
emamian
أهم محطات حياة ومواقف الفقيد أحمد جبريل
توفي الأمين العام لـ"الجبهة الشعبية - القيادة العامة" أحمد جبريل، اليوم الأربعاء 7 يوليو 2021، متأثرا بحالته الصحية في أحد مشافي العاصمة السورية دمشق.
لكن من هو أحمد جبريل.. إليكم هذه النبذة عن حياة ونضال أحمد جبريل:
أحمد جبريل
سياسي فلسطيني حاصل على الجنسية السورية، وهو مؤسس الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين القيادة العامة وزعيمها منذ إنشائها عام 1968.
المولد والنشأة
ولد أحمد جبريل عام 1938 في قرية يازور بضواحي مدينة يافا، لأب فلسطيني وأم سورية، ثم هاجر مع عائلته إلى سوريا عام 1948 حيث استقر في مدينة القنيطرة عند أخواله.. متزوج وله أربعة أولاد وأربع بنات، ويلقب بـ "أبو جهاد".
الدراسة والتكوين
إثر حصوله على شهادة الثانوية العامة في التخصص العلمي في دمشق عام 1956، انتقل إلى القاهرة والتحق بالكلية الحربية وتخرج فيها عام 1959، لذلك يعتبر أحمد جبريل من القيادات الفلسطينية القليلة التي تلقت تكوينا عسكريا أكاديميا.
التوجهات الفكرية
يحسب أحمد جبريل على التيار القومي، ويؤمن بالكفاح المسلح لتحرير فلسطين.
الوظائف والمسؤوليات
إثر تخرجه في الكلية الحربية بمصر، التحق بالعمل ضابطا في سلاح الهندسة بالجيش السوري، لكونه حاصلا على الجنسية السورية، لكنه سرعان ما سرح منه عام 1963.
التجربة السياسية
خلال دراسته في مصر احتك بالاتحاد العام للطلبة الفلسطينيين، حيث بدأت تتبلور فكرة الكفاح المسلح لتحرير فلسطين.
أسس جبهة التحرير الفلسطينية عام 1959 تيمنا بجبهة التحرير الجزائرية التي تأثر بها، قبل أن يندمج مع عدة تيارات قومية ويسارية ويؤسسوا الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين التي تولى قيادتها جورج حبش فيما تولى جبريل قيادة جناحها العسكري.
غير أنه انفصل عن جبهة جورج حبش ليؤسس عام 1968 فصيله الخاص "الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين القيادة العامة" التي أصبحت تقوم بعمليات نوعية ضد الاحتلال الإسرائيلي.
كما برع تنظيمه في اختطاف الجنود الإسرائيليين ومبادلتهم بالأسرى الفلسطينيين لدى إسرائيل، على غرار عملية الجليل التي بادل خلالها عام 1985 ثلاثة جنود إسرائيليين بـ1150 أسيرا لدى إسرائيل، منهم الشيخ أحمد ياسين مؤسس حركة حماس.
يعتبر الكيان الإسرائيلي أحمد جبريل من ألد أعدائها، وقد حاولت اختطافه واغتياله عدة مرات، لكن الإخفاق لازمها في جميع تلك المحاولات.
وقد اغتيل ابنه جهاد جبريل عام 2002 في لبنان في انفجار اتهمت إسرائيل بتدبيره.
عارض جبريل التسوية السياسية مع الكيان الإسرائيلي وكان من مناهضي اتفاقية أوسلو.
جبريل وقضية الإمام موسى الصدر:
وكان جبريل قد تحدث لقناة الميادين عن قضية الإمام المغيب موسى الصدر بأعتباره مقربا من القذافي وكان حاضرا في الاحتفال الذي اختفى بعده الإمام.
وتحدث جبريل عن إحتمالات لمصير الإمام الصدر كونه لا يملك معلومات منها أن يكون عرفات متورطا في اختفائه لأن ياسر عرفات حسب تحليل جبريل كان يهدف إلى قطع يد القذافي من لبنان لأن ليبيا كانت قد بدأت تدعم بعض الفصائل الفلسطنيية في لبنان.
واضاف جبريل أن عرفات كان على علاقة وطيدة مع شاه إيران، وأن خالد الحسن كان هو صلة الوصل بين عرفات وشاه إيران.
ووضع جبريل احتمالين اخرين الأول أن يكون حرس القذافي قام بذلك بسبب شجار حصل بين القذافي والصدر على الاحاديث النبوية والثاني أن يكون صبري البنا فعل ذلك بطلب من العراق.
موقفه من العدوان على اليمن
وكان الراحل أحمد جبريل قد أرسل في مايو المنصرم برقية وفاء وتقدير لقائد حركة أنصارالله السيد اليمنية "عبدالملك بدرالدين الحوثي" وللشعب اليمني "العظيم".
وأشاد جبريل في برقيته بعمق الإيثار لدى السيد القائد ولدى الشعب اليمني قائلا: “لقد ضربتم مثلا عميقا في الإيثار ومعكم الشعب اليمني العظيم”، لافتا إلى أنه برغم حصار التجويع المفروض على الشعب اليمني إلا أنكم أعلنتم عن تقاسم رغيف الخبز مع شعبنا الفلسطيني.
وأوضح أن: الحرب التي يخوضها الشعب اليمني المظلوم ليست إلا ضريبة لمواقفه المشرفة من قضايا الأمة وفي طليعتها فلسطين، معتبرا انتصار اليمنيين في هذه الحرب نصرا لفلسطين.
وقال: كلنا ثقة أن ساعة النصر الكبير باتت أقرب.
المصدر:العالم
المعروف.. قيمة إسلاميّة وأخلاقيّة كبرى
المعروف هو بذل الإحسان الماديّ والمعنويّ، والسعي لتعميمه بين الناس. هذا وقد وردت أحاديث كثيرة عن فضل المعروف وأهله الذين يعبّرون عن حقيقة الخُلق الإنساني والإسلامي الرفيع، عندما يفيضون على الواقع الاجتماعي والسياسي والفكري والحياتي والأخلاقي كلّ خير يثبّته ويعزّزه ويقوّي أسسه وروابطه.
يقول الباري عزّوجلّ في كتابه العزيز: (هَلْ جَزاءُ الْإِحْسانِ إِلَّا الْإِحْسانُ) (الرحمن/ 60)، فعبّر عن المعروف بالإحسان، بأن يحسن المرء إلى الغير بما يبرز طهارته وصفاءه. عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أنّه قال: «أهل المعروف في الدُّنيا أهل المعروف في الآخرة، قيل: يا رسول الله، وكيف ذلك؟ قال: يغفر لهم بالتطوّل منه عليهم، ويدفعون حسناتهم إلى النّاس فيدخلون بها الجنّة، فيكونون أهل المعروف في الدّنيا والآخرة». وعن أبي عبدالله الصادق (عليه السلام): «إنّ الله يقول للفقراء يوم القيامة: انظروا وتصفّحوا وجوه الناس، فمن أتى إليكم معروفاً، فخذوا بيده وأدخلوه الجنّة».
ينطلق المعروف في الحياة ليؤكّد مدى الارتباط بالله تعالى، والسّعي العملي لبلوغ القرب منه، بالعمل الذي يمنح الحياة قيمةً، ويغنيها بصنوف الإحسان، إن كان هذا المعروف خالصاً لوجه الله تعالى وابتغاء مرضاته. والمعروف عند الله له أجر عظيم وفضل كبير، فقد جاء عن أمير المؤمنين عليّ (عليه السلام): «ابذل معروفك للنّاس كافّة، فإنّ فضيلة المعروف لا يعدلها عند الله سبحانه شيء». والمعروف له تبعاته الطيّبة على صاحبه، فهو من المحفّزات التي تهذّب النفس وتربيها على فعل الخير وحبّ الناس والمنفعة لهم، ويبتعد به عن كلّ انغلاق وضيق أفق وصدر، كما ويربي المشاعر على الصّفاء والطهارة وحسّ الشعور بالآخرين. ورد عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): «اصطنع الخير إلى أهله وإلى من ليس أهله، فإن لم تصب من هو أهله، فأنت أهله».
كما ويعطي المعروف سعة أفق للإنسان، عندما يخرج من دائرة التّفكير الذاتيّة والخاصّة المحدودة، لينطلق إلى الدّائرة الاجتماعيّة الأوسع، فيشارك بكلّ همّة وإخلاص في أعمال الإحسان والمعروف والبرّ للآخرين، ويسدي لهم كلّ معونة مادية ومعنوية، عبر الكلم الطيّب النافع الذي يهدّئ النّفوس، ويقلع منها الأحقاد والعصبيّات، ويزرع المحبّة والرحمة في ربوع الحياة.
والسؤال الكبير: هل نحن فعلاً ممن ينطلقون لتكريس قيمة المعروف وتعميمها؟
إنّ المجتمع ينتظر من أبنائه أن يكونوا صناّع المعروف، يبحثون عن كلّ الطرق التي تؤكّد المعروف في ساحات الواقع المختلفة، في ظلّ الأجواء المحتقنة والملبّدة اجتماعياً ونفسياً وفكرياً، حتى يشعر الناس اليوم بأنّ هناك من يسأل عنهم من أهل المعروف الذي لا يموت، ما دام هناك من يؤمن بالله ويعمل صالحاً، ويعرف أهميّة بذل المعروف وصنعه بين النّاس.
