emamian

emamian

الإثنين, 04 تشرين2/نوفمبر 2019 15:21

إهداء ثواب قراءة القرآن للميت

الحمد لله رب العالمين، الهادي إلى سواء السبيل، الفعال لما يريد، خلق فسوّى، وقدر فهدى، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين والأنبياء، محمد -صلى الله عليه، وعلى آله وسلم- وعلى أصحابه أجمعين، وعلى التابعين، وتابعيهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد:

فكثيراً ما نسمع من بعض المصلين في بعض مساجد صنعاء من يقول للناس بعد الصلاة: الفاتحة نهدي ثوابها إلى روح آبائنا وآبائكم، وأمهاتنا وأمهاتكم، وكل من له حق علينا، بأن الله يُسكنهم جناتٍ تجري من تحتها الأنهار، وأن يُدخل عليهم البهجة والسرور، والضياء والنور من يومنا هذا إلى يوم النشور، وأن يغفر لنا ولهم... وكذا نسمع مثل هذه العبارات في مآتم الأموات، وكذا عند زيارة المرضى، ومثله عند زيارة المقابر... وغيرها من المواضع.

وقد وُجد من الناس من يُنكر مثل هذه الأفعال، ويقول بحرمة إهداء ثواب قراءة القرآن إلى الأموات، وأن ذلك مما لا ينفع الميت، وأنه لا يصل إليه، ويعتبر أن مثل هذه الأفعال من البدع المنكرة، التي لا بد من اجتنابها، كما وُجد فريق آخر يقول: إن ذلك من الأمور الجائزة، وأنه مما يجوز فعله، وأنه مما ينفع الميت، وأنه يصل إليه؛ ولذا فقد أحببت أن أبحث هذه المسألة من خلال ما قاله فقهاء المسلمين، وما قال علماء التفسير، وسيكون سير البحث على النحو الآتي:

-1. تمهيد.

-2. إهداء ثواب قراءة القرآن للميت.

-3. الأدلة على أن القراءة لا يصل إهداء ثوابها إلى الموتى.

-4. الأدلة على أن القراءة يصل إهداء ثوابها إلى الموتى.

-5. تأويل المجيزين لأدلة المحرمين.

-6. الخلاصة.

-7. الراجح.

ولذلك أقول مستعيناً بالله تعالى، وهو حسبي، ونِعم الوكيل:

تمهيد:

أجمع العلماء على أن إهداء أجر الصدقة إلى الميت جائز، وأنه يصل إلى الميت، وأنه ينفعه، ومثله الدعاء للميت. قال ابن كثير: "فأما الدعاء والصدقة، فذاك مجمع على وصولهما، ومنصوص من الشارع عليهما"(1). ولحديث أبي هريرة قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «إذا مات الإنسان انقطع عمله، إلا من ثلاث: من ولد صالح يدعو له، أو صدقة جارية من بعده، أو علم ينتفع به»(2)، فهذه الثلاثة -في الحقيقة- هي من سعيه وكده وعمله، كما جاء في الحديث: «إن أطيب ما أكل الرجل من كسبه، وإن ولده من كسبه »(3)... وثبت في الصحيح: «من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من اتبعه، من غير أن ينقص من أجورهم شيئاً»(4). وقال في فتح الوهاب من كتب الشافعية: "وينفعه أي الميت من وارث وغيره صدقة ودعاء، بالإجماع وغيره"(5). وقد نقل هذا الإجماع أيضاً ابن قدامة الحنبلي في الشرح الكبير، حيث قال: "وأي قربة فعلها وجعل ثوابها للميت المسلم نفعه ذلك، أما الدعاء والاستغفار والصدقة وقضاء الدين وأداء الواجبات فلا نعلم فيه خلافاً إذا كانت الواجبات مما يدخله النيابة"(6).

وقال النووي: "وأما ما حكاه أقضى القضاة أبو الحسن الماوردي البصري الفقيه الشافعي في كتابه الحاوي عن بعض أصحاب الكلام من أن الميت لا يلحقه بعد موته ثواب، فهو مذهب باطل، قطعاً وخطأ بيِّن، مخالف لنصوص الكتاب والسنة وإجماع الأمة، فلا التفات إليه ولا تعريج عليه"(7(.

كما أجمعوا على أنه لا يصلي أحد عن أحد. قال القرطبي: "وأجمعوا أنه لا يصلي أحد عن أحد"(8(

ومثله الإيمان والتوحيد، لا يمكن للعبد أن يهبه لغيره. قاله القرافي المالكي.(9(

واختلفوا في إهداء ثواب ما سوى ذلك من الأعمال، ومن هذه المسائل إهداء ثواب قراءة القرآن للميت وذلك على النحو الآتي:

إهداء ثواب قراءة القرآن للميت:

وقع بين فقهاء المسلمين اختلاف في إهداء ثواب قراءة القرآن للميت، هل يجوز له ذلك؟ وهل يصل ذلك إلى الميت؟ وهل ينفعه؟ واليك بيان ذلك على حسب مذاهبهم كالآتي:

- مذهب الحنفية:

يرى الحنفية أن إهداء ثواب قراءة القرآن للميت جائز، وأن ذلك ينفعه، وأنه يصل إليه، وهو ما نص عليه في تبيين الحقائق من كتبهم.(10(

- مذهب المالكية:

يذهب الإمام مالك إلى عدم جواز إهداء قراءة القرآن للميت، وأن ذلك لا ينفعه، ولا يصل إليه. وقال بعض أصحابه: إن ذلك ينفعه، ويصل إليه. قال في منح الجليل: "قال القرافي: القربات ثلاثة أقسام:

  1. قسم حجر الله تعالى على عبده في ثوابه، ولم يجعل له نقله إلى غيره، كالإيمان والتوحيد.
  2. وقسم اتفق على جواز نقله، وهو القربات المالية.
  3. وقسم اختلف فيه، وهو الصوم والحج والقراءة، فمنعه مالك والشافعي، رضي الله تعالى عنهما...

ثم قال: فينبغي للإنسان أن لا يتركه، فلعل الحق هو الوصول، فإنه مغيب، وكذا التهليل الذي اعتاد الناس ينبغي عمله، والاعتماد على فضل الله تعالى"(11).

ونقل في منح الجليل أيضاً عن ابن رشد قوله في فتوى له عن معنى قوله تعالى: ﴿وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى﴾ [النجم: 39]، قال: "إن قرأ وأهدى ثواب قراءته للميت، جاز ذلك، وحصل أجره للميت، ووصل إليه نفعه إن شاء الله تعالى؛ لحديث النسائي عنه -صلى الله عليه وسلم-: «من دخل مقبرة وقرأ: ﴿قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ﴾ [الإخلاص: 1]. إحدى عشرة مرة، وأهدى ثوابها لهم، كتب الله له من الحسنات بعدد من دفن فيها»(12).

ونقل الدسوقي عن ابن رشد هذا القول أيضاً، ونقل مثله عن ابن هلال، ونسب هذا القول للأندلسيين، حيث قال: "وقال ابن هلال في نوازله: الذي أفتى به ابن رشد وذهب إليه غير واحد من أئمتنا الأندلسيين: أن الميت ينتفع بقراءة القرآن الكريم ويصل إليه نفعه، ويحصل له أجره إذا وهب القارئ ثوابه له، وبه جرى عمل المسلمين شرقاً وغرباً، ووقفوا على ذلك أوقافاً، واستمر عليه الأمر منذ أزمنة سالفة"(13). وهذا هو مذهب المتأخرين من المالكية، كما نص عليه الدسوقي، حيث قال: "لكن المتأخرون على أنه لا بأس بقراءة القرآن والذكر، وجعل ثوابه للميت، ويحصل له الأجر، إن شاء الله"(14).

وقد ذكر المالكية قولاً ثالثاً في هذه المسألة، وهو: حصول ثواب الاستماع للميت، ولكن لا يصح منه ذلك؛ لانقطاع التكليف عنه.(15) ولعل مقصودهم بهذا القول هو عدم وصول ثواب الإهداء للميت، ولكنه ينتفع بهذه القراءة من جهة سماعه لها.

وقد علَّق في منح الجليل على انقطاع التكليف عنه، فقال: "والظاهر حصول بركة القراءة؛ لحصولها بمجاورة الرجل الصالح، ولا تتوقف على التكليف، فقد حصلت بركة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- للخيل والدواب وغيرهما، كما ثبت بالجملة"(16).

- مذهب الشافعية:

للشافعية في هذه المسألة أقوال:

  1. فالمشهور عن الشافعي: عدم جواز إهداء ثواب قراءة القرآن للميت، وأن ذلك لا ينفعه، ولا يصل إليه.
  2. وقال الكثيرون من أصحابه: يجوز إهداء ثواب قراءة القرآن للميت، وأن ذلك ينفعه، وأنه يصل إليه.

قال النووي: "وأما قراءة القرآن، فالمشهور من مذهب الشافعي، أنه لا يصل ثوابها إلى الميت، وقال بعض أصحابه: يصل ثوابها إلى الميت"(17). وقد علَّق في فتح المعين على كلام النووي هذا فقال: "وحمل جمع عدم الوصول الذي قاله النووي على ما إذا قرأ لا بحضرة الميت، ولم ينو القارئ ثواب"(18)، ونقل في فتح الوهاب عن السبكي قوله: "الذي دل عليه الخبر بالاستنباط، أن بعض القرآن، إذا قُصِد به نفع الميت نفعه"(19). وقد نقل في فتح المعين أن القول بالجواز، هو ما اختاره كثيرون من أئمة الشافعية.(20)

وقال في نهاية المحتاج: "وفي القراءة وجه -وهو مذهب الأئمة الثلاثة- بوصول ثوابها للميت بمجرد قصده بها، واختاره كثير من أئمتنا... قال ابن الصلاح: وينبغي الجزم بنفع: اللهم أوصل ثواب ما قرأناه. أي: مثله فهو المراد، وإن لم يصرح به لفلان؛ لأنه إذا نفعه الدعاء بما ليس للداعي، فما له أولى"(21).

- مذهب الحنابلة:

وللحنابلة في هذه المسألة أقوال أيضاً كالمالكية، وهي كالآتي:

  1. جواز إهداء ثواب قراءة القرآن للميت وأن ذلك ينفعه ويصل إليه. وهذا هو المشهور عن أحمد.
  2. عدم جواز إهداء ثواب قراءة القرآن للميت وأن ذلك ينفعه ويصل إليه. ونسبه البهوتي إلى الأكثر.
  3. وقيل: الثواب للقارئ، ولكن الرحمة تُرجى للميت بها.

قال ابن قدامة: "وأي قربة فعلها، وجعل ثوابها للميت المسلم، نفعه ذلك"(22). وقال البهوتي: "وكل قربة فعلها المسلم، وجعل ثوابها أو بعضها، كالنصف ونحوه، كالثلث أو الربع، لمسلم حي أو ميت، جاز ذلك ونفعه، ذلك لحصول الثواب له، حتى لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- ذكره المجد، من بيان لكل قربة تطوع وواجب، تدخله النيابة، كحج ونحوه كصوم نذر، أو لا تدخله النيابة، كصلاة وكدعاء واستغفار، وصدقة وعتق وأضحية وأداء دين وصوم وكذا قراءة وغيرها. قال أحمد: الميت يصل إليه كل شيء من الخير؛ للنصوص الواردة فيه، ولأن المسلمين يجتمعون في كل مصر، ويقرءون ويهدون لموتاهم من غير نكير، فكان إجماعاً"(23).

وقال بعضهم: إذا قرئ القرآن عند الميت، أو أهدي إليه ثوابه، كان الثواب لقارئه، ويكون الميت كأنه حاضرها فترجى له الرحمة.(24)

وقال البهوتي: "وقال الأكثر: لا يصل إلى الميت ثواب القراءة وأن ذلك لفاعله".(25)

الأدلة على أن القراءة لا يصل إهداء ثوابها إلى الموتى:

استدل من قال من العلماء بعدم وصول إهداء ثواب قراءة القرآن للموتى، وبأن ذلك لا ينفعهم، بأدلة منها:

  1. قوله تعالى: ﴿وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى﴾ [النجم: 39] (26)، ووجه الدلالة من الآية هو أن القراءة للأموات ليس من عملهم ولا كسبهم؛ ولهذا لم يندب إليه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أمته ولا حثهم عليه، ولا أرشدهم إليه بنص ولا إيماء.(27)
  2. وقوله تعالى: ﴿لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُم مَّا كَسَبْتُمْ وَلاَ تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ [البقرة: 134]،(28). فقد دلت الآية على أن الإنسان يؤاخذ بفعل نفسه، ولا يؤاخذ بفعل غيره.
  3. واستدلوا أيضاً(29) بقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: «إذا مات ابن آدم انقطع عمله، إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به من بعده، أو ولد صالح يدعو له». فقد دل الحديث على انقطاع العمل عن الميت، إلا هذه الثلاث المذكورة في الحديث، وليس إهداء ثواب القراءة منها.
  4. واستدلوا أيضاً بقياس القراءة على الصلاة في عدم الوصول؛ لأن كل منهما عبادة بدنية.(30)
  5. واستدلوا أيضاً بأنه لم ينقل عن أحد من الصحابة -رضي الله عنهم- أنهم كانوا يُهدُون ثواب القراءة للأموات، ولو كان خيراً لسبقونا إليه.(31)
  6. واستدلوا أيضاً بأن باب القربات يقتصر فيه على النصوص، ولا يتصرف فيه بأنواع الأقيسة والآراء.(32)
  7. واستدلوا أيضاً بأن ثواب القراءة هو الجنة، وليس في قدرة العبد أن يجعلها لنفسه فضلاً أن يجعلها لغيره.(33)
  8. واستدلوا أيضاً بأن نفع القراءة لا يتعدى فاعله، فلا يتعداه ثوابه.(34)

الأدلة على أن القراءة يصل إهداء ثوابها إلى الموتى:

استدل من قال من العلماء بوصول إهداء ثواب قراءة القرآن للموتى، وأن ذلك ينفعهم، بأدلة منها:

  1. قوله تعالى: ﴿الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَّحْمَةً وَعِلْماً فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ * وَقِهِمُ السَّيِّئَاتِ﴾ [غافر: 7،8]، ودعاء الميت لهم؟ ليس من عمل الأموات بل ذلك من عمل الغير وقد نفعهم.(35)
  2. وقول الله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ جَاؤُوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ﴾ [الحشر: 10](36). ودلالته على المراد كسابِقِه.
  3. وقال سبحانه: ﴿وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ﴾ [محمد: 19](37). فقد أمر الله نبيه أن يستغفر للمؤمنين، فدل ذلك أن الاستغفار يصل إليهم وينفعهم. قال في تبيين الحقائق: "وروي عن أبي هريرة قال: يموت الرجل، ويدع ولداً، فيرفع له درجة، فيقول: ما هذا يا رب؟! فيقول سبحانه وتعالى: "استغفار ولدك". ولهذا قال تعالى: ﴿وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ﴾ [محمد: 19]، وما أمر الله به من الدعاء للمؤمنين والاستغفار لهم"(38).
  4. واستدلوا أيضاً بقوله تعالى: ﴿والذين آمَنُواْ واتبعتهم ذُرِّيَّتُهُم بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَآ أَلَتْنَاهُمْ مِّنْ عَمَلِهِم مِّن شَيْءٍ﴾ [الطور: 21]، فقد دلت الآية على أن الله سبحانه يُلحق الأبناء المؤمنين بآبائهم المؤمنين، وهذا دليل على أن الإنسان قد ينتفع بسعي غيره.(39)
  5. واستدلوا أيضاً بحديث(40): «من مر بالمقابر، فقرأ إحدى عشرة مرة ﴿قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ﴾ [الإخلاص: 1]، ثم وهب أجره الأموات، أعطى من الأجر بعدد الأموات»(41).
  6. وبحديث معقل بن يسار(42) رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «اقرءوا يس على موتاكم» رواه أبو داود.(43) فقد أمر -صلى الله عليه وسلم- بقراءة سورة يس -وهي من القرآن- على الموتى، وهذا دليل على أن القراءة تنفعهم، وإلا لما كان في الأمر لهم بقراءة يس فائدة.
  7. وعن عائشة وأبي هريرة -رضي الله عنهما- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ضحى بكبشين سمينين عظيمين أملحين أقرنين موجوئين، فذبح أحدهما، فقال: «اللهم عن محمد وأمته، من شهد لك بالتوحيد، وشهد لي بالبلاغ»(44). أي جعل ثوابه لأمته، وهذا تعليم منه عليه الصلاة والسلام أن الإنسان ينفعه عمل غيره، والاقتداء به هو الاستمساك بالعروة الوثقى.(45)
  8. واستدلوا أيضاً بحديث أبي موسى الأشعري -رضي الله عنه- قال: لما أصيب عمر -رضي الله عنه- جعل صهيب يقول: وا أخاه! فقال عمر -رضي الله عنه- أما علمت أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «إن الميت ليعذب ببكاء الحي»(46). فإذا كان البكاء يضره فالقراءة تنفعه، والله أكرم من أن يوصل عقوبة المعصية إليه، ويحجب عنه المثوبة.(47)
  9. واستدلوا أيضاً بإجماع المسلمين على جواز ذلك؛ فإنهم في كل عصر ومصر يجتمعون، ويقرأون القرآن، ويهدون ثوابه إلى موتاهم من غير نكير.(48)

قلت: نقْلُ الإجماع في هذه المسألة غريب؛ لأن الخلاف في المسألة مشهور.

  1. والقياس على الصدقة والحج، فإنهما تصلان إلى الميت بالإجماع(49)، وبالنصوص الشرعية الدالة على ذلك، كحديث ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: جاء رجل إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: «يا رسول الله! إن أمي ماتت، وعليها صوم شهر، أفأقضيه عنها؟ قال: "نعم. قال: فدين الله أحق أن يقضى»(50). وعنه أيضاً -رضي الله عنهما- أنه قال: كان الفضل بن عباس -رضي الله عنهما- رديف رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فجاءته امرأةٌ من خثعم، تستفتيه، فجعل الفضل ينظر إليها، وتنظر إليه، فجعل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يصرف وجه الفضل إلى الشق الآخر. قالت: «يا رسول الله! إن فريضة الله على عباده في الحج، أدركت أبي شيخاً كبيراً، لا يستطيع أن يثبت على الراحلة، أفأحج عنه؟ قال: نعم. وذلك في حجة الوداع»(51). وعنه أيضاً -رضي الله عنهما- أن رجلاً قال لرسول الله -صلى الله عليه وسلم-:«إن أمه توفيت، أينفعها إن تصدقت عنها؟ قال: نعم»(52)، فقد دلت هذه الأحاديث على أن الميت ينتفع بحج الحي عنه، وكذا تصدقه عنه، ويقاس عليه القراءة، فيقال: إن الميت ينتفع بقراءة الميت له. قال ابن قدامة: "وكلها أحاديث صحاح، وفيها دلالة على انتفاع الميت بسائر القرب؛ لأن الصوم والحج والدعاء والاستغفار كلها عبادات بدنية، وقد أوصل الله نفعها إلى الميت، فكذلك ما سواها، مع ما ذكرنا من الحديث في ثواب من قرأ يس وتخفيف الله عز وجل عن أهل المقابر بقراءته، ولأنه عمل بر وطاعة، فوصل نفعه وثوابه كالصدقة والصيام والحج الواجب"(53).
  2. واستدلوا أيضاً بالقياس على الدعاء(54) الذي ورد في مشروعيته للميت نصوص كثيرة، منها حديث كثير بن عبد الله عن أبيه عن جده عن عبد الله ذي البجادين، الذي هلك في غزوة تبوك أنه هلك في جوف الليل، فنـزل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في حفرته، وقال لأبي بكر وعمر -رضي الله عنهما-: «أدليا إلي أخاكما، فلما وضعه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في لحده قال: اللهم إني راض عنه، فارض عنه فقال أبو بكر: والله لوددت أني صاحب الحفرة»(55). فقد دل الحديث على مشروعية الدعاء للميت، وهو دليل على انتفاعه بهذا الدعاء، والدعاء ليس من عمل الميت، مع أنه ينتفع به. ومثل هذا يقال في الأحاديث الواردة في الدعاء على الجنازة(56)، كحديث أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يصلي على الجنازة؟ فقال: قال: «اللهم أنت ربها، وأنت خلقتها، وأنت هديتها للإِسلام، وأنت أعلم بسرِّها وعلانيتها، جئنا شفعاء، فاغفر لها»(57). وعن عوف بن مالك -رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على جنازة فقال: «اللهم اغفر له وارحمه واعف عنه، وعافه، وأكرم نزله ووسِّع مَدخله، واغسله بماءٍ وثلج وبرد، ونقِّه من الخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدَّنس، وأبدله داراً خيراً من داره، وأهلاً خيراً من أهله، وزوجاً خيراً من زوجه، وقِهِ فتنة القبر، وعذاب النار»(58). وغيرها.

