
emamian
لماذا اليمن والتخلّص من ابن سلمان أولوية بايدن؟
- قاسم عزالدين
في اختياره اليمن أولوية إدارته، يأمل بايدن تضميد جراح أميركا المتورّطة بالهزيمة فيه، لكنه في هذه الأولوية يضع نصب عينيه التخلّص من محمد بن سلمان.
- لماذا اليمن والتخلّص من ابن سلمان أولوية بايدن؟
في رسالة وقّع عليها أعضاء فريق جو بايدن، المرشّح للانتخابات الرئاسية في العام 2018، ينقل وزير الخارجية أنتوني بلينكن ومستشار الأمن القومي جيك سليفان أن "الولايات المتحدة مدينة لنفسها ولضحايا الحرب (في اليمن) بأن تتعلّم شيئاً من الكارثة".
الشيء الذي تتعلّمه إدارة بايدن من الكارثة هو الإقرار بمسؤولية أميركا في مأساة اليمن "لأسباب أخلاقية واستراتيجية"، بحسب تعبير بلينكن، الذي أخذ على عاتقه إعادة ملف الحرب على اليمن إلى وزارة الخارجية الأميركية، وإعادة العلاقة مع السعودية إلى مرحلة باراك أوباما بطي صفحة ترامب وابن سلمان.
على وجه السرعة، عيّنت إدارة بايدن المبعوث الأميركي الخاص تيم ليذر كينغ، إلى جانب فريق سياسي وعسكري، لإنجاز المهمة، وهي تأمل إعداد خريطة طريق تعيد الاعتبار إلى أميركا التي مرّغ ابن سلمان وجهها في الوحول اليمنية، ما انعكس على الداخل الأميركي، وعلى أميركا في العالم، وفي السعودية نفسها.
في هذا السياق، بدأت وزارة الخارجية الأميركية الانتقال إلى مقود العربة، بالتراجع عن تصنيف "أنصار الله" ضمن لائحة الإرهاب، وتفعيل قرار الكونغرس ومجلس الشيوخ في العام 2019، القاضي "بالانسحاب من الأعمال العدائية في اليمن".
وعلى الرغم من الإدانة الأميركية لدفاع "أنصار الله" والجيش اليمني في مأرب والجوف، وفي هجومي مطار أبها وخميس مشيط، فإن تيم ليذركينغ يبحث مع وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان ما سماه "الحل السياسي اليمني"، في إشارة إلى قطع صلة الكواليس بين ابن سلمان وجوقة ترامب.
هذا المنحى أطلق تحرّك "المبعوث الأممي" مارتن غريفيث لأول مرّة إلى إيران، طلباً للمساعدة في الضغط على "أنصار الله"، رجاءً بالتهليل لبايدن وانتظار الآمال الأميركية الموعودة، لكن طهران أرشدته إلى صنعاء التي تقرّر الحل ومواجهة العدوان، وتعيد على مسامعه المبادرة الإيرانية. في المقابل، يوضح القيادي محمد علي الحوثي أن صنعاء لا تأخذ بالأماني ما لم تذهب إدارة بايدن إلى وقف الحصار والعدوان والإقرار بخطوات عملية تدلّ على التكفير عن الجرائم.
طهران وصنعاء ترميان كرة اللهب في ملعب إدارة بايدن لحل أزمات أميركا الناتجة من مسؤوليتها في جريمة العدوان وفي أكبر كارثة إنسانية في اليمن. هذا العدوان أدّى إلى شرخ في الحزب الديمقراطي الأميركي بين جناح بيرني ساندرز الموصوف بالتقدمي اليساري، والجناح التقليدي، فضلاً عن تشقّقات أخرى يمثّلها كريس ميرفي.
هو الشرخ الذي يفرض على بايدن حلّ أزمة الحزب الديمقراطي في المقام الأوّل، أملاً بتجاوز أزمة انشقاقه، كما الأزمة التي يواجهها الحزب الجمهوري بعد سقوط ترامب، ولا سيما أن الجناح المناهض للعدوان على اليمن يعبّر عن متغيرات بنيوية في الديمغرافيا الأميركية، يدلّ عليها ثقل "الأجانب" من غير العرق الأبيض في الحياة السياسية الأميركية، وهو الذي حمل بايدن إلى الرئاسة على ظهر كسر زحف العنصرية البيضاء.
أزمة أميركا الأخرى التي يأمل بايدن تخفيف حدّتها في الإطار نفسه هي المسؤولية عن تمريغ وجهها في الوحول اليمنية، ليس فقط أمام الحزب الديمقراطي والأميركيين "الأجانب" فحسب، بل أمام شعوب العالم أيضاً، وفي مقدمتها الشعوب الأوروبية.
إن الولايات المتحدة هي التي غطّت مشاركة الحكومات الأوروبية في الجرائم بمعيّة ترامب، وما أن تخفّف التغطية بالكلام حتى الآن، يُصدر البرلمان الأوروبي قراراً يدعو فيه الاتحاد الأوروبي إلى الالتزام بوقف إمدادات العدوان بالسلاح، وإلى العمل لانسحاب السعودية والإمارات من اليمن.
الأزمة الأعم الأكثر عمقاً التي كشفت عنصرية أميركا في داخلها وخارجها، هي فقدان ما يسميه بايدن "القيَم الأميركية"، فهذه القيَم المتمثّلة بأطروحات حقوق الإنسان والحريات الفردية والديمقراطية الأميركية... هي سلاح ماضٍ في أيدي الإدارة الأميركية، لإشاحة النظر عن نتائج نموذج التوحّش الأميركي في بؤس البشرية وتهديد حياة الكوكب.
هي سلاح تغطية من جهة، وسلاح حرب لزعزعة الاستقرار الهشّ في بعض الدول المعادية لأميركا، من أجل فتح أسواقها وتعزيز المصالح والاستراتيجيات الأميركية من جهة أخرى. إن مسؤولية أميركا عن كارثة اليمن أصابت هذا السلاح بالصدأ طيلة أربع سنوات، ما أدّى إلى تعويل بايدن على أولوية اليمن، أملاً بإعادة شحذه.
المشجَب الذي يسعى بايدن إلى تعليق أوساخ أميركا عليه هو محمد بن سلمان؛ واجهة العدوان على اليمن وأكثر شركاء أميركا وحشية في القتل العاري، وهو يضع نصب عينيه التخفّف من هذه الورطة الثقيلة الأعباء، ليس بسبب كارثة اليمن فحسب، بل بسبب سلاح حقوق الإنسان أيضاً.
والحقيقة أن بايدن لا يقلب في هذا الأمر صفحة ترامب فحسب، إنما يقلب كذلك جانباً من صفحة أوباما مع السعودية وشراكة محمد بن سلمان. ففي مقالة روبرت مالي في "فورين أفيرز" مع ستيفين بومبر، ينقل عن مسؤول كبير في إدارة أوباما، في اجتماع لمجلس الأمن القومي في آذار/مارس 2015، قوله بشأن شراكة ابن سلمان: "كنا نعلم أننا ربما نستقلّ سيارة مع سائق مخمور".
قد يكون هذا المسؤول الكبير هو بايدن نفسه الذي لم يسمّه روبرت مالي، بدليل قطع اتصال بايدن مع ابن سلمان وإزالته عن جدول الأعمال، بحسب المتحدثة باسم البيت الأبيض جين ساكي، وبدليل آخر أكثر جدية عبّرت عنه إدارة بايدن في عزمها على ملاحقة ابن سلمان في جريمة قتل خاشقجي، بدءاً بنشر تقرير الاستخبارات الأميركية، وعزمها على ملاحقته بتحريك الدعوى التي قدّمها مستشار محمد بن نايف سعد الجبري أمام محكمة واشنطن ضد ابن سلمان وأعوانه.
أزمات أميركا الحادة التي تدفع بايدن إلى مساعي أولوية اليمن والتخفّف من ابن سلمان هي مشكلة أميركا وإدارة بايدن، فإيران وصنعاء معنيّتان بانسحاب قوى العدوان وفك الحصار والذهاب إلى حوار بين اليمنيين لإزالة آثار العدوان والاتفاق على الحل السياسي.
إيران وصنعاء تتقاطعان مع نيات بايدن لحل أزمات أميركا، إذا كان حلّها مساعداً في حل قدّم اليمن في سبيله التضحيات البطولية الخارقة، وتعرّض من أجله لشتى الجرائم ضد الإنسانية، فالمهزوم يعجز عن فرض شروط لم ينَلها بحرب تدميرية، ولا يطلب المساعدة المجّانية لقلع شوكه
المصدر:المیادین
آداب الاستئذان في الإسلام
لقد جعل الله تعالى البيوت سكناً يفيء إليها الناس، فتسكن أرواحهم وتطمئن نفوسهم ويأمنون على عوراتهم وحرماتهم ويلقون أعباء الحَذَر والحرص المُرهِقة للأعصاب.
والبيوت لا تكون كذلك إلّا حين تكون حَرَماً آمناً لا يستبيحه أحد إلّا بعلم أهله وإذنهم وفي الوقت الذي يريدون وعلى الحالة التي يُحبُّون أن يلقوا عليها الناس.
من أجل هذا وذلك أدب الله المسلمين بهذا الأدب العالي ـ أدب الاستئذان ـ على البيوت والسلام على أهلها، لإيناسهم وإزالة الوحشة عنهم، قال تعالى: (يا أيها الذين أمنوا لا تدخلوا بيوتاً غيرَ بيوتِكُم حتَّى تستأنِسوا وتُسلِّموا على أهلها) (النور/ 27).
(1) تعريف الاستئذان:
هو طلب الإذن ممن تود زيارته حتى لا يُفاجئ بالزيارة في وقت قد يكون فيه مُنشَغِلٌ أو غير مستعد للزيارة فيه وذلك مراعاة لحرمة الإنسان وشعوره وحريته.
(2) حكمه:
الاستئذان واجب على كلّ بالغ يريد الدخول سواء كانت في البيت أمه أم كانت أخته أو ابنته إلّا الزوج فليس عليه أن يستأذن للدخول وليس في البيت سوى زوجته.
(3) آدابه:
يجب على الآباء والمربين أن يُرشدوا أطفالهم الذين لم يبلغوا سن البلوغ إلى أن يستأذنوا على أهليهم (الوالدة، الوالد، الأخت) في ثَلاثةٌ أحوال هي:
1- من قبل صلاة الفجر لأن الناس إذ ذاك يكونون نياماً في فرشهم.
2- وقت الظهيرة (القيلولة) لأن الإنسان قد يضع ثيابه في تلك الحال.
3- من بعد صلاة العشاء لأنّه وقت نوم وراحة.
امتثالاً لقول الله تبارك وتعالى: (يا أَيُّها الذين أمنوا ليستأذِنكُمُ الذينَ مَلَكَت أَيَمانُكُم والذينَ لم يَبلُغُوا الحُلُمَ مِنكُم ثَلاثَ مَرَّاتٍ مِن قَبلِ صَلاةِ الفَجرِ وحِينَ تَضَعُونَ ثِيابَكُم مِنَ الظهِيرَة ومِنَ بَعدِ صَلاةِ العِشاء ثَلاثُ عَوراتٍ لَكُم) (النور/ 58).
أما إذا بلغ الأولاد سن الرشد والبلوغ فعلى الآباء والمربين أن يُعلِّموهم آداب الاستئذان في هذه الأوقات الثلاثة وفي غيرها امتثالاً لقوله تعالى: (وإذا بَلَغَ الأَطفالُ مِنكُمُ الحُلُم فَليستأذِنُوا كما أستأذنَ الذينَ مِن قَبلهِم) (النور/ 59).
ولا يخفى ما في هذه اللفتات القرآنية من اهتمام الإسلام في تربية الولد اجتماعياً وتكوينه سلوكياً وخُلُقياً، حتى إذا بلغ سن الشباب كان النموذج الحي عن الإنسان الكامل في أدبه وخلقه، وتصرفه واتزانه.
وللاستئذان آداب علمنا إياها رسولنا الكريم (ص) وهي:
أ ـ أن يستأذن ثلاث مرات: لقوله الرسول (ص): "الاستئذان ثلاث، فإن أذن لك وإلا فارجع"، ويقول مالك: "الاستئذان ثلاث لا أحب أن يزيد أحد عليها إلا من علم أنه لم يسمع فلا أرى بأساً أن يزيد إذا استيقن أنّه لم يسمع".
ب ـ أن لا يدق الباب بعنف: ولا سيَّما أن كان رب المنزل أباه أو أستاذه أو ذو فضل... وأما إذا كان على الباب جرس كما جرى العُرف اليوم فيقرع المُستأذِن بقرعة خفيفة لطيفة لتدل على لطفه وكرم أخلاقه ومعاملته.
ج ـ عدم الوقوف أمام الباب: خشية أن يمتد بصره إلى من بداخل البيت لقول النبي (ص): "إنّما جعل الاستئذان من أجل البصر"، "فدلّ على أنّه لا يجوز النظر في دار أحد إلّا بإذنه...".
د ـ أن يُسلِّم ثم يستأذن: لما روى أبو داود أنّ رجلاً من بني عامر استأذن على النبي (ص) وهو في بيته فقال: أألج؟ فقال الرسول عليه السلام لخادمه: "فسمعه الرجل فقال: السلام عليكم. أأدخل؟ فأذن له النبي (ص) فدخل".
(4) الحكمة منه:
حتى لا يختلط الرجال بالنساء، وحتى لا يقع الزائر بصره على المُحَّرمات، مما يَحرُم عليه من النظر والله أعلم.
