
Super User
مسجد سليمان القانوني
يقع المسجد في قلب مجموعة تتكون من مقبرة وأربع مدارس ومستشفى وفندق ومئذنة ودكاكين وحمّامات ومدرسة قرآنية وضريح سنان، ويمد المجموعة بكاملها نظام تموين بالمياه
بني المسجد من الحجر المنحوت المركّب بدون ملاط وهي ميزة النظام الأناضولي سواء كان ذلك في الأبنية المسيحية أو الإسلامية.
يتكون باب الواجهة الرخامي من دعامتين ضخمتين، وهو يؤطّر المدخل الذي يندرج في مشكاة مثلّثة ذات مقرنصات ؛ وكان هذا التخطيط معتمدا في الأناضول أثناء القرن الثالث عشر. يعلو المدخل نقش يحمل تاريخ التأسيس وجبهة بنظام العصور القديمة وتؤطّر المدخل أعمدة ذات تيجان بصلية عُرفت منذ العصر العباسي. يندرج التتويج بالرسم النباتي في تقاليد الشرافات التي كانت تستعمل في العمارة الآشورية. وهناك مدخلان جانبيان يفضيان إلى الصحن، وفكرة المداخل المتعددة كانت معروفة منذ العصر العباسي وتتجسّد في الأناضول السلجوقية.
أمّا الصحن الذي يحتوي على فسقية مستطيلة منحوتة في الرخام فيحيط به رواق مسقوف ترتكز أقواسه المزررة بالتناوب على أعمدة ذات تيجان بها مقرنصات. والأساكيب مغطّاة بقباب ترتكز على أفاريز مثلّثة موروثة عن العمارة السلجوقية وعلى مثلثات القبة، ويأخذ المحور الرئيسي للصحن قيمته من الأقواس المرتفعة والواسعة المرتكزة على أعمدة بيزنطية من الرخام السماقي أعيد استعمالها، وهي من العادات المألوفة منذ العصر الأموي.
ندخل إلى قاعة الصلاة مباشرة من الصحن والمداخل الجانبية القائمة تحت صف من الأعمدة، وخصص المدخل الجنوبي- الشرقي للسلطان. كانت كاتدرائية القديسة صوفيا(537) النموذج الذي طمح سنان إلى تجاوزه، إذ استلهم منه مخطّط القبّة المركزية المزوّدة بقبّتين نصفيتين وقباب في الزوايا. وكانت القبّة واسعة الاستعمال في "أوائل النماذج المعمارية العثمانية": فمسجد بورصة (1396- 1400) مغطّى كليّا بها. أمّا الممرات الجانبية فتبرزها أروقة ثلاثية كما هو الحال في جامع آيا صوفيا. أمّا الفضاء الداخلي الذي يرتفع على ثلاثة مستويات من النوافذ، فهو منظم جدا، لاسيما بفضل الأقواس المزررة المتناوبة والممر الذي يحيط بأعلى السور.
زينت الأعمدة المصلبة شمالا وجنوبا بكوّات ذات مقرنصات. وبما أنّها أزيحت على الجوانب، فهي تترك مجالا واسعا في الوسط. والحيطان هنا عبارة عن ستارات ضوئية تلتقط النور بفضل النوافذ العديدة التي تنفتح في القبب والجدر الجانبية وحائط القبلة. وهي تلطف شكل المبنى الخارجي وتبدو كُتل الطوابق الثلاثة المتراكمة وكأنها ترتفع برشاقة بالرغم من هيكلها الكثيف. (عضادات الدعم الخارجية لسور القبلة، أسوار التثبيت للفضاء المركزي). ويزيد من حدة هذا الشكل الهرمي وجود أربع مآذنمختلفة الأحجام، كما تبرز على المسجد، في الحين ذاته، ملامح الرابية.
