينابيع المودة ص 168 وراجع منهاج السنة لابن تيمية ج 4 ص 209 وإثبات الهداة ج5 ص 129 والبحار ج 36 ص 290 و 291 عن كفاية الأثر.
[5] فرائد السمطين ج 2 ص 35 وأمالي الصدوق ص 101 وحول ما يثبت إمامة الإمام الحسن (عليه السلام) راجع: ينابيع المودة ص 441 و 442 و 443 و 487 عن المناقب. وفرائد السمطين ج 2 ص 140 و 134 و 153 و 259 وفي هوامشه عن المصادر التالية: غاية المرام ص 39 وكفاية الأثر المطبوع في آخر الخرائج والجرائح ص 289 عيون أخبار الرضا باب 6 ص 32 والبحار ج 3 ص 303 و ج 36 ص 283 و ج 43 ص 248 وأمالي الصدوق ص 359 المجلس رقم 63.
[6] راجع: ينابيع المودة ص 369 و372 و373 و 374 حتى 399 وإثبات الهداة ج 5 ص 132.
[7] راجع سنن الترمذي ج 5 ص 699 وسنن ابن ماجة ج 1 ص 52 وينابيع المودة ص 165 عنهما و ص 230 و 261 و 370 عن جامع الأصول وغيره وروضة الواعظين ص 158 وذخائر العقبى ص 25، ومقتل الحسين للخوارزمي ج 1 ص 5 و 61 وترجمة الإمام الحسن لابن عساكر بتحقيق المحمودي ص 97 / 98 وترجمة الإمام الحسين لابن عساكر بتحقيق المحمودي ص 100 والصواعق المحرقة ص 142 وتهذيب تاريخ ابن عساكر ج 4 ص 211 وأُسد الغابة ج 5 ص 523 ومجمع الزوائد ج 9 ص 169، والمناقب للخوارزمي ص 91 و 211 ومستدرك الحاكم ج 3 ص 149 ومناقب الإمام علي لابن المغازلي ص 63 والبداية والنهاية ج 8 ص 205 وتايخ بغداد ج 7 ص 137 ومسند أحمد ج 1 ص 442 وفرائد السمطين ج 2 ص 38 و 40 وفي هامشه عن الرياض النضرة ج 2 ص 189 وعن المعجم الصغير للطبراني ج 2 ص 3 وعن المعجم الكبير ج 3 ص 30 ط 1 وعن سمط النجوم ج 2 ص 488، وفي بعض الهوامش الأخرى عن تهذيب الكمال.
[8] أهل البيت، تأليف توفيق أبو علم ص 274، وراجع سنن ابي ماجة ج 1 ص 51.
[9] أُسد الغابة ج 2 ص 13 والبدء والتاريخ ج 5 ص 238 ودلائل الإمامة ص 64 وسنن الترمذي ج 5 ص 658 وقال عنه: هذا حديث حسن صحيح، وتاريخ الخلفاء ص 188 وعن سنن أبي داود ص 219، و 520.
ولكن قد جاء في مصادر كثيرة التعبير بـ « فئتين من المسلمين » أو « من المؤمنين » ونحسب أنها من تزيد الرواة، من أجل هدف سياسي خاص هو إثبات الإيمان والإسلام للخارجين على إمام زمانهم. ولعل أول من زادها هو معاوية نفسه كما تدل عليه قصة ذكرها المسعودي، وفيها إشارة صريحة للهدف السياسي المشار إليه، قال في مروج الذهب ج 2 ص 430: إن معاوية حينما أتاه البشير بصلح الحسن كبّر، فسألته زوجته
صلح الإمام الحسن (عليه السلام): التقييم والنتائج
إن مراجعة بنود الصلح التي أفصح التاريخ عنها، تكشف بوضوح، عن مدى ما كان يتمتع به الإمام الحسن (عليه السلام) من دراية وحنكة، وقدرة على اتخاذ القرارات الصعبة، والتي يستطيع من خلالها أن يستفيد من عناصر الضعف، ويحولها إلى مواقع قوة، في مصلحة الدين والأمة، ذلك أنه على الرغم مما ابتلي به من تفكك في جيشه، وخيانة من قادته، وتذبذب وانهزام من أتباعه وأنصاره، فقد كان لا يزال يملك زمام المبادرة، حيث استطاع أن يفرض على معاوية شروطا هو الرابح فيها على كل حال، لأن معاوية قد أقر على نفسه بالبغي عليه وظلمه، سواء التزم ببنود الصلح أم لم يلتزم، إذ أقر على نفسه أنه ليس له أن يعهد بالأمر إلى أحد من بعده، بل يرجع الحق إلى أهله، ومعنى ذلك أنه قد اعترف بأنه ليس أهلا للخلافة أصلا. كما أن إلزامه بالعمل بسيرة الخلفاء الصالحين يكشف بالملازمة عن أنه لم يكن كذلك، أمام ملأ المسلمين، وخصوصا أهل الشام منهم.
وأما إذا لم يلتزم بالشروط المنصوص عليها، وهو ما حصل بالفعل، فإنه يكون قد فضح نفسه أمام جميع المسلمين، وأثبت من جديد أنه ليس أهلا لما زعمه من قدرة ودهاء، في السياسة كما اشتهر عنه، لأنه القادر في الحقيقة، على أن يصل إلى مبتغاه وغايته، من دون افتضاح ولا خيانة عهد، وقد أخذ على نفسه عهد الله وميثاقه على الوفاء بكل شرط شرطه الإمام الحسن (عليه السلام).
ثمة أمر آخر لا بد من الإشارة إليه، وهو أن الصلح قد أظهر بشكل جلي من هو أهل للقيادة فعلا، وهو الذي ينطلق من مبدأ الدين، وينتهي إلى أن يكون الدين غايته، مع الحفاظ على المتدينين، والخروج بأقل الخسائر، من معركة لم يكن ميزان القوى المادية لصالحه، هذا إن فرض في موقفه خسارة اصلا، وبين من يبحث على التسلط على رقاب الناس، ضاربا بأكل القيم الإنسانية، والمبادئ الإسلامية بعرض الجدار لأجل مصلحته الخاصة، وهو ما كشفه معاوية صريحا بعد إعلان الصلح، وانقلابه عليه حين صعد المنبر وقال لأهل العراق: "إني ما قاتلتكم لتصلوا أو لتصوموا وانكم لتفعلون ذلك، ولكن قاتلتكم لأتأمر عليكم وقد آتاني الله ذلك وأنتم له كارهون".
وفي المحصلة النهائية فإنه لولا صلح الحسن (عليه السلام)، لأمكن أن يظل معاوية مظهراً نفسه بمظهر الحريص على الدين وأهله أمام الناس، خصوصا بعد السيل الهائل من الأحاديث التي وضعت على لسان رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وما جرى عليه الخلفاء من قبله، من تصرفات كانت لصالحه، بحيث أعطته شرعية وقداسة في أذهان الناس، استمرت ما يزيد على العشرين عاما، خصوصا تلك التي تحرص على إظهاره من صحابة رسول الله (صلى الله عليه وآله)، معلنة عدالة كل صحابي وإيمانه وتقواه، وحجية رأيه مهما كان سلوكه مشينا، واعتقاده مهينا، والتي استفاد معاوية منها مدة طويلة.
وقد أسس هذا الصلح لإبطال بيعة يزيد في ما بعد، وعلى لسان معاوية نفسه، وهو الشرط الذي لم يبق لمعاوية أية مصداقية في نفوس الناس، بعدما نقض كافة الشروط الواردة في معاهدة الصلح، وهو ما أعطى ثورة الحسين (عليه السلام) الدفع القوي، والحجة الدامغة على جميع العابثين والمتربصين بهذا الدين من كل جانب.