هذه أهم القواعد التي وضعها الإسلام في آداب الاستئذان فما على المربين إلا أن يتقيدوا بها ويُعلِّموها أولادهم إذا أرادوا لهم الخُلُق الفاضل والشخصية الإسلامية المُتميِّزة والسلوك الاجتماعي الخيِّر.
المصدر : التربية الجنسية في الاسلام للفتيات والفتيان لـ عثمان الطويل
المسجد وأثره في حياة الأُمّة الإسلامية
د. محمد بن أحمد الصالح*
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، القائل في محكم التنزيل: (إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلا اللَّهَ فَعَسَى أُولَئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ) (التوبة/ 18).. والصلاة والسلام على سيد الأوّلين والآخرين القائل: "من بنى لله مسجداً ولو كمفحص قطاة بنى الله له به بيتاً في الجنة". المسجد هو مدرسة المسلمين الأولى لإقترانه بالصلاة، والصلاة عماد الدين، ولذا كان المسجد اللبنة الأولى في بناء الجماعة الإسلامية التي وضعها رسول الله صلی الله علیه وآله حين هاجر إلى المدينة المنورة.. وفي فرض الصلاة خمس مرات كل يوم بيان لأثر المسجد في بناء الجماعة المسلمة، إذ جعل الشارع الحكيم بهذه الفريضة المسجد مكان اجتماع المسلمين كل بضع ساعات، لأنّ صلاة الجماعة في المسجد تعلو على صلاة المسلم منفرداً درجات ودرجات، جاء في الحديث الصحيح أنّ رسول الله صلی الله علیه وآله) قال: "صلاة الجماعة أفضل من صلاة الفرد بسبع وعشرين درجة". وقال رسول الله (صلی الله علیه وآله): "صلاة الرجل في الجماعة تضعف على صلاته في بيته وفي سوقه خمساً وعشرين ضعفاً، وذلك أنّه إذا توضأ فأحسن الوضوء ثمّ خرج إلى المسجد لا يخرجه إلا الصلاة لم يخط خطوة إلا رفعت له بها درجة وحط عنه بها خطيئة، فإذا صلى لم تزل الملائكة تصلي عليه ما دام في مصلاه: اللّهمّ صلّ عليه، اللّهمّ ارحمه، ولا يزال أحدكم في صلاة ما انتظر الصلاة"[1]. وقال عبدالله بن مسعود رضي الله عنه: "علمنا النبي (صلی الله علیه وآله) سنن الهدى وان من سنن الهدى الصلاة في المسجد الذي يؤذن فيه" وقال (رض): "حافظوا على هؤلاء الصلوات الخمس حيث ينادى بهن فإنهن من سنن الهدى وانّ الله تبارك وتعالى شرع لنبيه (ص) سنن الهدى، ولقد رأيتنا وما يتخلف عنها إلا منافق بَيِّن النفاق، ولقد رأيتنا وانّ الرجل ليهادى بين رجلين حتى يقام في الصف، وما منكم أحد إلا وله مسجد في بيته ولو صليتم في بيوتكم وتركتم مساجدكم تركتم سنة نبيكم ولو تركتم سنة نبيكم لكفرتم"[2]. وجماهير العلماء من السلف والخلف على انّ الصلاة في الجماعة فرض عين بل عدها بعضهم شرطاً في صحة الصلاة[3]. وقد وضع الرسول (ص) بالبيان العملي رسالة هذه المدرسة الإسلامية، ومن مساجد المسلمين خرجت جيوشهم تغزو في سبيل الله، وفيها تخرج العلماء والفقهاء، وفي رحابها كان التقاضي والقضاء ومحاسبة الخلفاء. ولطالما أقام القضاء فيها الجمَّال والحمَّال مع أمير المؤمنين، والأجير والفقير مع الأمير الكبير ثمّ حكموا له أو عليه لا يبالون مع الحق صغيراً ولا كبيراً. وما دهى المسلمين أمر ولا عرض لهم عارض إلا نودي (الصلاة جامعة) فاجتمع الناس في المسجد. ومن وظائف المسجد الاجتماعية أنّه مركز ترابط الجماعة الإسلامية، يتلاقى فيه أفرادها للصلاة وتبادل الرأي، وإليه يرجع مسافرهم أوّل ما يرجع ليؤدي ركعتين "كان النبي (ص) إذا قدم من سفر بدأ بالمسجد فصلى فيه"[5]. وفيه يتم إبرام عقود النكاح فتوضع أسس الأسرة المسلمة في جو من التقوى والهداية، وفيه يهنىء المسلم اخوانه بأفراحهم ومناسباتهم السارة، وفيه يعزي المسلم أخاه إذا أصابه مصاب. ويقف فيه المسلمون على أخبار اخوانهم، ويلتقون في رحابه الطاهر على طاعة الله والتعاون على البر التقوى، فهو بحق منتداهم ومركز مؤتمراتهم ومحل تشاورهم وتناصحهم. واجتماع المسلمين في المساجد يعكس روح الدين الحنيف من مساواة وأخوة، ونظام وترابط ووحدة في الصف، ويربيهم على التواضع والتجرد. ونحن إذا عدنا إلى مسجد المدينة في عهد الرسول (ص) وجدناه مسجدا، وجامعة مكانا يعد للحياة ويدفع للتقدم في كل آفاقها فكل عبادة أو منسك أو شعيرة فيه لها انعكاسها على المجتمع خارج المسجد، فالمسجد إذن قلب المجتمع وعقله، والمجتمع جسم الإنسان وحواسه، ليس هناك أي انفصام بين المسجد باعتباره مركز عمل وتوجيه وبين المجتمع المسلم الكبير – فالمسجد ميدان تطبيقي لكل ما تعلمه المسلم فيه من آداب وقيم تربطه بالآخرين، وبالمجتمع الذي يعيش فيه. وهو المكان الطبيعي لنشر الكلمة المؤمنة الأمينة الموجهة المعلمة التي تزود المسلمين بالعلم والمعرفة في كل ما يتصل بأمور دينهم ودنياهم. انّ الوظيفة الحقيقية للمسجد في الإسلام هي إعداد المسلم المتكامل البناء في خلقه وسلوكه وعمله وعبادته، في علاقته بربه وبنفسه وبأخيه المسلم وبالناس جميعاً، ووظيفة المساجد في صورتها الاجتماعية الشاملة هي أن تكون مركز اشعاع وتوجيه وتربية لمجموعة المسلمين الذين يسكنون الحي الذي يقع فيه المسجد[6]. وأهداف المسجد هي تربية أجيال من الرجال ذوي نوعية خاصة يصفها المولى – عزّ وجلّ في آيات سورة النور: (فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ * رِجَالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالأبْصَارُ * لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ)(النور/ 36-38). فالمسجد يكمل بناء المجتمع ويدعمه ويقوي أركانه ويعمق في النفوس الحساس بالفضائل التي غرستها الأسرة والمدرسة، بل يغذيهما وينميهما ويتعاون معهما في بناء المجتمع الراشد المتجه نحو الصلاح والفلاح بهداية من الله. وبالتردد على المساجد يتعلم النشئ النظام والدقة والنظافة والاستواء والانخراط في صفوف متراصة مستقيمة. وينمو شعور التآلف بين المصلين فتتكون العلاقات الطيبة وتسود المجتمع روح الخير والأخوة. ورواد المساجد من المؤمنين العابدين الساجدين يتخلصون من العيوب الاجتماعية كالإنعزالية والتواكلية والأثرة، والمسجد يعلم المسلم النظافة والطهارة والتزين دون إسراف اتباعا لقول الحكيم الخبير: (يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ) (الأعراف/ 31). ولأنّ المسجد بيت الله، وبيت جماعة المسلمين، وبيت كل مسلم، فقد كان دوماً في خدمة المسلمين كافة، ولم يستأثر به بانيه كائنا من كان، وهذه الطبيعة الاستقلالية للمساجد جعلتها بمنأى عن الفتن والخلافات، والتأثر بالأهواء، وأتاحت للتعليم أن ينمو في حمى بيوت الله مستقلاً شامخاً يوم كان المسلمون أساتذة البشرية. وذلك راجع إلى أنّ المساجد اتخذت معاهد للعلم، فضمن ذلك كفاءة العلماء من ناحية، وحرية أهل العلم من ناحية أخرى، ومن ثمّ ظهرت تلك الأجيال الرائدة من أهل العلم على طول تاريخنا الإسلامي. وتلك الطبيعة ذاتها هي التي أفسحت المجال لقضاة المسلمين العدول ليجلسوا في حرم المسجد، ليحكموا بين الناس بالعدل، فتحت سقف المسجد وبين أفراد الجماعة الإسلامية أحس القضاة بأنهم يخدمون الجماعة بتطبيق شرع الله، أحراراً من كل قيد. فسطروا صفحات ناصعات في تاريخ العدالة والقضاء العادل. هكذا نظر المسلمون الأولون إلى المسجد على أنّه مدرسة تحمل كل هذه المعاني، فأقاموا صلتهم به على أساسها، فكان له من الأثر في تكوينهم ما لم يعرف التاريخ له مثيلا في أي عمل تربوي بناء. حتى أصبح المسجد بحق المدرسة التي يتعلم فيها المسلم من المهد إلى اللحد كل ما يعوزه من مبادئ الحياة: حياة البيت، فلايتهاون بحق أهله عليه، ولا بحق الله عليهم، وحياة السوق، فلا يخلط الحلال بالسحت ولا يستبدل الخبيث بالطيب، وحياة الحكم فلا يتخذ من عباد الله خولا، ولا من ماله دولا. وإنما ينظر إلى ما وهبه الله من قوة أو ولاه من أمر على أنّه وسيلة لإعلاء كلمة الله، وتحقيق رسالته في عباده. كان العهد بالمعابد أن توقف على الصلاة والتوجيه الروحي، لا تتجاوز ذلك إلى أعمال الدنيا. فإذا المسجد في الإسلام يتسع ويتسع حتى يشمل الدنيا والآخرة، ويتحول إلى أداة لتكوين المجتمع الفاضل، مجتمع الخير المرتفع من الرذيلة المتسامي عن الانحراف والشذوذ – وذلك لأنّ المساجد بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه ويسبح له فيها بالغدو والآصال تعمر قلوب قاصديها بالإيمان وتذكرهم بجلال الله، وتطهر الصدور من الأحقاد وتملؤها حباً وطهراً وعفافاً، وتبدل جهلهم علماً وسفههم حلماً، وتغرس في الناشئة من الشباب حب الخير والرغبة في البر، فالمسجد رسالة عظيمة فلو هيئت له الوسائل والأسباب لقضي على كثير من الجرائم والإنحراف، وليس ادل على أثر المسجد في مكافحة الجريمة من أننا لو أحصينا الجرائم والانحرافات ومرتكبيها لوجدنا مرتكبيها ممن لا يؤمنون المساجد، أمّا الذين يؤمون المساجد فقلما يقع منهم إنحراف أو اعتداء على حق غيرهم، لأنّهم يشعرون بخشية الله، وتربطهم جميعاً الأخوة في الله – هذه الصورة المشرقة كيف اختفت؟ وتلك الأهداف النبيلة للسجد كيف تضاءلت وتواضعت حتى آل حال المساجد إلى ما هي عليه الآن؟. وهناك أسباب أفضت إلى انصراف المصلين عن المساجد نوجز القول فيها كمدخل للحديث عن أوجه الإصلاح المطلوبة ووائله المقترحة بغية العودة بالمسجد إلى دوره العظيم في بناء المجتمع عامة، وفي الدفاع عن هذا المجتمع ضد الانحراف والجريمة خاصة. - أسباب انحسار دور المسجد: يرى بعض الباحثين[7] اجمالها في ثلاث نقاط رئيسة: أ- ضعف الكثير من المسلمين في تمسكهم بدينهم. ب- انخداع بعض المسلمين بزخرف الحياة في المجتمعات غير الإسلامية. ت- البدع والشوائب التي انتشرت لجهل المسملين بدينهم. أ- ضعف الكثير من المسلمين في تمسكهم بدينهم: يعود هذا الضعف إلى زمن بعيد، عندما بدأ المسلمون يفرطون في أمور الدين ولا يأخذونها بالقدر الكافي. وعانى المسلمون من ابتعادهم عن التمسك بما جاء به الرسول (ص) أسوأ ما تعانيه أمة ضلت طريقها واتبعت السبل فتفرقت بها عن سبيل الله وعن صراطه المستقيم. وقد بدأ الانحراف يعرف طريقه إلى المجتمع الإسلامي بالتحلل من القيم الإسلامية عندما وقع بعض حكام المسلمين تحت اغراء الشيطان الذي زين لهم الباطل ولبس عليهم الحق، فضلت خطواتهم الطريق السوي وابتعدوا بأنفسهم عما يجب أن يكون عليه الحاكم المسلم، فكان أن أهملوا وقصروا في صلتهم بربهم، وفي واجبهم نحو من يرعون من المسلمين فظلموا وانتقصوا الحقوق وأهملوا المرافق، وشغلتهم أموالهم وأنفسهم. وامتد الإهمال – بطبيعة الحال – إلى أهم المرافق وهو المسجد. وعلى مثل هذه القدوة السيئة يقع وزر انحراف من اتبعهم في غيهم، فكان إن ابتعدت الرعية عن بيوت الله، وتباعدت المسافة بين أعمالهم وسلوكهم، وبين روح المسجد وأدبه. فصارت الصلاة عندهم عادة وتقليدا، خالية من الروح الحقيقية للعبادة، وأصبح المسجد في حياتهم شيئاً غير ذي بال يتثاقفون في الذهاب إليه عند كل آذان، يخطفون صلاتهم التي أصبحت نقرا كنقر الديوك. هذا الضعف الذي اعترى الأُمّة الإسلامية منشؤه إهمال المسلمين دينهم وتفريطهم في أمره، لأنّ العناية بالمسجد تأتي ممن يهمهم أمر دينهم، أما إهمال المسجد والبعد عنه فنتيجة طبيعية للإبتعاد عن الدين وإهمال أمره. واقترن إهمال المسلمين لمساجدهم وضعف تمسكهم بدينهم بوقوع المسلمين فريسة لشهواتهم وملذاتهم، وذلك لأنهم تجاهلوا ما ندى به الإسلام من ضرورة الاعتدال والقصد في الأخذ بالدنيا حتى لا يصبح المرء عبداً لشهواته وملذاته. والمسجد بما فيه من ذكر لله وعبادة له، وبما له من تأثير في نفوس المسلمين بما يخاطبهم به من عظات وتوجيهات، وهو العاصم الطبيعي للمسلم من أن تستبد به شهواته أو تشتط به غرائزه. ولكن بتخليهم عن المسجد ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس وانتشرت الخبائث واجْتراء الكثير من الناس على الموبقات فاخذت الخمر وهي أم الخبائث تجد سوقاً في بلاد المسلمين، وتقف القوانين الوضعية عاجزة أمامها وأمام ما تنشر من مفاسد، وشاهدنا عودة الميسر والجرائم الخطيرة التي تنجم عن انتشاره بصوره المختلفة، علاوة على ما يسببه من تبديد للأموال وخراب للذمم وذلك بالإضافة إلى ما ابتليت به مجتمعات المسلمين من الزنا والربا المتسببين في ضياع الأُمم السابقة. وأصبح ضياع الأُمّة واقعاً مؤكداً، وتحقق فيها قول الله تعالى عمن يضيع الصلاة: (فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا) (مريم/ 59). ب-انخداع بعض المسلمين بزخرف الحياة في المجتمعات الإسلامية: عندما كان المسلمون متمسكين بدينهم أقوياء العقيدة لم يضرهم اتصالهم بأبناء المجتمعات غير الإسلامية والاطلاع على طريقة حياتهم، بل انّهم كانوا يأخذون منها ما يتفق مع الإسلام، ويتركون ما يختلف مع جاء في كتاب ربهم وسنّة نبيهم (ص). كانت تلك معايير تعامل المسلمين مع ما وجدوه عند غيرهم حينما كان المسلمون ملتزمين بمنهج الإسلام وأخلاقه وآدابه. فلما اعترى المسلمين الضعف لتراخيهم في الالتزام بأوامر الدين تغير موقفهم ولم يجدوا غضاضة في تقليد غير المسلمين دون وعي، فأتاحوا لغيرهم أن يغزوهم فكرياً وعقدياً وحضارياً. ويكفي لإثبات صحة ما نقول أن نأخذ مظهراً واحداً من مظاهر التأثير السيء لغير المسلمين على أفكار المسلمين ومساجدهم. فعندما نجحت الصليبية الأوروبية في احتلال أراضي المسلمين وجدت الفرصة سانحة للتنفيس عن أحقادها على الإسلام باعتباره القوة الوحيدة التي بها يستعيد المسلمون سابق مكانتهم، ويردوا بها كيد أعداء الله إلى نحورهم. فعمل أولئك المستعمرون على إبعاد المسلمين عن دينهم وإبدالهم فكراً أوروبياً بفكرهم الإسلامي. ولكي يتحقق لهم ذلك بذلوا ما وسعهم من جهد في تنفير المسلمين عن دينهم الحنيف، وتشويه حقائقه، والطعن في رسولهم الكريم (ص) وصحابته الأبرار – رضوان الله عليهم –. فكانت مدارس التنصير ومعاهد الاستشراق ونوادي الماسونية والصهيونية أهم وسائل هذا الهجوم الشرس ولمعرفتهم بأهمية المسجد فقد أجمع أعداء الإسلام على حربه، واتبعوا لذلك وسائل شتى. منها إيجاد مؤسسات استعمارية بديلة، فأنشأوا مدارس وملاجئ ونوادٍ ومستشفيات ظاهرها الرحمة وباطنها العذاب فمظهرها الخارجي بريء خداع يجذب المسلمين من أصحاب الحاجات أو من السذج الغافلين. أما حقيقة تلك المؤسسات، وهي الهدف الذي من أجله أنشئت، فهي التنصير وإخراج الناس من دين الحق. وكان همُّ من أجدوا تلك المؤسسات أن تسرق من المسجد رسالته، فكان لهم ما ارادوا. كما حاولوا القضاء على التعليم الإسلامي، فحرمت المساجد العنصر البشري من أئمة وعاظ، وحاربوا العاملين في تلك المؤسسة بالوسائل الإعلامية التي تحت أيديهم من صحف ومجلات ومسارح بأن سخروا منهم واستهزأوا وشوهوا صورتهم أمام أبناء وطنهم. فهانت في أعين عامة المسلمين صورة أهل العلم من بينهم ونفروا منهم[8]. ت- وكانت البدع والشوائب التي علقت بالعبادة في المساجد نتيجة لجهل المسلمين من الأسباب التي حالت بين المسجد وبين أداء وظيفته، تلك والخرافات التي اتصلت بالمسجد ودخلت عليه بالتحريف والتشويه وشاعت بين الجهال من المسلمين شيوعاً كبيراً. ولو أخلصنا النيات ووحدنا الجهود لتخليص المسجد من تلك السلبيات وأزلنا الأسباب التي تقعد بالمساجد عن أداء دورها لصلح أمر المجتمع ولاستطاعت هذه المساجد العريقة الاسهام بالنصيب الأوفى في محاربة الجريمة والوقاية من الزلل والإنحراف. إنا نرى هذا الدور المنشود أكبر من أن تحدده الألفاظ ولعلّ السطور التالية توضح أهم قسماته: أوّلاً: تقوية الجانب الديني في نفوس الناس بما يتلقونه من وعظ وارشاد وتوجيه يعصمهم من الوقوع في المعاصي، ويجعلهم من عناصر الخير في المجتمع. ثانياً: ارتباط المصلين بالمساجد يدفع المصلين إلى الابتعاد عن الفحشاء والمنكر والبغي وسائر الموبقات. فالصلاة جماعة تنشئ الاتحاد والمحبة والإخاء بين المسلمين، وتجعل منهم كتلة متراصة، فانهم عندما يجتمعون ويقنتون لربهم ويسجدون له ويركعون معاً تأتلف قلوبهم، وينشأ فيهم الشعور بأنهم اخوة فيما بينهم، ثمّ انّ الصلاة في جماعة تدربهم وتربيهم على النظام والانضباط والمحافظة على الأوقات، وتنشئ فيهم المواساة والتراحم، والمساواة والإئتلاف، فتراهم جميعاً غنيهم وفقيرهم، وكبيرهم وصغيرهم، وأعلاهم وأدناهم، يقومون جنباً إلى جنب، "في صفوف متلاحمة لا فرق بين قوي ولا ضعيف، ولا رفيع ولا وضيع". ثالثاً: الخشوع لله الذي يحس به المسلم في صلاته، ويدفعه إلى البعد عن الانحراف، فضلاً عن ارتكاب الجرائم، لما تفعله الصلاة بالإنسان من تطهير نفسه، والارتقاء بروحه، وإصلاح أخلاقه وأعماله. رابعاً: كما انّ المساجد التي تهيئ لروادها التزود بشعور التضامن والأخوة الناشئ من اجتماعهم للصلاة في الجمعة والجماعات والأعياد، وتوجد في هؤلاء المصلين الرغبة في معاونة بعضهم بعضا، وتنزع من أفئدتهم الرغبة في اعتداء بعضهم على بعض بأي نوع من أنواع الاعتداء. خامساً: ومن شأن الدروس التي تلقى في المساجد أن ترتقى بتربية الخلق والضمير إلى أعلى المستويات مما يشيع روح الفضيلة والمثالية فيسود المجتمع جو دائم من الهدوء والسكينة والقناعة والرضا. سادساً: في هذا الجو الذي يسوده الصفاء الروحي والسكينة تصبح المساجد هي المكان الأمثل لإصلاح ذات البين ولاجتماع لجان الصلح بين المتخاصمين والمتنازعين، وفي الصلح قضاء على كثير من الجرائم، بل وعلى التفكير فيها. سابعاً: يجب أن نعمل على تحبيب المساجد إلى الناس وإلى شبابهم على وجه الخصوص، بالعناية بنظافتها ومظهرها والحرص على اختيار القائمين عليها من الأكفاء ثقافةً وورعاً، ومراقبتهم في مظهرهم ولباسهم، والتوسيع عليهم في أرزاقهم بما يمكنهم من الظهور بالمظهر اللائق الذي يدعو إلى الاحترام والتوقير. لأنّ عامة الناس وشبابهم على وجه الخصوص، تخدعهم المظاهر عن الحقائق، ويتأثرون بالمظهر والصورة عن الجوهر والمخبر. ثامناً: من المفيد أن نعمل على ربط الناس بالمساجد، باختيار لجان من صالحي روادها من أهل الأحياء التي تقع فيها، لمراقبة حسن أدائها لوظائفها واقتراح ما تراه معينا عليه. *جامعة محمد بن سعود الإسلامية - الرياض
الهوامش:
[1]- البخاري، باب الصلاة 1/ 166 طبعة عيسى البابي الحلبي – القاهرة. [2]- صحيح مسلم رقم 654 في المساجد باب صلاة الجماعة من سنن الهدى وأبو داود رقم 550 في الصلاة باب التشديد في ترك الجماعة، والنسائي 2/ 107 في الامامة باب المحافظة على الصلوات حيث ينادى بهن. [3]- فتح الباري باب وجوب صلاة الجماعة 1/ 126. [4]- البخاري كتاب الصلاة/ 1/120. [5]- علي عبدالحليم محمود، المسجد وأثره في المجتمع الإسلامي، القاهرة 1396هـ، ص173-174. [6]- علي عبدالحليم محمود، المرجع السابق ص79 وما يليها، بتصرف.
[7]- علي عبدالحليم، المرجع السابق، ص90.
المصدر: مجلة هدي الإسلام/ العدد 28 لسنة 1984م
المرأة في مناخات مختلفة
السيِّد حسين نصر
منذ ظهور مبدأ المساواة بين الجنسين (feminism) كتبَ المراقبون الغربيون بمقدار أوراق الشجر في حقوق المرأة في الإسلام، وقد جَعلَت تلك الكُتُب من الطرح الغربي معياراً توزَن به المرأة في بقية المجتمعات وكيفية التعامل معها، ويتجّه الغرب اليوم إلى نحو ما، نستطيع أن نُسمّيَه (الإطلاق في المحدود)، وهو أنّ الإنسان في كلّ عهد، يضفي صفة الإطباق على فكره وأعماله، من دون أن يلاحظ أنّ تلك الأفكار والرؤى والمعتقدات ستُدفن في العقد الآتي وستصبح في طيّ النسيان، ولا تتضح هذه الظاهرة في أمر كظهورها في مسألة حقوق المرأة وواجباتها، فإذا بُحثت تلك المسألة في عام 1900م في الغرب، وكانت المعايير تختلف فيها من وقت لآخر، فإنّها سوف تشهد أحكاماً ونتائج أخرى في عام 2100م.
والأحرى بالغرب، وبدلاً من تناول مسألة المرأة في الإسلام بالطعن والتشنيع وتهيئة مناخات لمرحلة جديدة من الحروب الصليبية، أن يدرس هذه المسألة من وجهة نظرٍ إسلامية، ومن ثمّ يطرح ما عنده من انتقادات على أساس المعايير التي عرفها وفهمها؛ قبل كلّ شيء يجب أن نعرف أنّ الأعراف الموجودة في المجتمع الإسلامي لم تكن أعرافاً ورسوماً إسلامية فقط، بل قد تكون رسوماً وعادات اعتادها المجتمع، وليس له ربط بالإسلام، في الشرق الأوسط مثلاً اعتادت بعض النساء غير المسلمات كاليهوديات والمسيحيات تغطيةَ شعورِهنّ ووضع قطعة من القماش عليه، وكذلك القناع الذي يغطي الوجه (الخمار)، فإنّه لم يُذكر في القرآن، ولم تستعمله النساء المحيطات بالنبيّ (ص)، ولكنّه أخذ من رسوم وعادات الإيرانيين والبيزانطيين.
ومع ملاحظة أنّ المرأة لم يكن لها حضور في الفعاليات الاجتماعية والسياسية إلى ما قبل المرحلة الجديدة في المجتمعات غير الإسلامية، كاليابان والصين، وبقية المجتمعات الآسيوية، فإنّ من غير الصحيح أن يوسم المجتمع الإسلامي بالدكتاتورية أو ما يسمونه (الطبيعة الأبوية) أي أنّ المجتمع الإسلامي يقتصر في إدارة شؤونه على الرجل فقط، ويفرض على المرأة قيوداً ويحدّ من نشاطاتها، وأنّ هذه الظاهرة كما يعتقدون هي الشاخص الواضح للإسلام.