الحجّ.. تأكيد للإيمان وانطلاق للفضاء الإنساني الأوسع
الحجّ بما هو عبادة وفريضة على الناس يهدف فيما يهدف إليه إلى تأكيد حقيقة الإيمان بالله تعالى في قلوب عباده وتجديد لحركة المشاعر في النفوس لجهة معايشة هذا الإيمان وتعميقه في القلوب وتركيزه في العقول.
ومن انعكاسات هذا التأكيد والتجسيد تعزيز روح الأُمّة في اجتماعها ووحدتها، وترسيخ معاني المحبّة والرحمة والأخوّة بين أفرادها ومذاهبها وطوائفها، والسعي إلى إصلاح ذات البين والتعاون على رفض الفتن والعصبيات والإثم والعدوان والبغث.
والحجّ يعلِّم الناس أن يتلاقوا وينتفعوا من كلّ الغِنى والتنوّع الذي أودعه الله تعالى في الأُمّة، وأن يتعالوا على كلّ الفروقات والحواجز بينهم، والتي تعقّد حياتهم، فإذا ساروا في خطّ الإيمان فلن يكون لأي فروقات من معنى واعتبار. وعندما يجتمع الناس في الحجّ يجب أن تسقط كلّ الحواجز المادّية والنفسية التي تضعها الفواصل العرقية واللونية والقومية بين الناس، ليلقوا على صعيد واحد هو الإيمان بالله والسير على نهجه والالتزام بدينه والجهاد في سبيله طلباً لرضاه، ممّا يوفّر لهم الخروج من الدوائر الضيِّقة التي يحبسون حياتهم فيها لينطلقوا إلى الدائرة الكبيرة التي تحتويهم جميعاً، والتي تؤسّس لقضاياهم الإسلامية وارتباطها بالهدف الكبير الذي يتحرّك فيه الإسلام في الحياة.
فالحجّ إلزام إلهيّ للمؤمنين المخلصين بما عاهدوا عليه الله من الانقياد لطاعته والانتفاع من اجتماعهم بما يقوّي وحدتهم ويؤسّس لعلاقات وروابط جديدة على مستوى التعاون والتعارف والتشاور في حل مشاكلهم، فتتحوّل النداءات في طقوس الحجّ إلى امتثالات والتزامات تنعكس بتجلياتها على الواقع برمّته، لتضخّ به الحياة في عروق المجتمع لتبعده عن الرتابة.
يقول تعالى: (وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ) (الحجّ/ 27)، وأعلن ذلك في نداءاتك كتشريع تقرره، لا مجرّد صوت تطلقه ليشعروا من خلال ذلك بأنّ هناك إلزاماً إلهيّاً يدفعهم إلى الامتثال ويقودهم إلى الطاعة يأتوك سائرين على أقدامهم أو على بعير مهزول من شدّة التعب من أي طريق بعيد ليحصلوا على منافع الحجّ الدنيوية التي يحقّقها لهم اجتماعهم على مستوى التعارف والتبادل والتعاون والتشاور في حلّ المشاكل التي يعيشونها.
إنّ كلمة (لبيك) تعني إنّنا ـ يا رب ـ نلتزم في موقفنا هذا بكل نداءاتك بالإسلام كلّه، في عباداته وفي أخلاقه وفي جهاده، وفي سياسته واقتصاده، وفي مواجهة كلّ التحدّيات التي يواجهها الإنسان من الشيطان الداخلي في عمق نفسه أو من الشيطان الخارجي في عمق واقعه وفيما يحيط بحياته.
إنّها الحركة الصارخة في النداء الذي تنطلق به كلّ حناجر الحجّاج لتؤكّد موقفهم الذي يريد أن يلتزم بالإسلام من جديد، في مسيرتهم إلى مركز الدعوة الإسلامية في مكّة، لتكون مسيرة الحجّاج من سائر أقطار العالم هي مسيرة الإسلام التي تقول ـ من خلال تلك الكلمات الخاضعة الهادرة ـ يا رب إذا كان الناس قد تركوا الإسلام فلم يؤمنوا به ولم يرتبطوا به، وإذا كان المسلمون قد انحرفوا عن خطّه وتركوا الكثير من تعاليمه وانتموا إلى الاتجاهات الأُخرى التي تختلف عن خطّه المستقيم.
إذا كان الواقع هو ذلك، فها نحن قادمون إلى بيتك المحرّم لنقول من كلّ قلوبنا ومن كلّ عقولنا ومن كلّ مواقعنا ومواقفنا وتطلّعاتنا «لبيك اللّهُمّ لبيك» فقد جعلت الإسلام لنا بكلّ عمقه وامتداده رسالة الحياة، ونحن نريد أن ننطلق إلى الحياة من خلاله. ولا يمكن للإيمان أن يتأكد أن يخرج إلى العلن فعلاً وممارسة إلّا إذا خرج من دائرة الاستغراق بالغيب في حالة وجدانية ملتهبة معزولة عن إدارة وتحريك شؤون الحياة بما ينفع الفرد والجماعة، وهنا تأخذ العلاقة بالله أبعاداً أصيلة ومعيوشة.
وفي جولة في آفاق الحجّ وما يتصل بذلك، فإنّ القيمة الكبرى للعبادات الإسلامية أنّها لا تمثّل مجرّد حالة وجدانية ذاتية غارقة في ضباب المحبّة وغيبوبة الخشوع ليبقى الإنسان بعيداً عن حركة الحياة عندما يقف بين يدي الله، بل هو تعبير عن الخطّ الإسلامي العملي في علاقة العبد بربّه، حيث يلتقي الجانب الروحي بالحياة في أوسع مجالاتها وأرحب آفاقها، ليتصوّر معها حياته التي تضجّ فيها الحركة، فنجد في الصلاة.. التصوّر الإسلامي لله في صفاته المتصلة بحركة الحياة في مخلوقاته من التربية والرعاية والرحمة، وبطبيعة العلاقة التي تشدّ الإنسان إلى الله وبالتوجه إليه في مجال الصراع الذي تزدحم فيه التيارات الضالة والجاحدة في مقابل الخطّ المستقيم.
فإذا التقينا بالحجّ، فإنّنا نلتقي بالعبادة الزاخرة بأكثر من معنى، فهي تلتقي بالصلاة في أجواء الطواف والسعي، والوقوف بعرفات والمزدلفة والمبيت بمنى، حيث يعيش الإنسان أعمق حالات التأمّل وأصفى مشاعره وأرفع درجاته.
أمّا الإحرام، فإنّه يمثّل الالتقاء بالصوم، حيث يفرض على الإنسان الالتزام الطوعي الاختياري بكثير من الأشياء التي تتّصل بشهواته وعاداته وأخلاقه، فتمثل مرحلة تدريبية صعبة يتعلّم فيها الصبر والخشونة واحترام مشاعر الآخرين، واحترام كلّ شيء محترم حوله حتى الحيوان والنبات.. إلى جانب دقّة الملاحظة عندما يراقب كلّ حركة من ركاته حتى سقوط الشعر وحلّ البدن والنظر في المرآة، أمّا رمي الجمار فإنّه يمثّل الرمز العملي للصراع مع الشيطان في ما تمثّله الجمرات من رمز.
وهكذا يتحرّك الإنسان من عمل إلى عمل ليحقّق لنفسه البناء الروحي والفكري والعملي في أجواء العبادة التي يعيش في داخلها اللقاء بالله، وبذلك لا تشارك العبادة في عزل الإنسان عن الحياة، بل هي على العكس من ذلك، تدفعه دفعاً إليها بكلّ قوّة من موقع الروحية التي تعطي المادّة معناها دون أن تفقدها صفاتها المادّية، وقد لا يكتفي الإسلام في تحقيق معنى العبادة بما افترضه وشرّعه من أشكالها، بل يمتد بها حتى يجعل كلّ عمل محبوب لله عبادة إذا قام به الإنسان لوجه الله.
وفي ضوء ذلك كلّه نجد في كلمة: (وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلهِ) (البقرة/ 196) إيحاءً بالإتمام من الناحية الروحية التي يعيش الإنسان فيها أجواء الحجّ، بالمستوى الذي يرتفع فيه إلى الآفاق العالية التي تمثّلها هذه الفريضة، ويتحرّك معها بأخلاقية إسلامية كاملة، فلا يكتفي بالشكل ويبتعد عن المضمون، لأنّه يمثّل ـ في هذه الحالة ـ الإتمام الشكلي إلى جانب النقص الواقعي المضموني، ممّا يجعل العمل غير مقرّب لله وغير مقبول عنده، لأنّ الله لا يقبل من الأعمال إلّا ما أقبل الإنسان فيها بكلّ كيانه وروحيته.
فالحجّ تجربة عبادة ترفع من إحساس المؤمن بمسؤولياته في الحياة، فعندما يعود إلى موطنه ومجتمعه عليه واجب العمل بهذا الإحساس، وعندما نريد أن نحدّق بالحجّ في إيحاءاته وفيما يرمز إليه لنخرج من الاستغراق في ذاتية الأعمال إلى الانفتاح على الآفاق الواسعة التي بلور فيها شخصية الإنسان المسلم ليعود من حجّه إنساناً منفتحاً على كلّ مسؤوليته إنساناً منفتحاً على كلّ مسؤوليته في الحياة منطلقاً من الساحات الواسعة التي كلّما عاش فيها مسؤوليته كلّما اتّسعت أكثر.
وأخيراً وليس آخراً، إنّ الإنسان في الحجّ يقف بين يدي ربّه عارياً من كلّ شكليات الواقع الفردي والاجتماعي ليؤكّد أنّه لن يستجيب له استجابة واحدة، ولكن إجابة ممّا يوحي أنّ الإجابة تظل تتحرّك في خطّ الحياة، فكلّ الإجابات تؤكّد أن يكون كلّه في حركة مع الله يتحوّل الإنسان إلى تجسيد لاستجابة الله من خلال دعوته سبحانه وتعالى للناس (اسْتَجِيبُوا لِلهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ) (الأنفال/ 24).