ويمكن القول أنه لولا صلح الحسن مع معاوية، لما أمكن للحسين (عليه السلام) أن ينطلق بثورته المجيدة، ولو انطلق فعلا بدونه، لما أمكن لها أن تؤتي ثمارها المباركة، من إحياء الدين بعدما اندرست معالمه، وخفت نوره، والقضاء على ملك بني أمية، وفضح أكذوبتهم، وتزييف مقولتهم.
ذلك أن استمراره (عليه السلام) في القتال رغم ما حل به يعني لا محالة الدخول في المجهول، من دون أية ثمرة ترتجى، إذ لم يكن الناس مهيئين حتى ذلك الوقت لقبول أي تشكيك في سلوكيات من أعطى معاوية تلك الهالة والشرعية، وبالتالي ستكون النتيجة لصالح معاوية وحزبه، ولن تقوم للدين قائمة بعدها، لأنه سيتمكن حينها من تضليل الناس، على نحو لا خلاص منه مهما حاول المخلصون بعد ذلك أن يصححوا، إذ سيبدو أنه كان محقا، وأن الإمام (عليه السلام) باغ عليه، حيث إن منطق القوة والسيطرة هو السائد في أذهان الناس.
وهذا بخلاف المبادرة إلى إعلان الصلح بالشروط التي فرضها الإمام (عليه السلام)، فإنه أدى إلى فضح أكذوبته، كما تقدم، وهو ما سينعكس بالضرورة عند المنصفين، ويدعوهم إلى قراءة الفترة الماضية من جديد، بحيث تهتز ثقة الناس بجميع تصرفاتهم وأعمالهم، ويجعل من حالة النقد عليهم ورد آرائهم أمرا مقبولا ومنطقيا، وبذلك تتهيأ الظروف المناسبة للقيام بالحركة الحسينية فيما بعد وتأتي ثمارها المرجوة.
وهذا ما يفسر قوله (عليه السلام)، حين لامه بعض الناس على توقيع الصلح، فأجابهم بقوله: ويحكم ما تدرسون ما عملت، والله الذي عملت خير لشيعتي مما طلعت عليه الشمس أو غربت[1]...
وهو ما أكده الإمام الباقر (عليه السلام) في ما بعد، وكان ممن شهد وقعة كربلاء مع جده الحسين (عليه السلام)، قال: "والله الذي صنعه الحسن ابن علي (عليه السلام) كان خيرا لهذه الأمة مما طلعت عليه الشمس[2]".
وفي حديثه مع سدير، وقد بين فضائل الحسن (عليه السلام)، قال له سدير: كيف يكون بتلك المنزلة، وقد كان منه ما كان دفعها إلى معاوية؟ فقال (عليه السلام): أسكت، فإنه أعلم بما صنع، لولا ما صنع لكان أمر عظيم[3].
وقد أدرك معاوية، في ما بعد، حقيقة ما صنعه الإمام الحسن (عليه السلام) بصلحه هذا، ولهذا لم يقرر قراراً حتى عمد إلى سمه (عليه السلام) وقتله، بواسطة زوجته جعدى بنت الأشعث، ولولا ذلك لم يكن بحاجة إلى تسميمه بعدما حصل على ما يريد من الحصول على الخلافة بزعمه، خصوصا وأن الإمام (عليه السلام)، وهو المطلع على خفايا الأمور، قد علم بما ستقترفه يدا معاوية بحقه، فكان أن شرط عليه، أنه إن حدث للإمام الحسن شيء فالخلافة للحسين (عليه السلام) من بعده دون سواه.
وهكذا أطبق الإمام عليه كافة أبواب الدهاء والمكر، وألزمه لعنة ثابتة تلاحقه على مدى الأيام.
سماحة الشيخ حاتم اسماعيل
[1] بحار الأنوار، ج44، ص19
[2] المصدر نفسه، ص25
[3] بحار الأنوار, ج44, ص1
ردا على الإعلام الإسرائيلي.. حماس: لا تقدم في مفاوضات تبادل الأسرى
السنوار قال في مقابلة صحفية سابقة إن مشاورات صفقة تبادل الأسرى توقفت منذ بداية الأزمة السياسية بإسرائيل
نفت حركة المقاومة الإسلامية (حماس) اليوم الثلاثاء وجود أي تقدم نوعي في مفاوضات تبادل الأسرى عبر الوسطاء مع إسرائيل، وذلك ردا على ما نقلته وسائل إعلام إسرائيلية قبل بضعة أيام أن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو عقد الأسبوع الماضي اجتماعا خاصا واستثنائيا مع اللجنة الوزارية الخاصة بشؤون الأسرى والمفقودين الإسرائيليين لبحث احتمال إبرام صفقة لتبادل الأسرى.
ونقل الموقع الإلكتروني لحماس عن مصدر رسمي داخلها -لم يكشف عن نفسه- قوله إنه "في ظل حالة الضخ الإعلامي التي يمارسها المستوى السياسي الصهيوني وإعلامه الموجه نؤكد عدم وجود تقدم نوعي في مفاوضات التبادل عبر الوسطاء".
وشدد المصدر نفسه على أن الاحتلال يهدف من خلال هذه الحملة (الحديث عن تقدم بالمفاوضات) "إلى التملص من استحقاقات المبادرة التي طرحتها حماس، ولتضليل عائلات الأسرى الصهاينة، وللضغط على معنويات الأسرى الفلسطينيين وعوائلهم".
المصدر:الاناظول
بومبیو يحاول الهروب للأمام بعد فشل الحظر على ايران
كبار المسؤولين الأميركيين وفي مقدمتهم وزير الخارجية مايك بومبيو، يمضون قدما في العمل على تمديد حظر بيع الأسلحة لإيران، رغم انتهاك واشنطن لقرار مجلس الامن الرقم 2231، بانسحابها الاحادي من الاتفاق النووي مع ايران.
وجاءت محاولات الادارة الاميركية في هذا الاطار بعد التحركات الدبلوماسية الواسعة التي قامت بها ايران نتيجة تعرضها لوباء كورونا، فقد ركز الرئيس الايراني حسن روحاني ووزير الخارجية محمد جواد ظريف في الاتصالات التي أجراها مع نظرائهما في دول العالم على قضية تأثير اجراءات الحظر الظالم الذي تفرضه الولايات المتحدة على الجهود التي تبذلها السلطات الايرانية للحد من تبعات تفشي الفايروس.
وقد اثمرت الجهود الدبلوماسية التي بذلتها طهران في هذا الاطار عن تعاطف دولي كبير مع ايران بل أن بعض زعماء العالم وكبار المسؤولين في العديد من الدول نددوا بالحظر الأميركي على ايران، وفي نفس الوقت فان التحركات البدلوماسية الايرانية احرجت الادارة الاميركية، خاصة وأن بعض الدول وكان من بينها أصدقاء وحلفاء للولايات المتحدة طالبت واشنطن بإلغاء الحظر الذي تفرضه على ايران حتى ولو بشكل جزئي.
المسؤولون الاميركيون وفي مقدمتهم بومبيو طالما هربوا للامام مقابل التحركات الدبلوماسية الايرانية والدعوات الدولية، فبدل أن يستجيبوا لهذه المطالب او ينتهجوا سياسة منطقية تجاه ذلك، زعموا تارة أن ايران ترعى الارهاب، وتارة أخرى بأن ايران تهدد أمن المنطقة، وهي نفس المزاعم والادعاءات التي تسوقها واشنطن ضد طهران في تبرير انسحابها من الاتفاق النووي، وفي آخر خطوة من خطوات الهروب للامام أعلن بومبيو بأنه يسعى الى تمديد حظر بيع الأسلحة لايران.
