
Super User
ادانة واسعة لنبش قبر الصحابي حجر بن عدي بسوريا
استنكرت عدد من القيادات والاحزاب والقوى الاسلامية في العالم الاسلامي جريمة نبش الجماعات المسلحة لضريح الصحابي الجليل حجر بن عدي "رضي الله عنه" في عدرا، والتي تعتبر استمرارا لجرائم التصدي لمقدسات المسلمين التي ابتدأها التكفيريون بهدم ضريحي الامامين العسكريين (عليهما السلام) في سامراء، وقد تلاقت الكلمات على ضرورة نبذ أفعال التكفيريين هذه.
اعتبر حزب الله في لبنان، ما حصل ينم عن عقلية ارهابية اجرامية لا تقيم وزنا للمقدسات، فيما وضع رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي الاعتداء في اطار استهداف وحدة المسلمين.
بدوره دعا رئيس التحالف الوطني العراقي ابراهيم الجعفري الى ملاحقة المعتدين، واصفا عملهم بالجبان. وفي بيان له شدد الجعفري على الوحدة الاسلامية وتفويت الفرصة امام محاولات زرع الفتنة.
من جهتها، استنكرت جماعة علماء العراق تدمير ونبش مرقد الصحابي الجليل، معتبرة انه مظهر قبيح من مظاهر الاستخفاف برموز التاريخ الاسلامي وشخصياته.
وذكر بيان للجماعة ان استمرار الاستهداف المتعمد للمراقد والأضرحة وبيوت العبادة للمسلمين والمسيحيين وغيرها من الاديان يعكس النهج الوحشي الضال لدعاة الجريمة والشر.
وحذرت لجنة الاوقاف الدينية في بغداد من استهداف بقية المراقد المقدسة في سوريا، داعية الى ادراك خطورة ما حصل على الامة الاسلامية.
واعتبر اتحاد القوى الصوفية في مصر الاعتداء من الكبائر، داعيا العالم الاسلامي الى الوقوف وقفة رجل واحد بوجه التكفيريين.
من جانبه، قال رئيس لجنة الاوقاف والشؤون الدينية في العراق علي العلاق، الخميس انه "نستنكر وبشدة هذا العمل المتجاسر والمستهين لكل المقدسات والمتجاوز على قداسة الصحابة الابرار ومنهم الشهيد حجر بن عدي (رضوان الله عليه)، وهو اعتداء على الاسلام والمقدسات وعلى كل القيم الانسانية والاسلامية وصدر من اناس لا دين ولا قيم لهم وهم يعادون اهل البيت (عليهم السلام) واصحاب رسول الله الخلص المؤمنين وهذا العمل الشنيع كشف عن مدى حقد وبغض هولاء لآل البيت وانصارهم عبر التاريخ".
وعن مدى تشابه الحادثة مع تفجير مرقد الاماميين العسكريين (عليهما السلام) في سامراء عام 2006 أكد العلاق، "انه وبلا شك هو مخطط واحد وان المنفذين ينطلقون من عقدة تاريخية وهم مجرمون قتلة، لذلك لا عجب ان تصدر من هؤلاء هذه الاعمال الفظيعة والشنيعة وقد تصدر منهم اعمال مماثلة واليوم كل المراقد المقدسة في سوريا هي معرضة لخطر الاعتداء والانتهاك".
ودعا العلاق، "الامم المتحدة وومنظمات اليونسكو واليونسيف ومجلس الامن الدولي لاتخاذ اجراءات عاجلة بهذا الصدد وكذلك الدول التي تدعم المعارضة السورية بالمال والسلاح لاسيما تركيا وبعض دول الخليج الفارسي، ولابد ان يدركوا خطورة هذه الاعمال واضرارها على وحدة المسلمين وتمزق الامة الاسلامية".
وأعلن تنظيم ما يسمى بـ"الجيش الحر في سوريا" التابع لتنظيم "القاعدة" الإرهابي نبش قبر الصحابي حجر بن عدي ونقل جثمانه الى مكان مجهول.
يذكر ان مرقدي الإمامين العسكريين (عليهما السلام) في مدينة سامراء جنوبي محافظة صلاح الدين قد تعرضا للتفجير بعبوات ناسفة في شباط عام 2006.
حَقّ الصّدَقَةِ
12. وَ أَمّا حَقّ الصّدَقَةِ فَأَنْ تَعْلَمَ أَنّهَا ذُخْرُكَ عِنْدَ رَبّكَ وَ وَدِيعَتُكَ الّتِي لَا تَحْتَاجُ إِلَى الْإِشْهَادِ فَإِذَا عَلِمْتَ ذَلِكَ كُنْتَ بِمَا اسْتَوْدَعْتَهُ سِرّاً أَوْثَقَ بِمَا اسْتَوْدَعْتَهُ عَلَانِيَةً وَ كُنْتَ جَدِيراً أَنْ تَكُونَ أَسْرَرْتَ إِلَيْهِ أَمْراً أَعْلَنْتَهُ وَ كَانَ الْأَمْرُ بَيْنَكَ وَ بَيْنَهُ فِيهَا سِرّاً عَلَى كُلّ حَالٍ وَ لَمْ تَسْتَظْهِرْ عَلَيْهِ فِيمَا اسْتَوْدَعْتَهُ مِنْهَا بِإِشْهَادِ الْأَسْمَاعِ وَ الْأَبْصَارِ عَلَيْهِ بِهَا كَأَنّهَا أَوْثَقُ فِي نَفْسِكَ لَا كَأَنّكَ لَا تَثِقُ بِهِ فِي تَأْدِيَةِ وَدِيعَتِكَ إِلَيْكَ ثُمّ لَمْ تَمْتَنّ بِهَا عَلَى أَحَدٍ لِأَنّهَا لَكَ فَإِذَا امْتَنَنْتَ بِهَا لَمْ تَأْمَنْ أَنْ تَكُونَ بِهَا مِثْلَ تَهْجِينِ حَالِكَ مِنْهَا إِلَى مَنْ مَنَنْتَ بِهَا عَلَيْهِ لِأَنّ فِي ذَلِكَ دَلِيلًا عَلَى أَنّكَ لَمْ تُرِدْ نَفْسَكَ بِهَا وَ لَوْ أَرَدْتَ نَفْسَكَ بِهَا لَمْ تَمْتَنّ بِهَا عَلَى أَحَدٍ وَ لا قُوّةَ إِلّا بِاللّهِ
العلماء والحوزة العلمية في فكر الإمام الخامنئي(2)
"التعليم الديني له جوانب عدّة، فمن جوانبه تنمية أفكار الناس وعقولهم «ويثيروا لهم دفائن العقول». ومن جوانبه الأُخرى درء الشبهات". الإمام الخامنئي
الفصل الثاني: وظائف رجال الدين الوظيفة الأساسية لرجال الدين
الواجب الأساسي و التحدّي المهم لرجال الدين وهو ما كانت تواجهه الحوزات و علماء الإسلام في الأدوار المختلفة ـ هو تبيين و تعليم الدين بالمعنى الواسع للكلمة؛ تعليم فقه الله، فقه الدين.
إنّ الفقه لا ينحصر في فروع الدين فقط؛ بل الفقه الأكبر هو التوحيد و المعارف؛ و هو ما ينبغي التوصّل إليه و فهمه من خلال الغَوْر في المسائل العقلية، و صقلها عن طريق تهذيب النفس. إذ كانوا شغوفين بتعلّم الدين و تعليمه للمتلقين. ثم إنّ تعليم الدين له جوانب عدّة، فمن جوانبه تنمية أفكار الناس و عقولهم «ويثيروا لهم دفائن العقول».
و من جوانبه الأُخرى درء الشبهات. فالشبهات كانت موجودة على الدوام، إلا أنّ أنماطها متفاوتة. و قد كان العلماء الكبار في الأدوار المختلفة يرون أن احدى مسؤولياتهم هي الرد على الشبهات. و المواجهة إمّا أن تكون عن طريق الوقاية أو عن طريق العلاج. و الوقاية خير من العلاج.
و ما كانوا يقومون به من تعليم الكلام و الفلسفة، و ما كان يقوم به شخصية کالعلاّمة الحلّي و هو فقيه جليل القدر، و له كتاب في الكلام، و له كتاب في الفلسفة أيضاً هو أن يستطيعوا من خلال تنمية (ترسيخ الإيمان في) عقول المتلقّين، وقايتها من تغلغل الشبهات إلى الأذهان أو رسوخها فيها؛ و لكي لا يجد ذلك المتلقّي نفسه ـ سواء كان إنساناً عادياً، أم طالب علم، أم شخصاً حكيماً و متعلّماً ـ عاجزاً أمام شبهة بدت له أو ألقاها آخر في ذهنه.
و كانت مهمّتهم الأُخرى معالجة الشبهات؛ فإن كانت تَعْرضُ شبهة، كانوا يعقدون مجالس كلام و بحث و اجابات عن الأسئلة، و كانوا يكتبون الكتب من أجل تفنيد الشبهات. و هم يدرسون الفقه و الفلسفة و الكلام و التفسير و العلوم التمهيدية، من أجل هذه الغاية.
و هم يقرأون التاريخ و يتعلّمون الكثير من علوم عصرهم ليتمكّنوا من تبليغ الدين؛ {لَقَدْ مَنَّ اللّهُ عَلَى الْمُؤمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْ أَنفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ و يُزَكِّيهِمْ و يُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ و الْحِكْمَةَ} و الآخر هو التزكية. إنّ التعليم يختلف عن التزكية. و مع ان التعليم لو جرى بالاسلوب الصحيح و على الطريقة السليمة، ينطوي بين ثناياه على التزكية، إلا أنّ التزكية لها مسارها المستقل.
الوظيفة الأساسية لطلبة العلوم الدينية :
الوظيفة الأساسية التي تقع اليوم على عاتق الطالب الشاب و الفاضل في الحوزة العلمية هي مواجهة الأمواج الفكرية و الاستعداد للتصدّي و المجابهة؛ و ليس من الضروري أن تكون هذه المجابهة بالكتابة و اعتلاء المنابر؛ و لكن من الضروري أن تقترن بالابداع و تنمية الفكر.
و هذا بطبيعة الحال يحتاج إلى مقدّمات، و يأتي على رأسها بالدرجة الاولى المثابرة في الدراسة. فعلى الطلبة الشباب أن لا ينسوا بأنّ عليهم أن يدرسوا. فطالب العلوم الدينية إذا أراد أن يقف في وجه من ينسب إلى الدين كل ما يأتي على لسانه من رطب و يابس بفعل تأثير القراءات الدينية المختلفة، و إذا أراد هذا الطالب أن ينطق بكلمة الدين، فعليه أن يتحلّى بالمقدرة على معرفة سفسطته لكي يتمكّن من نقض تلك السفسطة و المغالطة.
فالدخول إلى ساحة الأفكار الدينية يحتاج ـ مثل أي شيء آخر ـ إلى العلم و المعرفة بهذا العمل. هذا هو الشرط الأوّل. و طبعاً هناك شرط التقوى أيضاً. فهذا الطريق طريق التقوى. وهو طريق لا يجني فيه المرء شيئاً فيما لو جانب التقوى و تلوّثت أذياله بالدنس؛ بل تركس أقدامه في الوحل. واكتساب التقوى في الشباب أيسر بكثير من سنوات الشيخوخة.
البعض يظنّ ان اكتساب التقوى في سن الشباب أمر مستصعب، و ان الانسان إذا شابَ لازمته التقوى بشكل طبيعي؛ إلا أنّ هذا الظن خاطئ. فمن لا يطاوع قلبه للحقيقة، و لا يفتح نافذة قلبه نحو نور المعرفة و العبودية، فمن الصعب عليه جداً أن يحقّق هذا العمل في طور ما بعد الشباب و في طور الشيخوخة. طالب العلوم الدينية إذا قام بهذا العمل في سنوات شبابه سيقطف و يذوق في طور الشيخوخة الثمار اليانعة لعمله. إنّ وقت التقوى هو طور الشباب. التقوى معناها الاجتناب و الحذر من التخطّي و تجاوز الحدود. أهمية الدعوة : إن مسألة الدعوة واحدة من المسائل الأساسية في الحياة الاجتماعية، و لا تختص بعصر معيّن. إنّ الدعوة التي عبّر عنها القرآن بكلمات مثل «البلاغ» و «البيان»، و «التبيين»، و ما شابه ذلك، واحدة من الوظائف المقدّسة، و هي وظيفة الأنبياء، و العلماء، و المفكّرين، و المصلحين. الدعوة تعني الابلاغ.
و لكن ابلاغ أي شي؟ ابلاغ تلك الحقائق إلى أذهان و قلوب المتلقّين، التي لولاها لمنوا بخسران. و هذا هو ما يسمو بقيمة الدعوة. إنّ الدعوة التي أمر بها الإسلام و بقي علماء الإسلام و رجال الدين الشيعة متمسّكین بالعمل بها على امتداد التاريخ، وظيفة ذات جانب إلهي من جهة ـ {لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ و لاَ تَكْتُمُونَهُ}. و ذات جانب انساني من جهة أُخرى؛ لأنّها استنقاذ لقلوب و أذهان و اناس يفتقرون إلى العلم، أو مأخوذین بالشك و الجهالة. ينبغي النظر إلى هذه الوظيفة بهذا المنظار.
ضرورات الدعوة :
لقد أضحى علم الاتصالات اليوم علماً راقياً و في غاية التعقيد. و معرفة كيفية التواصل مع قلوب الناس و عقولهم بمختلف الطرق و الأساليب ـ و أعني هنا الدعوة ـ بحد ذاته علم. يمكن بطبيعة الحال اخضاع أسالیب التبلیغ و هو عملیة حصرية فريد من نوعها و شديدة التأثير ـ أي اعتلاء المنبر و مقابلة الناس وجهاً لوجه، و مجالس تفسير القرآن و بيان المسائل الدينية ـ يمكن اخضاع هذه الامور لضوابط معینة لكي تلتفت أذهان المبلغین لأهمية هذه القضية.
إنّ طلبة العلوم الدينية يستخرجون مبدءاً أو فكرة إسلامية من الكتاب و السُنّة، ثمّ يعيدون صياغتها و ترتيبها ثمّ يضعونها على شبكة المعلومات (الانترنت)، أو يقدّمونها إلى الجامعات و إلى الاذاعة و التلفزيون. فهم يبحثون عن الثغرات ومناطق الفراغ، ليبادروا إلى ملئها بإبداعهم و حسن ذوقهم.
معرفة المجتمع :
إذا أراد رجل الدين أنْ يعلم بما ينبغي عليه فعله، لابدّ أن يكون على معرفة بطبيعة مجتمعه ـ «العالم بزمانه لا تهجم عليه اللوابس» ـ و إن لم يكن كذلك، يجد ذاته قد تخلّف عن الركب.
و من الطبيعي ان هذا الشأن له مقدّماته، و الاصلاح و تبيين الحوزة العلمية و مناهجها، كلّه مقدّمة من أجل أن يكون رجل الدين في موضعه المناسب من حيث الجانب الوظيفي، و ليعلم ما هي وظيفته؛ أي أن يظهر إلى الوجود ذلك الكيان الذي يتولّى اداء الأعمال و المسؤوليات التي كان يقوم بها رسول الله عليه و على آله الصلاة و السلام. يجب على رجل الدين أن يوجد هذه الخصائص في ذاته، و أن يتّصف بالوعي و اليقظة.
معرفة المتلقّي :
متلقّو خطاب الداعية الديني اليوم هم الشباب؛ و عليه ينبغي أن تتركّز الجهود؛ «عليك بالأحداث». و لكن لا ينبغي الإعراض عن غير الشباب. و ما فاض عن ذلك يصل إلى غير الشباب و يكفيهم. ينبغي أوّلاً معرفة ما الذي يريده الشباب، و ما الأسئلة و الاستفهامات التي تراود ذهنه.
يجب أن تنصبَّ الجهود على المحتوى. و يجب معرفة التساؤلات التي تدور في أذهان الشباب من أجل أن تأتي الاجابة في موقعها، و إلاّ لربّما كانت هناك في ذهنه شبهات غير أن الخطيب فوق المنبر يتحدّث عن شيء آخر. و حين يجد الشباب ان كلام الخطيب لا يلامس ما في خلده، يعرض عنه و لا ينتبه إلى كلامه أصلاً. و لكن حين يجد أن الخطيب يستجلي ما يدور في خلده من تساؤلات و غوامض ثمّ يبددها و يزيحها، عند ذاك يجد في ذاته رغبة لحضور ذلك المجلس اليوم و غداً، و يكون حينها قد تأثّر بالكلام. إذاً ينبغي أوّلاً معرفة مشكلته و السؤال الذي يدور في خلده.
و ثانياً يجب حتماً التحدّث بأسلوب علمي لمعالجة تلك المشكلة. هاتان الملاحظتان إذا أُخذَتا بنظر الاعتبار، فسيكون و سيبقى رجل الدين و الأوساط العلمية و الدينية في قمّة التأثير الدعوي العميق. اليوم هناك سببان يدعوان إلى أن تكون الغالبية العظمى من المتلقّين الذين يُوجّه إليهم الخطاب من فوق المنابر، من الشباب؛
السبب الأوّل: إنَّ أعداء الدين يخطّطون منذ مدّة مديدة لاستهداف المتلقّين الشباب. فهم يحاولون عن طريق المذياع، و الكراسات، و الأساليب الأُخرى التي تنسجم مع طبيعة الشاب و مع شهوات شرائح من الشباب، لاستمالة قلوبهم و أفكارهم و الاستحواذ عليها و التحكّم فيها.
السبب الثاني: هو أنّ الشباب أرقّ قلباً و أسرع قبولاً؛ و ذلك لأن قلب الشاب نيّر. و قلوب الشباب لم تتلوّث بعد بقدر ما تلوّثت به قلوب أفراد من أمثالي ممّن تصرّمت أعمارهم، و لم تصبح قلوبهم بعد متمنّعة و عصيّة على التلقّي و القبول. فقلوبهم نيّرة؛ و يمكنهم بكل سهولة إدراك الحقيقة، و أن يأتوا للاستماع إليها و قبولها.