الأُمة الإسلامية.. هي الأُمة الوسط
◄(وكَذلكَ جَعلناكم أمّةً وسطاً لِتكُونوا شُهداءَ على النّاسِ ويكونَ الرسولُ عليكُم شهيداً) (البقرة/ 143).
في هذه الآية حديث عن الأُمّة المسلمة بأنّها "وسط" فيما جعله الله للمسلمين من موقع قيادي في الحياة، وإنّها شاهدة على الناس، وحديث عن الرسول بأنّه شاهد على الأُمّة.. فكيف نفهم هذه "الوسطية" وهذه الشهادة.
وقد جرى بعض المفسرين في تفسير هذه الكلمة من المعنى اللغوي فأخذوا منه معنى العدل والتوازن على أساس ما تمثّله الشريعة الإسلامية من الوسطية بين الاتجاه الروحي المتطرّف الذي يمثّله النصارى وبين الاتجاه المادّي المتطرّف الذي يمثله المشركون واليهود لأنّ الإسلام يأخذ من الروح جانباً ومن المادّة جانباً لتكون الحياة - كما خلقها الله - نتيجة التزاوج بين الروح والمادّة، وتتمثّل في التوازن بين الاتجاه الجماعي المتطرّف الذي يلغي دور الفرد والاتجاه الفردي المطلق الذي يلغي دور المجتمع في الحياة، فأعطى للفرد دوره فيما يحقّق ذاته دون أن يغمط حقّ الجماعة في نطاق قضاياها العامّة، وأعطى للجماعة دورها فيما لا يلغي للفرد نوازعه الذاتية الطبيعة. ويمتد الخطّ الوسطي إلى التوازن بين الدنيا والآخرة فللمسلم أن يُقبل على الدنيا ويستمتع بطيّباتها من دون أن يُسيء إلى خطّ الآخرة في السير مع شريعة الله فيما يفعل وفيما يترك، وله أن يستغرق في الآخرة بما لا يمنعه من بناء الحياة والاندفاع معها على الأُسس التي يريدها الله.
وفي ضوء ذلك يمكن للأُمّة أن تؤدي دور الشهادة على الناس باعتبارها تقف في نقطة التوازن التي ترجع إليها بقية الأطراف، كما يكون النبيّ شهيداً على الأُمّة لأنّه المثال الأكمل الذي يوزن به حال الأجاد من الأُمّة..
ويعلّق صاحب تفسير الميزان على هذا التفسير للآية بأنّ هذا المعنى في نفسه صحيح ولا يخلو من دقة إلّا أنّه غير منطبق على لفظ الآية فإن كون الأُمّة وسطاً إنما يصحّح كونها مرجعاً يرجع إليه الطرفان وميزاناً يوزن به الجانبان لا كونها شاهدة تشهد على الطرفين أو تشاهد الطرفين فلا تناسب بين الوسطية بذاك المعنى والشهادة وهو ظاهر على أنّه لا وجه حينئذ للتعرض بكون رسول الله شهيداً على الأُمّة، إذ لا يترتب شهادة الرسول على الأُمّة على جعل الأُمّة وسطاً كما يترتب الغاية على المغيّ والغرض على ذيه.
ونحن نرى أنّ هذه الآيات تتحرّك في نطاق الإيحاء للمسلمين بأصالة موقعهم في الحياة من خلال الدور الذي أعدّه الله لهم في قيادة البشرية إلى الأهداف الكبيرة التي تتمثّل في الإسلام، الأمر الذي يجعلهم يتحرّكون في الحياة من هذا الموقع ليكونوا شهداء على الناس في أفكارهم وأعمالهم باعتبار أنّهم يدخلون في ضمن مسؤوليتهم، كما كان الرسول شهيداً على المسلمين من خلال مسؤوليته الرسالية عنهم فيما بلغهم أيّاه وفيما أرشدهم إليه.. وفي هذا الجوّ لا نجد للوسطية معنى فيما حاوله هؤلاء المفسرون من الحديث عن التوازن الفكري والتشريعي في المواجهة الإسلامية للحياة، لأنّ القضية ليست هي قضية المضمون الإسلامي في صياغة الشخصية للإنسان المسلم، بل هي قضية الإيحاء للمسلمين بأنّ عليهم أن لا يستسلموا للآخرين في الحصول على الثقة بالتشريع وبالمسار العملي، لأنّهم لا يمثّلون التبعية للآخرين، في مواقعهم بل القضية هي أنّ الآخرين يدخلون في نطاق مسؤوليتهم باعتبار أنّهم يحملون الرسالة القائدة، والدور القائد في التبليغ والتنفيذ.. كما كان الرسول بالنسبة إليهم فيما يبلّغه وفيما يهدي إليه..
ولعلّ طبيعة الشهادة على الآخرين أمام الله تقتضي أن يكون الشاهد في الموقع الأفضل من حيث الدور الذي أوكل إليه، ومن حيث السلوك الذي سار فيه كما هو الحال في الأنبياء بالنسبة إلى أُمّمهم... وهذا ما يؤكّد المعنى الذي ألمحنا إليه... وربما يؤكّد ذلك ويوضحه ما ورد في الآية الكريمة.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ * وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ) (الحج/ 77-78).
فإنّنا نلاحظ تفريع شهادة الرسول عليهم وشهادتهم على الناس على اجتباء الله لهم وانضباطهم على الخطّ وقيامهم بالدور الموكل إليهم في العمل لأنفسهم وللأخرين.. أمّا الحديث عن التوازن في الإسلام فهو حقّ ولكن ذلك لا يعني أنّ الآية تسير في هذا الاتجاه في مضمونها الفكري.
كيف نفهم الشهادة على الناس؟
أمّا الشهادة.. فقد ذكر لها عدة معانٍ "منها" أنّ المعنى لتشهدوا على الناس بأعمالهم التي خالفوا فيها الحقّ في الدنيا وفي الآخرة. كما قال: (وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَدَاءِ) (الزمر/ 69). وقال: (وَيَوْمَ يَقُومُ الأشْهَادُ) (غافر/ 51).
وقد أثار المفسرون اعتراضاً في هذا المجال وخلاصته أنّ الشهادة تفرض الموقع المتميز للشاهد على المشهود عليه، ونحن نعلم أنّ الأُمّة تجمع في جماعتها المطيع والعاصي والجاهل والعالم فكيف يمكن أن يكون الجميع شهوداً في موقع الشهادة والجواب إنّ الأسلوب القرآني قد جرى على الحديث عن البعض بصفة الكلّ باعتبار اشتمال الكلّ عليه، تماماً كما قد حدّثنا عن بني إسرائيل مع أنّ الصفات التي ذكرها كانت صفات البعض... وعلى هذا فإنّ كون الأُمّة شاهدة يتحرّك في نطاق وجود العناصر الكثيرة في داخلها ممن يصلحون لمثل هذا الموقع الكبير وهم الطليعة الواعية المؤمنة التقية المنضبطة التي تفهم الإسلام حقّ الفهم وتعيه حقّ الوعي وتمارسه حقّ الممارسة وتحمله بروح رسولية رائدة.►
المصدر: كتاب من وحي القرآن/ ج3
أفغانستان.. الحكومة تتجهز لاستعادة معبر مع إيران من طالبان والسفارة الأميركية تنوي تخفيض أعداد المتعاقدين
جنود أفغانيون بالقرب من نقطة تفتيش استعادها الجيش من حركة طالبان في ولاية لغمان (رويترز)
قال المتحدث باسم حاكم ولاية هرات إن السلطات الأفغانية تستعد -اليوم السبت- لاستعادة معبر حدودي رئيسي مع إيران، سيطر عليه مقاتلو حركة طالبان التي تواصل حملتها بالتزامن مع انسحاب القوات الأميركية، بينما أعلنت الشرطة الأفغانية مقتل 4 أشخاص وإصابة 7 آخرين في تفجيرين بالعاصمة كابل وولاية قندهار جنوبا.
وقال جيلاني فرهاد المتحدث باسم حاكم هرات -لوكالة الصحافة الفرنسية- إن السلطات تستعد لنشر قوات جديدة لاستعادة إسلام قلعة، أكبر معبر تجاري بين إيران وأفغانستان، وأضاف أن "التعزيزات لم ترسل بعد إلى إسلام قلعة، لكن سيتم إرسالها إلى هناك قريبا".
وبعد ساعات الخميس من كلمة للرئيس الأميركي جو بايدن الذي برر الانسحاب الأميركي، أعلنت طالبان أن مقاتليها استولوا على معبرين في غرب أفغانستان، مستكملين بذلك قوسا يمتد من الحدود الإيرانية إلى الحدود مع الصين.
وإسلام قلعة من أهم المعابر الحدودية في أفغانستان، وتمر من خلاله معظم التجارة المشروعة بين البلدين. وحصلت كابل على إعفاء من واشنطن يسمح لها باستيراد الوقود والغاز الإيرانيين، على الرغم من العقوبات الأميركية.
من جهة ثانية، قالت وزارة الدفاع الأفغانية إن 69 مسلحا من حركة طالبان قتلوا في غارة جوية نفذتها القوات الأفغانية في مديرية دند بولاية قندهار جنوبي أفغانستان.
