
emamian
حفظ الصراط المستقيم
لقد تكررت موضوعات كثيرة في القرآن الكريم. على سبيل المثال مسألة "الشيطان" كعدو دائم.. ومسائل من قبيل: الكفار، الأعداء، والأعمال التي قاموا بها ومواجهتهم للأنبياء؛ هي مسائل تكررت كثيرًا. وليس هذا التكرار دون غرض وجيه. وإذا لم يكن هناك نقطة استثنائية مهمة فلا يحصل كل هذا التكرار فيها. ينبغي علينا أن نبحث عن هذه الامور: أنه ما هو الشيء الأكثر أهمية في حياتنا فنجده ونفكر به ونتعرف عليه ونسعى إليه.
إن مسألة "اهدنا الصراط المستقيم" التي نكررها في الصلاة خاصة مع الالتفات إلى التأكيد الموجود في السورة على هذا الموضوع أمر مهم جدًا. ووجه ذلك وسببه، هو أن حفظ الصراط المستقيم في حياة البشر في الأساس مسألة مهمة واقعًا. بالطبع ليس الكلام هنا حول الشخص الذي أضاع الطريق منذ البداية أو أنه لم يجده – وهو محل حديث الآية، ولن أتعرض له- إلا أن من ظفر بطريق الهداية هو دائمًا في معرض الانحراف عن هذا الطريق خلال الأربعين سنة أو الخمسين أو الستين أو الثمانين سنة! وهذه خسارة ما بعدها خسارة! افرضوا أنكم بعد سعي وجهد حثيث قد وجدتم من بين العديد من العناوين والخطوط خطًا مستقيمًا نحو الهدف الذي هو بالنسبة إليكم في غاية الأهمية، وتصوروا احتمال الوقوع في الضياع والضلالة عند كل خطوة عند السعي وحين العمل. يستدعي هذا الهاجس أن يقوم الإنسان دائما باتخاذ تدابير معينة، وهذه هي مسألة حفظ الصراط المستقيم.
... الإستقامة! لها معنى سهلٌ وممتنع أيضًا. تبدو سهلة ويمكن فهمها بالنظرة الأولى، ولكن عند التأمل ودقة النظر نرى عمق معناها؛ كما أن تحديدها وتشخيصها إلى حد ما صعب؛ وكذلك إن رعايتها في العمل أمر هام جدا.
إذا ما استقمتم ستشملكم الهداية. الاستقامة تعني وتد القدم ورسوخها في الاستمرار والسير في الطريق المستقيم. أن نقول "اهدنا الصراط المستقيم" مع التأكيد والتشديد. انظروا إلى بداية السورة "بسم الله الرحمن الرحيم" فهي معرفة من المعارف. بالطبع، قصة "بسم الله" قصة مهمة لأن الاسم هنا ليس بمعنى ذلك الشيء الذي نفهمه من معنى الاسم. الاسم يعني المظهر؛ جيد، إن لذات الباري المقدس مظاهر متعددة للتجلي، فهو يتجلى أحيانًا باسم الرحمانية –والتعبير هنا بالطبع من ضيق الخناق- ويطلق"الرحمان" بهذا الاعتبار على الذات المقدسة للخالق؛ وكذلك تتجلى الذات المقدسة للخالق بتجلي آخر وهو "الرازقية" وبهذا الاعتبار فالذات المقدسة للرب هو الرزاق "هو الرزاق ذو القوة المتين". أحيانًا لا يكون البحث في صفات الذات أو صفات الفعل بل البحث هو ذات المقدس الخالق. عندما يريدون طرحه والبحث فيه فهو "الله" الاسم، ومشهور بين العلماء بأن الاسماء المقدسة للخالق هي اسم الإسم. والإسم يعني هو ذلك الظهور والتجلي الخاص الذي هو للذات المقدسة للإله بحيث يبيّن هذا التجلي بتعبير كلمة "الله" أو كلمة "الرحمن" أو "الرحيم". وهذه اسم الإسم.
إذا فالإسم هو ذلك الظهور وذلك التجلي. عندما تقولون "بسم الله"، فهذه الباء هي باء الاستعانة. وبرأيي هي ليست باء السببية وذلك الشيء الذي ذكروه لها. الــ"باء" هي بمعنى الالتصاق والتعلق بذات الرب المقدس - ولعل كلمة استعانة ليست صحيحة أيضًا- فكل عالم الوجود متعلق به ومرتبط وقائم به، ومستند إلى ذاته المقدسة حيث "لو امتنع عن القيام بالعالم لزال وفسد" . هذه هي باء "بسم الله"! لذلك ورد في الروايات أن كل "بسم الله" قد جمعت في بائها، لأنه لولا الباء لن يكون لذلك التعلق والالتصاق والارتباط معنىً. "بسم الله الرحمن الرحيم" هو نفسه ذكر. وليس مقدمة أذكار أخرى ليتصور الإنسان أنه مقدمة لذكرٍ غيره - أي بالاستعانة باسمك أبدأ بهذا العمل- لا، فهو نفسه ذكر مستقل! ففي بعض وصايا الأذكار يوصون بــ "بسم الله الرحمن الرحيم" كذكر .. إذا فـ "بسم الله الرحمن الرحيم" هو شرح وعرض لمعرفة، بيان لمعرفة من المعارف الإلهية العظيمة، ثم "الحمد لله رب العالمين"، "الرحمن الرحيم" و"مالك يوم الدين"، كلها من هذا القبيل.
بداية طلبنا وحاجتنا من إله العالم في أول القرآن - في سورة الحمد- من كلمة "إياك نعبد وإياك نستعين"، وفيها معارف عظيمة جدًا. وقد ورد في التعبير أن المصداق الكبير للاستعانة، هو ما يأتي في الآية الثانية "اهدنا الصراط المستقيم". فكأن كل هذه المقدمات هي مقدمة لهذه العبارة "اهدنا الصراط المستقيم". ثم يوضح الصراط المستقيم فيقول "صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين" ما هو الصراط المستقيم؟ إنه الصراط الذي أنعمه على أشخاص.
حسن، لقد أنعم الله على الكثير من الناس. يقول تعالى: "فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين" ]النساء/69[. فالله تعالى أنعم على النبيين والصديقين والشهداء والصالحين. وفي مكان آخر يقول: "يا بني إسرائيل اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم وأني فضلتكم على العالمين" ]البقرة: 122.47[. فالله تعالى أنعم على بني إسرائيل وهذا التعبير "يا بني اسرائيل اذكروا نعمتي" ورد مرتان في سورة البقرة؛ وهناك غيره أيضًا، حيث جاء في شخص "إذ يقول للذي أنعم الله عليه وأنعمت عليه أمسك عليك زوجك واتق الله" هو زيد بن الحارث. بالطبع فإن إنعام الله تعالى على الأشخاص لا يبين شيئًا يمكن للإنسان بواسطته أن يفهم معنى "الصراط المستقيم". لذلك يقال بيننا - نحن طلاب الحوزة- أنه جعل له قيدًا احترازيًا.
في آية: "صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم" فهؤلاء "الذين أنعمت عليهم" الذين ليسوا موردًا للغضب؛ وتعبير "غير المغضوب عليهم" صفة أولى لـ "الذين أنعمت عليهم"؛ وهي صفة فئة من الناس الذين أنعمت عليهم –وانا أطلب منك أن تجعلني على طريقهم- هي "غير المغضوب عليهم". مثلما أن بني إسرائيل قد وقعوا موردًا للغضب؛ "غضب الله عليهم" التي وردت في القرآن. "ولا الضالين" ولا من الذين ضلوا. لا يكفي أن يكون الله قد أنعم على شخص. ينبغي أن لا يكون الذي أنعم الله عليه موردًا للغضب الإلهي ولا من الضالين ايضا.
حسن؛ من هم الذين غضب الله عليهم؟ جاء في الروايات أنهم بنو إسرائيل؛ فهم الذين وقعوا مورد "أنعمت عليهم" وكذلك "المغضوب عليهم" ولا يريد الله سبحانه منا أن نسلك سبيلهم. كما أن المراد من "الضالين" أيضا النصارى؛ وقد صرَّح القرآن أنهم ضلوا.
وعليه؛ فلدينا من بين موارد "الذين أنعمت عليهم" مورد غضب أيضًا. وكذلك لدينا منهم موارد ضلال. متى أصبح الذين "أنعمت عليهم" مورد غضب الباري؟ لم يكن هؤلاء في البداية من المغضوب عليهم؛ لكن فيما بعد أصبحوا موردَ الغضب. ما الذي حدث حتى أصبحوا كذلك؟ هذا هو عدم الاستقامة؛ عدم المراقبة وعدم الدقة! أنه نتيجة تلك المواقف التي تحرف طريق الإنسان دون أن يشعر وتضله ويرتكب المحذور. على سبيل المثال، لنفترض بعض الوقائع التي حصلت مع النبي موسى عليه السلام مثل خرق القانون في قضية يوم السبت أو لجاجة أصحابه أو كثرة إراقتهم لدماء الأنبياء "وقتلهم الأنبياء بغير حق"(النساء:155)! بالطبع هذه الأمور حصلت تدريجيًا؛ ولم يحصل أي منها في البداية [بنحو دفعي[ لم يكن الأمر بهذا النحو.
الاستقامة والبصيرة، مقتطف من كلمات سماحة الإمام القائد السيد علي الخامنئي (دام ظله) حول البصيرة والاستقامة
المصدر:شبکه المعارف الاسلامیه
أية انعكاسات لانسحاب واشنطن من معاهدة "الأجواء المفتوحة"؟
انسحاب الولايات المتحدة من اتفاقية الأجواء المفتوحة يُبرز إلى الواجهة ضرورات أمنية إضافية لدى كلٍ من واشنطن، وموسكو وبروكسل. مخاطر جديدة تُضاف إلى سابقاتها وتُصيب جهود بناء الثقة بين القوى الكُبرى في الصميم. فكيف ستتأثّر كل واحدة من هذه القوى بالقرار الأميركي؟
انسحابٌ أميركي جديد من معاهدة دولية. خبرٌ لم يعد غريباً على مُتابعي النَسَق الأميركي المُرتبط بإدارة الرئيس دونالد ترامب وأسلوبه تجاه العلاقات الخارجية، وقضايا الأمن القومي. المعاهدة هذه المرة لم تكن سوى اتفاقية "الأجواء المفتوحة" المُبرَمة مع روسيا و32 دولة أغلبها منضوية في حلف شمال الأطلسي "الناتو" (بالإضافة إلى قرغيزيا التي وقّعت الاتفاقية ولم تصادق عليها)، والتي أعلن ترامب قرار انسحاب بلاده منها في 21 أيار/مايو، وقد مرّ على توقيعها 18 عاماً، لتُضاف إلى معاهدتين أخريين قرّر ترامب الانسحاب منهما منذ استلامه مقاليد الحُكم في عام 2016 (انسحب ترامب من الاتفاق النووي الذي أبرم مع إيران في 2015، ومن معاهدة الصواريخ النووية متوسّطة المدى مع روسيا التي تعود إلى 1988). بالإضافة إلى انسحابه من اتفاقية باريس للمناخ، وهي واحدة من الاتفاقيات التي لها أثر حاسم على البيئة العالمية بصورةٍ مباشرة، وعلى الأمن العالمي الذي يتزايد الترابُط بينه وبين قضايا البيئة بشدّة.