إنّ التعاليم الدينية تعدّ المرأة والرجل متساويين عند الله، وعلى مستوى الشريعة، وتؤكّد على أنّ أحدهما يكمّل الآخر في الأسرة والمجتمع، وهذا التساوي بينهما في مقابل الله والشريعة لا يتنافى مع كون أحدهما يكمّل الآخر.
كثيرون سألوني: هل المرأة متساوية مع الرجل؟ وكان جوابي دائما هو: أنّهما متساويان نسبةً إلى الله وفي يوم القيامة وأمام القانون، لكنّهما ليسا متساويين في هذا العالم، وقد أشار إلى حقيقة تلك الاختلافات الكتّاب الأمريكيون تحت عنوان (رجال المرّيخ ونساء الزهرة).
إنّ بناء المجتمع الإسلامي مرسوم على أساس تماثل الرجل والمرأة لا على أساس الكمية مع وجود استثناءات في هذا السياق، فالرجل يؤمّن لقمة العيش، وبتعبير ديني (إمام الأسرة)، والمرأة في الواقع هي المديرة لشؤون البيت والرجل كالضيف عندها.
إنّ أوّل وظيفة للمرأة هي تربية الأطفال والحفاظ عليهم وتعليمهم في مراحلهم الدراسية الأولى، وهي أيضاً عماد البيت. إنّ الإسلام وكيفية المجتمعات التقليدية يعطي للأُمّومة والتدبير المنزلي للمرأة أهميةً كبرى، وقد قال الرسول (ص): "الجنّة تحتَ أقدامِ الأُمّهاتِ".
ولم يرجِّح في المجتمع الإسلامي يوماً ما عملُ المرأة في الخارج على وظيفتها في تربية الأطفال، من جهة أخرى، إنّ النظام الاقتصادي الذي كان حاكماً في المدن الإسلامية آنذاك كان من البساطة بمكان بحيث إنّ المرأة لم تضطر للخروج من بيتها أو ترك أولادها من أجل متطلبات الحياة.
فالطفل في نظر الإسلام يحتاج إلى الأُمّومة دائماً، بدلاً عن المربية والحاضنة، وهذا الحقّ أهم وآكد من كثير من الحقوق والتي يلهث وراءها الغرب.
وإنّ النساء المسلمات يتمتعن بقدرة وقوّة كبيرتين في بيوتهن، وأنا أعرف الكثيرات من الأُمّهات - من طرَف الأب والأُمّ - كن يحملن قدرة ومنعة تفوق بكثير قدرة الأُمّهات اليهوديات والإيطاليات، وكلّ مَن يدّعي أنّ المرأة ضعيفة في المجتمع الإسلامي ومحرومة ومظلومة فهو غير مُدرك للبناء والمسار الحياتي للمسلمين.
قد يُوجد بعض الرجال في المجتمع من الذين يقعون تحت سلطة نسائهم، لكنّ هذا ليس بأكثر مما يقع في مجتمعات أخرى، ومع ذلك وبالرغم من إرشاد القرآن وتأكيده على تكريم المرأة وحُسن معاملتها كما نقرأ في القرأن: (وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ) (النساء/ 19) يُوجد من المسلمين مَن يُسيء معاملة زوجته، سواء في الماضي أو الحاضر، ومع الأخذ بنظر الاعتبار الوضع الذي كان سائداً في الجزيرة العربية قبل الإسلام، فإنّ القوانين الدينية والأحكام الإسلامية، أوجَدت تغييراً ملحوظاً في سياق الحقوق الاجتماعية والاقتصادية للمرأة، ووقفت ضدّ الممارسات غير اللائقة بحقّها؛ لكن، لا يخلو الأمر من أنّ هناك من الأزواج في المجتمع الإسلامي كما في غيره مَن يتعامل بوحشية مع زوجته وفاقاً لطبيعته النفسية وبنائه الوجداني، حتى تصل النوبة إلى الضرب المبرّح، ووجود مؤسسات الإغاثة الغربية والأمريكية التي تستقبل النساء اللواتي يعانين من ظلم أزواجهن دليلٌ على وجود هذه المشكلة (ظلم المرأة) التي هي مشكلة العالم ولا ترتبط بمكان دون آخر.
كما قلنا من قبل: إنّ المسؤولية الاقتصادية للأسرة تقع على عاتق الرجل، حتى وإن كانت الزوجة غنية، ولابدّ من النظر إلى الحُكم القرآني بإعطاء الرجل ضعفَ ما تُعطى المرأة في الإرث بأنّه حُكم ناظر إلى مسؤولية الرجل في تأمين الحاجيات المادّية للأسرة، وإنّ المرأة حرّة في التصرّف في أموال الزوج والانتفاع منها بحدود المعقول.
إنّ قيمومة الرجل على المرأة التي وردت في الآية الكريمة: (الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ) (النساء/ 33) يُفهم منها القيمومة الاجتماعية والاقتصادية، وليس القيمومة على كلّ حياة المرأة، وحتى شهادة المرأة واعتبار أنّ شهادة رجل واحد تعادل شهادة امرأتين، إنّ البعض من الفقهاء يحدّد هذه المسألة في موارد الشهادات والجرائم، ولا تشمل كلّ أنواع الشهادات.
والقرآن في هذا الحُكم يبيّن الطبيعة العاطفية لدى المرأة، وليس في صدد تحقيرها أو التقليل من شأنها، ولا يُوجد في المصادر الإسلامية حُكمٌ يمنع المرأة من العمل وأخذ الأجرة عليه، وفي المجتمع الإسلامي، كانت المرأة دائماً إلى جانب الرجل، في أعمال الزراعة، وفي كثير من الفنون والصناعات، وإلى اليوم، إنّ أكثر السجّاد في الدول الإسلامية تقوم بحياكته النساء.
وقد أعطى الإسلام المرأةَ الاستقلالية الاقتصادية، إذ تستطيع المرأة أن تستقل مادّياً حتى عن زوجها، وعلى هذا أصبح أغلب تلك النساء، وعلى مدى القرون يمتهنَّ التجارة، كخديجة زوج النبيّ (ص)، على هذا المنوال فإنّ الأصل هو عدم المانع دخول المرأة المسلمة في المعترك السياسي.
وفي ما يرتبط بالتعليم، جاء عن النبيّ (ص): "إنّ طلبَ العلم فريضةٌ على كلّ مسلمٍ ومسلمة"، لكن على امتداد التاريخ الإسلامي كانت الفتيات المسلمات يكتفين بدارسة دورة قرآنية فقط، وكانت القليلات منهنّ يصلْنَ إلى مراتبَ عالية في الدراسة، ولم تكن تلك الظاهرة وليدة التعاليم الإسلامية، بل كانت الأوضاع الاجتماعية تقتضي ذلك، وقد تصل المرأة في التعليم والمعرفة إلى مصافّ العلماء في التعليم.
إنّ نظرة الإسلام إلى المرأة تجعلنا نعود إلى مسألة الحجاب، وقديماً كان لدى الغرب انطباع مشوَّهٌ ومحرّف عن العالم الإسلامي، تكون المرأة فيه محجّبة ومحتشمة خارج البيت، ومبتذلة وخليعة مضطجعة إلى جانب مسابح البيوت، وقد صوّر ذلك المستشرقون في لوحات ورسوم في القرن التاسع عشر، غير أنّ هذا التصوير يرتبط بالإضرابات التي حدثت في الغرب ضد القيود الجنسية التي فُرضت في عصر (فكتوريا)، والتي تعود إلى البرنامج الجنسي في المسيحية، مع هذا فإنّ تلك الصور لنساء مسلمات تعود لمجتمع متغرّب، غير صحيح أساساً وفي مراحل الاستعمار، كان الغربيون يعدّون الحجاب رمزاً لمظلومية المرأة، والحطّ من منزلتها وكان يوافقهم في ذلك أهل الحداثة (الإصلاحيون) من الخط الإسلامي.
وإنّ القرآن الكريم يأمر الرجل والمرأة بلباس الحشمة (التحجب) وأن لا يُظهرَ كلٌّ منها أعضاء بدنه، وقد اعتبر النبيّ (ص)، الحياءَ من الخصوصيات المهمّة في شخصية المسلم، وأمرالإسلامُ المرأةَ أن تخفي زينتها (الزينة بمعنى الشعر والبدن)، وعلى أساس ذلك ظهر الكثير من موديلات الألبسة في نواحٍ مختلفة من العالم الإسلامي، وإن كان البعض منها يعود إلى المجتمعات القديمة - قبل الإسلام في الشرق الأدنى - وفي المجتمعات الأولى لليهود والمسيحيين تعمل المرأة على تغطية شعرها، وحتى على مستوى الفنون فإنّ الفنانين الغربين يعمدون إلى إظهار مريم العذراء في فنّ الرسم محجّبة، وإلى مدّة ليست بعيدة كانت المرأة المسيحية الأرمنية والكرجية، والمرأة اليهودية والشرقية تغطي شعرها كالمرأة المسلمة.
وكانت تغطية الشعر من العادات الطبيعية في حياة النساء، وهي تمثل التواضع والاحترام لله عزّوجلّ، وحتى في الغرب، وإلى ما يقارب جيلاً واحداً، كانت نساء الكاثوليك لا يأتينَ إلى الكنيسة حتى يقمْن بتغطية شعورهنّ. ثمّ مَن قال: إنّ كشف الرأس موجب لحرّية المرأة أكثر من الحجاب؟
إنّ مسألة الحجاب، والكثير من الموضوعات المرتبطة بالتعليم والتربية والقانون، وكثيراً من القضايا المهمّة، أصبحت مَورداً لاهتمام مجموعة من النساء المسلمات اللواتي يتطلّعن إلى مجتمع على غرار النموذج الغربي القابل للتغير دائماً، وقد وضعْنَ أيديهَنّ بأيدي دُعاة المساواة بين الرجل والمرأة الغربيين، من أجل تخريب المجتمع الإسلامي وتحويله إلى مجتمع لا دينيّ.
وللأسف، إنّ دُعاة المساواة في الغرب غير مستعدين لفهم الفلسفة الأساسية للعلاقة بين الرجل والمرأة في الإسلام، وفي المجتمعات غير الغربية. كما أنّهم غير قادرين على تقديم بديل واضح عن ذلك له معنى ومفهوم تقبله المرأة المسلمة.
وفي العقدين الأخيرين ظهرت في بعض المجتمعات الإسلامية حركات نسائية جديدة تطالب بحقوق المرأة، وتعتقد أنّ هذه الحقوق تتطابق مع القرآن والسُّنة، وإلّا أنّ الآداب والرسوم والأعراف المحلّية، حالت دون تحقّق هذا الأمل. وهذا المبدأ في المساواة بين الرجل والمرأة حسب الطرح الإسلامي أنسبُ من المبدأ الغربي في ذلك لأنّ أغلب النساء اللواتي يطالبنَ بالمساواة هنّ نساء مؤمنات يفعلنَ ذلك في إطار الرؤية الإسلامية. ومن جهة أخرى، فإنّهن أدرى بمشاكلهن الحقيقية من نظيراتهن الغربيات.
وعلى أيّ حال، إنّ مسائل المرأة في التعليم والحقوق القانونية ومشاركتها وفعاليتها في السياسية واحدةٌ من أعقد المسائل التي ابتُلي بها العالم الإسلامي.
ويسعى المجتمع الإسلامي إلى حلّ هذه المسألة على أساس الآداب والرسوم الإسلامية في أجواء تتسم بالضغوط الغربية.
المصدر: كتاب قلب الإسلام قيم خالدة من أجل الإنسانية
الغنوشي يطالب بلقاء بين أقطاب السلطة لحل الأزمة السياسية
ما يزال الرئيس قيس سعيد يرفض دعوة الوزراء الجدد لأداء اليمين الدستورية حيث يتحفّظ على بعض الأسماء "لتورطها في شبهات فساد"
الغنوشي تحدث عن تنامي الخطاب التحريضي واستفحال الأزمات المركبة في تونس
دعا رئيس مجلس النواب راشد الغنوشي اليوم السبت إلى العمل على علاج الأزمة السياسية في البلاد من خلال الحوار بين الأطراف الرئيسية في السلطة، وبطريقة تعكس أن تونس دولة مؤسسات.
واقترح الغنوشي على الرئيس عقد لقاء يجمع رؤساء الجمهورية والحكومة والبرلمان في أقرب وقت من أجل الأزمة السياسية الراهنة
وأوضح بيان لمجلس النواب أن الغنوشي دعا في رسالة وجهها للرئيس سعيد إلى تجميع الفرقاء، من أجل إيجاد حلول لما تعيشه البلاد من "أزمات مركبة".
وشدّد الغنوشي على ضرورة إيصال رسالة إيجابية للمواطنين ودول العالم بأن تونس دولة مؤسسات جديرة بالثقة، رغم اختلاف التونسيين وتنامي خطابات التحريض، على حد تعبيره.
يأتي ذلك في وقت تتواصل أزمة التعديل الحكومي بين رئيسي الحكومة هشام المشيشي ورئيس الجمهورية، منذ نحو شهر.
وأوضحت مراسلة الجزيرة ميساء الفطناسي أن مبادرة الغنوشي تكسب أهميتها من كونها تدعو للقاء مباشر بين الأطراف الرئيسية في السلطة.
رئيس والوزراء
ويعد تعطيل الرئيس سعيد للتعديل الوزاري من أبرز مظاهر الأزمة السياسية في البلاد، كما أفادت مراسلة الجزيرة.
وأشارت المراسلة إلى أن هذا التعديل نال ثقة البرلمان قبل 3 أسابيع، لكن سعيد يرفض دعوة الوزراء لأداء اليمين الدستورية، حيث يتحفّظ على بعض الأسماء "لتورطها في شبهات فساد".