من جانب آخر، نقل مراسل الجزيرة في أفغانستان عن مصدر أمني أن مسلحي حركة طالبان سيطروا ليلة أمس على مديرية سُرْخ بَارسا بولاية بروان شمالي العاصمة كابل، وأضاف المصدر أن الحركة سيطرت أيضا ليلة أمس على مديرية "عليشنك" بولاية لغمان شرقي أفغانستان.
تفجيران مختلفان
ونقلت قناة "طلوع نيوز" المحلية عن شرطة كابل قولها -في بيان- إن تفجيرا وقع عند مكتب عقاري بالحي الثامن بكابل صباح اليوم، وأضاف البيان أن التفجير تسبب في مقتل مدنيين اثنين وإصابة 4 آخرين، وقالت الشرطة إنها فتحت تحقيقا في الحادث.
وفي حادث منفصل، قالت مصادر أمنية إن مدنيين قتلا وأصيب 3 آخرون -بينهم ضابطا شرطة- في تفجير استهدف سيارة حاكم مقاطعة دامان في قندهار، وأوضحت المصادر أن حاكم المقاطعة بير محمد نجا من الحادث. ولم تعلن أي جهة مسؤوليتها عن الحادثين.
من جهته، كشف الرئيس الأفغاني أشرف غني عن أن 400 شخص يقتلون أو يصابون جراء تردي الوضع الأمني في البلاد، وتساءل عن مبرر التصعيد الأمني والميداني في الوقت الذي انسحبت فيه القوات الأميركية، وطالب جميع الأطراف بأن يتعظوا مما يجري في سوريا واليمن وليبيا، وفق تعبيره.
ونبّه الرئيس الأفغاني إلى أن الحكومة هي فقط من تعمل على إطلاق معتقلي طالبان.
وكانت طالبان قد أعلنت أن 85% من الأراضي الأفغانية باتت تحت سيطرتها، مؤكدة أنها تسعى لأن تشارك مكونات الشعب الأفغاني كافة في إدارة البلاد.
وأظهرت بيانات نشرتها صحيفة "لونغ وور جورنال" (Long War Journal) توسعا لنفوذ حركة طالبان على الأرض، وسيطرتها على مناطق واسعة في الشمال، فضلا عن تقدّمها في محافظات بالجنوب.
من جانبه، قال وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن -في تغريدة على تويتر- إن الوضع الأمني بأفغانستان يستدعي المزيد من الضغط الدولي للتوصل إلى تسوية سياسية متفق عليها، لإنهاء الصراع ومنح الشعب الأفغاني الحكومة التي يريدها ويستحقها.
وأضاف أوستن أنه يمكن للعالم بأسره المساعدة عبر الاستمرار في الضغط.
وفي ذات السياق، قال وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن -في تغريدة على تويتر- إنه تحدث مع نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الخارجية القطري الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، بشأن دعم قطر لمفاوضات السلام الأفغانية، ودورها في دفع السلام والأمن في المنطقة.
كما قالت وكالة الأنباء القطرية إن الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني تلقى اتصالا هاتفيا من بلينكن، جرى خلاله استعراض تطورات الأوضاع في أفغانستان.
وأكد الوزير القطري على التزام بلاده بتقديم الدعم السياسي لعملية السلام في أفغانستان، ومواصلة الحوار بين جميع الأطياف للتوصل إلى حل سياسي.
وفي سياق آخر، قالت صحيفة وول ستريت جورنال إن مسؤولي السفارة الأميركية في أفغانستان يطورون خططا لخفض عدد المتعاقدين الأفغان والأميركيين والأجانب، مع تدهور الوضع الأمني هناك.
ونقلت الصحيفة الأميركية أن المراجعة المدروسة تأخذ بعين الاعتبار إمكانية إرسال بعض هذه الوظائف إلى الولايات المتحدة، وما إذا كان يمكن تخفيض وظائف أخرى أو تقليصها.
المصدر:الجزيرة + وكالات
اصدار البيان الختامي لمفاوضات السلام الافغانية في طهران
اصدر الوفدان الافغانيان المشاركان في مفاوضات السلام بطهران يومي الاربعاء والخميس بيانا يتضمن 6 بنود.
والمحاور الستة للبيان الختامي لاجتماع الوفدين جاءت كالتالي:
1-يعرب وفدا الطرفين عن الامتنان لمساعي وحسن نوايا الجمهورية الاسلامية الايرانية من اجل ارساء السلام في افغانستان وحسن الضيافة لهما.
2-الطرفان بتفهمهما المشترك للاخطار الناجمة عن مواصلة الحرب والاضرار الناجمة عن ذلك على سلامة افغانستان، توصلا الى توافق بان الحرب ليست الطريق لحل قضية افغانستان ويجب توجيه جميع الجهود في مسار الوصول الى حل سياسي وسلمي.
3-المفاوضات جرت في اجواء ودية وتم طرح جميع القضايا بصورة تفصيلية وصريحة.
4-الطرفان قررا بان يتم البحث والوصول الى نتيجة بشان الحالات التي هي بحاجة للمزيد من التشاور والتوضيح مثل آليات العبور من الحرب نحو السلام الدائم والنظام الاسلامي المتفق عليه وكيفية الوصول اليه، خلال الاجتماع القادم الذي سيعقد في اقرب فرصة ممكنة.
5-الطرفان يعتبران اجتماع طهران فرصة وارضية جديدة لتعزيز سبل الحل السياسية لمعضلة افغانستان.
6-كلا الطرفين يستنكران بشدة الهجمات على منازل المواطنين والدوائر والمساجد والمستشفيات، والتي من شانها ان تؤدي الى وقوع المواطنين ضحايا لها، وكذلك تدمير المؤسسات العامة ويدعوان الى معاقبة مرتكبيها.
وقد عقدت المفاوضات الافغانية بين وفد الحكومة والشخصيات ووفد حركة طالبان رفيع المستوى امس واليوم بطهران حيث تم افتتاح الاجتماع بكلمة لوزير الخارجية الايراني محمد جواد ظريف
واعلن ظريف استعداد الجمهورية الاسلامية الايرانية لدعم مسيرة المفاوضات بين الاطراف الافغانية من اجل حل وتسوية الازمات الجارية في افغانستان، مؤكدا التزام طهران بدعم التنمية الشاملة في هذا البلد بعد ارساء السلام فيها.
وتراس وفد الحكومة الافغانية يونس قانوني فيما تراس وفد حركة طالبان عباس استانكزي مساعد رئيس مكتب الحركة.
وضم وفد الحكومة الافغانية كلا من كريم خرم وارشاد احمدي ومحمدالله بتاش وظاهر وحدت وسلام رحيمي.
إرادة الإعتدال وتجنب الغلو
بدور زكي محمد
◄يؤكد الإسلام على أهمية العمل الصالح، وقبول سائر العبادات وقد روى البخاري عن رسول الله (ص) في شهر رمضان قوله: "من لم يَدَع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه..". إنّ إلتماس الحق أن الصدق في القول من شأن النفوس القوية التي ترى في إيمانها جانب المحبة لا الخوف الذي قد ينطوي على الشك، كما إنّه دليل على إعتبار الخيار الإنساني في السلوك عاملاً حاسماً في حساب الأفعال، على خلاف القائلين بالتسيير المطلق لكل ما يصدر عن الإنسان. إنّ قول الزور وفعله من متعلقات المصالح، سواء في جلب المنافع أو درء المضار، فكم من الناس من يعنيه أمر الحقيقة لذاتها دون أن يكون في إظهارها فائدة له؟ ولو حاول البعض أن يضع نفسه في أجواء هذا الحديث، فإنّه بلا شك يسعى لأن يقوّم نفسه بما فيه صلاحها وصلاح مجتمعه. فالإسلام على عكس ما يراه البعض من نظرة أحادية قاتمة، دين السلام والرحمة والغفران، وإذا كان من أسماء الله الحسنى "المنتقم" فإنّ الإنتقام الإلهي هوعقاب الظالمين لتأديبهم وانصاف ضحاياهم، لا كما يفعل البعض حين يجعلوه سبباً لكره الحياة والبعد عن محاسنها المشروعة، رغم قول الله تعالى في محكم كتابه الكريم: (وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الآخِرَةَ وَلا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا) (القصص/ 77). إنّ قول الحقيقة في الدين أصبح من أصعب الأمور في أيامنا هذه لأنّ البعض لا يستقيم له إلا تأصيل شريعة الخوف، لا الخير والرحمة والتسامح، ولعل هذا البعض وقع في قراءة خاطئة للآيات القرآنية الكثيرة أو للأحاديث النبوية الشريفة، التي تبشر بالغفران بخاصة في هذا الشهر الفضيل، منها ما نقل عن دارم بن قبيضة عن الامام علي بن موسى الرضا، عن آبائه (ع) من أنّ الرسول بسط فضائل شهر رمضان في شأن المغفرة فقال إنّ الله يغفر: "في كل ليلة لسبعين ألفا، فإذا كان ليلة القدر غفر الله لمثل ما غفر في رجب وشعبان ورمضان..."