ويزيد هذا الانسحاب من مخاطر تفكيك قواعد الأمن المُتّفق عليها بين الولايات المتحدة والقوى الغربية من جهة، وروسيا من جهةٍ ثانية، مع ما يتضمّنه ذلك من تهديدات للأمن الأوروبي بالدرجة الأولى، والأمن العالمي عبر الأطلسي تالياً.
الذريعة الأميركية أرادها ترامب أن تكون على شكل عدم وفاء موسكو بالالتزامات التي تنصّ عليها الاتفاقية، ما يُضفي تهديداً جديداً على حال التزام واشنطن بمعاهدة "ستارت" الجديدة للحد من كمية الصواريخ النووية لدى كلٍ من البلدين. وهذا إن أضيف إلى تصريحات وزير الخارجية الصيني الأخيرة التي تتحدَّث عن نشوب حرب بارِدة بين بلاده والولايات المتحدة، ستكون له مفاعيل ومخاطر أخرى، غير تلك التي تظهر حتى الآن.
فالبيئة الاستراتيجية بين القوى الكُبرى تتحرّك بسرعةٍ، على وَقْع خطواتٍ أحادية الجانب، أغلبها يسبق بها ترامب القوى الأخرى، فتردّ هذه الأخيرة بإجراءاتٍ مُقابلة، الأمر الذي باتت له انعكاساتٌ ملموسة وشديدة على الثقة بقدرة القوى الكبرى على حفظ الأمن الدولي، من باب حفظ العلاقات المُشتركة بينها، فضلاً عن قُدرتها على إدارة نظامٍ عالمي يشكّل ضمانةً أمنية للقوى الأقلّ شأناً.
وتسير هذه الأحداث في مجرى أكثر اتّساعاً يتضمّن أزماتٍ عالمية بالغة الخطورة، ليس أقلّها انتشار فايروس "كوفيد19" وتهديده حياة ملايين البشر، وضربه لقُدرات الدول الاقتصادية، بمُوازاة أزمة مالية عالمية باتت تؤْرِق المُتابعين وقادة الرأي وصانعي السياسة عبر العالم كله.
ما هي اتفاقية الأجواء المفتوحة؟
إن اتفاقية "الأجواء المفتوحة" بين روسيا والولايات المتحدة و32 دولة أخرى، تسمح لجيوش البلدان الموقّعة عليها بتنفيذ عدد مُحدّد من الرحلات الاستطلاعية فوق بلدٍ عضو آخر بعد وقتٍ قصيرٍ من إبلاغه بالأمر (72 ساعة). على أن تتم مشاركة المعلومات التي يتم جمعها من إحدى الدول الأعضاء مع بقية الدول، مثل تحرّكات القوات والتدريبات العسكرية ونشر الصواريخ.
ويمكن لهذه الجيوش من خلال طائراتها مسح الأراضي تحتها، وجمع المعلومات والصوَر للمنشآت والأنشطة العسكرية. وذلك بهدف تمكين الجيوش في هذه البلدان من معرفة معلومات أكثر عن جيوش الدول الأخرى الشريكة في الاتفاقية، الأمر الذي يفترض به أن يُقلّل من احتمالات المواجهة بينها.
لكن هذا الهدف الكامن خلف فكرة الاتفاقية لا يبدو سهل التحقّق. فالدول المُتنافِسة بطبيعة دورها وحجمها واستعداداتها العسكرية، يمكن أن تستخدم مضامين الاتفاقية من أجل الإطلاع على مكامن ضعف الدول الأخرى، وبالتالي التجهّز للإستجابة لها في استعداداتها العسكرية المستقبلية، على قاعدة غياب الثقة المُتزايد بين هذه الدول. فالولايات المتحدة تعتقد بأن روسيا لا تسمح برحلات جوية أميركية، فوق المناطق التي تعتقد واشنطن أن موسكو تنشر فيها أسلحة نووية متوسّطة المدى وقد تشكّل تهديداً لدول الاتحاد الأوروبي. وفي المقابل، تشكو روسيا من الأمر نفسه لدى الولايات المتحدة، فيما تبدو الدول الأوروبية أكثر الأطراف تأثّراً بانعكاسات الخلل في التطبيق، وفجوات الثقة بين العملاقين المُتنافسين تاريخياً في الحرب الباردة السابقة.
ترامب يُريد لعب "الغولف" بهدوء
وفي الوقت الذي تعتبر فيه روسيا أن انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاقية يشكّل ضربةً قاسية للأمن الأوروبي، فإن وزارة الدفاع الأميركية ترى أن روسيا "تنتهك بشكل صارخ ومتواصل التزاماتها" الواردة في الاتفاقية، وأنها تطبّق المعاهدة "بأساليب تساهم في تهديد الولايات المتحدة والحلفاء والشركاء عسكرياً".
وترامب الذي يريد لعب "الغولف" بهدوء، أزعجه تحليق طائرة روسية فوقه أثناء مُمارسة هواياته، بحسب ما أوردته صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية عقب إعلانه عن قراره، حيث تمّت الطلعة الجوية الروسية بموجب الاتفاقية فوق منتجعه للغولف في "بيدمينستر" في نيوجيرسي قبل ثلاث سنوات.
الحزب الديمقراطي الأميركي المستعدّ دائماً لالتقاط هفوات ترامب الاستراتيجية بسرعةٍ يرى في الخطوة الأخيرة "هديةً" للرئيس الروسي فلاديمير بوتين، على أساس أنها تُسهم بإبعاد واشنطن عن حلفائها الأوروبيين، وتدفعهم إلى ضرورة التوافق مع موسكو لضمان أمنهم.
والمعاهدة التي اقترحها لأول مرة الرئيس الأميركي الأسبق دوايت أيزنهاور عام 1955، كان المُراد منها تخفيف توتّرات الحرب الباردة، وبناء قاعدة من الثقة بين قطبيّ العالم آنذاك. لكن توقيعها لم يتم إلا عام 1992 بعد انهيار الاتحاد السوفياتي السابق، لتدخل حيّز التنفيذ في عام 2002.
أهميّة المعاهدة للدول المختلفة
لقد تمّ التوقيع على معاهدة "الأجواء المفتوحة" قبل ظهور تقنية التصوير بالأقمار الصناعية المتقدّمة التي تعدّ حاليًا الوضع المفضّل لجمع المعلومات الاستخبارية. ومع ذلك، توفر طائرات المراقبة معلومات أساسية لايزال يتعذّر جمعها بواسطة أجهزة استشعار الأقمارالصناعية، مثل بيانات التصوير الحراري، كما يوضح تقرير في مجلة "إيكونوميست".
وتبرز استفادة دول الاتحاد الأوروبي من شراكتها الاستراتيجية مع الولايات المتحدة بمعزل عن هذه الاتفاقية، نظراً لأن واشنطن تملك بنية تحتية عسكرية فضائية واسعة النطاق ومتفوقة، الأمر الذي يزيد من حاجة الأوروبيين لبيانات الأقمار الصناعية السرية، والتي سيكون من الصعب الحصول عليها مقارنة بسجلات مراقبة اتفاقية "الأجواء المفتوحة" التي تجب مشاركتها مع جميع الأعضاء الآخرين.
ويمكن أن يؤثر انسحاب روسيا بالمقابل- رداً على الانسحاب الأميركي- سلباً على الأوروبيين، الذين يعتمدون على بيانات الاتفاقية لتتبّع تحرّكات القوات الروسية في منطقة البلطيق. وهذا ما أشار إليه قادة ديمقراطيون كبار حين تحدّثوا عن "هدية ترامب لبوتين" في الرسالة التي وجّهوها إلى بومبيو ووزير الدفاع مارك إسبر.
أما واشنطن نفسها، فقد استفادت من هذه المعاهدة بحسب تقرير "إيكونوميست" بدرجةٍ عالية، حيث قام جيشها بنحو 201 مهمة مراقبة فوق روسيا وحليفتها روسيا البيضاء. بالإضافة إلى طلعات كثيرة فوق أوكرانيا منذ عام 2014 الذي شهد اندلاع النزاع فيها، والذي كان لروسيا وحلفائها الأوكرانيين دور كبير فيه. هذه الاستفادة تبقى حاضرة في بال القادة الأميركيين في المستقبل. فوزير الخارجية مايك بومبيو أكّد عقب إعلان الانسحاب أن بلاده ستعيد النظر في قرارها، إذا أظهرت روسيا عودة إلى الامتثال الكامل لمضامين الاتفاقية.
موقف روسيا
تبدو روسيا مُتحفّظةً بعض الشيء في التعاطي مع القرار الأميركي الجديد. لكن تقديرها لانعكاساته عليها لا بد من أن يأخذ بالحسبان أنه سيلقي بلائمة الأوروبيين على واشنطن، الأمر الذي قد يزيد من الشقاق المُتّسع في الآونة الأخيرة بين القوى الأوروبية الرئيسة وأميركا. خصوصاً وأن الجماعات اليمينية واليسارية في أوروبا تبدو في بحثٍ دائمٍ عن أسباب جديدة تستطيع من خلالها إقناع الرأي العام الأوروبي بضرورة بلورة شخصية أوروبية مستقلّة عن الأميركيين في مختلف الشؤون، بما فيها مسائل الأمن القومي.