زين حائط القبلة بالزجاج الملوّن ويأوي المحراب الرخامي المرتفع ذا المشكاة المثلّثة والمزينة بالمقرنصات، ميزة الفترة العثمانية 12 وضع منبر من الرخام إلى يمين المحراب مباشرة وراء الدكّة المصنوعة هي الأخرى من الرخام. أما مشكاة الصلاة التي ترتفع إلى المستوى الثاني من النوافذ فهي ثريّة الزخارف، ووُضعت إلى جانبي المشكاة لُفافتان من الخزف أنجزهما محمّد شلبي أو أحمد الكره حصاري في نقش كتابي تظهر فيه ذيول الحروف ممدودة شعاعية محاكية للكتابة المملوكية وأُدرجتا داخل كسوة جدارية متعددة الألوان من مربّّعات إزنيق. ويعتبر الرسم الزهري الرقيق وسحب تشي من خصوصيات المنظومة العثمانية وقد كثر استعمالها على القطع المجسمة. ويظهر هنا للمرّة الأولى وعبر لمسات خفيفة، "أحمر إزنيق" الشهير.
ما الدليل من الكتاب و السنة على شفاعة أهل البيت؟
إن القول بالشفاعة لم يختص بالشيعة وحدهم بل اشترك في ذلك جميع المسلمين ، ودليل ذلك القرآن الكريم والسنة الشريفة .
أما من القرآن الكريم: فقوله تعالى : (( وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى )) (الأنبياء:28)، وقوله تعالى : (( فَمَا تَنفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ )) (الأعراف:53)، وقوله تعالى : (( فما تنفعهم شفاعة الشافعين )) (المدثر:48)، وقوله تعالى : (( ما للظالمين من حميم ولا شفيع يطاع )) (غافر:18). إلى غيرها من الآيات الكريمة التي تؤكد شفاعة المقربين عند الله تعالى ومن يرتضيهم من شفعاء.
أما السنة الشريفة : فقد روي الحاكم عن جابر (رض) : أن رسول الله (صلى الله عليه وآله ) تلا قول الله (( ولا يشفعون إلاّ لمن ارتضى )) فقال : (إن شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي) ـ الدر المنثور للسيوطي في تفسير قوله ولا يشفعون .
وأخرج عبد الرزاق وابن المنذر عن قتادة إن النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) قال : (تعلموا أن الله يشفّع المؤمنين يوم القيامة بعضهم في بعض) . راجع نفس المصدر.
وقال النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) : (إن في أمتي رجلاً ليدخلن الله الجنة بشفاعته أكثر من بني تميم) . راجع الدر المنثور للسيوطي في تفسير الآية .
والشيعة الإمامية تروي هذا الحديث كذلك في علي بن أبي طالب (عليه السلام)، حيث بشفاعته يدخل أكثر من بني تميم بل مثل ربيعة ومضر . كيف لا وقد روى السيوطي أيضاً أن الشهيد يشفع في سبعين من أهل بيته .
وأخرج البيهقي في سننه عن ابن مسعود قال : يعذب الله قوماً من أهل الإيمان ثم يخرجهم بشفاعة محمّد (صلى الله عليه وآله وسلّم) حتى لا يبقى إلاّ من ذكر الله (( ما سللكم في سقر ... إلى قوله ... شفاعة الشافعين )).
وروى البيهقي في الاعتقاد عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) : (أنا أول شفيع يوم القيامة ، وأنا أكثر الأنبياء تبعاً يوم القيامة ، أن من الأنبياء لمن يأتي يوم القيامة ما معه مصدق غير واحد) .
وروى عن جابر بن عبد الله أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) قال : (أنا قائد المرسلين ولا فخر، وأنا خاتم النبيين ولا فخر، وأنا أول شافع ومشفع ولا فخر) . راجع هذه الأحاديث كتاب (الاعتقاد على مذهب السلف أهل السنة والجماعة للبيهقي ص 105 وما بعدها).
هذه هي الآيات والروايات الشريفة التي تثبت شفاعة أهل البيت(عليهم السلام)، فالآيات القرآنية تؤكد أصل وجود الشفاعة ، وهي خاصة بمن ارتضاهم الله وفضّلهم وأكرمهم ، ومنها فقد أمكننا إثبات أصل الشفاعة .
