emamian

emamian

كانت شهادة الإمام الصادق (عليه السلام) بحسب أحد الأقوال في الخامس والعشرين من شوّال، وقيل: في النصف من رجب، والأوّل هو المشهور، واتّفق المؤرّخون من الفريقين على أن شهادته كانت عام 148 كما قلنا.

 

كما اتّفق مؤلفو الشيعة على أن المنصور اغتاله بالسمّ على يد عامله بالمدينة، وقيل أن السّم كان في عنب كما ذكر ذلك الكفعمي في المصباح.

 

وذكر بعض أهل السنّة أيضا موته بالسمّ، كما في «إسعاف الراغبين» و«نور الأبصار» و«تذكرة الخواص» و«الصواعق المحرقة» وغيرها.

 

عند الشهادة:

ولمّا كاد أن يلفظ النفس الأخير من حياته أمر أن يجمعوا له كلّ من بينه وبينهم قرابة، وبعد أن اجتمعوا عنده فتح عينيه في وجوههم فقال مخاطبا لهم: إن شفاعتنا لا تنال مستخفّا بالصلاة ([1]).

 

وهذا يدلّنا على عظم اهتمام الشارع الأقدس بالصلاة، فلم تشغل إمامنا (عليه السلام) ساعة الموت عن هذه الوصيّة، وما ذاك إلاّ لأنه الإمام الذي يهمّه أمر الامّة وإرشادها الى الصلاح حتّى آخر نفس من حياته، وكانت الصلاة أهم ما يوصي به ويلفت إليه.

 

وأحسب إنما خصّ أقرباءه بهذه الوصيّة، لأن الناس ترتقب منهم الإصلاح والإرشاد فيكون تبليغ هذه الوصيّة على ألسنتهم أنفذ، ولأنهم عترة الرسول فعسى أن يتوهّموا أن قربهم من النبي وسيلة للشفاعة بهم وإن تسامحوا في بعض أحكام الشريعة، فأراد الصادق أن يلفتهم الى أن القرب لا ينفعهم ما لم يكونوا قائمين بفرائض الله.

 

وكانت زوجته أمّ حميدة([2]) تعجب من تلك الحال وأن الموت كيف لم يشغله عن الاهتمام بشأن هذه الوصيّة، فكانت تبكي اذا تذكّرت حالته تلك([3]).

 

وأمر أيضا وهو بتلك الحال لكلّ واحد من ذوي رحمه بصلة، وللحسن الأفطس([4]) بسبعين دينارا، فقالت له مولاته سالمة: أتعطي رجلا حمل عليك بالشفرة يريد أن يقتلك؟ قال : تريدين ألاّ أكون من الذين قال الله عزّ وجل فيهم: «والذين يصلون ما أمر الله به أن يوصل ويخشون ربّهم ويخافون سوء الحساب»([5]) نعم يا سالمة إن الله خلق الجنّة فطيّب ريحها، وإن ريحها ليوجد من مسيرة ألفي عام، ولا يجد ريحها عاقّ ولا قاطع رحم([6]).

 

وهذا أيضا يرشدنا الى أهميّة صلة الأرحام بعد الصلاة وقد كشف في بيانه عن أثر القطيعة.

 

وما اكتفى (عليه السلام) بصلة رحمه فقط بل وصل من قطعه منهم بل من همّ بقتله، تلك الأخلاق النبويّة العالية.

 

بعد الشهادة:

ولمّا قبض (عليه السلام) كفّنه ولده الكاظم (عليه السلام) في ثوبين شطويين([7]) كان يحرم فيهما، وفي قميص من قمصه، وفي عمامة كانت لعلي بن الحسين (عليه السلام)، وفي برد اشتراه بأربعين دينارا([8]).

 

وأمر بالسراج في البيت الذي كان يسكنه أبو عبد الله (عليه السلام) الى أن اخرج الى العراق كما فعل أبو عبد الله (عليه السلام) من قبل في البيت الذي كان يسكنه أبوه الباقر (عليه السلام)([9]).

 

وقال أبو هريرة([10]) لمّا حمل الصادق (عليه السلام) على سريره واخرج الى البقيع ليدفن:

أقول وقد راحوا به يحملونه

 على كاهل من حامليه وعاتق

 أتدرون ما ذا تحملون الى الثرى

 ثبير ثوى ([11]) من رأس علياء شاهق

 غداة حثا الحاثون فوق ضريحه

  ترابا وأولى كان فوق المفارق

 أيا صادق ابن الصادقين إليه

 بآبائك الأطهار حلفة صادق

 لحقّا بكم ذو العرش أقسم في الورى

 فقال تعالى الله رب المشارق

 نجوم هي اثنى عشرة كن سبقا

 الى الله في علم من الله سابق

 

ودفن (عليه السلام) في البقيع مع جدّه لامّه الحسن وجده لأبيه زين العابدين، وأبيه الباقر عليهم جميعا صلوات الله، وهو آخر من دفن من الأئمة في البقيع، فإن أولاده دفنوا بالعراق إلاّ الرضا في خراسان.

 

الإمام الصادق (عليه السلام)، ج 2 - بتصرّف، العلامة الشيخ محمد الحسين المظفر (قدس سره)

 

([1]) بحار الأنوار : 47 / 2 / 5، محاسن البرقي : 1 / 80.

([2]) هي أمّ الكاظم 7.

([3]) محاسن البرقي : 1 / 80 / 6.

([4]) أشرنا الى شيء من حاله في تعليقة ج 1 229.

([5]) الرعد: 21.

([6]) المناقب: 4 / 273، والغيبة للشيخ الطوسي : 128.

([7]) شطا: اسم قرية في مصر تنسب إليها الثياب الشطويّة.

([8]) الكافي، باب مولد الصادق (عليه السلام): 1 / 475 / 8.

([9]) نفس المصدر.

([10]) الظاهر أنه العجلي وقد عدّه ابن شهرآشوب في شعراء أهل البيت المجاهدين، وروي أن الصادق (عليه السلام) ترحّم عليه، وهذا يقتضي أن يكون موته قبل الصادق، إلاّ أن يكون الترحّم عليه وهو حي، أو أن الكاظم هو المترحّم ونسب الى الصادق خطأ.

([11]) الأنسب أن يكون ـ هوى ـ ولعلّ الخطأ من النسّاخ.

يجب ردع انتنياهو قبل أن يتصرف في مسألة الضم. فالصراخ بعد الحقيقة لن يحقق الكثير وسيكون من المستحيل عملياً عكس المكاسب الإقليمية غير الشرعية.

قالت صحيفة "فاينانشيال تايمز" البريطانية في افتتاحيتها إنه قبل تسع 9 سنوات، حذر إيهود باراك، وزير الدفاع الإسرائيلي آنذاك، من أن "إسرائيل" ستواجه "تسونامي دبلوماسياً" إذا لم تقدم مبادرة لدفع عملية السلام العربية الإسرائيلية إلى الأمام. وتحت حكم بنيامين نتنياهو الذي استمر 11 عاماً، حدث العكس. ففي الوقت الذي قاد فيه رئيس الوزراء السياسة الإسرائيلية إلى اليمين أكثر من أي وقت مضى، فقد أيد الاستيطان اليهودي في الضفة الغربية المحتلة، وشيطن صورة الفلسطينيين ودفن بنجاح النقاش الإسرائيلي السائد حول مفهوم "الأرض مقابل السلام"، والذي كان لعقود الأساس المقبول دولياً حيث كان من المفترض أن يبنى عليه حل دائم للصراع.

ورأت الصحيفة أن استراتيجية نتنياهو دمرت تقريباً آمال الفلسطينيين في حل الدولتين. لكن نتنياهو يتفاخر بأن العلاقات الخارجية لـ"إسرائيل" لم تكن أقوى في أي وقت مضى مما هي عليه الآن، وهو عامل ساعده على جذب الناخبين لأنه أصبح أكثر رئيس وزراء خدم في "إسرائيل" على الرغم من الفضائح ومحاكمة الفساد. إن افتخاره هو إدانة مدمرة للرد الضعيف من جانب الولايات المتحدة وأوروبا وغيرها على موقفه المتشدد من القضية الفلسطينية وازدرائه للاتفاقيات الدولية. والآن، بتشجيع من الرئيس الأميركي دونالد ترامب، يهدد بضم وادي الأردن، الذي يمثل حوالى 30 في المئة من الضفة الغربية، بالإضافة إلى ضم منازل أكثر من 500000 مستوطن يهودي في الأراضي المحتلة.

يقول نتنياهو إن العملية القانونية للضم ستبدأ في الأول من تموز / يوليو المقبل. ويأتي ذلك بعد أن كشف ترامب عن "خطة سلام" هذا العام تتوقع من الفلسطينيين - الذين خدمهم قادتهم بشكل سيء - أن يتنازلوا عن مواقف تفاوضية رئيسية لديهم قاتلوا لأجلها لأكثر من ثلاثة عقود. فإذا مضى نتنياهو قدماً الآن في عملية الضم، فقد يقرّب الإسرائيليين والفلسطينيين من دولة واحدة، حيث يتمتع الأخيرون بحقوق محدودة ويقتصرون على الجيوب الأصغر. ولكن مع وجود ترامب في منصبه، من المتوقع أن تقوم الولايات المتحدة - التي كانت الوسيط الرئيسي في الصراع العربي الإسرائيلي منذ فترة طويلة - بتسليط الضوء على الضم. لقد قلب ترامب بالفعل عقوداً من السياسة الأميركية بالاعتراف بالقدس عاصمة لـ"إسرائيل" وقبول مطالباتها بالسيادة على مرتفعات الجولان السورية المحتلة.

ورأت الصحيفة أنه بينما يتبع الرئيس الأميركي سياسة متهورة في الشرق الأوسط، فقد حان الوقت لأوروبا لتقف. تعد أوروبا أكبر شريكاً تجارياً لـ"إسرائيل"، وتعتبر معظم الحكومات الأوروبية المستوطنات الإسرائيلية غير شرعية وتدعم حل الدولتين. ومع ذلك، في حين سارع الاتحاد الأوروبي إلى إدانة ضم روسيا لشبه جزيرة القرم في عام 2014 وفرض عقوبات على موسكو، فإن رده على الاستعمار الإسرائيلي الزاحف كان بسيطاً.