معرفة مواطن الحاجة :
على رجال الدين اليوم أن يبيّنوا للناس من فوق منابر الخطابة ما يرسّخ معتقداتهم الدينية؛ غير أن بعض المعتقدات لا تتزعزع و لا يعتريها اضطراب. على من يريد توجيه المتلقّي صوب سبيل الهداية أن يدرك ما يعتور ذهنه من مواطن الخلل و نقاط الضعف. عليه أن يعرف تلك الأمواج التي تستهدف أذهان المتلقّين و ترمي إلى تخريبها، ليكون على علم بما يحتاج إليه الشباب لكي يلقيه إليهم.
و ينبغي أن لا يكون الكلام بعيداً عمّا يدور في خلد المتلقّين من عشرات التساؤلات، و بدلاً من الاجابة عن تلك التساؤلات تراه يطرح على بساط البحث موضوعاً آخر لا يكون موضع تساؤل عند اولئك المتلقّين.
اليوم حيث يضخّون إلى أفكار شتّى الشرائح الاجتماعية ـ و الشباب منهم على وجه الخصوص ـ شبهات و تساؤلات و استفهامات مختلفة، يفترض بالخطيب و الداعية أن يعرف تلك الشبهات و ذلك الموج الهدّام و المفسد و المضرّ، ليعلم ما الداء الذي يريد معالجته، و ما الثغرة التي يريد سدّها.
الدعوة إلى حكم الإسلام :
اليوم، بالإضافة إلى ما ينبغي أن يُطرح من قضايا الإسلام العقائدية، و ترسيخ الايمان بالإسلام في العقول و القلوب، يجب أيضاً ترسيخ الاعتقاد بحكم الإسلام. و هذا ما كان يتطلّع إليه مسلمو العالم على مدى قرون متمادية و خاصّة كبار المفكّرين في القرن الأخير ـ ابتداءً بالسيّد جمال الدين الأسد آبادي إلى اقبال اللاهوري، و إلى أعلام الفكر و العلم، حيث كانوا يسعون إلى تحكيم دين الله استمراراً لطريق الأنبياء.
اليوم هناك أيدٍ و ألسن، و كتابات، و أمواج دعائية ترمي إلى إثارة شكوك و تساؤلات حول هذا الأمر البيّن. و هذه العقيدة يجب ترسيخها في الأذهان. يجب أن يعلموا أن حكم الإسلام معناه بسط العدل و العلم و الإنصاف بين الناس. و هو الحكم الذي يمكن أن يُعنى بأبدان الناس، و بقلوبهم و أخلاقهم و يبني حياتهم الواقعية و حياتهم المعنوية و يعمّر دنياهم و آخرتهم. و هذا هو معنى حكم الدين.
بيان القضايا السياسية والاجتماعية في الدعوة :
الخطأ الذي ارتكبه من تخلّوا عن طرح القضايا السياسية في الدعوة في الماضي، هو أنّهم حصروا العبودية لله في الدائرة الفردية. و قد أخطأوا في فهم هذا الأمر و أخطأوا في التعاطي معه. نعم إن الهدف هو اجتذاب الناس نحو العبودية لله؛ غير أن العبودية هذه تغطّي دائرة واسعة من حياة الناس، و هذه الدائرة غير محصورة بالأعمال الفردية. حين ينطبق معنى العبودية على عمل مجتمع بأسره، و على عمل عدد غفير من الناس، و على شعب بأكمله، سواء على عمله الاقتصادي، أم عمله السياسي، أم مواقفه السياسية، حينذاك يمكن بل و يجب أن تشمل دعوة الدعاة هذه القضايا و الامور.
يجب على الدعاة أن يطرحوا القضايا الأخلاقية، كما يجب عليهم أن يتحدّثوا عن الأخلاق السياسية أيضاً، و يتحدّثوا كذلك حول الجوانب الأخلاقية و المعنوية، ثمّ يقدّمون تحليلاً سياسياً.
و يشرحوا عن العدو الباطني ـ و هو النفس الأمّارة بالسوء أو الشيطان الرجيم ـ و عليهم أيضاً أن يتحدّثوا عن الشيطان الاجتماعي ـ و هو الشيطان الأكبر أو الشياطين الآخرين ـ و أن يكشفوا أيضاً عن عملاء الشيطان و أذنابه. فإذا أصبح معنى العبودية لله شاملاً لهذا المعنى الذي يدعوه إلى اجتناب «أنداد الله» و التبرّي منهم، يجب علی المرء أن يتبرّأ من كلّ أشكالها.
«أنداد الله» قد تكون تارة النفس الانسانية الخبيثة التي بين جنبيه «أعدا عدوّك نفسك التي بين جنبيك». و قد تكون تارة أُخرى الشيطان الذي جاء وصفه في أحد أدعية الصحيفة السجادية انه «الشيطان الذي جعلته في وجودي ومكنته مما لم تمكنّي منه»،
و تارة أُخرى ينطبق هذا المعنى على الشياطين الكبار في المجال السياسي الذين يتربّصون لإضلال الشعوب و التسلّط عليها و سلب ثرواتها و النيل منها و دفعها نحو هاوية الجحيم. هؤلاء هم الذين جعلوا أنفسهم أنداداً لله. إنّ العبودية لله تستدعي نفي هؤلاء الأنداد.
حاجة الشباب :
من جملة الامور التي ينبغي أن تُقال للمتلقّين و خاصّة في ما يتعلّق بالشباب، و يُدعَوْن إليها، و يُوَجّهون نحوها، حثّهم على التفكير، و التعقّل، و التحلّي بالأخلاق الإسلامية، و الاتصاف بالحلم، و الابتعاد عن التسرّع و العجلة في الامور، و تحاشي الحدّة و ممارسة العنف. ففي الأجواء الإسلامية يمكن غرس الحقائق في أعماق القلوب حين تُتّبع لغة اللين، و السلوك المنطقي و المتعقّل و حينما يكون هناك حلم في التعامل.
أرکان التبليغ :
الدعوة لها أركان أساسية ثلاثة و هي: الأوّل، الدافع إلى الدعوة؛ و الثاني، الهدف من وراء الدعوة؛ و الثالث، أدوات الدعوة و وسائلها و أساليبها.
الركن الأوّل:
الدافع إلى الدعوة يجب أن يكون الدافع وراء الدعوة الفكر، و العقل، و الإخلاص، و المعنوية. أي يجب أن تكون الدعوة مستمدة من مصدر نوارني.
و امّا إذا جاءت الدعوة انطلاقاً من أهواء النفس، و بدوافع سقيمة، أو إذا جاءت بعيدة عن أساس العمل و مجرّدة عن منطلقاته، فلن يكون لها ذات التأثير الذي يأتي انطلاقاً من ذلك المصدر الفياض، و مستقىً من مصدر عزيز و ثَرًّ، و انّما ستكون بتراء و غير سليمة المصدر يجب أن يكون الفكر و التأمّل و التدبّر و الدراسة من جهة، و الإخلاص للمتلقّي و النصيحة له و محبّته من جهة أُخرى. إذا دخل الداعية إلى الساحة بهذا الشعور و بهذه الدواعي الفكرية، فسيجتذب القلوب كالمغناطيس، و سيكون فعله كفعل قطرات الماء الزلال التي تؤثّر في أشدّ الصخور صلابة، و تنمّي الغرس في الأرض الخصبة.
الركن الثاني:
الهدف من وراء الدعوة يجب أن يكون الهدف من وراء الدعوة {صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ} و هو {صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ}، {إِنَّكَ عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ}، {ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ}. هدف جميع الأنبياء استمالة الناس إلى الصراط المستقيم. و الصراط المستقيم معناه العبودية لله؛ {وَأَنْ اعْبُدُونِي هَذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ}. يجب حث الناس على العبودية لله، و ذلك هو الصراط المستقيم. و هذه العبودية لها تطبيقاتها في مجال الأخلاق، و في مجال العمل الفردي و العمل الاجتماعي. و حين يصل الدور إلى بحث العمل الاجتماعي، ينبغي عند ذاك طرح البحوث السياسية، و التحليلات السياسية، و تسليط الأضواء على الشؤون السياسية.
الركن الثالث:
اسلوب الدعوة ووسائلها وأساليبها : هذه الآية الشريفة التي سبق ذكرها و هي: {ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ} بيّنت اسلوب الدعوة. فالكلام الحكيم هو الكلام الرصين، و الذي لا شبهة فيه، و لا وهن و لا ضعف. الحكمة تنطوي على كلّ هذه المعاني. الكلام الحكيم هو ذلك الكلام الذي يتّصف بالحكمة؛ أي أن المُحكم على الضدّ من المتشابه؛ {بِالْحِكْمَةِ و الْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ و جَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ}. الحوار، و النقاش، و مواجهة الأفكار، و توجيه الكلام إلى القلوب و الأفكار، و التحدّث بلسان مبين و اسلوب ودّي و أخوي. هذا طبعاً شيء في غاية الأهمية.
الدعوة في الوسط الشيعي : هناك فارق جوهري بين الدعوة في الوسط الشيعي و مِن قِبَل رجال الدين الشيعة و بين سواها من الدعوة في الأوساط الأُخرى، و هو أنّ الدعوة من قبل رجال الدين ليست وظيفة حكومية مقررة و مهمّة رسمية و جافّة، و إنّما فيها حوافز ذاتية، و منها الحوافز الإلهيّة و المعنوية، كما ان للذوق أيضاً تأثيره فيها. هذا من جانب نقاط قوّة الدعوة.
و في الوقت ذاته فإن جوهر العمل في أوساط رجال الدين الشيعة جوهر خاص. فالشعور بالتكليف الإلهي هو أكثر ما يدفعهم إلى الدعوة. و هذا لا يعني طبعاً انعدام الدوافع المادية تماماً، و لا يعني أنّ الدافع الإلهي يتنافى مع بعض الدوافع المادية لدى الداعي.
المهم هو أن يقدم رجل دين بإرادته على الدعوة و إذا كان ذا إخلاص و تقرّب إلى الله و وعي بالمعطيات المعنوية للدعوة، لانفتح أمامه ميدان الدعوة إلى الله. هذه فرصة لا يستهان بها متاحة لرجال الدين الشيعة.
عطاء رجال الدين لتحقيق أهداف الإسلام و غايات الأنبياء :
لقد حافظ العلماء على الدين الإسلامي و معارفه و فقهه، و تفادوا وقوع تحريف في حقل الأحكام الإلهيّة و أضاءوا شعلة الايمان في قلوب الناس و جعلوها تواصل وهجها.
و استقطبوا اهتمام الناس و استمالوهم نحو القرآن و نحو تعاليم أهل البيت (ع). فالعلماء هم الذين قارعوا الظلمة طيلة التاريخ، و كانوا ملاذاً للمظلومين و للشعوب الضعيفة و للناس المستضعفين.
و العلماء هم الذين استثمروا ما حان من الفرص لنشر المعارف الإسلامية و ترسيخ الايمان الإسلامي و الروح الدينية لدى الناس في كلّ ارجاء البلاد الإسلامية، و تعريفهم بمحبّة أهل البيت (ع) و بسيرتهم. لقد عاش العلماء على نمط ما كان عليه الأنبياء و الأولياء.
السيف لم ينشر الإسلام في كلّ بقاع البلدان الإسلامية. فالسيف لا يغرس الايمان في القلوب. إنّ ما يمكن أن يُنبت زهرة الايمان في القلوب، الموعظة و تبيين الأحكام و المعارف الإلهيّة. إنّ الفكر الإسلامي حي اليوم بفضل الله في جميع ارجاء البلاد الإسلامية.
و على مدى القرنين الأخيرين إذا كانت المشاعر التحررية قد استفاقت لدى الشعوب في مختلف البلدان، فإن سبب ذلك يُعزى إلى أن العلماء قد نجحوا في النهوض بدورهم و في قيادة الثورات. إنّ ما استطاع في شرق العالم الإسلامي ـ أي في شبه القارة الهندية ـ و في غرب العالم الإسلامي ـ أي في أفريقيا ـ و في ما بينهما، أن يقطع أيدي المستعمرين و يحافظ على الثقافة الإسلامية، و يقف في وجه الثقافة الغازية، هو نفوذ العلماء.
ففي إيران كانت ثورة التبغ و محاربة الاستعمار الأجنبي و استنهاض أبناء الامّة، و كذلك الحركة الدستورية (المشروطة)، و مقارعة الاستبداد الذي فرضه رضا خان، و استمرار هذه الانتفاضة إلى حين انبثاق الحركة الإسلامية الكبرى المقدّسة، كانت كلّها بزعامة العلماء و قيادتهم و ريادتهم، و إلاّ لما أحرزت ما أحرزته من نجاح. هذه مناقب مسطورة، و هذا تاريخ، لا يمكن أن ينكره إلا مغرض أو جاهل يلقي بكلام و يرمي من ورائه إلى اخفاء حقيقة.
الامام الخميني (ره) من منظار المشاهير
ولادة السيدة فاطمة الزهراء (ع) اضاءة في حياة الامة
عندما خلق الله الشمس.. اضاءت كل ماحولها، وبددت الظلام، ليحل محله النور، وهكذا كان خلق مريم ابنة عمران، اشارة الأذن بظهور ضياءها المتمثل بالمسيح في حياة البشرية، اذ كان عيسى عليه السلام ظل الله في الارض.. وفي كل مرة يخلق الله فيها نبي او رسول او وصي فان نور المرأة الام يكون اذن لبشارة جديدة، وهكذا كانت آمنة بنت وهب أذن بشارة لنور محمد صلى الله عليه وآله وسلم في حياة البشرية، وهو الفجر الصادق، والصادق الامين.. واذا بهذا النور ينتقل الى ابنته فاطمة الزهراء ويمتزج بنور علي بن ابي طالب عليه السلام ويولد من نورهما احد عشر نورا كل منها يمثل مصباحا وقمرا منيرا.. فأولهم الحسن عليه السلام، وآخرهم المهدي المنتظرعليه السلام.
لقد مثلت السيدة الزهراء عليها السلام صفحة خاصة في حياة الامة، ولم تكن صفحة هامشية، فهي مستودع العلوم ورمز الطهارة، وكانت عليها السلام عالمة فاهمة مفهمة.. وكانت قريبة من الوحي وغير بعيدة عنه.. ففي بيت النبوة كان مهبط الوحي، بل كانت قريبة من الوحي نفسه بما خصها الله سبحانه وتعالى وأهل بيت النبوة بآية التطهير.
وعلى الرغم من مكابرة المكابرين الذين حاولوا التقليل من شانها وأنى لهم التقليل اظهرت تلك السيدة الجليلة قدراتها يوم اهتزت الخلافة بعد رحيل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ودعت الامة الى انتهاج سبيل الحق وذكرتهم بما وصاهم به الرسول.
ولم تنته اضاءة الزهراء بمجرد موتها الجسدي لكن حياتها استمرت نورا في حياة الامة يهدي الى الحق.. فهي نور من نور. ولدت انوارا منيرة. فكيف لمثل هذا النور ان يأفل وهل يعقل ان ينتهي نورها بمجرد موتها الجسدي! فأن صدق ذلك لمات كل الانبياء والرسل!.. فهل مات الرسل او الانبياء بمجرد موتهم الجسدي ام ان ذكرهم لازال مستمرا خالدا بخلود الدهر.. نعم لازال نور آدم باقيا، ولازال نور نوح وابراهيم وموسى وعيسى ومحمد ونور كل الانبياء والرسل يضيء ويضيء ولايزالون احياء بيننا، ولايزالون أحياء عند ربهم يرزقون. وهذا هو الايمان الذي عرفناه ولن يتزعزع هذا الايمان الثابت في نفوسنا والراسخ كرسوخ الجبال.
لقد اولى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عناية خاصة بالسيدة الزهراء ليس لانها ابنته لكن لانها كانت سيدة ذات خصوصية خاصة كما كان لمريم ابنة عمران خصوصية خاصة، بل ان خصوصية الزهراء عليها السلام اعظم. اذ انها سيدة نساء عالمين زمانها وغير زمانها، كما انها كانت تحمل سلسلة الانوار التي تجسدت بالرموز الخالدة خلفاء النبي الاكرم الاثني عشر بأبيهم الامام امير المؤمنين علي بن ابي طالب عليه وعليهم افضل الصلاة والسلام.
والزهراء وهي ام الائمة المعصومين أدخر الله عز وجل فيها هذه السلسلة الطاهرة التي آخرها الامام المهدي المنتظر عجل الله تعالى فرجه الشريف وهو الامام الثاني عشر من ائمة اهل البيت عليهم السلام والذي سيملئ الله به الارض قسطا وعدلا كما ملئت ظلما وجورا.
والزهراء عليها السلام كانت عالمة بمستقبل الامة وتعلم جيدا الى من سيؤول امر هذه الامة ومن سيخلف امرها آخر المطاف، وتعلم ماسيقع على ابناءها بعد وفاتها، لذلك حملت الزهراء في نفسها هموم وآلام ابناءها وهموم وآلام الامة.
ولقد بكت الزهراء عليها السلام اباها وعمها الحمزة بن عبد المطلب وهي تعلم يقينا انهما في الجنة. ولكن هو ألم الفراق، وألم الاحساس بالظلم فقد مرت عليها السلام بأدوار عصيبة حملت في نفسها ألما لايخففه اي شئ سوى اللحاق بأبيها المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم.
فإلى الزهراء عليها السلام نهدي باقة ورد، والى زوجها امير المؤمنين وابنائهما المعصومين باقات من الورود ونسأل الله شفاعتهم يوم لاينفع مال ولابنون الا من اتى الله بقلب سليم.
في ذكرى ولادة فاطمة الزهراء(س) سيدة نساء العالمين
وقد أثبتت الزهراء للعالم الإنساني أجمع أنّها الإنسان الكامل الذي استطاع أن يحمل طابع الاُنوثة، فيكون آية إلهية كبرى على قدرة الله البالغة وإبداعه العجيب، إذ أعطى للزهراء فاطمة أوفر حظ من العظمة وأوفى نصيب من الجلالة والبهاء.