أما الروايات الشريفة فتؤكد أن الله يشفّع للنبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) ولجميع المؤمنين وللشهداء أيضاً ، كما إنها أكدت أن رجلاً في أمة محمّد (صلى الله عليه وآله وسلّم) يشفع لمثل ربيعة ومضر أو أكثر من بني تميم، والشيعة تروي أن هذا الرجل الذي يشفع لمثل ربيعة ومضر هو علي بن أبي طالب (عليه السلام). وقد روى ابن حجر في (الصواعق المحرقة ص 127 ط ـ مكتبة القاهرة) : ما رواه السماك أن أبا بكر قال : سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) يقول : (لا يجوز أحد الصراط إلاّ من كتب له علي الجواز) . وإذا ضمننا إلى هذا الحديث أحاديث أن المؤمن يشفع لسبعين مؤمناً وأن الشهيد يشفع كذلك للمؤمنين، فان علي (عليه السلام) وأولاده يشفعون بما شاء الله ، فانهم شهداء فضلاً عن كونهم أفضل المؤمنين وعليٌ أمير المؤمنين ، هذا إذا أردنا الاستدلال بروايات أهل السنة على شفاعة أهل البيت (عليه السلام) ، أما روايات الشيعة فهي أكثر من أن تحصى تؤكد نفس المعنى تماماً .
الوقاية من فيروس الحسد
الحسد: هو تمنّي زوال نعم الله تعالى عن أخيك المسلم ممّا له فيه صلاح. (1)
الحسد أشدّ الأمراض وأصعبها وأسوأ الرذائل وأخبثها، ويۆدّي بصاحبه إلى عقوبة الدنيا وعذاب الآخرة.
الآيات والروايات في ذلك
قال تعالى:{أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ} [سورة النساء: الآية 54].
وقال أيضاً:{وَلَا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ} [سورة النساء: الآية 32].
قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله): «لا تتحاسدوا، فإن الحسد يأكل الايمان، كما تأكل النار الحطب اليابس»(2).
وقال (صلّى الله عليه وآله) أيضاً: «قال الله عزّ وجلّ لموسى بن عمران: يا ابن عمران: لا تحسدنّ الناس على ما آتيتهم من فضلي. ولا تمدّنّ عينيك إلى ذلك ولا تتبعه نفسك، فإنّ الحاسد ساخط لنعمي، صادّ لقسمي الذي قسمت بين عبادي ومن يك كذلك فلست منه وليس مني» (3).
وقال (صلّى الله عليه وآله): «إن لنعم الله اعداء، فقيل: ومن هم؟ قال: الذين يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله» (4).
وقال (صلّى الله عليه وآله) أيضاً: «إنّ الحاسد عدوّ لنعمتي متسخّط لقضائي، غير راض بقسمتي التي قسمت بين عبادي» (5).
مراتب الحسد
المرتبة الاُولى: أن يحبّ زوال النعمة عن المحسود وإن لم تنتقل إليه، وهذا أخبث المراتب وأشدّها ذمّاً.
المرتبة الثانية: أن يحبّ زوال النعمة لرغبته في عينها كرغبته في دار حسنة معينة أو امرأة جميلة بعينها، ويحبّ زوالها من حيث توقّف وصوله إليها عليه لا من حيث تنعّم غيره بها، قال تعالى: {وَلَا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ}.المرتبة الثالثة: أن لا يشتهي عينها بل يشتهي لنفسه مثلها، إلا أنّه إن عجز عن مثلها أحبّ زوالها عنه، كي لا يظهر التفاوت بينهما، ومع ذلك لو خلّي وطبعه اجتهد وسعى في زوالها.
المرتبة الرابعة: هي كالثالثة إلا إنّه ان اقتدر على إزالتها منعه قاهر العقل أو غيره من السعي فيه، ولكنّه يهتزّ ويرتاح به من غير كراهية من نفسه لذلك الارتياح.
الفرّق بين الغبطة والحسد
الغبطة لها مرتبتان:
الاُولى: أن يشتهي الوصول إلى مثل ما للمغبوط من غير ميل إلى المساواة وكراهة للنقصان، فلا يحبّ زوالها عنه.