فمن أجل الفلسطينيين، ومصداقية الاتحاد الأوروبي، وما تبقى من عملية السلام، يجب على أوروبا أن توضح لنتنياهو أن أي ضم سيقابله عواقب. سيكون الإجراء الفوري هو التهديد بحظر الاستيراد من المستوطنات وتوضيح أن الكيانات الإسرائيلية في الأراضي المحتلة لن يتم التعامل معها على أنها جزء من "إسرائيل".

وقالت الصحيفة إنه يجب ردع انتنياهو قبل أن يتصرف في مسألة الضم. فالصراخ بعد الحقيقة لن يحقق الكثير - سيكون من المستحيل عملياً عكس المكاسب الإقليمية غير الشرعية. قد يعتبر العديد من الإسرائيليين الضم ضمانة للنصر، لكن تدمير آمال الفلسطينيين في تسوية عادلة مع "إسرائيل" سيخزن مشاكل أكبر في المستقبل. من المرجح أن يحول الضم الشباب الفلسطينيين الذين يحيط بهم الاحتلال من كل حدب وصوب إلى خطاب التطرف.

وختمت "فاينانشيال تايمز" قائلة إنه إذا سمح العالم الخارجي لنتنياهو بالمضي قدماً في خططه، فسوف يتحمل بعضاً من المسؤولية عن تداعيات ذلك. لقد حان الوقت لقيام تسونامي دبلوماسي.

ترجمة بتصرف: هيثم مزاحم

الثلاثاء, 16 حزيران/يونيو 2020 21:09

آفات التوحيد العباديّ

إنّ القرآن الّذي هو شفاء لما في باطن الإنسان من داء ﴿وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُور﴾[1]، يعرِّف الإنسان علىٰ آفات التوحيد العبادي، فالتوحيد في العبادة له عدوّ باطنيّ، وعدوّ خارجيّ. فالعدوّ الباطنيّ وصفته بعض الروايات بأنّه (أعدىٰ الأعداء) فقالت: «أعدىٰ عدوّك نفسك الّتي بين جنبيك»[2] فهو الهوىٰ والشهوات، الّذي لايعيق الإنسان عن بلوغ الكمال فحسب، بل يحطّم الإنسان شيئاً فشيئاً إلىٰ درجة أن لاينال من عمره شيئاً سوىٰ الحسرات والآهات. والسرّ في كونه (أعدىٰ الأعداء) هو انّه ليس هناك من عدوٍّ يفعل بالانسان هذا الفعل المشين الّذي يفعله هوىٰ النفس، فهو بواسطة الإفراط في الأكل والنوم والكلام يَشُلّ الإنسان بحيث لايبقي له قدرة علىٰ الحركة.

 

امّا العدوّ الخارجي للتوحيد العباديّ فهو الشيطان. وبالطبع فإنّ العدوّ الخارجيّ يغوي الإنسان بواسطة التصرّف في مصادر حسّه وطرق ادراكه وأعضائه الحركيّة. ولهذا فهذان العدوّان يرجعان الىٰ سببين طوليّين لاعرضيّين، أي أنّ العدوّ الخارجيّ (الشيطان) يجرُّ الإنسان نحو الفساد عن طريق العدوّ الباطنيّ (هوىٰ النفس)، وأدوات اغوائه هي وسوسة النفس. والشيطان يقول حول طريقة اختراقه للقلوب: ﴿وَلأُضِلَّنَّهُمْ وَلأُمَنِّيَنَّهُم﴾[3]، فهو يوقع بالإنسان عن طريق (الاُمنيّة). فالشيطان لايستطيع أن يُضِلَّ أحداً بغير وسيلة للإغواء، بل هو مثل السمّ القاتل الّذي يفتك بالإنسان عن طريق الجهاز الهضميّ. فالسمّ مالم يؤكل وما لم يجذبه الجهاز الهضميّ فإنّه لايؤثّر شيئاً.

 

والعابد الّذي يُصغي الىٰ هذين العدوّين، فهو ليس موحّداً في العبادة، وإذا قال في الصلاة (ايّاك نعبد) فهو كاذب. ومثل هذا الإنسان المُنفلت قد شيّد في باطنه معبداً للأصنام فهو منهمك في عبادة الصنم، وليس له من التوحيد نصيب.

 

وقد حذَّرَ القرآن الكريم من خطر هذين الأمرين، فقال حول العدوّ القريب والباطنيّ: ﴿أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلٰهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَىٰ عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَىٰ سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَىٰ بَصَرِهِ غِشَاوَة﴾[4] فالّذي يعمل طبقاً لما يشتهي، والمنفلت هو مطيع لهواه وليس تابعاً لقانون الله، وهو في الواقع يعبد هواه فإلٰهه هواه وهو (عبد الهوىٰ) وليس (عبداً لله).

 

امّا فيما يتعلّق بالأمر البعيد والخارجيّ فيقول تعالىٰ: ﴿أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَن لاَّ تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌ مُّبِين﴾.[5] وإذا ما اُبتلي الإنسان بخدعة عامل الهلاك القريب أو البعيد فوقع في عبادة الصنم، فهو مشمول بالخطاب التوبيخيّ لنبيّ الله ابراهيم (عليه السلام) حيث قال: ﴿أُفٍّ لَّكُمْ وَلِمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّه﴾.[6]

 

فالقرآن الكريم من جهة يعتبر البعض عبيد الهوىٰ ومن جهة اُخرىٰ يقول علىٰ لسان الخليل «اُفّ لمن يعبد غير الله» وهذا «التأفّف» ليس لعناً وانزجاراً موقّتاً وعابراً حتّىٰ يكون موعده قد انقضىٰ وتصرّم، بل هو من كلام القرآن الّذي هو «يجري كما يجري الشمس والقمر»[7]، وعليه فإنّه اليوم أيضاً، يخاطب حجّة العصر الإمام المهدي (عج) عبيد الهوىٰ ويقول: ﴿أُفٍّ لَّكُمْ وَلِمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّه﴾.

 

فالإنسان من جهة يبلغ بالعبادة المقام الشامخ ويرقىٰ إلىٰ ذرىٰ الولاية ويثبت اسمه في سجلّ المقبولين، ومن جهة اُخرىٰ يتسافل بسبب عبادة الهوىٰ ويسقط إلىٰ حضيض الضلالة بحيث يستحقّ الخطاب المشين المذكور. والإنسان بتغلّبه علىٰ هذين العدوّين الباطنيّ والخارجيّ (الهوىٰ والشيطان) وسيطرته عليهما يصل الىٰ درجة التوحيد الصادق.

 

والقرآن الكريم في مقام تبيين صفات الموحّدين الصادقين ومدحهم يقول: ﴿وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَىٰ لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لاَ يُشْرِكُونَ بِي شَيْئ﴾[8]، أي انّ الموحّدين الصادقين إذا أصبحت بيدهم القدرة والحكومة، فليس فقط يعبدون الله بل هم لايجعلون لله أيّ شريك أيضاً.

 

وصحيح انّ جملة (يعبدونني) غير مفيدة للحصر، لكن جملة (لايشركون بي شيئاً) الّتي هي نكرة في سياق النفي تفيد الحصر، وحيث انّ الجملة الثانية وردت الىٰ جانب الجملة الاُولىٰ بغير حرف عطف فهذا يدلّ علىٰ انّ التوحيد العباديّ ونفي الشرك معنيان غير منفصلين عن بعضهما، وإذا دلّت النكرة في سياق النفي علىٰ نفي جميع أنحاء الشرك فالعبادة ستكون خالصةً لله، وهذا هو نفسه مضمون: (ايّاك نعبد).

 

والصفات المذكورة تتعلّق بالمؤمنين الصالحين الّذين وصلوا الىٰ سُدّة الحكم وليست محصورة بالمرسلين والأئمّة المعصومين (عليهم السلام) ولهذا فانّ الوصول الىٰ هذا المقام ميسور لكلّ انسان.

 

وخلاصة القول هي انّ الله سبحانه من جهة يحصر العبادة والخوف والرهبة في ذاته المقدّسة: ﴿إِيِّاكَ نَعْبُد﴾، ﴿إِيَّايَ فَارْهَبُون﴾[9]، ومن جهة اُخرىٰ يبيّن أعداء وآفات التوحيد العباديّ ويوضّح سبيل علاجها ومواجهتها ومن جهة ثالثة يكلّف الجميع بالإلتزام بها، ومن جهة رابعة يعدّ المحاور الأساسيّة للتكليف سهلة وبعيدة عن العسر والحرج. وبالنتيجة فإنّ تحصيل مثل هذا الكمال مقدور للإنسان، بل هو سهل عليه.

 

آية الله الشيخ جوادي  آملي

 

[1] . سورة يونس، الآية 57.

[2] . البحار، ج67، ص64.

[3] . سورة النساء، الآية 119.

[4] . سورة الجاثية، الآية 23.

[5] . سورة يس، الآية 60.

[6] . سورة الأنبياء، الآية 67.

[7] . البحار، ج89، ص97.

[8] . سورة النور، الآية 55.

[9] . سورة البقرة، الآية 40.