، لكن الحديث المذكور يستثني من تلك المغفرة العاجلة (للسبعين ألف و...): "رجلاً بينه وبين أخيه شحناء، فيقول الله عزّ وجلّ: إنظروا هؤلاء حتى يصطلحوا"، فالحديث يفتح النفوس على باحات المغفرة والتسامح، ويرشد في الوقت نفسه إلى أهمية العامل الأخلاقي وتلازمه مع الإيمان وقد ورد عن النبي محمد (ص) قوله: "إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق" ثمّ إنما الدين المعاملة وبقدر حسن المعاملة يكون حسن المرء. إنّ مشيئة العفو والغفران والتسامح تفسح المجال أمام إرادة الاعتدال ليتم تجنّب الغلو والتشدد الذي يهدد إستقرار المجتمعات. لقد كان بإمكان الرسول (ص) حين دخل مكة منتصراً في شهر رمضان ان يفتك بمن حاربه واذل المسلمين، لكنه أبى ذلك وحين سمع قول سعد بن أبي عبادة: "اليوم يوم الملحمة، اليوم تستحل الحرمة" غضب وطلب من علي بن أبي طالب (ع) أن يدركه ففعل ونادى: "اليوم يوم المرحمة، اليوم تصال الحرمة". لقد حرص النبي على إستقرار المجتمع وصلاحه. وما يختص به الله شهره الكريم، إنّه يقيد الشياطين، وهذا ما تقوله مجموعة من الأحاديث بأنّ الله كفى الناس في شهر رمضان أعداءهم من الأنس والجن ووكل بكل شيطان مريد سبعة من ملائكته". إن تقييد الشياطين الأرضية ضرورة لبلوغ عالم أكثر أمناً وأوفر إنسانية وأسلم إيماناً، وهو أمر شديد الصعوبة، ويستطيع المعنيون الإسهام بصناعة بعض القيود التي تدر جانباً من الشرور من خلال الدعوة إلى إسلام يعلي من قيم التسامح ويدعو إلى المعاملة الحسنة ونشر مكارم الأخلاق.►
هل يتغير الحكم الشرعي تبعاً لتغير الزمن؟
ولما كان هذا الفصل من بحثنا يمتاز بشيء من الدقة فإنّنا لا نؤكد عليه بل نقول إن الحكم قد تغيّر من حيث الثبوت بسبب تغير موضوعه المرتبط بالظرف الزمني فحين يتغير الظرف الزمني يتغيّر الحكم أيضاً، وهذا التغير في الحكم تغير في صفة الثبوت، ولدينا مثل هذه الأحكام في الشرائع السماوية المختلفة؛ فقد كانت هناك أحكام في شريعة سيّدنا نوح وإبراهيم وموسى وعيسى (عليهم السلام) وشريعة نبينا محمد (صلى الله عليه وآله) قد نسخت، ففي الشريعة الإسلامية مثلاً كان المسلمون يتوجهون في صلاتهم نحو بيت المقدس في البداية ولكن هذا الحكم نسخ فيما بعد وصدر الأمر إليهم بأن يتوجهوا في صلاتهم نحو الكعبة، هذا الحكم القطعي كان سائداّ في الإسلام ثم نسخ، ولكن هذا الحكم في الواقع هكذا:
إن الإرادة الإلهية انصبت من البداية على أن يتوجه الناس في صلاتهم نحو بيت المقدس حتى الزمن الفلاني ثم يتوجهوا بعد ذلك نحو الكعبة، ولكن لما كان ذلك الحكم هو الذي قيل لهم في البداية لذلك يعد تغييره الآن نسخاً.
على أية حال فإن هذا النوع من التغير في الحكم معقول وأمر واقع، أي أنه ممكن الحصول وحاصل أيضاً، وهذا يحدث حين يكون موضوع الحكم ذا ظروف متغيرة تماماً.
فلو كان لموضوع الحكم ظروف خاصة تتغير خاصة بتغير الأزمنة والأمكنة، فإن الحكم يتغير أيضاً تبعاً للظرف الذي يحصل للموضوع، وهنا أيضاً ليس الحكم تابعاً لتغير الزمان والمكان في الحقيقة، فالزمان والمكان دليلان على تغير الموضوع وإلا فليست لهما خصوصية لكي يصبحا مصدرين لتغير الحكم، واختلاف الأزمنة والأمكنة دليل على حدوث تغيير في موضوع الحكم يتضح بالزمان، وأن هناك مصلحة مستمرة حتى هذا الزمان، إذاً فأساس التغير في موضوع الحكم هو (المصلحة المعينة) وليس الزمان، وكذلك توجد مصلحة في مكان معين ولا توجد في مكان آخر. فالظرف الحقيقي لموضوع الحكم ليس الزمان والمكان بل وجود مصلحة معينة، ولكننا نقول تسامحاً إن هذا التغير حدث لتغير الزمان والمكان، والذين يدققون في العبارات يراعون هذه الأمور أيضاً، ولكن لما كان الناس لا يتنبّهون إلى هذه الدقائق فلا ضير في أن يقال وفقاً للمحاورات العرفية: إن لعامل الزمان أو عامل المكان تأثيراً في تغيير موضوع الحكم، وبتعبير آخر يعدّ الزمان والمكان من العوامل التي تقرر نوع الحكم.
وإذا قيل ذلك فهو من أجل تسهيل فهم الفكرة المقصودة وإلا فليس للزمان والمكان خصوصية بذاتهما لتكون منشأً لتغيير الحكم، فمنشأ تغيير الحكم ومنشأ الاختلاف هو (تعدد المصالح والمفاسد) في الأزمنة المختلفة أو في الأمكنة المتعددة.
على أية حال لما كان هذا الموضوع يدور حوله اليوم حوار كثير ويعدّ من القضايا الحيّة لمجتمعنا، فحري بنا أن نزيده توضيحاً، ونخرج بذلك من الأسلوب الإجمالي الذي اتبعناه في شرحه حتى الآن. ولتوضيح هذا الموضوع نبدأ بعرض مقدمة لا تخلو من الدقة، ومع أننا نخاطب هنا عامة الناس إلا أن طبيعة البحث تقتضي منا أن نطرح المواضيع بشيء من الدقة تزيد قليلاً عن مستوى المعلومات العامة.
وسوف نسعى بالطبع لشرح هذه المواضيع بلغة مبسّطة.
تغير الحكم تبعاً للظرف الموضوعي:
أحياناً يكون موضوع الحكم قضية موضوعية محددة، فنجد أن الله تعالى وضع قانوناً حول شيء موضوعي محدد وأنزل بشأنه حكماً وأوضحه بواسطة النبي والإمام، فنجد مثلاً حكماً حول ماء المطر.
فالمطر أمر موضوعي محدد وكل الناس يعرفون على مر الزمان ماذا يعني ماء المطر وبالإمكان أن نريهم إياه ونصفه لهم وهو معروف تماماً، وحقيقة ماء المطر لا تتغير لأنها محددة وقابلة للوصف وقابلة لمعرفتها من قبل عامة الناس، وهناك حكم بشأنها يقول: (إن ماء المطر طاهر).
ولنضرب مثالاً آخر فنقول: هناك بعض الأعيان النجسة أو بعض الحيوانات النجسة نجاسة عينية مثل الكلب والخنزير، والله تعالى ذكر حكماً حول هذين الكائنين الموضوعين اللذين يمثّلان حقيقة محددة ومعروفة، وذلك الحكم هو: (إن لحم الكلب والخنزير حرام ولعابهما نجس) وتبرز بعد حرمة لحمهما أحكام اجتماعية أيضاً، حيث يحرم التعامل بهما، كذلك يعتبر إتلاف هذين الحيوانين مما لا يوجب الضمان إن لم تأت منهما منفعة محلّلة أو يتوقع منهما منفعة محللة، لأنهما لا يعدّان من الأموال، إضافة إلى عشرات القضايا الاجتماعية والحقوقية الأخرى التي تترتب على ذلك. كل هذه الأحكام تخص أمراً خارجياً محدداً، فالموضوع والحكم ثابتان هنا، أي لا يحدث أي تغيير على مر الزمن لا على حقيقة هذين (أي الكلب والخنزير) ولا على حكمهما، فخنزير اليوم هو خنزير ما قبل ألف سنة نفسه، ولحمه كان حراماً قبل ألف سنة وهو حرام الآن أيضاً، وفي ذلك الزمان كان نجساً وهو اليوم نجس أيضاً، والتعامل به كان باطلاً في ذلك الزمان وهو اليوم باطل أيضاً.
لكن الأحكام الشرعية تتعلق بالموضوعات مع ظرف خاص أحياناً، أي لا يكون شيء موضوعي محدد موضوعاً للحكم لوحده بل يرتبط بظرف معين أيضاً، ومثال ذلك ماء العنب حين يغلي فلو أصبح مسكراً فهو نجس والتعامل به باطل وشربه حرام أيضاً والذي يشربه ينبغي أن يقام عليه الحد... وهكذا نلاحظ أن هذا الحكم تترتب عليه أحكام عبادية وحقوقية ومعاملاتية وجزائية مختلفة.
كل هذه الأحكام تأتي بعد ثبوت النجاسة، والموضوع هو ماء العنب والكل يعرفه لكنه يترافق مع ظرف معين وهو (الإسكار)، فلو زالت صفة الإسكار منه فسوف ينطبق عليه حكم آخر. ومثال ذلك لو كان سائل ما في زمن ما مسكراً ثم تحول إلى سائل آخر، أي حصل فيه تحوّل كـ (تحوّل الخمر خلاًّ) ففي هذه الحال يتغير حكمه، لأن حكم الحرمة لم يكن حكماً مطلقاً لهذا السائل بل كان ينطبق عليه مع ظرف معين، فما دام الظرف باقياً فحكمه باق، فإن تغير ظرفه فسوف يتغير حكمه أيضاً.
الظروف الموضوعية والتعاقدية:
حين يكون الموضوع مقيداً بظرف معين فهو على قسمين: فأحياناً يكون الظرف المخصص للموضوع ظرفاً غير موضوعي بل تعاقدي.