وبما انه يعلم جيدا أن الذي يسعى لتحقيقه يتناقض كليا مع القوانين الدولية، فليس باستطاعة بومبيو مطالبة مجلس الامن الدولي بنقل الاتفاق النووي اليه واتخاذ القرارات بشأنه أو تفعيل آلية الزناد، لأن رئيسه دونالد ترامب وبلاده في الأساس انسحبت من هذا الاتفاق، لذلك اخترع لنفسه طريقة للخروج من هذا الانسداد القانوني فادعى أن بلاده لا تزال شريكة في الاتفاق وهي التي اقترحت وقدمت الاتفاق للمصادقة عليه!!.
ومعظم التوقعات تتجه نحو فشل بومبيو في مهمته من الناحية القانونية لانها تتعارض مع انسحاب بلاده من الاتفاق النووي، ولكن فيما لو نجح وقرر مجلس الأمن تمديد حظر شراء السلاح على ايران فماذا سيكون موقف طهران؟
أولا: لا ينبغي على مجلس الأمن الدولي تداول الموضوع فهو لا يستحق حتى عقد اجتماع من أجله، لأن المجلس وبمصادقته على الاتفاق النووي ألغى كافة أنواع الحظر ضد ايران الا ان واشنطن قامت بإعادة الحظر على ايران بعد الانسحاب من الاتفاق النووي وهددت جميع الدول بالمعاقبة اذا لم تلتزم بالحظر الاميركي.
ثانيا: من المتوقع أن تستخدم روسيا والصين وربما سائر أعضاء المجلس حق النقض ضد المشروع الاميركي، ليس لأن موسكو وبكين لديهما علاقات ممتازة مع ايران، بل ان مشروع بومبيو يتعارض مع الاتفاق النووي الذي صادق عليه مجلس الامن.
ثالثا: ايران لن تقف مكتوفة الايدي تجاه الخطوة الاميركية وتأييد مجلس الأمن الدولي لها، فقد أعلن الرئيس حسن روحاني العام الماضي أن ايران ستتخذ العديد من الخطوات فيما لو أحيل الاتفاق النووي لمجلس الأمن، من بينها ايقاف التعاون مع الدول الأوروبية.
وفي اطار ردود الفعل أيضا، اشارت وسائل اعلام ايرانية الى خيارات ايران في الرد على الخطوة الاميركية ولم تستبعد ان توقف طهران في الوهلة الأولى العمل بالبروتوكول الملحق لمعاهدة الحد من الانتشار النووي، فايران تنفذ البروتوكول طواعية رغم انها لم توقع بشكل رسمي عليه، أما للوهلة الثانية فإن بامكان ايران الانسحاب من الاتفاق النووي برمته.
لاشك أن الأمور لو وصلت الى هذه الدرجة فان المسؤول الأول عن ذلك هي الولايات المتحدة وكذلك الدول الأوروبية ومجلس الأمن الدولي، فبدل أن يقفوا بوجه واشنطن بسبب ممارساتها التي تعارض القانون الدولي ويوقفوها عند حدها ويمنعوها من التمادي وتجاهل المعاهدات والاتفاقيات الدولية فانهم حققوا رغبتها في فرض المزيد من الضغوط عل ايران رغم تخلي الادارة الاميركية عن الاتفاق النووي.
صالح القزويني
المصدر:العالم
إيّاك والكسب الحرام
نهى القرآن الكريم عن اتّباع الطرق غير المشروعة في الكسب نهياً شديداً، مثل أكل المال بالباطل، والرّبا، والظلم، والفساد... قال – تعالى -: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلاَّ أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ مِّنكُمْ﴾[1].
أمّا الأحاديث والروايات، فإنّها عدّت هذه الطرق من الكبائر، بل شبّهت بعضه، مثل: الاحتكار، والخيانة، والرّبا، بأقبح الذنوب، كالقتل، لأنّ هذه الأعمال تشلّ النشاط الاقتصاديّ للإنسان، وتسوقه إلى الهلاك التدريجيّ.
وللإمام الرضا عليه السلام كلامٌ طويلٌ، ذكر فيه ما حرّم الله تعالى منه: "... واجتنابُ الكبائرِ، وهي قَتلُ النَّفسِ التي حرَّمَ اللهُ تعالى، وأكلُ الرِّبا بَعدَ البيِّنَةِ، والبَخسُ فِي المكيالِ والميزانِ، والإسرافُ، والتَّبذيرُ، والخيانَةُ"[2].
ما هي عواقب أكل الحرام؟
1- تضييع الأعمال وعدم قبولها
قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "مَن أكَلَ حَراماً، لَم يَقبَلْ اللهُ مِنهُ صَرفاً ولا عَدلاً"[3].
2- يمنع استجابة الدعاء
قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "مَن أحبَّ أن يُستجابَ دُعاؤهُ، فليُطَيِّب مَطعَمَهُ ومَكسَبَهُ"[4].
3- يوجب لعنة الملائكة
قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "إذا وَقَعت اللُّقمَةُ مِن حرامٍ فِي جَوفِ العَبدِ، لَعَنَهُ كُلُّ مَلَكٍ فِي السَّماواتِ والأرضِ"[5].
4- الكفر والضلال
وخطاب الإمام الحسين عليه السلام يوم عاشوراء الذي وجّهه إلى عسكر عمر بن سعد، خيرُ دليلٍ على هذه الحقيقة، حيث قال عليه السلام: "فَقَدْ مُلِئتْ بُطونُكُم مِن الحرامِ، وطُبِعَ عَلَى قُلُوبِكُم، وَيْلَكُم ألا تنصتُونَ؟! ألا تسمعُونَ؟!"[6].
الإنسان والمجتمع، دار المعارف الإسلامية الثقافية
[1] سورة النساء، الآية 29.
[2] الصدوق، الشيخ محمّد بن عليّ بن بابويه، عيون أخبار الرضا عليه السلام، تصحيح الشيخ حسين الأعلميّ، مؤسّسة الأعلميّ للمطبوعات، لبنان - بيروت، 1404ه - 1984م، لا.ط، ج2، ص125.
[3] ابن فهد الحلّيّ، عدّة الداعي ونجاح الساعي، تصحيح أحمد الموحّديّ القمّيّ، مكتبة وجداني، إيران - قم، لا.ت، لا.ط، ص140.
[4] الحلّيّ، عدّة الداعي، مصدر سابق، ص128.
[5] العلّامة المجلسيّ، بحار الأنوار، مصدر سابق، ج63، ص314
[6] المصدر نفسه، ج45، ص8.
الامام الحسن المجتبی مُعِزّ المُؤْمِنين
شكّلتْ مدرسةُ أهلِ البيتِ (عليهم السلام) منبعاً صافياً لأتباعهم، ولا سيّما في عصر الغيبة؛ فمن مواقفِهم التي نقلَها لنا الرواةُ من أصحابهم تُستَخرجُ الخطوطُ العامة التي ترسمُ ملامحَ المجتمع، ولا سيّما عندما يكونُ للشيعة كيانُهم المستقلُّ، وعندما يتصدَّون بالفعل للمهامِّ والوظائفِ الواجبةِ واللازمةِ في ظلِّ قيادةِ العلماءِ؛ كالإمامِ الخمينيّ (قدّس سرّه).