* لقد شاركت الزهراء (س) أباها وبعلها صلوات الله عليهما في أحرج اللحظات وفي أنواع الأزمات، فنصرت الإسلام بجهودها وجهادها وبيانها وتربيتها لأهل بيت الرسالة الذين استودعهم الرسول (ص) مهمة نصرة الإسلام بعد وفاته، فكانت أوّل أهل بيته لحوقاً به بعد جهاد مرير، توزّع في تكوين أُسرة نموذجية واُمومة مثالية ومشاركة فاعلة في سوح الجهاد مع المشركين والقضاء على خُططِ ومؤامراتِ المنافقين، وتجلّى في تثقيف نساء المسلمين كما تجلّى في الوقوف أمام المنحرفين ، فكانت بحقّ رمزَ الطهر والاُنوثة والاُمومة ورمز الإخلاص والبطولة والجهاد والصبر والشهادة والتضحية والإيثار ، حتى فاقت في كلّ هذه المعاني سادات الأوّلين والآخرين في أقصر فترة زمنية يمكن أن يقطعها الإنسان نحو أعلى قمم الكمال الشاهقة.
نشأة السيدة فاطمة الزهراء(س)
1 ـ الأمر الإلهي في خلق فاطمة (س) :
لقد هيّأ الله سبحانه وتعالى البيئة الصالحة لتكوين شخصية الصّديقة الطاهرة فاطمة الزهراء(س) التي قدّر لها أن تكون ملتقى النبوّة والإمامة الراشدة الضامنة لسلامة المسيرة الرسالية الخاتمة من خلال ذرّيتها الطاهرة من كل زيغ وشين .
والروايات تحدثنا عن مزيد من الاهتمام الربّاني والعناية الإلهية في تكوين وخلق الزهراء البتول، وقد أشار المصطفى(ص) إلى هذه الحقيقة في مواطن عديدة .
فقد روي أنّ النبيّ (ص) بينما كان جالساً بالأبطح إذ هبط عليه جبرئيل(ع) فناداه : « يا محمّد! العليّ الأعلى يقرئك السلام ، وهو يأمرك أن تعتزل خديجة أربعين صباحاً » فبعث عماراً بن ياسر إلى خديجة ليخبرها بالأمر الإلهي. وأقام النبيّ (ص) أربعين يوماً يصوم النهار ويقوم الليل، فلمّا كان تمام الأربعين هبط جبرئيل (ع) فقال : « يا محمّد! العليّ الأعلى يقرئك السلام ، وهو يأمرك أن تتأهّب لتحيته وتحفته». فبينما النبيّ (ص) كذلك إذ هبط ميكائيل ومعه طبق مغطى بمنديل سندس ، فوضعه بين يدي النبيّ (ص) وأقبل جبرئيل (ع) وقال: « يا محمّد! يأمرك ربّك أن تجعل الليلة إفطارك على هذا الطعام ». فأكل النبيّ (ص) شبعاً وشرب من الماء ريّاً ، ثم قام ليصلي فأقبل عليه جبرئيل وقال : « الصلاة محرمة [1] عليك في وقتك حتى تأتي منزل خديجة، فإنّ الله ـ عزّوجلّ ـ آلى على نفسه أن يخلق من صلبك في هذه الليلة ذرية طيبة » . فوثب رسول الله (ص) إلى منزل خديجة رضي الله عنها .
قالت خديجة رضي الله عنها : وكنت قد ألفت الوحدة ، فكان إذا جنّني الليل غطيت رأسي ، وأسجفت ستري وغلقت بابي ، وصلّيت وردي ، وأطفأت مصباحي ، وآويت إلى فراشي ، فلمّا كان تلك الليلة لم أكن بالنائمة ولا بالمنتبهة ، إذ جاء النبيّ فقرع الباب فناديت : « من هذا الذي يقرع حلقة لا يقرعها إلاّ محمّد؟ .. قالت خديجة : فنادى رسول الله (ص) بعذوبة كلامه وحلاوة منطقه : « افتحي يا خديجة ، فإنّي محمّد » وفتحت الباب ودخل النبيّ المنزل ، فلا والذي سمك السماء وأنبع الماء ما تباعد عنّي النبيّ (ص) حتى أحسست بثقل فاطمة في بطني [2].
2 ـ اُنس خديجة بفاطمة(س):
لمّا تزوّجت خديجة بنت خويلد رسول الله (ص) هجرها نسوة مكّة وكنّ لا يكلّمنها ولا يدخلن عليها، فلمّا حملت بالزهراء فاطمة (س) كانت إذا خرج رسول الله (ص) من منزلها تكلّمها فاطمة الزهراء في بطنها من ظلمة الأحشاء ، وتحدّثها وتؤانسها ، فدخل يوماً رسول الله (ص) وسمع خديجة تحدّث فاطمة فقال لها : «يا خديجة! من تكلّمين ؟ قالت : يا رسول الله إنّ الجنين الذي أنا حامل به إذا أنا خلوت به في منزلي كلّمني وحدّثني من ظلمة الأحشاء، فتبسّم رسول الله (ص) ثم قال : «يا خديجة! هذا أخي جبرئيل(ع) يخبرني أنّها ابنتي، وأنّها النسمة الطاهرة المطهّرة، وأنّ الله تعالى أمرني أن اُسمّيها « فاطمة» وسيجعل الله تعالى من ذرّيتها أئمة يهتدي بهم المؤمنون» [3].
وروي أنّه لمّا سأل الكفار رسول الله (ص) أنّه يريهم انشقاق القمر ـ وقد بان لخديجة حملها بفاطمة وظهر ـ قالت خديجة : واخيبة من كذَّب محمّداً وهو خير رسول ونبيّ، فنادت فاطمة من بطنها : يا اُمّاه! لا تحزني ولا ترهبي فإنّ الله مع أبي [4].
إنّ خديجة التي وقفت مع رسول الله في أيام محنته الاُولى وتعرّضت لهجران النساء عوّضها الله على صبرها وبذلها الغالي والنفيس من أجل نشر الدعوة الإسلامية كما عوّضها بالبشرى بحملها بهذه البنت التي سيكون لها ولذريّتها شأن عظيم .
3 ـ فاطمة الوليدة :
لمّا انقضت أيام الحمل واقترب موعد الولادة وخديجة لم تزل تأنس بجنينها وتعيش الأمل على الفرحة بالولادة، حضرتها الولادة فأرسلت إلى نساء قريش ونساء بني هاشم أن يجئن ويلين منها ما تلي النساء من النساء في مثل هذا الظرف الخاص، فأرسلن إليها : عصيتنا ولم تقبلي قولنا ، وتزوّجت محمّداً يتيم أبي طالب ، فقيراً لا مال له ، فلسنا نجيء ولا نلي من أمركِ شيئاً ، فاغتمّت خديجة لذلك، فبينما هي كذلك إذ دخل عليها أربع نسوة طوال كأنّهن من نساء بني هاشم ، ففزعت منهنّ ، فقالت إحداهن : لا تحزني يا خديجة ، فإنّا رسل ربّكِ إليكِ ، ونحن أخواتك ، أنا سارة وهذه آسية بنت مزاحم وهي رفيقتك في الجنة ، وهذه مريم بنت عمران وهذه كلثم اُخت موسى بن عمران ، بعثنا الله تعالى إليكِ لنلي من أمركِ ما تلي النساء من النساء فجلست واحدة عن يمينها والاُخرى عن يسارها والثالثة من بين يديها والرابعة من خلفها ، فوضعت فاطمة طاهرة مطهرة ، فلمّا سقطت إلى الارض أشرق منها نور حتى دخل بيوتات مكّة، فتناولتها المرأة التي بين يديها فغسلتها بماء الكوثر وأخرجت خرقتين بيضاوين فلفّتها بواحدة وقنعتها بالثانية ، ثم استنطقتها فنطقت فاطمة (س) بالشهادتين ثم سلّمت عليهنّ وسمّت كلّ واحدة منهن باسمها ، وأقبلن يضحكن إليها ، وقالت النسوة : خذيها يا خديجة طاهرة مطهّرة زكية ميمونة ، بورك فيها وفي نسلها، فتناولتها وهي فرحة مستبشرة، وألقمتها ثديها فدرّ عليها [5].
وكانت السيّدة خديجة حين تلد تدفع مولودها لمن يرضعه، ولكنّها لمّا ولدت فاطمة(س) لم يرضعها أحدٌ غير خديجة [6].
4 ـ تاريخ الولادة :
اختلف المؤرّخون في تاريخ ولادتها (س) إلاّ أنّ المشهور بين مؤرّخي الإمامية أنّه كان في يوم الجمعة في العشرين من شهر جمادى الآخرة في السنة الخامسة من البعثة [7]، بينما قال غيرهم : إنّها ولدت قبل البعثة بخمس سنين [8].
روى أبو بصير عن الإمام أبي عبدالله جعفر بن محمّد الصادق(ع)أنّه قال: « ولدت فاطمة في جمادى الآخرة يوم العشرين سنة خمس وأربعين من مولد النبيّ (ص) ، فأقامت بمكّة ثمان سنين وبالمدينة عشر سنين ، وبعد وفاة أبيها خمسة وسبعين يوماً ، وقُبضت في جمادى الآخرة يوم الثلاثاء لثلاث خلون منه سنة إحدى عشرة من الهجرة» [9].
ومن أسمائها : الصدّيقة وهي الكثيرة التصديق، فإنّها قد كانت سلام الله عليها مصدِّقة لأبيها صادقة في أقوالها صدوقة في أفعالها ووفائها ، فهي الصدّيقة الكبرى، وعلى معرفتها دارت القرون كما ورد عن حفيدها الصادق(ع) [10].
والمباركة باعتبار الخير الكثير الذي يأتي من قِبَلِها، وقد وصفها القرآن الكريم بالكوثر باعتبار أنّ النبيّ (ص) قد انقطع نسله إلاّ منها، فهي اُمّ الأئمة الأطهار واُمّ الذريّة الطاهرة لرسول الله (ص) ، وكثرة الذرّية ـ التي دافعت عن رسالة محمّد (ص) وتحمّلت أعباء الوقوف أمام الظالمين والمنحرفين عنها ـ هي الخير الكثير أو أهمّ مصاديقه فهي عطيّة الله لرسوله المصطفى كما نصّت سورة الكوثر على هذا العطاء الإلهي الخالد الخاص برسوله(ص).
وعن سائر أسمائها قال ابن عباس أنّ الرسول (ص) قال : «ابنتي فاطمة حوراء آدمية ، لم تحض ولم تطمث ، وإنّما سمّاها فاطمة لأنّ الله فطمها ومحبيها عن النار» [11].
وعنه (ص) : «أن فاطمة حوراء إنسيّة، كلّما اشتقت إلى الجنّة قبّلتُها» [12].
وقالت اُمّ أنس بن مالك في وصف شمائلها: كانت فاطمة كالقمر ليلة البدر، أو الشمس كفر غماماً إذا خرج من السحاب، بيضاء مشربة حمرة، لها شعر أسود، من أشدّ الناس برسول الله (ص) شبهاً [13].
ولقّبت بالطاهرة لطهارتها من كلّ دنس وكلّ رفث، فأنّها ما رأت قطّ يوماً حمرةً ولا نفاساً [14] كما جاء عن الإمام الباقر(ع) ذلك، وقد شهد القرآن الكريم ـ سلفاً ـ بطهارتها من الدنس في آية التطهير المباركة الأحزاب:33.
وكانت سلام الله عليها راضية بما قدّر لها من مرارة الدنيا ومشاقّها ومصائبها وثوابها، مرضية عند ربها كما أخبر بذلك القرآن الكريم عنها في سورة الدهر، إذ ارتضى ربّها سعيها وآمنها من الفزع الأكبر ، وهي ممّن رَضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ [15] وخشي ربّه دون شك كما نلاحظ ذلك
في سيرتها وتاريخ حياتها.
والمحدَّثة هي التي كانت تحدّثها الملائكة ، كما حدّثت الملائكة مريم ابنة عمران واُمّ موسى وسارة امرأة إبراهيم إذ بشّرتها بإسحاق ومن وراء إسحاق يعقوب [16] .
وكنّاها رسول الله (ص) باُمّ أبيها تعظيماً لشأنها، إذ لم يكن أحد يوازيها في محبّته لها ورفعة مكانتها لديه ، وكان يعاملها معاملة الولد لاُمّه كما كانت تعامله معاملة الاُم لولدها، إذ كانت تحتضنه وتضمّد جروحه وتخفّف من آلامه .
كما كُنيت باُمّ الأ ئمة، إذ أخبر الرسول المصطفى(ص) أنّ الأئمة من ولدها وأنّ المهديّ المنتظر من نسلها [17] .
انطباعات عن شخصيّة الزهراء (س)
الزهراء فاطمة ابنة أعظم نبيّ وزوجة أوّل إمام وبطل، واُم أينع بزغتين في تاريخ الإمامة، إنّها الوجه المشرق الوضّاء للرسالة الخاتمة، وإنّها سيّدة نساء العالمين، وهي الوعاء الطاهر للسلالة الطاهرة والمنبت الطيّب لعترة رسول الله صلوات الله عليهم أجمعين.
لقد اقترن تأريخها بتأريخ الرسالة، إذ ولدت قبل الهجرة بثمان سنوات وتوفّيت بعد الرسول (ص) بعدّة أشهر.
وقد أشاد النبيّ الكريم بعظيم منزلة الزهراء الطاهرة ، وبما بلغته من موقع رياديّ في خطّ الرسالة محتذياً خُطى القرآن الكريم فيما صرّح به من فضائل ومكرمات لأهل بيت الوحي(ع) بشكل عام وللزهراء (س) بشكل خاص.
الزهراء(س) في آيات الذكر الحكيم
لقد مدح القرآن الكريم اُناساً خلّدهم بآيات تتلى أناء الليل وأطراف النهار، إكباراً لمواقفهم السامية ولتفانيهم بإخلاص في سبيل الحقّ.
وممّن خصّهم الله تعالى بالذكر الجليّ وأشاد بمواقفهم وفضائلهم أهل بيت الرسالة وأهل بيت النبيّ الخاتم (ص)، وقد روى المؤرّخون والمفسّرون نزول آيات كثيرة في مدحهم، كما خصّهم بالثناء في سور شتّى تقريراً لسلامة خطّهم واعترافاً بحُسن سَمتِهم ودعوةً للاقتداء بهم.
1 ـ الزهراء (س) كوثر الرسالة :
إنّ الكوثر هو الخير الكثير ، وهو يتناول بظاهره جميع نعم الله على النبيّ محمّد (ص) ولكن ما ذكروه في أسباب النزول بالإضافة إلى الآية الأخيرة من سورة الكوثر يشيران بوضوح إلى أنّ هذا الخير يرتبط بقيم الرسالة كما يرتبط بكثرة النسل ودوامه، وقد عرف العالم كلّه أنّ نسل رسول الله (ص) قد استمرّ في الأجيال وكثرُ عطاؤه المبارك من خلال ابنته الزهراء البتول كما صرّحت بذلك جملة من أحاديث الرسول (ص) [18].
وممّا رواه المفسّرون في هذا الصدد أنّ العاص بن وائل كان يقول لصناديد قريش: إنّ محمّداً أبتر لا ابن له [19] يقوم مقامه بعده، فإذا مات انقطع ذكره واسترحتم منه. وهذا قول ابن عباس وعامة أهل التفسير [20]، وبالرغم ممّا ذكره الفخر الرازي من اختلاف المفسّرين في معنى الكوثر هنا فإنّه قد صرّح قائلاً : « والقول الثّالث : الكوثر أولاده .. لأنّ هذه السورة إنّما نزلت ردّاً على من عابه (ع) بعدم الأولاد، فالمعنى أنّه يعطيه نسلاً يبقون على مرّ الزمان ثم قال: فانظرْ ، كم قُتل من أهل البيت ؟! ثمّ العالم ممتلئ منهم ولم يبق من بني اُمية في الدنيا أحد يعبأ به، ثم انظر كم كان فيهم من الأكابر من العلماء كالباقر والصادق والكاظم والرضا(ع) والنفس الزكية وأمثالهم» [21].
وتدلّ آية المباهلة ـ الآتي ذكرها [22] ـ على أنّ الحسن والحسين ابنا رسول الله (ص) كما دلّت النصوص المتضافرة عن الرسول (ص) على أنّ الله تعالى جعل ذريّة كلّ نبيّ في صلبه وجعل ذريّة الرسول الخاتم (ص) في صلب عليّ بن أبي طالب(ع) [23] وروت الصحاح عن النبيّ (ص) أنّه قال للحسن بن عليّ(ع) : «إنّ ابني هذا سيّد، ولعلّ الله يصلح به بين فئتين عظيمتين» [24].
2 ـ الزهراء (س) في سورة الدهر :
حين مرض الحسن والحسين عادهما رسول الله (ص) في ناس معه فقالوا: يا أبا الحسن لو نذرت على ولديك، فنذر عليّ وفاطمة وفضّة ـ وهي جارية لهما ـ إن برئا ممّا بهما أن يصوموا ثلاثة أيّام، فشفيا وما معهم شيء، فاستقرض عليّ (ع) من شمعون الخيبري اليهودي ثلاثة أصوع من شعير، فطحنت فاطمة (س) صاعاً واختبزت خمسة أقراص على عددهم فوضعوها بين أيديهم ليفطروا، فوقف عليهم سائل فقال: السلام عليكم أهل بيت محمّد، مسكين من مساكين المسلمين أطعموني أطعمكم الله من موائد الجنّة، فآثروه وباتوا لم يذوقوا إلاّ الماء وأصبحوا صياماً، فلمّا أمسوا ووضعوا الطعام بين أيديهم وقف عليهم يتيم فآثروه، ووقف عليهم أسير في الثالثة ففعلوا مثل ذلك، فلمّا أصبحوا أخذ عليّ رضي الله عنه بيد الحسن والحسين وأقبلوا إلى رسول الله (ص) فلمّا أبصرهم وهم يرتعشون كالفراخ من شدّة الجوع قال: ما أشدّ ما يسوؤني ما أرى بكم ! وقام فانطلق معهم فرأى فاطمة في محرابها قد التصق بطنها بظهرها وغارت عيناها فساءه ذلك، فنزل جبرئيل ثم قال: خذها يا محمّد هنّأك الله في أهل بيتك فأقرأه السورة [25].
فالزهراء ممّن شهد الله لها بأنّها من الأبرار الذين يشربون من كأس كان مزاجها كافوراً، وممّن يوفون بالنذر ويخافون يوماً كان شرّه مستطيراً، وممّن يطعمون الطعام على حبّه، ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة وأنّهم إنّما يطعمون لوجه الله لا يريدون منهم جزاءً ولا شكوراً، وأنّهم ممّن صبروا في ذات الله .. وأنّهم ممّن وقاهم الله شرّ ذلك اليوم العبوس القمطرير .. ولقّاهم نضرةً وسروراً، وجزاهم بما صبروا جنةً وحريراً [26].