اعلان
ومن جانبه قال الناطق باسم حركة النهضة فتحي العيادي إن مبادرة الغنوشي تأتي تقديرا منه بأن البلاد تعيش أزمات كثيرة على المستوى الاجتماعي والاقتصادي والصحي، ولكنها بحاجة لما هو أهم وهو التهدئة وتنمية روح التضامن الوطني.
وأضاف العيادي أن المبادرة تأمل من رئيس الدولة باعتباره رمز وحدتها أن يسعى إلى تأليف وجمع كلمة التونسيين، وبث الروح الوطنية في هذه اللحظة العسيرة من تاريخ التجربة التونسية.
وأكد أن هذه المبادرة تأتي للبحث عن توافقات ضرورية لحل الأزمة السياسية التي تمثل عائقا أمام أي حل لبقية الأزمات الاقتصادية والاجتماعية التي تمر بها تونس.
المصدر : الجزيرة + الأناضول
الحج في القرآن
عبدالله جوادي آملي
لماذا سميت مكة ببكة؟
قال تعالى: (لَلَّذِي بِبَكَّةَ) وقد قيل: إنّ المقصود بـ"بكة" هو مكة، إذ تبديل الميم إلى الباء يحدث أحياناً نظير "لازب ولازم". بيدَ أنّ تعليل ذلك لا يكون بالتبديل، وانما: "لأنّ الناس يَبُكُّ بعضهم بعضاً" أثر الازدحام والكثرة عند اجتماع الناس فيها.
و"بك" تأتي بمعنى التحطيم، فهي بكة لأنها تبك أعناق الجبابرة والبغاة إذا بغوا فيها، فتدفعهم.
معنى مباركاً:
يقول تعالى في وصف بيته الذي بمكة: (مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ) (آل عمران/ 96). والمعنى انّ البيت منشأ الوفير من البركات، وهو وسيلة هداية للناس. وتطلق "البرك" على المال والشيء الثابت، فما له ثبات ودوام فهو مبارك.
من هنا اطلق على تجمعات الماء في الصحراء انها "بِركة" لما تتسم به من ثبات، ولأنها تحفظ الماء من الهدر فيدوم.
وبتعبير الشيخ الطوسي فانّ الصدر يسمى "برك"؛ لأنّه المكان الذي تحفظ فيه العلوم والأسرار والأفكار وتثبت. وكذا يقال "بَرَك" لوَبَر البعير من جهة صدره.
وذات الله مباركة لجهة ثبات خيرها ودوامها.
أما بالنسبة للبيت فلانه ينعم بالخير والثبات أكثر من الأماكن الأخرى فهو يكون "مباركاً"؛ أي وفير الخيرات دائمها. أما كون الكعبة وسيلة هداية للناس كافة، فمرد ذلك إلى أنّ جميع العباد والسالكين يقصدونها؛ ومنها صدعت دعوة الحقّ إلى البشرية جمعاء؛ إذ مِنها انطلق نداء نبينا (ص): "لا إله إلّا الله" إلى أرجاء الدنيا.
فهي إذاً محضن الحقّ، تتوفّر على وسائل كثيرة أخرى لهداية الناس. وفي مكة آيات لله لا تحصى. (فيه آيات بينات).
مقام إبراهيم:
يقول تعالى: (مقام إبراهيم) لقد ذهب البعض للقول: انّ إبراهيم (ع) كما "كان أمة واحدة" فإنّ مقامه أيضاً بمنزلة "آيات بينات"؛ أي انّ المقام في آثار أقدام الخليل (ع) وفير بالمعجزات، حتى أضحى المقام بمنزلة "أمة واحدة" في باب الإعجاز، كما هو شأن الخليل نفسه.
والسؤال: كيف أضحى "مقام إبراهيم" آيات بينات بصيغة الجمع، في حين انّ السياق يقتضي التعبير بالمفرد، فيقال: آية بينة؟
ثمة في الجواب عدّة احتمالات، نشير للأول منها من خلال ما يلي:
أوّلاً: لقد تحوَّل الصخر الصلد إلى عجين لين، وذلك في حدِّ ذاته آية ومعجزة.
ثانياً: ثمة مكان محدَّد من الصخرة هو الذي لانَ دون البقية.
ثالثاً: انّ لين الصخرة حصل لعمق وبشكل معيّن ثمّ عادت الصخرة – فيما عدا ذاك – لصلادتها.
رابعاً: لقد بذل الأعداء جهوداً محمومة لمحو هذا الأثر، بيدَ أنّه بقي يتطاول على الزمان محفوظاً من عبث الطغاة.
خامساً: ثمة قوى مولعة بخطف ما يقع بيديها من آثار قديمة في بلاد المسلمين تتسم بطابع فني، أو تحمل خصائص مقدَّسة، ومع ذلك بقي هذا الأثر دون أن تفلح هذه القوى بنقله إلى خارج العالم الإسلامي.
كيف تشكّل الأثر في مقام إبراهيم؟
هل تشكّل الأثر في مقام إبراهيم حين وقف (ع) على المكان – الصخرة – أثناء بناء الكعبة؟ أو انّ الآية حصلت حين عادَ إبراهيم للمرة الثانية فطلبت منه زوجة ولده إسماعيل أن ينزل لتغسل له (رأسه أو رجله) إلّا انّه لم ينزل وانما وضعَ قدمه على الصخرة فتركت هذا الأثر؟ أو الأثر انطبع على الصخر حين اعتلاه الخليل ليؤذّن في الحج امتثالاً لأمر الله تعالى: (وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالا...) (الحج/ 27).
يمكن أن يكون الأثر قد حصل في جميع هذه الحالات، أو في إحداها.
فجميع هذه الوجوه محتمل الوقوع. بيد انّ ما يهمنا التأكيد عليه هو أنّ الخليل (ع) وضع قدميه على الصخرة فانطبعت آثارهما، وبقيت الآثار حتى اللحظة. أما في أي حالة من الحالات آنفة الذكر تمّ ذلك، فالأمر مُناط للروايات الخاصة التي تتكفل إضاءة المسألة وبيانها.
إنّ هذه الخصيصة التي حصلت لإبراهيم (ع) كانَ لها ما يناظرها في سيرة داود (ع)، حيث يحدثنا (سبحانه) في سورة سبأ، بقوله تعالى: (وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُدَ مِنَّا فَضْلا يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ) (سبأ/ 10). ليس هذا وحده، وانما عُلِّمَ داود صناعة الدروع، حيث يقول تعالى: (وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ) (الأنبياء/ 80)، لقد كان الحديد البارد الصلد يلين بين يدي داود (ع).
وما ينبغي الانتباه انّ القرآن استعمل (ألنّا) في مسألة الحديد، في حين استعمل (علّمناه) في صناعة الدروع. والسر انّ صناعة الدروع هي جزء من العلوم الحرفية الصناعية التي يمكن تعلّمها واكتساب المهارة فيها، وبالتالي يمكن انتقالها إلى الآخرين. أما إلانة الحديد فهي ليست مسألة مهنية تدخل في إطار العلم والتعلّم، وبالتالي لا يمكن أن تنتقل إلى الآخرين، ولذلك لم يعبّر عنها بـ"وعلّمناه إلانة الحديد".
قد يقال: إنّ من الممكن إلانة الحديد عبر تذويبه في صهاريج الفولاذ، إلّا أنّ الآية لا تتحدث عن هذا النمط من الإلانة والتذويب الذي يقع في مجال العلم، وانما تتحدث عن فعل إعجازي، حيث كان داود (ع) يمسك الحديد الصلب بين يديه ويشكّله كيفما شاء، تماماً كما يمسك الإنسان العادي الشمع بين يديه ويعيد تشكيله بماء يشاء.
ومقام إبراهيم (ع) هو من هذا القبيل، مع فارق بين الاثنين حيث لانَ الحديد لداود، والصخر لإبراهيم، والتقدير "والنا له الحجر".
لقد أضحى الصخر ليناً ناعماً بين قدمي الخليل، حتى ترك أثرهما عليه، مُضافاً لذلك انّ الصخر أضحى بمثابةِ "المحفظة" لقدم الخليل (ع) كما الحديد بالنسبة لداود (ع).
والآن عودة إلى بدء. فقد انطلقنا من السؤال التالي: كيف يكون مقام إبراهيم لوحده – بصيغة المفرد – دالة على (آيات بينات) وهي بصيغة الجمع؟
ذكرنا حتى الآن أحد احتمالين – حيث لاحظنا انّه هناك عدد من الآيات المعجزة في المقام يشكّل مجموعها: آيات بينات – والاحتمال الأوّل هذا ذهب إليه الزمخشري.
أما الاحتمال الثاني ففحواه (آيات بينات) تنطوي على عددٍ كبير – من الآيات والمعجزات – احداها (مقام إبراهيم)، وثانيتها: (وَمَن دخله كانَ آمناً).
الأمنان التكويني والتشريعي لبيت الله الحرام:
إنّ للكعبة أمناً تكوينياً، إذ دأب الكثير من الطغاة على التعرض للبيت في محاولة للقضاء عليه، ولإلحاق الأذى بأهل مكة، إلا أنّ الله سبحانه حفظ البيت وجعله في أمان. يقول تعالى: (الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ) (قريش/ 4). ويوم لم يكن ثمة أثر للتشريع والأحكام، كان أهل مكة وهم مشركون يتمتعون بأمن خاص. ثمّ هناك الأمن التشريعي، ومؤدّاه: (من دخله كان آمناً)، بل انّ الطبري نقل في تفسيره للآية (97) من سورة آل عمران، انّ المجرم الجني كان في الجاهلية إذا لجأ إلى الكعبة لا يتعرض له أحد بسوء.
وهنا لا نحتاج للتكلّف فنحصر (آيات بينات) في خصوص "مقام إبراهيم" أو خصوص ما للبيت من أمن إلهي مجعول. فبئر "زمزم" و"حجر إسماعيل" و"الحجر الأسود" هي أيضاً آيات بينات.
بل إنّ البيت بنفسه هو معجزة وآية بينة، بدليل ما حلَّ بأصحاب الفيل الذين همّوا بهدم الكعبة، فواجههم (سبحانه) بجيوش إلهيّة، كما تحكي لنا ذلك سورة الفيل: (أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ * أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ * وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْرًا أَبَابِيلَ * تَرْمِيهِمْ بِحِجَارَةٍ مِنْ سِجِّيلٍ * فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ) (سورة الفيل). إذاً، ليس ثمة ما يدعونا للقول: انّ "مقام إبراهيم" هو وحده بيان لآيات بينات، وانما خُص بالذكر من باب ذكر الخاص بعد العام.
يقول تعالى في سورة البقرة: (وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْنًا وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ) (البقرة/ 125). لقد ذُكر في بحث مفصَّل انّ "البيت" مرجع للناس كافة وملاذ لهم، وهو محاط بأمن تكويني وأمن تشريعي. فإذا أراد أحد التعرّض للبيت بهدف الهدم والإفناء فإنّ الله (سبحانه) يكون بالمرصاد.
أما الأمن التشريعي فمن مصاديقه، انَّ الإنسان إذا كان عليه حد ولجأ إلى الحرم، أمن إقامة الحدود عليه طالما مكث بالحرم؛ إلاّ أن لا يراعي حرمة البيت، فيحنئذٍ يشمله القصاص. يقول تعالى: (.. وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ...) (البقرة/ 194). بمعنى انَّ الإنسان إذا تعرض لحمرة الكعبة والمسجد الحرام وعموم الحرم والشهر الحرام، فسينزع عن نفسه الأمان، ويكون عرضة للقصاص والحد.
فإذا اجترح الإنسان جناية في الحرم أقيم عليه الحد حتى وهو داخله. اما إذا ارتكب الجناية خارج الحرم ولجأ إليه أمن الحد وأمهل حتى يخرج منه. ولكن يضغط عليه حتى يلجأ إلى خارجه؛ فلا يبتاع منه ولا يُطعم ولا يُحسن إليه.
ثمة غير الآية التي نتحدَّث عنها، آية اخرى تشير إلى ما يتحلى به الحرم من أمن، حيث يقول – تعالى – في سورة العنكبوت: (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا آمِنًا وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَكْفُرُونَ) (العنكبوت/ 67).
والسر انَّ ما من أحد يتعرض إلى البيت بقصد الإِفناء، ولأهله بقصد الاستئصال، إلاّ وكان الله له بالمرصاد، فيذيقه العقاب بلا إمهال: (.. وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ) (الحج/ 25).
ثمة رواية ينقلها المرحوم ابن بابوية في كتاب "من لا يحضره الفقيه" مؤدّاها: إذا كان البيت يتحلى بحرمة خاصة، وإذا كان (سبحانه) قد أرسل (طيراً أبابيل) على جيش أبرهة حين قصد الكعبة؛ فلماذا لم تشمل الحماية الإلهيّة ابن الزبير حين تحصَّن داخل الكعبة، حيث قام الحجاج بن يوسف برمي الكعبة بالمنجنيق من على جبل أبي قبيس – بأمر من عبدالملك – فهدّمت الكعبة وأعتقل ثم قتل؟
نقل عن الإمام (الذي يبدو هو الإمام السجاد (ع) انَّ الزبير لم ينصر إمام زمانه سيّد الشهداء الحسين (ع) حتى استشهد مظلوماً، وحينما آلت الإمامة إلى الإمام الذي يليه (الإمام السجاد (ع) لم ينصره ولم يدع إليه. لذلك لم ينصره الله ولم يدفع عنه حتى وهو يلوذ بالكعبة ويلجأ إلى داخل البيت، كما حصل في جيش أبرهة حيث أرسل (سبحانه) (طيراً أبابيل) في حين لم يحصل الشيء نفسه حين رمى الحجاج الكعبة بالمنجنيق.