ومن مفاصلِ السيرةِ التربويةِ للأئمّةِ (عليهم السلام) ما جرى معَ الإمامِ الحسنِ بنِ عليٍّ (عليهما السلام)، حيثُ آلتِ الأمورُ إلى إيقاعِ الصُلحِ المعروف، وفي هذا الصلحِ لا بدَّ من أنْ نلحظَ الآتي:
1- إنَّ هذا الصلحَ شكَّلَ مرحلةً جديدةً من مسيرةَ أهلِ البيت (عليهم السلام)، وهي في غايةِ الأهميّة مِن حيثُ النتائج. يتحدَّثُ الإمامُ الخامنئيُّ (حفظهُ الله) عمّا قامَ به الإمامُ الحسنُ بعد الصلح، قائلاً: «إنَّ الأمرَ جرى تنظيمُه بعد صلحِ الإمامِ الحسنِ المجتبى (عليه السلام) بذكاءٍ وحنكةٍ بنحوٍ لا يدخل فيه (عليه السلام) الإسلامُ والنّهضةُ الإسلاميّةُ في نفقِ الخلافةِ بما تحملُه من مواصفاتِ الملكيّة، وهذا كان فنَّ الإمامِ الحسنِ المجتبى (عليه السلام). فقد قام هذا الإمامُ بعملٍ جعلَ تيّارَ الإسلامِ الأصيلِ -الذي كانَ قدِ انطلقَ من مكّةَ ووصلَ إلى الحكومةِ الإسلاميّةِ وإلى زمنِ أميرِ المؤمنينَ، وإلى زمنِه هو- يسيرُ في مجرًى آخرَ، غايةَ الأمرِ أنّه، وإنْ لمْ يكنْ على شكلِ حكومةٍ؛ لأنّ ذلكَ لم يكنْ ممكناً، فعلى الأقلِّ جرى مرّةً أخرى على شكلِ نهضةٍ. كانت هذه المرحلةُ الثالثةُ للإسلام. مرّةٌ أخرى، نهض الإسلامُ، الإسلامُ الأصيلُ، الإسلامُ المقارعُ للظلمِ، الإسلامُ الّذي لا يُداهِنُ، الإسلامُ البعيدُ عن التحريفِ، والمنزّهُ من التحوّلِ إلى ألعوبةٍ تتقاذفُها الأهواءُ والنزوات. لقد بقيَ، ولكن بقيَ على شكلِ نهضةٍ».
2- إنّ هذا الصلحَ شكَّلَ درساً لضرورةِ أن يمتلكَ الناسُ الوعيَ السياسيَّ والبصيرةَ؛ لأنَّ من أهمِّ الأسبابِ التي جعلتِ الإمامَ (عليه السلام) يذهبُ باتجاهِ الصلحِ هو ضعفَ تحليلِ الوقائعِ السياسيّةِ لدى عامَّةِ الناس، يقولُ الإمامُ الخامنئيُّ: «لقد ذكرتُ كثيراً أنّه عندما تفتقدُ الأمّةُ القدرةُ على التحليل، فستُخدَعُ ويكونُ مصيرُها السقوط. إنّهم .. لم يكنْ لهم قدرةٌ على التحليل، ولم يتمكّنوا من فَهمِ تداعياتِ الأمورِ وما الذي يدورُ حولَهم».
3- إنَّ الزمنَ عندما يكونُ زمنَ فتنةٍ تختلطُ الأمورُ على الناس، فينجرفُ بعضُهم إلى المكانِ الخطأ، وهذا هو ما جرى في زمنِ الإمامِ الحسنِ (عليه السلام)، يقول الإمامُ الخامنئيُّ (دام ظله): «عندما تعلو غبرةُ الفتنِ الغليظة، نتذكّرُ عهدَ الإمامِ الحسنِ (عليه السلام)، وأنتم تعلمونَ ما الذي حدثَ آنذاك... فقد كان زمانُه زمانَ شبهةٍ وحربٍ مع الكفّارِ المقنّعين، مِن الذين يتمكّنونَ من تسخيرِ شعاراتِهم لأهدافِهم، لقدْ كانَ زماناً صعباً للغاية، ولم يكن هناك بدٌّ من الحذرِ فيه».
ففي أيّ زمانٍ مشابهٍ، حيث تعلو أصواتُ الفتنة التي تريدُ تقسيمَ المجتمع، وهي تحملُ شعاراتٍ جوفاءَ أو تستغِلُّ بعضَ المعاناةِ التي يعيشها الناسُ لتواجِهَ الحقّ، تظهرُ ضرورةُ أنْ يضعَ الإنسانَ الأهدافَ العليا أمامَه، وأنْ يتّسمَ بالبصيرةِ السياسيّةِ، وأنْ لا ينجرفُ إلى المكانِ الخطأ.
وآخرُ دعوانا أنِ الحمدُ للهِ ربِّ العالمين
نيويورك تايمز": الأوروبيون فقدوا الإيمان بالقيادة الأميركية للعالم
الكاتب: كاترين بنهولد
المصدر: نيويورك تايمز
وباء كورونا يهز الافتراضات الأساسية حول استثنائية الولايات المتحدة. ربما تكون هذه هي الأزمة العالمية الأولى منذ أكثر من قرن حيث لا أحد يبحث عن واشنطن كي تتولى القيادة العالمية.
كتبت مراسلة صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية في برلين تحقيقاً تناول كيف يرى الأوروبيون تأثير أزمة فيروس كورونا على صورة الولايات المتحدة وقيادتها العالمية. والآتي ترجمة نص التحقيق:
في الوقت الذي انتشرت فيه صور عنابر المستشفيات المكتظة وطوابير العاطلين عن العمل في أميركا، في جميع أنحاء العالم، ينظر الناس على الجانب الأوروبي من المحيط الأطلسي إلى أغنى وأقوى دولة في العالم بعدم الثقة.
وقال هنريك إندرلين، رئيس جامعة هيرتي التي تتخذ من برلين مقراً لها وتركز على السياسة العامة: "عندما يرى الناس هذه الصور لمدينة نيويورك يقولون: "كيف يمكن أن يحدث هذا؟ كيف يكون ذلك ممكناً؟. كلنا فوجئنا. انظر إلى طوابير البطالة. اثنان وعشرون مليون شخص".
وقال تيموثي غارتون آش، وهو أستاذ التاريخ الأوروبي في جامعة أكسفورد وهو أطلسي متحمس: "أشعر بحزن ويأس".
لقد أدى الوباء الذي يجتاح العالم إلى أكثر من مجرد إزهاق الأرواح وسبل العيش من نيودلهي إلى نيويورك. إنه يهز الافتراضات الأساسية حول الاستثنائية الأميركية - الدور الخاص الذي لعبته الولايات المتحدة لعقود بعد الحرب العالمية الثانية كانعكاس لقيمها وقوتها جعلتها رائدة عالمية ومثالاً للعالم.
واليوم يقودها الوباء بطريقة مختلفة: تم تشخيص أكثر من 840000 أميركي مصاب بـفيروس كورونا وتوفي منهم 46464 على الأقل، أكثر من أي مكان آخر في العالم.
ومع ظهور الكارثة، لا يتجادل الرئيس دونالد ترامب وحكام الولايات حول ما يجب فعله فحسب، بل أيضاً حول من لديه السلطة للقيام بذلك. أثار ترامب احتجاجات ضد إجراءات السلامة التي حض عليها المستشارون العلميون، وحقائق مشوهة حول الفيروس ورد الحكومة بشكل شبه يومي، واستخدم هذا الأسبوع الفيروس لوقف إصدار بطاقات الإقامة الخضراء للأشخاص الذين يسعون للهجرة إلى الولايات المتحدة.