ولأن التدابير التي تسمح بها هذه الاتفاقية لم تعد فائقة الأهمية من الناحية الأمنية (بعد تطوّر تقنيات الأقمار الصناعية وبسبب محدودّية الطلعات التي تسمح بها لكل واحدة من الدول الأعضاء)، فإن جانبها المتعلّق ببناء الثقة بات أكثر أهمية من ذي قبل. ومع ذلك فإن مفاعيل الاتفاقية كانت مهمة جداً بالنسبة إلى الأوروبيين خلال الأزمة الأوكرانية. وهذا ما يمكن رؤيته من جانب روسيا على أنه نقطة إيجابية يمكن الاستفادة منها من جرّاء انسحاب واشنطن أحادي الجانب، خصوصاً وأن التطوّر التقني في الأقمار الصناعية بات يشكّل مساراً مهماً من مسارات العمل الحثيث لدى الجيش الروسي وقوى الاستخبارات هناك، الأمر الذي يشير إلى خياراتٍ واسعةٍ من البدائل لدى موسكو عن فوائد البقاء ضمن "الأجواء المفتوحة".
ولطالما رفضت روسيا تزايد القيود على رحلاتها بموجب المعاهدة، والتي تهدف بالأساس إلى الحد من حركتها فوق مناطق النزاعات؛ وبالمقابل فإن الأميركيين وحلفاءهم الأوروبيين يسعون بصورةٍ مُتزايدة إلى تطويق روسيا من خلال توسّع حلف شمال الأطلسي. وفي وقتٍ يشكّك فيه أحد الأطراف في الائتلاف الحاكم في ألمانيا بوجود أسلحة نووية أميركية في أوروبا، فإن تمسّك الأوروبيين بالمعاهدة، بعد انسحاب الولايات المتحدة منها سيدفع بالكرملين إلى الخروج منها أيضاً.
وفي الواقع، حاول العديد من الدول الأوروبية إنقاذ الاتفاقية من خلال معالجة قضايا الامتثال بزيادة نشاط اللجنة الاستشارية للمعاهدة. لكن ذلك لم يفلح في حماية الإطار الذي لا يزالون يرون فيه ضماناً إضافياً لأمنهم الذي تتزايد التهديدات المُحْدِقة فيه، مع تزايُد حدّة المُنافسة بين القوى الكبرى على الأسواق والموارد والتوسّع الجيوسياسي، والنَهم إلى النفوذ والسيطرة العابرة للقارات. وهذه التنافُسية الحادّة لم يبدُ في الآونة الأخيرة أنها تقيم اعتباراً لرأي الأوروبيين بالدرجة المرغوب بها.
ولا يبدو أن هناك أفقاً واضحاً لما يمكن للأوروبيين القيام به لإقناع روسيا بالبقاء في إطار المعاهدة، بعد انسحاب الولايات المتحدة منها. ومع ذلك، فإن محاولاتهم قد تتركّز على التواصل مع روسيا البيضاء لمحاولة إقناعها بالبقاء، كون هذه الأخيرة كانت قد تقدّمت بطلب للحصول على حصص مستقلّة (عن حصّة روسيا) وفاعلة من الطلعات الجوية التي تتيحها الاتفاقية. فعلى الرغم من عدم قدرة روسيا البيضاء على تقديم الضمانات المُطمئنة للأوروبيين، والتي لا يمكن لأحد غير موسكو أن يقدّمها، لكن باستطاعتها – من وجهة نظر أوروبية- أن تُسهم في إظهار موسكو وحيدةً فيما لو لحقت بالولايات المتحدة وانسحبت من الاتفاقية. وعلى هذا الأساس، تتزايد تعقيدات مواقف الأطراف الثلاثة، أوروبا وروسيا والولايات المتحدة، بعد قرار ترامب هذا.
وأبعد من ذلك، فإن إضافة هذا الانسحاب إلى سياق الانسحابات السابقة من معاهدات أكثر أهمية، سيفضي إلى تفكّك نظام المعاهدات التي كانت تشكّل حداً أدنى من شبكة أمانٍ تعاقدية بين هذه الأطراف، الأمر الذي سيزيد من تسارُع الانزلاق نحو عالمٍ بلا قيود، سيُسرّع بدوره في تحديد معالم النظام العالمي الجديد، أو قُل حال اللانظام التي دخل العالم في طورها، قبل أن يكتمل رَسْم القواعد الجديدة.
المصدر :المیادین
الغيبة من أخطر الذنوب
إن رأس مال الإنسان المهم في حياته ماء وجهه وحيثيته، وأي شئ يهدده فكأنما يهدد حياته بالخطر. وأحيانا يعد اغتيال وقتل الشخصية أهم من اغتيال الشخص نفسه، ومن هنا كان إثمه أكبر من قتل النفس أحيانا. إن واحدة من حكم تحريم الغيبة أن لا يتعرض هذا الاعتبار العظيم للأشخاص ورأس المال آنف الذكر لخطر التمزق والتلوث وأن لا تهتك حرمة الأشخاص ولا تلوث حيثياتهم، وهذا مطلب مهم تلقاه الإسلام باهتمام بالغ!
والأمر الآخر إن الغيبة تولد النظرة السيئة وتضعف العلائق الاجتماعية وتوهنها وتتلف رأس مال الاعتماد وتزلزل قواعد التعاون "الاجتماعي"! ونعرف أن الإسلام أولى أهمية بالغة من أجل الوحدة والانسجام والتضامن بين أفراد المجتمع، فكل أمر يقوي هذه الوحدة فهو محل قبول الإسلام وتقديره، وما يؤدي إلى الإخلال بالأواصر الاجتماعية فهو مرفوض، والاغتياب هو أحد عوامل الوهن والتضعيف... ثم بعد هذا كله فإن الاغتياب ينثر في القلوب بذور الحقد والعداوة وربما أدى أحيانا إلى الاقتتال وسفك الدماء في بعض الأحيان.
والخلاصة أننا حين نقف على أن الاغتياب يعد واحدا من كبائر الذنوب فإنما هو لآثاره السيئة فردية كانت أم اجتماعية! وفي الروايات الإسلامية تعابير مثيرة في هذا المجال نورد هنا على سبيل المثال بعضا منها:
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): "إن الدرهم يصيبه الرجل من الربا أعظم عند الله في الخطيئة من ست وثلاثين زنية يزنيها الرجل وأربى الربى عرض الرجل المسلم"([1]). وما ذلك إلا لأن الزنا وإن كان قبيحا وسيئا، إلا أن فيه جنبة حق الله، ولكن الربا وما هو أشد منه كإراقة ماء وجه الإنسان وما إلى ذلك فيه جنبة حق الناس.
وقد ورد في رواية أخرى أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) خطب يوما بصوت عال ونادى: "يا معشر من آمن بلسانه ولم يؤمن بقلبه! لا تغتابوا المسلمين ولا تتبعوا عوراتهم فإنه من تتبع عورة أخيه تتبع الله عورته ومن تتبع الله عورته يفضحه في جوف بيته"([2]).
كما ورد في حديث ثالث أن الله أوحى لموسى (عليه السلام) قائلا: "من مات تائبا من الغيبة فهو آخر من يدخل الجنة، ومن مات مصرا عليه فهو أول من يدخل النار"([3]).
كما نقرأ حديثا آخر عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أنه قال: "الغيبة أسرع في دين الرجل المسلم من الأكلة في جوفه"([4]). وهذا التشبيه يدل على أن الاغتياب كمثل الجرب الذي يأكل اللحم، فإنه يذهب بالإيمان بسرعة.
ومع الالتفات إلى أن بواعث الغيبة ودوافعها أمور متعددة كالحسد والتكبر والبخل والحقد والأنانية وأمثالها من صفات دميمة وقبيحة يتضح السر في سبب كون الغيبة وتلويث سمعة المسلمين وهتك حرمتهم لها هذا الأثر المدمر لإيمان الشخص.
والروايات الإسلامية في هذا الصدد كثيرة، ونختتم بحثنا هذا بذكر حديث آخر نقل عن الإمام الصادق (عليه السلام) إذ يقول: "من روى على مؤمن رواية يريد بها شينه وهدم مروته ليسقط من أعين الناس أخرجه الله من ولايته إلى ولاية الشيطان فلا يقبله الشيطان"([5]).
إن جميع هذه التأكيدات والعبارات المثيرة إنما هي للأهمية القصوى التي يوليها الإسلام لصون ماء الوجه وحيثية المؤمنين الاجتماعية، وكذلك للأثر المخرب - الذي تتركه الغيبة - في وحدة المجتمع والاعتماد المتبادل في القلوب، وأسوأ من كل ذلك أن الغيبة تسوق إلى إشعال نار العداوة والبغضاء والنفاق وإشاعة الفحشاء في المجتمع. لأنه حين تنكشف عيوب الناس الخفية عن طريق الغيبة لا تبقى لها خطورة في أعين الناس ويكون التلوث بها في غاية البساطة!
الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - الشيخ ناصر مكارم الشيرازي، بتصرّف يسير
([1]) المحجة البيضاء، ج 5، ص 253.
([2]) المصدر السابق، ص 252.
([3]) المصدر السابق.
([4]) أصول الكافي، ج 2، باب الغيبة، الحديث 1 - الآكلة نوع من الأمراض الجلدية.
([5]) وسائل الشيعة، ج 8، الباب 157، الحديث 2، الصفحة 608.
المصدر:شبکه المعارف الاسلامیه
اشتباكات بين الشرطة الأميركية والمتظاهرين أمام البيت الأبيض في واشنطن
اشتباكات بين الشرطة الأميركية ومتظاهرين أمام البيت الابيض واحتجاجات في مدن عديدة، وترامب يجدّد التهديد باستخدام القوّة العسكرية.
دارت اشتباكات بين الشرطة الأميركية والمتظاهرين أمام البيت الأبيض في واشنطن، إثر إضرام بعضهمُ النيران في منطقة قريبة منه، هذا وتواصلت الاحتجاجات في عدد من المدن منها مينيابوليس ونيويورك ولوس أنجلوس وغيرها.
بالتزامن، أعلن حاكم ولاية أريزونا فرض حظر للتجوال لمدة أسبوع، كما أعلن حاكم ولاية فرجينيا حالة الطوارئ واستدعاء الحرس الوطنيّ. فيما أكدت شرطةُ لوس أنجلوس اعتقال نحو 400 شخص بتهم مختلفة.