تأويل المجيزين لإهداء ثواب قراءة القرآن للموتى، لأدلة المحرمين:

أوَّل المجيزون لإهداء ثواب قراءة القرآن للميت أدلة المحرمين لذلك بالآتي:

- أما قوله تعالى: ﴿وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى﴾ [النجم: 39]، فأوَّلوه بالآتي:

  1. قال القرطبي: "ويحتمل أن يكون قوله: ﴿وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى﴾ خاص في السيئة، بدليل ما في صحيح مسلم عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: «قال الله عز وجل: إذا همَّ عبدي بحسنة، ولم يعملها كتبتها له حسنة، فإن عملها كتبتها عشر حسنات إلى سبعمائة ضعف، وإذا همَّ بسيئة ولم يعملها، لم أكتبها عليه، فإن عملها كتبتها سيئة واحدة»(59).
  2. وقال أبو بكر الوراق: ﴿إِلَّا مَا سَعَى﴾ إلا ما نوى، بيانه قوله -صلى الله عليه وسلم-: «يبعث الناس يوم القيامة على نياتهم»(60).
  3. ونقل عن ابن عباس قوله: إن قوله تعالى: ﴿وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى﴾ منسوخ بقوله تعالى: ﴿والذين آمَنُواْ واتبعتهم ذُرِّيَّتُهُم بِإِيمَانٍ﴾ [الطور: 21](61).
  4. وقيل: هي خاصة بقوم موسى وإبراهيم؛ لأنه وقع حكاية عما في صحفهما عليهما الصلاة والسلام، بقوله تعالى: ﴿أَمْ لَمْ يُنَبَّأْ بِمَا فِي صُحُفِ مُوسَى وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى﴾ [النجم: 36،37](62). قال عكرمة: هذا في حقهم خاصة بخلاف شرعنا؛ بدليل حديث الخثعمية.(63).
  5. وقيل: أريد بالإنسان في الآية: الكافر، وأما المؤمن فله ما سعى أخوه.(64) قال في كشاف القناع: "أو أنها مختصة بالكافر أي: ليس له من الخير إلا جزاء سعيه، يوفَّاه في الدنيا، وماله في الآخرة من نصيب"(65).
  6. وقيل: ليس للإنسان من طريق العدل إلا ما سعى هو، وله من طريق الفضل ما سعى غيره به له.(66)
  7. وقيل اللام في (للإنسان) بمعنى على، كقوله تعالى: ﴿وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا﴾ [الإسراء: 7], أي: فعليها، وكقوله تعالى: ﴿لَهُمُ اللَّعْنَةُ﴾ [الرعد: 25] أي: عليهم.(67)
  8. وقيل ليس له إلا سعيه، لكن سعيه قد يكون بمباشرة أسبابه؛ بتكثير الإخوان، وتحصيل الإيمان، حتى صار ممن تنفعه شفاعة الشافعين.(68)

وقد رام بعض العلماء الجمع بين قوله تعالى: ﴿وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى﴾ [النجم: 39]، وقوله تعالى: ﴿والذين آمَنُواْ واتبعتهم ذُرِّيَّتُهُم بِإِيمَانٍ﴾ [الطور: 21]، ومن هؤلاء الإمام الشنقيطي، حيث قال: ﴿وَأَن لَّيْسَ لِلإِنسَانِ إِلاَّ مَا سعى﴾ يدل على أن الإنسان لا يستحق أجراً إلا على ما سعيه بنفسه، ولم تتعرض هذه الآية لانتفاعه بسعي غيره بنفي ولا إثبات، لأن قوله: ﴿وَأَن لَّيْسَ لِلإِنسَانِ إِلاَّ مَا سعى﴾ قد دلت اللام فيه على أنه لا يستحق، ولا يملك شيئاً، إلا بسعيه، ولم تتعرض لنفي الانتفاع بما ليس ملكاً له ولا مستحقاً له"(69).

وقال أيضاً: "الآية (يقصد آية النجم) إنما دلت على نفي ملك الإنسان لغير سعيه، ولم تدل على نفي انتفاعه بسعي غيره، لأنه لم يقل: وأن لن ينتفع الإنسان إلا بما سعى، وإنما قال: وأن ليس للإنسان، وبين الأمرين فرق ظاهر، لأن سعي الغير ملك لساعيه، إن شاء بذله لغيره، فانتفع به ذلك الغير، وإن شاء أبقاه لنفسه...

الثاني: أن إيمان الذرية هو السبب الأكبر في رفع درجاتهم، إذ لو كانوا كفاراً لما حصل لهم ذلك. فإيمان العبد وطاعته سعي منه في انتفاعه بعمل غيره من المسلمين، كما وقع في الصلاة في الجماعة، فإن صلاة بعضهم مع بعض يتضاعف بها الأجر زيادة على صلاته منفرداً، وتلك المضاعفة انتفاع بعمل الغير، سعى فيه المصلي بإيمانه وصلاته في الجماعة، وهذا الوجه يشير إليه قوله تعالى: ﴿واتبعتهم ذُرِّيَّتُهُم بِإِيمَانٍ﴾.

الثالث: أن السعي الذي حصل به رفع درجات الأولاد، ليس للأولاد، كما هو نص قوله تعالى: ﴿وَأَن لَّيْسَ لِلإِنسَانِ إِلاَّ مَا سعى﴾ [النجم: 39]، ولكن من سعي الآباء، فهو سعي للآباء أقر الله عيونهم بسببه، بأن رفع إليهم أولادهم؛ ليتمتعوا في الجنة برؤيتهم. فالآية تصدق الأخرى ولا تنافيها؛ لأن المقصود بالرفع إكرام الآباء لا الأولاد، فانتفاع الأولاد تبع، فهو بالنسبة إليه تفضل منَّ الله عليهم بما ليس لهم، كما تفضل بذلك على الولدان والحور العين، والخلق الذين ينشؤهم للجنة. والعلم عند الله تعالى"(70).

- كما إنهم أوَّلوا قوله تعالى: ﴿لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُم مَّا كَسَبْتُمْ﴾ [البقرة: 134](71). بأنها تدل بالمفهوم على أن المرء لا ينتفع بعمل غيره، ولكن منطوق الأحاديث التي استدلوا بها قد دلت على خلافه، وإذا تعارض المفهوم والمنطوق قُدِّم المنطوق.(72)

- وأما حديث «إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث» فقد أوَّلوه، بأن الخلاف في عمل غيره لا في عمله هو. ولا يضر جهل الفاعل بالثواب؛ لأن الله يعلمه.(73) قال ابن قدامة: "ولا حجة لهم في الخبر الذي احتجوا به؛ لأنه إنما دل على انقطاع عمله، وليس هذا من عمله، فلا دلالة عليه فيه، ولو دل عليه كان مخصوصاً بما سلموه، فيتعدى إلى ما منعوه، وما ذكروه من المعنى غير صحيح، فإن تعدي الثواب ليس بفرع لتعدي النفع، ثم هو باطل بالصوم والدعاء والحج، وليس له أصل يعتبر به"(74). وقال في تبيين الحقائق عن هذا الحديث: "لا يدل على انقطاع عمل غيره، والكلام فيه، وليس فيه شيء مما يستبعد عقلا؛ لأنه ليس فيه إلا جعل ما له من الأجر لغيره، والله تعالى هو الموصل إليه، وهو قادر عليه، ولا يختص ذلك بعمل دون عمل"(75).

الخلاصة:

اختلف العلماء في إهداء الحي لقراءة القرآن للميت، وهل يصل إليه ذلك وينفعه؟ على ثلاثة أقوال، كالآتي:

  1. إهداء القرآن من الحي للميت جائز، ويصل إليه وينفعه. وبه قال الحنفية، وبعض أصحاب مالك، والكثيرون من أصحاب الشافعي، وهو المشهور عن أحمد.
  2. لا يجوز إهداء القرآن للميت، وذلك لا يصل إليه، ولا ينفعه. وبه قال مالك، وهو المشهور عن الشافعي، وهو قول الأكثر من أصحاب أحمد، ونسبه في تبيين الحقائق من كتب الحنفية للمعتزلة.(76)
  3. حصول ثواب الاستماع للميت، ولكن لا يصح منه ذلك. وهو قولٌ عند المالكية، وقول عند الحنابلة.

الراجح:

من خلال العرض السابق لأدلة الفريقين، يتبين لنا أن الراجح هو قول القائلين بالجواز؛ للآتي:

  1. لأن أدلة القائلين بالجواز أوضح في الدلالة على حكم هذه المسألة، من أدلة القائلين بالحرمة.
  2. ولأن أدلة القائلين بالحرمة يمكن تأويلها أو الرد عليها كالآتي:

أما استدلالهم بقوله تعالى: ﴿وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى﴾ [النجم: 39] (77)، وقوله تعالى: ﴿لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُم مَّا كَسَبْتُمْ وَلاَ تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ [البقرة: 134]، وأن القراءة للأموات ليس من عملهم ولا كسبهم، فجوابه كالآتي:

إن الآيتين تتحدثان عن أصل من أصول الشريعة، وهو أن الإنسان ليس له من عمله، إلا ما كسبه هو أو سعى في تحصيله، وهذا ما هو مقرر في غير هذه الآيتين، كقوله تعالى: ﴿كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ﴾ [المدثر: 38]، وليس في الآيتين ما يدل على أن المرء لا ينتفع بما يهبه غيره له من ثواب الأعمال، على أنه يمكن القول: إن إهداء الحي للميت ثواب القراءة، من سعي الإنسان ومن كسبه؛ لأن هذا الإهداء -في الغالب- إنما يكون عن صلةٍ وعلاقةٍ وحبٍ بين الحي والميت، وهذا من كسب الميت في حياته.

وعلى فرض صحة استدلال المحرمين بهاتين الآيتين، فإنه يقال: إن الآيتين في غير موضع النـزاع؛ لأنهما تتحدثان عن سعي الإنسان لنفسه، لا في سعي الغير له، وهو موضع الخلاف.

على أن هاتين الآيتين -وهما غير صريحتين في المراد- قد عارضتا ما هو صريح في المراد، وذلك قوله تعالى: ﴿والذين آمَنُواْ واتبعتهم ذُرِّيَّتُهُم بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَآ أَلَتْنَاهُمْ مِّنْ عَمَلِهِم مِّن شَيْءٍ﴾ [الطور: 21]، والتي تدل على أن المرء ينتفع بفعل الغير.

- وأما استدلالهم بحديث: «إذا مات ابن آدم انقطع عمله، إلا من ثلاث:...». فجوابه كالآتي:

إن الحديث في غير موضع الخلاف، كما في الآيتين المتقدمتين؛ لأن الحديث يتكلم عن عمل الميت نفسه، ولم يتكلم عن عمل الغير، يُهدَى للإنسان.

كما أن هذا الحديث -وهو غير صريح في المراد- قد عارض ما هو صريح في المراد، وذلك ما تقدم في صيام المرأة وحجها وصدقتها عن أبيها أو أمها.

- وأما استدلالهم بقياس القراءة على الصلاة في عدم الوصول؛ لأن كل منهما عبادة بدنية فجوابه: أن الأولى هو قياس هذه المسألة على الدعاء، والحج، فإنهما تصلان إلى الميت، وقراءة القرآن للميت مثلهما؛ بجامع أن كلاً منها عبادة بدنية.

فإن قيل: إن الصلاة عبادة بدنية، ولكن مع ذلك لا يصل ثوابها إلى الميت، فلِمَ لا تقاس القراءة على الصلاة، في عدم جواز الإهداء، وعدم وصول ثوابها للميت؟

فالجواب عنه: إن هناك فرقاً بين المسألتين، فإن الصلاة لا يمكن النيابة فيها، ولا يمكن للمرء أن يقوم بها عن غيره، سواء قدر المرء على أدائها بنفسه، أم لم يقدر، أما في حال القدرة فواضح، وأما في حال العجز؛ فلأنه قد سقط وجوبها عنه.

بخلاف الدعاء والحج، فأما الدعاء، فإنه يمكن أن يقوم الغير به؛ بدلالة النصوص المتقدم ذكرها. وأما في الحج؛ فلأنها عبادة تقبل النيابة ممن عجز عن أدائها بنفسه.

كما أن القراءة بقيت على أصلها في جواز إهداء العبادات البدنية، المدلول عليه بأحاديث الدعاء والحج المتقدمة. وأما الصلاة، وهي وإن كانت عبادة بدنية، إلا أنه لا يجوز إهداؤها للإجماع -كما تقدم- على عدم جواز ذلك، فخرجت بهذا من الأصل الذي كانت عليه من جواز إهداء العبادات البدنية.

- وأما ما تبقى من أدلتهم، فلا تقوى على دفع النصوص الشرعية الدالة على الجواز.

والله تعالى أعلى وأعلم. وإليه المرجع والمآب، وهو حسبنا، ونِعم الوكيل.

والحمد لله رب العالمين، وهو الهادي إلى سواء السبيل. وصلى الله على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

كتبه الفقير إلى عفو ربه العلي: علي بن عبد الرحمن بن علي دبيس.

الخميس - 14 ربيع الآخر 1428هـ، 3/ 5/ 2007م.

راجعه: يونس بن عبد الرب الطلول، وعبد الوهاب بن مهيوب مرشد الشرعبي.

____________________

(1) تفسير ابن كثير 7/ 465.

(2) صحيح مسلم 8/ 405، برقم: 3084، سنن النسائي 11/ 424، برقم: 3591، سنن الترمذي 5/ 243، برقم: 1297.

(3) سنن النسائي 13/ 462، برقم: 4373، سنن أبي داود 9/ 406، برقم: 3061، عن عائشة. والحديث صحيح. انظر: مختصر إرواء الغليل 1/ 429، برقم: 2162.

(4) صحيح مسلم 13/ 164، برقم: 4831، سنن الترمذي 9/ 284، برقم: 2598. عن أبي هريرة.

(5) فتح الوهاب 2/ 31.

(6) الشرح الكبير لابن قدامة 2/ 425.

(7) شرح النووي على مسلم 1/ 25.

(8) تفسير القرطبي 17/ 114.

(9) منح الجليل شرح مختصر خليل 3/ 176.

(10) انظر: تبيين الحقائق شرح كنـز الدقائق 5/ 131.

(11) منح الجليل شرح مختصر خليل 3/ 176.

(12) منح الجليل شرح مختصر خليل 16/ 172. والحديث سيأتي تخريجه قريباً.

(13) حاشية الدسوقي على الشرح الكبير 4/ 173.

(14) حاشية الدسوقي على الشرح الكبير 4/ 172.

(15) منح الجليل شرح مختصر خليل 3/ 177.

(16) منح الجليل شرح مختصر خليل 3/ 177.

(17) شرح النووي على مسلم 1/ 25.

(18) انظر: فتح المعين 3/ 258.

(19) فتح الوهاب 2/ 31.

(20) انظر: فتح المعين 3/ 258.

(21) نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج 19/ 341.

(22) الشرح الكبير لابن قدامة 2/ 425.

(23) كشاف القناع عن متن الإقناع 4/ 431.

(24) الشرح الكبير لابن قدامة 2/ 426.

(25) كشاف القناع عن متن الإقناع 4/ 431.

(26) شرح النووي على مسلم 1/ 25، تفسير ابن كثير 7/ 465، تبيين الحقائق شرح كنـز الدقائق 5/ 131، كشاف القناع عن متن الإقناع 4/ 431. منح الجليل شرح مختصر خليل 3/ 177.

(27) تفسير ابن كثير 7/ 465.

(28) كشاف القناع عن متن الإقناع 4/ 431.

(29) شرح النووي على مسلم 1/ 25، الشرح الكبير لابن قدامة 2/ 426، كشاف القناع عن متن الإقناع 4/ 431. منح الجليل شرح مختصر خليل 3/ 177. والحديث تقدم تخريجه.

(30) منح الجليل شرح مختصر خليل 3/ 177.

(31) تفسير ابن كثير 7/ 465.

(32) تفسير ابن كثير 7/ 465.

(33) تبيين الحقائق شرح كنـز الدقائق 5/ 131، المغني5/ 80.

(34) الشرح الكبير لابن قدامة 2/ 426.

(35) تبيين الحقائق شرح كنـز الدقائق 5/ 132، فتح القدير 6/ 135.

(36) الشرح الكبير لابن قدامة 2/ 425، المغني5/ 79.

(37) انظر: الشرح الكبير لابن قدامة 2/ 425، المغني5/ 79.

(38) تبيين الحقائق شرح كنـز الدقائق 5/ 132.

(39) أضواء البيان 8/ 53.

(40) تبيين الحقائق شرح كنـز الدقائق 5/ 131.

(41) كشف الخفاء 2/ 282، برقم: 2630، وقال: رواه الرافعي في تاريخه عن علي.قال الألباني: موضوع. انظر: السلسلة الضعيفة 3/ 289، برقم: 1290.

(42) تبيين الحقائق شرح كنـز الدقائق 5/ 132.

(43) سنن أبي داود 8/ 385، برقم: 2714، سنن ابن ماجة 4/ 380، برقم: 1438، قال الألباني: ضعيف. انظر: مختصر إرواء الغليل 1/ 138، برقم: 688.

(44) المستدرك على الصحيحين للحاكم 17/ 406، برقم: 7654، شعب الإيمان للبيهقي 3/ 485، برقم: 1429. والحديث صححه الألباني بلفظ "أن أنس بن مالك حدثهم أن نبي الله -صلى الله عليه وسلم-: «ضحى بكبشين أقرنين أملحين يطأ على صفاحهما ويذبحهما ويسمي ويكبر». انظر: صحيح وضعيف سنن النسائي 9/ 490، برقم: 4418.

(45) تبيين الحقائق شرح كنـز الدقائق 5/ 132.

(46) صحيح البخاري 5/ 35، برقم: 1208، صحيح مسلم 4/ 496، برقم: 1539.

(47) الشرح الكبير لابن قدامة 2/ 426.

(48) المصدر السابق.

(49) شرح النووي على مسلم 1/ 25.

(50) صحيح البخاري 7/ 52، برقم: 1817، صحيح مسلم 6/ 6، برقم: 1936.

(51) صحيح مسلم 7/ 35، برقم: 2375، سنن النسائي 8/ 464، برقم: 2593.

(52) صحيح البخاري 9/ 321، برقم: 2563، سنن أبي داود 8/ 79، برقم: 2496.

(53) الشرح الكبير لابن قدامة 2/ 425، المغني 5/ 79.

(54) منح الجليل شرح مختصر خليل 3/ 177.

(55) المعجم الأوسط للطبراني 19/ 444، برقم: 11165. وكثير ضعيف. انظر: مجمع الزوائد ومنبع الفوائد 1/ 466.

(56) انظر: الشرح الكبير لابن قدامة 2/ 425، المغني5/ 79.

(57) سنن أبي داود 8/ 492، برقم: 2785، مسند أحمد 17/ 231، برقم: 8189. قال الألباني: ضعيف. انظر: مشكاة المصابيح 1/ 380، برقم: 1688.

(58) صحيح مسلم 5/ 75، برقم: 1601، سنن النسائي 7/ 84، برقم: 1957.

(59) صحيح مسلم 1/ 320، برقم: 184، سنن الترمذي 10/ 337، برقم: 2999.

(60) تفسير القرطبي 17/ 115. ومراده بالحديث هو حديث عائشة -رضي الله عنها- قالت: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «يغزو جيش الكعبة، فإذا كانوا ببيداء من الأرض، يخسف بأولهم وآخرهم. قالت: قلت: يا رسول الله! كيف يخسف بأولهم وآخرهم، وفيهم أسواقهم، ومن ليس منهم؟ قال: يخسف بأولهم وآخرهم، ثم يبعثون على نياتهم» رواه البخاري 7/ 314، برقم: 1975، ومسلم 14/ 55، برقم: 5134.

(61) انظر: تبيين الحقائق شرح كنـز الدقائق 5/ 132، فتح القدير 6/ 133، نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج 19/ 340، كشاف القناع عن متن الإقناع 4/ 431، 432.

(62) تبيين الحقائق شرح كنـز الدقائق 5/ 132، فتح القدير 6/ 133.

(63) كشاف القناع عن متن الإقناع 4/ 431، 432. ومراده بحديث الخثعمية، هو قولها: "إن فريضة الله على عباده في الحج، أدركت أبي شيخاً كبيراً" وقد تقدم ذكره وتخريجه.

(64) انظر: تبيين الحقائق شرح كنـز الدقائق 5/ 132، فتح القدير 6/ 133. نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج 19/ 340.

(65) كشاف القناع عن متن الإقناع 4/ 431، 432.

(66) انظر: تبيين الحقائق شرح كنـز الدقائق 5/ 132، فتح القدير 6/ 133. نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج 19/ 340، كشاف القناع عن متن الإقناع 4/ 431، 432.

(67) انظر: تبيين الحقائق شرح كنـز الدقائق 5/ 132، فتح القدير 6/ 133، كشاف القناع عن متن الإقناع 4/ 431، 432.

(68) تبيين الحقائق شرح كنـز الدقائق 5/ 132، فتح القدير 6/ 133.

(69) أضواء البيان 8/ 52.

(70) أضواء البيان 8/ 53.

(71) كشاف القناع عن متن الإقناع 4/ 431.

(72) انظر: كشاف القناع عن متن الإقناع 4/ 431، 432.

(73) المصدر السابق.

(74) الشرح الكبير لابن قدامة 2/ 426.

(75) تبيين الحقائق شرح كنـز الدقائق 5/ 132، فتح القدير 6/ 133.

(76) تبيين الحقائق شرح كنـز الدقائق 5/ 131.

(77) شرح النووي على مسلم 1/ 25، تفسير ابن كثير 7/ 465، تبيين الحقائق شرح كنـز الدقائق 5/ 131، كشاف القناع عن متن الإقناع 4/ 431. منح الجليل شرح مختصر خليل 3/ 177.