لذلك انتهى الأمر باعتقال الأمويين لابن الزبير – وهو رجل فاسد – فقتلوه ثم أعادوا بناء الكعبة دون مشكلة تُذكر. أما بالنسبة لأبرهة فالأمر يختلف تماماً، إذ كان هدفه إفناء الكعبة وتحويل قبلة الناس إلى جهة أخرى، لذلك لم يمهله سبحانه.
بمعنى آخر، انّ تصرّف الحجاج بن يوسف لم يشكل نقضاً للآية: (وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ) (الحج/25)، ولا يتعارض معها. ولا زال الأمر يشكل حالة مطّردة، فلو افترضنا انَّ هذه الديار تتحوَّل إلى ديار ظلم، فالله (سبحانه) لا يتدخل لقمع الظالم واستئصال الظلم إن لم يكن أهل الديار على الصراط المستقيم؛ وانما يمكن أن نفسِّر أمثال هذه الوقائع على أساس: (.. نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضًا...) (الأنعام/ 129)، – أي انَّ الوقائع تتحرك على مسار قانونٍ آخر –.
انَّ الفكرة المحورية التي ينبغي أن ننتبه إليها، هي انَّ على المسلمين أن ينهضوا بتكليفهم، ويضطلعوا بواجباتهم، ثم ينتظروا الوعيد الإلهي: (وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ) (الحج/25).
نسبة "البيت" إلى الله والناس:
ثمة في مطلع الآية – مورد البحث – ما يؤكد الفكرة التي نبحثها، ويدل عليها، حيث يقول تعالى: (انَّ اوّل بيتٍ وضع للناس...).
لقد نسب الله (سبحانه) البيت إلى ذاته المقدّسة كما نسبه إلى الناس، ولكن مع فارقين أحدهما أدبي والآخر معنوي. أما الأدبي فيتجلى في نسبه البيت إليه (سبحانه) من دون "لام" حيث قال: (أن طهّرا بيتي) أما حين النسبة إلى الناس فقد دخلت "اللام" حيث قال سبحانه: (.. وضع للناس). والمعنى المراد: أنَّ الكعبة هي بيت الله، وليست بيتاً للناس، بيد انها وضعت للناس ومن أجلهم.
أما الفارق المعنوي فهو يتجلى في انَّ إضافة البيت إلى الله (سبحانه) هي التي منحته الشرف والرفعة. وذلك على عكس الحالة الثانية، إذ اكتسب الناس الشرف والرفعة بإضافتهم إلى البيت.
فشرافة "البيت" من نسبته لله تعالى؛ وشرافة الناس من نسبتهم إلى البيت.
قوله تعالى: (وُضِعَ لِلنَّاسِ)، الوضع هنا تشريعي، والمقصود: انّ البيت معبد وقبلة ومطاف للناس؛ جميع الناس دون أن يكون من إختصاص فئة دون أخرى. والطريف الذي يلاحظ انّ التعبير جاء بصيغة "وضع للناس" لا بصيغة "بني" للناس.
الكعبة هي القبلة لوحدها:
لنفترض انّ الآية الكريمة أشارت إلى الأرض التي تحيط الكعبة، فمع هذا الافتراض، تكون الإشارة من باب انّ هذه المساحة تشكل منطقة الحرم. أما ما هو مهم، فهو البناء الخاص؛ أي الكعبة.
وما يقال – على سبيل التقرير – من انّ الكعبة قبلة، فذلك في مقابل مَن ذهب للقول: انّ الكعبة قبلة للقريب؛ ولأهل مكة يكون المسجد الحرام قبلة، أما البعيد فقبلته الحرم المكي برمته.
فهذا الرأي خطأ؛ والصواب أنّ الكعبة هي قبلة الجميع سواء منهم القريب والبعيد. والفارق الذي يقال إنّما يصدق على جهة الاستقبال.
لقد حث الإسلام النبي والآخرين، على أن يقولوا في كلِّ الحالات: "والكعبة قبلتي" حتى أضحت هذه الجملة ذكراً يردّده الجميع.
إنّ لجميع الأموات والأحياء شأناً مع الكعبة، فالمحتضر يستقبلها، والميت يدفن باتجاهها. بيد أنّه ليس لأحدٍ من هؤلاء شأن مع المسجد الحرام أو الحرم بنفسهما. اما قوله تعالى: (شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ) (البقرة/ 144)، فهو من جهة: (فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا) (البقرة/ 144)، فالقبلة المتمثلة بالكعبة هي المقصد.
ثمّ إنّ الذي يولي وجهه شطر المسجد الحرام حتى يكون قد إتجه إلى الكعبة؛ فالاختلاف إذاً في جهة الاستقبال لا في القبلة نفسها. فالقريب يتوجه نحو البيت ويستقبل بوجهه "جرم الكعبة". أما البعيد فهو يُولي نحو الحرم، إلّا انّه يتوجه إلى الكعبة.
وبالنسبة لقوله تعالى: (وَحَيْثُمَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ) (البقرة/ 144)، فإنّ المقصود هو استقبال المسجد الحرام، لا إتخاذه قبلة. فالمسجد الحرام ليس قبلة بنفسه، ولا الحرم المكي، وانما تقتصر القبلة على الكعبة نفسها كما اثبت ذلك المضطلعون بالدراسات الإسلامية (الفقهية).
ومن طريف ما يمكن ان نشير إليه هنا، ما ذهب إليه بعض الأكابر من العلماء من انّ الكعبة بنفسها ليست قبلة أيضاً؛ بل القبلة ماثلة في حيّز الفضاء الخاص الذي تشغله. ورحم الله استاذنا المحقق الداماد الذي كان يكرّر هذه الجملة بدأب: ليست الكعبة هي القبلة، إذ يمكن لهذه "البُنية" أن تنهدم أو تنهار في يوم من الأيام أثر سيل أو غيره؛ فهل يبقى المسلمون يومئذٍ دون قبلة!
لذلك قالوا: إنّ القبلة هي ليست هذه البناية والجدران المضلعة، بل هي الفضاء الخاص الممتد "من تخوم الأرض إلى عنان السماء". واستدلوا على ذلك بأنّ المصلي إذا صلى في مكان منخفض أو مرتفع عن مستوى سطح الكعبة وبنائها، فهو يتوجه إلى الحالتين إلى الفضاء الممتد من تخوم الأرض إلى عنان السماء، وكون هذا الفضاء قبلة لا يطرأ عليه أي تغيير أو تبديل.
ومن الطريف أن نختم هذه الفقرة بكلمات للفخر الرازي في فضل الكعبة وشرفها انتقلت من بعده إلى كتب الآخرين؛ حيث قال: "ليس في العالم بناء أشرف من الكعبة، فالآمر هو الملك الجليل؛ والمهندس هو جبريل؛ والباني هو الخليل؛ والتلميذ إسماعيل (ع) وكفى بذلك فضلاً وشرفاً".
بيد انّ مثل هذا الشرف والفضيلة لم يثبتا لبيت المقدس.
مصاديق "آيات بينات":
ثمة آيات بينات في هذه الديار المقدسة، هي بجموعها دلالة واضحة على الغيب. انّ الآية معناها العلامة، وهي بالاصطلاح القرآني علامة صدق الأنبياء، فيما يدعون إليه من ربوبية الخالق وعبودية المخلوق.
لقد توفّر الفخر الرازي في تفسيره على ذكر علامات (آيات) كثيرة تدل على خصوصية الكعبة وكيفية بنائها، وهي تتحرك إجمالاً في نطاق هذا المحور، وفيما يلي نستعرض بعض هذه الآيات – العلامات –:
1- انبثاق زمزم ودوام فوران مائها:
ثمة الكثير من الآيات البينات في خصوص بئر زمزم، فماؤها شفاء، وهو لا يفسد حتى لو طالت عليه المدة. ثمّ انّ بئراً يبقى ماؤها يفور منذ آلاف السنين، في أرض تفتقر إلى الأمطار الغزيرة ولا تكاد تسقط فيها الثلوج إلّا نُزراً، هو بحدّ ذاته معجزة وآية من الآيات الإلهيّة البينة.
أما لو كانت هذه البئر في أرض تغزر فيها الأمطار ويتكاثر سقوط الثلوج، لأمكن تفسير دوام انبثاق مائها على أساس: (فَسَلَكَهُ يَنَابِيعَ فِي الأرْضِ) (الزمر/ 21).
ثمّ انّ في مائها بركة خاصة، حتى كان رسول الله (ص) يطلبه هدية من القادمين من مكة.
وبئر هذا منبثقها؛ وهذا دوام فوران مائها، وفي مائها البركة والشفاء، بحيث لا يفسد ماؤها ولا يُصاب بالعَفَن، لهي حقاً محفوفة بالمعجزات، بل إنّ ماءها وحده هو تجلي لـ"آيات بينات".
2- المشعر الحرام:
في أطراف مكة (المشعر الحرام، عرفات، ومنى) علامات تتجلى فيها آيات بينات. فرغم انّ تلك المنطقة بعيدة عن مدار السيل، إلّا انّه يكثر فيها الحصى وأجزاء الصخر المفَتَّت إلى قطع صغيرة، كتلك التي تتركها السيول حين تدهم منطقة صخرية جبلية.
فالحصى هناك كثير، ويكفي أن نتصوّر كثرته بما يحمله كلّ حاج بمفرده، إذ يحتاج كحدٍ أو أدنى إلى سبعين حصاة؛ ومع ذلك لا زال الحصى وفيراً لم ينفذ، وفي ذلك وحده معجزة. يقول الفخر الرازي في تفسيره الكبير: "وقد يبلغ من يرمي في كلِّ سنة ستمئة ألف إنسان – كلّ واحد منهم – سبعين حصاة، ثمّ لا يرى هناك إلّا ما لو اجتمع في سنة واحدة لكان غير كثير. وقد يقال الآن: انّ المسؤولين في الحجاز هم الذين يتولون عملية رفع الحصى المتجمع وتسطيح الأرض مجدداً، ولكن ماذا بالنسبة لذلك الزمان؟.
3- رعاية الحيوان لحرمة الكعبة:
تسعى الطيور أن لا تحط في أعلى الكعبة كي لا يتلوث المكان بفضلاتها؛ وإذا كانت في حالة انحدار من الأعلى نحو الأرض، فإنها تبتعد عن الكعبة بزاوية معينة. وفي ذلك وحده علامة على آية بينة.
وما ينبغي أن نشير إليه، انّ عم تلويث الطيور للمشاهد المشرفة والعتبات المقدسة، هو ظاهرة مشهودة أيضاً، وإن كان الأمر يختلف بالنسبة إلى الكعبة في تلك الزاوية التي ينحدر بها الطير بعيداً عن الكعبة.
لقد تحدّثوا بمثل هذه الكرامة لحرم الإمام أمير المؤمنين (ع) فقالوا: انّ الطير تراعي هذا الأدب من باب: "ينحدر عنّي السيل ولا يرقى إليّ الطير".
وقالوا عن الحرم المكي أيضاً: انّ الوحوش لا تعتدي على بعضها البعض وهي في الحرم، ولا تلحق الأذى بالحيوانات الأليفة.
وما نخلص إليه: انّ ثمة الكثير من الشواهد الظنية التي تُفيد انّ هذه المنطقة ليست عادية، فالحيوان فيها آمن، والإنسان يتحلى بأمن نسبي ملحوظ (الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ) (قريش/ 4)، في حين كان من حولهم (.. وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَكْفُرُونَ) (العنكبوت/ 67).
4- مقام إبراهيم:
يحتل مقام إبراهيم (ع) موقعاً خاصاً في صلاة الحاج وطوافه، كما ينص على ذلك القرآن. وللمقام حرمة خاصة كونه مصداقاً للآيات البينات.
يقول تعالى: (وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْنًا وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ) (البقرة/ 125). هل تجب الصلاة خلف المقام مُباشرة أم أنها تكفي عند المقام؟ ثمة أقوال انتهى إليها البحث الفقهي وُفق اختلاف المدرك (الرواية)، إذ احتاط بعضهم فذهب إلى وجوب الصلاة خلف المقام مُباشرة؛ فيما عدّ البعض الآخر الصلاة عندَ المقام كافية.
تقابل "اللام" و"على":
يقول تعالى: (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلا) (آل عمران/ 97)، انّ (على الناس) في الآية هي في حقيقتها (للناس) أي: لنفع الناس وفائدتهم، لا لضررهم وعليهم. كما انّ "اللام" في (لله) لا تفيد معنى النفع والاستفادة، وانما معناها: انّ هذا الأمر هو من قبل الله ومن جهته إلى الناس.
فالتكليف الإلهي يقترن دائماً بالخير، نظير قوله تعالى: (كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ) (البقرة/ 216)، وإذا كان الشيء خيراً فلا يكون بضرر أحد.
لذلك نخلص إلى أنّ "اللام" و"على" حين يكونان في مقابل بعضهما البعض، فإنّ التقابل علامة على أنّ الأمر أو الشيء يكون حكماً من أحد الطرفين، وجعلاً وواجباً على الطرف الثاني، ولا يمكن أن يدل (التقابل) على الضرر.