وأعاد الرئيس الأميركيُّ دونالد ترامب نشر تغريدة لهُ على "تويتر" اتّهم فيها وسائل إعلام أميركية ببثّ أخبار مضللة أكثر من أيّ دولة أجنبية.
كما أعاد نشر تغريدة هدّد فيها باستخدام القوّة العسكرية اذا لم يكنْ حكامُ الولايات أكثر حزمًا في القيام بعملهم، مؤكداً أنّ حكومته ستُصنّفُ جماعة "أنتيفا" المناهضة للفاشية منظّمةً إرهابية.
إلى ذلك كشفت "نيويورك تايمز" أنّ موظّفي الخدمة السرية نقلوا ترامب إلى مخبأ تحت الأرض لوقت قصير عندما اقتربت الاحتجاجاتُ من البيت الأبيض.
في غضون ذلك أبلغ البيت ُالأبيضُ موظفيه عبر البريد الإلكترونيّ بتجنّب الحضور بسبب الاحتجاجات المستمرّة وبأنه لايزالُ في حالة تأهّب أمنيّ.
يأتي ذلك، فيما قال وزيرُ العدل الأميركيُّ وليام بار إنه تمّ اختطافُ أصوات الاحتجاجات السلمية والمشروعة من قبل عناصر متطرّفين، مؤكّداً أنه سيتمُّ توجيه الأجهزة الفيدرالية لاعتقال المحرّضين واتّهامهم بانتهاك القانون الفيدراليّ.
ودعا المرشّح الرئاسي الديموقراطي جو بايدن المحتجّين إلى عدم استخدام العنف مع اشتداد المواجهات في عدد من المدن الأميركية.
وفي بيان له قال بايدن إنّ الاحتجاج على ممارسات الشرطة الوحشية بعد قتل فلويد أمر صائب وضروريّ، معتبراً أن الإحراق والتدمير لا طائل منهما.
المصدر:المیادین
ما هي أدوات إفساد المجتمعات؟
إنّ الفساد لا يعرف حدوداً يقف عندها، فهو يحاول الاستفادة من كلّ فرصة متاحة لينتشر بين الناس، وله الكثير من الأدوات والوسائل والطرق. والحقيقة أنّنا نحتاج لجهاز يرصد مكامن فعاليته لنستطيع أن نضع البرامج المناسبة لرفعه بالشكل الصحيح.
وقد أشار الإمام الخمينيّ قدس سره للكثير من مفردات الفساد ووسائله وحذّر منها، فلنلقِ نظرة على بعضها ممّا ذكره الإمام قدس سره.
1ـ الإعلام
إنّ أهمّيّة الإعلام وخطره على الشعوب وقدرته على التأثير، من الأمور الواضحة في هذا الزمان والّتي لا يختلف عليها اثنان، سواء منها الإعلام المكتوب أم المسموع أم المرئيّ، فلكلّ منها أثره البالغ في مسلكيّة الإنسان ومنهجه وطريقته في الحياة، وبالتالي فلها أثر كبير في الصلاح والفساد. وهذه الوسائل الإعلاميّة كان الكثير منها على الدوام من أهمّ عوامل الفساد في المجتمع، يقول الإمام الخمينيّ قدس سره: "إنّ المجلّات من خلال مقالاتها وصورها الفاسدة، والصحف من خلال تسابقها في نشر مقالات غير ثقافيّة وغير إسلاميّة توجّه الناس ـ وخاصّة الشباب ـ نحو الشرق والغرب وتفتخر بذلك. إضافة إلى ذلك الدعاية الواسعة في ترويج مراكز الفساد والفجور ولعب القمار"([1]) .
2ـ الفنّ المنحرف
إنّ للفنّ أثره البالغ أيضاً في النفوس، فهو قادر على ملامسة القلوب وتغيير الثقافات بطريقة هادئة وساكنة، ودون أن يلتفت المجتمع لذلك. وخطورته تنشأ من هذا الأسلوب الّذي يستبطن الكثير من الأفكار ويعلّم الكثير من المسلكيات بشكل غير مباشر، وفجأة سيجد المجتمع نفسه قد وقع في بؤرة الفساد والأفكار والمناهج المنحرفة، دون أن يجد عدوّاً أطلق هذه الأفكار بشكلٍ واضح. وقد حذّر الإمام الخمينيّ قدس سره من ذلك، فقال: "نحن ضدّ السينما الّتي تؤدّي برامجها إلى إفساد أخلاق شبابنا وتخريب ثقافتنا الإسلاميّة"([2]) .
3ـ مراكز الفساد
إنّ مراكز الفساد تُعتبر مصنع الفساد في المجتمع، والّتي تصبغ المجتمع بلونها الفاسد وتدعو شبابه للانحلال وتشجّعهم على الفساد والمعاصي، فكما كان هناك بيوت لطاعة الله سبحانه وتعالى أمر الله تعالى بإعمارها، فإنّ الإنسان وللأسف عمّر بيوتاً خاصّة بالمعاصي، يتفرّغ فيها الإنسان للمعصيّة. وتؤذّن في شبابنا ليل نهار تدعوهم إلى أحضان الجحيم.
يقول الإمام الخمينيّ قدس سره: "لقد فتحوا أبواب الفساد أمام شبّاننا وزادوا فيها. فنحن نشاهد بلادنا وأعلم بأنّ دولكم كذلك أيضاً. إنّنا نشاهد أنّ مراكز الفساد في بلادنا والّتي تجرّ الشبّان نحو الفساد وتقضي على أصالتهم هي كثيرة... فقد جرّدونا من كلّ شيء وسلبوا من شبّاننا الخاصّيّة الّتي يجب على الشبّان أن يمتلكوها، وأرادوا أن يأخذوا قوّة الشبّان منّا، ثمّ ليقوموا بعد ذلك بنهب ذخائرنا ليصبح شبّاننا لا مبالين"([3]) .
4ـ المرأة الفاسدة
إنّ الله تعالى قد ميّز المرأة بميزة التأثير المباشر على المجتمع، فالمرأة الصالحة بمجرّد حجابها وصلاحها تدعو الناس للحقّ بأعمالها قبل لسانها. ورؤيتها بحجابها واستحيائها مناسبة تذكّر الناس بالله سبحانه وتعالى وتدعوهم إليه، فهي داعية إلى الله تعالى بمجرّد صلاحها والتزامها بالحكم الشرعيّ.
والمرأة الفاسدة قادرة على التأثير أيضاً بشكلٍ كبيرٍ وواسع، فهي بفسادها تدعو كلّ من يراها إلى الفساد. فهي صوت متحرّك لإبليس يطرق سمع كلّ من يراها، وهي تدعو إلى البعد عن الله تعالى بهيئتها وأعمالها سواء تحرّك لسانها أم لم يتحرّك.
وهذا ما نبّه عليه الإمام الخمينيّ قدس سره حيث يقول: "ثمّة امتيازات خاصّة لدور المرأة في العالم. إنّ صلاح وفساد المجتمع يُستمدّ من صلاح وفساد النسوة فيه"([4]) .
5ـ الاقتداء بالغرب
إنّ من أخطر الأمور أن يفقد الإنسان شخصيّته وثقته بنفسه، ليُصبح مجرّد مقلّد يقلّد ما يأتيه من الخارج عن غير وعي. وهذه المصيبة الأساس الّتي ألمّت بعالمنا الإسلاميّ في هذا العصر، حيث فقد ثقته بنفسه وفقد شخصيّته ليُصبح مجرّد مقلّد للغرب، مقلّد بامتياز، ويا ليته قلّد الغرب في اكتشافاته واختراعاته الّتي تُفيد البشريّة، لكان الأمر يستحقّ المدح والثناء، لكنّه لم يقلّد الغرب إلّا في الفساد والانحرافات والعيوب والثغرات الّتي يعيشها الغرب، تقليداً غير واعٍ ولا ينطلق من رؤية واضحة وعلميّة.
ولعلّ هذا الأمر يظهر بأخطر صوره في الجامعات، حيث حاول الغرب على الدوام وضع يده الثقافيّة عليها، ليحاصر الطلاب ويُصادر عقولهم ويفني شخصيّاتهم وثقتهم بأنفسهم. وقد حذّر الإمام الخمينيّ قدس سره من هذا الأمر ونبّه إلى خطورته في العديد من كلماته، حيث يقول قدس سره: "من المؤلم والمؤسف أنّ الجامعات والثانويّات كانت تدار من قبل المتغرّبين والمتشرّقين الّذين ينفّذون خُططاً مرسومة لهم، باستثناء أقليّة مظلومة ومحرومة. وعلى أيدي هؤلاء كان يتلقّى أعزاؤنا التعليم والتربية، فكان قدر شبّاننا الأعزّة والمظلومين أن يتربّوا في أحضان هذه الذئاب العميلة للقوى الكبرى" ([5]) .
وقد دعاهم الإمام قدس سره إلى الوثوق بأنفسهم والوقوف على أرجلهم من جديد: "أيُّها المثقّفون الملتزمون والمسؤولون. تعالوا لنبذ التفرقة والتشتّت، وفكّروا بحال الناس، وأنقذوا أنفسكم من شرّ الشيوعيّة الشرقيّة والرأسماليّة الغربيّة لأجل نجاة هؤلاء الأبطال الّذين قدّموا الشهداء. قفوا على أقدامكم وإيّاكم والاتّكال على الأجانب"([6]) .
ويقول أيضاً: "ليكن همّكم أيُّها الجامعيّون الأعزاء هو الخروج من حالة الأسر للغرب، ولتبحثوا عمّا أضعتموه وهو هويّتكم الشخصيّة"([7]).
ويفسّر الإمام قدس سره معنى الاستقلال وعدم التبعيّة فيقول: "معنى أن تكون الجامعة إسلاميّة، هو أن تكون مستقلّة، وأن تفصل نفسها عن الغرب والشرق، فيكون لنا بذلك وطن مستقلّ وجامعة مستقلّة وثقافة مستقلّة"([8]) .
إصلاح المجتمع، جمعية المعارف الإسلامية الثقافية
([1]) منهجيّة الثورة الإسلاميّة, م. س، ص 359.
([2]) الكلمات القصار، الإمام الخمينيّ قدس سره، ص 243.
([3]) منهجية الثورة الإسلاميّة، ص 178.
([4]) م. ن، ص 334.
([5]) منهجيّة الثورة الإسلاميّة، م. س، ص 269.
([6]) منهجيّة الثورة الإسلاميّة، م. س، ص 278.