3 ـ الزهراء (س) في آية التطهير :
لقد نزل الوحي بآية التطهير على رسول الله (ص) وهو في بيت اُم سلمة ـ رضي الله عنها ـ وذلك حينما كان قد ضمّ سبطيه ـ الحسن والحسين ـ وأباهما واُمّهما إليه ثمّ غشّاهم ونفسه بالكساء تمييزاً لهم عن الآخرين ولا سيّما النساء، فنزلت الآية: إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً [27] وهم على تلك الحال، ولم يقتصر على هذا المقدار من توضيح اختصاص الآية بهم حتى أخرج يده من تحت الكساء فألوى بها الى السماء فقال: «اللّهم هؤلاء أهل بيتي فأذهب عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً»، يكرّر ذلك واُم سلمة تسمع وترى ، وقد جاءت لتدخل تحت الكساء وهي تقول: وأنا معكم يا رسول الله، فجذبها من يدها وقال: لا، إنّك على خير [28].
وكان رسول الله (ص) بعد نزول الآية كلّما خرج إلى صلاة الفجر يمرّ ببيت فاطمة فيقول: الصلاة يا أهل البيت إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً، مستمراً على هذه السيرة ستة أو ثمانية أشهر [29].
ودلّت الآية المباركة على عصمة أهل البيت من الذنوب فإنّ الرجس هو الذنب، وقد صُدِّرت الآية بأداة الحصر فأفادت أنّ إرادة الله في أمرهم مقصورة على إذهاب الذنوب عنهم وتطهيرهم منها، وهذا هو كُنه العصمة وحقيقتها، وقد أورد النبهاني عن تفسير الطبري هذا المعنى بشكل صريح [30].
4 ـ مودّة الزهراء (س) أجر الرسالة :
وروى جابر رضي الله عنه أنّ أعرابياً جاء إلى النبيّ (ص) فقال: يا محمّد! أعرض عليّ الإسلام، فقال: تشهد أن لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له وأنّ محمّداً عبده ورسوله، قال: تسألني عليه أجراً ؟
قال: لا، إلاّ المودّة في القُربى، قال: قُرباي أو قرباك ؟ قال: قرباي، قال: هاتِ اُبايعك، فعلى مَن لا يحبّك ولا يحبّ قرباك لعنه الله، قال (ص) : آمين [31].
وفسّر مجاهد هذه المودّة بالاتّباع والتصديق لرسول الله وصلة رحمه [32]، وفسّرها ابن عباس بحفظه في قرابته [33].
وذكر الزمخشري أنّ هذه الآية لمّا نزلت قيل: يا رسول الله مَن قرابتك هؤلاء الذين وجبت علينا مودّتهم ؟ قال: «عليٌّ وفاطمة وابناهما» [35][34].
5 ـ الزهراء (س) في آية المباهلة :
أجمع أهل القبلة حتى الخوارج منهم على أنّ النبيّ (ص) لم يَدْعُ للمباهلة من النساء سوى بضعته الزهراء ومن الأبناء سوى سبطيه وريحانتيه الحسن والحسين(ع) ومن الأنفس إلاّ أخاه عليّاً (ع)، الذي كان منه بمنزلة هارون من موسى، فهؤلاء أصحاب هذه الآية بحكم الضرورة التي لا يمكن جحودها لم يشاركهم فيها أحد من العالمين، كما هو بديهيّ لكل من ألمّ بتاريخ المسلمين، وبهم خاصّة نزلت لا بسواهم [36].
لقد باهل النبيّ (ص) بهم خصومه من أهل نجران فانتصر عليهم ، واُمّهاتُ المؤمنين كنّ حينئذ في حجراته (ص) فلم يدعُ واحدةً منهنّ، ولم يدع صفيّة وهي شقيقة أبيه، ولا اُمّ هاني وهي كريمة عمّه، ولا واحدةً من نساء الخلفاء الثلاثة وغيرهم من المهاجرين والأنصار.
كما أ نّه لم يدعُ مع سيديّ شباب أهل الجنة أحداً من أبناء الهاشميين ولا أحداً من أبناء الصحابة، وكذلك لم يدع مع عليّ أحداً من عشيرته الأقربين ولا واحداً من السابقين الأوّلين [37]، وإنّما خرج وعليه مرط من شعر أسود ـ كما يقول الرازي في تفسيره ـ وقد احتضن الحسين وأخذ بيد الحسن وفاطمة تمشي خلفه وعليّ خلفها وهو يقول: إذا أنا دعوت فأمِّنوا، فقال أسقف نجران: يا معشر النصارى ! إنّي لأرى وجوهاً لو سألوا الله أن يزيل جبلاً لأزاله بها، فلا تباهلوهم فتهلكوا، ولا يبقى على وجه الأرض نصرانيّ الى يوم القيامة.
قال الرازي بعد نقل هذا الحدث: هذه الآية دالّة على أنّ الحسن والحسين(ع) كانا ابني رسول الله وَعَدَ أن يدعو أبناءه فدعا الحسن والحسين(ع)فوجب أن يكونا ابنيه [38].
الزهراء (س) عند سيّد المرسلين (ص)
«إنّ الله ليغضب لغضب فاطمة ويرضى لرضاها» [39].
«فاطمة بضعة منّي من آذاها فقد آذاني ومن أحبّها فقد أحبّني» [40].
«فاطمة قلبي وروحي التي بين جنبيَّ» [41].
«فاطمة سيّدة نساء العالمين» [42].
لقد تواترت هذه الشهادات وأمثالها في كتب الحديث والسيرة عن رسول الله محمّد (ص) الذي لا ينطق عن الهوى [43] ولا يتأثّر بنسب أو سبب، ولا تأخذه في الله لومة لائم.
إنّ الرسول الذي ذاب في دعوته وكان للناس فيه اُسوة فأصبحت خفقات قلبه ونظرات عينيه ولمسات يديه وخطوات سعيه وإشعاعات فكره المتجليّة في قوله وفعله وتقريره ـ وهي سنّته ـ بل وجوده كلّه مَعْلَماً من معالم الدين ومصدراً للتشريع ومصباحاً للهداية وسبيلاً للنجاة.
إنّها أوسمة من خاتم الرسل على صدر فاطمة الزهراء، تزداد تألقاً كلّما مرّ الزمن، وكلّما تطوّرت المجتمعات، وكلّما لاحظنا المبدأ الأساس في الإسلام في كلامه(ص) لها: يا فاطمة اعملي لنفسك فإنّي لا أغني عنكِ من الله شيئاً» [44].
وفي قوله(ص): «كمل من الرجال كثير ولم يكمل من النساء إلاّ مريم بنت عمران وآسية بنت مزاحم امرأة فرعون وخديجة بنت خويلد وفاطمة بنت محمّد» [45].
وفي قوله (ص): «إنّما فاطمة شجنة [46] منّي، يقبضني ما يقبضها ويبسطني ما يبسطها [47] وإنّ الأنساب يوم القيامة تنقطع غير نسبي وسببي وصهري [48] ...».
وخرج رسول الله (ص) ذات يوم وقد أخذ بيد فاطمة (س) وقال: «من عرف هذه فقد عرفها ومن لم يعرفها فهي فاطمة بنت محمّد وهي بضعة منّي، وهي قلبي الذي بين جنبيّ، فمن آذاها فقد آذاني ومن آذاني فقد آذى الله» [49].
وقال (ص): «فاطمة أعزّ البريّة عليّ» [50].
ولا يصعب علينا تفسير هذه النصوص بعد معرفة عصمتها (س)، بل هذه النصوص هي شاهدة على عصمتها بشهادة أنّها لا تغضب إلاّ لله ولا ترضى إلاّ له.
الزهراء (س) عند الأئمة والصحابة والمؤرّخين
عن الإمام عليّ بن الحسين زين العابدين (ع): «لم يولد لرسول الله (ص) من خديجة على فطرة الإسلام إلاّ فاطمة» [51].
وعن الإمام أبي جعفر الباقر (ع): «والله لقد فطمها الله تبارك وتعالى بالعلم» [52].
وعن الإمام أبي عبدالله الصادق (ع): «إنّما سُمّيت فاطمة لأنّ الخلق فطموا عن معرفتها» [53].
وعن الصحابي ابن عباس: أنّ رسول الله (ص) كان جالساً ذات يوم وعنده عليّ وفاطمة والحسن والحسين فقال: «اللهمّ إنّك تعلم أنّ هؤلاء أهل بيتي وأكرم الناس عليّ فأحبب من أحبّهم وأبغض من أبغضهم ووالِ من والاهم وعادِ من عاداهم، وأعن من أعانهم واجعلهم مطهّرين من كلّ رجس معصومين من كلّ ذنب وأيّدهم بروح القدس منك» [54].
وعن اُمّ المؤمنين اُمّ سلمة أنّها قالت: كانت فاطمة بنت رسول الله (ص) أشبه الناس وجهاً وشبهاً برسول الله (ص) [55].
وعن اُم المؤمنين عائشة أنّها قالت: ما رأيت أحداً كان أصدق لهجةً من فاطمة إلاّ أن يكون الذي ولّدها [56] وكانت إذا دخلت على رسول الله (ص) قام فقبّلها ورحّب بها وأخذ بيدها وأجلسها في مجلسه، وكان النبيّ (ص) إذا دخل عليها قامت من مجلسها فقبّلته وأخذت بيده وأجلسته في مجلسها، وكان الرسول دائماً يختصّها بسرّه ويرجع إليها في أمره [57].
وعن الحسن البصري : أنّه ما كان في هذه الاُمة أعبد من فاطمة، كانت تقوم حتى تورّم قدماها [58].
ودخل عبدالله بن حسن على عمر بن عبد العزيز وهو حديث السنّ، وله وقرة [59]، فرفع مجلسه وأقبل
عليه وقضى حوائجه، ثم أخذ عكنة [60] من عكنه فغمزها حتى أوجعه وقال له: اذكرها عند الشفاعة.
فلما خرج لامَهُ أهله وقالوا: فعلت هذا بغلام حديث السن، فقال: إنّ الثقة حدّثني حتى كأنّي أسمعه من في رسول الله (ص) قال: «إنّما فاطمة بضعة منّي يسرّني ما يسرّها» وأنا أعلم أنّ فاطمة (س) لو كانت حيّة لسرّها ما فعلت بابنها، قالوا: فما معنى غمزك بطنه، وقولك ما قلت؟ قال: إنّه ليس أحد من بني هاشم إلاّ وله شفاعة، فرجوت أن أكون في شفاعة هذا [61].
قال ابن الصبّاغ المالكي: ... وهي بنت من اُنزل عليه سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى [62]، ثالثة الشمس والقمر، بنت خير البشر، الطاهرة الميلاد، السيّدة بإجماع أهل السداد [63].
ووصفها الحافظ أبو نعيم الإصفهاني بقوله قائلاً: «من ناسكات الأصفياء وصفيّات الأتقياء فاطمة ـ رضي الله تعالى عنها ـ السيّدة البتول، البضعة الشبيهة بالرسول ... كانت عن الدنيا ومتعتها عازفة، وبغوامض عيوب الدنيا وآفاتها عارفة [64].
وقال عبد الحميد بن أبي الحديد المعتزلي: وأكرم رسول الله (ص) فاطمة إكراماً عظيماً أكثر مما كان الناس يظنّونه ... حتى خرج بها عن حبّ الآباء للأولاد، فقال لمحضر الخاص والعام مراراً لا مرّة واحدة وفي مقامات مختلفة لا في مقام واحد: «إنّها سيّدة نساء العالمين وإنّها عديلة مريم بنت عمران، وإنّها إذا مرّت في الموقف نادى مناد من جهة العرش: يا أهل الموقف غضّوا أبصاركم لتعبر فاطمة بنت محمد»، وهذا من الأحاديث الصحيحة وليس من الأخبار المستضعفة ، وكم قال لا مرّة: «يؤذيني ما يؤذيها ويغضبني ما يغضبها، وإنّها بضعة منّي يريبني ما رابها» [65].
وقال المؤرّخ المعاصر الدكتور عليّ حسن إبراهيم: وحياة فاطمة هي صفحة فذّة من صفحات التاريخ نلمس فيها ألوان العظمة، فهي ليست كبلقيس أو كليو بطرة استمدّت كلّ منهما عظمتها من عرش كبير وثروة طائلة وجمال نادر، وهي ليست كعائشة نالت شهرتها لما اتصفت به من جرأة جعلتها تقود الجيوش وتتحدّى الرجال، ولكنّا أمام شخصية استطاعت أن تخرج إلى العالم وحولها هالة من الحكمة والجلال، حكمة ليس مرجعها الكتب والفلاسفة والعلماء، وإنّما تجارب الدهر المليء بالتقلّبات والمفاجآت، وجلال ليس مستمداً من ملك أو ثراء وإنّما من صميم النفس ... [66].
الهوامش
1 ـ قد يكون المراد هو الصلاة النافلة، فإنّه كان يقوم الليالي كما مرّ .
2 ـ العُدد القوية: 220 ـ 222 / ح14، بحار الأنوار 16: 78 ـ 80 / ح20 وروى هذا المضمون الشيخ الصدوق في الأمالي: 545 ـ 546 / ح28 والخطيب البغدادي في تاريخ بغداد 5: 293 ترجمة أحمد بن محمّد البلخي رقم 2797، والقندوزي في ينابيع المودّة 2: 131 / ح369.
3 ـ الثاقب في المناقب: 285 / ح244. وروى هذا الحديث بتفاوت يسير باللفظ الشيخ الصدوق في الأمالي: 690 ـ 691 / ح947 والفتّال النيسابوري في روضة الواعظين: 143 مجلس في ذكر مولد سيّدة النساء(س)، والراوندي في الخرائج والجرائح 2: 524 / ح1.
4 ـ الروض الفائق: 255 في تكلّمها(س) في بطن أُمها.
5 ـ أمالي الصدوق: 690 ـ 692 / ح947، دلائل الإمامة: 76 ـ 78 / ح17، العُدد القوية: 222 ـ 224 / ح15، المحتضر لابن سليمان الحلّي: 56 ـ 58 /ح76، بحار الأنوار 43: 2 ـ 3 / ح1.
6 ـ تاريخ مدينة دمشق 3: 128 باب ذكر بناته وبنيه.
7 ـ الكافي 1: 458 باب مولد الزهراء(س)، تاريخ الأئمة المعصومين المجموعة: 6، دلائل الإمامة: 79 / ح18، المناقب لابن شهرآشوب 3: 132 باب مناقب الزهراء(س)، كشف الغمّة 2: 76 باب في فضائل فاطمة(س)، بحار الأنوار 43: 7 / ح8.
8 ـ الطبقات الكبرى 8: 19 ذكر بنات رسول الله(ص)، الاستيعاب 4: 1893 ترجمة رقم 4057، نظم درر السمطين: 175 ذكر ولادة فاطمة(س)، الفصول المهمة لابن الصباغ المالكي: 205 فصل في ذكر البتول.
9 ـ دلائل الإمامة: 79/ ح18، بحار الأنوار 43: 9 / ح16.
10 ـ أمالي الطوسي: 688 / ح1399، بحار الأنوار 43: 105 / ح19 وراجع الدر النظيم للعاملي: 455 فصل في أسمائها(س)، والخصائص الفاطمية للكجوري 1: 27 ـ 31 في ديباجته.
11 ـ الدر النظيم للعاملي: 456 في أسمائها(س)، العُدد القوية: 227 / ح22، كنز العمال 12: 109 / ح34226، ينابيع المودّة للقندوزي 2: 450 / ح243. وراجع الصواعق لابن حجر: 160 الفصل 1 من الباب 11.
12 ـ أمالي الصدوق: 546 / 728، روضة الواعظين: 149 مجلس في ذكر مناقب فاطمة(س)، تاريخ بغداد 5: 293 /ترجمة رقم 2797 ترجمة أحمد بن محمّد البلخي.
13 ـ مستدرك الحاكم 3: 161 ذكر سنة ولادة فاطمة(س)، نظم درر السمطين: 180 ذكر ولادتها(س).
14 ـ بحار الأنوار 43: 19 / ح20.
15 ـ سورة المائدة 5 : 119 .
16 ـ انظر الآيات التالية: سورة آل عمران3: 42 ، سورة القصص 28: 7 ، سورة هود11: 71 .
17 ـ شرح الأخبار للمغربي 3: 363 / ح1233، تاريخ مدينة دمشق 19: 475 ذكر ترجمة زيد بن عليّ بن الحسين(ع) رقم 2343، سبل الهدى والرشاد 10: 173 باب 37 في إخباره(ص) بخروج الدجال، كنز العمال 12: 105 / ح34208. والأحاديث في هذا الباب كثيرة.
18 ـ والنصوص الدالة على ذلك هي النصوص التي جاء فيها أنّ الرسول المصطفى(ص) قد جعل الله ذرّيته في صلب عليّ ونسل عليّ الذي يعتبر نسل رسول الله(ص) إنّما يكون من ذريّة فاطمة(س) ومنها النصوص التي ذكرت أنّ المهدي من ولد رسول الله(ص) ومن ولد فاطمة(س) .
19 ـ وذلك بعد أن مات ابنه عبدالله من خديجة فلم يبق له أحد من الذكور.
20 ـ تفسير جوامع الجامع 3: 856 في تفسير سورة الكوثر، التفسير الكبير 32: 132 في تفسير سورة الكوثر.
21 ـ التفسير الكبير : 32 / 124 تفسير سورة الكوثر.
22 ـ سورة آل عمران 3 : 61.
23 ـ ذخائر العقبى: 67 ذكر ان الله جعل ذرية النبيّ(ص) في صلب عليّ(ع)، كشف الغمّة 1: 54 باب في معنى العترة، كتاب الأربعين للماحوزي: 72 ـ 73 حديث المراد من العترة والذرية، المعجم الكبير للطبراني 3: 43 ـ 44 / ح2630 ـ 2633، المناقب للخوارزمي باب فضال أهل البيت(ع).