الحمد لله رب العالمين، الهادي إلى سواء السبيل، الفعال لما يريد، خلق فسوّى، وقدر فهدى، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين والأنبياء، محمد -صلى الله عليه، وعلى آله وسلم- وعلى أصحابه أجمعين، وعلى التابعين، وتابعيهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد:

فكثيراً ما نسمع من بعض المصلين في بعض مساجد صنعاء من يقول للناس بعد الصلاة: الفاتحة نهدي ثوابها إلى روح آبائنا وآبائكم، وأمهاتنا وأمهاتكم، وكل من له حق علينا، بأن الله يُسكنهم جناتٍ تجري من تحتها الأنهار، وأن يُدخل عليهم البهجة والسرور، والضياء والنور من يومنا هذا إلى يوم النشور، وأن يغفر لنا ولهم... وكذا نسمع مثل هذه العبارات في مآتم الأموات، وكذا عند زيارة المرضى، ومثله عند زيارة المقابر... وغيرها من المواضع.

وقد وُجد من الناس من يُنكر مثل هذه الأفعال، ويقول بحرمة إهداء ثواب قراءة القرآن إلى الأموات، وأن ذلك مما لا ينفع الميت، وأنه لا يصل إليه، ويعتبر أن مثل هذه الأفعال من البدع المنكرة، التي لا بد من اجتنابها، كما وُجد فريق آخر يقول: إن ذلك من الأمور الجائزة، وأنه مما يجوز فعله، وأنه مما ينفع الميت، وأنه يصل إليه؛ ولذا فقد أحببت أن أبحث هذه المسألة من خلال ما قاله فقهاء المسلمين، وما قال علماء التفسير، وسيكون سير البحث على النحو الآتي:

-1. تمهيد.

-2. إهداء ثواب قراءة القرآن للميت.

-3. الأدلة على أن القراءة لا يصل إهداء ثوابها إلى الموتى.

-4. الأدلة على أن القراءة يصل إهداء ثوابها إلى الموتى.

-5. تأويل المجيزين لأدلة المحرمين.

-6. الخلاصة.

-7. الراجح.

ولذلك أقول مستعيناً بالله تعالى، وهو حسبي، ونِعم الوكيل:

تمهيد:

أجمع العلماء على أن إهداء أجر الصدقة إلى الميت جائز، وأنه يصل إلى الميت، وأنه ينفعه، ومثله الدعاء للميت. قال ابن كثير: "فأما الدعاء والصدقة، فذاك مجمع على وصولهما، ومنصوص من الشارع عليهما"(1). ولحديث أبي هريرة قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «إذا مات الإنسان انقطع عمله، إلا من ثلاث: من ولد صالح يدعو له، أو صدقة جارية من بعده، أو علم ينتفع به»(2)، فهذه الثلاثة -في الحقيقة- هي من سعيه وكده وعمله، كما جاء في الحديث: «إن أطيب ما أكل الرجل من كسبه، وإن ولده من كسبه »(3)... وثبت في الصحيح: «من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من اتبعه، من غير أن ينقص من أجورهم شيئاً»(4). وقال في فتح الوهاب من كتب الشافعية: "وينفعه أي الميت من وارث وغيره صدقة ودعاء، بالإجماع وغيره"(5). وقد نقل هذا الإجماع أيضاً ابن قدامة الحنبلي في الشرح الكبير، حيث قال: "وأي قربة فعلها وجعل ثوابها للميت المسلم نفعه ذلك، أما الدعاء والاستغفار والصدقة وقضاء الدين وأداء الواجبات فلا نعلم فيه خلافاً إذا كانت الواجبات مما يدخله النيابة"(6).

وقال النووي: "وأما ما حكاه أقضى القضاة أبو الحسن الماوردي البصري الفقيه الشافعي في كتابه الحاوي عن بعض أصحاب الكلام من أن الميت لا يلحقه بعد موته ثواب، فهو مذهب باطل، قطعاً وخطأ بيِّن، مخالف لنصوص الكتاب والسنة وإجماع الأمة، فلا التفات إليه ولا تعريج عليه"(7(.

كما أجمعوا على أنه لا يصلي أحد عن أحد. قال القرطبي: "وأجمعوا أنه لا يصلي أحد عن أحد"(8(

ومثله الإيمان والتوحيد، لا يمكن للعبد أن يهبه لغيره. قاله القرافي المالكي.(9(

واختلفوا في إهداء ثواب ما سوى ذلك من الأعمال، ومن هذه المسائل إهداء ثواب قراءة القرآن للميت وذلك على النحو الآتي:

إهداء ثواب قراءة القرآن للميت:

وقع بين فقهاء المسلمين اختلاف في إهداء ثواب قراءة القرآن للميت، هل يجوز له ذلك؟ وهل يصل ذلك إلى الميت؟ وهل ينفعه؟ واليك بيان ذلك على حسب مذاهبهم كالآتي:

- مذهب الحنفية:

يرى الحنفية أن إهداء ثواب قراءة القرآن للميت جائز، وأن ذلك ينفعه، وأنه يصل إليه، وهو ما نص عليه في تبيين الحقائق من كتبهم.(10(

- مذهب المالكية:

يذهب الإمام مالك إلى عدم جواز إهداء قراءة القرآن للميت، وأن ذلك لا ينفعه، ولا يصل إليه. وقال بعض أصحابه: إن ذلك ينفعه، ويصل إليه. قال في منح الجليل: "قال القرافي: القربات ثلاثة أقسام:

  1. قسم حجر الله تعالى على عبده في ثوابه، ولم يجعل له نقله إلى غيره، كالإيمان والتوحيد.
  2. وقسم اتفق على جواز نقله، وهو القربات المالية.
  3. وقسم اختلف فيه، وهو الصوم والحج والقراءة، فمنعه مالك والشافعي، رضي الله تعالى عنهما...

ثم قال: فينبغي للإنسان أن لا يتركه، فلعل الحق هو الوصول، فإنه مغيب، وكذا التهليل الذي اعتاد الناس ينبغي عمله، والاعتماد على فضل الله تعالى"(11).

ونقل في منح الجليل أيضاً عن ابن رشد قوله في فتوى له عن معنى قوله تعالى: ﴿وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى﴾ [النجم: 39]، قال: "إن قرأ وأهدى ثواب قراءته للميت، جاز ذلك، وحصل أجره للميت، ووصل إليه نفعه إن شاء الله تعالى؛ لحديث النسائي عنه -صلى الله عليه وسلم-: «من دخل مقبرة وقرأ: ﴿قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ﴾ [الإخلاص: 1]. إحدى عشرة مرة، وأهدى ثوابها لهم، كتب الله له من الحسنات بعدد من دفن فيها»(12).

ونقل الدسوقي عن ابن رشد هذا القول أيضاً، ونقل مثله عن ابن هلال، ونسب هذا القول للأندلسيين، حيث قال: "وقال ابن هلال في نوازله: الذي أفتى به ابن رشد وذهب إليه غير واحد من أئمتنا الأندلسيين: أن الميت ينتفع بقراءة القرآن الكريم ويصل إليه نفعه، ويحصل له أجره إذا وهب القارئ ثوابه له، وبه جرى عمل المسلمين شرقاً وغرباً، ووقفوا على ذلك أوقافاً، واستمر عليه الأمر منذ أزمنة سالفة"(13). وهذا هو مذهب المتأخرين من المالكية، كما نص عليه الدسوقي، حيث قال: "لكن المتأخرون على أنه لا بأس بقراءة القرآن والذكر، وجعل ثوابه للميت، ويحصل له الأجر، إن شاء الله"(14).

وقد ذكر المالكية قولاً ثالثاً في هذه المسألة، وهو: حصول ثواب الاستماع للميت، ولكن لا يصح منه ذلك؛ لانقطاع التكليف عنه.(15) ولعل مقصودهم بهذا القول هو عدم وصول ثواب الإهداء للميت، ولكنه ينتفع بهذه القراءة من جهة سماعه لها.

وقد علَّق في منح الجليل على انقطاع التكليف عنه، فقال: "والظاهر حصول بركة القراءة؛ لحصولها بمجاورة الرجل الصالح، ولا تتوقف على التكليف، فقد حصلت بركة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- للخيل والدواب وغيرهما، كما ثبت بالجملة"(16).

- مذهب الشافعية:

للشافعية في هذه المسألة أقوال:

  1. فالمشهور عن الشافعي: عدم جواز إهداء ثواب قراءة القرآن للميت، وأن ذلك لا ينفعه، ولا يصل إليه.
  2. وقال الكثيرون من أصحابه: يجوز إهداء ثواب قراءة القرآن للميت، وأن ذلك ينفعه، وأنه يصل إليه.

قال النووي: "وأما قراءة القرآن، فالمشهور من مذهب الشافعي، أنه لا يصل ثوابها إلى الميت، وقال بعض أصحابه: يصل ثوابها إلى الميت"(17). وقد علَّق في فتح المعين على كلام النووي هذا فقال: "وحمل جمع عدم الوصول الذي قاله النووي على ما إذا قرأ لا بحضرة الميت، ولم ينو القارئ ثواب"(18)، ونقل في فتح الوهاب عن السبكي قوله: "الذي دل عليه الخبر بالاستنباط، أن بعض القرآن، إذا قُصِد به نفع الميت نفعه"(19). وقد نقل في فتح المعين أن القول بالجواز، هو ما اختاره كثيرون من أئمة الشافعية.(20)

وقال في نهاية المحتاج: "وفي القراءة وجه -وهو مذهب الأئمة الثلاثة- بوصول ثوابها للميت بمجرد قصده بها، واختاره كثير من أئمتنا... قال ابن الصلاح: وينبغي الجزم بنفع: اللهم أوصل ثواب ما قرأناه. أي: مثله فهو المراد، وإن لم يصرح به لفلان؛ لأنه إذا نفعه الدعاء بما ليس للداعي، فما له أولى"(21).

- مذهب الحنابلة:

وللحنابلة في هذه المسألة أقوال أيضاً كالمالكية، وهي كالآتي:

  1. جواز إهداء ثواب قراءة القرآن للميت وأن ذلك ينفعه ويصل إليه. وهذا هو المشهور عن أحمد.
  2. عدم جواز إهداء ثواب قراءة القرآن للميت وأن ذلك ينفعه ويصل إليه. ونسبه البهوتي إلى الأكثر.
  3. وقيل: الثواب للقارئ، ولكن الرحمة تُرجى للميت بها.

قال ابن قدامة: "وأي قربة فعلها، وجعل ثوابها للميت المسلم، نفعه ذلك"(22). وقال البهوتي: "وكل قربة فعلها المسلم، وجعل ثوابها أو بعضها، كالنصف ونحوه، كالثلث أو الربع، لمسلم حي أو ميت، جاز ذلك ونفعه، ذلك لحصول الثواب له، حتى لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- ذكره المجد، من بيان لكل قربة تطوع وواجب، تدخله النيابة، كحج ونحوه كصوم نذر، أو لا تدخله النيابة، كصلاة وكدعاء واستغفار، وصدقة وعتق وأضحية وأداء دين وصوم وكذا قراءة وغيرها. قال أحمد: الميت يصل إليه كل شيء من الخير؛ للنصوص الواردة فيه، ولأن المسلمين يجتمعون في كل مصر، ويقرءون ويهدون لموتاهم من غير نكير، فكان إجماعاً"(23).

وقال بعضهم: إذا قرئ القرآن عند الميت، أو أهدي إليه ثوابه، كان الثواب لقارئه، ويكون الميت كأنه حاضرها فترجى له الرحمة.(24)

وقال البهوتي: "وقال الأكثر: لا يصل إلى الميت ثواب القراءة وأن ذلك لفاعله".(25)

الأدلة على أن القراءة لا يصل إهداء ثوابها إلى الموتى:

استدل من قال من العلماء بعدم وصول إهداء ثواب قراءة القرآن للموتى، وبأن ذلك لا ينفعهم، بأدلة منها:

  1. قوله تعالى: ﴿وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى﴾ [النجم: 39] (26)، ووجه الدلالة من الآية هو أن القراءة للأموات ليس من عملهم ولا كسبهم؛ ولهذا لم يندب إليه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أمته ولا حثهم عليه، ولا أرشدهم إليه بنص ولا إيماء.(27)
  2. وقوله تعالى: ﴿لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُم مَّا كَسَبْتُمْ وَلاَ تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ [البقرة: 134]،(28). فقد دلت الآية على أن الإنسان يؤاخذ بفعل نفسه، ولا يؤاخذ بفعل غيره.
  3. واستدلوا أيضاً(29) بقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: «إذا مات ابن آدم انقطع عمله، إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به من بعده، أو ولد صالح يدعو له». فقد دل الحديث على انقطاع العمل عن الميت، إلا هذه الثلاث المذكورة في الحديث، وليس إهداء ثواب القراءة منها.
  4. واستدلوا أيضاً بقياس القراءة على الصلاة في عدم الوصول؛ لأن كل منهما عبادة بدنية.(30)
  5. واستدلوا أيضاً بأنه لم ينقل عن أحد من الصحابة -رضي الله عنهم- أنهم كانوا يُهدُون ثواب القراءة للأموات، ولو كان خيراً لسبقونا إليه.(31)
  6. واستدلوا أيضاً بأن باب القربات يقتصر فيه على النصوص، ولا يتصرف فيه بأنواع الأقيسة والآراء.(32)
  7. واستدلوا أيضاً بأن ثواب القراءة هو الجنة، وليس في قدرة العبد أن يجعلها لنفسه فضلاً أن يجعلها لغيره.(33)
  8. واستدلوا أيضاً بأن نفع القراءة لا يتعدى فاعله، فلا يتعداه ثوابه.(34)

الأدلة على أن القراءة يصل إهداء ثوابها إلى الموتى:

استدل من قال من العلماء بوصول إهداء ثواب قراءة القرآن للموتى، وأن ذلك ينفعهم، بأدلة منها:

  1. قوله تعالى: ﴿الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَّحْمَةً وَعِلْماً فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ * وَقِهِمُ السَّيِّئَاتِ﴾ [غافر: 7،8]، ودعاء الميت لهم؟ ليس من عمل الأموات بل ذلك من عمل الغير وقد نفعهم.(35)
  2. وقول الله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ جَاؤُوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ﴾ [الحشر: 10](36). ودلالته على المراد كسابِقِه.
  3. وقال سبحانه: ﴿وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ﴾ [محمد: 19](37). فقد أمر الله نبيه أن يستغفر للمؤمنين، فدل ذلك أن الاستغفار يصل إليهم وينفعهم. قال في تبيين الحقائق: "وروي عن أبي هريرة قال: يموت الرجل، ويدع ولداً، فيرفع له درجة، فيقول: ما هذا يا رب؟! فيقول سبحانه وتعالى: "استغفار ولدك". ولهذا قال تعالى: ﴿وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ﴾ [محمد: 19]، وما أمر الله به من الدعاء للمؤمنين والاستغفار لهم"(38).
  4. واستدلوا أيضاً بقوله تعالى: ﴿والذين آمَنُواْ واتبعتهم ذُرِّيَّتُهُم بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَآ أَلَتْنَاهُمْ مِّنْ عَمَلِهِم مِّن شَيْءٍ﴾ [الطور: 21]، فقد دلت الآية على أن الله سبحانه يُلحق الأبناء المؤمنين بآبائهم المؤمنين، وهذا دليل على أن الإنسان قد ينتفع بسعي غيره.(39)
  5. واستدلوا أيضاً بحديث(40): «من مر بالمقابر، فقرأ إحدى عشرة مرة ﴿قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ﴾ [الإخلاص: 1]، ثم وهب أجره الأموات، أعطى من الأجر بعدد الأموات»(41).
  6. وبحديث معقل بن يسار(42) رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «اقرءوا يس على موتاكم» رواه أبو داود.(43) فقد أمر -صلى الله عليه وسلم- بقراءة سورة يس -وهي من القرآن- على الموتى، وهذا دليل على أن القراءة تنفعهم، وإلا لما كان في الأمر لهم بقراءة يس فائدة.
  7. وعن عائشة وأبي هريرة -رضي الله عنهما- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ضحى بكبشين سمينين عظيمين أملحين أقرنين موجوئين، فذبح أحدهما، فقال: «اللهم عن محمد وأمته، من شهد لك بالتوحيد، وشهد لي بالبلاغ»(44). أي جعل ثوابه لأمته، وهذا تعليم منه عليه الصلاة والسلام أن الإنسان ينفعه عمل غيره، والاقتداء به هو الاستمساك بالعروة الوثقى.(45)
  8. واستدلوا أيضاً بحديث أبي موسى الأشعري -رضي الله عنه- قال: لما أصيب عمر -رضي الله عنه- جعل صهيب يقول: وا أخاه! فقال عمر -رضي الله عنه- أما علمت أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «إن الميت ليعذب ببكاء الحي»(46). فإذا كان البكاء يضره فالقراءة تنفعه، والله أكرم من أن يوصل عقوبة المعصية إليه، ويحجب عنه المثوبة.(47)
  9. واستدلوا أيضاً بإجماع المسلمين على جواز ذلك؛ فإنهم في كل عصر ومصر يجتمعون، ويقرأون القرآن، ويهدون ثوابه إلى موتاهم من غير نكير.(48)

قلت: نقْلُ الإجماع في هذه المسألة غريب؛ لأن الخلاف في المسألة مشهور.

  1. والقياس على الصدقة والحج، فإنهما تصلان إلى الميت بالإجماع(49)، وبالنصوص الشرعية الدالة على ذلك، كحديث ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: جاء رجل إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: «يا رسول الله! إن أمي ماتت، وعليها صوم شهر، أفأقضيه عنها؟ قال: "نعم. قال: فدين الله أحق أن يقضى»(50). وعنه أيضاً -رضي الله عنهما- أنه قال: كان الفضل بن عباس -رضي الله عنهما- رديف رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فجاءته امرأةٌ من خثعم، تستفتيه، فجعل الفضل ينظر إليها، وتنظر إليه، فجعل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يصرف وجه الفضل إلى الشق الآخر. قالت: «يا رسول الله! إن فريضة الله على عباده في الحج، أدركت أبي شيخاً كبيراً، لا يستطيع أن يثبت على الراحلة، أفأحج عنه؟ قال: نعم. وذلك في حجة الوداع»(51). وعنه أيضاً -رضي الله عنهما- أن رجلاً قال لرسول الله -صلى الله عليه وسلم-:«إن أمه توفيت، أينفعها إن تصدقت عنها؟ قال: نعم»(52)، فقد دلت هذه الأحاديث على أن الميت ينتفع بحج الحي عنه، وكذا تصدقه عنه، ويقاس عليه القراءة، فيقال: إن الميت ينتفع بقراءة الميت له. قال ابن قدامة: "وكلها أحاديث صحاح، وفيها دلالة على انتفاع الميت بسائر القرب؛ لأن الصوم والحج والدعاء والاستغفار كلها عبادات بدنية، وقد أوصل الله نفعها إلى الميت، فكذلك ما سواها، مع ما ذكرنا من الحديث في ثواب من قرأ يس وتخفيف الله عز وجل عن أهل المقابر بقراءته، ولأنه عمل بر وطاعة، فوصل نفعه وثوابه كالصدقة والصيام والحج الواجب"(53).
  2. واستدلوا أيضاً بالقياس على الدعاء(54) الذي ورد في مشروعيته للميت نصوص كثيرة، منها حديث كثير بن عبد الله عن أبيه عن جده عن عبد الله ذي البجادين، الذي هلك في غزوة تبوك أنه هلك في جوف الليل، فنـزل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في حفرته، وقال لأبي بكر وعمر -رضي الله عنهما-: «أدليا إلي أخاكما، فلما وضعه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في لحده قال: اللهم إني راض عنه، فارض عنه فقال أبو بكر: والله لوددت أني صاحب الحفرة»(55). فقد دل الحديث على مشروعية الدعاء للميت، وهو دليل على انتفاعه بهذا الدعاء، والدعاء ليس من عمل الميت، مع أنه ينتفع به. ومثل هذا يقال في الأحاديث الواردة في الدعاء على الجنازة(56)، كحديث أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يصلي على الجنازة؟ فقال: قال: «اللهم أنت ربها، وأنت خلقتها، وأنت هديتها للإِسلام، وأنت أعلم بسرِّها وعلانيتها، جئنا شفعاء، فاغفر لها»(57). وعن عوف بن مالك -رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على جنازة فقال: «اللهم اغفر له وارحمه واعف عنه، وعافه، وأكرم نزله ووسِّع مَدخله، واغسله بماءٍ وثلج وبرد، ونقِّه من الخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدَّنس، وأبدله داراً خيراً من داره، وأهلاً خيراً من أهله، وزوجاً خيراً من زوجه، وقِهِ فتنة القبر، وعذاب النار»(58). وغيرها.