فالموضوع شيء موضوعي لكنه ينطبق عليه حكم شرعي خاص مع ظرف ليست له صفة موضوعية خارجية، ففي المثال الذي ذكرناه بقولنا: (إنماء العنب لو غلي فأصبح مسكراً فهو نجس) يعد (الإسكار) صفة موضوعية أي أن بالإمكان أن نجرب (إسكار ماء العنب)، فهذه صفة موضوعية في الخارج ذات أثر طبيعي وقابلة للتجربة أيضاً. لكن ظروف موضوع معين تكون أحياناً ظروفاً تعاقدية لا يمكن رؤيتها وتجربتها، بل يتعاقدون عليها عقلياً في ظرف خاص، فيقولون مثلاً:
(إن الشيء الطاهر بحد ذاته ويمكن أن ينتفع به منفعة محلّلة، يمكن تملّكه بأسباب معينة) ونحن لسنا الآن في معرض البحث حول أسباب الملكية.
فيقال إن هذا الشيء المتصف بصفة المملوكية لهذا الشخص له حكم خاص، أي إنه يحمل عنوان (المملوك) ولا يحق للآخرين التصرف به دون إذن المالك، فحرمة التصرف في هذا الشيء الخارجي تخص هذا الشيء فقط ولكن لا بشكل مطلق بل حين يكون المالك شخص آخر، أما لو لم يكن له مالك فيحق للآخرين التصرف فيه أيضا. وهكذا فحكم حرمة التصرف في ظرف معين تخص هذا الشيء، لكن ذلك الظرف ليس صفة موضوعية كصفة الإسكار التي يكتسبها سائل معين، بل هو ظرف تعاقدي، بمعنى أن العقلاء تعاقدوا في المجتمع على أن هذا الشيء للشخص الفلاني لأنه ورثه عن أبيه، أو أنجز عليه أعمالاً أو لأي أمر آخر يكون سبباً في الملكية، فهذه الأمور تؤدي إلى أن يكتسب هذا الشيء صفة تعاقدية تمسى (الملكية).
ولنضرب مثالاً آخر فنقول: لو أن رجلاً وامرأة قرآ صيغة عقد القران وحصل بينهما إيجاب وقبول فسيكونان زوجين، ولا يحق لهما قبل ذلك ممارسة الجنس ولكنه يصبح جائزاً بعد العقد الشرعي وتترتب عندئذٍ أحكام اجتماعية عديدة على قولهما: (زوّجتُ وقبلتُ)، فنرى في هذ االمثال أن هذا الرجل وهذه المرأة لم تتغير صفتهما الموضوعية، أي لم يحصل تغيير في لونهما وشكلهما وطولهما.. وهما نفساهما اللذان كانا قبل ساعة، وإن مقولة (أنكحتُ وقبلتُ) ـ برضى الطرفين طبعاً ـ هي وحدها التي تسببت في أن نتعاقد على أن هذا الرجل وهذه المرأة زوجان، فتكون هذه المرأة التي اكتسبت صفة (الزوجة) محلّلة على ذلك الرجل وتجب نفقتها عليه، وكذلك الأحكام المتعددة الأخر التي تترتب على ذلك.
هذه الأحكام تنطبق على موضوع خارجي (الرجل والمرأة) ولكن في حال تعاقدي، أي حين يتصفان بصفة الزوجية، فهذه الصفة إذاً ليست شيئاً موضوعياً بل هي شيء تعاقدي.
والأشياء التعاقدية قابلة للتغيير أيضاً، فمادام هذان الاثنان زوجين فلهما أحكامهما الخاصة بهما، فلو طلق الرجل امرأته فسوف تنطبق عليهما أحكام أخر.
لقد كانت هذه المرأة حتى الأمس محرّمة على هذا الرجل، لكنها صارت محلّلة عليه اليوم، أي أن الحكم تغير تجاه هذا الشخص، فلماذا حدث ذلك؟
لأن صفته التعاقدية قد تغيرت لا ذاته، فهو إنسان الأمس نفسه، لكنه لم يكن بالأمس يتصف بصفة الزوجية فصار يتصف بها اليوم.
وهذه الصفات تؤخذ أحياناً كظرف موضوعي، أي ظرف الزوجية مثلاً، لكننا لو دققنا في الأمر أكثر ـ في كثير من الحالات في الأقل ـ نجد أن الحكم يختص بالظرف نفسه، وفي الاصطلاح الفلسفي يختص الحكم في الجوهر بالظرف وينسب في العرض إلى المظروف، وبعبارة أخرى ينسب الحكم في الجوهر إلى الصفة وفي العرض إلى الموصوف، فالحكم الشرعي إذاً ينطبق على الصفات بشكل انتزاعي وتعاقدي.
فلو انطبقت هذه الصفة على الشيء في أي زمان ومكان وفي أية ظروف فسيكون لذلك الشيء حكم معين، ولو لم تنطبق هذه الصفة عليه فسيكون له حكم آخر، فالموضوع هو نفسه، لكنه يكون في مكان ما مصداقاً لصفة معينة ويكون في مكان آخر مصداقاً لصفة أخرى، ويكون كذلك في زمان معين مصداقاً لصفة معينة وفي زمان آخر مصداقاً لأخرى.
وليس الزمان والمكان في الحقيقة موضوعاً للحكم بل دليلان على أن هذه الصفة هل تنطبق هنا على الموضوع أم لا تنطبق، أو هل الصفة الفلانية تصدق في هذا المكان أم الصفة المخالفة لها، وهنا نكرر الملاحظة الدقيقة التي قلناها سابقاً، فنقول تسامحاً:
إن الزمان والمكان أمران متغيران يتغير الحكم تبعاً لهما، لكن المتغير الحقيقي في المواقع هو المصالح والمفاسد وليس الزمان والمكان.
الحكومة الإسلامية وولاية الفقيه، محمد تقي مصباح اليزدي
هل أحرزنا الهدف من حياتنا؟
إن كان الإنسان يعاني في حياته من «نواقص وعقد نفسانيّة»، فهو عادة لا يسأل عن الهدف من حياته، وإنّما يفتش عن احتياجاته ولذائذه وحسب دون أن يفكّر بالهدف من حياته. أمّا إذا أعطى اللّه الإنسان «السّكينة»، فهو يبدأ يفكّر شيئا فشيئا ويسأل نفسه أن: لماذا أعيش وما الهدف من حياتي؟! وحتى قد يسأل نفسه: لماذا يجب أن ألتذّ وأتمتّع وما الداعي إلى ذلك؟ طبعا، النزهة هي غايةٌ بحدّ ذاتها لذوي النفوس الضعيفة، ولكن بشكل عام بعد ما يتمتّع الناس بمختلف اللذات ويشبعون منها نوعا ما، يسألون أنفسهم أن: «لماذا وبأيّ حبّ نتمتّع في حياتنا؟» فمثل هذا الإنسان إن لم يجد هدفا أعلى، سيجد هذه اللذّات تافهة بلا قيمة.
إن انشغل الناس دائما بمقارنة أنفسهم مع غيرهم، وأخذوا على أنفسهم أن لا يسبقهم الآخرون في إمكانات حياتهم وكانوا ينظرون إلى نواقصهم دائما وظنّوا أن حياة جارهم أفضل من حياتهم، فمثل هؤلاء لن يصلوا إلى التفكير في هدف الحياة أبدا. أما إن ترفّع الإنسان عن هذه المقارنات واطمأنّ قلبه، يواجه هذا السؤال بجدّ، وهو: «لماذا أعيش؟» يعني يبدأ يفكّر في الهدف من حياته بكلّ عمق.
لابدّ للإنسان أن يواصل حياته بهدف وحبّ ما؛ بحيث يكون هذا الحبّ أسمى من جميع الحياة بأسرها وقيّماً بحيث يستحقّ أن يجعل الإنسان حياته من أجله ويفديها في سبيله. وبالتأكيد لا يصل الكثير من الناس إلى هذه النقطة. فإنها تعبّر عن بلوغ روحي لدى الإنسان ولا يبلغ الكثير من الناس إلى هذا المستوى. إن أحد الأعمال المؤدّية إلى اطمئنان القلب وبلوغ الروح هو «الشكر». فإنّ شكرنا مدّةً سنحصل على سكينة واطمئنان لا يجدها المعقدون والحسّاد وأهل اللهو واللعب والهيجانات الكاذبة أبدا.
والعمل الآخر الّذي يطمئن قلب الإنسان ويعطيه فرصة التفكير في هدف الحياة هو «الصلاة». فإنّ اللّه وعبر فرض الصلاة علينا كأنّه يسحب الكابح اليدوي في حياتنا ويذيقنا السكينة ثلاث مرّات في اليوم، وذلك في سبيل أن يتسنّى لنا التفكير في أصل الحياة والهدف منها. لقد فرضت الصلاة من أجل أن تلفت نظرنا إلى الهدف السامي في الحياة وتفهّمنا سخافة انشغالاتنا الدنيوية وتحرضنا على التفكير في حقيقة أننا «طيور بستان الملكوت ولسنا لعالم التراب، وإنما قد سجنّا في قفص أبداننا في أيّام قليلة».
إن أولي القلوب المطمئنة الذين يحظون بساعات السكينة والاطمئنان، هؤلاء يفكرون بهدف الحياة، بينما أولئك الذين يفقدون هذا الاطمئنان ولا يفكرون بهدف الحياة، فإنّهم مشغولون بشؤون حياتهم وحسب ولا يطمحون إلّا لرفع نواقص حياتهم. وحري بالذكر أن مشاكل هؤلاء أكثر من الفئة الأولى، وحياتهم أصعب غالبا. فقد قال الله سبحانه وتعالى: ﴿وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِکْری فَإِنَّ لَهُ مَعیشَةً ضَنْک﴾([1]) فمن يصرف وقتا لذكر الله، يحلّ الله كثيرا من مشاكله.