الثانية: أن يشتهي الوصول إليه مع ميله إلى المساواة وكراهته للنقصان بحيث لو عجز عن نيله، وجد من طبعه حبّاً خفيّاً لزوالها عنه وارتياح من ذلك، ادراكاً للمساواة ودفعاً للنقصان (إلا أنّه كان كارهاً من هذا الحب) ومغضياً على نفسه لذلك الارتياح.
وربّما سميت هذه المرتبة بـ (الحسد المعفو عنه) وكأنّه المقصود من قول الرسول (صلّى الله عليه وآله): «ثلاث لا ينفكّ المۆمن عنهنّ (الحسد - الظنّ والطيرة...) ثم قال: وله منهنّ مخرج إذا حسدت فلا تبغ ـ أي: إن وجدت في قلبك شيئاً فلا تعمل به، وكن كارهاً له. وإذا ظننت فلا تحقق ـ وإذا تطيّرت فامض» (6).
أمّا الحسد والغيبة والعجب وغيرها من الرذائل فتشكّل في القلب نيراناً تشتعل إذا مات العبد، وإذاً يرى تلك النيران كما قال تعالى: {نَارُ اللَّهِ الْمُوقَدَةُ * الَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى الْأَفْئِدَةِ} (سورة الهمزة: الآيات 6-7).
أي: إنّها مجرّد أن ترى النار في قلبك، فتقول هذا تبعاً لي، أجارنا الله سبحانه وتعالى وجعلنا ممّن يزكّي نفسه، والحمد لله ربّ العالمين.
علاج الحسد
علاج هذا المرض الأخلاقي كسائر علاج الصفات الرذيلة الاُخرى يقوم على دعامتين :
1 ـ الطريق العلمي.
2 ـ الطريق العملي.
امّا بالنسبة إلى الطريق (العلمي) فينبغي للشخص الحسود أن يتأمل جيداً في أمرين :
أحدهما النتائج السلبيّة والعواقب الضارة للحسد على المستوى الروحي والبدني، والآخر يتأمل في جذور ودوافع حصول هذه الحالة في النفس.
إن على الحاسد أن يرى نفسه كالشخص المعتاد على المخدرات والمدمن على الهيروئين، فعليه أن يتدبر في أمر هۆلاء المدمنين وكيف أنّهم فقدوا سلامتهم البدنية والنفسية وفقدوا حيثيّتهم الاجتماعية واسرتهم وابناءهم، وكيف أنّهم يعيشون في أسوء الحالات النفسية ويموتون في سن الشباب ولا يحزن عليهم أيّ شخص لموتهم بل إنّ موتهم يتسبب في سعادة أسرتهم واصدقائهم، فكذلك يجب على الحسود أن يعلم انّ هذا المرض الأخلاقي سوف يعمل على إهلاكه، فيأكل معنوياته ويُحرق نقاط قوته وصفاته الايجابية ويسلب منه راحته ونومه ويهيمن بسحابة من الحزن على قلبه وروحه، بل سيۆدي به إلى ما هو اشنع من ذلك حيث يكون طريد رحمة الله ويكون مصيره مصير إبليس وقابيل، وبالتالي مع كلّ ذلك فسوف لن يصل إلى هدفه ومقصوده وهو زوال النعمة عن المحسود.
ولاشكّ أنّ التفكّر بهذه الآثار والعواقب السلبيّة ومشاهدة الحوادث ذات العبرة وقراءة الأحاديث الشريفة في هذا الباب، والّتي مرّت الإشارة إليها آنفاً، سيكون له تأثير ايجابي كبير في علاج هذا المرض الأخلاقي.
إن (الحسود) يجب أن يعلم أنّه إذا كانت المواد المخدرة كالهيروئين تهدد سلامة الروح والجسم للشخص وتُسرع في أجله، فهو أيضاً يمرّ في هذه الحالة الذميمة ويورثه الحسد الأمراض الجسمية والنفسية ويخسر بذلك دنياه وآخرته، لانه يعترض عملاً على حكمة الله تعالى، وبذلك يسقط في وادي الشرك والكفر، هذا من جهة.