([7]) الكلمات القصار، الإمام الخمينيّ قدس سره، ص 269.
([8]) م. ن، ص 268.
دعوات لحل البرلمان التونسي.. فهل تنجح الثورة المُضادة؟
تحوّلت الثورة التونسية لأيقونة بين دول الربيع العربي ومثالًا يُحتذى للثائرين في بقيّة البلدان، غير أنّ هذا النّموذج من النجاح وجد له الكثير من المُغرضين الذين وجدوا فيه تهديدًا لعروشهم، ليبدؤوا بحياكة المكائد والمؤامرات للنيل من تلك التجربة، بعد أن تمكنوا من وئد الثورات في البحرين ومصر وليبيا وتحويلها إلى إما لحروب أهلية كليبيا أو إعادتها إلى الدكتاتوريات الحاكمة كما في البحرين ومصر.
دعوات مشبوهة
لم يمض أكثر من سبعة أشهر على انتخاب البرلمان التونسي الحالي، حتى بدأت الدعوات لحل هذا البرلمان، وظهرت هذه الدعوات بعد الاتصال الذي جرى بين راشد الغنوشي رئيس حركة النهضة التونسية (إخوان مسلمين)، وبين رئيس حكومة الوفاق الليبية، وهنّاه بالانتصار على قوّات حفتر.
هذه المكالمة جلبت للبرلمان التونسي وحركة النهضة التي يتزعمها الغنوشي المتاعب، خصوصًا إذا علمنا أنّ الغنوشي والسراج وتركيا يُشكلون حلفًا واحدًا في مواجهة حفتر والإمارات والسعودية ومصر، لتبدأ الدول الثلاث سابقة الذكر باستعمال أدواتها في البرلمان التونسي وتحريضه للمطالبة بانتخابات برلمانية مُبكرة، وتقود هذه الحملة مجموعة من الأحزاب ذات التمويل السعودي الإماراتي.
ويدعي أصحاب هذه الدعوات أنّ الغنوشي تجاوز صلاحيّاته واتصل بالسرّاج وهنّأه بالانتصار، معتبرين ذلك اصطفافًا مع طرف ضد طرفٍ آخر في الحرب الليبيّة، مُتناسين أن الطرف الذي هنأه الغنوشي هو الحكومة الشرعية المُعترف بها دوليًّا، وليس الميليشيات التي تدعمها الإمارات والسعودية ومصر.
رد حركة النهضة لم يتأخر؛ حيث خرج رئيس الكتلة النيابية للحركة نور الدين البحيري، ليؤكد أنّ أصحاب دعوات حل البرلمان هم من الحاقدين على الديمقراطية التونسية، وإنّ تلك الدعوات ماهي إلا تعبير عن مرض نفسي، وحقد على الثورة والديمقراطية التونسية، ومحاولة لإرباك البلاد خاصة بعد هزيمة خليفة حفتر في ليبيا.
دور إماراتي- سعودي
الثورة التونسية التي مثّلت علامةً فارقة في الربيع العربي؛ لم تكن فقط عبارة عن ثورة على نظام طاغٍ، بل إنّها مثّلت ثورة على كافة الأنظمة الرجعية البالية وأنظمة العروش المُتوارثة وخصوصًا في الدول الخليجية، لذلك كان من الضروري كسر الركيزة الأخيرة للتجربة الديمقراطية في المنطقة العربية، وهنا بدأت حملة شعواء لإسقاط ليس فقط البرلمان أو الحكومة التونسية، إنّما الهدف الأساسي لهذه الحملة هو إسقاط تجربة الثورة التونسية وما نتج عنها من ديموقراطية لن تعجب بطبيعة الحال الأنظمة الملكية والأميرية.
تعتبر تونس نموذجًا لنظام ديمقراطي مفتوح لا توجد فيه قوة محددة مهيمنة، الشيء الذي لا يتناسب مع الرؤية الإماراتية للحكم، خاصة بعد فوز حركة النهضة في الانتخابات الأولى بعد اندلاع الثورة في نهاية عام 2010، وبهدف إسقاط تلك التجربة؛ بدأ كل من الإمارات والسعودية حملة ضدّ الأحزاب التونسيّة، حتى غير الإسلامية منها، مُستهدفةً أيّ حزبٍ يصطف بجانب بقاء تونس حرة ديموقراطية، حيث أنّ تونس هي الركيزة الأخيرة للتجارب الناجحة "للربيع العربي"، وهي التي ما تزال تعطي "بصيص أمل" لجيرانها كمصر وليبيا والدول المجاورة الأخرى، وهو الأمر الذي لن يُعجب السعودية والإمارات والانقلابي عبد الفتاح السيسي.
وللإخوان نصيب
مع وصول زين العابدين بن علي إلى مدينة جدّة، بدأت الحملات الإعلامية المُضادة للثورة بنشر سمومها، فهي علمت أنّ أيّ تجربةٍ ديموقراطية لم تنتج إلّا وصول الإسلاميين للحكم، وهنا أطلقت وسائل الإعلام في مملكة آل سعود والإمارات ومصر حملة منهجية ضد حزب النهضة والزعيم الفكري للحركة راشد الغنوشي بهدف تشويه صورته وإثارة عاصفة في بلاده.
إذا صح تسميتها بالـ "الثورة المضادة" التي تقودها قِوى الرجعية، فقد بدأت اليوم بحملة إعلامية شعواء تقودها سكاي نيوز، قناة العربية وصحيفة اليوم السابع المصرية تهدف لنشر أخبار خادعة وفي ذات الوقت، حيث زعمت التقارير أن الغنوشي كسب ثروة مالية ضخمة منذ عودته إلى تونس بعد انتصار الثورة عام 2011، وبلغت قيمتها 8 مليارات دولار الأمر الذي يعرف التونسيين قبل غيرهم أنّهم محض افتراء، والهدف من هذه الحملة دقُّ إسفين بين البرلمان والرئاسة، وإثارة معارك جانبية في البرلمان بين الكتل التونسية لتفكيك مؤسسات الدولة عن طريق ضرب فيما بينها، والوصول في النهاية إلى نظامٍ أشدُّ وطأة من نظام بن علي.
وفي النهاية؛ فإنّ هزيمة الثورة المضادة في ليبيا كان لها تأثير مباشر على استهداف الاستقرار السياسي في تونس وكذلك الغنوشي، الذي كانت آخر مكالمة هاتفية له مع فايز السراج، رئيس حكومة الوفاق الليبية وتهنئته بالانتصارات التي تتوالى يوميًا في ليبيا، وهنا يظهر أنّ كافة الحملات ضد الديموقراطية التونسية ليست أكثر من محاولات بائسة وفاشلة، فالشعب التونسي خبر وعن كثب الفروق بين الديموقراطية وبين حكم الفرد أو العائلة، ولن ينتج عن تلك الحملات إلّا مزيدًا من التماسك داخل المجتمع التونسي.
خفايا الصراعات القادمة في خطاب السيد حسن نصرالله
الجميع يعلم أن الأوضاع في المنطقة على صفيح ساخن، وان احتماليات الحرب لاتزال قائمة في ظل الفوضى التي تسعى القوى الكبرى للحفاظ عليها في الشرق الأوسط، ولكن المفارقة في هذه المرحلة ان الدول الكبرى لم يعد مرحب بتواجدها عسكريا في المنطقة، لاسيما الولايات المتحدة الامريكية على اعتبار ان وجودها لم يقدم اي حل لأزمات المنطقة بل على العكس تماما وسع الهوة وزاد من الشرخ الموجود، وهذا ما أدركه الشعب العربي على العموم، ومن هنا بدأت المطالبات بإخراج هذه القوات في السلم قبل أن يتم اخراجها بالحرب واذلالها كما فعل "حزب الله" اللبناني باسرائيل على مدى العقود الماضية، حيث أثبت للجميع أن المقاومة وفرض معادلة القوة والردع هي السبيل الوحيد لردع اي عدوان خارجي من المس بسيادة الدول العربية، وجميعنا نشاهد هذه الأيام كيف ان الولايات المتحدة الامريكية تبتز أقدم حلفائها وتهددهم باخراج قواتها من اراضيها اذا لم تخضع لشروطها.
النقطة الاخير جدا مهمة وما فعله الرئيس الأمريكي دونالد ترامب مع السعودية في الفترة الماضية، كان كفيل ليفهم القاصي والداني كيف تبني الادارة الامريكية علاقتها مع الدول الحليفة، وهنا السؤال من هو الشعب العربي الذي يرضى بأن تتعرض بلاده لهذا الذل من قبل دولة أجنبية بغض النظر عن اسمها؟.
الأمر الثاني؛ دعونا نلقي نظرة على ما تريد ان تفعله "اسرائيل" في الفترة المقبلة مع الاردن وفلسطين، من خلال تحضيراتها لضم اجزاء من الضفة الغربية، وايجاد وطن بديل للفلسطينيين على حساب الاردن، وتهجير آلاف الفلسطينيين مجددا وتدمير عملية السلام التي لم تكن قائمة ولايوم من الايام، وانما كانت حيلة اسرائيلية محضة غايتها نهب خيرات المنطقة والاستيطان على اراضيها بأقل الخسائر، وجميعنا نشاهد اليوم كيف ان "اسرائيل" تمزق جميع الاتفاقيات الدولية دون ان تأبه بأي شيء، وبالتالي من لم يتخذ من المقاومة لهذه المشاريع نهجا له سيكون في مأزق في الفترة المقبلة، ونحن نعتقد بأن الاردن سيذهب في هذا الاتجاه للدفاع عن سيادته وحماية اراضيه.
قدرات المقاومة
المقاومة في كل من لبنان والعراق وفلسطين أثبتت أنها اكثر فعالية من اي معاهدات أخرى، وان هذا العدو المعتدي لايفهم لغة السلم، وما فعله "حزب الله" خير مثال على أهمية خيار المقاومة ومدى فعاليته ضد العدو، ولنفترض جدلا أن "حزب الله" لم يكن موجودا عندما اجتاح العدو الصهيوني لبنان في عام 1982 كيف سيكون مصير لبنان ومستقبله، الم تكن "اسرائيل" تريد له ان يصبح فلسطينا جديدة، هل سيتحرك المجتمع الدولي لانقاذ لبنان، بالطبع لا، وما يجري في فلسطين خير دليل على ذلك.