فضيلة الحج على سائر العبادات:
لا يبدو من ظاهر آيات القرآن الكريم، انّ ثمة عبادة غير الحج جاءت في صيغة (لله على الناس) إذ لم نجد نظير هذا الأسلوب في عبادة مثل الصلاة والزكاة، وبالتالي لا يقال "لله على الناس إقامة الصلوة" أو "لله على الناس إيتاء الزكاة".
وهذا التمييز يُعدّ في حدّ ذاته على خصوصية فريضة الحج وما تنطوي عليه من عظمة من بين سائر العبادات.
فعن الصلاة جاءنا الخطاب القرآني بصيغة (وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ) (البقرة/ 43)، أما الحج فتميَّز وانفرد بصيغة: (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ...).
"الحج" لغة:
الحج مصدر، وقد ذهب البعض إلى انّه اسم مصدر، ومعناه قصد بيت الله الحرام.
انّ "حج البيت" هو عبادة مألوفة منذ عصور قديمة؛ وبالذات منذ عصر الخليل إبراهيم (ع). وقد اعتادوا أن يعدّوا السنين بالحج، وفي ذلك يقول نبيُّ الله شعيب لموسى الكليم (ع): (قَالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ) (القصص/ 27).
ويقال في لغة الشهور "ذو الحجة" لوقوع "حج البيت" في هذا الشهر، ويعبر أربع حجج بدلاً من أربع سنوات وهكذا.
هناك في الآية: (لِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ...) الكثير مما ينبغي التأكيد عليه؛ من نظير:
1- يتضح من ظاهر آيات القرآن أنّ الحج هو العبادة الوحيدة، التي عُبّر عنها بصيغة (لِلَّهِ عَلَى النَّاسِ).
2- لقد قُدّم "لله" على المبتدئ المؤخّر، لكي يفيد السياق معنى الحصر، ويدل على انّ العبادة (الحج) لله وحده.
3- لقد بينت الآية الأمر بصيغة البدل، والإبدال يفيد التكرار كما يقال، إذ لم يقل سبحانه: "لله على المستطيع.." وانما قال: (لِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ).
4- انصرفت الآية وهي في معرض بيان من يشمله التكليف من "الناس" للتعبير بصيغة بيان "البعض من الكل" فقالت: (مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلا)، وهذا الأسلوب بمثابة التفصيل بعد الإجمال والتبيين بعد الإبهام: وهو يفيد التكرار والتأكيد.
ولو جاءت الآية بصيغة "لله حج البيت على المستطيع" أو "لله على المستطيع" أو "على من استطاع إليه سبيلاً حج البيت" لما أفهمت المعنى آنف الذكر.
المقصود من "البيت" هو (أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ)، والاستطاعة تنقسم إلى استطاعة عقلية واستطاعة شرعية، وكلاهما تتضمنهما الآية.
فمن الناحية العقلية يستطيع كلّ إنسان "مستطيع" أن يتشرف بالحج "ولو متسكعاً" وإن كان الحج مستحباً بالنسبة إليه، ليس بواجب؛ وإن لم يكن مستحباً فيحمل على معنى الزيارة ويدخل في المعنى العام لقوله تعالى: (مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ) فهو مصدر هداية وبركة للجميع المستطيع وغير المستطيع، وحاجاً كان أو معتمراً؛ واجباً أدّاه أو ندباً.
إلّا انّ الحج الواجب لا يجب إلّا على المستطيع. وفي البحث الفقهي ثمّة آراء؛ فهل تلزم الاستطاعة "إليه" فقط؛ أم انّ الاستطاعة "إليه" و"عنه" كلتيهما لازمتان؟.
المصدر: مجلة ميقات الحجّ/ العدد 1 لسنة 1415هـ
الأسرة مؤسسة إنسانية
د. محمد مهدي الصدر
تُعتبر الأسرة بمثابة "نواةٍ" للمجتمع الذي نحيى فيه. إذ أنها أصغر "وحدة" اجتماعية تمارس دورها بين الوحدات الاجتماعية الأخرى.
ولئن كانت الأسرة أصغر الوحدات الاجتماعية حجماً فما هي بأصغرها معنى ولا أقلّها أهمية. فهي الأساس والقاعدة الصلبة التي تتولى النشأة الأولى للأولاد وتقوم بتربيتهم وتعليمهم وإعدادهم كيما يضطلعوا بالمسؤوليات التي تقع على عاتقهم مستقبلاً. وليست الأسرة سوى "مؤسسة إنسانية" تقوم على أكتاف شخصين هما الرجل والمرأة. وهذه المؤسسة تشبع رغبات ملحّة في ذات كل منهما، وهي: رغبة الجنس ورغبة الإدارة ورغبة التربية ورغبة الأمومة ورغبة الأبوّة. وهي تدفع كل فرد من أفرادها إلى القيام بواجباته دون إرغام، بعد أن تشبع فيهم كافة الرغبات الإنسانية، فيقوم الأبوان فيها بتدريس أصول الحياة وكيفية العشرة، لأفراد المجتمع ورجال المستقبل، وهم الأولاد. وما من نظام يستطيع أن يلغي الأسرة بشكل نهائي لأن أي نظام عاجز عن مقاومة الرغبات التي تشبعها الأسرة، وهي رغبات متأصِّلة في أعماق كل إنسان. ولهذا فإنّ الأنظمة التي ألغت الأسرة عادت فأوجدتها على شكل أوسع. فالنظام الشيوعي مثلاً ألغى الأسرة التي تتألّف من (رجل) و(امرأة) و(أولاد)، ولكنه أقام المزارع الجماعية[1] التي تتكون من (عدّة رجال) و(عدّة نساء) و(عدّة أولاد). هذه المزارع عاجزة عن حلّ مشكلاتها (على عكس الخلية الحيّة التي تقوم بإتماء نفسها وحلّ مشكلاتها بلا تدخّل أجنبي)، فكانت بحاجة إلى تدخّل الدولة لحلّ تلك المشكلات. والمزارع الجماعية ذات مفعول رجعي.. بينما نجد أنّ الأسرة ترتفع بالإنسان إلى مستواه كإنسان – ذي حياة منتظمة –. أمّا النُظم الغربية فإنها لم تُقدِم على إلغاء الأسرة عن سابق تخطيط، وإنّ ما قدّمته هذه النُظُم كبديل للأسرة لم يكن إلا الانحلال، والميوعة التي أسفرت عنها حركات الهيبيز والبيتلز والبانك.. إلخ[2]. ويعرّف علمُ الاجتماع الأسرة بأنها رابطة اجتماعية تتكون من زوج وزوجة وأطفالهما، وتشمل الجدود والأحفاد وبعض الأقارب، على أن يكونوا مشتركين في معيشا واحدة[3]. ويرى الباحث علي عبدالواحد وافي في كتابه (الأسرة والمجتمع) أنّ الزواج الذي لا تصحبه ذرية لا يكون أسرة[4]. إنّ الأسرة هي إحدى العوامل الأساسية في بيان الكيان التربوي وإيجاد عملية التطبيع الاجتماعي وتشكيل شخصية الطفل، وإكسابه العادات التي تبقى ملازمة له طول حياته، فهي البذرة الأولى في تكوين النمو الفردي وبناء الشخصية[5] وفي تقويم السلوك الفردي، وبعث الحياة والطمأنينة في نفس الطفل. فمنها يتعلّم اللغة ويكتسب القِيَم الحميدة. وإليها يعود الفضل في تعلّم الإنسان لأصول الاجتماع، وقواعد الآداب والأخلاق. الفضل في تعلّم الإنسان لأصول الاجتماع، وقواعد الآداب والأخلاق. - واجبات الأسرة ووظائفها: تضطلع الأسرة بمسؤوليات أساسية على جانب كبير من الأهمية. وإن أدنى تقصير في أداء هذه المسؤوليات ليؤدّي – ولا شك – إلى حدوث خلل اجتماعي وإنساني وإلى عواقب وخيمة تدفع ثمنه الأجيال المتعاقِبة وإلى تفشي الجريمة والإدمان على المخدرات.. ولا يحسبنّ أحدٌ أن مسألة الإنجاب أمر ذو أهمية ثانوية. فهو الوسيلة التي تحفظ النوع البشري من الانقراض وهو الذي يرفد المجتمع بالدماء الشابّة. وقد أدّى انخفاض الإنجاب في بعض البلدان الصناعية الكبرى إلى نشوء مخاوف جديّة من أن تصبح بعض هذه البلدان – في بحر عقدين أو ثلاثة من الزمن – أمّة "هرمة" تفتقر إلى عدد كافٍ من الشباب. وهو الأمر الذي يهدّد عجلة الصناعة والاقتصاد والبحث العلمي والإدارة والانتاج بالتوقف[6]. ولابدّ للعائلة من الإشراف الكامل على تربية أطفالها: "فـ:"الأسرة مسؤولة عن عملية التنشئة الاجتماعية التي يتعلّم الطفل من خلالها خبرات الثقافة وقواعدها في صورة تؤهله فيما بعد لمزيد من الاكتساب، وتُمكّنه من المشاركة التفاعلية من غيره من أعضاء المجتمع"[7]. و"إنّ حرمان الطفل من أبيه – مؤقتاً أو بصورة دائمة – يثير فيه كآبةً وقلقاً مقرونين بشعور الإثم والضغينة، ومزاجاً عاتياً متمرِّداً، وخوراً في النفس وفقداناً لحسن العطف العائلي... وقد لُوحظ (في معاهد الأطفال) أنّه إذا كانت صحة الطفل البدنية، ونموه العضلي، وضبط دوافعه الإرادية تتفتح وتزدهر بصورة متناسقة في تلك المعاهد، فإن انفصاله عن والدَيه قد يؤدي من جهة أخرى إلى ظهور بعض المعايب كصعوبة النطق، وتمكّن العادات السيئة منه، وصعوبة نموّ حسّه العاطفي"[8]. أما الواجبات الأخرى للأسرة فهي: 1- إعداد الأولاد للمشاركة في حياة المجتمع والتعرّف على قيمِهِ وعاداته. 2- إمدادهم بالوسائل التي تهيئ لهم ذواتهم داخل المجتمع. 3- توفير الاستقرار والأمن والحماية والحنو على الأطفال. ففي الدين يجد الشباب الأمان والاطمئنان والسلامة النفسية في الحاضر والمستقبل. وعلينا أن نعلم بأننا "سوف نخسر أنفسنا عندما ننكر تراثنا وشخصيتنا الإسلامية أو نبتعد عنها بدلاً من أن نحاول إثباتها"[9]. فالدين إحدى الدعامات الرئيسية التي يرتكز عليها الكيان النفسي لأي إنسان، وهذه الدعامة تقيه من الهزات التي قد تعتريه في صراعه مع ظروف الحياة المتقلّبة"[10]. وهذا فضلاً عن أنّه يمنحه قناعة ورضا بما قسم الله تعالى له من رزق وصحه. وقد أرسى الإسلام الحنيف نظام الأسرة على أسس راسخة تستجيب لمتطلبات الحياة وتتواءم مع حاجات الناس وسلوكهم. وقد شاء الله تعالى أن تقوم الزوجية – وهي أسّ الحياة العائلية ونواتها الأولى – على أساس من المودّة والرحمة. قال تعالى في محكم كتابه العزيز: (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً) (الروم/ 21). قال الراغب: يُقال لكل واحد من القرينين من الذكر والأنثى من الحيوانات المتزاوجة: زوج، ولكل قرينين فيها وفي غيرها: زوج، قال تعالى: (فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالأنْثَى) (القيامة/ 39)، وقال: (وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ) (البقرة/ 35)، وزوجة لغة رديئة وجمعها زوجات – إلى أن قال – وجمع الزوج أزواج. فقوله: (أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا)، أي خلق لأجلكم – أو لينفعكم – من جنسكم فكل واحد منهما ناقص في نفسه مفتقر إلى الآخر، ولهذا النقص والافتقار يتحرك الواحد منهما إلى الآخر، حتى إذا اتصل به سكن إليه لأن كل ناقص مشتاق إلى كماله وكل مفتقر مائل إلى ما يزيل فقره، وهذا هو الشبق المودَع في كل من هذين القرينين. وقوله: (وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً)، المودّة كأنّها الحب الظاهر أثره في مقام العمل فنسبة المودّة إلى الحب كنسبة الخضوع الظاهر أثره في مقام العمل إلى الخشوع الذي هو تأثّر نفساني عن العظمة والكبرياء. والرحمة نوع تأثّرٍ نفساني عن مشاهدة حرمان المحروم عن الكمال وحاجته إلى رفع نقيصته يدعو الراحم إلى إنجائه من الحرمان ورفع نقصه. ومن أجلّ موارد المودّة والرحمة المجتمع المنزلي، فإنّ الزوجين يتلازمان بالمودّة والمحبة وهما معاً – وخاصة الزوجة – يرحمان الصغار من الأولاد في حفظهم وحراستهم وتغذيتهم وكسوتهم وإيوائهم وتربيتهم، ولولا هذه الرحمة لا نقطع النسل ولم يعش النوع قط. ويحرص الإسلام كل الحرص على أن يجعل الأسرة المسلمة أنموذجاً رفيعاً ومثالاً يحتذى به بما يُمثِّله من عناصر الريادة والقيادة الصالحة في المجتمع الإنساني. قال سبحانه وتعالى في وصف عباده الصالحين: (وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا) (الفرقان/ 74). ومرادهم بكون أزواجهم وذرياتهم قرّة أعين لهم، أن يسرّوهم بطاعة الله والتجنّب عن معصيته، فلا حاجة لهم في غير ذلك ولا إربة، وهم أهل حق لا يتبعون الهوى. وقوله: (وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا)، أي متسابقين إلى الخيرات سابقين إلى رحمتك فيتبعنا غيرنا من المتقين. وكأنّ المراد أن يكونوا صفاً واحداً متقدِّماً على غيرهم من المتقين ولذا جيء بالإمام بلفظ الأفراد. وهكذا نجد أن نظام الأسرة الذي شرّعه الإسلام مبني على أساس الحرص الشديد على تأمين السعادة للأسرة، وعلى تمتين أسس تماسكها وترابطها من الناحية النفسية والاجتماعية والجسدية كيما ينعم كل فرد من أفرادها بالحب والحنان والدعة والاستقرار والتفاهم والتكافل. والدولة الإسلامية مكلّفة أن تعنى أعظم العناية بإنشاء الاُسَر وحياطتها وتوفير ضمانات الاستقرار لها، وتعالج ما تلده الظروف الاقتصادية والثقافية والسياسية من آثار تمسّها، نَعَم هي مسؤولة عن ذلك مسؤوليتها عن التموين والتعليم والدفاع وما أشبه هذه الأغراض التي لا يمكن تركها للأفراد، لأنّها من صميم عمل الدولة[11]. الهوامش:
[1]- وهي على نوعين: مزارع حكومية وتدعى كولخوز ومزارع أهلية وتدعى سوفخوز. [2]- انظر كتاب السيد هادي المدرسي: كيف تسعد الحياة الزوجية، مؤسسة الوفاء، بيروت 1403، ص12-16. [3]- علم الاجتماع، محمد عاطف. [4]- ص 15-16. [5]- النظام التربوي في الإسلام، باقر شريف القرشي، دار التعارف – بيروت 1403، ص64-65. [6]- تدهور نسبة الإنجاب في فرنسا – مثلاً – إلى 1.7 طفل للعائلة الواحدة. وما تزال هذه النسبة مستمرة في الانخفاض. علماً بأن الحد الأدنى الضروري لا يقلّ عن نسبة 3 أطفال للعائلة الواحدة. [7]- علم الاجتماع، ص48. [8]- أثر الأسرة والمجتمع في الأحداث الذين هم دون الثالثة عشرة – اليونسكو، ص37. [9]- إسلام امرأة، ص8. [10]- الشاب من الطفولة إلى الزواج. إعداد محمد رفعت. مؤسسة عز الدين للطباعة والنشر – بيروت، 1403، ص201.