مهما كان شغلكم فبإمكانكم أن تتخذوا معاونا رائعا يشخّص احتياجاتكم ويعدّ مقدّمات عملكم. إنّ هذا المعاون الرائع هو ربّ العالمين! فإن كنتم مع الله، سيكون الله معاونكم وبدلا من أن تصبّ قدرة الله في إفشال أعمالكم وتثبيط عزائمكم، ستكون في مسار تعبيد الطريق لشؤونكم وأموركم. طبعا لا يعني ذلك أن من كان مع الله، فلا تواجهه مشكلة، سيواجه مشاكل لا محالة، ولكن هذه المشاكل، سوف لا تحطّم أعصابه ولا تربك سكينته، بل ستكون سببا في رشده وارتقائه. فإن أصبحت على وشك الانهيار بسبب ما تعانيه من مشاكل، فاعرف أنك قد أعرضت عن الله في بعض شؤون حياتك، فورّطك الله بهذه المصائب لعلك تنتبه وترجع إليه.
كلّ يجب أن يرى هل قد أحرز الهدف من الحياة؟ هل عرف ما هو الهدف من تكوين الأسرة؟ فلابدّ للإنسان أن يصل إلى شيء من البلوغ الروحي حتى يصل إلى هذه النقطة. لما قال الله سبحانه وتعالى: ﴿وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ و الْإِنْسَ إِلاَّ لِیَعْبُدُونِ﴾([2]) فمعنى ذلك هو أن الهدف من جميع ما وفّره للإنسان من نعم هو العبوديّة. إذن فالهدف من اختيار الزوج وتكوين الأسرة هو عبادة الله أيضا. وكذلك الهدف من إنجاب الأطفال وتربية الأولاد وكسب الجاه الاجتماعي هو العبودية أيضا. ولكل هذه الأعمال أجزاء وشؤون وظروف وهي من أجل عبادة الإنسان أيضا. فإذا تحببتم إلى زوجاتكم فلابدّ أن يكون ذلك من أجل تحقق هذه العبودية.
فإذا اعتبرنا جميع شؤون حياتنا كأجزاء ومعدّات لعبادة الله، سنعرف عند ذلك أنه «لا يطوّر عبودية الإنسان شيء مثل خدمة الأسرة». فإنكم إذا جعلتم العبادة هدفا لتكوين الأسرة، لن تستطيعوا أن تجسّدوا عبادة الله عبر حسن الخلق في الرأفة في الشارع ومع الآخرين، كما لو فعلتم ذلك في داخل أسرتكم. لقد اشتهر على الألسن أن: «ليست العبادة سوى خدمة الخلق»، ولکن كان الأحرى أن يقال: «ليست العبادة سوى خدمة الأسرة». ترى أخلاق بعض الناس حسنة مع الآخرين، فيخدمون الغريب ويتعاملون معه بوجه بشوش، ولكنهم لا يتعاملون مع أمهاتهم وآبائهم وأزواجهم هكذا، فكأنهم أصبحوا تكراريّين لديهم! فإن هؤلاء إن لم يكونوا عطوفين مع أسرتهم، فلا قيمة لابتساماتهم وبشاشة وجههم مع الغير، ولا يستطيعون أن يخدعوا الله بهذه الأعمال. فمن لم يعطف على أقربائه، فعطفه بالغير كذب وخداع بالطبع.
سماحة الشيخ علي رضا بناهيان
([1]) سورة طه: 124.
([2]) سورة الذاريات: 56.
في ذكرى استقلال بلد المليون شهيد.. الجزائر بين ثورة وحراك
محمد علال
"يا فرنسا قد مضى وقت العتاب
وطويناه كما يُطوى الكتاب
يا فرنسا إن ذا يوم الحساب
فاستعدي وخذي منا الجواب
إن في ثورتنا فصل الخطاب
وعقدنا العزم أن تحيا الجزائر".
أبيات لقصيدة من أقوى القصائد لشاعر الثورة الجزائرية الراحل مفدي زكريا، وهو مقطع هام جدا من النشيد الوطني الجزائري الذي لطالما أثار حفيظة الفرنسيين بعد إعلان استقلال الجزائر يوم 5 يوليو/تموز 1962، والذي يُبرز وحشية المستعمر وهشاشة واحدة من أكبر القوى العسكرية في التاريخ الحديث.
سقوط الجزائر.. الهزيمة النكراء
قبل نحو قرنين من الزمن وتحديدا عام 1830، كان تاريخ 5 يوليو/تموز يشكل للشعب الجزائري عنوانا للهزيمة والخذلان، وذلك بحكم الروايات التاريخية التي تحكي كيف قام الجنرال الفرنسي "دي بورمن" بالإنزال التاريخي لقوات "جيش أفريقيا الفرنسي" في ميناء سيدي فرج بالجزائر في 14 يونيو/حزيران 1830.
سقطت مدينة الجزائر في 5 يوليو/تموز 1830، وذلك بعدما قام داي الجزائر "الداي حسين" بمقاومة شعبية لم تستمر أكثر من 21 يوما، لتنهي في ذلك اليوم أسطورة مدينة كانت تُوصف بالقلعة الحصينة، وكان يُضرب بها المثل في القوة، وذلك منذ أن فشلت البحرية الإسبانية بقيادة كارلوس الخامس في اقتحامها عام 1541.
الهزيمة النكراء التي أحاقتها قوات الجيش الفرنسي بأسطول الداي في شهر يوليو/تموز تحولت إلى حكاية طويلة من العذاب والقهر في حياة الشعب، والتي رسمت فيما بعد ملامح وحشية المستعمر القديم، فلم يكن هناك أحد يتخيل بأن تتغير الأحوال يوما ما، أو أن تتحقق نبوءة تلك الأبيات التي كتبها مفدي زكريا خلف القضبان، وكأنه كان على يقين تام بأن يوم النصر سيأتي لا محالة، وسيضطر المُستعمِر في النهاية للاستسلام حتى ولو طال الزمان.
الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة الذي حكم البلاد لمدة 20 عاما
استعمار ناهب للبلاد
جثم الاستعمار الفرنسي على صدر الجزائر مدة 132 عاما، متخذا حجة "سخيفة" لاحتلال الجزائر. فقد كانت فرنسا الاستعمارية تبحث عن أدنى سبب لتبرر دخولها في حرب مع الجزائر، وذلك بعدما تحولت هذه الأخيرة إلى قوة إقليمية من الناحية الاقتصادية والعسكرية، حيث نجحت في بسط سيطرتها على جزء كبير من التجارة في البحر الأبيض المتوسط، ولم يكن بإمكان فرنسا وعدد كبير من الدول الأوروبية التحرك في مياه البحر دون دفع الإتاوات للجزائر.
ظلّت باريس تتحين فرصة الهجوم على الجزائر، وقد جاءت على طبق من ذهب، لا سيما وأن أسطول الجزائر تعرض للتحطيم قبل ذلك بثلاث سنوات في معركة نافرين، وأرسلت فرنسا قنصلها العام في مهمة روتينية إلى الجزائر من أجل الحديث مع داي الجزائر في مسألة تمديد مهلة الديون. حينها استشاط الداي غضباً، وأشار بمروحته إلى القنصل العام بضرورة مغادرة القصر، وهو ما بات يُعرف بحادثة المروحة التي اعتبرتها فرنسا السبب المباشر لاحتلال الجزائر، ليغادر آخر دايات الجزائر العثمانيين قصره إلى منفاه بمدينة ليفورنو الإيطالية، ثم إلى الإسكندرية إلى أن وافته المنية عام 1838، لتبدأ حينها فرنسا في تنفيذ خطتها الجهنمية لنهب ثروات البلاد.
صورة تجمع ضباط الجيش الجزائري في أحد معاركه ضد الاستعمار الفرنسي
تاريخ دامٍ قاد إلى التحرير
شتان بين حال الجزائر في 5 يوليو/تموز عام 1830 وبين حالها في ذاك اليوم من عام 1962، حيث تفنّن المستعمر على مدار 132 عاما في فرض أبشع أشكال التعذيب والتنكيل على الشعب الجزائري.
مخطئ من يعتقد أن كفاح الجزائر استمر فقط بين عام 1954 و1962، فالشعب الجزائري انطلق في وقت مبكرا جدا نحو حركة التحرير، ولم تكن الثورة التحريرية الكبرى "ثورة أول نوفمبر" إلا فصل الخطاب بعد حوالي مئة عام من الثورات التي تعاقبت بعناوين مختلف؛ "مقاومة الأمير عبد القادر" عام 1832 و"مقاومة لالة نسومر" عام 1854، و"مقاومة المقراني" عام 1871، و"مقاومة الشيخ بوعمامة" عام 1881، وغيرها من المقاومات التي تحركت في السنوات الأولى التي أعقبت حادثة "المروحة" الشهيرة.
نتيجة لذلك بات الشعب الجزائري في خانة أبرز شعوب العالم التي قدمت تضحيات كبيرة من أجل الحرية، ويكفي الإشارة إلى المجازر التي ارتكبها المستعمر بحق الجزائريين، ومنها مجازر 8 مايو/أيار 1945 التي كانت بمثابة القطرة التي أفاضت الكأس بعد أن ارتكبت قوات المستعمر الفرنسي جرائم بشعة جدا ضد الشعب الجزائري الأعزل، حيث راح ضحيتها أكثر من 45 ألف جزائري تعرضوا حينها لأبشع أنواع التعذيب والقتل الجماعي في أسبوع واحد من قبل القوات البرية والجوية والبحرية للمستعمر الذي قام بتدمير القرى والمداشر والمدن.