تأويل المجيزين لإهداء ثواب قراءة القرآن للموتى، لأدلة المحرمين:

أوَّل المجيزون لإهداء ثواب قراءة القرآن للميت أدلة المحرمين لذلك بالآتي:

- أما قوله تعالى: ﴿وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى﴾ [النجم: 39]، فأوَّلوه بالآتي:

  1. قال القرطبي: "ويحتمل أن يكون قوله: ﴿وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى﴾ خاص في السيئة، بدليل ما في صحيح مسلم عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: «قال الله عز وجل: إذا همَّ عبدي بحسنة، ولم يعملها كتبتها له حسنة، فإن عملها كتبتها عشر حسنات إلى سبعمائة ضعف، وإذا همَّ بسيئة ولم يعملها، لم أكتبها عليه، فإن عملها كتبتها سيئة واحدة»(59).
  2. وقال أبو بكر الوراق: ﴿إِلَّا مَا سَعَى﴾ إلا ما نوى، بيانه قوله -صلى الله عليه وسلم-: «يبعث الناس يوم القيامة على نياتهم»(60).
  3. ونقل عن ابن عباس قوله: إن قوله تعالى: ﴿وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى﴾ منسوخ بقوله تعالى: ﴿والذين آمَنُواْ واتبعتهم ذُرِّيَّتُهُم بِإِيمَانٍ﴾ [الطور: 21](61).
  4. وقيل: هي خاصة بقوم موسى وإبراهيم؛ لأنه وقع حكاية عما في صحفهما عليهما الصلاة والسلام، بقوله تعالى: ﴿أَمْ لَمْ يُنَبَّأْ بِمَا فِي صُحُفِ مُوسَى وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى﴾ [النجم: 36،37](62). قال عكرمة: هذا في حقهم خاصة بخلاف شرعنا؛ بدليل حديث الخثعمية.(63).
  5. وقيل: أريد بالإنسان في الآية: الكافر، وأما المؤمن فله ما سعى أخوه.(64) قال في كشاف القناع: "أو أنها مختصة بالكافر أي: ليس له من الخير إلا جزاء سعيه، يوفَّاه في الدنيا، وماله في الآخرة من نصيب"(65).
  6. وقيل: ليس للإنسان من طريق العدل إلا ما سعى هو، وله من طريق الفضل ما سعى غيره به له.(66)
  7. وقيل اللام في (للإنسان) بمعنى على، كقوله تعالى: ﴿وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا﴾ [الإسراء: 7], أي: فعليها، وكقوله تعالى: ﴿لَهُمُ اللَّعْنَةُ﴾ [الرعد: 25] أي: عليهم.(67)
  8. وقيل ليس له إلا سعيه، لكن سعيه قد يكون بمباشرة أسبابه؛ بتكثير الإخوان، وتحصيل الإيمان، حتى صار ممن تنفعه شفاعة الشافعين.(68)

وقد رام بعض العلماء الجمع بين قوله تعالى: ﴿وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى﴾ [النجم: 39]، وقوله تعالى: ﴿والذين آمَنُواْ واتبعتهم ذُرِّيَّتُهُم بِإِيمَانٍ﴾ [الطور: 21]، ومن هؤلاء الإمام الشنقيطي، حيث قال: ﴿وَأَن لَّيْسَ لِلإِنسَانِ إِلاَّ مَا سعى﴾ يدل على أن الإنسان لا يستحق أجراً إلا على ما سعيه بنفسه، ولم تتعرض هذه الآية لانتفاعه بسعي غيره بنفي ولا إثبات، لأن قوله: ﴿وَأَن لَّيْسَ لِلإِنسَانِ إِلاَّ مَا سعى﴾ قد دلت اللام فيه على أنه لا يستحق، ولا يملك شيئاً، إلا بسعيه، ولم تتعرض لنفي الانتفاع بما ليس ملكاً له ولا مستحقاً له"(69).

وقال أيضاً: "الآية (يقصد آية النجم) إنما دلت على نفي ملك الإنسان لغير سعيه، ولم تدل على نفي انتفاعه بسعي غيره، لأنه لم يقل: وأن لن ينتفع الإنسان إلا بما سعى، وإنما قال: وأن ليس للإنسان، وبين الأمرين فرق ظاهر، لأن سعي الغير ملك لساعيه، إن شاء بذله لغيره، فانتفع به ذلك الغير، وإن شاء أبقاه لنفسه...

الثاني: أن إيمان الذرية هو السبب الأكبر في رفع درجاتهم، إذ لو كانوا كفاراً لما حصل لهم ذلك. فإيمان العبد وطاعته سعي منه في انتفاعه بعمل غيره من المسلمين، كما وقع في الصلاة في الجماعة، فإن صلاة بعضهم مع بعض يتضاعف بها الأجر زيادة على صلاته منفرداً، وتلك المضاعفة انتفاع بعمل الغير، سعى فيه المصلي بإيمانه وصلاته في الجماعة، وهذا الوجه يشير إليه قوله تعالى: ﴿واتبعتهم ذُرِّيَّتُهُم بِإِيمَانٍ﴾.

الثالث: أن السعي الذي حصل به رفع درجات الأولاد، ليس للأولاد، كما هو نص قوله تعالى: ﴿وَأَن لَّيْسَ لِلإِنسَانِ إِلاَّ مَا سعى﴾ [النجم: 39]، ولكن من سعي الآباء، فهو سعي للآباء أقر الله عيونهم بسببه، بأن رفع إليهم أولادهم؛ ليتمتعوا في الجنة برؤيتهم. فالآية تصدق الأخرى ولا تنافيها؛ لأن المقصود بالرفع إكرام الآباء لا الأولاد، فانتفاع الأولاد تبع، فهو بالنسبة إليه تفضل منَّ الله عليهم بما ليس لهم، كما تفضل بذلك على الولدان والحور العين، والخلق الذين ينشؤهم للجنة. والعلم عند الله تعالى"(70).

- كما إنهم أوَّلوا قوله تعالى: ﴿لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُم مَّا كَسَبْتُمْ﴾ [البقرة: 134](71). بأنها تدل بالمفهوم على أن المرء لا ينتفع بعمل غيره، ولكن منطوق الأحاديث التي استدلوا بها قد دلت على خلافه، وإذا تعارض المفهوم والمنطوق قُدِّم المنطوق.(72)

- وأما حديث «إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث» فقد أوَّلوه، بأن الخلاف في عمل غيره لا في عمله هو. ولا يضر جهل الفاعل بالثواب؛ لأن الله يعلمه.(73) قال ابن قدامة: "ولا حجة لهم في الخبر الذي احتجوا به؛ لأنه إنما دل على انقطاع عمله، وليس هذا من عمله، فلا دلالة عليه فيه، ولو دل عليه كان مخصوصاً بما سلموه، فيتعدى إلى ما منعوه، وما ذكروه من المعنى غير صحيح، فإن تعدي الثواب ليس بفرع لتعدي النفع، ثم هو باطل بالصوم والدعاء والحج، وليس له أصل يعتبر به"(74). وقال في تبيين الحقائق عن هذا الحديث: "لا يدل على انقطاع عمل غيره، والكلام فيه، وليس فيه شيء مما يستبعد عقلا؛ لأنه ليس فيه إلا جعل ما له من الأجر لغيره، والله تعالى هو الموصل إليه، وهو قادر عليه، ولا يختص ذلك بعمل دون عمل"(75).

الخلاصة:

اختلف العلماء في إهداء الحي لقراءة القرآن للميت، وهل يصل إليه ذلك وينفعه؟ على ثلاثة أقوال، كالآتي:

  1. إهداء القرآن من الحي للميت جائز، ويصل إليه وينفعه. وبه قال الحنفية، وبعض أصحاب مالك، والكثيرون من أصحاب الشافعي، وهو المشهور عن أحمد.
  2. لا يجوز إهداء القرآن للميت، وذلك لا يصل إليه، ولا ينفعه. وبه قال مالك، وهو المشهور عن الشافعي، وهو قول الأكثر من أصحاب أحمد، ونسبه في تبيين الحقائق من كتب الحنفية للمعتزلة.(76)
  3. حصول ثواب الاستماع للميت، ولكن لا يصح منه ذلك. وهو قولٌ عند المالكية، وقول عند الحنابلة.

الراجح:

من خلال العرض السابق لأدلة الفريقين، يتبين لنا أن الراجح هو قول القائلين بالجواز؛ للآتي:

  1. لأن أدلة القائلين بالجواز أوضح في الدلالة على حكم هذه المسألة، من أدلة القائلين بالحرمة.
  2. ولأن أدلة القائلين بالحرمة يمكن تأويلها أو الرد عليها كالآتي:

أما استدلالهم بقوله تعالى: ﴿وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى﴾ [النجم: 39] (77)، وقوله تعالى: ﴿لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُم مَّا كَسَبْتُمْ وَلاَ تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ [البقرة: 134]، وأن القراءة للأموات ليس من عملهم ولا كسبهم، فجوابه كالآتي:

إن الآيتين تتحدثان عن أصل من أصول الشريعة، وهو أن الإنسان ليس له من عمله، إلا ما كسبه هو أو سعى في تحصيله، وهذا ما هو مقرر في غير هذه الآيتين، كقوله تعالى: ﴿كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ﴾ [المدثر: 38]، وليس في الآيتين ما يدل على أن المرء لا ينتفع بما يهبه غيره له من ثواب الأعمال، على أنه يمكن القول: إن إهداء الحي للميت ثواب القراءة، من سعي الإنسان ومن كسبه؛ لأن هذا الإهداء -في الغالب- إنما يكون عن صلةٍ وعلاقةٍ وحبٍ بين الحي والميت، وهذا من كسب الميت في حياته.

وعلى فرض صحة استدلال المحرمين بهاتين الآيتين، فإنه يقال: إن الآيتين في غير موضع النـزاع؛ لأنهما تتحدثان عن سعي الإنسان لنفسه، لا في سعي الغير له، وهو موضع الخلاف.

على أن هاتين الآيتين -وهما غير صريحتين في المراد- قد عارضتا ما هو صريح في المراد، وذلك قوله تعالى: ﴿والذين آمَنُواْ واتبعتهم ذُرِّيَّتُهُم بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَآ أَلَتْنَاهُمْ مِّنْ عَمَلِهِم مِّن شَيْءٍ﴾ [الطور: 21]، والتي تدل على أن المرء ينتفع بفعل الغير.

- وأما استدلالهم بحديث: «إذا مات ابن آدم انقطع عمله، إلا من ثلاث:...». فجوابه كالآتي:

إن الحديث في غير موضع الخلاف، كما في الآيتين المتقدمتين؛ لأن الحديث يتكلم عن عمل الميت نفسه، ولم يتكلم عن عمل الغير، يُهدَى للإنسان.

كما أن هذا الحديث -وهو غير صريح في المراد- قد عارض ما هو صريح في المراد، وذلك ما تقدم في صيام المرأة وحجها وصدقتها عن أبيها أو أمها.

- وأما استدلالهم بقياس القراءة على الصلاة في عدم الوصول؛ لأن كل منهما عبادة بدنية فجوابه: أن الأولى هو قياس هذه المسألة على الدعاء، والحج، فإنهما تصلان إلى الميت، وقراءة القرآن للميت مثلهما؛ بجامع أن كلاً منها عبادة بدنية.

فإن قيل: إن الصلاة عبادة بدنية، ولكن مع ذلك لا يصل ثوابها إلى الميت، فلِمَ لا تقاس القراءة على الصلاة، في عدم جواز الإهداء، وعدم وصول ثوابها للميت؟

فالجواب عنه: إن هناك فرقاً بين المسألتين، فإن الصلاة لا يمكن النيابة فيها، ولا يمكن للمرء أن يقوم بها عن غيره، سواء قدر المرء على أدائها بنفسه، أم لم يقدر، أما في حال القدرة فواضح، وأما في حال العجز؛ فلأنه قد سقط وجوبها عنه.

بخلاف الدعاء والحج، فأما الدعاء، فإنه يمكن أن يقوم الغير به؛ بدلالة النصوص المتقدم ذكرها. وأما في الحج؛ فلأنها عبادة تقبل النيابة ممن عجز عن أدائها بنفسه.

كما أن القراءة بقيت على أصلها في جواز إهداء العبادات البدنية، المدلول عليه بأحاديث الدعاء والحج المتقدمة. وأما الصلاة، وهي وإن كانت عبادة بدنية، إلا أنه لا يجوز إهداؤها للإجماع -كما تقدم- على عدم جواز ذلك، فخرجت بهذا من الأصل الذي كانت عليه من جواز إهداء العبادات البدنية.

- وأما ما تبقى من أدلتهم، فلا تقوى على دفع النصوص الشرعية الدالة على الجواز.

والله تعالى أعلى وأعلم. وإليه المرجع والمآب، وهو حسبنا، ونِعم الوكيل.

والحمد لله رب العالمين، وهو الهادي إلى سواء السبيل. وصلى الله على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

كتبه الفقير إلى عفو ربه العلي: علي بن عبد الرحمن بن علي دبيس.

الخميس - 14 ربيع الآخر 1428هـ، 3/ 5/ 2007م.

راجعه: يونس بن عبد الرب الطلول، وعبد الوهاب بن مهيوب مرشد الشرعبي.

____________________

(1) تفسير ابن كثير 7/ 465.

(2) صحيح مسلم 8/ 405، برقم: 3084، سنن النسائي 11/ 424، برقم: 3591، سنن الترمذي 5/ 243، برقم: 1297.

(3) سنن النسائي 13/ 462، برقم: 4373، سنن أبي داود 9/ 406، برقم: 3061، عن عائشة. والحديث صحيح. انظر: مختصر إرواء الغليل 1/ 429، برقم: 2162.

(4) صحيح مسلم 13/ 164، برقم: 4831، سنن الترمذي 9/ 284، برقم: 2598. عن أبي هريرة.

(5) فتح الوهاب 2/ 31.

(6) الشرح الكبير لابن قدامة 2/ 425.

(7) شرح النووي على مسلم 1/ 25.

(8) تفسير القرطبي 17/ 114.

(9) منح الجليل شرح مختصر خليل 3/ 176.

(10) انظر: تبيين الحقائق شرح كنـز الدقائق 5/ 131.

(11) منح الجليل شرح مختصر خليل 3/ 176.

(12) منح الجليل شرح مختصر خليل 16/ 172. والحديث سيأتي تخريجه قريباً.

(13) حاشية الدسوقي على الشرح الكبير 4/ 173.

(14) حاشية الدسوقي على الشرح الكبير 4/ 172.

(15) منح الجليل شرح مختصر خليل 3/ 177.

(16) منح الجليل شرح مختصر خليل 3/ 177.

(17) شرح النووي على مسلم 1/ 25.

(18) انظر: فتح المعين 3/ 258.

(19) فتح الوهاب 2/ 31.

(20) انظر: فتح المعين 3/ 258.

(21) نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج 19/ 341.

(22) الشرح الكبير لابن قدامة 2/ 425.

(23) كشاف القناع عن متن الإقناع 4/ 431.

(24) الشرح الكبير لابن قدامة 2/ 426.

(25) كشاف القناع عن متن الإقناع 4/ 431.

(26) شرح النووي على مسلم 1/ 25، تفسير ابن كثير 7/ 465، تبيين الحقائق شرح كنـز الدقائق 5/ 131، كشاف القناع عن متن الإقناع 4/ 431. منح الجليل شرح مختصر خليل 3/ 177.

(27) تفسير ابن كثير 7/ 465.

(28) كشاف القناع عن متن الإقناع 4/ 431.

(29) شرح النووي على مسلم 1/ 25، الشرح الكبير لابن قدامة 2/ 426، كشاف القناع عن متن الإقناع 4/ 431. منح الجليل شرح مختصر خليل 3/ 177. والحديث تقدم تخريجه.

(30) منح الجليل شرح مختصر خليل 3/ 177.

(31) تفسير ابن كثير 7/ 465.

(32) تفسير ابن كثير 7/ 465.

(33) تبيين الحقائق شرح كنـز الدقائق 5/ 131، المغني5/ 80.

(34) الشرح الكبير لابن قدامة 2/ 426.

(35) تبيين الحقائق شرح كنـز الدقائق 5/ 132، فتح القدير 6/ 135.

(36) الشرح الكبير لابن قدامة 2/ 425، المغني5/ 79.

(37) انظر: الشرح الكبير لابن قدامة 2/ 425، المغني5/ 79.

(38) تبيين الحقائق شرح كنـز الدقائق 5/ 132.

(39) أضواء البيان 8/ 53.

(40) تبيين الحقائق شرح كنـز الدقائق 5/ 131.

(41) كشف الخفاء 2/ 282، برقم: 2630، وقال: رواه الرافعي في تاريخه عن علي.قال الألباني: موضوع. انظر: السلسلة الضعيفة 3/ 289، برقم: 1290.

(42) تبيين الحقائق شرح كنـز الدقائق 5/ 132.

(43) سنن أبي داود 8/ 385، برقم: 2714، سنن ابن ماجة 4/ 380، برقم: 1438، قال الألباني: ضعيف. انظر: مختصر إرواء الغليل 1/ 138، برقم: 688.

(44) المستدرك على الصحيحين للحاكم 17/ 406، برقم: 7654، شعب الإيمان للبيهقي 3/ 485، برقم: 1429. والحديث صححه الألباني بلفظ "أن أنس بن مالك حدثهم أن نبي الله -صلى الله عليه وسلم-: «ضحى بكبشين أقرنين أملحين يطأ على صفاحهما ويذبحهما ويسمي ويكبر». انظر: صحيح وضعيف سنن النسائي 9/ 490، برقم: 4418.

(45) تبيين الحقائق شرح كنـز الدقائق 5/ 132.

(46) صحيح البخاري 5/ 35، برقم: 1208، صحيح مسلم 4/ 496، برقم: 1539.

(47) الشرح الكبير لابن قدامة 2/ 426.

(48) المصدر السابق.

(49) شرح النووي على مسلم 1/ 25.

(50) صحيح البخاري 7/ 52، برقم: 1817، صحيح مسلم 6/ 6، برقم: 1936.

(51) صحيح مسلم 7/ 35، برقم: 2375، سنن النسائي 8/ 464، برقم: 2593.

(52) صحيح البخاري 9/ 321، برقم: 2563، سنن أبي داود 8/ 79، برقم: 2496.

(53) الشرح الكبير لابن قدامة 2/ 425، المغني 5/ 79.

(54) منح الجليل شرح مختصر خليل 3/ 177.

(55) المعجم الأوسط للطبراني 19/ 444، برقم: 11165. وكثير ضعيف. انظر: مجمع الزوائد ومنبع الفوائد 1/ 466.

(56) انظر: الشرح الكبير لابن قدامة 2/ 425، المغني5/ 79.

(57) سنن أبي داود 8/ 492، برقم: 2785، مسند أحمد 17/ 231، برقم: 8189. قال الألباني: ضعيف. انظر: مشكاة المصابيح 1/ 380، برقم: 1688.

(58) صحيح مسلم 5/ 75، برقم: 1601، سنن النسائي 7/ 84، برقم: 1957.

(59) صحيح مسلم 1/ 320، برقم: 184، سنن الترمذي 10/ 337، برقم: 2999.

(60) تفسير القرطبي 17/ 115. ومراده بالحديث هو حديث عائشة -رضي الله عنها- قالت: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «يغزو جيش الكعبة، فإذا كانوا ببيداء من الأرض، يخسف بأولهم وآخرهم. قالت: قلت: يا رسول الله! كيف يخسف بأولهم وآخرهم، وفيهم أسواقهم، ومن ليس منهم؟ قال: يخسف بأولهم وآخرهم، ثم يبعثون على نياتهم» رواه البخاري 7/ 314، برقم: 1975، ومسلم 14/ 55، برقم: 5134.

(61) انظر: تبيين الحقائق شرح كنـز الدقائق 5/ 132، فتح القدير 6/ 133، نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج 19/ 340، كشاف القناع عن متن الإقناع 4/ 431، 432.

(62) تبيين الحقائق شرح كنـز الدقائق 5/ 132، فتح القدير 6/ 133.

(63) كشاف القناع عن متن الإقناع 4/ 431، 432. ومراده بحديث الخثعمية، هو قولها: "إن فريضة الله على عباده في الحج، أدركت أبي شيخاً كبيراً" وقد تقدم ذكره وتخريجه.

(64) انظر: تبيين الحقائق شرح كنـز الدقائق 5/ 132، فتح القدير 6/ 133. نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج 19/ 340.

(65) كشاف القناع عن متن الإقناع 4/ 431، 432.

(66) انظر: تبيين الحقائق شرح كنـز الدقائق 5/ 132، فتح القدير 6/ 133. نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج 19/ 340، كشاف القناع عن متن الإقناع 4/ 431، 432.

(67) انظر: تبيين الحقائق شرح كنـز الدقائق 5/ 132، فتح القدير 6/ 133، كشاف القناع عن متن الإقناع 4/ 431، 432.

(68) تبيين الحقائق شرح كنـز الدقائق 5/ 132، فتح القدير 6/ 133.

(69) أضواء البيان 8/ 52.

(70) أضواء البيان 8/ 53.

(71) كشاف القناع عن متن الإقناع 4/ 431.

(72) انظر: كشاف القناع عن متن الإقناع 4/ 431، 432.

(73) المصدر السابق.

(74) الشرح الكبير لابن قدامة 2/ 426.

(75) تبيين الحقائق شرح كنـز الدقائق 5/ 132، فتح القدير 6/ 133.

(76) تبيين الحقائق شرح كنـز الدقائق 5/ 131.

(77) شرح النووي على مسلم 1/ 25، تفسير ابن كثير 7/ 465، تبيين الحقائق شرح كنـز الدقائق 5/ 131، كشاف القناع عن متن الإقناع 4/ 431. منح الجليل شرح مختصر خليل 3/ 177.

الإثنين, 04 تشرين2/نوفمبر 2019 15:20

الحج وفوائده التربوية

الحج ركن من أركان الإسلام، وهو عبادة عظيمة مليئة بالفوائد والكنوز الثمينة، والمعاني العجيبة، والأسرار البديعة، قال الله تعالى:)لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ(، فموسم الحج مؤتمر إسلامي من أعظم المناسبات للأمة الإسلامية! وسأحاول بإذ الله ذكر بعض الفوائد المستنبطة من هذه العبادة العظيمة :

فالحج مدرسة عظيمة في تربية النفوس وتزكيتها، دروسها رائعة، وعبرها نافعة، فالناس ما زالوا منذ أذَّنَ فيهم إبراهيم عليه السلام بالحج يفدون إلى البيت الحرام في كل عام من أصقاع الأرض كلها، مختلفة ألسنتهم، متباينة بلدانهم، متمايزة ألوانهم، يفدون إليه وأفئدتهم ترف إلى رؤيته والطواف به، الغني القادر، والفقير المعدم، ومئات الألوف من هؤلاء يتقاطرون من فجاج الأرض البعيدة تلبية لدعوة الله:)وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ(.