[11]- حقوق الإنسان، محمد الغزالي، ص115-116.
المصدر: مجلة نور الإسلام/ العددان 19 و20 لسنة 1991م
الاتفاق النووي.. إيران تنتظر النتائج الإيجابية للدبلوماسية وغروسي في طهران لحل مشكلة التفتيش
إدارة بايدن أبدت استعدادها للمشاركة في مباحثات برعاية الاتحاد الأوروبي، ومشاركة كل أطراف الاتفاق، للبحث في السبل الممكنة لإحياء الاتفاق النووي الإيراني
الاتفاق النووي هدف بشكل أساسي إلى خفض أنشطة طهران وضمان عدم سعيها لتطوير سلاح نووي (الأوروبية)
قال ممثل إيران بالأمم المتحدة مجيد تخت روانجي، إنه لا معنى لأي عودة للاتفاق النووي دون التحقق من جدية رفع واشنطن للعقوبات، في الوقت الذي يصل فيه اليوم المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية رافائيل غروسي إلى طهران عشية انتهاء مهلة حددتها لتقليص عمل المفتشين.
وأوضح روانجي أنه فرضت 3 أنواع من العقوبات على إيران، وأنه إذا لم تلغَ أي منها فلا فائدة من عودة واشنطن.
وشدد على ضرورة وجود ضمانات لوصول عائدات النفط لإيران عبر النظام المصرفي العالمي، إذا ما رُفعت العقوبات النفطية، ورأى روانجي أن الأوروبيين لم يعوضوا إيران عن خروج واشنطن من الاتفاق، لا بل أخلوا هم أيضا بالتزاماتهم.
وفي السياق ذاته، نقلت وكالة أنباء الجمهورية الإسلامية الإيرانية اليوم السبت عن المتحدث باسم الحكومة علي ربيعي قوله، إن إيران على يقين من رفع العقوبات الأميركية قريبا على الرغم من استمرار "الخلاف الدبلوماسي" بشأن إحياء الاتفاق النووي، في إشارة إلى رغبتها في إنهاء الأزمة، دون أن تبدي موقفا جديدا.
وأضاف ربيعي "نحن على ثقة من أن المبادرات الدبلوماسية ستسفر عن نتيجة إيجابية على الرغم من المشاحنات الدبلوماسية التي تُعد مقدمة طبيعية لعودة الأطراف إلى التزاماتها، ومنها رفع جميع العقوبات في المستقبل القريب".
وقبل وصوله إيران، قال المدير العام لوكالة الطاقة الذرية رافائيل غروسي إنه سيتوجه اليوم إلى طهران للقاء كبار المسؤولين الإيرانيين لإيجاد حل يتفق عليه الطرفان يتيح للوكالة مواصلة أنشطة التحقق الأساسية التي تجريها في إيران.
وأضاف غروسي في تغريدة له على موقع تويتر، أنه يتطلع إلى النجاح الذي سيكون في مصلحة الجميع.
في حين قال المتحدث باسم المنظمة الإيرانية للطاقة الذرية بهروز كمالوندي إن المباحثات ستركز على "القضايا الفنية والإجراءات المتعلقة بوقف عمليات الرقابة وفق البروتوكول الإضافي الطوعي"، كما تتناول "سبل مواصلة التعاون بين الجانبين"، وفق ما نقلت وكالة الأنباء الرسمية "إرنا".
اعلان
وأبرم الاتفاق النووي بعد أعوام من المفاوضات، وهدف بشكل أساسي إلى رفع العديد من العقوبات المفروضة على إيران، مقابل خفض أنشطتها النووية وضمان عدم سعيها لتطوير سلاح نووي.
وأبدت إدارة بايدن الخميس استعدادها للمشاركة في مباحثات برعاية الاتحاد الأوروبي، ومشاركة كل أطراف الاتفاق، للبحث في السبل الممكنة لإحيائه.
والجمعة، أبلغ بايدن مؤتمر ميونخ للأمن أن بلاده ستتعاون عن كثب مع حلفائها في سبل التعامل الدبلوماسي مع إيران، بعدما اعتمد سلفه ترامب سياسة عدائية حيال طهران قامت بشكل أساسي على "الضغوط القصوى".
وسبق للإدارة الجديدة أن أبدت رغبة في توسيع الاتفاق ليشمل ملفات، أبرزها برنامج الصواريخ الباليستية والنفوذ الإقليمي لطهران، إلا أن مسؤولين إيرانيين بينهم الرئيس حسن روحاني، أعلنوا رفضهم أي تعديل في بنود الاتفاق.
وجددت إيران الجمعة على لسان وزير الخارجية محمد جواد ظريف، تأكيد مطلبها رفع العقوبات المفروضة عليها، في أعقاب الطرح الأميركي للمباحثات.
المصدر : الجزيرة + وكالات
"إسرائيل" توسع ترسانتها النوويّة.. ما الذي كشفته الصور الفضائيّة الجديدة؟
ما الذي كشفته الصور الفضائيّة الجديدة لمركز "ديمونة" الإسرائيلي للأبحاث النووّية الواقع بصحراء النقب؟
- الصور التي نشرتها المنظمة لأعمال البناء قرب مركز "ديمونة" في 4 كانون الثاني/يناير 2021
نشر الفريق الدوليّ المعنيّ بالمواد الانشطاريّة، صوراً فضائيّة تؤكد تنفيذ "إسرائيل" أعمال بناء جديدة في مركز "ديمونة" للأبحاث النووية الواقع بصحراء النقب.
الصور التقطت عبر قمر صناعيّ في 4 كانون الثاني/يناير الماضي، حيث أشار الفريق أمس الخميس، إلى أنّ "أعمال البناء تجري على مقربةٍ مباشرة من مفاعل ديمونة، ومحطة إعادة المعالجة في الموقع".
وتتركّز تلك الأعمال في المرحلة الحاليّة على منطقة محفورة واسعة النطاق، يصل طولُها إلى نحو 140 متراً، وعرضها إلى
نحو 50 متراً، ولا يزال الغموض يلُفّ هدفها، بعد أن انطلقت تلك الأعمال أواخر عام 2018، وفق الفريق الدولي.
بحسب صحيفة "الغارديان" البريطانيّة، قال بافيل بودفيج، الباحث في برنامج العلوم والأمن العالمي بجامعة "برينستون": "يبدو أن البناء بدأ في وقت مبكر جداً من عام 2019، أو أواخر عام 2018، لذا فقد بدأ العمل به منذ حوالى عامين، ولكن هذا كل ما في وسعنا قوله في هذه المرحلة".
ولم تعلّق السفارة الإسرائيليّة في واشنطن على هذه الصور الجديدة حتى الآن، حيث تنتهج "إسرائيل" سياسة الغموض المتعمد بشأن ترسانتها النوويّة، دون تأكيد أو نفي وجودها.
ويُقدر اتحاد العلماء الأميركيين أن "لدى إسرائيل نحو 90 رأساً حربياً مصنوعة من البلوتونيوم المنتج في مفاعل الماء الثقيل في ديمونة".
يذكر أنّ "إسرائيل" قامت ببناء مفاعل "ديمونة" في الخمسينيات، بمساعدة سريّة واسعة من الحكومة الفرنسيّة.
وتمّ الكشف عن دور مفاعل "ديمونة" في برنامج الأسلحة النوويّة الإسرائيلي، لأوّل مرة من قبل فني سابق في الموقع، يدعى مردخاي فعنونو، الذي روى قصته لـ"صنداي تايمز" البريطانيّة عام 1986.
المصدر:المیادین
استعمالات مبتكرة لحبوب القهوة مع الحساء واللحوم المشوية والسلطات
أصبحت القهوة روتينا يوميا لمعظم الناس في مختلف أنحاء العالم، وفي كل أوقات اليوم تقريبا؛ ففي سويسرا على سبيل المثال، يستهلك الفرد الواحد 1100 كوب من القهوة سنويا، وهي الثالثة عالميا في معدل استهلاك القهوة.
ويميل الناس في الطقس الحار والرطب إلى تناول القهوة المثلجة أو الباردة، إذ لا يُغلى البن فوق النار، بل يُنقع في الماء البارد. وهنالك أيضا ما يُعرف بقهوة دالغونا الكورية التي تغلى مع الماء والسكر ثم تُخفق لتتحول إلى رغوة صلبة، وهذا النوع شهد انتشارا كبيرا في أثناء الحجر الصحي.

المزج بين الطعام والقهوة
إن حبات البن المحمصة لم تعد تُستخدم فقط في إعداد القهوة، بل أصبحت تضاف إلى عدد من الأطباق والأكلات. وبات عدد من مشاهير الطهاة في سويسرا، على غرار تانيا غرانديتس، يستخدمون البن لإضفاء نكهة خاصة على الأطباق التي يقدمونها لزبائنهم. وتقوم تانيا بتتبيل أطباقها بالقهوة، خاصة في الأشهر الباردة من السنة.
خيارات بلا حدود
وأفضل ميزة نحصل عليها عند المزج بين الطعام والقهوة هو أن عدد الخيارات لا حدود له، إذ إن حبات البن المطحونة تتناغم مع كل أنواع البهارات، خاصة الفلفل الحار والهال والكزبرة والزعفران والكراوية، كما تقول الكاتبة راحيل كورفغين في تقرير نشرته صحيفة "بي تسات بازل" (bzbasel) السويسرية.
فإذا كنت ترغب في الأيام المقبلة بمفاجأة ضيوفك على المائدة، فإن استخدام القهوة قد يكون خطوة ذكية تمنحك عددا من الخيارات لتقديم أطباق بمذاق فريد وغير مألوف.

نكهة رائعة مع الشواء
وبات الطبخ بالقهوة فكرة رائجة في المنازل وليس فقط في المطاعم، فقد اكتشف كثيرون أن الإسبريسو وأنواع القهوة الأخرى يمكن أن تمنح الصلصة والسلطة نكهات لذيذة. فعلى سبيل المثال، يمكن تتبيل قطع اللحم قبل الشواء بالبن المطحون بدلا من الفلفل الأحمر.
نكهة غنية مع السلمون
وفكرة إضافة القهوة لا تتلاءم فقط مع اللحم، بل يمكن تجربتها أيضا مع سمك السلمون وأنواع أخرى من السمك. ويؤكد أحد الطهاة أنه جرّب أيضا إضافة القهوة إلى المحار قبل طبخه، وكانت النتيجة رائعة.

إضافة القهوة إلى الصلصة
وتقول الكاتبة إن إضافة بعض القهوة إلى الصلصة قد تضفي عليها نكهة رائعة، لكنها تحذّر من تسخين هذا الخليط في درجة حرارة عالية أو لوقت طويل، لأن طعمه يتحول في تلك الحالة إلى المرارة.
وصفات متعددة
ويجمع أشهر الطهاة في أوروبا بين القهوة والفطر، وهي وصفة تحبها تانيا غرانديتس كثيرا وتستخدمها في مطبخها، كما أن القهوة تتناسب أيضا مع الشمندر والكراث واليقطين والخيار والخس.