24 ـ مسند أحمد 5: 49 حديث مرة البهزي، صحيح البخاري 3: 169 كتاب الصلح، المعجم الصغير للطبراني 1: 271 باب اللام من اسمه لؤلؤ، المستدرك للحاكم 3: 75 إخبار النبيّ(ص) بأنّ الحسن(ع)ابني.
25 ـ وهي التي عُرفت بسورة الدهر أو الإنسان أو هل أتى .
26 ـ مناقب أمير المؤمنين(ع) للكوفي 1: 177 ـ 183 /ح 104، تفسير فروات الكوفي: 519 ـ 526 / ح676، أمالي الصدوق: 329 ـ 333 / ح390، روضة الواعظين: 160 ـ 163 ذكر إمامة السبطين، بحار الأنوار 3: 237 ـ 241 / ح1، تفسير الثعلبي 10: 99 ـ 103 في تفسير سورة الإنسان، شواهد التنزيل للحسكاني 2: 394 ـ 397 / ح1042، تفسير القرطبي 19: 131 ـ 134 في تفسير سورة الإنسان، المناقب للخوارزمي: 267 ـ 274 / ح250 ـ 252.
27 ـ سورة الأحزاب 33 : 33.
28 ـ شرح الأخبار للمغربي 1: 202 ـ 203 / ح168 وج2: 491 / ح872، أمالي الطوسي: 263 إنّ عليّاً وفاطمة وابنيهما هم المرادون بآية التطهير، مسند أحمد 6: 323 حديث أُم سلمة، سنن الترمذي 5: 360 ـ 361 / ح3963، مسند أبي يعلى 12: 456 / ح7026، المعجم الكبير للطبراني 3: 53 / ح2664، تفسير الثعلبي 8: 311 في تفسير الآية 33 من سورة الأحزاب. وغيرها من المصادر.
29 ـ شرح الأخبار للمغربي 3: 4 / ح915، مناقب أمير المؤمنين(ع) للكوفي 2: 19 / ح508، أمالي الطوسي: 251 / ح447، المصنف لابن أبي شيبة 7:527/ ح4 باب ماذكر من فضائل فاطمة(س)، مسند أحمد 3: 259 و 285 ما أسند عن أنس، سنن الترمذي 5: 31 / ح3259، المعجم الكبير للطبراني 3: 56 /ح2672، المستدرك للحاكم 3: 58 ذكر وقوف النبيّ(ص) على باب فاطمة(س) لمدة ستة أشهر، راجع الكلمة الغرّاء في تفضيل الزهراء : 192 قال السيد عبد الحسين شرف الدين : أخرجه الإمام أحمد في المسند وأخرجه الحاكم وصحّحه الترمذي وحسّنه ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن مردويه والطبراني وغيرهم.
30 ـ راجع الكلمة الغرّاء : 200 .
31 ـ أمالي المفيد: 151 ـ 152 / ح4، الخرائج والجرائح 1: 88 / ح145، بحار الأنوار 27: 102 ـ 103 / ح67، حلية الأولياء 3: 201 ترجمة الإمام الصادق(ع)، تاريخ بغداد 3: 142 ـ 143 ترجمة محمّد بن عبدالملك الأنصاري رقم 1161، الصواعق المحرقة: 261 ذكر فضائل أهل البيت(ع).
32 ـ تفسير مجاهد 2: 575 في تفسير الآية 23 من سورة الشورى، الدر المنثور للسيوطي 6: 6 في تفسير آية 23 من سورى الشورى.
33 ـ كتاب السنة لابن عاصم: 620 / ح1502، الدر المنثور للسيوطي 6: 6 في تفسير الآية 23 من سورة الشورى.
34 ـ الكشاف للزمخشري 4: 219 ـ 220 في تفسير الآية 23 من الشورى.
35 ـ وقد أورد هذه الآية الشريفة العلاّمة الأمينيقدس سره في الغدير حيث قال: توجد في الكتب والمعاجم أحاديث وكلمات ضافية حول الآية الشريفة لا يسعُنا بسط المقال فيها. ثم عدّ خمسةوأربعين مصدراً. راجع الغدير 2: 306 ـ 312 ذكر شعراء القرن الثّاني.
36 ـ راجع الكلمة الغرّاء : 181.
37 ـ قال السيّد عبدالحسين شرف الدين في هامش 106 ص77 في كتابه النصّ والاجتهاد: وهذا الحديث ذكره المفسّرون والمحدثون وأهل السير والأخبار، وكل من أرّخ حوادث السنةالعاشرة للهجرة. انتهى.وراجع: تفسير القمي 1: 104 في تفسير الآية 61 من سورة آل عمران، تفسير فرات الكوفي: 86 / ح63، شرح الأخبار 2: 339 ـ 340 / ح680، الإرشاد للمفيد 1:167 ـ 186 ذكر استصحاب رسول الله(ص) أهل بيته(ع) للمباهلة، تفسير القرآن للصنعاني 1: 122 في تفسير الآية 61 من سورة آل عمران، جامع البيان تفسير الطبري 3:407 في تفسير الآية 61 من سورة آل عمران، تاريخ اليعقوبي 2: 82 ذكر كتابه(ص)الى رؤساء القبائل، البداية والنهاية لابن كثير 5: 64 ـ 65 ذكر وفد نجران، إمتاع الأسماع 14:69 شهادة الأساقفة للمصطفى(ص) .
38 ـ التفسير الكبير 8: 86 في تفسير الآية 61 من سورة آل عمران.
39 ـ أمالي الصدوق: 467 / ح622، شرح الأخبار 3: 29 ـ 30 / ح969، أمالي الطوسي: 427 / ح954، وراجع المستدرك للحاكم 3: 154 ذكر فضائل فاطمة،ميزان الاعتدال 1: 535 / ح2002، كنز العمال 12: 111 / ح34237.
40 ـ أمالي الصدوق: 165 / ح163، شرح الأخبار 3: 30 /ح 970، أمالي الطوسي: 24 / ح30، الصراط المستقيم للعاملي 2: 118 باب 10، فصل ما ورد من الصحابة بذلك.
41 ـ أمالي الصدوق: 175 / ح178، كشف الغمّة 2: 94 فصل في فضائل فاطمة(س)، بحار الأنوار 28: 38 / ح1، الفصول المهمة لابن الصباغ المالكي: 211 فصل في ذكر البتول(س).
42 ـ أمالي الصدوق: 78/45، المناقب للكوفي 2: 197 / ح670، شرح الأخبار 1: 207 / ح170، مسند أبي داود الطيالسي: 197 أحاديث النساء ـ حديث فاطمة(س)،المصنف لابن أبي شيبة 7: 527 ذكر فضائل فاطمة(س)، سنن النسائي 4: 252 / ح7078، المستدرك للحاكم 3: 156 كتاب معرفة الصحابة، فضائل أهل البيت.
43 ـ إشارة الى الآية 3 من سورة النجم.
44 ـ فاطمة الزهراء وتر في غمد: من مقدمة السيد موسى الصدر.
45 ـ الصراط المستقيم 1: 170 فصل 5، من الباب 7، الأربعين للماحوزي: 315 مناقب فاطمة(س)، تفسير نور الثقلين 5: 377 / ح44، جامع البيان تفسير الطبري 3:358 في تفسير الآية 42 من سورة آل عمران، تفسير الثعلبي 9: 353 في تفسير الآية 12 من سورة التحريم، الفصول المهمة لابن الصباغ المالكي: 207 ـ 208 ذكر البتول(س)، تخريج الأحاديث للزيلعي 4: 67 / ح1386.
46 ـ قال ابن منظور في لسان العرب 13: 233 مادة شجن الشجنة بالكسر والضم: شبعة من غصن من غصون الشجره. وقيل: الشجنة الصهر. إنتهى كلامه.
47 ـ مسند أحمد 4: 332 حديث قطبة بن مالك، الآحاد والمثاني للضحاك 5: 362 / ح2956، المستدرك للحاكم 3: 154 ذكر مناقب فاطمة(س).
48 ـ مسند أحمد 4: 323 حديث قطبة بن مالك، المستدرك للحاكم 3: 158 ذكر مناقب فاطمة(س)، كنز العمال 12: 108 / ح 34223.
49 ـ كشف الغمّة 2: 94 فصل في فضائل فاطمة(س)، بحار الأنوار 3: 54 / ح48، الأربعين للماحوزي: 316 ذكر مناقب فاطمة9(س)، الفصول المهمة لابن الصباغ المالكي: 211 فصل في ذكر البتول(س).
50 ـ أمالي المفيد: 260 / ح2، أمالي الطوسي: 24 / ح30، المحتضر 240 / ح323، بحار الأنوار 43: 39 / ح41.
51 ـ الكافي 8: 340 / ح536، مختصر بصائر الدرجات: 131 ذكر زواج عليّ(ع)، بحار الأنوار 19: 117 /ح2.
52 ـ الكافي 1: 460 / ح6 باب مولد فاطمة(س)، علل الشرائع 1: 179، باب 143، ح4، كشف الغمّة 2: 91 فصل في فضائل فاطمة(س)، المحتضر 232 / ح305، بحار الأنوا 43: 13/ح9 .
53 ـ تفسير فرات الكوفي: 581 / ح747، بحار الأنوار 43: 65 / ح58.
54 ـ أمالي الصدوق: 574 / ح787، بشارة المصطفى: 274 / ح89، بحار الأنوار 43: 24 / ح20.
55 ـ كشف الغمّة 2: 100 فصل في ذكر فضائل فاطمة(س)، بحار الأنوار 43: 55 / ح49.
56 ـ ذخائر العقبى: 44 ذكر ما جاء أنها أصدق لهجةً، مناقب أهل البيت(ع) للشيرواني: 233 الباب 2 في فضائل الزهراء، الاستيعاب 4: 896 ترجمة فاطمة بنت رسول الله(ص) رقم 4057، سير أعلام النبلاء 2: 131 ترجمة فاطمة(س) رقم 18، سبل الهدى والرشاد 11: 47 جماع أبواب بعض فضائل آل الرسول(ص)، باب 9.
57 ـ أمالي الطوسي: 400 / ح892، بحار الأنوار 43: 25 / ح22، مسند ابن راهويه 5: 8 / ح2103، السنن الكبرى للنسائي 5: 392 / ح9236، السنن الكبرى للبيهقي 7: 101 باب ما جاء في قبلة الخد.
58 ـ المناقب لابن شهرآشوب 3: 119 باب مناقب فاطمة(س)، بحار الأنوا 43: 76 / ح62 وص84 / ح7.
59 ـ والوقار: الحلم والرزانة، وقر يقر وقاراً ووقارة ووقر قرة وتوقر واتقر، لسان العرب 5: 290 مادة وقر.
60 ـ عكن: العكن والأعكان: الأطواء في البطون من السمن. لسان العرب 13: 288 مادة عكن.
61 ـ الأغاني للإصبهاني 8: 301 ذكر عمر بن عبدالعزيز، فضل آل البيت(ع) للمقريزي: 99 ـ 100 ما جاء في فضل فاطمة(س) ح136، الصواعق المحرقة: 232 باب الحثّ على حبّهم.
62 ـ الإسراء 17: 1.
63 ـ الفصول المهمّة لابن الصباغ المالكي: 205 فصل في ذكر البتول(س).
64 ـ حلية الأولياء : 2 / 39 ذكر فاطمة الزهراء(س).
65 ـ شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 9 : 193 فصل في ترجمة عائشة.
66 ـ الأسرار الفاطمية لمحمّد فاضل المسعودي: 102 / 8 مقامها(س) عند العلماء والمحدّثين.
حَقّ الصّوْمِ
11. وَ أَمّا حَقّ الصّوْمِ فَأَنْ تَعْلَمَ أَنّهُ حِجَابٌ ضَرَبَهُ اللّهُ عَلَى لِسَانِكَ وَ سَمْعِكَ وَ بَصَرِكَ وَ فَرْجِكَ وَ بَطْنِكَ لِيَسْتُرَكَ بِهِ مِنَ النّارِ وَ هَكَذَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ الصّوْمُ جُنّةٌ مِنَ النّارِ- فَإِنْ سَكَنَتْ أَطْرَافُكَ فِي حَجَبَتِهَا رَجَوْتَ أَنْ تَكُونَ مَحْجُوباً وَ إِنْ أَنْتَ تَرَكْتَهَا تَضْطَرِبُ فِي حِجَابِهَا وَ تَرْفَعُ جَنَبَاتِ الْحِجَابِ فَتَطّلِعُ إِلَى مَا لَيْسَ لَهَا بِالنّظْرَةِ الدّاعِيَةِ لِلشّهْوَةِ وَ الْقُوّةِ الْخَارِجَةِ عَنْ حَدّ التّقِيّةِ لِلّهِ لَمْ تَأْمَنْ أَنْ تَخْرِقَ الْحِجَابَ وَ تَخْرُجَ مِنْهُ وَ لا قُوّةَ إِلّا بِاللّهِ
العلماء الدين و الصحوة الإسلامية
بسم الله الرحمن الرحيم
و الحمد لله رب العالمين، و الصلاة و السلام على سيدنا محمد المصطفى، و آله الأطيبين و صحبه المنتجبين، و من تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أرحب بكم أيها الضيوف الأعزاء، و أسأل الله العزيز الرحيم أن يبارك في هذا الجهد الجماعي، و أن يجعله شوطاً فاعلاً على طريق حياة أفضل للمسلمين إنه سميع مجيب.
موضوع الصحوة الإسلامية الذي ستتناولونه في هذا المؤتمر هو اليوم في رأس قائمة قضايا العالم الإسلامي و الأمة الإسلامية.. إنه ظاهرة عظيمة لو بقيت سليمة و تواصلت بإذن الله لاستطاعت أن تقيم الحضارة الإسلامية في أفق ليس ببعيد للعالم الإسلامي و من ثَمّ للبشرية جمعاء.
إنّ البارز أمام أعيننا اليوم، و لا يستطيع أي إنسان مطّلع و ذي بصيرة أن ينكره هو أن الإسلام اليوم قد خرج من هامش المعادلات الاجتماعية و السياسية في العالم، و اتخذ مكانة بارزة و ماثلة في مركز العناصر الفاعلة لحوادث العالم، ليقدم رؤية جديدة على ساحة الحياة و السياسة و الحكم و التطورات الاجتماعية. و يشكل ذلك، في عالمنا المعاصر الذي يعاني بعد هزيمة الشيوعية و الليبرالية من فراغ فكري و نظري عميق، ظاهرةً ذات مغزى و أهمية بالغة.
و هذا أول أثر تركته الحوادث السياسية و الثورية في شمال أفريقيا و المنطقة العربية على الصعيد العالمي، و يبشّر بدوره ببروز حقائق أكبر في المستقبل.
إنّ الصحوة الإسلامية التي يتجنب ذكرها المتحدثون باسم جبهة الاستكبار و الرجعية، بل يخافون أن يجري اسمها على ألسنتهم، هي حقيقة نرى معالمها اليوم في أرجاء العالم الإسلامي كافة. و أبرز معالمها تطلع الرأي العام و خاصة فئة الشباب إلى إحياء مجد الإسلام و عظمته، و وعيهم لحقيقة نظام الهيمنة العالمية، و انكشاف الوجه الخبيث و الظالم و المستكبر لحكومات و دوائر أنشبت أظفارها الدامية لأكثر من قرنين في المشرق الإسلامي و غير الإسلامي، و جعلت مقدرات الشعوب عرضة لنزعتها الشرسة و العدوانية نحو الهيمنة، و ذلك بنقاب المدنية و الحضارة.
أبعاد هذه الصحوة المباركة واسعة غاية السعة و ذات امتداد رمزي، و لكن ما حققته من حاضر العطاء في بعض بلدان شمال أفريقيا من شأنه أن يجعل القلوب واثقة بمعطيات مستقبلية كبرى و هائلة. إن تحقق معاجز الوعود الإلهية يحمل دائماً معه دلالات أمل يبشّر بتحقق وعود أكبر. و ما يحكيه القرآن الكريم عن الوعدين الإلهيين لأمّ موسى هو نموذج من هذه السنة الربانية.
إذ في تلك اللحظات العسيرة، حيث صدر الأمر بإلقاء الصندوق حامل الرضيع في اليمّ، جاء الخطاب الإلهي بالوعد: (إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَ جَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ). (1) إن تحقق الوعد الأول، و هو الوعد الأصغر الذي شدّ على قلب الأم، أصبح منطلقاً لتحقق وعد الرسالة، و هو أكبر بكثير، و يستلزم طبعاً تحمّل المشاق و المجاهدة و الصبر الطويل: (فَرَدَدْنَاهُ إِلَى أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَ لَا تَحْزَنَ وَ لِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ...). (2) هذا الوعد الحقّ هو تلك الرسالة الكبرى التي تحققت بعد سنين و غيّرت مسيرة التاريخ.
و من النماذج الأخرى التذكير بالقدرة الإلهية الفائقة في قمع المهاجمين للكعبة، و الذي ورد في القرآن بلسان الرسول الأعظم (ألم يجعل كيدهم في تضليل) (3) و ذلك لتشجيع المخاطبين علی امتثال الأمر الالهي: (فليعبدوا رب هذا البيت). (4)
و في موضع آخر يذكّر سبحانه رسوله بما أغدقه عليه من نعم تشبه المعجزة: (أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآوَى، وَ وَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدَى)، ليكون ذلك وسيلة لتقوية معنويات نبيّه الحبيب و إيمانه بالوعد الإلهي في قوله: (مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَ مَا قَلَى)، (5) و مثل هذه الأمثلة كثيرة في القرآن الكريم.
حين انتصر الإسلام في إيران، و استطاع أن يفتح قلاع أمريكا و الصهيونية في أحد أكثر البلدان حساسية من هذه المنطقة المهمة بامتياز، عَلِم أهل العبرة و الحكمة أنهم إذا انتهجوا طریق الصبر و البصيرة فإن فتوحات أخرى ستتعاقب علیهم، و قد تعاقبت فعلاً.