وقال دومينيك مويزي، وهو عالم سياسي وكبير المستشارين في معهد مونتين ومقره باريس: "إن أميركا لم تكن سيئة، بل كانت سيئة للغاية". وأشار مويزي إلى أن الوباء قد كشف عن نقاط القوة والضعف في كل مجتمع تقريباً. لقد أثبت قوة الدولة الصينية الاستبدادية ومنعها لنشر المعلومات لأنها فرضت إغلاقاً في مدينة ووهان. لقد أظهرت قيمة الثقة العميقة لألمانيا وروحها الجماعية، حتى مع التأكيد على إحجام الدولة عن التقدم بقوة وقيادة أوروبا.
وفي الولايات المتحدة، كشف الوباء عن نقطتي ضعف كبيرتين، في نظر العديد من الأوروبيين، ضاعفتا بعضهما البعض: القيادة غير المنتظمة للرئيس ترامب، الذي لديه خبرة قليلة وكثيراً ما رفض اتباع نصيحة مستشاريه العلميين، وغياب نظام قوي للرعاية الصحية العامة وشبكة أمان اجتماعي.
قال مويزي: "أميركا استعدت لنوع خاطئ من الحرب. لقد أعدت لهجمات 11 / 9 جديدة، ولكن بدلاً من ذلك جاء فيروس". ويطرح سؤالاً: "هل أصبح لدى أميركا النوع الخطأ من السلطة مع النوع الخاطئ من الأولويات؟".
منذ أن انتقل ترامب إلى البيت الأبيض وحول "أميركا أولاً" إلى شعار إرشادي لإدارته، كان على الأوروبيين أن يعتادوا على رغبة الرئيس غير الرسمية في المخاطرة بتحالفات استمرت عقوداً طويلة وبتمزيق الاتفاقات الدولية. في وقت مبكر، وصف ترامب حلف الناتو بأنه "عفا عليه الزمن" وسحب دعم الولايات المتحدة من اتفاقية باريس بشأن المناخ والاتفاق النووي الإيراني.
ولكن ربما تكون هذه هي الأزمة العالمية الأولى منذ أكثر من قرن حيث لا أحد يتطلع إلى الولايات المتحدة لقيادة العالم.
في برلين، قال وزير الخارجية الألماني هيكو ماس لمجلة دير شبيغل أخيراً إن الصين اتخذت "إجراءات استبدادية للغاية، بينما تم التقليل من أهمية الفيروس في الولايات المتحدة لفترة طويلة". وأضاف: "هذان طرفان متطرفان، ولا يمكن لأي منهما أن يكون نموذجاً لأوروبا".
لقد قصت أميركا ذات مرة قصة أمل، وليس فقط للأميركيين. فقد عرف الألمان الغربيون مثل السيد ماس، الذي نشأ على الخط الأمامي للحرب الباردة ، تلك القصة عن ظهر قلب، وآخرون كثيرون في العالم صدقوها. لكن بعد ما يقرب من ثلاثة عقود، قصة أميركا في مشكلة.
الدولة التي ساعدت في هزيمة الفاشية في أوروبا قبل 75 سنة الشهر المقبل، ودافعت عن الديمقراطية في القارة في العقود التالية، تقوم بحماية مواطنيها بطريقة أسوأ من العديد من الأوتوقراطيات والديمقراطيات.
هناك مفارقة خاصة: أصبحت ألمانيا وكوريا الجنوبية، وهما منتجا القيادة الأميركية المستنيرة في فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية، مثالان قويان على أفضل الممارسات في أزمة فيروس كورونا.
لكن النقاد يرون الآن أن أميركا تفشل ليس فقط في قيادة استجابة العالم، ولكن أيضاً تخلت عن شعبها.
وقال ريكاردو هاوسمان، مدير مختبر النمو في مركز التنمية الدولية بجامعة هارفارد: "لا توجد قيادة عالمية ولا قيادة وطنية ولا قيادة فدرالية في الولايات المتحدة. إلى حد ما هذا هو فشل قيادة الولايات المتحدة في الولايات المتحدة".
بالطبع، بعض الدول في أوروبا أغرقها الوباء، حيث كان عدد القتلى نتيجة فيروس كورونا أعلى بكثير كنسبة مئوية من السكان في إيطاليا وإسبانيا وفرنسا مقارنة بالولايات المتحدة. ولكن تم ضربها في وقت أقرب وكان لديهم وقت أقل للاستعداد والتفاعل.
والتناقض بين كيفية استجابة الولايات المتحدة وألمانيا للفيروس لافت للنظر بشكل خاص. وفي حين تم انتقاد المستشارة أنجيلا ميركل لعدم قيامها بدور قيادي قوي بما فيه الكفاية في أوروبا، يتم الإشادة بألمانيا لاستجابتها المنظمة للوباء، على الأقل بالمعايير الغربية، وذلك بفضل نظام رعاية صحية عام قوي، ولكن أيضاً استراتيجية اختبار جماعي وقيادة سياسية موثوقة وفعالة.
فعلت السيدة ميركل ما لم يفعله السيد ترامب. لقد كانت واضحة وصادقة بشأن المخاطر مع الناخبين وسريعة في ردها. لقد حشدت جميع حكام الولايات الـ16 خلفها. هي عالمة فيزياء مدربة، اتبعت النصائح العلمية وتعلمت من أفضل الممارسات في أماكن أخرى.
منذ وقت ليس ببعيد، اعتبرت السيدة ميركل قوة سياسية مستهلكة، بعد أن أعلنت أن هذه ستكون ولايتها الأخيرة. الآن بلغت معدلات تأييدها 80 في المائة.
قال غارتون آش: "لديها عقل عالمة وقلب ابنة القس".
وبسبب تعجله لإعادة ترشيد الاقتصاد في سنة انتخابية، عين ترامب لجنة من رجال الأعمال التنفيذيين لرسم مسار الخروج من الإغلاق.
تود ميركل، مثلها مثل الجميع، أن تجد مخرجاً أيضاً، لكنها حذرت الألمان هذا الأسبوع من توخي الحذر. إنها تستمع إلى نصيحة لجنة متعددة التخصصات من 26 أكاديمياً من الأكاديمية الوطنية للعلوم في ألمانيا. لا تضم اللجنة خبراء طبيين واقتصاديين فحسب، بل تشمل كذلك علماء النفس السلوكي وخبراء التعليم وعلماء الاجتماع والفلاسفة والخبراء الدستوريين.
وقال رئيس الأكاديمية جيرالد هاوج، الذي يرأس اللجنة الألمانية: "إنك بحاجة إلى نهج شامل تجاه هذه الأزمة. سياسيونا يحصلون على ذلك".
اعتاد هوغ، عالم المناخ، على إجراء الأبحاث في جامعة كولومبيا في نيويورك. وقال إن الولايات المتحدة لديها بعض من أفضل وألمع العقول في العالم في مجال العلوم. وأوضح أن الاختلاف هو أنه لم يتم الاستماع إليهم. وأضاف "إنها مأساة".
وحذر البعض من أن التاريخ النهائي لكيفية أداء البلدان بعد الوباء لا يزال بعيداً جداً عن الكتابة.
وقال غارتون آش، أستاذ التاريخ، إن الوباء هو نوع محدد للغاية من اختبارات الإجهاد للأنظمة السياسية. لم يتغير ميزان القوة العسكرية على الإطلاق. لا تزال الولايات المتحدة أكبر اقتصاد في العالم. ولم يكن من الواضح تماماً ما هي المنطقة العالمية الأكثر استعداداً لبدء النمو بعد الركود العميق. وأضاف: "ستواجه جميع اقتصاداتنا اختباراً رهيباً. لا أحد يعرف من سيخرج أقوى في النهاية".