مع اقتراب موعد رفع الحظر المفروض على الأسلحة الإيرانية، تعمل واشنطن على منع حدوث ذلك ومنع تعزيز موقف إيران في سوق الأسلحة العالمية؛ لكن النقطة المهمّة هنا هي أن إيران غير مقيّدة في هذا الاتجاه، ففي أواخر العام الماضي، أشار وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو، الذي عمل بجد لإخراج بلاده من الاتفاق النووي وممارسة أقصى ضغط على إيران، إلى فقرة في قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم 2231 الذي يكون فيه الاتفاق النووي جزءاً منه، وصف إنهاء حظر السلاح الإيراني بأنّه عامل من عوامل انعدام الأمن في غرب آسيا، دون ذكر مبيعات الأسلحة التي تبلغ قيمتها مليار دولار إلى الدول العربية.
وفي إشارة لهما حول انتهاء الحظر على السلاح الايراني في اكتوبر القادم، دعا بومبيو وبرايان هوك، رئيس مجموعة العمل الخاصة بإیران في وزارة الخارجية الأمريكیة، مرارًا وتكرارًا إلى إنهاء فوري لعملية إنهاء الحظر على الأسلحة الايرانية الذي ينتهي في أكتوبر وفقاً لقرار ٢٢٣١ التابع لمحلس الأمن.
وذكرت صحيفة واشنطن بوست أواخر الشهر الماضي أنّ واشنطن ستسعى في البداية إلى توافق في مجلس الأمن لتمرير قرارات تمديد حظر الأسلحة الإيرانية إلى أجل غير مسمّى. وتابعت الصحيفة قائلة إنّه إذا لم تنجح الولايات المتحدة في ذلك، فستستخدم القرار 2231 لإعلان نفسها عضواً في الاتفاق النووي لتنفيذ الـ (Snapback)ومن خلال ذلك ستعود جميع عقوبات الأمم المتحدة الموضوعة في نهايات الفصل السابع التي تشتمل أيضاً على حظر السلاح.
في غضون ذلك، قالت إيران إنها سترد بالمثل إذا نجحت أمريكا في إعادة فرض حظر الأسلحة، مستشهدة بانسحاب أمريكا غير القانوني ومن جانب واحد من الاتفاق النووي. ومع ذلك، فقد أعلنت دول مثل الصين وروسيا رسمياً أنّ جهود أمريكا غير منطقية وأن واشنطن لم تعد عضواً في الاتفاق النووي، لكن لدى طهران أيضاً خيارات مطروحة يمكن أن توقف الإجراءات والجهود الأمريكية، وتسجل فشلاً آخر لمسؤولي واشنطن.

 الحد من عمليات التفتيش
 بالنظر إلى أن إيران تخضع لأقسى أنواع التفتيش، يبدو أن بإمكانها اتخاذ إجراءات للحدّ من عمليات التفتيش في ثلاثة أقسام: منطقة التفتيش وعدد عمليات التفتيش ومستوى الوصول، وفي هذا الصدد، قال بهروز كمالوندي، المتحدث باسم منظمة الطاقة الذرية، في مؤتمره الصحفي الذي عقده مع الصحفيين يوم السبت في نوفمبر / تشرين الثاني الماضي، على موقع Fordow Enrichment على الإنترنت، عن إمكانية تقليل عمليات التفتيش: يجب أنّ أشير من خلال هذا الأمر أنّه في بعض الموارد التي تتعلق بتخفيض التزاماتنا بالاتفاق النووي، لم يعد من الضروري تفتيش الوكالة، وإذا أرادوا الاستمرار في ذلك، فسيضيّعون وقتهم.
وأشار محمد علي بورمختار، عضو اللجنة القانونية والقضائية في مجلس الشورى لدورته العاشرة، إلى عدم التزام الأطراف الغربية وقال: "إذا استمر الأوروبيون في نقض التزاماتهم ولم يتمّ تأمين مصالح البلاد، فسيتمّ فرض قيود على عمليات التفتيش التي تقوم بها الوكالة الدولية للطاقة الذرية".
 كما صرّح في هذا الصدد محمد جواد جمالي نوبنديجاني، نائب رئيس لجنة الأمن القومي في مجلس الشورى ذاته، بأنّ فرض بعض القيود على عمليات التفتيش التي تقوم بها الوكالة الدولية للطاقة الذرية للمنشآت النووية الإيرانية يمكن أن يكون على جدول الأعمال كجزء من تقليل التزامات البلاد.

رفع مستوى التخصيب
 قبل الاتفاق النووي، كانت إيران تُخصّب بنسبة 20 في المئة من اليورانيوم، وكان الكثيرون يرون ذلك كأداة قوة في أيدي الحكومة للمساومة، ويعتقد المحللون السياسيون أنه بالنظر إلى ان خط التخصيب الأحمر هو فوق 5 في المئة، فإذا أعلن المسؤولون في البلاد عودة النسبة إلى 20 في المئة، فقد تكون خطوة فعّالة تقابل عدم التزام الغرب، وقال كمالوندي في مؤتمر صحفي عقده العام الماضي في فوردو: "لدينا القدرة على تخصيب اليورانيوم بنسبة تصل إلى 60٪ وسنقوم بذلك بناءً على احتياجات البلد وأوامر السلطات".
وقال علي أكبر صالحي رئيس منظمة الطاقة الذرية على هامش زيارة الصحفيين لمجمع الشهيد أحمدي روشن للتخصيب (نطنز): "عندما يطلب كبار المسؤولين تخصيب اليورانيوم بنسبة 20 في المائة، فإننا سنحقّقه في غضون أربع دقائق، وفي هذا الصدد، قال نائب رئيس لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية في مجلس الشورى: "إنّ تخفيض التزامات إيران يمكن أن يزيد مستوى التخصيب إلى المستوى المطلوب لإجبار الأوروبيين على الوفاء بالتزاماتهم".

 عدم تنفيذ البروتوكول الإضافي
بحسب الاتفاق النووي، فإن إيران ستنفذ البروتوكول الإضافي طوعاً، ووفقاً لبنود الاتفاقية، يجب على ايران مراجعة البروتوكول الإضافي والموافقة عليه في مجلس الشورى الإسلامي في السنة الثامنة من الاتفاقية مع تاريخ تقديم تقرير المدير العام للوكالة.
ومع ذلك، وبالنظر إلى انسحاب أمريكا من جانب واحد من الاتفاق النووي وأن الدول الثلاث، بريطانيا وألمانيا وفرنسا، لم تفِ بالتزاماتها، طرح بعض المسؤولين فكرة تنفيذ البروتوكول الإضافي كأحد خيارات إيران المطروحة، وتعتبر هذه الخطوة بمثابة تحذير خطير للأطراف الأوروبية المتبقية في الاتفاق النووي للوفاء بالتزاماتها.
وقال علي مطهري، النائب السابق لرئيس مجلس الشورى الإسلامي: "الآن بعد أن تعرّضت إيران لضغوط كبيرة ولعمليات تفتيش للمنشآت النووية أكثر من أي دولة أخرى، يمكننا الامتناع عن تنفيذ البروتوكول الإضافي".
 كما أكّد المتحدث باسم لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية التابعة للمجلس العاشر على عدم تنفيذ البروتوكول الإضافي كأحد الخيارات المطروحة على الطاولة الإيرانية، قائلاً: عندما يتمّ تنفيذ البروتوكول الإضافي طواعية، لكنّ الجانب الآخر لا يفي بالتزاماته، يمكن للجمهورية الإسلامية أن توقف التنفيذ الطوعي لهذا البروتوكول.

مغادرة معاهدة حظر الانتشار النووي “NPT”
 انضمت إيران إلى معاهدة عدم الانتشار النووي (NPT)في عام 1968، ومنذ الثورة الإسلامية، كانت العضوية الايرانية في المعاهدة موضع نزاع دائماً.

ويعتقد العديد من الخبراء أنّه من الخطأ أن تواصل إيران وجودها في معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية بسبب الانتهاكات المتكرّرة من الغربيين في الوفاء بالتزاماتهم، على الرغم من التزام إيران بأحكام مجلس الأمن الدولي.
وقال الأدميرال علي شمخاني، أمين المجلس الأعلى للأمن القومي، قبل انسحاب ترامب من الاتفاق النووي: "إذا انسحبت أمريكا مما يسمى بالاتفاق النووي، فإن أحد خيارات إيران هو الانسحاب من معاهدة عدم الانتشار النووي. وبعد انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي، قال بهروز كمالوندي المتحدث باسم منظمة الطاقة الذرية في بيان إن الوكالة الدولية قدمت عدة مقترحات لخفض التزاماتها واضاف ان منظمة الطاقة الذرية قدمت ١٥ مقترحا يمكن تنفيذها في المستقبل وإحدى هذه المقترحات هو الانسحاب من معاهدة NPT.
 وبحسب أمين المجلس الأعلى للأمن القومي والناطق باسم منظمة الطاقة الذرية، من الواضح أن الانسحاب من معاهدة حظر الانتشار النووي هو أحد الخيارات على الطاولة الإيرانية لمواجهة الالتزامات الأمريكية والأوروبية، وإمكانية اتخاذ هذا القرار مرتفعة للغاية.
 بالإضافة إلى تصريحات شمخاني وكمالوندي، أشار حميد بعيدي نجاد، سفير إيران في لندن، إلى استمرار الخلافات بين الطرف الآخر، وذلك خلال لقاء مع الصحفيين ووسائل الإعلام البريطانية قائلا: "هنالك بعض الشخصيات داخل إيران تطرح فكرة أن العضوية في معاهدة حظر الانتشار النووي غير مجدية وغير مفيدة، وخلال القضايا التي أثيرت حول الاتفاق النووي، أصبح المزيد من الناس يهتمّون بما يقال عن الانسحاب من معاهدة حظر الانتشار النووي.

الانسحاب من الاتفاق النووي
 أحد أهم الخيارات لمواجهة سوء الالتزام الغربي والأمريكي المستمر هو الانسحاب من الاتفاق النووي، وقال وزير الخارجية محمد جواد ظريف في مقابلة له إنّ: "إيران لديها عدة خيارات، منها خيار الانسحاب من الاتفاق النووي، وهذا بالتأكيد واحد من عشرات الخيارات المتاحة لدينا. وقال في مؤتمر صحفي مع الصحفيين في مقرّ إيران في الأمم المتحدة إنّ إيران قد تنسحب من الاتفاق النووي إذا لم تنجح الآلية المالية الأوروبية.
وبالإضافة إلى وزير الخارجية، أعلن سيد عباس عراقجي، نائب وزير الخارجية السياسي وكبير أعضاء فريق التفاوض النووي، إن الانسحاب من الاتفاق النووي هو أحد الخيارات المتاحة على طاولة إيران، وذلك في مقابلة مع القناة الثانية لشبكة الإعلام الوطني الإيرانية في شهر مايو الماضي، قائلاً: نحن وضعنا الانسحاب على جدول الأعمال.