الحقائق الساطعة في الجمهورية الإسلامية و التي يعترف بها الأعداء قد تحققت بأجمعها في ظل الثقة بالوعد الإلهي و الصبر و المقاومة و الاستمداد من ربّ العالمين. شعبنا كان يرفع دائماً صوته بالقول: (كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ)، (6) أمام وساوس الضعفاء الذين كانوا يردّدون في الفترات الحرجة: (إِنَّا لَمُدْرَكُونَ). (7)
هذه التجربة الثمینة هي اليوم في متناول الشعوب التي نهضت بوجه الاستكبار و الاستبداد، و استطاعت أن تسقط أو تزلزل عروش الحكومات الفاسدة الخاضعة و التابعة لأمريكا. الثبات و الصبر و البصيرة و الثقة بالوعد الإلهي في قوله سبحانه: (وَ لَيَنصُرَنَّ اللهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ)، (8) بإمكانها أن تمهّد طريق العزّ هذا أمام الأمة الإسلامية حتى تصل إلى قمة الحضارة الإسلامية.
إنني في هذا الاجتماع الهام لعلماء الأمة بمختلف أقطارهم و مذاهبهم أرى من المناسب أن أبيّن عدة نقاط ضرورية حول قضايا الصحوة الإسلامية:
الأولى: إن الأمواج الأولى للصحوة في بلدان هذه المنطقة، و التي اقترنت ببدايات دخول الغزو الاستعماري، قد انطلقت غالباً على يد علماء الدين و المصلحين الدينيين. لقد خلدت صفحات التاريخ و للأبد أسماء قادة و شخصيات بارزة من أمثال السيد جمال الدين الأسد آبادي، و محمد عبده، و الميرزا الشيرازي، و الآخوند الخراساني، و محمود الحسن، و محمد علي، و الشيخ فضل الله النوري، و الحاج آقا نور الله، و أبي الأعلى المودودي، و عشرات من كبار علماء الدين المعروفين و المجاهدين و المتنفذين من إيران و مصر و الهند و العراق. و يبرز في عصرنا الراهن اسم الإمام الخميني العظيم مثل كوكب ساطع على جبين الثورة الإسلامية في إيران. و كان لمئات العلماء المعروفين و آلاف العلماء غير المعروفين في الحاضر و الماضي دور في المشاريع الإصلاحية الكبيرة و الصغيرة على ساحة مختلف البلدان. و قائمة المصلحين الدينيين من غير علماء الدين كحسن البنا و إقبال اللاهوري هي طويلة أيضاً و مثيرة للإعجاب.
و قد كانت المرجعيّة الفكريّة لعلماء الدين و رجال الفكر الديني بدرجة و أخرى، و في كل مكان. لقد كانوا سنداً روحياً قوياً للجماهير، و حيثما قامت قيامة التحولات الكبرى ظهروا في دور المرشد و الهادي، و تقدموا لمواجهة الخطر في مقدمة صفوف الحراك الشعبي، و ازداد الارتباط الفكري بينهم و بين الناس، و ازداد معه تأثيرهم في دفع الناس نحو الطريق الصحيح. و هذا له من الفائدة و البركة لنهضة الصحوة الإسلامية بمقدار ما يجرّ على أعداء الأمة و الحاقدين على الإسلام و المعارضين لسيادة القيم الإسلامية من انزعاج و امتعاض ما يدفعهم إلى محاولة إلغاء هذه المرجعية الفكرية للمؤسسات الدينية و استحداث أقطاب جديدة عرفوا بالتجربة أنها يمكن المساومة معها بسهولة على حساب المبادئ و القيم الدينية. و هذا ما لا يحدث إطلاقاً مع العلماء الأتقياء و رجال الدين الملتزمين.
إن هذا يضاعف ثقل مسؤولية علماء الدين. فعليهم أن يسدّوا الطريق أمام الاختراق بفطنة و دقة متناهية و بمعرفة أساليب العدوّ الخادعة و حيله، و أن يحبطوا مكائده. إن الانشداد للموائد الملوّنة بمتاع الدنيا من أكبر الآفات. و التلوث بهبات أصحاب المال و السلطة و عطاياهم، و الارتباط المادي بطواغيت الشهوة و القوة من أخطر عوامل الانفصال عن الناس و التفريط بثقتهم و محبتهم. الأنانية و حبّ الجاه الذي يجرّ الضعفاء إلى أقطاب القوة يشكّلان أرضية خصبة للتلوث بالفساد و الانحراف. لا بدّ أن نضع نصب أعيننا قوله سبحانه: (تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَ لَا فَسَادًا وَ الْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ). (9)
إننا اليوم، في عصر حراك الصحوة الإسلامية و ما تبعثه في النفوس من أمل، نشاهد أحيانًا مساعي خدم أمريكا و الصهيونية لاصطناع مرجعيات فكرية مشبوهة من ناحية، و مساعي الغارقين في المال و مستنقع الشهوات لجرّ أهل الدين و التقوى إلى موائدهم المسمومة الملوثة من ناحية أخرى.
فعلى علماء الدين و الرجال المتدينين و المحافظين على الدين أن يراقبوا هذه الأمور بشدة و دقّة.
المسألة الثانية، ضرورة رسم هدف بعيد المدى للصحوة الإسلامية في البلدان المسلمة يوضع أمام الجماهير ليكون البوصلة في حركتها للوصول إليه. و بمعرفة هذا الهدف يمكن رسم خريطة الطريق و تحديد الأهداف القريبة و المتوسطة. هذا الهدف النهائي لا يمكن أن يكون أقل من إقامة «الحضارة الإسلامية المجيدة». الأمة الإسلامية، بكل أجزائها في إطار الشعوب و البلدان، يجب أن تعتلي مكانتها الحضارية التي يدعو إليها القرآن الكريم.
إن من الخصائص الأصلية و العامة لهذه الحضارة استثمار أبناء البشر لجميع ما أودعه الله في عالم الطبيعة و في وجودهم من مواهب و طاقات مادية و معنوية لتحقيق سعادتهم و سموّهم. و يمكن، بل و ينبغي مشاهدة مظاهر هذه الحضارة في إقامة حكومة شعبية، و في قوانين مستلهمة من القرآن، و في الاجتهاد و تلبية الاحتياجات المستحدثة للبشر، و في رفض الجمود الفكري و الرجعية، ناهيك عن البدعة و الالتقاط، و في إنتاج الرفاه و الثروة العامة، و في استتباب العدل، و في التخلص من الاقتصاد القائم على الاستئثار و الربا و التكاثر، و في إشاعة الأخلاق الإنسانية، و في الدفاع عن المظلومين في العالم، و في السعي و العمل و الابداع.
و من مستلزمات هذا البناء الحضاري النظرة الاجتهادية و العلمية للساحات المختلفة بدء من العلوم الإنسانية و نظام التربية و التعليم الرسمي، و مروراً بالاقتصاد و النظام المصرفي، و انتهاء بالإنتاج الصناعي و التقني و وسائل الإعلام الحديثة و الفن و السينما، بالإضافة إلى العلاقات الدولية و غيرها من الساحات.
و تدلّ التجربة علی أن كل ذلك ممكن و في متناول مجتمعاتنا بطاقاتها المتوفرة. لا يجوز أن ننظر إلى هذا الأفق بنظرة متسرعة أو متشائمة. التشاؤم في تقويم قدراتنا كفران بنعم الله، و الغفلة عن الإمداد الإلهي و دعم سنن الكون انزلاق في ورطة : (الظَّانِّينَ بِاللهِ ظَنَّ السَّوْءِ). (10)
نحن قادرون على أن نكسر حلقات الاحتكارات العلمية و الاقتصادية و السياسية لقوى الهيمنة، و أن نجعل الأمة الإسلامية سبّاقة لإحقاق حقوق أكثرية شعوب العالم التي هي اليوم مقهورة أمام أقلية مستكبرة.
الحضارة الإسلامية بمقوماتها الإيمانية و العلمية و الأخلاقية، و عبر الجهاد الدائم، قادرة علی أن تقدم للأمة الإسلامية و للبشرية المشاريع الفكرية المتطورة و الأخلاق السامية، و أن تكون منطلق الخلاص من مظالم الرؤية المادية للكون و من الأخلاق الغارقة في مستنقع الرذيلة التي تشكل أركان الحضارة الغربية القائمة.
المسألة الثالثة: في إطار حركات الصحوة الإسلامية يجب الاهتمام باستمرار بالتجربة المرّة و الفظيعة التي تركتها التبعية للغرب على السياسة و الأخلاق و السلوك و نمط الحياة.
البلدان الإسلامية خلال أكثر من قرن من التبعية لثقافة الدول المستكبرة و سياستها قد مُنيت بآفات مهلكة مثل الذيلية و الذلة السياسية و الفقر الاقتصادي و تهاوي الأخلاق و الفضيلة، و التخلف العلمي المُخجِل، بينما الأمة الإسلامية تمتلك تاريخاً مشرقاً من التقدم في جميع هذه المجالات.
هذا الكلام لا ينبغي اعتباره مناصبة العداء للغرب، نحن لا نكنّ العداء لأية مجموعة إنسانية بسبب تمايزها الجغرافي. نحن تعلمنا من الإمام علي (عليه السلام) ما قاله عن الإنسان أنه: «إمّا أخ لك في الدين أو نظير لك في الخلق». (11) اعتراضنا إنما هو على الظلم و الاستكبار و التحكم و العدوان و الفساد و الانحطاط الأخلاقي و العملي الذي تمارسه القوى الاستعمارية و الاستكبارية ضد شعوبنا. و نحن الآن أيضاً نشاهد تحكّم و تدخل و تعنّت أمريكا و بعض ذيولها في المنطقة داخل البلدان التي تحوّل فيها نسيم الصحوة إلى نهوض عاصف و إلى ثورة. وعود هؤلاء و توعّداتهم يجب أن لا تؤثر في قرارات و مبادرات النخب السياسية و في الحركة الجماهيرية العظيمة.
و هنا أيضاً يجب أن نتلقى الدروس من التجارب. أولئك الذين انشدّت قلوبهم لسنوات طويلة بوعود أمريكا و جعلوا الركون إلى الظالم أساساً لنهجهم و سياستهم لم يستطيعوا أن يحلّوا مشكلة من مشاكل شعبهم أو أن يبعدوا ظلماً عنهم أو عن غيرهم. بل إن هؤلاء باستسلامهم لأمريكا لم يستطيعوا أن يحولوا دون هدم بيت فلسطيني واحد على الأقل في إرض هي ملك للفلسطينيين.
الساسة و النخب المخدوعة بالتطميع أو المرعوبة بتهديد جبهة الاستكبار و الذين يخسرون فرصة الصحوة الإسلامية يجب أن يخشوا ما وجهه الله سبحانه إليهم من تهديد إذ قال: (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُواْ نِعْمَةَ اللهِ كُفْرًا وَ أَحَلُّواْ قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ، جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَهَا وَ بِئْسَ الْقَرَارُ). (12)
المسألة الرابعة: إن أخطر ما يواجه حركة الصحوة الاسلامية اليوم هو إثارة الخلافات و دفع هذا الحراك نحو صدامات دموية طائفية و مذهبية و قومية و محلیة. هذه المؤامرة تتابع أجهزة الجاسوسية الغربية و الصهيونية تنفيذها اليوم بجدٍ و اهتمام في منطقة تمتد من شرق آسيا حتى شمال أفريقيا، و خاصة في المنطقة العربية، بدعم من دولارات النفط و الساسة المأجورين. و الأموال التي یمکن استخدمها في تحقيق رفاه خلق الله، تُنفق في التهديد و التكفير و الاغتيال و التفجير و إراقة دم المسلمين و إضرام نيران الأحقاد الدفينة. أولئك الذين يرون في قوة اتحاد المسلمين مانعاً لتطبيق أهدافهم الخبيثة رأوا في إثارة الخلافات داخل الأمة الإسلامية أيسر طريق لتنفيذ أهدافهم الشيطانية، و جعلوا من اختلاف وجهات النظر في الفقه و الكلام و التاريخ و الحديث، و هو اختلاف طبيعي لا يمكن اجتنابه، ذريعة للتكفير و سفك الدماء و الفتنة و الفساد.
نظرة فاحصة لساحة النزاعات الداخلية تكشف بوضوح يد العدوّ وراء هذه المآسي. هذه اليد الغادرة تستثمر دون شك الجهل و العصبية و السطحية في مجتمعاتنا، و تصبّ الزيت على النار. مسؤولية المصلحين و النخب الدينية و السياسية في هذا الخضمّ ثقيلة جداً.
ليبيا بشكل، و مصر و تونس بشكل أخر، و سوريا بشكل، و باكستان بشكل أخر، و العراق و لبنان بشكل، تعاني اليوم أو في معرض المعاناة من هذه النيران الخطرة. لا بدّ من المراقبة الشديدة و البحث عن العلاج.
من السذاجة أن نعزو كل ذلك إلى عوامل و دوافع عقائدية أو قومية. الدعاية الغربية و الإعلام الإقليمي التابع و المأجور يصوّران الحرب المدمّرة في سورية بأنها نزاع سنّي ــ شيعي، و يوفران بذلك مساحة آمنة للصهاينة و أعداء المقاومة في سوريا و لبنان. بينما النزاع في سوريا ليس بين طرفين سني و شيعي، بل بين أنصار المقاومة ضد الصهيونية و معارضي هذه المقاومة. ليست حكومة سوريا حكومة شيعية، و لا المعارضة العلمانية المعادية للإسلام مجموعة سنية، إنما المنفذون لهذا السيناريو المأساوي كانوا بارعين في قدرتهم على استغلال المشاعر الدينية للسذج في هذا الحريق المهلك. نظرة إلى الساحة و الفاعلين فيها على المستويات المختلفة توضّح هذه المسألة لكل إنسان منصف.
هذه الموجة الإعلامية تؤدّي دورها بشكل آخر في البحرين لاختلاق الكذب و الخداع. في البحرين هناك أكثرية مظلومة محرومة لسنوات طويلة من حق التصويت و سائر الحقوق الأساسية للشعب، قد نهضت للمطالبة بحقها. ترى هل يصحّ أن نعتبر الصراع شيعيا سنياً لأن هذه الأكثرية المظلومة من الشيعة، و الحكومة المتجبّرة العلمانية تتظاهر بالتسنّن ؟!
المستعمرون الأوربيون و الأمريكيون و من لفّ لفهم في المنطقة يريدون طبعاً أن يصوّروا الأمر بهذا الشكل، و لكن أهذه هي الحقيقة؟!
هذا ما يستدعي من جميع علماء الدين المصلحين و المنصفين أن يقفوا تجاهه بتأمّل و دقة و شعور بالمسؤولية، و يحتّم عليهم أن يعرفوا أهداف العدو في إثارة الخلافات الطائفية و القومية و الحزبية.
المسألة الخامسة: إن سلامة مسيرة حركات الصحوة الإسلامية يجب أن نبحث عنها، فيما نبحث، في موقفها تجاه قضية فلسطين. منذ ستين عاماً حتى الآن لم تنزل على قلب الأمة الإسلامية كارثة أكبر من اغتصاب فلسطين.
مأساة فلسطين منذ اليوم الأول حتى الآن كانت مزيجاً من القتل و الارهاب و الهدم و الغصب و الإساءة للمقدسات الإسلامية. وجوب الصمود و النضال أمام هذا العدو المحارب هو موضع اتفاق جميع المذاهب الإسلامية و محل إجماع كل التيارات الوطنية الصادقة و السليمة.
إنّ أيّ تيار في البلدان الإسلامية يتناسى هذا الواجب الديني و الوطني انصياعاً للإرادة الأمريكية المتعنتة أو بمبررات غير منطقية يجب أن لا يتوقع غير التشكيك في وفائه للإسلام و في صدق ادعاءاته الوطنية.
إنّ هذا هو المحكّ. كل من يرفض شعار تحرير القدس الشريف و إنقاذ الشعب الفلسطيني و أرض فلسطين، أو يجعلها مسألة ثانوية و يدير ظهره لجبهة المقاومة، فهو متّهم.
الأمة الإسلامية يجب أن تضع نصب عينيها هذا المؤشر و المعيار الواضح الأساسي في كل مكان و زمان.
أيها الضيوف الأعزاء.. أيها الإخوة و الأخوات..
لا تبعدوا عن أنظاركم كيد العدوّ، فإن غفلتنا توفّر الفرصة للعدوّ.
إنّ درس الإمام علي (عليه السلام) لنا هو أنه: «من نام لم يُنَم عنه». (13) تجربتنا في الجمهورية الإسلامية هي بدورها مليئة بدروس العبرة في هذا المجال. إذ بعد انتصار الثورة الإسلامية في إيران، بدأت الحكومات الغربية و الأمريكية المستكبرة التي كانت منذ أمد بعيد تسيطر على طواغيت إيران و تتحكم في المصير السياسي و الاقتصادي و الثقافي لبلدنا، و تستهين بالقوة الضخمة للايمان الإسلامي في داخل المجتمع، و كانت غافلة عن قوة الإسلام و القرآن في التعبئة و التوجيه، بدأت تفهم فجأة ما وقعت فيه من غفلة، فتحركت دوائرها السيادية و أجهزتها الاستخبارية و مراكز صنع القرار فيها لِتَجبُرَ ما مُنيت به من هزيمة فاحشة .
رأينا خلال هذه الأعوام التي تربو علی الثلاثين أنواع المؤامرات و المخططات، و الذي بدّد مكرهم أساساً هو عاملان: الثبات على المبادئ الإسلامية، و الحضور الجماهيري في الساحة.
هذان العاملان هما مفتاح الفتح و الفَرَج في كل مكان. العامل الأول يضمنه الإيمان الصادق بالوعد الإلهي، و العامل الثاني سيبقى ببركة الجهود المخلصة و البيان الصادق. الشعب الذي يؤمن بصدقِ قادته و إخلاصهم يجعل الساحة فاعلة بحضوره المبارك. و أينما بقي الشعب في الساحة بعزم راسخ فإن أية قدرة ستكون عاجزة عن إنزال الهزيمة به. هذه تجربة ناجحة لكل الشعوب التي صنعت بحضورها الصحوة الإسلامية.
أسأل الله تعالى لكم و لكل الشعوب أن يسددكم و يأخذ بأیدیکم و يعينكم و يغدق عليكم شآبيب رحمته إنه تعالى سميع مجيب.
و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته.
الهوامش:
1 - سورة القصص، الآیة 7 .
2 - سورة القصص، الآیة 13 .
3 - سورة الفیل، الآیة 2 .
4 - سورة قریش، الآیة 3 .
5 - سورة الضحی، الآیة 3 .
6 - سورة الشعراء، الآیة 62 .