ما يميز المقاومة اللبنانية ليس فقط تعاظم قدراتها العسكرية، وانما الحاضنة الشعبية التي تحملت جميع الظروف لاحتضان المقاومة وحمايتها والدفاع عنها، وهذا ما عبر عنه السيد حسن نصرالله في لقائه الاخير مع اذاعة النور، حيث قال الامين العام لحزب الله، إن "الروح التي انتصرت على العدو ما زالت موجودة وثقتنا كبيرة جداً بالمقاومين، وببيئة المقاومة".
وأكد السيد نصرالله في الذكرى الـ20 لعيد المقاومة والتحرير، أن "الظروف الصعبة التي تحملتها المقاومة لم تكن على المقاومين فقط بل أيضاً على بيئة المقاومة"، مشيراً إلى أنه "رغم كل محاولات سلخ المقاومة عن بيئتها سيبقى الجانب الروحي في صلب ماهية المقاومة، والعامل الأول في أصل المقاومة هو الحفاظ على روحها بكل أصالتها وقوتها".
وأضاف السيد نصرالله أن "وزير الحرب الإسرائيلي اليوم لديه تجربة كبيرة من الخيبة في جنوب لبنان خلال فترة الاحتلال، وعبارة إسرائيل أوهن من بيت العنكبوت جاءت في وقتها تزامناً مع هزيمة الجيش الإسرائيلي،".
وتابع: "القيادات الرئيسية الاسرائيلية اليوم عاشت التجربة والإعلام الإسرائيلي إلى الآن يتحدث عن خطاب بيت العنكبوت"، لافتاً إلى أن "الانسحاب الإسرائيلي عام 1985 نحو الشريط الحدودي المحتل لم يكن منّة من إسرائيل".
وشدد السيد نصرالله على أن "الردع الموجود ضد العدو هو نتيجة المعطيات الواقعية وليس نتيجة خطابات"، معتبراً أنه "منذ عام 1982 كانت المقاومة ترى ما جرى عام 2000 من بداياتها المتواضعة، وأداء المقاومة عام 2000 جنّب لبنان حرباً أهلية طائفية خطط الإسرائيلي لإشعالها".
كما شدّد على أن المقاومة "لديها اليوم قدرات عسكرية لم تكن موجودة قبل العام 2006 ولديها تطور في حرب الأدمغة وفي الخطط والبرامج والكم"، مؤكداً أن "إسرائيل تعرف وتقول إن المقاومة ازدادت قوة باضعاف مضاعفة".
وقال "بالنسبة لي فإن مشهد الصهاينة وهم يعودون إلى البلاد التي أتوا منها هو مشهد قطعي".
وأشار إلى أن "إسرائيل قبل الـ 2000 ليس كما بعد 2000 وهذا باعترافهم أيضاً، وستُقهر في أي معركة مقبلة إن شاء الله، وعندما يضعف العامل الخارجي الذي تستند عليه إسرائيل فهي ستنهار"، معتبراً أن "حضور أميركا المباشر إلى المنطقة هو تعبير عن ضعف حلفائها وهو مؤشر قوة لمحور المقاومة".
النقطة الاخيرة التي تحدث عنها السيد حسن نصر الله غاية في الاهمية، وهي بيت القصيد في المرحلة القادمة، على اعتبار اننا جميعا نعرف الظروف التي جاءت فيها "اسرائيل" الى المنطقة وكيف تم زرعها في هذه المنطقة، وبالتالي وكما ذكر الامين العام لحزب الله، ان اي خلل تتعرض له الدول الحامية والداعمة لهذا الكيان الغاصب ستتغير المعادلة برمتها، وسيبدأ كيان العدو ينهار من الداخل، والظروف الحالية ذاهبة بهذا الاتجاه، قد لاتكون النتائج سريعة لكنها ستتحقق، فالولايات المتحدة الامريكية لم تعد تملك نفس التأثير السابق لها في المنطقة، وهي تعاني من ازمات داخلية حادة قد تشل تحركاتها الخارجية لعقود طويلة وتحسر تدخلاتها بشؤون الدول الاخرى، خاصة بعد ان نهشت جائحة "كورونا" الاقتصاد الامريكي ولن تظهر نتائجه بالقريب العاجل، لذلك علينا ان ننتظر ونرى ماذا سيحدث، وقد يعود الصهاينة الى الدول التي جاؤوا منها دون اطلاق رصاصة واحدة، وربما سيكون اطلاق الرصاص الوحيد فرحا بالنصر القادم.
حظر تجوال في مينيابوليس.. والاحتجاجات تصل إلى واشنطن
تواصل الاحتجاجات في مدينة مينيابوليس الأميركية، والبيت الأبيض يغلق بعد وصول الاحتجاجات على وفاة جورج فلويد إلى واشنطن، بالتزامن مع إعلان ولاية جورجيا حالة الطوارئ.
أُغلق البيت الأبيض بعد وصول الاحتجاجات على وفاة جورج فلويد إلى العاصمة الأميركية واشنطن وفقاً لوكالة "يو إس إيه توداي" الأميركية التي أكدت إغلاق أبواب غرف الاحتياط ومنع الاقتراب منه.
حاكم ولاية جورجيا أعلن حالة الطوارئ بناء على طلب عمدة أتلانتا وأرسل 500 عنصر من قوات الحرس الوطني إلى المدينة على وقع الاحتجاجات.
وبرغم إعلان عمدة مدينة مينيابوليس فرض حظر للتجوال ليلاً خرج محتجون في تظاهرة منددة بالسياسة العنصرية لادارة ترامب.
بالتوازي، انتشر في المدينة نحو 500 من الشرطة الأميركية بعد ثلاث ليال من الاحتجاجات العنيفة إثر وفاة جورج فلويد بعد اعتقاله بطريقة وحشية.
وطلبت كيلي شوفين زوجة ضابط شرطة مينيابوليس ديريك شوفين الطلاق من زوجها على خلفية قتله فلويد.
المرشّح الديمقراطي لانتخابات الرئاسة الأميركية جو بايدن اتهم الرئيس ترامب بالتشجيع على العنف بعد تهديده باستخدام القوة لإنهاء الاحتجاجات في مدينة منيابوليس عقب مقتل شاب من أصول أفريقية.
وقال بايدن إن غضب الأميركيين من أصل أفريقي وإحباطهم وإنهاكهم "لا تنكر" وإن البلاد تحتاج إلى مواجهة "جرحها العميق المفتوح" المتعلق بالعنصرية معتبراً أن ما تشهده أميركا أزمة وطنية تحتاج الى قيادة حقيقية لاجتثاث العنصرية المنظمة".
وشهدت عدة ولايات أميركية مواجهات عنيفة إثر مقتل فلويد من الأصول الأفريقية على يد الشرطة الأميركية أثناء اعتقاله. كما شهدت مدينة مينيابوليس بولاية مينيسوتا الأميركية صدامات عنيفة وأعمال نهب للمحال التجارية انتقاماً لفلويد. وتفاقم الوضع إثر تسريح الشرطيين اللذين قتلا فلويد.
وبدأت التظاهرات مساء الخميس بعدد كبير من المحتجين الذين وضعوا أقنعة واقية من فيروس كورونا المستجد، بينما تحدثت شرطة مدينة سانت بول المجاورة عن أضرار وسرقات للمحال التجارية أيضاً.
وأفرجت شرطة مدينة منيابوليس الأميركية عن مراسل شبكة (سي.إن.إن) بعد نحو ساعة من احتجازه واقتياده مكبل اليدين مع طاقم التصوير أثناء تغطية حية للاحتجاجات في المدينة صباح أمس الجمعة.
المصدر:المیادین
أهمية الزكاة ومكانتها في الإسلام
الزكاة من أهم العبادات المالية في الإسلام، وقد أكد عليها القرآن في أكثر من سورة، وأشاد بها في عشرات الآيات. وهي فريضة قديمة، فرضت على الأنبياء قبل نبيّنا صلىاللهعليهوآله، وأوصى بها الله تعالى لوط وذريته وإسحاق ويعقوب، قال تعالى: ﴿وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءَ الزَّكَاةِ وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ﴾[1].
وكانت ـ كذلك ـ وصية الله تعالى لعيسى عليهالسلام، كما في قوله تعالى حكاية عن عيسى عليهالسلام: ﴿وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيّاً﴾[2].
كما أُمِر أهل الكتاب بأداء الزكاة، قال تعالى: ﴿وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَٰلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ﴾[3].
وسيبقى الأمر بها سارياً وأبدياً حتى يُمكّن الله تعالى في الأرض عباده الصالحين الذين يحملون الأمانة عند خروج الحجة المنتظر عليهالسلام، الذي يقيم أسباب العدل ويلتمس الخلاص لملايين الجياع والمحرومين في العالم، ولا يتم ذلك إلا بإقامة الزكاة على وجهها الصحيح، قال تعالى: ﴿الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَللهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ﴾[4].
وغني عن القول أن الزكاة هي أوسع أبواب الخير، وقد احتفظت بمقام الصدارة كسبيل من أكبر سُبل التكافل التي تستدعي الثواب والأجر الكبير، قال تعالى: ﴿وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنفُسِكُم مِّنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِندَ اللهِ﴾[5]. وقال تعالى: ﴿... وَالْمُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالْمُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أُولَٰئِكَ سَنُؤْتِيهِمْ أَجْرًا عَظِيماً﴾[6].
وقد فرض الله تعالى الزَّكاة لحكمة عظيمة، وغاية سامية تتعلّق بمواساة الفقراء، وإسعاف ذوي الحاجات، وتقوية أواصر المودة بين الأغنياء والفقراء، والتقريب بين طبقات وفئات المجتمع، ومعالجة أخطار الفقر الذي يعتبر أخطر شيء يهدد كيان الأمة، ثم إنّ الزكاة تطهر نفوس الأغنياء من الشح والبخل، قال تعالى: ﴿خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا...﴾[7].
وفي المقابل تقلع من نفوس الفقراء البغضاء، والحقد، والكراهية ضد الأغنياء. وفي هذا الصدد يُسلط أئمة آل البيت: الأضواء على وجه الزكاة وحكمتها، ويكشفوا لنا عن علل عميقة بخصوصها، قال الإمام الصادق عليهالسلام: «إنّما وضعت الزكاة اختبارا للأغنياء ومعونة للفقراء، ولو أنّ الناس أدوّا زكاة أموالهم ما بقي مسلم فقيراً محتاجاً، ولاستغنى بما فرض الله عزّ وجلّ له، وإن الناس ما افتقروا ولا احتاجوا ولا جاعوا ولا عروا إلا بذنوب الأغنياء» [8].