وفي حديث آخر، شدّد عراقجي على أن المبدأ هو مصلحة البلاد، وليس الحفاظ على الاتفاق النووي، مضيفاً: "إذا كانت مصالح البلاد تتطلّب التّخلي عن الاتفاق النووي، فسيحدث ذلك".
 وقال في مؤتمر صحفي حول حظر الانتشار النووي في موسكو "من الواضح أنه عندما لا يكون الاتفاق في مصلحتك، فلا يوجد سبب لأن تلتزم بتعهداتك، الجميع يعرف أن توازن الاتفاق اختلّ تماماَ، أيّ اتفاق قائم على أخذ وعطى. إذا كانت إيران ستمنح فقط ولن تحصل على أي شيء في المقابل، فلماذا يجب أن نبقى في هذه الاتفاقية؟

 تغيير موقف إيران في القضية النووية
 في معرض التذكير بتعاون إيران بشأن القضية النووية، هدّد عراقجي الأطراف الغربية المنضمة في الاتفاق النووي بطريقة ما قائلاً: "إذا كانت مكافأة إيران بعد كل هذا التفاعل والمفاوضات والتعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية هو أن تكون مرة أخرى خاضعة للفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، فهذا يعني أن "عقيدتنا النووية" كانت خاطئة، ونحن بحاجة إلى إعادة النظر في سياستنا وعقيدتنا النووية.
 وقال حسن روحاني في اجتماع لمجلس الوزراء في شهر مايو / أيار الحالي: "إن رفع حظر الأسلحة جزء لا يتجزّأ من الاتفاق النووي، إذا كان من المقرّر أن يعود حظر الأسلحة تحت أيّ عنوان كان، فإن ردنّا هو نفس ما كتبته في رسالة إلى قادة P4 + 1 في الفقرة الأخيرة، وهؤلاء القادة يعرفون جيّداً ما سيكون ردّنا في ذلك اليوم، وهم يعرفون ما هي العواقب الوخيمة للخطأ عليهم.
تُظهر هاتان المسألتان أن إيران تحاول إخبار الأوروبيين من خلال تبنّي استراتيجية متماسكة ورادعة أنه إذا كان نقضهم بالتزاماتهم سيستمر وأن ايران ستزال غير جادّة ضدّ المطالب الأمريكية المتزايدة، فإن البلاد ستكون قادرة على الرد بشكل مناسب من خلال اتخاذ إجراءات مناسبة تصبّ في مصلحة البلاد وتقابل أمريكا

الثلاثاء, 16 حزيران/يونيو 2020 21:05

التعصّب الممدوح والمذموم

 عن الإمام الصادق عليه السلام، قال: "قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: مَن كان في قلبه حبّة من خردل من عصبيّة، بعثه الله تعالى يوم القيامة مع أعراب الجاهليّة"[1].

 

تمهيد

إنّ التعصّب هو أن يدعو الرجل إلى نصرة عصبته (قرابته) والتألّب معهم على من يناويهم، ظالمين كانوا أو مظلومين، والعصبيّ هو من يعين قومه على الظلم ويغضب لعصبته ويحامي عنهم[2].

 

وقد سُئِل الإمام علي بن الحسين عليهما السلام عن العصبيّة، فقال: "العصبيّة التي يأثم عليها صاحبها أن يرى الرجل شرار قومه خيراً من خيار قوم آخرين، وليس من العصبيّة أن يحبّ الرجل قومه، ولكن من العصبية أن يعين قومه على الظلم"[3].

 

وهي من أخطر النزعات وأفتكها في تشـتّت المسلمين وتفرّقهم، وإضعاف طاقاتهم، الروحيّة والمادّيّة، وقد حاربها الإسلام، وحذّر المسلمين من مفاسدها وآثارها السلبيّة على الجميع، يقول الإمام الصادق عليه السلام: "مَن تعصَّب، عصَّبه الله بعصابة من نار"[4].

 

أوّلاً: إمام المتعصّبين

للتعصّب أساس يعود تاريخه إلى افتخار الشيطان على أبينا آدم عليه السلام بخلقه، حيث تعصّب لأصله، ويحكي القرآن الكريم قوله: ﴿خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ﴾[5].

 

فإبليس إمام المتعصّبين، والعصبيّة من جنوده المودية إلى الهلاك، لأنّها تسلك بصاحبها سبيل الضلال والغيّ، وتبعده عن طريق الحقّ والرشاد.

 

وقد ذمّ أميرُ المؤمنين عليه السلام إبليس قائلاً: "فافتخر على آدم بخلقه، وتعصّب عليه لأصله، فعدوُّ الله إمام المتعصّبين وسلف المستكبرين الذي وضع أساس العصبيّة ونازع الله رداء الجبريّة، وادّرع لباس التعزّز، وخلع قناع التذلّل"[6].

 

وفي حديث آخر: "اعترته الحميّة، وغلبت عليه الشقوة، وتعزّز بخلقه النار، واستوهن خلق الصلصال"[7].

 

ثانياً: التعصّب للحقّ

لا ريب أنّ العصبيّة الذميمة التي نهى الإسلام عنها هي: التناصر للباطل، والتعاون على الظلم، والتفاخر بالقيم الجاهليّة.

 

أمّا التعصّب للحقّ، والدفاع عنه، والتناصر لتحقيق المصالح الإسلاميّة العامّة، كالدفاع عن الدين، وحماية الوطن، وصيانة كرامات المسلمين وأنفسهم وأموالهم، فهو التعصّب المحمود الباعث على توحيد الأهداف والجهود، وتحقيق العِزة والمنعة للمسلمين.

 

قال الإمام زين العابدين عليه السلام: "إنّ العصبيّة التي يأثم عليها صاحبها، أن يرى الرجل شرار قومه خيراً من خيار قوم آخرين، وليس من العصبيّة أن يحبّ الرجل قومه، ولكِن من العصبيّة أن يعين قومه على الظلم"[8].

 

وعنه عليه السلام أنّه قال: "لم يدخل الجنّة حميّة غير حميّة حمزة بن عبد المطلب؛ وذلك حين أسلم غضباً للنبيّ صلى الله عليه وآله وسلم"[9].

 

ولقد هاجم أمير المؤمنين عليه السلام الروح العصبيّة، مبيّناً التعصّب الممدوح في خطبة القاصعة قائلاً: "فإن كان لا بدّ من العصبيّة، فليكن تعصبّكم لمكارم الخصال ومحامد الأفعال ومحاسن الأمور، الّتي تفاضلت فيها المُجداء النُجداء من بيوتات العرب ويعاسيب القبائل... فتعصّبوا لخلال الحمد من الحفظ للجوار والوفاء بالذمام والطاعة للبرّ، والمعصية للكِبْر، والأخذ بالفضل، والكفّ عن البغي"[10].

 

وعنه عليه السلام أنّه قال: "إن كنتم لا محالة متعصّبين، فتعصّبوا لنصرة الحقّ وإغاثة الملهوف"[11].

 

ثالثاً: عاقبة العصبيّة

أ. الخروج من الإيمان

لأنّ الإيمان هو التصديق بالقلب، والعمل بالحقّ والعدل، كما جاء في الحديث الشريف عن الإمام الرضا عليه السلام: "وهو معرفة بالقلب، وإقرار باللسان، وعمل بالأركان"[12].

 

وهذا يعني أنّ العصبيّة ستصادم الحقّ وتعاكسه، أي إنّها ستتعارض مع الإيمان؛ لأنّ من الإيمان العمل والسير على مقتضى الحقّ والانصاف، فحلول العصبيّة في القلب ينفي الحقّ والإيمان؛ لأنّ المتعصِّب سيأخذُ جانباً معروفاً مسبقاً ويدافع عنه، حتّى وإن لم يكن على الحقّ!

 

وقد نصَّت الرِّواية عن الإمام الصَّادق عليه السلام على ذلك: "من تَعصَّب أو تُعُصِّبَ له فقد خلع ربقة الإيمان من عنقه"[13].

وجعل الله تعالى التعصّب وصفاً لقلوب الكافرين، حيث قال: ﴿إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ﴾[14].

 

وعن الإمام الصادق عليه السلام أنّه قال: "إنّ الملائكة كانوا يحسبون أنّ إبليس منهم، وكان في علم الله أنّه ليس منهم، فاستخرج ما في نفسه بالحميّة والغضب، وقال: خلقتني من نار وخلقته من طين"[15].

 

ب- الحشر مع الأعراب

قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "مَن كان في قلبه حبّة من خردل من عصبيّة، بعثه الله يوم القيامة مع أعراب الجاهليّة"[16].

 

ج- استحقاق النار

عن الإمام الصادق عليه السلام أنّه قال: "من تعصّب، عصّبه الله عزّ وجلّ بعصابة من نار"[17].

 

رابعاً: الإسلام دين التناصر

جاء الإسلام، والناس متفرّقون شيعًا وأحزابًا وقبائل، فجمع الله به الناس، وألَّف به بين قلوبهم: قال الله تعالى: ﴿وَاذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانً﴾[18].

 

وعن الإمام الباقر عليه السلام أنّه قال: "صعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم المنبر يوم فتح مكّة، فقال: أيّها الناس، إنّ الله قد أذهب عنكم نخوة الجاهليّة وتفاخرها بآبائها، ألا إنّكم من آدم عليه السلام، وآدم من طين، ألا إنّ خير عباد الله عبدٌ اتّقاه، إنّ العربيّة ليست باب والد، ولكنّها لسان ناطق، فمن قصر به عمله، لم يبلغه حسبه، ألا إنْ كان دم كان في الجاهليّة أو إحنة[19]، فهي تحت قدمي هذه إلى يوم القيامة"[20].

 

وقد ربَّى الإسلام أبناءه على استشعار أنّهم أفراد في مجموعة، وأنّهم أجزاء من هذه الجماعة الكبيرة، فالمسلم بشعوره أنّه جزء من الجماعة يحبّ للأجزاء الأخرى مثل ما يحبّ لنفسه.