7 - سورة الشعراء، الآیة 61 .
8 - سورة الحج، الآیة 40 .
9 - سورة القصص، الآیة 83 .
10 - سورة الفتح، الآیة 6 .
11 - نهج البلاغة، الکتاب رقم 53 .
12 - سورة إبراهیم، الآیتان 28 و 29 .
13 - نهج البلاغة، الکتاب رقم 62 .
كلمة قائد الثورة الاسلامية الإمام الخامنئي في المؤتمر العالمي لعلماء الدين و الصحوة الإسلامية
بسم الله الرحمن الرحيم
و الحمد لله رب العالمين، و الصلاة و السلام على سيدنا محمد المصطفى، و آله الأطيبين و صحبه المنتجبين، و من تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أرحب بكم أيها الضيوف الأعزاء، و أسأل الله العزيز الرحيم أن يبارك في هذا الجهد الجماعي، و أن يجعله شوطاً فاعلاً على طريق حياة أفضل للمسلمين إنه سميع مجيب.
موضوع الصحوة الإسلامية الذي ستتناولونه في هذا المؤتمر هو اليوم في رأس قائمة قضايا العالم الإسلامي و الأمة الإسلامية.. إنه ظاهرة عظيمة لو بقيت سليمة و تواصلت بإذن الله لاستطاعت أن تقيم الحضارة الإسلامية في أفق ليس ببعيد للعالم الإسلامي و من ثَمّ للبشرية جمعاء.
إنّ البارز أمام أعيننا اليوم، و لا يستطيع أي إنسان مطّلع و ذي بصيرة أن ينكره هو أن الإسلام اليوم قد خرج من هامش المعادلات الاجتماعية و السياسية في العالم، و اتخذ مكانة بارزة و ماثلة في مركز العناصر الفاعلة لحوادث العالم، ليقدم رؤية جديدة على ساحة الحياة و السياسة و الحكم و التطورات الاجتماعية. و يشكل ذلك، في عالمنا المعاصر الذي يعاني بعد هزيمة الشيوعية و الليبرالية من فراغ فكري و نظري عميق، ظاهرةً ذات مغزى و أهمية بالغة.
و هذا أول أثر تركته الحوادث السياسية و الثورية في شمال أفريقيا و المنطقة العربية على الصعيد العالمي، و يبشّر بدوره ببروز حقائق أكبر في المستقبل.
إنّ الصحوة الإسلامية التي يتجنب ذكرها المتحدثون باسم جبهة الاستكبار و الرجعية، بل يخافون أن يجري اسمها على ألسنتهم، هي حقيقة نرى معالمها اليوم في أرجاء العالم الإسلامي كافة. و أبرز معالمها تطلع الرأي العام و خاصة فئة الشباب إلى إحياء مجد الإسلام و عظمته، و وعيهم لحقيقة نظام الهيمنة العالمية، و انكشاف الوجه الخبيث و الظالم و المستكبر لحكومات و دوائر أنشبت أظفارها الدامية لأكثر من قرنين في المشرق الإسلامي و غير الإسلامي، و جعلت مقدرات الشعوب عرضة لنزعتها الشرسة و العدوانية نحو الهيمنة، و ذلك بنقاب المدنية و الحضارة.
أبعاد هذه الصحوة المباركة واسعة غاية السعة و ذات امتداد رمزي، و لكن ما حققته من حاضر العطاء في بعض بلدان شمال أفريقيا من شأنه أن يجعل القلوب واثقة بمعطيات مستقبلية كبرى و هائلة. إن تحقق معاجز الوعود الإلهية يحمل دائماً معه دلالات أمل يبشّر بتحقق وعود أكبر. و ما يحكيه القرآن الكريم عن الوعدين الإلهيين لأمّ موسى هو نموذج من هذه السنة الربانية.
إذ في تلك اللحظات العسيرة، حيث صدر الأمر بإلقاء الصندوق حامل الرضيع في اليمّ، جاء الخطاب الإلهي بالوعد: (إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَ جَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ). (1) إن تحقق الوعد الأول، و هو الوعد الأصغر الذي شدّ على قلب الأم، أصبح منطلقاً لتحقق وعد الرسالة، و هو أكبر بكثير، و يستلزم طبعاً تحمّل المشاق و المجاهدة و الصبر الطويل: (فَرَدَدْنَاهُ إِلَى أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَ لَا تَحْزَنَ وَ لِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ...). (2) هذا الوعد الحقّ هو تلك الرسالة الكبرى التي تحققت بعد سنين و غيّرت مسيرة التاريخ.
و من النماذج الأخرى التذكير بالقدرة الإلهية الفائقة في قمع المهاجمين للكعبة، و الذي ورد في القرآن بلسان الرسول الأعظم (ألم يجعل كيدهم في تضليل) (3) و ذلك لتشجيع المخاطبين علی امتثال الأمر الالهي: (فليعبدوا رب هذا البيت). (4)
و في موضع آخر يذكّر سبحانه رسوله بما أغدقه عليه من نعم تشبه المعجزة: (أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآوَى، وَ وَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدَى)، ليكون ذلك وسيلة لتقوية معنويات نبيّه الحبيب و إيمانه بالوعد الإلهي في قوله: (مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَ مَا قَلَى)، (5) و مثل هذه الأمثلة كثيرة في القرآن الكريم.
حين انتصر الإسلام في إيران، و استطاع أن يفتح قلاع أمريكا و الصهيونية في أحد أكثر البلدان حساسية من هذه المنطقة المهمة بامتياز، عَلِم أهل العبرة و الحكمة أنهم إذا انتهجوا طریق الصبر و البصيرة فإن فتوحات أخرى ستتعاقب علیهم، و قد تعاقبت فعلاً.
الحقائق الساطعة في الجمهورية الإسلامية و التي يعترف بها الأعداء قد تحققت بأجمعها في ظل الثقة بالوعد الإلهي و الصبر و المقاومة و الاستمداد من ربّ العالمين. شعبنا كان يرفع دائماً صوته بالقول: (كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ)، (6) أمام وساوس الضعفاء الذين كانوا يردّدون في الفترات الحرجة: (إِنَّا لَمُدْرَكُونَ). (7)
هذه التجربة الثمینة هي اليوم في متناول الشعوب التي نهضت بوجه الاستكبار و الاستبداد، و استطاعت أن تسقط أو تزلزل عروش الحكومات الفاسدة الخاضعة و التابعة لأمريكا. الثبات و الصبر و البصيرة و الثقة بالوعد الإلهي في قوله سبحانه: (وَ لَيَنصُرَنَّ اللهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ)، (8) بإمكانها أن تمهّد طريق العزّ هذا أمام الأمة الإسلامية حتى تصل إلى قمة الحضارة الإسلامية.
إنني في هذا الاجتماع الهام لعلماء الأمة بمختلف أقطارهم و مذاهبهم أرى من المناسب أن أبيّن عدة نقاط ضرورية حول قضايا الصحوة الإسلامية:
الأولى: إن الأمواج الأولى للصحوة في بلدان هذه المنطقة، و التي اقترنت ببدايات دخول الغزو الاستعماري، قد انطلقت غالباً على يد علماء الدين و المصلحين الدينيين. لقد خلدت صفحات التاريخ و للأبد أسماء قادة و شخصيات بارزة من أمثال السيد جمال الدين الأسد آبادي، و محمد عبده، و الميرزا الشيرازي، و الآخوند الخراساني، و محمود الحسن، و محمد علي، و الشيخ فضل الله النوري، و الحاج آقا نور الله، و أبي الأعلى المودودي، و عشرات من كبار علماء الدين المعروفين و المجاهدين و المتنفذين من إيران و مصر و الهند و العراق. و يبرز في عصرنا الراهن اسم الإمام الخميني العظيم مثل كوكب ساطع على جبين الثورة الإسلامية في إيران. و كان لمئات العلماء المعروفين و آلاف العلماء غير المعروفين في الحاضر و الماضي دور في المشاريع الإصلاحية الكبيرة و الصغيرة على ساحة مختلف البلدان. و قائمة المصلحين الدينيين من غير علماء الدين كحسن البنا و إقبال اللاهوري هي طويلة أيضاً و مثيرة للإعجاب.
و قد كانت المرجعيّة الفكريّة لعلماء الدين و رجال الفكر الديني بدرجة و أخرى، و في كل مكان. لقد كانوا سنداً روحياً قوياً للجماهير، و حيثما قامت قيامة التحولات الكبرى ظهروا في دور المرشد و الهادي، و تقدموا لمواجهة الخطر في مقدمة صفوف الحراك الشعبي، و ازداد الارتباط الفكري بينهم و بين الناس، و ازداد معه تأثيرهم في دفع الناس نحو الطريق الصحيح. و هذا له من الفائدة و البركة لنهضة الصحوة الإسلامية بمقدار ما يجرّ على أعداء الأمة و الحاقدين على الإسلام و المعارضين لسيادة القيم الإسلامية من انزعاج و امتعاض ما يدفعهم إلى محاولة إلغاء هذه المرجعية الفكرية للمؤسسات الدينية و استحداث أقطاب جديدة عرفوا بالتجربة أنها يمكن المساومة معها بسهولة على حساب المبادئ و القيم الدينية. و هذا ما لا يحدث إطلاقاً مع العلماء الأتقياء و رجال الدين الملتزمين.
إن هذا يضاعف ثقل مسؤولية علماء الدين. فعليهم أن يسدّوا الطريق أمام الاختراق بفطنة و دقة متناهية و بمعرفة أساليب العدوّ الخادعة و حيله، و أن يحبطوا مكائده. إن الانشداد للموائد الملوّنة بمتاع الدنيا من أكبر الآفات. و التلوث بهبات أصحاب المال و السلطة و عطاياهم، و الارتباط المادي بطواغيت الشهوة و القوة من أخطر عوامل الانفصال عن الناس و التفريط بثقتهم و محبتهم. الأنانية و حبّ الجاه الذي يجرّ الضعفاء إلى أقطاب القوة يشكّلان أرضية خصبة للتلوث بالفساد و الانحراف. لا بدّ أن نضع نصب أعيننا قوله سبحانه: (تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَ لَا فَسَادًا وَ الْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ). (9)
إننا اليوم، في عصر حراك الصحوة الإسلامية و ما تبعثه في النفوس من أمل، نشاهد أحيانًا مساعي خدم أمريكا و الصهيونية لاصطناع مرجعيات فكرية مشبوهة من ناحية، و مساعي الغارقين في المال و مستنقع الشهوات لجرّ أهل الدين و التقوى إلى موائدهم المسمومة الملوثة من ناحية أخرى.
فعلى علماء الدين و الرجال المتدينين و المحافظين على الدين أن يراقبوا هذه الأمور بشدة و دقّة.
المسألة الثانية، ضرورة رسم هدف بعيد المدى للصحوة الإسلامية في البلدان المسلمة يوضع أمام الجماهير ليكون البوصلة في حركتها للوصول إليه. و بمعرفة هذا الهدف يمكن رسم خريطة الطريق و تحديد الأهداف القريبة و المتوسطة. هذا الهدف النهائي لا يمكن أن يكون أقل من إقامة «الحضارة الإسلامية المجيدة». الأمة الإسلامية، بكل أجزائها في إطار الشعوب و البلدان، يجب أن تعتلي مكانتها الحضارية التي يدعو إليها القرآن الكريم.
إن من الخصائص الأصلية و العامة لهذه الحضارة استثمار أبناء البشر لجميع ما أودعه الله في عالم الطبيعة و في وجودهم من مواهب و طاقات مادية و معنوية لتحقيق سعادتهم و سموّهم. و يمكن، بل و ينبغي مشاهدة مظاهر هذه الحضارة في إقامة حكومة شعبية، و في قوانين مستلهمة من القرآن، و في الاجتهاد و تلبية الاحتياجات المستحدثة للبشر، و في رفض الجمود الفكري و الرجعية، ناهيك عن البدعة و الالتقاط، و في إنتاج الرفاه و الثروة العامة، و في استتباب العدل، و في التخلص من الاقتصاد القائم على الاستئثار و الربا و التكاثر، و في إشاعة الأخلاق الإنسانية، و في الدفاع عن المظلومين في العالم، و في السعي و العمل و الابداع.
و من مستلزمات هذا البناء الحضاري النظرة الاجتهادية و العلمية للساحات المختلفة بدء من العلوم الإنسانية و نظام التربية و التعليم الرسمي، و مروراً بالاقتصاد و النظام المصرفي، و انتهاء بالإنتاج الصناعي و التقني و وسائل الإعلام الحديثة و الفن و السينما، بالإضافة إلى العلاقات الدولية و غيرها من الساحات.
و تدلّ التجربة علی أن كل ذلك ممكن و في متناول مجتمعاتنا بطاقاتها المتوفرة. لا يجوز أن ننظر إلى هذا الأفق بنظرة متسرعة أو متشائمة. التشاؤم في تقويم قدراتنا كفران بنعم الله، و الغفلة عن الإمداد الإلهي و دعم سنن الكون انزلاق في ورطة : (الظَّانِّينَ بِاللهِ ظَنَّ السَّوْءِ). (10)
نحن قادرون على أن نكسر حلقات الاحتكارات العلمية و الاقتصادية و السياسية لقوى الهيمنة، و أن نجعل الأمة الإسلامية سبّاقة لإحقاق حقوق أكثرية شعوب العالم التي هي اليوم مقهورة أمام أقلية مستكبرة.
الحضارة الإسلامية بمقوماتها الإيمانية و العلمية و الأخلاقية، و عبر الجهاد الدائم، قادرة علی أن تقدم للأمة الإسلامية و للبشرية المشاريع الفكرية المتطورة و الأخلاق السامية، و أن تكون منطلق الخلاص من مظالم الرؤية المادية للكون و من الأخلاق الغارقة في مستنقع الرذيلة التي تشكل أركان الحضارة الغربية القائمة.
المسألة الثالثة: في إطار حركات الصحوة الإسلامية يجب الاهتمام باستمرار بالتجربة المرّة و الفظيعة التي تركتها التبعية للغرب على السياسة و الأخلاق و السلوك و نمط الحياة.
البلدان الإسلامية خلال أكثر من قرن من التبعية لثقافة الدول المستكبرة و سياستها قد مُنيت بآفات مهلكة مثل الذيلية و الذلة السياسية و الفقر الاقتصادي و تهاوي الأخلاق و الفضيلة، و التخلف العلمي المُخجِل، بينما الأمة الإسلامية تمتلك تاريخاً مشرقاً من التقدم في جميع هذه المجالات.
هذا الكلام لا ينبغي اعتباره مناصبة العداء للغرب، نحن لا نكنّ العداء لأية مجموعة إنسانية بسبب تمايزها الجغرافي. نحن تعلمنا من الإمام علي (عليه السلام) ما قاله عن الإنسان أنه: «إمّا أخ لك في الدين أو نظير لك في الخلق». (11) اعتراضنا إنما هو على الظلم و الاستكبار و التحكم و العدوان و الفساد و الانحطاط الأخلاقي و العملي الذي تمارسه القوى الاستعمارية و الاستكبارية ضد شعوبنا. و نحن الآن أيضاً نشاهد تحكّم و تدخل و تعنّت أمريكا و بعض ذيولها في المنطقة داخل البلدان التي تحوّل فيها نسيم الصحوة إلى نهوض عاصف و إلى ثورة. وعود هؤلاء و توعّداتهم يجب أن لا تؤثر في قرارات و مبادرات النخب السياسية و في الحركة الجماهيرية العظيمة.
و هنا أيضاً يجب أن نتلقى الدروس من التجارب. أولئك الذين انشدّت قلوبهم لسنوات طويلة بوعود أمريكا و جعلوا الركون إلى الظالم أساساً لنهجهم و سياستهم لم يستطيعوا أن يحلّوا مشكلة من مشاكل شعبهم أو أن يبعدوا ظلماً عنهم أو عن غيرهم. بل إن هؤلاء باستسلامهم لأمريكا لم يستطيعوا أن يحولوا دون هدم بيت فلسطيني واحد على الأقل في إرض هي ملك للفلسطينيين.
الساسة و النخب المخدوعة بالتطميع أو المرعوبة بتهديد جبهة الاستكبار و الذين يخسرون فرصة الصحوة الإسلامية يجب أن يخشوا ما وجهه الله سبحانه إليهم من تهديد إذ قال: (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُواْ نِعْمَةَ اللهِ كُفْرًا وَ أَحَلُّواْ قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ، جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَهَا وَ بِئْسَ الْقَرَارُ). (12)
المسألة الرابعة: إن أخطر ما يواجه حركة الصحوة الاسلامية اليوم هو إثارة الخلافات و دفع هذا الحراك نحو صدامات دموية طائفية و مذهبية و قومية و محلیة. هذه المؤامرة تتابع أجهزة الجاسوسية الغربية و الصهيونية تنفيذها اليوم بجدٍ و اهتمام في منطقة تمتد من شرق آسيا حتى شمال أفريقيا، و خاصة في المنطقة العربية، بدعم من دولارات النفط و الساسة المأجورين. و الأموال التي یمکن استخدمها في تحقيق رفاه خلق الله، تُنفق في التهديد و التكفير و الاغتيال و التفجير و إراقة دم المسلمين و إضرام نيران الأحقاد الدفينة. أولئك الذين يرون في قوة اتحاد المسلمين مانعاً لتطبيق أهدافهم الخبيثة رأوا في إثارة الخلافات داخل الأمة الإسلامية أيسر طريق لتنفيذ أهدافهم الشيطانية، و جعلوا من اختلاف وجهات النظر في الفقه و الكلام و التاريخ و الحديث، و هو اختلاف طبيعي لا يمكن اجتنابه، ذريعة للتكفير و سفك الدماء و الفتنة و الفساد.
نظرة فاحصة لساحة النزاعات الداخلية تكشف بوضوح يد العدوّ وراء هذه المآسي. هذه اليد الغادرة تستثمر دون شك الجهل و العصبية و السطحية في مجتمعاتنا، و تصبّ الزيت على النار. مسؤولية المصلحين و النخب الدينية و السياسية في هذا الخضمّ ثقيلة جداً.
ليبيا بشكل، و مصر و تونس بشكل أخر، و سوريا بشكل، و باكستان بشكل أخر، و العراق و لبنان بشكل، تعاني اليوم أو في معرض المعاناة من هذه النيران الخطرة. لا بدّ من المراقبة الشديدة و البحث عن العلاج.