1-  تحقيق التوحيد: ففي الحج تتجلى صورة التوحيد عقيدة وهدفًا للمسلمين، )وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَنْ لَا تُشْرِكْ بِي شَيْئًا وَطَهِّرْ بَيْتِي لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ- إلى قوله- فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنْ الْأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّور()حُنَفَاءَ لِلَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ(، فقضية القضايا وأصل الأصول كلمة التوحيد، وشعار الإسلام وعلم الملة، لا اله الا الله،كلمة تخلع بها جميع الآلهة الباطلة من دون الله. فيها نبذ لأمر الجاهلية كله، فإبراهيم عليه السلام الذي بنى البيت هو رمز الحنفية، ومحطم الشرك والوثنية، أقام هذا البيت على قواعد التوحيد، ثم أذن إبراهيم في الناس بالحج، ومنذ ذلك النداء والمسلمون يتوافدون من كل فج،حناجرهم تجأر بإجابة التوحيد ونداء الإخلاص، وفي حديث جابر t  الطويل أن رسول الله e ( أَهَلَّ بِالتَّوْحِيدِ: لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ...) (رواه مسلم) ويبقى الحج كل عام رمزًا للتوحيد، وعنوانًا للبذل والتضحية من أجل لا اله الا الله. في مثل هذا الموسم يجدد المسلم عهده مع الله، يتذكر الهدف الذي من أجله يعيش الانسان، رضا الله الخالق لارضا المخلوق .

2- من فوائد الحج: أنه رمز لوحدة الأمة واجتماع كلمتها، توحيد كلمة المسلمين، وجمع قلوبهم من مقاصد الإسلام العظيمة، وتضافرت نصوص الكتاب والسنة في الدعوة إلى التوحيد، ونبذ كل ما من شأنه بذر الفرقة، والحج من أعظم المناسبات لتوحيد كلمة الأمة، ولم شملها، فهو رمز للوحدة الحقيقية.

 ألا ترون الحجاج يستبدلون بزيهم الوطني زي الحج الموحد، لا يتميز شرقيهم عن غربيهم، ولا عربيهم عن عجميهم،كلهم لبسوا لباسًا واحدًا، وتوجهوا إلى رب واحد بدعاء واحد: ((لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ لَبَّيْكَ لَا شَرِيكَ لَكَ لَبَّيْكَ إِنَّ الْحَمْدَ وَالنِّعْمَةَ لَكَ وَالْمُلْكَ لَا شَرِيكَ لَكَ)) .

ألا ترونهم وقد نسوا كل الهتافات الوطنية، وكل الشعارات القومية، ونكسوا كل الرايات العصبية، ورفعوا راية واحدة هي راية لا إله إلا الله، يطوفون حول بيت واحد، مختلطة أجناسهم وألوانهم ولغاتهم، يؤدون نسكًا واحدًا. وعَنْ أَبِي نَضْرَةَ قال: حَدَّثَنِي مَنْ سَمِعَ خُطْبَةَ رَسُولِ اللَّهِ eفِي وَسَطِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ فَقَالَ:( يَا أَيُّهَا النَّاسُ! أَلَا إِنَّ رَبَّكُمْ وَاحِدٌ، وَإِنَّ أَبَاكُمْ وَاحِدٌ، أَلَا لَا فَضْلَ لِعَرَبِيٍّ عَلَى أَعْجَمِيٍّ، وَلَا لِعَجَمِيٍّ عَلَى عَرَبِيٍّ، وَلَا لِأَحْمَرَ عَلَى أَسْوَدَ، وَلَا أَسْوَدَ عَلَى أَحْمَرَ إِلَّا بِالتَّقْوَى..). الله أكبر، إنها الوحدة الحقيقة، فمهما اختلفت اللغات، ومهما تعددت الجهات، ومهما تنوعت الجنسيات، فديننا واحد، وربنا واحد، ونبينا واحد، وقبلتنا واحدة، لا فضل لأحد على أحد إلا بالتقوى، ونحن أمة واحدة، رغم أنف الأعداء وكل من حاول تشتيت هذه الأمة.

فما أجمل استغلال الحج لتوحيد كلمة المسلمين، وما أجمل استغلال المناسبة لجمع القلوب وتصفيتها، وما أجمل تذكير وتوجيه الحجاج بل كل المسلمين لهذه المعاني،)إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ(،  ولا يمكن تحقيق هذه الوحدة، إلا بتوحيد المنهج، ولذلك قال النبي e في الحج ((لِتَأْخُذُوا مَنَاسِكَكُمْ فَإِنِّي لَا أَدْرِي لَعَلِّي لَا أَحُجُّ بَعْدَ حَجَّتِي هَذِهِ)). وقال في آخر حياته: ((لقد تركت فيكم أمرين لن تضلوا ما تمسكتم بهما كتاب الله وسنتي)).

فالمسلمون في جميع أمورهم منبعهم واحد، ومنه يصدرون وإليه يرجعون، هو كتاب الله وسنة الرسولe، فمهما اعتصمنا بهما حصلت الوحدة وجمع الكلمة، وزال الشتات والفرقة، وبدون التمسك بحبل الله لا يمكن أن تتحد صفوفها ويلم شملها ويقوى عودها)وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ(.

3-من فوائد الحج، تحقيق العبودية التامة لله،والطاعة والاستجابة،فأول كلمة تتلفظ بها في هذا الركن((لبيك اللهم حجًا))، ثم تعلن الطاعة والاستجابة بقولك: ((لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ لَبَّيْكَ لَا شَرِيكَ لَكَ لَبَّيْكَ...)) ومعنى ذلك، أيْ إجابة بعد إجابة،خضوعا لله وخشوعا، فأنا مجيب دعوتك، وملزم نفسي طاعتك .

أخي الحاج ! هاأنت تعاهد ربك على الطاعة والاستجابة، وتعلن العبودية له وحده، وتعترف له بنعمه وفضله عليك، فهل تراك بعد هذا تنقض العهد؟ ألست تعمل في الحج أعمالا ربما لم تفهم لها حكمة كالرمي والسعي وتقبيل الحجر إلا حكمة الانقياد لأمر الله واتباع الحبيب e، وكفى بهما حكمة؟ وهكذا المؤمن مع ربه  في كل شيء، وهكذا حال الناس في الحج، طاعة وعبودية لله بدون تردد ولا حيرة ولا عصيان، بل بعاطفة حارة،)قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَاي وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ() لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ(،  نعم فحياتي ومماتي كلها عبودية وطاعة لله .

4- من فوائد الحج، تحقيق الاتباع والتأسي بالنبيe: فقد قال:( لِتَأْخُذُوا مَنَاسِكَكُمْ فَإِنِّي لَا أَدْرِي لَعَلِّي لَا أَحُجُّ بَعْدَ حَجَّتِي هَذِهِ). إذاً أيها المؤمن! الحج الصحيح والمبرور الذي ليس له جزاء إلا الجنة هو:كحجه e، وهذا يعني أن نتعلم كيف حجe، وواقع البعض من الناس اليوم في الحج مؤلم، لا أقول في إهمال السنن، بل في جهل الواجبات والأركان التي لا يتم الحج إلا بها .

يا عجبًا لمن يقطع الأودية والقفار، والمفاوز والبحار، ويصرف الأموال، ويهجر البلاد والعيال، وهو يجهل الحج فلا يعرف الواجبات من الأركان؟! بل ربما وقع في الغفلة والعصيان، نعوذ بالله من الجهل والحرمان، وخاصة في مثل هذه المواسم والأيام . 

5- من فوائد الحج أيضاً، ما يحدثه يوم عرفة في النفوس من توبة وندم: وخشوع وبكاء، وكم من شاهد ليوم عرفة كان هذا اليوم سببا لهدايته واستقامته. وهل هناك كنز يقارن بكنز الهداية. ومن لم يخشع قلبه بعرفة فمتى؟! وذلك لنزول الرحمة وكثرة العتق من النار، والافتقار والمسكنة ورفع أكف الضراعة إلى الله، ورقة القلب وكثرة الدمع، وفي صحيح مسلم عن عَائِشَة أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ e قَالَ: ((مَا مِنْ يَوْمٍ أَكْثَرَ مِنْ أَنْ يُعْتِقَ اللَّهُ فِيهِ عَبْدًا مِنْ النَّارِ مِنْ يَوْمِ عَرَفَةَ، وَإِنَّهُ لَيَدْنُو ثُمَّ يُبَاهِي بِهِمْ الْمَلَائِكَةَ، فَيَقُولُ: مَا أَرَادَ هَؤُلَاءِ؟)).

فلله كــم من عبرة مهـراقة          وأخرى على آثارها لا تقـدم

وقد شرقت عين المحب بدمعها         فينظر من بين الدموع ويسهم

6- من فوائد الحج استشعار عظمة رمي الجمرات: وما فيه من الحكم من عداوة للشيطان وعدم الاستجابة له ولوساوسه،وكم من إنسان يرمي الجمرات، والشيطان قد تمكن من قلبه، فما أكثر معاصيه وما أشد فسقه، ولو علم هذا الحاج المعنى الحقيقي لرمي الجمرات لعلم أنه في حاجة لرميه من قلبه والاستعاذة منه قبل أن يرمي تلك الحصوات، مجرد رمي فقط .

ومن حكم رمي الجمرات الاتباع للخليلين محمد وإبراهيم عليهما السلام، وقل مثل ذلك في استشعار عظمة ذبح الهدي وإراقة الدم لله وحده لاشريك له، ولذلك قال الله تعالى: )لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ(. وهكذا يستشعر عظمة الحج بأركانه وواجباته بمعرفة حكمه وأهدافه، فيزداد الحاج حرصًا على استغلاله وتعظيمًا لأيامه، ليفوز بأنواره وآثاره، ولذلك ذكر الله في آيات الحج قوله: )ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ(ثم قال في الآية التي تليها: )ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ(، ومن استشعر عظمة الحج ومناسكه، وتفكر بمغفرة الذنوب والرجوع كيوم الولادة، علم أي كنز سيناله .

7- من فوائد الحج أيضًا تذكر اليوم الآخر: فالحج صورة مصغرة ليوم الحشر والعرض على الله عز وجل، فالاستعداد للرحيل يذكرك بالاستعداد للرحيل إلى الله، لكن هذا بيدك وذاك يفجؤك، ولبس ملابس الإحرام يذكرك بلبس الأكفان، لكن هذا تلبسه بيدك وذاك تُلبسه، ووقوف الناس بعرفة يذكرك بوقوفهم بين يدي الله، لكن هذا يوم عمل، وذاك يوم حساب، يتذكر بزحمة الطواف والرمي زحام الناس يوم يقوم الناس لرب العالمين، يتذكر وهو يشعر بحرارة الشمس في مكة، يوم تدنو الشمس من الخلائق قدر ميل، يتذكر بالتعب والعرق حال الناس مع العرق يوم القيامة؛ فمنهم من يلجمه العرق إلجاما، وهكذا تبقى هذه الذكريات في نفس الحاج لتعينه على السير إلى الله بقية عمره، فالحج محطة يتزود منها المسلم زاده في طريقه إلى الله، فذكر الموت وما بعده تجعل النفس تفيض شوقًا إلى الله، وينشط للعمل الصالح، ويرجو الله رغبة ورهبة، ومثل هذه المعاني هي طوق النجاة من الإغراق في الترف والمباهاة، فقد أفسد ذكر الموت على أهل النعيم نعيمهم .

8- من فوائد الحج اليقين بأن الباطل كان زهوقًا:وأن الباطل مهما انتفش فش، وإن طال الطريق، واشتد المكر. وفي الحج يكون الشيطان وأعوانه أصغر وأحقر، فيغتاظ أعداء الله، ويرجعون خاسئين ناكصين على أعقابهم مذمومين مدحورين، أليس يغيظ الكفار حينما يرون جموع هذه الأمة وقد استسلمت لربها، وأطاعت نبيها، واجتمعت كلماتها؟.

يقول أحد النصارى:سيظل الإسلام صخرة عاتية تتحطم عليها سفن التبشير المسيحي مادام للإسلام هذه الدعائم: القرآن، واجتماع الجمعة الاسبوعي، ومؤتمر الحج السنوي.

 هؤلاء أعوان الشيطان، أما الشيطان فقد روي عَنْ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ كَرِيزٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ eقَالَ: ((مَا رُئِيَ الشَّيْطَانُ يَوْمًا هُوَ فِيهِ أَصْغَرُ وَلَا أَدْحَرُ وَلَا أَحْقَرُ وَلَا أَغْيَظُ مِنْهُ فِي يَوْمِ عَرَفَةَ، وَمَا ذَاكَ إِلَّا لِمَا رَأَى مِنْ تَنَزُّلِ الرَّحْمَةِ وَتَجَاوُزِ اللَّهِ عَنْ الذُّنُوبِ الْعِظَامِ إِلَّا مَا أُرِيَ يَوْمَ بَدْرٍ)قِيلَ:وَمَا رَأَى يَوْمَ بَدْرٍ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ:( أَمَا إِنَّهُ قَدْ رَأَى جِبْرِيلَ يَزَعُ الْمَلَائِكَةَ)). هكذا حال الشيطان وأعوانه من الخسة والحقارة في موسم الحج، ويوم القيامة يتبرأ الشيطان من أعوانه فيقول لهم: )إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلَا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ(.

9- ومن اليقين بانهزام الباطل وضعف أهله، إلى اليقين بالتمكين ونصرة هذا الدين، وهذه فائدة أخرى من فوائد الحج: لكنه يحتاج للرجال المخلصين،وهمة الصادقين،ولن أطيل لكن فقط تأمل، وقارن بين موقفين متباينين وحالين مختلفين تمامًا،وتنبه لهما جيدًا .

الموقف الأول:رجل وحيد ليس معه إلا النفر اليسير، طريد شريد مهدد، يرتكب معه صنوف من الأذى في نفسه في أهله في أتباعه ولاحول له ولا قوة، ثم يأتي ما هو أشد من ذلك وأشق إذ يضطر للخروج من بلده، فيخرج  من مكة مكرهًا ويترك مراتع الصبى وملاعب الطفولة فيودعها في ألم وحسرة قائلا: ((وَاللَّهِ إِنَّكِ لَخَيْرُ أَرْضِ اللَّهِ، وَأَحَبُّ أَرْضِ اللَّهِ إِلَى اللَّهِ، وَلَوْلَا أَنِّي أُخْرِجْتُ مِنْكِ مَا خَرَجْتُ)).

الموقف الثاني: مع الرجل نفسه:معهeوبعد سنوات قليلة لاتكاد تذكر ولا تمثل شيئا في عمر الزمن، يعود هذا الرجل نفسه الى هذا البلد الحرام قويًّا عزيزًا مكبرًا مهللا عالي الهامة مرفوع الرأس، يعود ليحج إلى هذا البيت الذي كان يطوف بخفية أو في جو من الخوف والحذر، يعود بما يقارب مائة وعشرين ألفاً من المؤمنين، كلهم يشهد أن لا اله الا الله وأن محمداً رسول الله، كل منهم يتمنى أن يقدم رقبته رخيصةً في سبيل الذب عن هذا الدين،وفداءً عن هذا النبي الأمين .

هل قارنتم بين هذين الموقفين ؟! أليست هذه عجيبة من العجائب؟! ولطيفة من اللطائف؟! جديرة بأن يتأملها المؤمنون وخاصة الدعاة إلى الله عز وجل؟! هذه المعجزة الربانية تلك  هي القدرة الإلهية.انظر يا رعاك الله كيف أعز الله جنده، ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده، وصدق الله: )إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ(.

10- واليقين يحتاج إلى صبر،وهذه فائدة أخرى من فوائد الحج: الصبر وتربية النفوس، وحبسها عن شهواتها، وتعويدها على تحمل الشدائد؛ ففي الإحرام ومحظوراته ترك للزينة والشهوة، وتغطية الجسد بقطعتين من القماش، أليس لك بهذا عبرة، إنك تضيق برائحة العرق وطول الأظافر وشعث شعر الرأس لمجرد أيام، إنك تُحرم من الروائح الطيبة، ومن شهوة الفرج، كل ذلك لأيام معدودة، تركتها لأجل من؟ من أجل الله، هي حلال بل تؤجر عند القيام بها في غير الحج، أليس الذي أمرك بترك الحلال في الحج هو الذي أمرك بترك الحرام في حياتك، وهو نجس ضار؟ فيا سبحان الله لماذا تصبر وتستجيب هنا، ولا تصبر هناك؟! إن في مناسك الحج وأحكامه تربيةً للنفس، وصبراً لها عن شهواتها، وفيه أيضا تربية للنفس على التحمل والصبر على الشدائد من مفارقة للأهل والأولاد وترك لألوان الرفاهية والترف .

11-من فوائد الحج التوكل على الله،حق التوكل: ويكفي في هذا، موقف هذه المرأة المسلمة الصادقة في توكلها وثقتها بربها، فإن إبراهيم عليه السلام ترك (هاجر) بوادٍ غير ذي زرع وحيدة مع رضيعها، معها جراب في تمر وسقاء فيه ماء تقول لإبراهيم عليه السلام : أين تذهب وتتركنا بهذا الوادي الذي ليس به أنس ولا شيء ؟؟! أعادت عليه السؤال مرارًا وهو لا يلتفت إليها، فقالت:يا إبراهيم آلله أمرك بهذا؟ فقال عليه السلام :نعم . فقالت "هاجر" كلمتها الرائعة ،المليئة ثقة بالله، وتوكلا صادقاً عليه،قالت:" إِذَنْ لَا يُضَيِّعُنَا". الله أكبر، أسمعتم يا أهل الإيمان ؟ أسمعت يا أمة الرحمن؟ هاجر عليها السلام، تضرب أروع الأمثلة في صدق الإيمان، والرضا بالقضاء، إنها المرأة المسلمة متى استقر الإيمان في سويداء القلب؟! فآهٍ لو عقلت المرأة المسلمة دورها ؟! وقامت بواجبها، وهل السعي بين الصفا والمروة  بعد فضل الله تعالى إلا حسنة من حسنات هاجر عليها السلام، وهل ماء زمزم إلا بفيض من إيمان هاجر ودعائها، بل وإلحاحها لتروي عطشها وعطش غلامها .

12- من فوائد الحج تربية النفس على مكارم الأخلاق: وتعويدها على جميل الطباع، والترقي بها في مراقي الكمال، فالحج تربية على الترفع من الشهوات، تربية على حسن التعامل، تربية على التجرد لله، تربية على تقوى الله وحسن مراقبته، تربية على الجدية في العمل، ولذلك قال e: ((مَنْ حَجَّ لِلَّهِ فَلَمْ يَرْفُثْ وَلَمْ يَفْسُقْ رَجَعَ كَيَوْمِ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ)). فالشرط لغفران الذنوب هو عدم الرفث وعدم الفسوق، وقبل ذلك كله تأمل قول الله تعالى وهو يرسم للمؤمنين المنهج القويم لتربية النفوس، ويبين لهم الآداب والمعاني التي يجب أن تتمثل في حجهم قال: )الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجّ ِ(، نعم حسن الخلق وخدمة الآخرين، والصبر والتحمل، وضبط النفس واللسان، خاصة في أوقات الزحام،كلها آداب شرعية، والحج دورة تدريبية لتحصيل هذه الآداب، فلا يَظهر الصبر والتحمل وحسن الخلق والإيثار إلا بمثل هذه المناسبات، وكما قيل: السفر يسفر عن أخلاق الرجال. واسمع لهذا الموقف: ففي سيرة سالم بن عبد الله أن رجلا زاحمه في منى فالتفت الرجل إلى سالم ـ وسالم علامة التابعين ـ قال له الرجل: ((إني لأظنك رجل سوء !)). فبماذا أجاب سالم t،قال: ((والله ما عرفني إلا أنت!!)). الله أكبر، هكذا آثار العبادة والصلاح على الصالحين المخلصين،  هكذا الصبر الجميل، هكذا الصبر وتحمل أذى الآخرين . وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين .

1ـ قال الإمام علي (عليه السلام(

الله الله في بیت ربکم لا تخلوه ما بقیتم فإنه ان ترك لم تناظروا.

بحار الأنوار: 96/ 16.

2ـ قال الإمام الباقر (علیه السلام) في قول الله تبارك وتعالی: «ففروا الی الله انی لکم منه نذیر مبین » قال: حجّوا إلى الله.

معاني الأخبار: ۲۲۲.

3ـ قال الإمام علي (عليه السلام)

نزل جبرئیل علی النبي(صلی الله علیه وآله) فقال: یا محمد مر اصحابك بالحج والثلج، فالحج رفع الاصوات بالتلبیة والثلج نحر البدن.

معاني الأخبار: 224.

4ـ عن معاویة بن عمار، قال: سئلت أبا عبدالله (علیه السلام) عن یوم الحج الاکبر فقال:

هو یوم النحر والاصغر العمرة.

معاني الأخبار: 295.

5ـ قال الإمام الرضا (علیه السلام)

ما رأیت شیئاً اسرع غنا ولا انفی للفقر من ادمان الحج.