 

فإنّ انتماء المسلم للجماعة يترتّب عليه حقوق وواجبات، ومن أعظمها واجب التناصر بين المسلمين.

 

وقد أوصى أمير المؤمنين عليه السلام ولديه الحسن والحسين عليه السلام بقوله: "وكونا للظالم خصماً، وللمظلوم عَوْناً"[21]. وعنه عليه السلام أيضاً: "أحسن العدل نصرة المظلوم"[22].

 

وعن الإمام زين العابدين عليه السلام أنّه قال: "اللهمّ، إنّي أعتذر إليك من مظلوم ظُلِم بحضرتي، فلم أنصره"[23].

 

الإنسان والمجتمع، دار المعارف الإسلامية الثقافية

 

[1] الشيخ الكلينيّ، الكافي، مصدر سابق، ج2، ص308.

[2] ابن منظور، لسان العرب، مصدر سابق، ج‏9، ص‏232، 233.

[3] الشيخ الكلينيّ، الكافي، مصدر سابق، ج2، ص308.

[4] المصدر نفسه.

[5] سورة الأعراف، الآية 12.

[6] نهج البلاغة، مصدر سابق، ص 286.

[7] المصدر نفسه، ص 42.

[8] الشيخ الكلينيّ، الكافي، مصدر سابق، ج2، ص308.

[9] الشيخ الكلينيّ، الكافي، مصدر سابق، ج2، ص308.

[10] نهج البلاغة، مصدر سابق، ص 295.

[11] الليثيّ الواسطيّ، عيون الحكم والمواعظ، مصدر سابق، ص163.

[12] الحرّ العامليّ، وسائل الشيعة، مصدر سابق، ج15، ص329.

[13] الشيخ الكلينيّ، الكافي، مصدر سابق، ج2، ص307.

[14] سورة الفتح، الآية 26.

[15] الشيخ الكلينيّ، الكافي، مصدر سابق، ج2، ص308.

[16] المصدر نفسه.

[17] المصدر نفسه.

[18] سورة آل عمران، الآية 103.

[19] الإحنة: الشحناء.

[20] الشيخ الكلينيّ، الكافي، مصدر سابق، ج8، ص246.

[21] نهج البلاغة، مصدر سابق، ص421.

[22] الليثيّ الواسطيّ، عيون الحكم والمواعظ، مصدر سابق، ص113.

[23] الإمام زين العابدين عليه السلام، الصحيفة السجّاديّة الكاملة، مؤسّسة النشر الإسلاميّ التابعة لجماعة المدرِّسين بقم المشرَّفة، إيران - قم، 1404 - 1363 ش، لا.ط، ص187.

الثلاثاء, 16 حزيران/يونيو 2020 21:01

البعد الشمولي في العبادة

حـين نلاحظ العبادات المختلفة في الاسلام نجد فيها عنصر الشمول لجوانب الحياة المتنوعة، فلم تـخـتص العبادات بأشكال معينة من الشعائر، ولم تقتصر على الاعمال التي تجد مظاهر التعظيم للّه سـبـحـانـه وتـعالى فقط، كالركوع والسجود والذكر والدعاء، بل امتدت الى كل قطاعات النشاط الانـساني. فالجهاد عبادة وهو نشاط اجتماعي، والزكاة عبادة وهي نشاط اجتماعي مالي، والخمس عـبـادة وهو نشاط اجتماعي مالي ايضا، والصيام عبادة وهو نظام غذائي، والوضوء والغسل عبادتان وهـمـا لـونان من تنظيف الجسد. وهذا الشمول في العبادة يعبر عن اتجاه عام في التربية الاسلامية يـستهدف ان يربط الانسان في كل اعماله ونشاطاته باللّه تعالى، ويحول كل ما يقوم به من جهد صالح إلـى عبادة مهما كان حقله ونوعه، ومن أجل إيجاد الاساس الثابت لهذا الاتجاه وزعت العبادات الثابتة على الحقول المختلفة للنشاط الانساني، تمهيدا الى تمرين الانسان على ان يسبغ روح العبادة على كل نـشـاطاته الصالحة، وروح المسجد على مكان عمله في المزرع او المصنع اوالمتجر او المكتب، مادام يعمل عملا صالحا من اجل اللّه سبحانه وتعالى.

 

وفـي ذلك تختلف الشريعة الاسلامية عن اتجاهين دينيين آخرين، وهما اولا الاتجاه الى الفصل بين الـعـبـادة والـحياة، وثانيا: الاتجاه الى حصر الحياة في اطار ضيق من العبادة، كما يفعل المترهبون والمتصوفون.

 

امـا الاتـجاه الاول الذي يفصل بين العبادة والحياة فيدع العبادة للاماكن الخاصة المقرر لها، ويطالب الانـسـان بأن يتواجد في تلك الاماكن ليؤدي للّه حقه ويتعبد بين يديه، حتى اذا خرج منها الى سائر حقول الحياة ودع العبادة وانصرف الى شؤون دنياه، الى حين الرجوع ثانية الى تلك الاماكن الشريفة.

 

وهـذه الـثـنائية بين العبادة ونشاطات الحياة المختلفة تشل العبادة وتعطل دورها التربوي البناء في تطوير دوافع الانسان، وجعلها موضوعية، وتمكينه من أن يتجاوز ذاته ومصالحه الضيقة في مختلف مـجـالات الـعـمل. واللّه سبحانه وتعالى لم يركز على أن يعبد من أجل تكريس ذاته وهو الغني عن عـبـاده، لـكي يكتفي منهم بعبادة من هذا القبيل، ولم ينصب نفسه هدفا وغاية للمسيرة الإنسانية لكي يـطـاطىء الانـسـان رأسه بين يديه في مجال عبادته وكفى، وإنما أراد بهذه العبادة أن يبني الانسان الصالح القادر على أن يتجاوز ذاته ويساهم في المسيرة بدور أكبر. ولا يتم التحقيق الامثل لذلك الا اذا امتدت روح العبادة تدريجا الى نشاطات الحياة الاخرى، لان امتدادها يعني ـ كما عرفنا ـ امتداد الـمـوضـوعـية في القصد والشعور الداخلي بالمسؤولية في التصرف، والقدرة على تجاوز الذات وانسجام الانسان مع إطاره الكوني الشامل مع الأزل والأبد اللذين يحيطان به.

 

ومـن هنا جاءت الشريعة ووزعت العبادات على مختلف حقول الحياة، وحثت على الممارسة العبادية فـي كل تصرف صالح، وافهمت الانسان بأن الفارق بين المسجد الذي هو بيت اللّه، وبين بيت الانسان ليس بنوعية البناء أو الشعار، وانما استحق المسجد ان يكون بيت اللّه لانه الساحة التي يمارس عليها الانـسان عملا يتجاوز فيه ذاته ويقصد به هدفا اكبر من منطق المنافع المادية المحدودة، وان هذه الـساحة ينبغي ان تمتد وتشمل كل مسرح الحياة. وكل ساحة يعمل عليه الانسان عملا يتجاوز فيه ذاته ويقصد به ربه والناس اجمعين، فهي تحمل روح المسجد.

 

وامـا الاتـجاه الثاني الذي يحصر الحياة في اطار ضيق من العبادة، فقد حاول ان يحصر الانسان في المسجد، بدلا عن ان يمدد معنى المسجد ليشمل كل الساحة التي تشهد عملا صالحا لانسان.

 

ويـؤمـن هذا الاتجاه بأن الانسان يعيش تناقضا داخليا بين روحه وجسده، ولا يتكامل في احد هذين الجانبين الا على حساب الجانب الاخر. فلكي ينمو ويزكو روحيا يجب ان يحرم جسده من الطيبات، ويقلص وجوده على مسرح الحياة، ويمارس صراعا مستمرا ضد رغباته وتطلعاته الى مختلف ميادين الحياة، حتى يتم له الانتصار عليها جميعا عن طريق الكف المستمر والحرمان الطويل، والممارسات العبادية المحددة.

 

والـشـريـعـة الاسلامية ترفض هذا الاتجاه ايضا لانها تريد العبادات من اجل الحياة، فلا يمكن ان تـصـادر الحياة من أجل العبادات. وهي في الوقت نفسه تحرص على أن يسكب الانسان الصالح روح الـعـبـادة فـي كـل تـصرفاته ونشاطاته، ولكن لا بمعنى أن يكف عن النشاطات المتعددة في الحياة، وتـحـصر نفسه بين جدران المعبد، بل بمعنى ان يحول تلف النشاطات الى عبادات. فالمسجد منطلق لـلانسان الصالح في سلوكه اليومي، وليس محددا لهذا السلوك، وقد قال النبي (صلى الله عليه وآله) لأبي ذر: (ان استطعت ان لا تاكل ولا تشرب الا للّه فافعل).

 

وهكذا تكون العبادة من اجل الحياة، ويقدر نجاحها التربوي والديني بمدى امتدادها مضمونا وروحا الى شتى مجالات الحياة.

 

نظرة عامة في العبادات، آية اللّه الشهيد السيد محمد باقر الصدر

الجمعة, 12 حزيران/يونيو 2020 20:27

اليقين العباديّ وآثاره

استناداً الىٰ الآية الكريمة: {وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّىٰ يَأْتِيَكَ الْيَقِين}[1] فإنّ اليقينَ ثمرة وفائدة العبادة وليسَ هو الحد العدمي لها. وهنا لابدّ أن نأتي علىٰ بيان هذه الحقيقة وهي انّ اليقين الّذي يحصل بواسطة العبادة يختلف عن اليقين الّذي يحصل من البحث العلمي أو رؤية المعجزة.