ومن جهة اُخرى عليه أن يتفكر في بواعث الحسد وجذوره ويسعى إلى قطعها وإزالتها، فلو كان من ذلك اختلاطه ومجالسته مع رفاق السوء وتأثّره بوساوسهم، فعليه أن يقطع الإرتباط معهم، وإذا كان الباعث لذلك حالة البخل وضيق النظر فعليه أن يسعى لعلاج هذه الحالة في نفسه، وإذا كان السبب هو ضعف الإيمان بالله وعدم معرفته بالتوحيد الأفعالي فعليه أن يتحرّك من موقع تقوية مباني الإيمان وتعميق أُسس التوحيد في قلبه، وإذا كان الباعث لذلك انه يعيش الجهل بطاقاته وامكاناته الذاتية وبالتالي فإنه يعيش عقدة الحقارة والدونيّة الّتي من شأنها أن تفضي به إلى الحسد فعليه أن يسعى لعلاج ذلك في ظلّ التوكل على الله تعالى والاعتماد على النفس والقضاء على عقدة الحقارة هذه، وبذلك سيتحرّك بعيداً عن حالة الحسد تجاه الآخرين.والأفضل أن يسجّل الحسود خلاصة هذه الاُمور على صفحة أو صفحات ويحاول قراءتها كلّ يوم مرّة واحدة، بل يقرأها بصوت عال عبارةً عبارة ويتفكّر في كلّ عبارة منها ويمعن النظر خاصّة في الروايات الشريفة الواردة عن المعصومين (عليهم السلام) في هذا الباب والّتي سبقت الإشارة إلى جملة منها، ولا شكّ أنّ كلّ إنسان يعيش حالة الحسد في نفسه إذا تابع هذا السلوك والبرنامج بشكل جدّي فإنه سيرى آثاره الإيجابية في مدّة قصيرة، وستتخلص روحه وجسمه من شر الحسد تدريجياً، وتنفتح أمامه اُفق السلامة والسعادة في حركة الحياة والواقع.
وينبغي على الحسود خاصّة التفكير في هذه النقطة بالذات، وهي أنّه لو صرف وقته وطاقاته الّتي يهدرها بالحسد في ترميم شخصيته وتقوية بُنيته النفسية والاهتمام بموفقّيته وتكامله فإنه من المحتمل جدّاً أن يتساوى أو يتفوق على المحسود وينال بذلك الراحة والرضا.
وبتعبير آخر : يجب عليه أن يستبدل دوافع الحسد بدوافع الغبطة ويعمل على تبديل القوى المخربة إلى قوى بنّاءة في حركة الذات والشخصية.
وقد ورد هذا المضمون في الحديث الشريف عن أميرالمۆمنين (عليه السلام) حيث قال : «اِحْتَرِسُوا مِنْ سُورَةِ البُخْل وَالْحِقْدِ وَالْغَضَبِ وَالْحَسَد وَاَعِدُّوا لِكُلِّ شَيْء مِنْ ذَلِكَ عِدَّةً تُجَاهِدُونَ بِهَا مِنَ الْفِكْرِ فِي الْعَاقِبَةِ وَمَنْعِ الرَّذِيلَةِ وَطَلَبِ الْفَضِيلَةِ»(7).
أمّا من الناحية (العملية) فتعلم أنّ تكرار العمل المعيّن يۆدي تدريجياً إلى صيرورته عادة في النفس، والاستمرار على العادة يبدّلها إلى ملكة وصفة باطنية، فلو أنّ الحسود وبدلاً من سعيه إلى تسقيط اعتبار وشخصية الغير تحرّك على مستوى تقوية شخصيته هو، وبدلاً من التحدّث بالغيبة وذم الطرف الآخر يسعى إلى ذكر صفاته الإيجابية ومدحه أمام الآخرين، وبدلاً من السعي في تخريب حياة الطرف الآخر المادية يسعى إلى بذل المعونة والمساعدة له ويذكره بالخير ما أمكنه ذلك، أو يتحرّك من موقع المحبة والمودة تجاه ذلك الشخص ويريد له الخير والسعادة ويدعو له بالموفقية ويوصي الآخرين بذلك أيضاً، فمن المعلوم أنّ تكرار مثل هذه الأعمال والسلوكيات بإمكانه إزالة آثار الحسد من واقع النفس والروح وتثبيت النقطه المقابلة لها وهي حالة (حبّ الخير للآخرين) فيعيش الإنسان في أجواء النور والصفاء والمعنويات الإنسانية.