كتب بنجامين حداد، وهو باحث فرنسي في المجلس الأطلسي، أنه بينما كان الوباء يختبر القيادة الأميركية، فإن "من السابق لأوانه معرفة" ما إذا كان سيحدث أضراراً طويلة المدى. وقال حداد: "من المحتمل أن تلجأ الولايات المتحدة إلى موارد غير متوقعة، وفي الوقت نفسه تجد شكلاً من أشكال الوحدة الوطنية في سياستها الخارجية فيما يتعلق بالمنافسة الاستراتيجية مع الصين، والتي كانت تفتقر إليها حتى الآن".
وأشار مويزي إلى أن هناك ورقة جامدة أخرى على المدى القصير. تجري الولايات المتحدة انتخابات في تشرين الثاني / نوفمبر المقبل. وقد يؤثر ذلك، وأيضاً عواقب الأزمة الاقتصادية الأعمق منذ ثلاثينيات القرن الماضي، على مسار التاريخ. فقد أدى الكساد الكبير إلى ظهور أميركا الجديدة. ورأى مويزي أن فيروس كورونا قد يقود الولايات المتحدة إلى تبني شبكة أمان عام أقوى وتطوير توافق وطني حول الرعاية الصحية التي يسهل الوصول إليها.
وقال مويزي: "الأنظمة الديمقراطية الاجتماعية في أوروبا ليست أكثر إنسانية فحسب، بل إنها تجعلنا أكثر استعداداً وملاءمة للتعامل مع أزمة كهذه من النظام الرأسمالي الأكثر وحشية في الولايات المتحدة".
قد يخشى البعض أن الأزمة الحالية يمكن أن تعمل كمسرع للتاريخ، مما يسرع من تراجع نفوذ كل من الولايات المتحدة وأوروبا.
قال مويزي: "في وقت ما في عام 2021 سنخرج من هذه الأزمة وسنكون في عام 2030. سيكون هناك المزيد من آسيا في العالم وأقل من الغرب".
وقال غارتون آش إن الولايات المتحدة يجب أن تأخذ عبرة عاجلة من سلسلة طويلة من الإمبراطوريات التي صعدت وسقطت. وأضاف: "بالنسبة للمؤرخ، لا شيء جديد، هذا ما يحدث. إنها قصة مألوفة للغاية في تاريخ العالم أنه بعد فترة معينة من الوقت تنخفض القوة". وأوضح: "أنت تراكم المشاكل، ولأنك لاعب قوي، يمكنك تحمل هذه الاختلالات لفترة طويلة. حتى يحدث شيء ما ولا يمكنك بعد ذلك".
ترجمة بتصرف: هيثم مزاحم
كلمة الإمام الخامنئي (دام ظلّه) في جلسة الأنس بالقرآن
كلمة الإمام الخامنئي (دام ظلّه) في جلسة الأنس بالقرآن_25-4-2020
بسم الله الرحمن الرحيم (1)
والحمد لله ربّ العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله الطاهرين، ولعنة الله على أعدائهم أجمعين.
تهنئة كل مسلمي العالم بحلول شهر رمضان
أتقدم بجزيل الشكر للأخوة الأعزاء الذين أعدّوا ونظّموا هذا البرنامج وأسعدونا اليوم بتلاوة الآيات القرآنية الكريمة؛ كذلك أشكر من صميم القلب كل القرّاء المحترمين الذين قدّموا التلاوات اليوم، لقد استمتعنا حقًّا، واستفدنا، وانتفعنا من هذه التلاوات، كذلك أشكر المذيع المحترم الذي أدار الجلسة بشكل جيد.
أولًا، أبارك لجميع الذين يسمعون هذا الحديث وجميع الإخوة المسلمين في جميع أنحاء العالم حلول شهر رمضان المبارك، وأرجو أن يوفقنا الله لأداء حق هذا الشهر. إنّه شهر القرآن؛ وفي الآية الكريمة من القرآن، عندما يذكر اسم شهر رمضان، يذكر: «الذي أُنزِلَ فیهِ القُرآن»(2). هذه ميزة مهمة جدًّا لهذا الشهر العزيز والشريف.
سعادة الدنيا والآخرة رهن بالعمل بالقرآن الكريم
لقد دوّنتُ بعض الأفكار، لكي أتحدّث حول القرآن، ولكن ليس هناك وقت كافٍ، هناك القليل من الوقت؛ سأطرحها باختصار. لطالما تحدّثنا عن القرآن مرارًا، وسمعنا تكرارًا أن القرآن هو كتاب الحياة. وهذه هي حقيقة الأمر أيضًا: القرآن كتاب الحياة. إذا طابق البشر قواعد الحياة مع القرآن، فسيحظون بسعادة الدنيا والآخرة. مشكلتنا هي أننا لا نقوم بهذا العمل؛ مشكلتنا هي أننا لا نطابق الحياة مع قواعد القرآن؛ مثلنا كشخص يذهب إلى الطبيب ويأخذ وصفة طبيّة، لكنه لا يتّبع هذه الوصفة. لن يكون لهذه الزيارة إلى الطبيب نفع بدون العمل بالوصفة الطبية؛ هذا هو وضعنا اليوم.
القرآن كتاب العلم والمعرفة، وهو قانون للحياة أيضًا
القرآن هو كتاب العلم والمعرفة، أي إنه يروي القلب والعقل البشري- القرآن بالنسبة لأولئك الذين هم أهل معرفة وحب تعلم هو ينبوع لا ينفد- ولكن بالإضافة إلى ذلك، القرآن قانون الحياة أيضًا؛ بالإضافة إلى البعد المعرفي وكسب المعرفة، القرآن لديه تعليمات عملية للحياة؛ أي إنه يقوم بعمارة الحياة، يمنح الحياة أمانًا وسلامًا وراحة. «يهدي به الله من اتبع رضوانه سبل السلام» (3). يدلّ الإنسان على طرق السلامة، طرق الأمان وطرق الطمأنينة والسكينة في الحياة. لطالما كان البشر وعلى مر التاريخ، يعانون القمع والتمييز والحرب وانعدام الأمن وسحق القيم، واليوم هم كذلك أيضًا؛ القرآن هو سبيل علاج كل هذا. إذا عملنا بالقرآن، ستُحلّ كل هذه المشاكل. أي إن المجتمعات البشرية إذا اتّبعت التعليمات العملية للقرآن - التي سأعرض بعضها باختصار وبقدر الوقت المتبقي – ستنجو من كل هذه المشاكل. في ظاهر القرآن هذا، هناك الآلاف من قواعد الحياة. قال أمير المؤمنين: «إن القرآن ظاهره أنيق وباطنه عميق» (4)، أنيق يعني رائع وجميل. إن ظاهر القرآن رائع وجميل؛ بالنسبة لمن هم من أهل النظرة الجمالية، فإن القرآن فريد من نوعه في جماله وروعته، لكن باطنه عميق كذلك.
تعاليم القرآن العملية للحياة:
1) عدم جعل الحياة الدنيا محورًا
هذه الأمور التي أقول إنها موجودة في القرآن وهي درس في الحياة، تتعلق بظاهر القرآن؛ إنها ترتبط بما أفهمه أنا العبد وأمثالي من القرآن؛ وإلّا فإن ما يفهمه الكمّل من أهل التوحيد والراسخون في العلم من القرآن، ما يفهمه أولياء الله هو بواطن القرآن وبحر القرآن العميق، فإن القرآن أعمق بكثير من هذه الكلمات؛ ما أقوله هو، إن هذه الآلاف من قوانين الحياة هي من الأشياء التي نستفيدها من ظاهر القرآن.