كانت تلك المجازر حلقة أساسية ليفجر الشعب الجزائري بقيادة جبهة التحرير الوطني ثورة أول نوفمبر/تشرين الثاني 1954 المجيدة، والتي جاءت بعد أن كذبت فرنسا على الشعب الجزائري وخالفت وعدها بمنحهم الاستقلال عقب نهاية الحرب العالمية الثانية في شهر مايو/أيار 1945 نظير مشاركة عدد كبير من أبناء الشعب الجزائري في حربها على دول المحور.
لقد اختارت "جبهة التحرير الوطني" الطريق الصحيح بإعلان ثورة نوفمبر، ونجح رفاق الشهيد العربي بن مهيدي والعقيد لطفي وزيغوت يوسف وديدوش مراد بإلحاق عدة هزائم بقوات المستعمر الفرنسي، واستنزاف المستعمر عسكريا وسياسيا، لتجد فرنسا نفسها في النهاية ملزمة بالرضوخ لمطلب الشعب الجزائري، وذلك بعد أن حققت الدبلوماسية الجزائرية مكاسب دولية وحصلت على اعتراف دبلوماسي من الأمم المتحدة لتأسيس دولة الجزائر.
نساء جزائريات يضعن علم بلادهن على ظهورهن استكمالا لمسيرة البناء بعد رحيل المستعمر القديم
استقلال 1962 وحراك 2019
بدأت تباشير استقلال 5 يوليو/تموز تلوح في الأفق عام 1959، وذلك عندما اضطر الرئيس الفرنسي الراحل شارل ديغول إعلان حق الشعب الجزائري في تقرير مصيره، لتبدأ محادثات إيفيان بين الحكومة الفرنسية وجبهة التحرير، والتي أسفرت عن اتفاقيات إيفيان التاريخية، وذلك بعدما عبّد كفاح الشعب الجزائري طريقها بالتضحيات.
تقرر اختيار يوم 5 يوليو/تموز 1962 تاريخا رسميا لإعلان استقلال الجزائر، وذلك في رمزية لمحو آثار الاحتلال ومسح هزيمة 5 يوليو/تموز 1830 بسيدي فرج، حيث قامت الجزائر بتوقيع مرسوم الاستقلال رسميا يوم 3 يوليو/تموز 1962.
في ذلك اليوم تتذكر الجزائر كل تلك التفاصيل، ولا يزال الشعب يحلم بإعادة مجد البلاد المغتصبة، فتاريخ 5 يوليو/تموز لم يكن أبدا يوما عاديا بالنسبة للجزائر، فهو محور قصة أكبر بلد في أفريقيا من حيث المساحة بين حدود الهزيمة والنصر، وقد جاءت الذكرى الـ57 لاستقلال بلد المليون ونصف المليون شهيد عام 2019 ومعها أسئلة أخرى عن نصف ثورة يريد الشعب إكمالها ضد قهر آخر اسمه نظام الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة الذي حكم البلاد 20 عاما (من 1999 إلى 2019).
بعد رحيل المستعمر القديم قرر الشعب الجزائري الثائر استكمال مسيرة البناء، ليتحول تاريخ 5 يوليو/تموز من يوم للاحتفال بالنصر إلى موعد جديد للحراك الشعبي الذي ظل يتجدد كل يوم جمعة منذ 22 فبراير/شباط 2019، وقد شاءت الأقدار أن تحلّ ذكرى الاستقلال في يوم جمعة، والذي بات يوصف في الجزائر بأنه "يوم مقدّس للحراك" بعد عشرين أسبوعا (أي تقريبا خمسة شهور يتوسطها شهر رمضان) لم يتعب فيها الشعب من الخروج كل جمعة للمطالبة بحقوقه.
صورة لامرأة كبيرة في السن تُشارك في تظاهرات الحراك الجزائري المناهض لكل أشكال الدكتاتورية
حراك شعبي في حضن شوارع الشهداء
يقف تاريخ 5 يوليو/تموز 2019 بين محطتين هامتين في تاريخ الجزائر، فكما يقول النشيد الوطني الجزائري "عقد الشعب الجزائري العزم على أن تحيا الجزائر"، والمعنى هنا لا يعني التحرر فقط من بطش الاستعمار، وإنما بناء دولة ديمقراطية شعبية حديثة، وذلك بعدما دفعت الجزائر ثمنا غاليا من أجل الحصول على الحرية.
فتاريخ 5 يوليو/تموز يعود ومعه ثورة جديدة لا تشبه الأولى، لكنها تحمل نفس الروح التي حرّكت الشعب عندما سعى الفرنسيون لاستعادة هيبة الملكية والتوسع الاستعماري.
جاء طعم الاحتفال بالاستقلال هذه السنة مختلفا وحاملا معه عدة أسئلة؛ فماذا يعني الاستقلال؟ وكيف تبدو ملامح البلاد في وسط رحلة البحث عن الشخصية التوافقية لقيادة البلاد؟ ومن هي تلك الشخصية التي تستحق فعلا أن تحكم بلد المليون شهيد؟ وقد تجدد السؤال لأول مرة بشكل مختلف تماما، وقد تربع على عرش قصر الرئاسة بالمرادية حتى الآن أحد عشر رئيسا بين مُنتخب ومعين ومؤقت، وكانت نهاية كل واحد منهم مختلفة تماما عن سابقه.
عندما حاول الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة توسيع نفوذه بعهدة خامسة جلبت العار للجزائر وأفاضت كأس غضب الشعب؛ وجد نفسه محاصرا في قصره بحراك شعبي أصبح ظاهرة جميلة ومضرب مثل في العالم، وذلك لما عكسه من وعي شعبي.
بعد 57 عاما من الاستقلال خرج أحفاد الشهداء في مسيرات ضخمة رافعين شعارات ساخرة ومناهضة لكل أشكال الدكتاتورية، ولم ينسوا في مسيرتهم صور المقاومين الذين سقطوا خلال حرب التحرير، وذلك في رمزية للتأكيد أن سعيهم اليوم هو خطوة لاستكمال رسالة الشهداء.
هكذا تقف الجزائر اليوم بين ثورة تحريرية كبرى وحراك شعبي لا يزال يحشد الملايين من الجزائريين كل يوم جمعة، وقد وصل عددهم في الجمعة الثالثة من الحراك يوم 8 مارس/آذار 2019 إلى أكثر من 17 مليون جزائري -بحسب الأرقام التقريبية- انتشروا في 48 ولاية جزائرية، وارتموا في حضن "موريس أودان" و"ديدوش مراد" و"حسيبة بن بوعلي" و"كريم بلقاسم" و"العربي بن مهيدي" أودان، وهي اليوم أسماء لأبرز شوارع الجزائر العاصمة، كانت بالأمس أسماء لرجال ونساء شرفاء هزمت قوات الاستعمار الفرنسي.
تحول اسم "أودان" من مناضل شيوعي حارب الاستعمار وقُتل تحت تعذيب المظليين الفرنسيين إلى عنوان للحرية والنضال يحجّ الناس إلى شارع يحمل اسمه قرب ساحة البريد المركزي وسط الجزائر كلما ضاقت بهم سبل الحرية، وكل تلك الشوارع أصبحت عنوانا يلتقي فيها الناس اليوم من أجل بناء دولة ديمقراطية، منهم شباب قطع مسافات طويلة مشيا على الأقدام من أجل الوصول إلى "أودان" ليردد ما كان أودان يردده بالأمس "جزائر حرة ديمقراطية".
متظاهرون جزائريون يشاركون في "مليونية الخامس من يوليو" التي تزامن الإعلان عنها مع إحياء عيد استقلال
فخر بالحراك وخوف من المفاجآت
تزامن الإعلان عن "مليونية الخامس من يوليو" مع إحياء عيد استقلال، ولم يغادر الحراك الشعبي الجزائري فكرة الحرية، حيث قرر الحفاظ على المطالب المرفوعة، وقد تنوعت أشكال النضال لتداعب مشاعر الفخر بما حققه الحراك حتى الساعة. (أبرز المطالب التي تحققت استقالة الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة بتايخ 2 أبريل/نيسان 2019، ومحاكمة أبرز رموز نظامه منه شقيقه سعيد بوتفليقة).
رغم كل ذلك فإن الشعب لا يزال يشعر بالخوف على ما تم تحقيقه، ففرحة الاحتفال بعيد الاستقلال لم تنسهم أبدا وصايا الشهداء وسط العديد من المفاجآت التي تعترض طريق "الحراك" بين الحين والآخر، ومنها اعتقال المجاهد لخضر بورقعة الذي يعتبر أحد قادة الولاية التاريخية الرابعة خلال ثورة التحرير. وقد جاءت الصدمة بالتزامن مع عيد الاستقلال، ليجد مجاهد الأمس نفسه خلف القضبان في السجون الجزائرية في ذكرى عيد الاستقلال، بعدما قرر قاضي التحقيق الجزائري إيداعه الحبس المؤقت تحت ذريعة تصريحات له صُنفت في خانة "محاولة لإحباط معنويات الجيش الجزائري" الذي ساهم في تأسيسه عندما كان شابا مجاهدا في صفوف ثورة أول نوفمبر/تشرين الثاني.
المصدر:الجزیره