وعن الإمام الكاظم عليهالسلام: «إنّما وضعت الزكاة قوتا للفقراء، وتوفيراً لأموال الأغنياء» [9].
وقد حدّدت الشريعة موارد معيّنة لصرف أموال الزكاة، منها: «الفقراء والمساكين، والمراد بالفقير من لا يملك قوت سنته لنفسه وعائلته بالفعل أو بالقوة... والمسكين أسوأ حالاً من الفقير، فهو لا يملك قوته اليومي. والغارم: وهو من عليه دين وعجز عن أدائه، جاز أداء دينه من الزكاة، وإن كان متمكناً من إغاثة نفسه وعائلته سنة كاملة بالفعل أو بالقوة.
كما تصرف الزكاة في سبيل الله: ويقصد به المصالح العامة للمسلمين كتعبيد الطرق وبناء الجسور والمستشفيات وملاجئ الفقراء والمساجد والمدارس الدينية ونشر الكتب الإسلامية المفيدة وغير ذلك مما يحتاج إليه المسلمون.
ويجوز اعطاء الفقير الزكاة من دون إعلام حاله، ويجوز اعطاء الزكاة لمن يدّعي الفقر إذا علم فقره سابقاً ولم يعلم غناه بعد ذلك. ومن كان له على الفقير دين جاز له أن يحتسبه زكاة. والأولى أن لا يعطى للفقير من الزكاة أقل من خمسة دراهم عينا أو قيمة. ولا بأس باعطائه الزائد، بل يجوز أن يعطى ما يفي بمؤونته ومؤونة عائلته سنة واحدة»[10].
وقد اتّبع آل البيت: أسلوب الحوار الإقناعي لحمل أصحابهم على إعطاء الزَّكاة، فكشفوا عن المعطيات الإيجابية التي تنعكس على دافعيها كزيادة الرزق كما في حديث الإمام الباقر عليهالسلام: «.. الزكاة تزيد في الرزق» [11].
وبالمقابل اتبعوا معهم أسلوب التحذير من العواقب المترتبة على التهوين من شأنها، وعدم اعطائها لمستحقيها، عن الإمام الصادق عليهالسلام: «من منع قيراطاً من زكاة ماله، فليس هو بمؤمن ولا مسلم ولا كرامة » [12]. ومن حديث له مع المفضّل، قال عليهالسلام: «يا مفضّل، قل لأصحابك يضعون الزَّكاة في أهلها وإنّي ضامن لما ذهب لهم»[13].
وتبدو لنا النظرة العميقة للإمام الصادق عليهالسلام من تقسيمه للزَّكاة إلى ظاهرة وباطنة، لمّا سأله رجل: «في كم تجب الزكاة من المال؟ قال عليهالسلام: الزَّكاة الظاهرة أم الباطنة تريد؟ قال: اُريدهما جميعاً. فقال عليهالسلام: أمّا الظاهرة ففي كلّ ألف خمسة وعشرون درهما، وأمّا الباطنة فلا تستأثر على أخيك بما هو أحوج إليه منك» [14].
ومن الواضح أنّ الزكاة الباطنة تعبير آخر عن التكافل الاجتماعي بشتّى صوره، وكذلك الحال في ﴿زكاة الجاه﴾ في حديث أمير المؤمنين عليهالسلام قال: «إنّ الله فرض عليكم زكاة جاهكم، كما فرض عليكم زكاة ما ملكت أيديكم» [15].
وقال الإمام الصادق عليهالسلام: «المعروف زكاة النعم، والشفاعة زكاة الجاه»[16].
وهذه الرؤية المتميزة للزكاة لم تكن نبتاً بلا جذور، بل هي في الأساس رؤية نبوية كما في قوله صلىاللهعليهوآله: «الجاه أحد الرفدين» [17].
وفي هذا السياق قال الإمام الصادق عليهالسلام: «يسأل المرء عن جاهه كما يسأل عن ماله، يقول: جعلت لك جاهاً، فهل نصرت به مظلوماً، أو قمعت به ظالماً، أو أغثت به مكروباً» [18].
وعنه عليهالسلام: «من كان وصل لأخيه بشفاعة في دفع مغرم أو جرّ مغنم، ثبّت الله عزّ وجل قدميه يوم تزل فيه الأقدام» [19].
و«زكاة الفطرة» من موارد الزَّكاة التي ترفد الجهد التكافلي، فعن الإمام الصادق عليهالسلام: « إنّ من تمام الصوم إعطاء الزَّكاة» يعني الفطرة [20].
ومقدار زكاة الفطرة صاع من تمر أو زبيب أو شعير، وهي وإن كانت قليلة المقدار والقيمة ظاهرا، لكنّها تسهم في سد عوز الفقراء خصوصا في أيام العيد.
وكان للزكاة الأثر البالغ في إعالة العوائل التي نكبت بموت أو فقد معيلها، وفي هذا الخصوص يوصي الإمام الصادق عليهالسلام أصحابه بأن يعطوا الزكاة للعيال الذين مات من يعولهم حتى مرحلة البلوغ وتأمين مصدر العيش المناسب لهم، عن أبي بصير قال: «قلت لأبي عبدالله عليهالسلام الرجل يموت ويترك العيال، أيعطون من الزكاة؟ قال: نعم حتّى ينشأوا ويبلغوا ويسألوا من أين كانوا يعيشون إذا قطع ذلك عنهم» [21].
لقد سعى أهل البيت: إلى إزالة الحواجز النفسية التي تمنع المحتاجين من الوصول إلى دافعي الزكاة وتحثّ المنفقين على المبادرة إلى التفتيش عن المستحقين لها، وعدم تكليفهم مشقة الطلب، صوناً لكرامتهم وحقناً لماء وجوههم، وكان أهل البيت: يقدّرون أهمية العامل النفسي عند المتلقي للزكاة فلا يكلفونه عناء الطلب وذل السؤال، ومن الشواهد على هذا المنحى الحضاري، ما روي عن إسحاق بن عمّار، قال: قال لي أبو عبدالله عليهالسلام « يا إسحاق كيف تصنع بزكاة مالك إذا حضرت؟ قال: يأتوني إلى المنزل فأعطيهم، فقال لي: ما أراك يا إسحاق إلا قد أذللت المؤمنين، فإيّاك إيّاك، إنّ الله تعالى يقول: من أذلَّ لي وليّا فقد أرصد لي بالمحاربة» [22].
وعن أبي بصير قال: قلت لأبي جعفر عليهالسلام: « الرّجل من أصحابنا يستحيي أن يأخذ من الزّكاة فأعطيه من الزّكاة ولا اُسمّي له أنها من الزكاة، فقال: أعطه ولا تسمّ له ولا تذلّ المؤمن»[23].
وكان الإمام الصادق عليهالسلام يحث على الأخذ بنظر الاعتبار مكانة وحيثية الفقراء حين اعطائهم الزكاة، فزكاة الأنعام من المناسب أن تعطى لذوي التجمل منهم والاحتشام، وزكاة النقدين تعطى لذوي الحاجة والفاقة.
عن عبدالكريم بن عتبة الهاشمّي، عن أبي عبدالله عليهالسلام قال: « تُعطى صدقة الأنعام لذوي التجمل من الفقراء، لأنها أرفع من صدقات الأموال، وإن كان جميعهما صدقة وزكاة، ولكن أهل التجمل يستحيون أن يأخذوا صدقات الأموال» [24]. وفي رواية أخرى عن عبدالله بن سنان قال: قال أبو عبدالله عليهالسلام: « إنّ صدقة الخفّ والظلف تدفع إلى المتجملين من المسلمين، أمّا صدقة الذّهب والفضة وما كيل بالقفيز ممّا أخرجت الأرض فللفقراء المدقعين، قال ابن سنان: قلت: وكيف صار هذا هكذا؟ فقال: لأنّ هؤلاء متجمّلون يستحيون من النّاس فتدفع إليهم أجمل الأمرين عند النّاس، وكلُّ صدقة» [25].
ومن الشواهد ذات الدلالة على حرص أئمة أهل البيت: على كرامة المحتاجين، وتعجيل دفع الحقوق لهم، عن عقبة بن خالد، عن أبي عبدالله عليهالسلام «أنّ عثمان بن عمران قال له: إنّي رجل موسر... ويجيئني الرجل فيسألني الشيء وليس هو إبّان زكاتي، فقال له أبو عبدالله عليهالسلام: القرض عندنا بثمانية عشر، والصّدقة بعشرة، وماذا عليك إذا كنت كما تقول موسراً أعطيته، فإذا كان إبّان زكاتك احتسبت بها من الزّكاة. يا عثمان، لا ترده فإن ردّه عند الله عظيم. يا عثمان، إنّك لو علمت ما منزلة المؤمن من ربِّه ما توانيت في حاجته»[26].
التكافل الاجتماعي في مدرسة أهل البيت عليهم السلام – بتصرّف يسير
[1] سورة الأنبياء: 21 / 73.
[2] سورة مريم: 19 / 31.
[3] سورة البينة: 98 / 5.
[4] سورة الحج: 22 / 41.
[5] سورة البقرة: 2 / 110.
[6] سورة النساء: 4 / 162.
[7] سورة التوبة: 9 / 103.
[8] من لا يحضره الفقيه 2: 7 / 1579.
[9] علل الشرائع 2: 368 / 1، المكتبة الحيدرية، 1386 ه.
[10] انظر: المسائل المنتخية: 227 ـ 232، المسائل: 544، 545، 547، 552، 561، ط 3 ـ 1414 ه، مطبعة مهر ـ قم.
[11] الأمالي / الشيخ الطوسي: 296 المجلس الحادي عشر.
[12] من لا يحضره الفقيه / الصدوق 4: 367، طبع جماعة المدرسين، ط 2 ـ 1404 ه.
[13] تحف العقول: 514.
[14] معاني الأخبار / الصدوق: 153، انتشارات إسلامي.
[15] مجمع البيان / الطبرسي 3: 189 تفسير الآية ﴿114﴾ من سورة النساء.
[16] تحف العقول: 381.
[17] عوالي اللآلي 1: 293.
[18] المصدر السابق 1: 363.
[19] أمالي / الشيخ الطوسي: 99 / 151، المجلس الرابع.