حسنًا، هذه الأشياء العملية: بعضها يتعلق بتنظيم قواعد الحياة؛ على سبيل المثال، خذوا مثلا «فَمِنَ النّاسِ مَن یَقولُ رَبَّنا آتِنا في الدُّنیا وما لَه في الآخِرَةِ مِن خَلاق»(5)؛ فالبعض يحصرون جميع قواعد الحياة البشرية والمحبة والصداقات والعداوات والعلاقات والأهداف والدوافع في أمور الدنيا؛ ماذا تعني الدنيا؟ تعني المال، تعني السلطة، تعني الشهوة؛ هذا هو المراد من الدنيا هنا. فصداقتهم لهذه الغايات، عداوتهم لهذه الغايات، تواصلهم وعلاقاتهم لهذه الغايات، سعيهم لهذه الغايات، أهدافهم لهذه الغايات؛ وهذا ما يرفضه الله سبحانه وتعالى. يرفض بناء قاعدة كهذه للحياة؛ «وما لَه في الآخِرَةِ مِن خَلاق». هؤلاء سيحصلون على أشياء في هذه الحياة الدنيوية - في هذه الحياة المؤقتة والقصيرة -، ولكن في الحياة الأصلية والحقيقية والأخروية حيث حياة الإنسان هناك؛ لا يملكون شيئًا، لا نصيب لهم فيها، ولا ينتفعون منها.
2) الغاية الحقيقية للحياة؛ في جمع الدنيا والآخرة
ولكن في مقابل هذا، يوجد قاعدة أخرى للحياة: «ومنهم من يقول ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار»(6)؛ وهذه هي قاعدة البناء الثانية. أي أولئك الذين يسعون إلى حسنة الدنيا وإلى أي شيء؛ "آتنا في الدنيا" لا يقولون أعطنا كذا؛ لكن من الواضح أنه يريد الدنيا، ولكن هذا القول "آتنا في الدنيا حسنة" يعني أعطنا الأشياء الحسنة في الدنيا؛ الأشياء التي تتوافق مع فطرة الإنسان، والتي تنسجم مع حاجات الإنسان الحقيقية؛ "وفي الآخرة حسنة"؛ إنهم يسعون وراء الآخرة أيضًا، "وقنا عذاب النار"(7)؛ هناك أشخاص يوفقهم الله تعالى لنيل مقاصد الحياة الحقيقية. وهناك مجموعة آيات من هذا القبيل؛ حيث تحدد قواعد الحياة. أو افرضوا، على سبيل المثال، في آية متعلقة بعقلاء بني إسرائيل حيث إن البعض منهم كانوا ينصحون قارون ويقولون له: «وابتغ فيما آتاك الله الدار الآخرة ولا تنس نصيبك من الدنيا وأحسن كما أحسن الله إليك»(8). لم يقولوا لقارون تخلّص من كل ما لديك؛ بل قالوا له اجعل ما لديك وسيلة. إن مال الدنيا وثروتها وسيلة، وسيلة للوصول إلى المراتب البشرية والإنسانية السامية، وسيلة للوصول إلى المراتب المعنوية؛ يمكن أن تكون وسيلة. يمكنكم إعمار العالم بالمال، وإنقاذ حياة البشر، والقضاء على التمييز، وإخراج الفقراء والضعفاء من الفقر والضعف. «وابتغ فيما آتاك الله الدار الآخرة»؛ أولًا، كل مالك وما لديك هو ممّا "آتاك الله"، أعطاه الله لك؛ وثانيًا، الغاية منه هو أن تنفقه في سبيل الله "ولا تنس نصيبك من الدنيا"، وليس المقصود أن لا يكون لك حظ ونصيب منه؛ بل لديك حصة منه، فاستفد من حصتك أيضًا. "وأحسن كما أحسن الله إليك"؛ التفتوا، هذه هي قاعدة الحياة التي حدّدها الإسلام لنا. بعكس ما كان يتصوره عديم العقل ذلك؛ قارون ذو الثراء الفاحش كان يقول: «إنما أوتيته على علم»(9)؛ أنا استطعت أن أحصل عليه بنفسي، حصلت عليه بذكائي؛ لكن لم يكن الواقع كذلك؛ فالله تعالى هو من سخّر الوسائل، وهو استطاع أن يحصل عليها. لذلك فإن بعض آيات القرآن على هذا النحو، ولدينا الكثير من قبيل هذه الآيات التي تحدّد قواعد الحياة.
3) تنظيم العلاقات الاجتماعية
هناك بعض الآيات تتعلق بتنظيم العلاقات الاجتماعية؛ وهذه التعاليم العملية تتعلق بالعلاقات الاجتماعية. خذوا مثلًا: "ولا یَغتَب بَعضُكُم بَعضًا"(10)؛ لا تغتابوا؛ هذا الأمر ينظم العلاقات الاجتماعية. عندما تغتابون، فإنكم تلوّثون قلوبكم، وتلوّثون قلوب مخاطبيكم، وتفضحون الحقيقة المخفية لأخ مؤمن، وأخت مؤمنة، من دون سبب أمام هذا وذاك؛ وهذا أمر خاطئ وغير صحيح. وقد يفعل هو أيضًا الشيء نفسه لكم. هذا العمل، يخرج الحياة والعلاقات الاجتماعية عن انتظامها السليم.
4) مراعاة العدل والإنصاف، حتى مع المخالفين والأعداء
أو افرضوا مثلًا حين يقول: «لا يجرمنّكم شنآنُ قومٍ على ألّا تعدلوا»(11)؛ إذا اختلفت مع شخص ما، كنت على عداوة مع شخص ما، فلا ينبغي أن يجعلك ذلك غير منصف له، وتكون ظالمًا وغير عادل. التفتوا، هذا قانون عملي. نعم، قد تختلفون مع شخص ما، ولكن في الأمور التي يكون الحق معه فينبغي ألّا يجعلكم هذا تخفون الحق أو تضيّعون ذلك الحق، ولا تنصفونه بسبب مخالفتكم له. لاحظوا في المجتمعات، بل حتى في مجتمعنا - كي لا نذهب بعيدًا- إذا عملنا بهذه الآية مع أولئك الذين يخالفوننا، أي أن نكون منصفين معهم، وهم أيضًا يكونوا منصفين معنا، تخيلّوا كيف سيكون وضع المجتمع مناسبًا وجيدًا.
5) تجنب نشر الشائعات والأكاذيب
أو افرضوا مثلًا: «لا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ»(12)؛ لقد قلت إنّه يوجد - مثل هذه الآيات في القرآن - الآلاف من التعاليم القرآنية؛ «لا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ»؛ لا تسعَ وراء الشيء الذي ليس عندك يقين به؛ لا تثق بما أنت لا تتيقن منه. تتصرّف الصحافة السائدة في العالم الآن بعكس هذا تمامًا؛ أي إنهم يقومون عبثًا بنشر الشائعات، ينشرون الأكاذيب، وهم غير مطّلعين عليها، وليس لديهم علم بها. للأسف، هناك بعض هذه الأشياء موجودة داخل مجتمعنا أيضًا. وهذه النقطة في الآية الكريمة هي بالضبط عكس ما يحدث في العالم اليوم. إذا قمنا بتنفيذ هذا الأمر فإن جزءًا كبيرًا من مشاكلنا سوف يُحَلُّ.