بحار الأنوار 74/ 318.

6ـ قال الإمام الصادق (علیه السلام)

من مات في طریق مکة ذاهبا او جائیا امن من الفزع الاکبر یوم القیامة.

ملاذ الاخیار 7/ 223.

7ـ قال الإمام الصادق (علیه السلام)

الحاج والمعتمر وفد الله ان سألوه اعطاهم وإن دعوه اجابهم وإن شفعوا شفعهم وإن سکتوا ابتداهم ویعوضون بالدرهم الف الف درهم.

ملاذ الاخيار 7/ 226.

8ـ عن حماد بن عیسی قال: سئلت ابا عبدالله (علیه السلام) عن التهیؤ للاحرام، فقال:

تقلیم الاظفار وأخذ الشارب وحلق العانة.

ملاذ الاخیار 7/ 308.

9ـ قال الإمام الباقر (علیه السلام)

من نظر الی الکعبة لم یزل یکتب له حسنة ویمحی عنه سیئة حتی یصرف بصره عنها.

بحار الأنوار 96/ 65.

10ـ قال الإمام الصادق (علیه السلام)

الحج حجان، حج لله وحج للناس، فمن حج لله کان ثوابه علی الله والجنة ومن حج للناس کان ثوابه علی الناس یوم القیامة.

بحار الأنوار 96/ 249.

11ـ سئل الإمام الصادق (علیه السلام): لم کره الصیام في ایام التشریق؟ فقال:

لأن القوم زوار الله وهم في ضیافته، ولا ینبغي للضیف ان یصوم عند من زاره واضافه.

بحار الأنوار 96/ 349.

12ـ قال الإمام الصادق (علیه السلام)

ما سبیل من سبیل الله افضل من الحج الا رجل یخرج بسیفه فیجاهد في سبیل الله حتی یستشهد.

بحار الأنوار 96/ 49.

13ـ قال النبي (صلی الله علیه وآله)

من طاف بهذا البیت اسبوعا واحسن صلاة رکعتیه غفر له.

بحار الأنوار 96/ 49.

14ـ قال الإمام الباقر (علیه السلام)

والحجر کالمیثاق واستلامه کالبیعه وکان اذا استلمه قال: اللهم امانتي ادیتها ومیثاقي تعاهدته لیشهد لي عندك بالبلاغ.

بحار الأنوار 96/ 48.

15ـ قال الإمام الصادق (علیه السلام)

لایزال الدین قائما ما قامت الكعبة.

بحار الأنوار 96/ 57.

16ـ قال الإمام الباقر (علیه السلام): قلت له: لم سمي البیت العتیق؟ قال:

لأنه حر عتیق من الناس ولم یملكه أحد.

بحار الأنوار 96/ 59.

17ـ قال الإمام الصادق (علیه السلام)

ان لله عز وجل حرمات ثلاث لیس مثلهن شيء: كتابه وهو حكمه ونوره، وبیته الذي جعله قبله للناس لا یقبل من احد توجها الی غیره، وعتره نبیكم.

بحار الأنوار 96/ 60.

18ـ قال الإمام علي (علیه السلام)

لو كان لي وادیان یسیلان ذهبا وفضة ما اهدیت الی الكعبة شیئاً لأنه یصیر الی الحجبة دون المساكین.

بحار الأنوار 96/ 67.

19ـ عن عبدالله بن سنان، عن ابي عبدالله (علیه السلام) قال: قلت: أرایت قوله «ومن دخله كان امنا» البیت عنی او الحرم؟ قال:

من دخل الحرم من الناس مستجیرا به فهو امن، ومن دخل البیت من المؤمنین مستجیرا به فهو امن من سخط الله، ومن دخل الحرم من الوحش والسباع والطیر فهو امن من ان یهاج او یؤذی حتی یخرج من الحرم.

بحار الأنوار 96/ 74.

20ـ قال رسول الله (صلی الله علیه وآله)

ان الله اختار من البلدان اربعة فقال عز وجل: والتین والزیتون وطور سینین وهذا البلد الامین. والتین المدینة والزیتون بیت المقدس وطور سینین الكوفة و هذا البلد الامین مكة.

بحار الأنوار 96/ 77.

21ـ قال الإمام الباقر (علیه السلام)

لا یقبل الله عز وجل حجا ولاعمرة من مال حرام.

بحار الأنوار 96/ 120.

22ـ قال الإمام الباقر (عليه السلام)

ما یعبؤ بمن یؤم هذا البیت اذا لم یكن فیه ثلاث خصال: ورع یحجزه عن معاصي الله، وحلم یملك به غضبه، وحسن الصحابة لمن صحبه.

الخصال 1/ 97.

23ـ قال الإمام الباقر (علیه السلام)

لیس علی النساء اجهار التلبیة و لا الهرولة بین الصفا والمروة ولا استلام الحجر الأسود ولا دخول الكعبة ولا الحلق انما یقصرون من شعورهن …

بحار الأنوار 96/ 189.

24ـ قال الإمام الصادق (علیه السلام:

لله تبارك وتعالی حول الكعبة عشرون ومائة رحمة منها ستون للطائفین واربعون للمصلین وعشرون للناظرین.

بحار الأنوار 96/ 202.

25ـ قال الإمام الصادق (علیه السلام)

ان اسماعیل دفن أمه في الحجر وجعل له حائطاً لئلا یوطا قبرها.

بحار الأنوار 96/ 204.

26ـ قال الإمام الصادق (علیه السلام):

یستحب ان تطوف ثلاث مائة وستین اسبوعا عدد ایام السنة، فإن لم تستطع فما قدرت علیه من الطواف.

بحار الأنوار 96/ 204.

27ـ قال رسول الله (صلی الله علیه وآله)

طوفوا بالبیت واستلموا الركن، فإنه یمین الله في ارضه یصافح بها خلقه.

بحار الأنوار 96/ 220.

28ـ قال الإمام الباقر (علیه السلام)

صلاة في المسجد الحرام افضل من مائة الف صلاة في غیره من المساجد.

بحار الأنوار 96/ 241.

29ـ قال رسول الله (صلی الله علیه وآله)

ماء زمزم شفاء لما شرب له.

بحار الأنوار 96/ 245.

30ـ قال الإمام الرضا (علیه السلام): كان ابو جعفر یقول:

ما من بر ولا فاجر یقف بجبال عرفات فیدعو الله الا استجاب الله له، اما البر ففي حوائج الدنیا والاخرة، وأما الفاجر ففي امر الدنیا.

بحار الأنوار 96/ 251.

31ـ قال النبي (صلی الله علیه وآله)

اعظم اهل عرفات جرما من انصرف وهو یظن انه لن یغفر له.

بحار الأنوار 96/ 248.

32ـ قال الإمام الصادق (علیه السلام) في رمي الجمار:

له بكل حصاة یرمي بها تحط عنه كبیرة موبقة.

بحار الأنوار 96/ 273.

33ـ عن علي بن جعفر عن اخیه موسی (علیه السلام) قال: سألته عن رمي الجمار لم يجعل؟ قال:

لان إبليس اللعين كان يتراءى لإبراهيم (عليه السلام) في موضع الجمار، فرجمه إبراهيم (عليه السلام)، فجرت السنة بذلك.

بحار الأنوار 96/ 273.

34ـ قال علي بن الحسین (علیه السلام) في حدیث له:

اذا ذبح الحاج كان فداه من النار.

بحار الأنوار 96/ 288.

35ـ عن جعفر عن أبیه (علیه السلام) قال:

ان الحسن والحسین كانا یأمران بدفن شعورهما بمنی.

بحار الأنوار 96/ 302.

36ـ قال النبي (صلی الله علیه وآله)

من رأی [زار] قبري حلت له شفاعتي، ومن زارني میتا فكانما زارني حیا.

بحار الأنوار 96/ 334.

37ـ عن ابراهیم بن محمود قال: رأیت الرضا (علیه السلام) ودع البیت، فلما أراد ان یخرج من باب المسجد خر ساجداً، ثم قام فاستقبل الكعبة وقال:

اللهم اني انقلب علی ان لا اله الا الله.

بحار الأنوار 96/ 370.

38ـ قال الإمام الباقر (علیه السلام)

انما امر الناس ان یأتوا هذه الاحجار فیطوفو بها، ثم یأتونا فیخبرونا بولایتهم، ویعرضوا علینا نصرهم.

بحار الأنوار 96/ 374.

39ـ قال الإمام الصادق (علیه السلام)

من لقی حاجا فصافحه كان كمن استلم الحجر.

بحار الأنوار 96/ 384.

40ـ قال رسول الله (صلی الله علیه وآله)

لا ولیمة الا في خمس: في عرس او خرس او عذار او وكار او ركاز، فأما العرس فالتزویج، و الخرس النفاس بالولد، والعذار الختان، والوكار الرجل یشتري الدار، والركاز الذي یقدم من مكة.

بحار الأنوار 96/ 384.

الإثنين, 04 تشرين2/نوفمبر 2019 14:23

استقالة الحريري.. لبنان إلى أين؟

مع إعلان رئيس الحكومة اللبنانية سعد الحريري استقالته دخل لبنان مرحلة سياسيّة جديدة تتزامن مع أزمة مالية غير مسبوقة وتحرّكات شعبية واسعة.

لا ندري الأسباب التي تقف وراء استقالة رئيس الوزراء سعد الحريري، فهل هي استجابة للضغوط الخارجيّة وبالتالي المشاركة في الانقلاب على رئيس الجمهوريّة ميشال عون، أم هي استجابة لضغط الشارع، وبالتالي هي لعبة مدروسة لامتصاص الغضب الشعبي، أم إنّه بالفعل قد وصل إلى طريق مسدود كما قال: حاولت إيجاد مخرج والعمل بصوت الناس وحماية البلد واليوم وصلت إلى طريق مسدود.

لا تزال الأجواء ضبابية، وحتى لو كانت الاستقالة هي استجابة للضغط الشعبي، إلا أنها في الحقيقة ليست باللعبة المنسّقة مع كل من رئيسي الجمهورية ومجلس النواب، الأمر الذي يدفعنا للذهاب إلى الخيار الآخر، فإما أن الرئيس الحريري قد لمس وصول الأزمة إلى نفق مسدود، وخشية خسارة الشارع السني توجّه إلى الاستقالة في ظل تحريض أطراف سنيّة عليه في طرابلس وهذه الأطراف تسعى لحرقه لدى الشارع الطرابلسي بغية الوصول إلى رئاسة الحكومة، أو أنّه بالفعل مرتبط بجهات وأجندات خارجيّة.

وبين هذا الخيار وذاك، بات الضغط اليوم على رئيس الجمهورية الذي لن يتوجّه بالطبع إلى الاستقالة، لاسيّما أنّه دعا بسرعة لاستشارات نيابية لاختيار رئيس الحكومة المكلف هذا الأسبوع، وبالتالي لم يطلب منه تصريف الأعمال.

صحيح، أن البلد كان أمام تهديد، لكنّ خطوة الحريري هذه قد نقلته من تهديد إلى آخر، كونها تبدو غير منسّقة مع بقيّة الأطراف في الحكم، خاصّة أن بعض المصادر تتحدّث عن مطالب تعجيزية يضعها الحريري للحكومة المقبلة، بالأمس، وعقب تقديم الحريري استقالته خرجت احتفالات في عدد من المناطق اللبنانية باستقالته، كما أن مناصرين لتيار المستقبل سينضمون إلى ساحة النور للمشاركة في التجمع، في حين أن بعض مناصري الحريري قاموا بقطع الطرقات في بيروت اعتراضاً على الاستقالة.

بالأمس وبعد استقالة الحكومة بدا هناك ارتياح واضح في الشارع، كما أن العديد من الأطراف السياسيّة قد دعت إلى الحوار، من هنا يسعى رئيس الجمهورية لتحويل هذا التهديد إلى فرصة.

اليوم، اتخذت القوى الأمنية قراراً بفتح جميع الطرقات ومنع المعتصمين من قطع الطرقات على الناس الذين يريدون التوجّه إلى أعمالهم، فقد أعلنت قيادة الجيش – مديرية التوجيه  في بيان أنه "إلحاقاً للبيانات السابقة التي أصدرتها قيادة الجيش، وبعد مرور ثلاثة عشر يوماً على بدء حركة الاحتجاجات والتظاهرات الشعبية والمطلبية، وتفاقم الإشكالات بين المواطنين بشكل خطير نتيجة قطع طرق حيوية في مختلف المناطق اللبنانية، وبعد التطورات السياسية الأخيرة، تطلب قيادة الجيش من جميع المتظاهرين المبادرة إلى فتح ما تبقَّى من طرق مقفلة لإعادة الحياة إلى طبيعتها ووصل جميع المناطق بعضها ببعض تنفيذاً للقانون والنظام العام، مع تأكيدها على حق التظاهر السلمي والتعبير عن الرأي المصان بموجب أحكام الدستور وبحمى القانون، وذلك في الساحات العامة فقط".

إذن، الآن بعد فتح الطرقات يبدو أن هناك طاقة أمل للحلحة في الشارع، ولكن ماذا عن الأزمة المالية؟ ماذا عن إجراءات الورقة الإصلاحيّة؟ ماذا عن الحكومة المقبلة، نجيب بالتالي:

أوّلاً: بدا واضحاً أن الرئيس الحريري استخدم سياسة الحبال، في ظل المعلومات التي تتحدّث عن جلسات سريّة عقدها مع مجموعات في الحراك للبحث في خيار حكومة التكنوقراط، وبطبيعة الحال دون أن يستثني نفسه من رئاسة هذه الحكومة. وبالتالي بدت الاستقالة بالأمس وكأنها محاولة للخروج من شعار "كلن يعني كلن"، حبال الرئيس الحريري لم تتوقف عند هذا الحد بل تحدّثت مصادر في 8 آذار عن محاولات من قبله لإخراج باسيل من الحكومة، كما قال أمام أحدهم أنه لم يعد قادراً على تحمّل باسيل والتعامل معه.

لماذا يريد إخراج باسيل؟ هل بسبب موقفه من المقاومة والعلاقة مع سوريا؟ من هي الجهة التي ستحصل على وزارة الخارجيّة؟ وهل سيتمّ تجيير هذه الوزارة لمصالح إقليمية أو أمريكية؟

ثانياً: لا يحقّ للحريري بسبب خلافه الشخصي، أو حتى خلاف داعميه الإقليميين والدوليين، مع الوزير جبران باسيل أن يُدخل البلد في المجهول، ألم يكن الحريري-وباسيل الحليفين الأقوى في الحكومة خلال الفترة الماضيّة، ألم يسبّب تناغمهما امتعاضاً للعديد من الأطراف السياسية اللبنانيّة؟ ألا تدل استقالة الحريري على تماهٍ مع الضغوط الخارجيّة؟ لماذا لم يلزم الجيش والقوى الأمنية بفتح الطرقات ومحاسبة الذين يسبّبون الفوضى؟ ألم تكن هذه الخطوة أيضاً ضدّ باسيل وفق ما تحدّثت مصادر إعلاميّة؟

ثالثاً: يبدو أن سياسة الأحلاف ستشتد في المرحلة المقبلة، فقد نكون أمام تحالف ثلاثي بين جعجع والحريري وجنبلاط، ومقابل تحالف ثلاثي آخر بين التيار وحزب الله وحركة أمل، ففي حين سارع النائب السابق وليد جنبلاط إلى الترحيب بالاستقالة، قال رئيس حزب القوات سمير جعجع: "حسناً فعل الرئيس سعد الحريري بتقديم استقالته واستقالة الحكومة تجاوباً مع المطلب الشعبي العارم بذلك".

رابعاً: الأهم من ذلك كله، أن تسقط ثمار التظاهرات الشعبية في فخوخ المصالح السياسيّة، فإن أي خلاف سياسي اليوم يعني، استمرار الحقبة السابقة، والقضاء على أكبر فرصة إصلاحية في تاريخ لبنان الحديث.

لا يمكن لأحد أن يجزم بوضع المرحلة المقبلة، لكن ما هو واضح وجود سلسلة من الاجتماعات بين التيار الوطني الحر وحزب الله وحركة أمل لوضع التصورات الممكنة لمواجهة المرحلة المقبلة.

المصدر: الوقت

يری الكثير من المتابعين للتظاهرات المستمرة في العراق ان تنحي رئيس الوزراء في الوقت الراهن، لن يحل مشاكل المتظاهرين الذين نزلوا الی الشارع لتحقيق مطالب خدمية ليست لها علاقة بالسياسة.

ويؤكد اعلاميون ان عادل عبدالمهدي ليس المسؤول عن ما تعاني منه منظومة الحكم في العراق، لأنه ورث هذه المنظومة ولم يخلقها.

ويعتقد سياسيون عراقيون ان اعفاء عبدالمهدي في الوقت الحالي سوف يسوق البلد الی المجهول.

وبيّن اعلاميون ان فشل الاحزاب السياسية طيلة السنوات الماضية أدی الی انفجار الشارع العراقي ضد الاشخاص الذين اختاروهم نوابا ووزراءا لهم طيلة هذه السنوات.

ويضيف اعلاميون ان الغضب الشعبي من الطبقة السياسية الحاكمة أدی الی مطالبة تغيير النظام من برلماني الی رئاسي.

ويری محللون سياسيون ان تغيير النظام السياسي دون تنظيف الدستور وتطهير العملية السياسية من الاثار الاجنبية السلبية والالغام الاميركية في الدستور العراقي، لن يخدم البلد ويشكل عودة للمربع الاول.

في حين يری اعلاميون ان الوجود الاميركي في العراق تبخر بفعل الشعارات المناهضة لامريكا و"اسرائيل" والبعث التي تكررت بين المتظاهرين وخاصة الشباب.

ويقول سياسيون حضروا التظاهرات العراقية ان هنالك توجيه من جهات تحاول اسقاط النظام بشخوصه واحزابه من أجل سوق البلد الی المجهول.

وأكد محللون سياسيون علی ضرورة تشكيل تيار دعم لعادل عبدالمهدي ليواجه الفاسدين الذين يضغطون علیه. لان الضغط علی عبدالمهدي يأتي من أطراف تحتال علی الشارع، كالاطراف التي لها نواب في البرلمان وفي نفس الوقت تشارك في التظاهرات.

ما رأيكم:

هل يجدي تنحي رئيس الوزراء في الوقت الحالي في حل الازمة ؟

هل ستنتهي ضغوط المتظاهرين علی الحكومة الی تغيير النظام السياسي ؟

أي نظام سياسي هو الأنسب للعراق؛ النظام البرلماني ام النظام الرئاسي ؟

المصدر: العالم

يبدو ان الازمة التي يمر بها العراق تتجه نحو حللة محتملة، إثر اعتراف جميع الاطراف الفاعلة والمؤسسة للعملية السياسية والنظام السياسي، بوجود ضعف بنوي في النظام يقتضي معالجته بأسرع وقت، وان الفضل في هذا الاعتراف المتأخر يعود للشارع العراقي الذي دفع وحده ضريبة الخلل في العملية السياسية.

الكل متفق على ان التظاهرات التي تشهدها محافظات وسط وجنوب العراق اضافة الى محافظة بغداد، خرجت من رحم الاهمال والمعاناة، التي كان نتيجة طبيعية للنظام السياسي الذي تم تاسيسه لا ليوحد العراقيين، بل ليفرقهم ويحول دون اتفاقهم حتى على ميزانية محافظة، الامر الذي شل اداء العمل الحكومي، هذا اذا اضفنا اليه ظاهرة الفساد التي انشبت اظفارها في جميع مفاصل الدولة.

عقلاء العراق وفي مقدمتهم المرجعية الدينية العاليا، وضعوا اصابعهم على وجع العراقيين، وهو الوجع الذي يجب معالجته قبل فوات الاوان، لاسيما بعد ظهور بوادر لا يمكن انكارها، تؤكد ان هناك جهات تحاول ركوب موجة التظاهرات المطلبية الحقة بهدف دفع العراقيين الى الاحتراب والاقتتال والفوضى، ويكفي نظرة سريعة الى التغطية الاعلامية لما يجري في العراق من قبل قنوات "الحرة" الامريكية و "العربية" و"الحدث" السعوديتين و "اسكاي نيوز العربية" الاماراتية ، والذباب الالكتروني التابع للسفارة الامريكية في بغداد والذباب الالكتروني السعودي والاماراتي، و وسائل الاعلام البعثية والداعشية، للتأكد من هذه الحقيقية، فهذه الجهات بالاضافة الى الاعلام الصهيوني، لا تعترف باي اصلاح وترفض كل الحلول التي يتقدم بها العقلاء من العراقيين لابعاد العراق عن حافة الهاوية، فتراها تبث الشائعات وتحرض العراقيين على بعضهم البعض وتشكك بكل خطوة اصلاحية مهما كانت مهمة وجادة.

على الرغم من كل محاولات التحالف الامريكي الصهيوني السعودي واذنابهم في الداخل، فلول البعث وايتام صدام والدواعش، لدفع الاوضاع في العراق نحو الفوضى، نرى ان الشارع العراقي ادار لهم ظهره ، وحافظ المتظاهرون على سليمة تظاهرهم، لاسيما بعد ان اوصل المتظاهرون مطالبهم وبشكل واضح للمسؤولين الذين بدأوا ولاول مرة في التجاوب معها وبشكل لافت، وهي مطالب كانت قد اكدت عليها المرجعية الدينية من قبل، ولكن للاسف الشديد لم تجد تجوبا من قبل الحكومات المتعاقبة.