 

اليقين يحصل من طرق متعدّدة، واليقين الناتج من عوامل وأسباب مختلفة ليس في درجة واحدة، مثلاً اليقين الّذي حصل لفرعون وأعوانه برؤية معجزة عصا موسىٰ لم يكن ذلك اليقين الّذي يهديهم ويخرجهم من الظلمات الىٰ النور. فعندما تحوّلت عصا موسىٰ الىٰ ثعبان يسعىٰ وابتلع سحر السَحرة اتّضح لفرعون وملائه انّ موسىٰ (عليه السلام) علىٰ حقّ، لكنّ اُولئك مع ما حصل لهم من اليقين فقد أنكروا آيات الله البيّنة والمُبيِّنة: {وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُوّاً فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِين}.[2] كذلك اليقين العلميّ للعلماء الّذين هم بغير عمل فإنّه لا أثر له، لكنّ نور اليقين الّذي يضيء بمصباح العبادة ويشعّ علىٰ روح العابد فهو مؤثّر ومنقذ للعابد.

 

وانّ سرَّ ومنشأ فساد الإنسان واستسلامه للذنب هو انّ الذنوب قد اكتست بغطاء من حلاوة اللذّات، والإنسان الساذج والمغفّل يرىٰ هذا الغطاء والقشر الخارجيّ ويعجز عن رؤية باطنه فيتقدّم نحوه رغبة وشوقاً الىٰ ذلك الغطاء الحلو فيقع في فخّ الباطن. وأمّا اُولئك الّذين بلغوا نور اليقين بالعبادة فلديهم قدرة علىٰ رؤية الباطن والخارج، فلا يدنّسون انفسهم أبداً بالذنب الّذي باطنه سمّ مهلك ونار محرقة.

 

واُولئك الّذين نالوا بالعبادة (علم اليقين) ستصبح لديهم القدرة علىٰ رؤية نار جهنّم كما يعلن ذلك القرآن بصراحة: {أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ... ٭ ... كَلاَّ لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ ٭ لَتَرَوُنَّ الْجَحِيم}.[3]

 

اُولئك الّذين تحرّروا من فخّ التكاثر[4] وتزيّنوا بعلم اليقين الّذي هو ثمرة العبادة (وليس البرهان والإستدلال) فهم يرون جهنّم الآن، كما انّ أنصار سيّد الشهداء (عليه السلام) في ليلة عاشوراء وبعد ان صمّموا وعقدوا العزم علىٰ نصرة الإمام، فقد رأوا بواسطة الإمام منازلهم في الجنّة: (وهذا لايعني أنّهم قد قاتلوا مع الإمام بسبب رؤية الجنّة وطمعاً بها).

 

إذن فاليقين الحاصل من العبادة هو الشهود، وبما انّ درجاته لاحدّ لها، فالهدف النهائيّ من العبادة أيضاً لاحدَّ له أيضاً.

 

آية الله الشيخ جوادي آملي

 

[1] . سورة الحجر، الآية 99.

[2] . سورة النمل، الآية 14.

[3] . سورة التكاثر، الآيات 1 ـ 6.

[4] . انّ الجميع مبتلىٰ بالتكاثر الاّ القليل من الناس: «كلّ القوم ألهاهم التكاثر» (البحار، ج75، ص152) فالبعض مبتلىٰ بالتكاثر في المال، والبعض مبتلىٰ بالتكاثر في الأولاد والقبيلة، وآخرون ممّن يعملون في مجال العلم والثقافة مبتلون بالتكاثر في المستمع والتلميذ والقارئ والمأموم و... فالشيطان لم ينصب فخّ التكاثر للأثرياء وعبيد المال فحسب، فلا يُتوهم انّ مدارس العلم وساحات الثقافة خالية من التكاثر. وفي القيامة سيظهر جليّاً انّ الإهتمام بإقبال المأمومين والتلاميذ وإدبارهم وأمثال ذلك ماذا يجلب من العذاب.

الجمعة, 12 حزيران/يونيو 2020 20:23

عبد العظيم الحسني

الاسم    عبدالعظيم

تاريخ الميلاد     173 هـ

تاريخ الوفاة      15 شوال سنة 252 هـ

مكان الدفن      مدينة الري

مدة حياته        79 سنة

الألقاب الشاه عبد العظيم، والسيد الكريم

الأب    عبد الله بن علي القافة

الأم      هيفاء بنت إسماعيل

الزوج   بنت عمه خديجة بنت القاسم

الأولاد  محمد وأم سلمة

 

 

العباس بن علي(ع) · زينب الكبرى · علي الأكبر · فاطمة المعصومة . السيدة نفيسة · السيد محمد · عبد العظيم الحسني · أحمد بن موسى · موسى المبرقع ·

 

عبد العظيم بن عبد الله بن علي بن حسن بن زيد بن الحسن بن علي بن أبي طالب، من علماء السادة الحسنيين، ينتهي نسبه إلى الإمام الحسن المجتبى (ع) بأربع وسائط. و يعد من كبار المحدثين، وقد عاصر أربعة من أئمة الشيعة (ع) في القرنين الثاني والثالث الهجري. مدفنه في مدینة الري في إيران.

محتويات

 

    1 هويته الشخصية

    2 معاصرته لبعض الأئمة (ع)

    3 فضله ومنزلته

    4 كلمات الأئمة (ع) في حقّه

    5 منزلته العلمية

    6 رواياته

    7 هجرته إلى الري

    8 وفاته

    9 قبره وثواب زيارته

    10 ما كُتب عن شخصيته

    11 وصلات خارجية

    12 الهوامش

    13 المصادر والمراجع

 

هويته الشخصية

 

ولد عبد العظيم الحسني سنة 173 هـ[1] وقد اختلفت كلمة المترجمين حول محل ولادته. أبوه عبد الله بن علي القافة، وأمّه بنت إسماعيل بن إبراهيم المعروفة بهيفاء.[2]

 

    نسبه

 

ينتهي نسبه إلى الإمام الحسن المجتبى (ع)، قال النجاشي: لمّا مات وجُرّد ليغسل، وُجد في جيبه رقعة فيها ذكر نسبه، فإذا فيها: أنا أبو القاسم عبد العظيم بن عبد الله بن علي بن الحسن بن زيد بن الحسن بن علي بن أبي طالب (ع).[3]

 

وقال محمد باقر الداماد: يكفيه ما له من النسب الطاهر والشرف الباهر.[4]

 

    زوجته وأبناؤه

 

تزوج من بنت عمّه خديجة بنت القاسم بن حسن الأمير المكنى بأبي محمد، فأنجبت له ولده محمداً وابنته أم سلمة.[5]

 

وقال الشيخ عباس القمي في ترجمة أحد أبنائه: كان محمد رجلاً عظيماً ، اشتهر بالزهد والعبادة.[6]

معاصرته لبعض الأئمة (ع)

 

قال الشيخ آقا بزرك الطهراني: إن السيد عبد العظيم الحسني عاصر كلا من الإمام الرضا، والإمام الجواد، والإمام الهادي (عليهم السلام) وتوفي زمن الإمام الهادي (ع).[7] إلاّ أنّ السيد الخوئي لم يقبل بمعاصرته للإمام الرضا (ع)،[8] فيما ذهب الشيخ الطوسي إلى القول بمعاصرته للإمام العسكري (ع)،[9] وذهب عزيز الله العطاردي أنه عاصر أربعة من الأئمة (ع) وهم الكاظم، والإمام الرضا، والإمام الجواد، والإمام الهادي (عليهم السلام).[10]

فضله ومنزلته

 

ترجم له العلامة الحلي قائلا: «كان عابدا ورعا، له حكاية تدل على حسن حاله»، وقال محمد بن بابويه: إنّه كان مرضيا.[11]

 

ونقل المحدث النوري عن رسالة الصاحب بن عباد أنّه ذو ورع ودين، عابد معروف بالأمانة، وصدق اللهجة، عالم بأمور الدين، قائل بالتوحيد والعدل، كثير الحديث والرواية.[12]

كلمات الأئمة (ع) في حقّه

 

أثنى عليه الإمام الهادي (ع) حينما خاطبه بقوله: «مرحبا بك يا أبا القاسم أنت ولينا حقاً – دينك- دين الله الذي ارتضاه لعباده فاثبت عليه ثبتك الله بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخره».[13]

منزلته العلمية

 

روي عن أبي حَماد الرازي: دخلتُ على علي بن محمد الهادي (ع) بسُرَّ مَنْ رأَى فسأَلتهُ عن أَشياءَ من الحلال والحرام فأَجابني فيها فلمَّا وَدَّعْتُهُ قال لي: يا حَمَّادُ إِذا أَشكلَ عليكَ شي‏ءٌ من أَمر دينك بناحيتك فسل عنهُ عبدَ العظيمِ بن عبد اللَّهِ الحسنيَّ وأَقرأْهُ منِّي السَّلام».[14]

رواياته

 

روي عنه في المصادر الحديثية أكثر من مائة رواية مما يكشف عن كثرة رواياته، وقد أكد الصاحب بن عباد هذه القضية بقوله: «كثير الحديث والرواية».

 

يروي عن أبي جعفر محمد بن علي بن موسى (الجواد)، وعن ابنه أبي الحسن (الهادي) صاحب العسكر (ع) ولهما إليه الرسائل.[15] وله كتب منها كتاب خطب أمير المؤمنين [16] وكتاب يوم وليلة[17] يظهر أنه في أعمال اليوم والليلة المروية عن الأئمة الأطهار (ع) مع الأذكار الخاصة التي يستحب للمكلف الإتيان بها على مدار اليوم والليلة،[18] وله كتاب مشهور بكتاب روايات عبد العظيم الحسني.[19]

 

وقد روى عنه الكثير من رجالات الشيعة، جمعها الشيخ الصدوق في كتاب أسماه جامع أخبار عبد العظيم الحسني.[20]

 

وروى عن الإمام الرضا (ع) روايتين مباشرة وبلا واسطة، وروى ست وعشرين رواية عن الإمام الجواد (ع) وتسع روايات عن الإمام الهادي (ع)، وبلغت الروايات التي يرويها بالواسطة (65) رواية.

هجرته إلى الري

 

عاصر الحسني فترة حكم المتوكل الذي اتسم بالتنكيل والتشديد على أهل البيت (ع) وأتباعهم وقد تعرض الرجل للتنكيل والرقابة الشديدة من قبل رجال المتوكل ولما انتقل الحكم إلى المعتز شعر الحسني بالخطر يحيط به فترك سامراء وبأمر من الإمام الهادي (ع) متوجها إلى الري.