علماء الأخلاق يوصون الشخص الجبان بأن يتحرّك لإزالة هذه الرذيلة الأخلاقية من نفسه من موقع التواجد في ميدان الخطر ليكتسب بذلك حالة الشجاعة ويحمّل نفسه هذه الصفه الإيجابية حتّى ترتفع من نفسه حالة الخوف والجُبن وتكون الشجاعة بصفة عادة وحالة في نفسه وبالتالي تكون ملكة.
فكذلك الحسود يجب عليه الاستفادة لعلاج هذه الحالة من ضدّها، فكلّ حالة معينة تُعالَج بضدّها.
وقد ورد في الحديث الشريف عن النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله) قوله«اِذَا حَسَدْتَ فَلاَ تَبْغِ»(8).
وفي حديث آخر عن أميرالمۆمنين (عليه السلام) أنّه قال : «اِنَّ الْمُۆْمِنَ لاَ يَسْتَعْمِلُ حَسَدَهُ»(9).
ومن جملة الاُمور المۆثرة كثيراً في علاج الحسد هو أن يرضى العبد برضى الله تعالى ويسلّم لمشيئته ويقنع من حياته بما أنعم الله عليه، فقد ورد في الحديث الشريف عن أميرالمۆمنين (عليه السلام) قوله «مَنْ رَضِىَ بِحَالِهِ لَمْ يَعْتَوِرَهُ الْحَسَد» (10).
المصادر:
1. جامع السعادات: ج2، ص148
2. مستدرك الوسائل: ج12، ص17
3. الكافي، ج2، ص307
4و5. جامع السعادات: ج2، ص 150
6. جامع السعادات: ج2، ص 153]
7. تصنيف غرر الحكم، ص 300، ح 6806.
8. تحف العقول، ص 50.
9. بحار الأنوار، ج 55، ص 323، ح 12; الكافي، ج 8، ص 108.
10. تصنيف غرر الحكم، ص 300، ح 6808.
الاباظية – من فرق الخوارج
أتباع عبدالله بن اباض م 86
وصفت الاباضية في كلام غير واحد بأنّهم أقرب الناس إلى أهل السنّة (1) وأنّهم هم الفرقة المعتدلة من الخوارج، ولأجل هذا اُتيح لهم البقاء إلى يومنا هذا، فهم متفرّقون في عمان وزنجبار وشمال أفريقيا، فإذا كان البحث في سائر الفرق بحثاً في طوائف أبادهم الدهر وصاروا خبراً لِكانَ، فالبحث عن الاباضية بحث عن فرقة موجودة من الخوارج ويعتبر مذهبهم، المذهب الرسمي في عُمان.
الاباضية في كتب المقالات والتاريخ :
عبدالله بن اباض المقاعسي المرّي التميمي من بني مرّة بن عبيد بن مقاعس، رأس الاباضية وإليه نسبتهم، وقد عاصر معاوية وعاش إلى أواخر أيّام عبدالملك بن مروان، وكان ممّن خرج إلى مكّة لمنع حرم الله من مسلم بن عقبة المرّي(2) عامل يزيد بن معاوية.
اتّفق عبدالله بن اباض مع نافع و أصحابه على أن يسألا عبدالله بن الزبير عن رأيه في عثمان، لأنّ الخوارج يومذاك كانوا ملتفِّين حول عبدالله بن الزبير، فلمّا سألوه وجدوه، مخالفاً للعقيدة فتفرّقوا من حوله، وذهبت طائفة من الخوارج إلى اليمامة وعدّة اُخرى إلى البصرة، منهم ابن الأزرق وعبدالله بن اباض وعبدالله بن الصفار(3) .