خلال الساعات ال24 الماضية اطلقت ثلاث قوى مؤثرة على الساحة العراقية مواقفها والتي جاءت متقاربة، اكدت جميعها على ضرورة ايجاد حل عاجل يحقق للمتظاهرين مطالبهم ويحمي العراق من الانزلاق نحو الفوضى، فمن مدينة كربلاء المقدسة حذر المرجع الديني الأعلى السيد علي السيستاني من التدخلات الدولية والاطراف الاقليمية ومصادرة ارادة العراقيين داعيا الى احترام ارادة الشعب في تحديد النظام السياسي والتعاون في تحقيق الاستقرار منددا في اعمال التخريب التي طالت الممتلكات العامة والخاصة، من جانبه وجه الحشد الشعبي رسالة إلى المتظاهرين اكد فيها وقوفه مع المتظاهرين ودعم مطالبهم المحقة وشعاراتهم الوطنية ، محذرا من ارادات اجنبية وعناصر دخيلة واهواء سياسية تتربص بالتظاهرات وتدفع العراق نحو حافة الهاوية، اما رئيس تحالف "الفتح" السيد هادي العامري، فتطرق الى تفاصيل ما يعتبره حلولا جذرية لما يعانيه العراق، حيث رأى ان الحل الحقيقي يكمن في ضرورة اعادة صياغة العملية السياسية من جديد تحت سقف الدستور ومن خلال اجراء تعديلات دستورية جوهرية، معتبرا النظام البرلماني ثبت فشله ولم يعد يجدي نفعا ولابد من تعديله الى نظام آخر يناسب حال العراقيين ، كما دعا الى الغاء مجالس المحافظات وان يكون انتخاب المحافظ مباشرة من قبل الشعب.

على صعيد تنفيذ الاصلاحات وتوجيهات المرجعية الدينية العليا، أعلن رئيس البرلمان محمد الحلبوسي،عن إلتزامه الكامل بالخارطة التي وضعتها المرجعية بشأن مطالب المتظاهرين، مؤكدا أن مجلس النواب سيكون في حالة انعقاد دائم للإسراع بتنفيذها، فيما تعهد بتحقيق مطالب الشعب دون ضغط خارجي ودون فرض إرادات شخصية أو حزبية.

وفي ذات الصعيد ، اعلنت هيئة النزاهة في العراق عن صدور أوامر قبض واستقدام بحق وزير وخمسة نواب حاليين ووزيرين سابقين و38 عضو مجلس محافظة من الأعضاء الحاليين والسابقين، ومحافظ واحد واثنين بمنصب رئيس مجلس محافظة من الحاليين، فضلاً عن (6) مديرين عامين ووكيل وزير واحد.

اما الاخبار التي تتسرب من وراء كواليس ما يجري بشأن مستقبل حكومة رئيس الوزراء عادل عبدالمهدي، فتؤكد ان هناك قنوات مفتوحة ونشطة بين تحالفي "فتح" و"سائرون" للتوصل الى صيغة تحول دون ادخال البلاد في فراغ يمكن ان يعقد الاوضاع اكثر مما هي معقدة، ويبدو ان استقالة عبدالمهدي اصبحت من الماضي.

في المقابل، يبدو ان اخبار التعاطي الايجابي للحكومة والقوى المؤثرة مع مطالب الشعب لم ترق للجهات التي تدفع بالتظاهرات نحو الفوضى ، فخلال الساعات القليلة الماضية ، حذر ناشطون، من قيام الذباب الالكتروني التابع للسفارة الامريكية إطلاق إشاعة تتهم القوات الامنية بارتكاب "مجزرة" على جسر السنك، لافتين الى أن هدف ذلك هو تأجيج روح الانتقام لدى الشباب المتظاهرين ودفعهم للثأر من القوات الأمنية وتفجير الأوضاع.

وفي ذات السياق الانتقامي من المتظاهرين السلميين وتعكير صفو الاجواء ، اعلنت مديرية الحشد الشعبي عن استشهاد احد كوادر طبابة الحشد الشعبي في قضاء الشطرة التابعة لمحاظة الناصرية ، الشهيد فالح جابر ابو سجاد، الذي تعرض لاطلاق نارمن قبل عناصر مندسة في التظاهرات التي حدثت في القضاء.

ان الاوضاع الخطيرة التي يمر بها العراق حاليا تضع العراق ، حكومة وشعبا امام مسؤولياتهم التاريخية، والتي تحكم عليهم التعامل بحذر وحكمة وحنكة ، يفوت الفرصة على المتربصين بالعراق واهله الدوائر، ولكن لا يجب ان يحول هذا الحذر من ان يستمر المتظاهرون بالضغط على الحكومة لتحقيق مطالبهم الحقة، كما لا يجب ان يحول دون ان تنفذ الحكومة وعودها بالاصلاح الفوري والعاجل ومكافحة الفساد والفاسدين.

العالم - جمال كامل

الأحد, 03 تشرين2/نوفمبر 2019 08:31

عقيدتنا في الملائكة

الآيات قرآنية:
1- وجوب الإيمان بالملائكة:
1 ـ ﴿وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آَمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ﴾‏([1]).
2 ـ ﴿مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِلهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ فَإِنَّ اللهَ عَدُوٌّ لِلْكَافِرِينَ﴾‏([2]).
3 ـ ﴿وَمَنْ يَكْفُرْ بِاللهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدً﴾([3]).

2- عصمة الملائكة:
4 ـ ﴿عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ﴾([4]).
5 ـ ﴿وَالْمَلَائِكَةُ وَهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ * يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ﴾([5]).

3- حملة العرش:
6 ـ ﴿الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ﴾([6]).

4- رسل الله إلى أنبيائه وأصفيائه:
7 ـ ﴿اللَهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا وَمِنَ النَّاسِ إِنَّ اللهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ﴾([7]).
8 ـ ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ جَاعِلِ الْمَلَائِكَةِ رُسُلً﴾([8]).
9 ـ ﴿بِأَيْدِي سَفَرَةٍ * كِرَامٍ بَرَرَةٍ﴾([9]).
10 ـ ﴿قَالَ إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلَامًا زَكِيًّ﴾ ([10]).

5- نزولهم بالوحي:
11 ـ ﴿وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ  * نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ﴾ ([11]).
12 ـ ﴿قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ لِيُثَبِّتَ الَّذِينَ آَمَنُوا وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ﴾ ([12]).

6- نزولهم بالتقدير:
13 ـ ﴿تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ﴾ ([13]).

7- الملائكة المقربون:
14 ـ ﴿لَنْ يَسْتَنْكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْدًا لِلهِ وَلَا الْمَلَائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ﴾ ([14]).

8- قبضهم الأرواح:
15 ـ ﴿قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ﴾ ([15]).
16 ـ ﴿الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلَامٌ عَلَيْكُمُ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾([16]).
17 ـ ﴿حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لَا يُفَرِّطُونَ﴾ ([17]).

9- إستغفارهم للمؤمنين:
18 ـ ﴿وَالْمَلَائِكَةُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَنْ فِي الْأَرْضِ أَلَا إِنَّ اللهَ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ﴾ ([18]).
19 ـ ﴿الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آَمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ * رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدْتَهُمْ وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آَبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾ ([19]).

10- نصرتهم للمؤمنين:
20 ـ ﴿إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ﴾([20]).
21 ـ ﴿إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلَائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آَمَنُو﴾ ([21]).
22 ـ ﴿بَلَى إِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا وَيَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ هَذَا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ آَلَافٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُسَوِّمِينَ﴾ ([22]).

11- التمثل بصورة إنسان:
23 ـ ﴿فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّ﴾ ([23]).
24 ـ ﴿وَهَلْ أَتَاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرَابَ﴾ ([24]).
25 ـ ﴿وَلَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَى قَالُوا سَلَامًا قَالَ سَلَامٌ فَمَا لَبِثَ أَنْ جَاءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ﴾ ([25]).

12- لا يفترون عن الذكر:
26 ـ ﴿يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لَا يَفْتُرُونَ﴾ ([26]).

13- المعقّباتُ الحَفَظَة:
27 ـ ﴿وَيُرْسِلُ عَلَيْكُمْ حَفَظَةً﴾ ([27]).
28 ـ ﴿لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللهِ﴾ ([28]).

14- كَتَبَةُ الأعمال:
29 ـ ﴿إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ  * مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ﴾ ([29]).
30 ـ ﴿وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ * كِرَامًا كَاتِبِينَ * يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ﴾ ([30]).

15- خَزَنَةُ النّار:
31 ـ ﴿عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ * وَمَا جَعَلْنَا أَصْحَابَ النَّارِ إِلَّا مَلَائِكَةً وَمَا جَعَلْنَا عِدَّتَهُمْ إِلَّا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُو﴾ ([31]).
32 ـ ﴿سَنَدْعُ الزَّبَانِيَةَ﴾ ([32]).
33 ـ ﴿عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ﴾ ([33]).

16- خَزَنَةُ الجنّة:
34 ـ ﴿جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آَبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَالْمَلَائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ * سَلَامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ﴾ ([34]).
35 ـ ﴿وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ﴾ ([35]).

روايات معتـبرة ســنداً:        
1 ـ روى الشيخ الكليني عن مُحَمَّد بْن يَحْيَى، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ بَزِيعٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْفُضَيْلِ، عَنْ أَبِي الصَّبَّاحِ الْكِنَانِيِّ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ «عليه السلام» قَالَ:
«سَمِعْتُه يَقُولُ: والله، إِنَّ فِي السَّمَاءِ لَسَبْعِينَ صَفّاً مِنَ الْمَلَائِكَةِ، لَوِ اجْتَمَعَ أَهْلُ الأَرْضِ كُلُّهُمْ يُحْصُونَ عَدَدَ كُلِّ صَفٍّ مِنْهُمْ مَا أَحْصَوْهُمْ، وإِنَّهُمْ لَيَدِينُونَ بِوَلَايَتِنَا» ([36]).

2 ـ روى الشيخ الطوسي عن مُحَمَّد بْن مُحَمَّدٍ، عن أَبي الْقَاسِمِ جَعْفَر بْن مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ سَعْدِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ مَحْبُوبٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ رِئَابٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ «عليه السلام»، قَالَ:
«مَا خَلَقَ اللهُ خَلْقاً أَكْثَرَ مِنَ الْمَلَائِكَةِ، وَإِنَّهُ لَيَنْزِلُ كُلَّ يَوْمٍ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ، فَيَأْتُونَ الْبَيْتَ الْمَعْمُورَ، فَيَطُوفُونَ بِهِ، فَإِذَا هُمْ طَافُوا بِهِ نَزَلُوا فَطَافُوا بِالْكَعْبَةِ، فَإِذَا طَافُوا بِهَا أَتَوْا قَبْرَ النَّبِيِّ «صلى الله عليه وآله» فَسَلَّمُوا عَلَيْهِ، ثُمَّ أَتَوْا قَبْرَ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ «عليه السلام» فَسَلَّمُوا عَلَيْهِ، ثُمَّ أَتَوْا قَبْرَ الْحُسَيْنِ «عليه السلام» فَسَلَّمُوا عَلَيْهِ، ثُمَّ عَرَجُوا، وَيَنْزِلُ مِثْلُهُمْ أَبَداً إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ» ([37]).

3 ـ محمد بن الحسن الصفار، عن مُحَمَّد بْن الْحُسَيْنِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ أَبِي الْبِلَادِ، عَنْ سَدِيرٍ الصَّيْرَفِيِّ قَالَ:
«كُنْتُ بَيْنَ يَدَيْ أَبِي عَبْدِ اللهِ «عليه السلام» أَعْرِضُ عَلَيْهِ مَسَائِل‏...
فَقَالَ «عليه السلام»: نَعَمْ، إِنَّ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُقَرَّبِينَ‏ وَغَيْرَ مُقَرَّبِين»‏ ([38]).

4 ـ روى الشيخ الكليني عن عدةٍ من أصحابهِ عن أَحْمَد بْن مُحَمَّدٍ، عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ فَضَالَةَ بْنِ أَيُّوبَ، عَنِ الْعَلَاءِ بْنِ رَزِينٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ، عَنْ أَحَدِهِمَا «عليهما السلام» قَالَ:
«وسُئِلَ عَنْ لَيْلَةِ الْقَدْرِ، فَقَالَ: تَنْزِلُ فِيهَا الْمَلَائِكَةُ والْكَتَبَةُ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا، فَيَكْتُبُونَ مَا يَكُونُ فِي أَمْرِ السَّنَةِ، ومَا يُصِيبُ الْعِبَادَ، وأَمْرُه عِنْدَه مَوْقُوفٌ لَه، وفِيه الْمَشِيئَةُ، فَيُقَدِّمُ مِنْه مَا يَشَاءُ، ويُؤَخِّرُ مِنْه مَا يَشَاءُ، ويَمْحُو ويُثْبِتُ وعِنْدَه أُمُّ الْكِتَابِ»‏([39]).

5 ـ روى الشيخ الكليني عن عِدَّة مِنْ أَصْحَابِه، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ سَعِيدٍ، عَنِ النَّضْرِ بْنِ سُوَيْدٍ، عَنْ يَحْيَى الْحَلَبِيِّ، عَنْ أَبِي الصَّبَّاحِ الْكِنَانِيِّ، عَنْ أَبِي بَصِيرٍ قَالَ:
«سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ الله «عليه السلام» عَنْ قَوْلِ الله تَبَارَكَ وتَعَالَى:﴿وكَذلِكَ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنا ما كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتابُ ولَا الإِيمانُ﴾([40]).
قَالَ: خَلْقٌ مِنْ خَلْقِ الله عَزَّ وجَلَّ، أَعْظَمُ مِنْ جَبْرَئِيلَ ومِيكَائِيلَ، كَانَ مَعَ رَسُولِ الله «صلى الله عليه وآله» يُخْبِرُه ويُسَدِّدُه، وهُوَ مَعَ الأَئِمَّةِ مِنْ بَعْدِه»([41]).

6 ـ روى الشيخ الكليني عن مُحَمَّد بْن يَحْيَى، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ فُضَيْلٍ، عَنْ أَبِي الصَّبَّاحِ الْكِنَانِيِّ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ «عليه السلام» قَالَ:
«...ومَا خَلَقَ الله عَزَّ وجَلَّ خَلْقاً أَكْرَمَ عَلَى الله عَزَّ وجَلَّ مِنَ الْمُؤْمِنِ، لأَنَّ الْمَلَائِكَةَ خُدَّامُ الْمُؤْمِنِينَ»([42]).

7 ـ روى الشيخ الكليني عن محمد بن يحيى، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ سَعِيدٍ، عَنِ النَّضْرِ بْنِ سُوَيْدٍ، عَنْ عَبْدِ الله بْنِ سِنَانٍ، عَنْ حَفْصِ بْنِ الْبَخْتَرِيِّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ «عليه السلام» قَالَ:
«إِذَا كَانَ يَوْمُ الْجُمُعَةِ نَزَلَ الْمَلَائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ مَعَهُمْ قَرَاطِيسُ مِنْ فِضَّةٍ، وأَقْلَامٌ مِنْ ذَهَبٍ، فَيَجْلِسُونَ عَلَى أَبْوَابِ الْمَسْجِدِ، عَلَى كَرَاسِيَّ مِنْ نُورٍ، فَيَكْتُبُونَ النَّاسَ عَلَى مَنَازِلِهِمُ.. الأَوَّلَ، والثَّانِيَ، حَتَّى يَخْرُجَ الإِمَامُ، فَإِذَا خَرَجَ الإِمَامُ طَوَوْا صُحُفَهُمْ، ولَا يَهْبِطُونَ فِي شَيْءٍ مِنَ الأَيَّامِ، إِلَّا فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ. يَعْنِي الْمَلَائِكَةَ الْمُقَرَّبِينَ([43]).

8 ـ روى الشيخ الكليني عن علي بن إبراهيم، عَنْ أَبِيه، عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ، عَنْ حَمَّادٍ، عَنِ الْحَلَبِيِّ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الله «عليه السلام» قَالَ:
«إِذَا أَذَّنْتَ وأَقَمْتَ صَلَّى خَلْفَكَ صَفَّانِ مِنَ الْمَلَائِكَةِ، وإِذَا أَقَمْتَ صَلَّى خَلْفَكَ صَفٌّ مِنَ الْمَلَائِكَةِ([44]).

9 ـ روى الشيخ الصدوق عن أبيه، عن سَعْد بْن عَبْدِ اللهِ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ، عَنْ يُونُسَ بْنِ يَعْقُوبَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مَرْوَانَ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ «عليه السلام» قَالَ:
إِنَّ لِلهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى مَلَائِكَةً، أَنْصَافُهُمْ مِنْ بَرَدٍ، وَأَنْصَافُهُمْ مِنْ نَارٍ، يَقُولُونَ: يَا مُؤَلِّفاً بَيْنَ الْبَرَدِ وَالنَّارِ، ثَبِّتْ قُلُوبَنَا عَلَى طَاعَتِكَ([45]).

10 ـ روى الشيخ الصدوق عن أبيه، عن سَعْد بْن عَبْدِ اللهِ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنِ الْحَسَنِ‏ بْنِ عَلِيٍّ الْوَشَّاءِ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ عَائِذٍ، عَنْ أَبِي خَدِيجَةَ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ «عليه السلام» قَالَ:
«قُلْتُ لَهُ: لِمَ سُمِّيَ الْبَيْتُ الْعَتِيقَ؟!
قَالَ: إِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ أَنْزَلَ الْحَجَرَ الْأَسْوَدَ لآِدَمَ مِنَ الْجَنَّةِ، وَكَانَ الْبَيْتُ دُرَّةً بَيْضَاءَ، فَرَفَعَهُ اللهُ إِلَى السَّمَاءِ، وَبَقِيَ أُسُّهُ، فَهُوَ بِحِيَالِ هَذَا الْبَيْتِ، يَدْخُلُهُ كُلَّ يَوْمٍ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ، لَا يَرْجِعُونَ إِلَيْهِ أَبَداً»([46]).

11 ـ روى الشيخ الكليني عن عَلِي بْن إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَبِيه، عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ، عَنْ حَمَّادٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الله «عليه السلام» قَالَ:
«مَا مِنْ قَلْبٍ إِلَّا ولَه أُذُنَانِ، عَلَى إِحْدَاهُمَا مَلَكٌ مُرْشِدٌ، وعَلَى الأُخْرَى شَيْطَانٌ مُفْتِنٌ.. هَذَا يَأْمُرُه، وهَذَا يَزْجُرُه.
الشَّيْطَانُ يَأْمُرُه بِالْمَعَاصِي، والْمَلَكُ يَزْجُرُه عَنْهَا، وهُوَ قَوْلُ الله عَزَّ وجَلَّ: ﴿عَنِ الْيَمِينِ وعَنِ الشِّمالِ قَعِيدٌ % ما يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْه رَقِيبٌ عَتِيدٌ﴾ ([47]).

12 ـ روى الشيخ الكليني عن عِدَّة مِنْ أَصْحَابِه، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ أَبِي عَبْدِ الله، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي نَجْرَانَ، عَنْ صَفْوَانَ الْجَمَّالِ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الله «عليه السلام» قَالَ:
«مَنْ عَادَ مَرِيضاً مِنَ الْمُسْلِمِينَ، وَكَّلَ الله بِه أَبَداً سَبْعِينَ أَلْفاً مِنَ الْمَلَائِكَةِ يَغْشَوْنَ رَحْلَه، ويُسَبِّحُونَ فِيه، ويُقَدِّسُونَ، ويُهَلِّلُونَ، ويُكَبِّرُونَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ نِصْفُ صَلَاتِهِمْ لِعَائِدِ الْمَرِيضِ»([48]).

13 ـ روى الشيخ الكليني عن عدة من أصحابه عن سَهْل بْن زِيَادٍ وعَلِي بْن إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَبِيه جَمِيعاً، عَنِ ابْنِ مَحْبُوبٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ رِئَابٍ، قَالَ:
«سَمِعْتُ أَبَا الْحَسَنِ الأَوَّلَ «عليه السلام» يَقُولُ: إِذَا مَاتَ الْمُؤْمِنُ بَكَتْ عَلَيْه الْمَلَائِكَةُ»([49]).

14 ـ روى الشيخ الكليني عن مُحَمَّد بْن الْحَسَنِ وعَلِيّ بْن مُحَمَّدٍ، عَنْ سَهْلِ بْنِ زِيَادٍ ومُحَمَّد بْن يَحْيَى، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ جَمِيعاً، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ الأَشْعَرِيِّ، عَنْ عَبْدِ الله بْنِ مَيْمُونٍ الْقَدَّاحِ وعَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَبِيه، عَنْ حَمَّادِ بْنِ عِيسَى، عَنِ الْقَدَّاحِ عَنْ أَبِي عَبْدِ الله «عليه السلام» قَالَ:
«قَالَ رَسُولُ الله «صلى الله عليه وآله» مَنْ سَلَكَ طَرِيقاً يَطْلُبُ فِيه عِلْماً سَلَكَ الله بِه طَرِيقاً إِلَى الْجَنَّةِ، وإِنَّ الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ الْعِلْمِ رِضًا بِه»([50]).