 

وذهب البعض إلى أن الرجل ترك سامراء متوجها إلى خراسان لزيارة قبر الإمام الرضا (ع) ولكنه توقف في الري لزيارة حمزة بن موسى بن جعفر (ع) واختفى هناك.[21]

 

ونقل النجاشي القصة عن أحمد بن محمد بن خالد البرقي قائلاً: «كان عبد العظيم ورد الري هاربا من السلطان، وسكن سربا في دار رجل من الشيعة في سكة الموالي، فكان يعبد الله في ذلك السرب، ويصوم نهاره، ويقوم ليله، وكان يخرج مستترا فيزور القبر المقابل قبره، وبينهما الطريق، ويقول هو قبر رجل من ولد موسى بن جعفر (ع). فلم يزل يأوي إلى ذلك السرب، ويقع خبره إلى الواحد بعد الواحد من شيعة آل محمد (ع) حتى عرفه أكثرهم».[22]

وفاته

 

قيل أن الحسني توفي في 25 شوال سنة 252 هـ في زمن الإمام الهادي (ع).[23] وفي كيفية وفاته روايتان:

 

    الأولى ترى أنّ الرجل مات حتف أنفه وأن موته كان طبيعيا.

    فيما تذهب الرواية الأخرى إلى مقتله شهيدا. وهذا ما أكدته رواية النجاشي: مرض عبد العظيم ومات.[24]

 

وذهب الشيخ الطوسي إلى نفس الرأي حيث قال: مات عبد العظيم بالري وقبره هناك.[25]

 

وللطريحي رواية أخرى يؤكد فيها أنّ الرجل مات شهيدا وأنّه دفن حيا في الري.[26]

 

إلا أنّ الواعظ الطهراني يصرّح بأنّه لم يعثر بعد المتابعة في كتب الرجال والأنساب على خبر صحيح يدل على موته شهيداً.[27]

قبره وثواب زيارته

حرم شاه عبدالعظیم.jpg

 

روى المحدث النوري أن رجلا من الشيعة رأى في المنام كأن رسول الله (ص) قال: إنّ رجلا من ولدي يحمل غدا من سكة الموالي، فيدفن عند شجرة التفاح، في بستان عبد الجبار بن عبد الوهاب .

 

فذهب الرجل ليشتري الشجرة، وكان صاحب البستان رأى أيضا رؤيا في ذلك، فجعل موضع الشجرة مع جميع البستان وقفا على أهل الشرف والتشيّع يدفنون فيه،[28] ومن هنا عرف مكان ضريحه بمسجد الشجرة.[29]

 

وروى الشيخ الصدوق في فضل زيارته: أنّ رجلا دخل على أبي الحسن علي بن محمد الهادي (ع) من أهل الري، فقال له: «أين كنت؟» قال: زرت الحسين (ع). قال: «أما إنك لو زرت قبر عبد العظيم عندكم لكنت كمن زار الحسين بن علي (ع) ».[30]

ما كُتب عن شخصيته

 

هناك مجموعة مؤلفات كُتبت حول شخصية السيد عبد العظيم رضي الله عنه قامت مؤسسة دار الحديث بطباعتها في موسوعة باسم مؤتمر السيد عبد العظيم عليه السلام الذي أقيم في مدينة الري في شعبان 1434 / خرداد 1392، وهي في 29 مجلداً، منها:

 

    رسالة في فضل سيدنا عبد العظيم الحسني المدفون بالري، تأليف الصاحب بن عباد.

    أخبار عبد العظيم بن عبد الله بن علي بن الحسن بن زيد بن الحسن بن علي بن أبي طالب (ع)، تأليف الشيخ الصدوق، سمّاه في الذريعة "حياة عبد العظيم الحسني".

    جنات النعيم في أحوال سيدنا الشريف عبد العظيم، عربي، تأليف الملا إسماعيل الكزازي الأراكي المتوفى سنة 1236 هـ .

    التذكرة العظيمية، عربي، تأليف الحاج الشيخ محمد إبراهيم الكلباسي المتوفى سنة 1362 هـ .

    عبد العظيم الحسني حياته ومسنده، عزيز الله عطاردي القوچاني، المتوفى في رمضان 1435 هـ .

    الخصائص العظيمية في أحوال السيد أبى القاسم عبد العظيم بن عبد الله الحسني عليه السلام، تأليف الشيخ جواد بن الشيخ مهدي اللاّريجاني المتوفى سنة 1355 هـ .

    مسند حضرت عبد العظيم حسني، فارسي، تأليف الشيخ عزيز الله عطاردي قوچانی، مترجم من كتابه السابق.

    مجموعة مقالات (فارسية وعربية) لمؤتمر السيد عبد العظيم الحسني عليه السلام.

 

    عبد العظيم الحسني، العالم الفقيه والمحدّث المؤتمن سيرته ومسنده، عربي، تأليف أحمد بن حسين العبيدان، معاصر.

 

وصلات خارجية

 

    نص وصوت زيارة عبدالعظيم

 

الهوامش

 

آقا بزرك الطهراني، الذريعة، ج 7، ص 169.

ابن عنبة، عمدة الطالب، ص 94.

النجاشي، رجال النجاشي، ص 248.

الميرداماد، الرواشح السماوية ص 86.

الواعظ الكجوري، جنة النعيم، ج 3، ص 390؛ ابن عنبة، عمدة الطالب، ص 94

القمي، منتهى الآمال، ج 1، ص 585.

آقا بزرك الطهراني، الذريعة، ج 7، ص 190.

الخوئي، معجم رجال الحديث، ج 11، ص 53.

الطوسي، رجال الطوسي، ص 401.

العطاردي، عبد العظيم الحسني حياته ومسنده، ص 37.

العلامة الحلي، خلاصه الأقوال، ص 226.

المحدث النوري، خاتمه المستدرك، ج 4، ص 404.

الصدوق، الأمالي، ص 419 ــ 420؛ ابن فتال النيشابوري، روضة الواعظين، ص 31 ــ 32.

المحدث النوري، مستدرك الوسائل، ج 17، ص 321.

العطاردي، مسند الإمام الجواد، ص 302.

النجاشي، رجال النجاشي، ص 247.

آقا بزرك الطهراني، الذريعة، ج 7، ص 190.

الواعظ الكجوري، جنه النعيم، ج 5، ص 182.

المحدث النوري، خاتمه المستدرك، ج 4، ص 404.

الصدوق، الهداية، ص 174 (المقدمة).

الواعظ الكجوري، جنة النعيم، ج 4، ص 131.

النجاشي، رجال النجاشي، ص 248.

آقا بزرك الطهراني، الذريعة، ج 7، ص 290.

النجاشي، رجال النجاشي، ص 248.

الطوسي، الفهرست، ص 193.

الطريحي، المنتخب، ص 8.

الواعظ الكجوري، جنة النعيم، ج 5، ص 360.

المحدث النوري، خاتمة المستدرك، ج 4، 405.

ابن عنبة، عمدة الطالب، ص 94.

 

    الصدوق، ثواب الأعمال، ص 99.

 

المصادر والمراجع

 

    ابن عنبة، جمال الدين، عمدة الطالب في انساب آل أبي طالب، نجف، المطبعة الحيدرية، 1380 هـ.

    الحلي، حسن بن يوسف، خلاصة الأقوال في معرفة الرجال، تحقيق جواد قيومي، د.م، نشر الفقاهة، 1417 هـ.

    الخوئي، أبو القاسم، معجم رجال الحديث، د.م، د.ن، 1413 هـ.

    الصدوق، محمد بن علي، الأمالي، قم، مؤسسة البعثة، 1417 هـ.

    الصدوق، محمد بن علي، الهداية، قم، مؤسسة الإمام الهادي، 1418 هـ.

    الصدوق، محمد بن علي، ثواب الأعمال وعقاب الأعمال، قم، الشريف الرضي، 1368 هـ ش.

    الطريحي، فخر الدين، المنتخب في جمع المراثي والخطب، النجف، د.ن، 1369 هـ ش.

    الطهراني، آقا بزرگ، الذريعة إلى تصانيف الشيعة، بيروت، دار الأضواء، 1403 هـ.

    الطوسي، محمد بن الحسن، الفهرست، تحقيق جواد قيومي، بلا مكا، نشر الفقاهة، 1417 هـ.

    القمي، الشيخ عباس، منتهى الآمال في تواريخ النبي والآل، قم، دليل ما، 1379 هـ ش.

    النجاشي، احمد بن علي، رجال النجاشي، قم، مؤسسة النشر الإسلامي، 1416 هـ.

    النوري، ميرزا حسين، خاتمة مستدرك الوسائل، قم، آل البيت، 1415 هـ.

    النوري، ميرزا حسين، مستدرك الوسائل ومستنبط المسائل، بيروت، آل البيت، 1408 هـ.

    النيسابوري، محمد بن الفتال، روضة الواعظين، قم، الشريف الرضي، د.ت.

    الواعظ الكجوري، محمد باقر بن إسماعيل، روح وريحان أو جنة النعيم والعيش السليم في أحوال السيد عبد العظيم الحسني، قم، دار الحديث، 1382 هـ ش.

    عطاردي، عزيز الله، عبد العظيم الحسني حياته ومسنده، قم، دار الحديث، 1383 هـ.

    عطاردي، عزيز الله، مسند الإمام الجواد (ع)، مشهد، آستان قدس رضوي، د.ت.

    مير داماد، محمد باقر بن محمد، الرواشح السماوية، تحقيق: نعمة الله جليلي، دار الحديث، 1422 هـ 1380 هـ ش.

الجمعة, 12 حزيران/يونيو 2020 20:19

عباد الرحمن والتنزه من العلو والكبر

يقول تعالى: وعباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هونا ([1]).