ثمّ إنّ ابن الأزرق خرج على ثلاثمائة رجل عند وثوب الناس بعبيدالله بن زياد، وتخلّف عنه عبدالله بن صفّار وعبدالله بن اباض ورجال معهما على رأيه، وكتب إليهما ما ألقاه لأصحابه في خطابته وهو:
«إنّ الله قد أكرمكم بمخرجكم، وبصَّركم ما عمى عنه غيركم. ألستم تعلمون أنّكم إنّما خرجتم تطلبون شريعته وأمره، فأمره لكم قائد، والكتاب لكم إمام، وإنّما تتّبعون سننه و أثره؟ فقالوا: بلى، فقال: أليس حكمكم في وليّكم حكم النبي ـ صلّى الله عليه وآله وسلم ـ في وليّه، وحكمكم في وعدوّكم حكم النبي ـ صلّى الله عليه وآله وسلم ـ في عدوّه، عدوّكم اليوم عدوّالله وعدوّ النبي ـ صلّى الله عليه وآله وسلم ـ كما أنّ عدوّ النبي ـ صلّى الله عليه وآله وسلم ـ يومئذ هو عدوّ الله وعدوّكم اليوم؟ فقالوا: نعم، قال: فقد أنزل الله تبارك و تعالى:( بَراءَةٌ مِنَ اللهِ وِرَسُولِهِ اِلَى الَّذِينَ عاهَدْتُمْ مِنَ المُشْرِكِينَ) وقال: (لا تَنْكِحُوا المُشْرِكاتِ حَتّى يُۆْمِنَّ) فقد حرّم الله ولايتهم، والمقام بين أظهرهم، واجازة شهادتهم، وأكل ذبائحهم، وقبول علم الدين عنهم، ومناكحتهم و مواريثهم. قد احتجّ الله علينا بمعرفة هذا، وحقّ علينا أن نعلم هذا الدين الذين خرجنا من عندهم، ولانكتم ما أنزل الله، والله عزّوجلّ يقول:( إنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ ما أَنْزَلْنا مِنَ البَيِّناتِ وِ الهُدى مِنْ بَعْدِ ما بَيِّنّاهُ لِلنّاسِ فِى الكِتابِ اُولئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللهُ وَ يَلْعَنُهُمُ اللاّعِنُونَ)( البقرة: 159) .
فبعث بالكتاب إلى عبدالله بن صفار وعبدالله بن اباض، فأتيا به، فقرأه عبدالله بن صفار، فأخذه، فوضعه خلفه فلم يقرأه على الناس خشية أن يتفرّقوا ويختلفوا، فقال له عبدالله بن اباض: مالك لله أبوك؟ أيّ شي أصبت؟ أن قد اُصيب اخواننا؟ أو اُسر بعضُهم؟ فدفع الكتاب إليه، فقرأه، فقال: قاتله الله، أيّ رأي رأى. صدق نافع بن الأزرق (لكن) لوكان القوم مشركين، كان أصوب الناس رأياً وحكماً فيما يشير به، وكانت سيرته كسيرة النبي ـ صلّى الله عليه وآله وسلم ـ في المشركين .
ولكنّه قد كذب وكذبنا فيما يقول: إنّ القوم كفّار بالنعم والأحكام، وهم براء من الشرك، ولايحلّ لنا إلاّ دماۆهم، وما سوى ذلك من أموالهم فهو علينا حرام (4) .
ثمّ إنّ المبرّد نقل كتاب ابن الأزرق إليهما بغير هذه الصورة، والنقلان متّفقان في المادة، وأضاف أنّ الكتاب ورد إلى أبي بيهس وعبدالله بن اباض، فأقبل أبوبيهس على ابن اباض فقال: إنّ نافعاً غلا فكفر وانّك قصّرت فكفرت (5).
هذا هو عبدالله بن اباض، وهذه زمالته مع نافع بن الأزرق وهذا فراقه له في مسألة تكفير المسلمين كفر ملّة ودين، وهذه اباحته دماء المسلمين (بعد اتمام الحجّة) ولأجل هذه المرونة بين الاباضية، يقول المبرّد: إنّ قول عبدالله بن اباض أقرب الأقاويل إلى أهل السنّة من أقاويل الضلال.
أوهام حول مۆسّس المذهب:
ثمّ إنّ هناك أوهاماً حول الرجل في كتب الفِرق والتواريخ:
1 ـ خرج ابن اباض في أيام مروان بن محمّد (6) وهذا وهم فقد مات قبل أيام مروان بأربعين عاماً.