[20] المقنعة / الشيخ المفيد: 264، جماعة المدرسين، قم ـ 1410 ه.
[21] الكافي 3: 548 / 1 باب أنّه يعطى عيال المؤمن من الزكاة إذا كانوا صغاراً، ويُقضى عن المؤمنين الديون من الزكاة، من كتاب الزكاة.
[22] المحاسن / البرقي 1: 136 / 19، مشكاة الأنوار / الطبرسي: 253.
[23] الكافي 3: 564 / 3 باب من تحلّ له الزكاة فيمتنع من أخذها، من كتاب الزكاة
[24] المقنعة / الشيخ المفيد: 260، جماعة المدرسين ـ قم 1410 ه.
[25] علل الشرائع 2: 371، باب 96.
[26] الكافي 4: 34 / 4 باب القرض من كتاب الزكاة.
الاستقامة والتحرر من الحزن والخوف
وردت في القرآن نقطة مهمة جدا- فيما يتعلق ببناء المجتمع الإسلامي وتحقيق القيم الإسلامية العظيمة- وهي مسألة الاستقامة؛ أي استقامة الذين ينشدون الحقيقة ويرفعون رايتها والملتزمون بها. الاستقامة ضرورية ليستطيع الإنسان تحقيق المثل العظيمة. لا سبيل للوصول إلى الكثير من القيم والمثل إلا باستقامة الشعب الدائمة مع مرور السنين. (10/8/1380).
أهمية الاستقامة؛ تنزل الملائكة
يتم التعامل مع الاستقامة كمفهوم رائج ومتداول وغير مهم؛ إلا أن الأمر ليس كذلك؛ فهو مفهوم فائق الأهمية وحساس؛ تبرز أهميته في العمل أكثر بمراتب من ذلك الشيء الذي يتصوره الإنسان في ذهنه. الاستقامة تعني الثبات على الصراط المستقيم ﴿وأن لَو استَقامُوا عَلى الطَرِيقَة لأسْقَيناهُمْ مَاءًا غدقاً﴾ [الجن/16]، أي إذا استقاموا على هذا الصراط نفسه، وكانوا في هذا الاتجاه عينه، ولم يبدلوا طريقهم ولم يتأثروا بالظروف؛ حينها ستترتب النتائج الدنيوية والثواب الأخروي. هذا ما يقوله القرآن ﴿إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا تتنزل عليهم الملائكة ألاّ تخافوا ولا تحزنوا﴾، شرف نزول الملائكة ومخاطبتهم أن لا تخافوا ولا تحزنوا. متى يحصل هذا الشرف؟ عند الاستقامة. هي كلمة يقولها الإنسان: استقيموا اثبتوا، ينظر الجميع إلى بعضهم ويقولون سمعا وطاعة. ألا أن الاستقامة في ميدان العمل مسألة هامة جدا.(8/10/1374)
يقول القران الكريم: ﴿إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا تتنزل عليهم الملائكة﴾[1]، فقولهم ﴿ربنا الله﴾ يعني الإقرار بالعبودية لله والتسليم له؛ وهذا أمر في غاية العظمة؛ لكنه ليس كافيًا، فحينما نقول (ربُّنا الله) فهذا حسن جدًا لذلك الأوان الذي نطلقها فيه، لكننا إذا نسيناها فإن (ربّنا الله) الذي أطلقنا اليوم لن تجدينا نفعًا في الغد، لذلك فهو يقول ﴿ثم استقاموا﴾، أي يثبتون ويمضون على هذا الطريق. وهذا مما يؤدي إلى أن "تتنزل عليهم الملائكة"؛ وإلاّ لا تتنزل عليهم ملائكة الله للحظة جيدة أو آنٍ جيدٍ واحدًا، ولا يدرك الإنسان نور الهداية ولا تمتد نحوه يد العون الإلهي، ولا يبلغ الإنسان مقام العباد الصالحين [إن صلح لفترة ثم توقف]؛ فلابدّ من مواصلة هذا الدرب والمضي في ﴿ثم استقاموا﴾ وإذا ما أردتم أن تتحقق هذه الاستقامة فعليكم الحذر دائمًا من أن يهبط بناء وميزان المعنوية هذا عن مستواه المطلوب.(17/7/1381).
الاستقامة؛ التحرر من الحزن والخوف
من بين هذه المفردات تبرز مفردة "الاستقامة" ﴿إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا تتنزل عليهم الملائكة ألاّ تخافوا ولا تحزنوا﴾، أي إنهم يكونون على اتصال بالملكوت الأعلى في دنياهم هذه، حيث يحصلون على معين لا ينضب روحيًا وفكريًا ونفسيًا فلا يستولي عليهم خوف ولا حزن؛ فالخوف إنما يأتي من الأخطار التي ربما تتهدد الإنسان. فإذا ما تحرر المرء من الخوف فحينها يمضي في طريقه ويتقدم نحو هدفه بمزيد من الجرأة والاقتدار وبروحية عالية، وعندما لا يعتري الإنسان الخوف والحزن فهو بسبب أنه لا يفقد شيئا...
أولًا، لأن سلوك هذا الطريق يكتنف الكثير من النجاح والتوفيق.
ثانيًا، إذا كان للإنسان أن يفقد شيئا؛ فلأنه في سبيل ما عهد إليه من واجب وأداءٍ للتكليف الإلهي، فهو مرتاح الضمير. مثلما هو حاصل بالنسبة لعوائل الشهداء الذين استشهد أبناؤهم وفجعوا بهم، لكن قلوبهم عامرة بالسرور، فشتان ما بين هؤلاء وبين أولئك الذين تصادفهم مثل هذه الحادثة في غير طريق الشهادة. (21/9/1380)
الاستقامة؛ الانطلاق والاستمرار
البداية والانطلاق أمر مبارك، لكنه ليس كافيا. عندما تستقيمون، وعندما تثبتون وتوتِدون أقدامكم في طريق وتستمرون فستتضاعف قيمة ذلك العمل. لا تكتفوا بالبداية الحسنة، صمموا على الاستمرار في الطريق بمراعاة الدقة والملاحظة وكل الظروف اللازمة للاستمرار في هذا السبيل.(17/9/1382).
106- إنّ المحافظة على النعمة أصعب من اكتسابها، قال تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ﴾[2] فلا يكفي مجرد قول: ﴿رَبُّنَا اللَّهُ﴾ بل لابد مع ذلك من الاستقامة، وعنده ﴿تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ ﴾ فالاستقامة هي الأساس، وإلا فقد يكون بإمكان شخص ضعيف مثلي أن يرفع حملًا ثقيلًا للحظات، إلا أنه لا يمكنه أن يستمر في حمله وسرعان ما سيطرحه أرضًا. فالشخص القوي والمنجز للعمل هو الذي باستطاعته رفع هذا الحمل الثقيل والاستمرار في حمله خلال المدة المطلوبة.
إنّ نوايا كثيرين منّا صالحة، ونباشر العمل بنوايا صالحة، إلا أننا [عندما] لا نستطيع الاحتفاظ بهذه النوايا، حيث تصطدم هذه النوايا أثناء الطريق ببعض الموانع وتبدأ بالتآكل والاضمحلال، وأحيانًا تأتي جاذبة قوية معارضة تجر القلب نحوها - القلب الذي هو مكمن النوايا - وسرعان ما تدركون اختفاء النيّة وتبدّلها، وحينها ينحرف الشخص عن مساره، وإذا رأيتم أنّ أشخاصًا كانوا يقولون: ﴿رَبُّنَا اللَّهُ﴾ في حين أنهم حاليًا يتوجهون نحو عبادة الأصنام بدل توجههم الى الكعبة، وانقلبوا على شعاراتهم الخَلاّبة 180 درجة، إنما هو بسبب عدم تمكّنهم من الحفاظ على مبادئهم؛ لأنه قد ظهرت اثناء الطريق جذبات وميول.
ربما سمعتم بذلك الشخص الذي نوى أنْ يمارس الارتياض أربعين يومًا، مضى اليوم الاول والثاني والخامس؛ فما أن بلغ اليوم العشرين حتى دبّت فيه الوساوس الشيطانية، فعرضت له امرأة بالغة الجمال، ووُضع أمامه طعامُ شهي، وعُرضت له أموال طائلة، ولذا لم يتمالك نفسه، واستسلم للرغبات وذهبت الجهود التي بذلها طوال عشرين أو ثلاثين يومًا أدراج الرياح، يمكن لهذه الحكاية أن تكون حقيقة، وحتى إذا لم تكن حقيقة، فإن الدرس الذي يُراد تقديمه من خلالها واضح. (8/6/1384)
فاستقم كما امرت
علينا أن لا ننسى هذا الهدف أنّ الاستقامة يعني عدم ضلال الطريق وعدم نسيان الهدف. إن هذا الأمر دقيق ومهم إلى درجة أن الله تعالى مع عظمة النبي (صلى الله عليه وآله) قد أوصاه به أيضًا ونحن علينا أن نوصي أنفسنا بذلك.
لقد أوصى الله تعالى: "فاستقم كما أمرت ومن تاب معك". إحذروا الخطأ وضلالة الدرب. إن الحديث عن ضلالة الطريق هو حديث عام مبهم ومعقد بعض الشيء؛ كل شخص يدّعي أن الطريق من هنا، قد يصادف أن يكون صديقان أو أخوان وكل واحد منهما لديه نظرة وذوق وأسس مختلفة عن الآخر في مجالات سياسية واقتصادية؛ وكل واحد منهما يدعي أن طريقه هو الطريق الصحيح. فهل يا ترى هذا هو معنى الاستقامة على الطريق؟! كلا، حتمًا هناك اختلافات في الطباع والأذواق.
أنتم في كل صلاة تقفون بين يدي الخالق وترددون مرتين وفي كل يوم عشر مرات على الأقل "اهدنا الصراط المستقيم"، الإنسان في العادة، يدعو الله ويطلب منه الصراط المستقيم دائمًا، والاستجابة تكون "فاستقم كما أُمرت". وبالنسبة لنا نحن العاملين والمسؤولين تكون مسؤوليتنا أكبر وحملنا أثقل.
الاستقامة والبصيرة - مقتطف من كلمات سماحة الإمام القائد السيد علي الخامنئي (دام ظله) حول البصيرة والاستقامة
[1]-صورة فصلت، الآية: 30.
[2]سورة فصلت، الآية: 30.
المصدر:شبکه المعارف