من السذاجة أن نعزو كل ذلك إلى عوامل و دوافع عقائدية أو قومية. الدعاية الغربية و الإعلام الإقليمي التابع و المأجور يصوّران الحرب المدمّرة في سورية بأنها نزاع سنّي ــ شيعي، و يوفران بذلك مساحة آمنة للصهاينة و أعداء المقاومة في سوريا و لبنان. بينما النزاع في سوريا ليس بين طرفين سني و شيعي، بل بين أنصار المقاومة ضد الصهيونية و معارضي هذه المقاومة. ليست حكومة سوريا حكومة شيعية، و لا المعارضة العلمانية المعادية للإسلام مجموعة سنية، إنما المنفذون لهذا السيناريو المأساوي كانوا بارعين في قدرتهم على استغلال المشاعر الدينية للسذج في هذا الحريق المهلك. نظرة إلى الساحة و الفاعلين فيها على المستويات المختلفة توضّح هذه المسألة لكل إنسان منصف.
هذه الموجة الإعلامية تؤدّي دورها بشكل آخر في البحرين لاختلاق الكذب و الخداع. في البحرين هناك أكثرية مظلومة محرومة لسنوات طويلة من حق التصويت و سائر الحقوق الأساسية للشعب، قد نهضت للمطالبة بحقها. ترى هل يصحّ أن نعتبر الصراع شيعيا سنياً لأن هذه الأكثرية المظلومة من الشيعة، و الحكومة المتجبّرة العلمانية تتظاهر بالتسنّن ؟!
المستعمرون الأوربيون و الأمريكيون و من لفّ لفهم في المنطقة يريدون طبعاً أن يصوّروا الأمر بهذا الشكل، و لكن أهذه هي الحقيقة؟!
هذا ما يستدعي من جميع علماء الدين المصلحين و المنصفين أن يقفوا تجاهه بتأمّل و دقة و شعور بالمسؤولية، و يحتّم عليهم أن يعرفوا أهداف العدو في إثارة الخلافات الطائفية و القومية و الحزبية.
المسألة الخامسة: إن سلامة مسيرة حركات الصحوة الإسلامية يجب أن نبحث عنها، فيما نبحث، في موقفها تجاه قضية فلسطين. منذ ستين عاماً حتى الآن لم تنزل على قلب الأمة الإسلامية كارثة أكبر من اغتصاب فلسطين.
مأساة فلسطين منذ اليوم الأول حتى الآن كانت مزيجاً من القتل و الارهاب و الهدم و الغصب و الإساءة للمقدسات الإسلامية. وجوب الصمود و النضال أمام هذا العدو المحارب هو موضع اتفاق جميع المذاهب الإسلامية و محل إجماع كل التيارات الوطنية الصادقة و السليمة.
إنّ أيّ تيار في البلدان الإسلامية يتناسى هذا الواجب الديني و الوطني انصياعاً للإرادة الأمريكية المتعنتة أو بمبررات غير منطقية يجب أن لا يتوقع غير التشكيك في وفائه للإسلام و في صدق ادعاءاته الوطنية.
إنّ هذا هو المحكّ. كل من يرفض شعار تحرير القدس الشريف و إنقاذ الشعب الفلسطيني و أرض فلسطين، أو يجعلها مسألة ثانوية و يدير ظهره لجبهة المقاومة، فهو متّهم.
الأمة الإسلامية يجب أن تضع نصب عينيها هذا المؤشر و المعيار الواضح الأساسي في كل مكان و زمان.
أيها الضيوف الأعزاء.. أيها الإخوة و الأخوات..
لا تبعدوا عن أنظاركم كيد العدوّ، فإن غفلتنا توفّر الفرصة للعدوّ.
إنّ درس الإمام علي (عليه السلام) لنا هو أنه: «من نام لم يُنَم عنه». (13) تجربتنا في الجمهورية الإسلامية هي بدورها مليئة بدروس العبرة في هذا المجال. إذ بعد انتصار الثورة الإسلامية في إيران، بدأت الحكومات الغربية و الأمريكية المستكبرة التي كانت منذ أمد بعيد تسيطر على طواغيت إيران و تتحكم في المصير السياسي و الاقتصادي و الثقافي لبلدنا، و تستهين بالقوة الضخمة للايمان الإسلامي في داخل المجتمع، و كانت غافلة عن قوة الإسلام و القرآن في التعبئة و التوجيه، بدأت تفهم فجأة ما وقعت فيه من غفلة، فتحركت دوائرها السيادية و أجهزتها الاستخبارية و مراكز صنع القرار فيها لِتَجبُرَ ما مُنيت به من هزيمة فاحشة .
رأينا خلال هذه الأعوام التي تربو علی الثلاثين أنواع المؤامرات و المخططات، و الذي بدّد مكرهم أساساً هو عاملان: الثبات على المبادئ الإسلامية، و الحضور الجماهيري في الساحة.
هذان العاملان هما مفتاح الفتح و الفَرَج في كل مكان. العامل الأول يضمنه الإيمان الصادق بالوعد الإلهي، و العامل الثاني سيبقى ببركة الجهود المخلصة و البيان الصادق. الشعب الذي يؤمن بصدقِ قادته و إخلاصهم يجعل الساحة فاعلة بحضوره المبارك. و أينما بقي الشعب في الساحة بعزم راسخ فإن أية قدرة ستكون عاجزة عن إنزال الهزيمة به. هذه تجربة ناجحة لكل الشعوب التي صنعت بحضورها الصحوة الإسلامية.
أسأل الله تعالى لكم و لكل الشعوب أن يسددكم و يأخذ بأیدیکم و يعينكم و يغدق عليكم شآبيب رحمته إنه تعالى سميع مجيب.
و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته.
الهوامش:
1 - سورة القصص، الآیة 7 .
2 - سورة القصص، الآیة 13 .
3 - سورة الفیل، الآیة 2 .
4 - سورة قریش، الآیة 3 .
5 - سورة الضحی، الآیة 3 .
6 - سورة الشعراء، الآیة 62 .
7 - سورة الشعراء، الآیة 61 .
8 - سورة الحج، الآیة 40 .
9 - سورة القصص، الآیة 83 .
10 - سورة الفتح، الآیة 6 .
11 - نهج البلاغة، الکتاب رقم 53 .
12 - سورة إبراهیم، الآیتان 28 و 29 .
13 - نهج البلاغة، الکتاب رقم 62 .
وماذا بعد؟
لم تكن استقالة المستشار محمد فؤاد جاد الله، نائب رئيس مجلس الدولة المنتدب للرئاسة أمراً مستغرباً، بل المستغرب أنه استمر طوال هذه المدة في قلب تلك المعمعة، وقد تحمل كل تلك المعارك والمشاهد والمساخر غير المتوقعة، التي مرت على مصر، وهو في الرئاسة يحاول ويجتهد من دون جدوى، خصوصاً الاعلان الدستوري المعيب جداً، المعروف بإعلان 21 نوفمبر 2012. آسف لاستخدام كلمة’المساخر’ في عهد الاسلاميين، ولكن ليس هناك ما هو أغلى من الحريات والدم، ولا أعز على النفس من الوطن، عندما تنهار فيه بعض القيم والمبادئ والثوابت، ويسير من دون رؤية واضحة.
أعتقد أن استقالة المستشار جاد الله من العمل بالرئاسة، أثبتت، أو على الأقل لمحت إلى ما ذكرناه وذكره غيري سابقاً من السير بمصر من دون رؤية، كالسائق الذي يسير بسيارته في طين ووحل في أيام الشتاء وقد لطخ الطين زجاج سيارته الأمامي، أو كالأعمى الذي يصر على أن يقود السيارة فيصطدم في أول عامود أو يتعثر مع أول مطب، وما أكثر المطبات في حياة المصريين قبل الثورة وهو أمر كان متوقعاً، وما أكثرها أيضاً بعد الثورة، وهو ما لم يتوقعه أحد، حتى أقرب المستشارين إلى الرئيس مرسي، أقصد المستشار جاد الله. بالتأكيد الأسباب التي ذكرها المستشار المستقيل، ليست أسباباً كيدية ضد مرسي ولا حزب الحرية والعدالة ولا الإخوان المسلمين، وليس عن زهد في العمل في الرئاسة، ولا الرغبة في المعاش المبكر، ولا يمكن أن يقال إن المستشار صار بلطجياً أو واحدا من الفلول، بعد أن كان ثورياً معروفاً وقف في التحرير طيلة أيام الثورة، كما قال من شاهده.
ولا يمكن أن يقال إنه انقلب ضد الثورة في يوم وليلة، إنما للأسف قد تصدر إيضاحات أو إشارات ضده- من هنا وهناك- باتهامات أخرى أهمها تأخره في الاستقالة، والله وحده أعلم بما في الصدور والأدراج المغلقة، وكل له اجتهاده حسب علمه وخبرته.
قدم المستشار جاد الله استقالته وقد قسمها الى قسمين، قسم الأسباب وراء الاستقالة وكشف حساب أو تبرئة ذمته عن مدة عمله بالرئاسة. ونحن يعنينا هنا ما جاء في أسباب الاستقالة. وثيقة الاستقالة بأسبابها السبعة ـ في ظني- يجب أن تكون محل دراسة من الإخوان المسلمين والحركات الإسلامية كلها، لتعرف أسباب الفشل عندما يأتون إلى الحكم، ويعرفون مواضع الخلل القاتل التي تصيب حتى أهل الثوابت الإسلامية عندما يعتلون كراسي السلطة، كما يجب أن تكون موضع دراسة من المعارضة في مصر لتفادي أسباب الفشل إذا كانوا جديرين بثقة الشعب، وحتى يدركوا ويعملوا على تطوير بعض أسباب النجاح إذا جاءوا إلى الحكم والسلطة.
الأسباب الستة الأولى في الاستقالة أسباب يجب أن تدفع جميع من في الرئاسة من المسؤولين، بمن في ذلك الرئيس نفسه والمستشارين والوزراء بمن فيهم رئيسهم إلى الاستقالة فوراً، والسعي إلى أن يملأ تلك الكراسي من هم أهل لها، ومن الكفاءة والخبرة من يستطيع أن يدفع عجلة البلاد إلى الأمام أو على الأقل أن يوقف تدهورها. تتلخص أسباب الاستقالة في الاصرار على مجموعة من أخطر أسباب الفشل، وكأنه مقصود لذاته لتوجيه ضربة قاضية إلى الوطن العزيز، وكذلك مشروع الدعوة الإسلامية الذي حمله الإخوان المسلمون أكثر من ثمانين عاماً وانتظره كثيرون، بعد أن فقدوه في أفغانستان والعراق والصومال والسودان، وتمنوا أن يجدوه في مصر مع الإسلاميين، حيث نشأت دعوة الإخوان المسلمين وترعرعت، ومنها انتشرت إلى بقية الدول، بل العالم كله حتى في الأدغال والفيافي والنجوع والكفور. فالفكر يسير كما يسير السحاب، ويسري كما يسري الماء في البحار والمحيطات.
كان السبب الأول صادماً، وهو الكشف عن عدم وجود رؤية واضحة لإدارة الدولة وبناء مصر المستقبل وتحقيق أهداف الثورة، وهو ما يعني التخبط، خصوصاً مع الاصرار على نهج الفشل الذي تنهار به الامبراطوريات والدول الكبرى، فما بالك بالدول التي تعرضت لرؤية من كانوا كنزاً استراتيجياً لاسرائيل، قبل الثورة قامت على الظلم والديكتاتورية والفساد والتجريف والتخلف لمدة ثلاثين سنة على الأقل، فكيف نسير بلا رؤية اليوم أيضاً، وكان لابد من رؤية واضحة وصحيحة لتمحو آثار تلك السنون، ولكن من يفقد الاحساس بالثورة، يمكن أن يفقد الاحساس بأهمية الوطن، كما فقد الاحساس بأهمية الالتزام ببعض الثوابت من قبل.
وكان السبب الثاني وراء استقالة المستشار جاد الله، هو الاصرار على استمرار حكومة قنديل رغم فشلها. وهذا السبب مهم جداً كما جاء في الاستقالة، ولكن الأهم منه مع نفس السبب هو رفض دعم الحكومة. غريب جداً أن تصر الرئاسة وحدها أو من وراءها على أن تستمر حكومة قنديل رغم فشلها، وترفض في ذات الوقت أن تدعمها ولو بثلاثة نواب للرئيس أو لجان أو مؤسسات تتولى الملفات السياسية والاقتصادية والأمنية، كما جاء في أسباب الاستقالة. رموا الحكومة في البحر وحذروها أن تبتل بالماء.
وقد كان السبب الثالث وراء الاستقالة، يكمن في محاولات اغتيال السلطة القضائية، والنيل من استقلالها والاعتراض على أحكامها، والفشل في حل مشكلة النائب العام أو إجراء حوار مجتمعي حقيقي يحقق مصلحة الوطن. المستشار جاد الله ليس هو عبدالمجيد محمود ولا الزند ولا عبدالمعز إبراهيم ولا تهاني الجبالي، وهو هنا لا يدافع عن أحد، بحيث يتهم اتهامات سخيفة، ولكنه قال ما قال احتراماً للقضاء والسلطة القضائية واستقلالهما، وهو من أهم عوامل ازدهار الحياة الديمقراطية التي لا تحيا بنتيجة الصناديق وحدها، ولا بأمنيات ولا بكلام الرؤساء. نحن نحترم القضاء، ولكن الاحترام ليس في الكلام بل في الاستقلال الحقيقي، وعدم الاعتراض على الأحكام، وعدم محاصرة المحاكم ولا منازل القضاة لإرهابهم.
أما السبب الرابع وراء الاستقالة، فيكمن في الاحتكار وأضراره ونتائجه، أياً كان ذلك الاحتكار، وخصوصا في المرحلة الانتقالية، احتكار صناعة القرار، احتكار الاضطلاع بالمسؤولية، رغم العجز الواضح عن أن يحملها كتف واحد، مما نتج عنه تهميش باقي المجتمع وإهمال أهل الكفاءة والثقة، كما أهملنا أيضاً موارد الدولة الوفيرة، ولا زلنا نمد أيدينا إلى الخارج لنتسول ما نقتات به، ونضع وطناً عزيزاً مثل مصر، تحت رحمة صندوق النقد الدولي. وأخشى أن ذلك سيؤدي إلى احتكار الفشل، وتبرئة الثورة المضادة التي تحملت كثيراً من الاتهامات بالحق والباطل أحياناً، وكثيراً من أسباب الفشل والعجز، وهو خلط سيئ وهروب من أمانة المسؤولية.
أما السبب الخامس، فهو يكشف عن عجز ونفاق. العجز يتمثل في أن جولات الحوار الوطني في الرئاسة لم تصل إلى أي حل لأي مشكلة أو تحديات ظاهرة أو باطنة، ولا يزال المجتمع منقسماً كما كان، بل ازدادت تلك الحالة سوءاً. لم يحدث التوافق السياسي ولا الاقتصادي ولا الأمني كما كان متوقعاً أو مأمولاً. أما النفاق فيتمثل في أولئك الذين هللوا- من دون وجه حق للحوار- مع الإعلاميين والسياسيين، مما يذكرنا بالحوار الوطني للحزب الوطني البائد، الذي كان يمنع منه الإخوان، هناك منع بالإرادة السياسية، وهناك منع أو امتناع عن المشاركة لعدم الثقة في الاعداد للحوار والترتيب له وضعف الثقة في القائمين عليه.
أما السبب السادس، فهو يدل على جريمة ارتكبتها الرئاسة والقائمون على الحكم والسلطة في حق الشباب والمستقبل، وهو يؤكد البون الشاسع بين ما تقوله الرئاسة في ذلك وما يقوله الرئيس نفسه، وبين الواقع الذي يلمسه الشعب اليوم وما عبّر عنه المستشار المستقيل جاد الله. يتمثل السبب السادس وراء الاستقالة في: عدم تمكين الشباب من ممارسة دورهم المحوري في المجالات السياسية والاقتصادية والأمنية، وتعمد تهميشهم وإقصائهم.
قد يستغرب القارئ ما قلته في صدر هذه الفقرة من أن السبب السادس جريمة ارتكبتها الرئاسة والقائمون على الحكم والسلطة. ولعل القارئ قد تبين صحة ما أقول لأن تعمد تهميش الشباب ليس خطأ مثل بقية الأخطاء، ولكنه جريمة مكتملة الأركان. إذا جاء ذلك الوصف من مستشار قانوني ثوري إسلامي عمل في الرئاسة حوالي عشرة أشهر وبالقرب من الرئيس، ومن المفترض أنه لن يقول ذك بدون أدلة أو براهين. وربما كان المقصود بالشباب هنا هم شباب الثورة الشعبية الحضارية العظيمة. وأحد أركان هذه الجريمة، يكمن في أن القول من المسؤولين يخالف العمل والتطبيق على الأرض. أما السبب السابع في ظني فهو نشاز عن مجموعة الأسباب الستة السابقة، لأنه يتعلق بطرف خارجي وقضية شائكة هي المذهبية، وهي العلاقة بين السنة والشيعة والخوف من التمدد الشيعي في مصر. ولو كان قد أشار إلى التطرف والعنف الذي لم يعالج أو الهيمنة الأمريكية لكان ذلك أيضاً مقبولاً. وأقول للمستشار جاد الله، تخوفك فوق العين والرأس، ولكن مذاهب أهل السنة والجماعة الأربعة على الأقل، لا ينبغي أن تشعر بالهلع من المذهب الاثنى عشري الوحيد، فمذاهب أهل السنة ليست من زجاج، والمذهب الاثنى عشري ليس من حديد.
وبصرف النظر عما قيل عن تلك الاستقالة، فقد كان المستشار جاد الله، مؤدباً ودقيقاً وشجاعاً في كثير من الحوارات التلفازية، واستطاع أن يضع يده من موقع الخبرة والدراية ومعرفة الواقع كما يقول الفقهاء، على موضع الألم وبقى العلاج.
والسؤال الأبرز هنا إذا لم تكن هناك رؤية واضحة لإدارة الدولة وبناء المستقبل وتحقيق أهداف الثورة، فكيف بمشروع أستاذية العالم؟
د. كمال الهلباوي، كاتب مصري