15 ـ روى الشيخ الطوسي بإسناده إلى أَحْمَد بْن مُحَمَّدٍ، عَنِ الْبَرْقِيِّ، عَنِ النَّوْفَلِيِّ، عَنِ السَّكُونِيِّ، عَنْ جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَلِيٍّ «عليه السلام»‏:
«أَنَّهُ اشْتَكَى عَيْنَهُ، فَعَادَهُ رَسُولُ اللهِ «صلى الله عليه وآله»، فَإِذَا عَلِيٌّ «عليه السلام» يَصِيحُ، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ «صلى الله عليه وآله»: أَجَزَعاً، أَمْ وَجَعاً يَا عَلِيُّ؟
قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، مَا وَجِعْتُ وَجَعاً قَطُّ أَشَدَّ مِنْهُ.
قَالَ: يَا عَلِيُّ، إِنَّ مَلَكَ الْمَوْتِ إِذَا نَزَلَ لِيَقْبِضَ رُوحَ الْفَاجِرِ نَزَلَ مَعَهُ بِسَفُّودٍ([51]) مِنْ نَارٍ، فَيَنْزِعُ رُوحَهُ بِهِ فَتَصِيحُ جَهَنَّم»([52]).

16 ـ روى الشيخ الكليني عن أَبي عَلِيٍّ الأَشْعَرِيُّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْجَبَّارِ، عَنْ صَفْوَانَ بْنِ يَحْيَى، عَنْ هَارُونَ بْنِ خَارِجَةَ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الله «عليه السلام» قَالَ:
«الصَّلَاةُ وُكِّلَ بِهَا مَلَكٌ لَيْسَ لَه عَمَلٌ غَيْرُهَا، فَإِذَا فُرِغَ مِنْهَا قَبَضَهَا، ثُمَّ صَعِدَ بِهَا»([53]).

17 ـ روى الشيخ الكليني عن مُحَمَّد بْن يَحْيَى، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى، عَنِ ابْنِ فَضَّالٍ، عَنْ عَبْدِ الله بْنِ بُكَيْرٍ، عَنْ فُضَيْلِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الله «عليه السلام» قَالَ:
«مَنْ عَادَ مَرِيضاً شَيَّعَه سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ يَسْتَغْفِرُونَ لَه حَتَّى يَرْجِعَ إِلَى مَنْزِلِه»([54]).

18 ـ روى الشيخ الكليني عن عَلِيّ بْن إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَبِيه عَنِ النَّوْفَلِيِّ، عَنِ السَّكُونِيِّ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الله «عليه السلام» قَالَ:
«قَالَ النَّبِيُّ «صلى الله عليه وآله»: مَنْ أَرَادَ شَيْئاً مِنْ قِيَامِ اللَّيْلِ وأَخَذَ مَضْجَعَه، فَلْيَقُلْ: بِسْمِ الله، اللَّهُمَّ لَا تُؤْمِنِّي مَكْرَكَ، ولَا تُنْسِنِي ذِكْرَكَ، ولَا تَجْعَلْنِي مِنَ الْغَافِلِينَ.. أَقُومُ سَاعَةَ كَذَا وكَذَا، إِلَّا وَكَّلَ اللهُ عَزَّ وجَلَّ بِه مَلَكاً يُنَبِّهُه تِلْكَ السَّاعَةَ([55]).

19 ـ روى الشيخ المفيد عن أَبي جَعْفَرٍ مُحَمَّد بْن عَلِيِّ بْنِ مُوسَى، عَنْ أَبِيه، عَنْ عَلِيّ بْن إِبْرَاهِيمَ بْنِ هَاشِمٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ، عَنْ أَبَانِ بْنِ عُثْمَانَ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ «عليه السلام» قَالَ:
«إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ جَمَعَ اللهُ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ، ثُمَّ أَمَرَ مُنَادِياً، فَنَادَى:‏ غُضُّوا أَبْصَارَكُمْ، وَنَكِّسُوا رُءُوسَكُمْ، حَتَّى تَجُوزَ فَاطِمَةُ ابْنَةُ مُحَمَّدٍ «صلى الله عليه وآله» الصِّرَاطَ.
قَالَ: فَتَغُضُّ الْخَلَائِقُ أَبْصَارَهُمْ، فَتَأْتِي فَاطِمَةُ «عليها السلام» عَلَى نَجِيبٍ مِنْ نُجُبِ الْجَنَّةِ، يُشَيِّعُهَا سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَك([56])‏.

20 ـ روى الشيخ الكليني عن علِيّ بْن إِبْرَاهِيم عَنْ أَبِيه عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ سَالِمٍ قَالَ:
«قَالَ أَبُو عَبْدِ الله «عليه السلام»: مَا مِنْ أَهْلِ بَيْتِ شَعْرٍ ولَا وَبَرٍ إِلَّا ومَلَكُ الْمَوْتِ يَتَصَفَّحُهُمْ فِي كُلِّ يَوْمٍ خَمْسَ مَرَّاتٍ([57]).

21 ـ روى الشيخ الصدوق عن أبيه، عن علِيّ بْن إِبْرَاهِيم عَنْ أَبِيه، عن النوفليّ، عن السكوني، عن جَعْفرٍ بن محمّد، عن أبيه، عن آبائه «عليهم السلام» قال:
«قال رسول الله «صلى الله عليه وآله»: إذا أراد اللهُ بعبدٍ خيراً، بعثَ إليهِ مَلَكاً مِن خُزَّانِ الجنّةِ يمسحُ صدرهُ..» ([58]).

22 ـ روى الشيخ الكليني عن مُحَمَّد بْن يَحْيَى، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنِ ابْنِ مَحْبُوبٍ، عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ وَهْبٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الله «عليه السلام» قَالَ:
«أَيُّمَا مُؤْمِنٍ عَادَ مُؤْمِناً حِينَ يُصْبِحُ، شَيَّعَه سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ، فَإِذَا قَعَدَ غَمَرَتْه الرَّحْمَةُ([59]).

23 – روى الشيخ الكليني عن مُحَمَّد بْنُ يَحْيَى عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى عَنِ الْحَسَنِ بْنِ مَحْبُوبٍ عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ وَهْبٍ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّه(ع) يَقُولُ:
إِذَا تَابَ الْعَبْدُ تَوْبَةً نَصُوحاً أَحَبَّه اللَّه، فَسَتَرَ عَلَيْه فِي الدُّنْيَا والآخِرَةِ.
 فَقُلْتُ: وكَيْفَ يَسْتُرُ عَلَيْه؟  
قَالَ: يُنْسِي مَلَكَيْه مَا كَتَبَا عَلَيْه مِنَ الذُّنُوبِ([60]).
 
هذه عقيدتنا في الملائكـة:
هم عبادٌ لله، خَلَقَهُم من نور، يعملون بأمره تعالى ولا يعصونه، وقد فرض الله سبحانه الإيمان بهم، فهو لازمة لا يجوز إنكارها.
وما خلق الله تعالى خلقاً أكثر من الملائكة، فليس في السماء موضع إلا وفيه ملاك يسبّح الله ويقدّسه، ولا في الأرض شجر ولا مدر إلا وعنده ملك موكل به.
وإنّ لله ملائكة ركّعاً، وملائكة سجّداً إلى يوم القيامة.
وعلمُ الملائكةِ وأنوارهم ودرجاتهم وأعمالهم على مراتب مختلفة ومتنوعة، ولا يَرِدُ في حقّهم الغفلة، والتعب، والشّهوة، ولا يأكلون ولا يشربون، ولا يتزاوجون، فهم ليسوا ذكوراً ولا إناثاً.
وقد ذكر القرآن الكريم بالتسمية، منهم: جبرئيل، وميكائيل.
وبالوصف: ملكَ الموتِ وأعوانَه، ومنكراً ونكيراً، ومالكاً، والخَزَنَة، ورضوان، وسَدَنَة الجنان، والحَفَظَة الكرام الكاتبين، وحَمَلَة العرش، والطائفين بالبيت المعمور، والرقيب، والعتيد، ومنهم: رسل الله إلى أنبيائه، والأمناء على وحيه، والمتنزلون في ليلة القدر، ولنصرة المؤمنين، ومنهم من يتمثّل بشراً... وغيرهم.
هم معصومون عن ارتكاب المعاصي، صغيرها وكبيرها، ﴿عِبَادٌ مُكْرَمُونَ * لَا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ﴾([61]) ، إلاّ أنّهم ليسوا معصومين عن الخطأ في التقدير لقصور علمهم عن إدراك الحقائق والحكمة في أفعال الله تعالى، ومن هذا الباب كان سؤالهم ﴿أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ﴾([62]).
وجبرئيل أمين الله على وحيه، معصومٌ عن الخطأ في ما بُعث إليه، أو في ما بُعث به، فلم يغلط بالوحي مطلقاً، وإلاّ لَلَزَم الشكُّ بالرّسالة..
 
سماحة الشيخ نبيل قاووق

([1]) الآية 177 من سورة البقرة.
([2]) الآية 98 من سورة البقرة.
([3]) الآية 136 من سورة البقرة.
([4]) الآية 6 من سورة التحريم.
([5]) الآيتان 49 و 50 من سورة النحل.
([6]) الآية 7 من سورة غافر.
([7]) الآية 75 من سورة الحج.
([8]) الآية 1 من سورة فاطر.
([9]) الآيتان 15 و 16 من سورة عبس.
([10]) الآية 19 من سورة مريم.
([11]) الآيتان 192 و 193 من سورة الشعراء.
([12]) الآية 120 من سورة النحل.
([13]) الآية 4 من سورة القدر.
([14]) الآية 172 من سورة النساء.
([15]) الآية 11 من سورة السجدة.
([16]) الآية 32 من سورة النحل.
([17]) الآية 61 من سورة الأنعام.
([18]) الآية 5 من سورة الشورى.
([19]) الآيتان 7 و 8 من سورة غافر.
([20]) الآية 9 من سورة الأنفال.
([21]) الآية 12 من سورة الأنفال.
([22]) الآية 125 من سورة آل عمران.
([23]) الآية 17 من سورة مريم.
([24]) الآية 21 من سورة ص.
([25]) الآية 69 من سورة هود.
([26]) الآية 20 من سورة الأنبياء.
([27]) الآية 61 من سورة الأنعام.
([28]) الآية 11 من سورة الرعد.
([29]) الآية 18 من سورة ق.
([30]) الآيات 10 ـ 12 من سورة الإنفطار.
([31]) الآيتان 30 و 31 من سورة المدثر.
([32]) الآية 18 من سورة العلق.
([33]) الآية 6 من سورة التحريم.
([34]) الآيتان 23 و 24 من سورة الرعد.
([35]) الآية 73 من سورة الزمر.
([36]) الكافي ج1 ص437. وراجع بحار الأنوار ، ج26 ص340و341.
([37]) أمالي الطوسي، ص214، وبحار الأنوار، ج56 ص176.
([38]) بصائر الدرجات، ص47.
([39]) الكافي، ج4 ص157، ومرآة العقول، ج16 ص383.
([40]) الآية 52 من سورة الشورى.
([41]) الكافي، ج1 ص273.
([42]) الكافي، ج2 ص33، وبحار الأنوار، ج66 ص20.
([43]) الكافي، ج3 ص413، ومرآة العقول، ج15 ص341.
([44]) الكافي، ج3 ص303، ومرآة العقول، ج15 ص84.
([45]) التوحيد للصدوق، ص282، وبحار الأنوار، ج56 ص174 و 180.
([46]) علل الشرائع، ج2 ص398، وبحار الأنوار، ج55 ص57.
([47]) الآيتان 17 و 18 من سورة ق. الكافي، ج2 ص266.
([48]) الكافي، ج3 ص120، ومرآة العقول، ج13 ص275، وبحار الأنوار، ج56 ص187.
([49]) الكافي، ج3 ص254، وبحار الأنوار، ج79 ص177.
([50]) الكافي، ج1 ص34، وثواب الأعمال، ص132، وبحار الأنوار، ج1 ص164.
([51]) السفود: الحديدة التي يشوى بها اللحم.
([52]) تهذيب الأحكام، ج6 ص224.
([53]) الكافي، ج3 ص488.
([54]) الكافي، ج3 ص120.
([55]) الكافي، ج2 ص540، وبحار الأنوار، 73 ص203.
([56]) أمالي المفيد، ص130، وبحار الأنوار، ج43 ص224.
([57]) الكافي، ج3 ص256.
([58]) ثواب الأعمال، ص46، وبحار الأنوار، ج23 ص20.
([59]) الكافي، ج3 ص121، ومرآة العقول، ج13 ص275.
([60]) الكافي، ج2 ص430.
([61]) الآيتان 26 و 27 من سورة الأنبياء.
([62]) الآية 30 من سورة البقرة.

الأحد, 03 تشرين2/نوفمبر 2019 08:29

سلمان المحمدي ابن الإسلام

توفي سلمان الفارسي (رضوان الله عليه) بالمدائن سنة 35 أو 36 أو 37 أو 33، وورد في كتب تراجم الرجال أنه توفي سنة 34 من الهجرة على الأصحّ، وتوفي بالمدائن ودفن بها، وقبره معروف يزار إلى اليوم.

اسمه ونسبه
اسمه قبل الإسلام مابة بن بوذخشان بن مورسلان بن بهنوذان بن فيروز بن سهرك...

ألقابه:
يقال: سلمان الخير وسلمان المحمدي وسلمان ابن الإسلام. وروى الكشي بسنده عن الحسن بن صهيب عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: ذكر عنده سلمان الفارسي، فقال أبو جعفر: "مهلاً، لا تقولوا سلمان الفارسي، ولكن قولوا سلمان المحمدي، ذلك رجل منّا أهل البيت"...

مكاتبته من الرّق
في أسد الغابة بسنده، قال لي رسول الله (صلى الله عليه وآله): كاتب يا سلمان عن نفسك، فلم أزل بصاحبي حتى كاتبته، على أن أغرس له ثلاثمائة ودية، وعلى أربعين أوقية من ذهب. فقال النبي (صلى الله عليه وآله) للأنصار: أعينوا أخاكم بالنخل. فأعانوني بالخمس والعشر، حتى اجتمع لي، فقال لي: نقر لها، ولا تضع منها شيئاً حتى أضعه بيدي. ففعلت، فأعانني أصحابي، حتى فرغت فأتيته، فكنت آتيه بالنخلة، فيضعها ويسوّي عليها تراباً فأنصرف. والذي بعثه بالحقّ، فما ماتت منها واحدة، وبقي الذهب...

أقوال العلماء فيه:
ورد في كتاب رجال بحر العلوم للطباطبائي:
"سلمان المحمدي ابن الإسلام، أبو عبد الله مولى رسول الله (صلى الله عليه وآله) وحواريه الذي قال فيه: "سلمان منا أهل البيت". أصله من أصبهان. هاجر في طلب العلم والدين وهو صبي، وآمن بالنبي (صلى الله عليه وآله) قبل أن يبعث، وشهد معه الخندق إلى ما بعده من المشاهد، ولما قبض (صلى الله عليه وآله)، لزم أمير المؤمنين، ولم يبايع حتى أكره على البيعة. تولى حكومة المدائن في زمان عمر بأمر عليّ، وبها توفي"...

أقوال غيرنا فيه
جاء في كتاب "الاستيعاب": "سلمان الفارسي أبو عبد الله، كان خيراً فاضلاً حبراً عالماً زاهداً متقشّفاً، يقال إنه مولى رسول الله (صلى الله عليه وآله)، ويعرف بسلمان الخير، كان أصله من فارس...

مشاهده مع رسول الله (صلى الله عليه وآله)
أوّل مشاهده الخندق، وهو الذي أشار بحفره، فقال أبو سفيان وأصحابه إذ رأوه: هذه مكيدة ما كانت العرب تكيدها. وقد قيل إنّه شهد بدراً وأحداً، إلا أنه كان عبداً يومئذٍ، والأكثر أن أول مشاهده الخندق، ولم يفته بعد ذلك مشهد مع رسول الله (صلى الله عليه وآله)...

عمّن روى ومن روى عنه
روى عنه من الصحابة ابن عمر وابن عباس وأنس وأبو الطفيل وعقبه بن عامر وأبو سعيد الخدري وكعب بن عجرة من الصحابة ومن التابعين ومن بعدهم أبو عثمان النهدي...

أخباره وأحواله
قال حذيفة لسلمان: ألا نبني لك بيتاً؟ قال:لم؟ لتجعلني ملكاً وتجعل لي داراً مثل بيتك الذي بالمدائن؟ قال لا، ولكن نبني لك بيتاً من قصب ونسقفه بالبردي إذا قمت كاد أن يصيب رأسك، وإذا نمت كاد أن يصيب طرفيك. قال: فكأنك كنت في نفسي. وكان عطاؤه خمسة آلاف، فإذا خرج عطاؤه، فرقه وأكل من كسب يده. وكان يسفّ الخوص، وهو الذي أشار على رسول الله (صلى الله عليه وآله) بحفر الخندق لما جاءت الأحزاب، فلما أمر رسول الله (صلى الله عليه وآله) بحفره، احتج المهاجرون والأنصار في سلمان وكان رجلاً قويّاً، فقال المهاجرون: سلمان منّا، وقال الأنصار: سلمان منا، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): "سلمان منا أهل البيت".‍ وفي ذلك، يقول أبو فراس الحمداني:
كانت مودّة سلمان لهم رحماً ولم يكن بين نوح وابنه رحم

الرّوايات الواردة عنه
عن سلمان: "سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول: الدنيا سجن المؤمن وجنّة الكافر، وسمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول: أطول الناس شبعاً في الدنيا، أكثرهم جوعاً يوم القيامة"... وروي عنه أنه قال: "قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): خير هذه الأمّة عليّ بن أبي طالب"...

أعيان الشيعة - السيد محسن الأمين

المتحدث باسم حركة النهضة عماد الخميري يقول إنه "لم يتم بعد التكليف الرسمي لحركة النهضة بتشكيل الحكومة من طرف الرئيس قيس سعيد؛ باعتبارها الحزب الفائز في الانتخابات التشريعية".

 

حركة "النهضة" تؤكد تمسكها برئاسة الحكومة التونسية المقبلة

 

قال المتحدث الرسمي باسم حركة النهضة التونسية عماد الخميري، إن رئيس الحكومة المقبلة سيكون من الحركة، وفق ما يقره الدستور.

وأضاف الخميري، أنه "لم يتم بعد التكليف الرسمي لحركة النهضة بتشكيل الحكومة من طرف الرئيس قيس سعيد؛ باعتبارها الحزب الفائز في الانتخابات التشريعية".

وأوضح الخميري، خلال ندوة عقدتها الحركة بمقرها بالعاصمة، خصصت لتقديم وثيقة "عقد العمل الحكومي" التي أعدتها، أن رئيس الحكومة سيكون من الحركة كما يقر ذلك الدستور.

وأشار الخميري إلى أن "الحركة قد تحملت مسؤوليتها بدعوة الأطراف السياسيّة والاجتماعية إلى التشاور والتحاور حول الحكومة المقبلة على قاعدة دستور 2014، الذي ينص على أن الفائز في الانتخابات التشريعية هو من يتولى تشكيل الحكومة وترؤسها".

وأكد "ضرورة وجود عقد للحكم المشترك وبرنامج تلتقي حوله جميع الأطراف".

وحول استثناء حزبي قلب تونس والدستوري الحر من المفاوضات، أفاد الخميري بأن "قاعدة التفاوض مع الأطراف السياسية تحكمها الوعود التي تم تقديمها خلال الانتخابات، والمتمثلة أساساً في عدم التحالف مع الأطراف التي تنكر الثورة وتمجد الاستبداد أو تعلقت بها شبهات فساد".

أفادت وكالة "بلومبرغ" الأمريكية بموافقة السعودية على تقييم سعر شركة "أرامكو" للنفط بأقل من تريليوني دولار، قبيل إطلاق طرحها العام الأولي الذي سيكون الأكبر في تاريخ البلاد.

ونقلت الوكالة عن مصادر قالت إنها مطلعة على الموضوع أن السعودية قررت تقديم تنازلات في هذا الموضوع، لضمان نجاح الطرح العام الأولي للشركة العملاقة، ووافقت على تقدير ثمنها بأقل من تريليوني دولار، وهو المبلغ الذي أصر عليه ولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان.

وذكرت مصادر "بلومبرغ" أن المصارف تهدف إلى تقدير سعر الشركة بمبلغ يتراوح بين 1.6 و1.8 ترليون دولار، بعد أن أعطى بن سلمان، أمس الجمعة، الضوء الأخضر لهذه العملية القياسية لبيع الأسهم.

ويدل الاستعداد لقبول تقييم أقل، حسب الوكالة، على أن ولي العهد أعطى الأولوية لإنجاز هذه الصفقة على حساب تأكيد تقديره لسعر "أرامكو" بتريليوني دولار.

ويحتل الطرح العام الأولي لأسهم "أرامكو" مكانة مركزية في خطة "رؤية المملكة 2030" الخاصة بإصلاح الاقتصاد السعودي والتي يقودها ولي العهد.

ومن المتوقع أن تصدر السعودية إعلانا رسميا حول نيتها إجراء الطرح العام الأولي لأسهم شركة "أرامكو" في 3 نوفمبر، فيما قالت مصادر مطلعة إنها ستعرض على بورصة "تداول" السعودية في 11 ديسمبر.

وستجري عملية الاكتتاب التي تشمل 5% من أسهم الشركة على مرحلتين، تبدأ الأولى في سوق الأوراق المالية السعودية "تداول" في ديسمبر، على أن تكون المرحلة الثانية والأساسية في العام 2020 في إحدى البورصات العالمية.

وقرر ولي العهد السعودي في 2018 تأجيل الاكتتاب لأن المبالغ التي كان سيتم جمعها وفقا لحسابات المصرفيين بعد اجتماعات مع مستثمرين محتملين، كانت دون الحد المطلوب.

المصدر: بلومبرغ + وكالات