 

إن أول صفة ل‍: "عباد الرحمن" هو نفي الكبر والغرور والتعالي، الذي يبدو في جميع أعمال الإنسان حتى في طريقة المشي، لأن الملكات الأخلاقية تظهر نفسها في حنايا أعمال وأقوال وحركات الإنسان بحيث أن من الممكن تشخيص قسم مهم من أخلاقه - بدقة - من أسلوب مشيته. نعم، إنهم متواضعون، والتواضع مفتاح الإيمان، في حين يعتبر الغرور والكبر مفتاح الكفر. لقد رأينا بأم أعيننا في الحياة اليومية، وقرأنا مرارا في آيات القرآن أيضا، أن المتكبرين المغرورين لم يكونوا مستعدين حتى ليصغوا إلى كلام القادة الإلهيين، كانوا يتلقون الحقائق بالسخرية، ولم تكن رؤيتهم أبعد من أطراف أنوفهم، ترى أيمكن أن يجتمع الإيمان في هذه الحال مع الكبر؟! نعم، هؤلاء المؤمنون، عباد ربهم الرحمن، والعلامة الأولى لعبوديتهم هو التواضع... التواضع الذي نفذ في جميع ذرات وجودهم، فهو ظاهر حتى في مشيتهم. فإذا رأينا أن إحدى أهم القواعد التي يأمر الله بها نبيه هي ولا تمش في الأرض مرحا، إنك لن تخرق الأرض ولن تبلغ الجبال طولا([2]) فلنفس هذا السبب أيضا، وهو أن التواضع روح الإيمان. حقا إذا كان للإنسان أدنى معرفة بنفسه وبعالم الوجود، فسيعلم كم هو ضئيل حيال هذا العالم الكبير، حتى وإن كانت رقبته كالجبال، فإن أعلى جبال الأرض أمام عظمة الأرض أقل من تعرجات قشر (النارنج) بالنسبة إليها، تلكم الأرض التي هي نفسها لا شئ بالنسبة إلى الأفلاك العظيمة. ترى أليست هذه الحالة من الكبر والغرور، دليلا على الجهل المطلق!؟ نقرأ في حديث رائع عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، أنه كان يعبر أحد الأزقة يوما ما، فرأى جماعة من الناس مجتمعين، فسألهم عن سبب ذلك فقالوا: مجنون شغل الناس بأعمال جنونية مضحكة، فقال: رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): أتريدون أن أخبركم من هو المجنون حقا، فسكتوا وأنصتوا بكل وجودهم فقال (صلى الله عليه وآله وسلم): " المتبختر في مشيه، الناظر في عطفيه، المحرك جنبيه بمنكبيه، الذي لا يرجى خيره ولا يؤمن شره، فذلك المجنون، وهذا مبتلى! ". الصفة الثانية ل‍ " عباد الرحمن " الحلم والصبر، كما يقول القرآن في مواصلته هذه الآية وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما. السلام الذي هو علامة اللامبالاة المقترنة بالعظمة، وليس الناشئ عن الضعف.

 

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - الشيخ ناصر مكارم الشيرازي

 

([1]) "هون" مصدر، وهو بمعنى الناعم والهادي المتواضع، واستعمال المصدر في معنى اسم الفاعل هنا للتوكيد، يعني أنهم في ما هم عليه كأنهم عين الهدوء والتواضع.

([2]) سورة الإسراء، الآية 37

لما لم تفلح جميع محاولات قريش في ثني النبي (صلى الله عليه وآله) عن دعوته المباركة، ولا في إقناع أبي طالب (عليه السلام) بالتخلي عنه وعن نصرته، ولا في منع الناس من الدخول في الإسلام، عبر وسائل الترهيب تارة والترغيب أخرى، أجمعوا أمرهم على حرمانهم ومقاطعتهم اقتصادياً، والتضييق عليهم في المأكل والمشرب والملبس، وهي آخر وسيلة وأمل لهم، يرجون أن يحصلوا منه على نتيجة مرضية لهم، فإن الإنسان مهما تحمل من الآلام، إلا أن تحمله للجوع والعطش محدود، وهذا ظاهر بمجرد الالتفات إلى طبائع البشر وسلوكهم في الحياة عبر التاريخ، بل ان مجمل الحروب التي حصلت في التاريخ كانت ذات طابع اقتصادي أولا وبالذات، ولو أن النبي (صلى الله عليه وآله) ثبت على موقفه فلن يكون بمقدور اتباعه الصبر على ذلك، والموت في سبيله، ولو فرض ذلك، فإن صراخ الأطفال وأنينهم، تحت ضغط الجوع، ربما دفعهم إلى الاستسلام والتراجع، لعدم قدرتهم على تحمل عذابات أطفالهم أمام أعينهم، فإن العاطفة كثيراً ما تتغلب على العقل في مقامات كهذه، وهو ما يغير المعادلة لمصلحة قريش حسب زعمهم.

فقرروا إدارة الحرب بشكل آخر، من خلال المقاطعة الاقتصادية، وحرمان المسلمين من أدنى مقومات العيش، بعد أن لم تفلح كافة الأساليب الأخرى، فكتبوا في شهر محرم من السنة السابعة للبعثة صحيفة تعاقدوا عليها، ووقع عليها أربعون من شيوخهم، وكتبوا فيها أنهم لا يزوجون بني هاشم وبني عبد المطلب ولا يتزوجون منهم، ولا يبيعونهم ولا يبتاعون منهم، ولا يجتمعوا معهم على أمر من الأمور، أو يسلموا لهم رسول الله ليقتلوه، وإلا فإنهم سيموتون جوعا وعطشا، وبالتالي فلا يتحمل أحد مسؤولية قتلهم، وإما أن يتراجع النبي (صلى الله عليه وآله) عن دعوته وتنتهي المشكلة، وختموها بخواتيمهم وعلقوها في داخل الكعبة.

 

وأمر أبو طالب بني هاشم أن يدخلوا برسول الله (صلى الله عليه وآله) إلى الشعب، واستمر هذا الحصار حتى السنة العاشرة، والهاشميون يتضورون جوعا وعطشا، لا يقدرون أن يخرجوا من الشعب إلا في الموسم، أي في شهر رجب أثناء العمرة، وفي شهر ذي الحجة أثناء موسم الحج.

 

وعملت قريش على منع الوافدين إلى مكة من أن يبيعوهم أو يبتاعوا شيئا من الهاشميين، فكانوا يشترون منهم ما يريدون بيعه بأغلى الأثمان، وإن كانت خيالية لا يحلم بها الوافدون، حتى لا يقدر الهاشميون على شراء شيء منهم.

 

بل عمدوا إلى وضع مراقبين حول الشعب حتى لا يدخل إليهم أحد شيئا، إلا ما كان يأتيهم سرا عن عيون الرقابة.

 

وكان المسلمون ينفقون أثناء هذه المدة من أموال أبي طالب وخديجة، حتى نفذت واضطروا أن يقتاتوا بورق الشجر، وكان أطفالهم يتضورون جوعا أمام أعين القرشيين، دون أن يهتز لهم جفن، أو يتحرك بهم عرق من عاطفة.

 

وهنا لا بد أن نشير إلى مسألة ترتبط بأبي طالب (عليه السلام) وهي أنه لو مات كافرا كما يقولون([1])، فما هو الداعي له ليتحمل كل هذه المشاق والأذى بهذا المستوى، وهو لا يأمل الحصول على جاه ولا سلطان ولا غير ذلك، لقاء هذه التضحية والمجاهدة المنقطعة النظير في تاريخ الإنسانية، وما استلزمته معاندة قريش ومخاصمتها من آثار عليه على المستوى الشخصي والمادي، وهو في سن الشيخوخة، والمؤرخون يصرحون بأنه مات عن عمر قارب الستة وثمانين سنة، بل في الشعب كان يأمر ابنه علياً (عليه السلام) أن ينام مكان النبي (صلى الله عليه وآله)، يعني في أواخر عمره، وقد تقدم ذكرها.

 

ولو فرض جدلا طمعه بمثل ذلك، أو أنه كان يدافع عنه حمية وتعصبا، فهل من الممكن أن تصل الحمية بالمرء أن يدفع ابنه الذي من صلبه إلى الموت بدلا عنه؟!.

 

نهاية الصحيفة:

وأخيراً، وبعد ثلاث سنوات من الحصار، ظهرت المعجزة الإلهية، فجاء النبي (صلى الله عليه وآله) إلى عمه أبي طالب، وأخبره بأن الأرضة قد أكلت كل ما في الصحيفة، ولم يبق فيها إلا ما كان إسما لله تعالى.

 

فجاء أبو طالب ومعه بعض الهاشميين إلى قريش، وقال لهم، وقد ظنوا أنه جاء مستسلماً لهم، ابعثوا إلى صحيفتكم لعله يكون بيننا وبينكم صلح فيها، فبعثوا وأتوا بها، فلما وضعت وعليها أختامهم، قال أبو طالب لهم: أتنكرون منها شيئا؟

قالوا: لا.

قال: إن ابن أخي حدثني ولم يكذبني قط، أن الله قد بعث على هذه الصحيفة الأرضة، فأكلت كل قطيعة واثم، وتركت كل اسم هو لله، فإن كان صادقا أقلعتم عن ظلمنا، وإن يكن كاذبا ندفعه إليكم فقتلتموه.

 

وتجلت في هذا الموقف حكمة أبي طالب، وحنكته العالية، حيث ألزم قريشا بموقف صعب، لا يمكنها التملص منه ومن مفاعيله وتبعاته، وظنت قريش أنها حصلت على ما تريد، فصاح الناس: أنصفتنا يا أبا طالب.

 

فلما فتحت الصحيفة فإذا هي كما أخبر رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فكبر المسلمون، وبهت المشركون، فقال أبو طالب: أتبين لكم أينا أولى بالسحر والكهانة؟.

 

فأسلم يومئذ كثير من الناس كما يذكر الرواة، ولكن قريشا ظلت على موقفها ونقضت اتفاقها مع أبي طالب (عليه السلام)، حتى جاء بعضهم ونقضوا الصحيفة، فخرج الهاشميون من الشعب.

 

سماحة الشيخ حاتم اسماعيل

 

([1]) تاريخ الإسلام ج1 ص91.