6) عدم الثقة بالظالمين
أو قوله تعالى «لا تركنوا إلى الذين ظلموا»(13)؛ لا تثقوا بالمستبد، بالظالم، ولا تميلوا نحوه - «الركون» يعني الميل إليه والتوجه نحوه والوثوق به - لا تثقوا بالإنسان الظالم. فنتيجة الثقة بالظالم هي ما ترونه حاليًّا؛ حيث الدول الإسلامية والجماعات الإسلامية تثق بأظلم الظالمين وأشدّ المستبدين في العالم، وهم يرون نتائجها وترونها أيضًا.
7) عدم خيانة الأمانة
أو آية: «اقسطوا إن الله يحب المقسطين»(14)؛ أقيموا العدل، لقد أُمرنا بالقسط والعدل والإنصاف في جميع أمور الحياة؛ أو قوله: «لا تخونوا الله والرسول وتخونوا أماناتكم»(15)؛ لا تخونوا الأمانة. الأمانة لا تعني الأمانة في المال الذي وضعتموه عندي فقط؛ فالمنصب والمسؤولية التي منحتموني إياها هما أمانة أيضًا. فإذا لم أعمل بهذه الأمانة بشكل صحيح، أكون قد خنت الأمانة. لاحظوا ما سيحصل لو أننا تقيّدنا بهذا الأمر فقط. فلذلك ما يقدّمه القرآن لنا هو عبارة عن تعليمات عملية.
8) الصمود وعدم الخوف من الأعداء
أو مثلًا: «فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ»(16) والتي هي تتمة لآية «إِنَّمَا ذَٰلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ»(17)، حيث جاؤوا وقالوا لهم "إنهم يتآمرون عليكم، فاخشوهم"، يخوّفون [المسلمين]. القرآن يقول كلّا، لا تخافوا منهم، بل خافوا مني؛ اعبدوا الله تعالى، ثقوا بالله، واصمدوا في وجه العدو فيمكنكم أن تهزموا العدو.
هذا الذي يخوّف الناس من الظالمين والذي يقول للإنسان اخشَ هذا وخَفْ من ذاك، اخشوا من هذه القوى وتماشوا معها، هو بنفسه شيطان! وما نشاهده على مرّ التاريخ هناك أشخاص خافوا من هذه القوى، وبذلك ابتلوا بامتحانات صعبة ومريرة في حياتهم. اليوم القوى الإسلامية، الدول الإسلامية تراعي القوى المستبدة، يخافون منهم ويتعامون عن قوة أنفسهم؛ ونتيجة ذلك فإنهم يحصدون المذلّة.
الإمام (رضوان الله تعالى عليه) علّمنا جميعًا عدم الخوف من القوة المستبدة، أنا لا أنسى في العام 58 (هجريًّا ــ شمسيًّا) [١٩٨٠ ميلاديًّا] عندما اعتقل شبابنا الجواسيس الأمريكيين، وأيضًا استولوا على وكر الجاسوسية الأمريكية (السفارة الأمريكية)، ضغط البعض على مجلس قيادة الثورة لكي يفرجوا عنهم، ذهبت أنا والمرحوم الشيخ هاشمي الرفسنجاني وبني صدر، نحن الثلاثة من مجلس قيادة الثورة ذهبنا إلى قم؛ في تلك الفترة كان الإمام في قم؛ ذهبنا إلى الإمام لنسأله عمّا علينا فعله. أخبرناه بما يحدث وبأنهم يضغطون علينا لكي نفرج عنهم بأسرع وقت؛ فالتفت الإمام إلينا وقال: هل تخافون من أمريكا؟ فأجبته أنا كلا لا نخاف، فقال إذًا، لا داعي لأن يفرجوا عنهم! وهكذا كان واقع الحال؛ فلو أن أحدًا خاف من أمريكا وراعى ذلك، لكان سيعكس نتائج سلبية ومرّة على البلد في ذلك اليوم. نحن قد شاهدنا الحالات التي كانت تخاف فيها الحكومات والسلطات في بلدنا من العدو، وكيف كان هذا الخوف يسبب لهم الكثير من المشاكل. القرآن يقول: «فلا تخافوهم وخافونِ»(18)؛ «خافونِ» يعني بأن تراعوا قراراتي؛ هناك حيث قال الله تعالى جاهِدوا، فجاهِدوا؛ وحيث قال توقّفوا، توقّفوا؛ هذا هو معنى "خافونِ".
9) إقامة الصلاة عنوان للذكر الإلهي
وأيضًا آية: «أقِم الصلوة لِذكري»(19)؛ والآن بمناسبة شهر رمضان التفتوا إلى هذه النقطة أيضا «وأقِم الصلوة لِذكري»؛ هذه أحد التعاليم العملية. الصلاة هي للذِّكر، للتذكُّر؛ حافظوا على الصلاة من أجل ذِكر الله.
اليوم إذا ما عملنا جميعنا بهذا الأمر، فيما يتعلق فينا نحن، وكلنا نستطيع أن نعمل بهذا؛ أن نؤدي الصلاة بتركيز، وأن لا نجول بقلبنا إلى مكان آخر أثناء الصلاة، وأن نصلي من أجل ذِكر الله تعالى، فباليقين سيترك هذا تأثيرات كبيرة في ارتقائنا وتكاملنا الروحي؛ وكذلك: «يا أيّها الذين آمنوا توبوا إلى الله توبةً نصوحًا»(20) فهذه الأيام، هي أيام التوبة، أيام الاستغفار، أيام العودة إلى الله.
أرجو من الله تعالى بأن يوفّق جميع أفراد شعبنا وجميع أفراد المسلمين لأن يتمكنوا من القيام بواجبات شهر رمضان، والواجبات الإسلامية. بأن نعمل بالقرآن؛ هذه التعاليم القرآنية، هذه الآلاف من التعاليم القرآنية العملية العملانية، أي إنّها قابلة للعمل؛ طبعًا الحكومات تتحمّل مسؤوليات أكثر، القوى الحاكمة في البلد ومديرو المجتمع عليهم مسؤوليات أكثر.
على ما يبدو لقد انتهى الوقت؛ أظن الآن أنه قد حان وقت الأذان؛ لذلك سأختم حديثي. أنا مسرور كثيرًا؛ كان لقاءً جيدًا جدًّا اليوم، أجدد شكري لكل من ساهم في هذا العمل.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الهوامش:
1- في بداية هذه المراسم - التي عقدت عبر تقنيّة الاتصال المتلفز - قام عدد من القرّاء بتلاوة آيات من القرآن الكريم وإنشاد الأشعار والمدائح.
- 2 سورة البقرة، جزء من الآية 185.
-3 سورة المائدة، جزء من الآية 16.
-4 نهج البلاغة، الخطبة 18.
-5 سورة البقرة، جزء من الآية 200.
-6 سورة البقرة، الآية 201.
-7 سورة البقرة، جزء من الآية 201.
-8 سورة القصص، جزء من الآية 77.
-9 سورة القصص، جزء من الآية 78.
-10 سورة الحجرات، جزء من الآية 12.
-11 سورة المائدة، جزء من الآية 8.
-12 سورة الإسراء، جزء من الآية 36.
-13 سورة هود، جزء من الآية 113.
-14 سورة الحجرات، جزء من الآية 9.
-15 سورة الأنفال، جزء من الآية 27.
-16 سورة آل عمران، جزء من الآية 175.
-17 سورة آل عمران، جزء من الآية 175.
-18 سورة آل عمران، جزء من الآية 175.
-19 سورة طه، جزء من الآية 14.