2 ـ وقال الزبيدي: كان مبدأ ظهوره في خلافة مروان الحمار(7).
3 ـ وقال المقريزي: إنّه من غلاة المحكّمة وانّه خرج في أيام مروان، ثمّ قال: ويقال: إنّ نسبة الاباضية إلى اباض ـ بضم الهمزة ـ وهي قرية باليمامة نزل بها نجدة بن عامر(8) .
وكلا الأمرين يدلاّن على أنّه ظهر بين سنتي 127 ـ 132، أيام حكم مروان وهو لايتّفق مع ما عليه الاباضية على أنّ وفاته كانت في أيام عبدالملك بن مروان .
وقال الشهرستاني: عبدالله بن اباض الذي خرج في أيام مروان بن محمّد (9) .
ولعلّ وجه اشتباههم هو: وقوع فتنة الاباضية في أواخر حكومة مروان بن محمّد، وكان في رأس الفتنة عبدالله بن يحيى الجندي الكندي الحضرمي طالب الحق وكان اباضياً.
قال ابن العماد: وفي سنة 130 كانت فتنة الاباضية وهم المنسوبون إلى عبدالله بن اباض. قال: مخالفونا من أهل القبلة كفّار، ومرتكب الكبيرة موحّد غير مۆمن، بناءً على أنّ الأعمال داخلة في الإيمان، وكفّروا عليّاً وأكثر الصحابة، وكان داعيتهم في هذه الفتنة عبدالله بن يحيى الجندي الكندي الحضرمي (طالب الحق)، وكانت لهم وقعة بقديد مع عبدالعزيز بن عبدالله بن عمرو بن عثمان فقتل عبدالعزيز ومن معه من أهل المدينة، فكانوا سبعمائة أكثرهم من قريش منهم: تخرمة بن سليمان الوالبي، روى عن عبدالله بن جعفر وجماعة، وبعدها سارت الخوارج إلى وادي القرى ولقيهم عبدالملك السعدي فقتلهم ولحق رئيسهم إلى مكّة فقتله أيضاً، ثمّ سار إلى تبالة ـ وراء مكّة بستّ مراحل ـ فقتل داعيتهم الكندي (10) .
ومن الأوهام ما ذكره ابن نشوان الحميري عن أبي القاسم البلخي المعتزلي: انّ عبدالله لم يمت حتى ترك قوله أجمع، ورجع إلى الاعتزال (11)، والرجل توفّي ولم يكن للاعتزال أي أثر، فإنّ رأس الاعتزال هو واصل بن عطاء الذي ولد عام 80 .
ثمّ إنّ الاباضية انقسمت إلى فرق خرجوا عن الاعتدال والمرونة ومالوا إلى التطرّف والشدّة، ولكن جمهور الاباضية على الاعتدال. يقول الأشعري:
وجمهور الاباضية يتولّى المحكّمة كلّها إلاّ من خرج، ويزعمون أنّ مخالفيهم من أهل الصلاة كفّار، وليسوا بمشركين، حلال مناكحتم وموارثتهم حلال غنيمة أموالهم من السلاح والكراع عند الحرب، حرام ماوارء ذلك، وحرام قتلهم وسبيهم في السر، إلاّ من دعا إلى الشرك في دار التقيّة ودان به، وزعموا أنّ الدار ـ يعنون دار مخالفيهم ـ دار توحيد إلاّ عسكر السلطان، فإنّه دار كفر ـ يعني عندهم ـ .
وحكي عنهم أنّهم أجازوا شهادة مخالفيهم على أوليائهم، وحرّموا الاستعراض إذا خرجوا، وحرّموا دماء مخالفيهم حتّى يدعوهم إلى دينهم، فبرأت الخوارج منهم على ذلك، وقالوا: إنّ كل طاعة إيمان ودين، وإنّ مرتكبي الكبائر موحّدون وليسوا بمۆمنين(12).
وقريب من ذلك ما ذكره البغدادي في كتابه، يقول: افترقت الاباضية فيما بينها فرقاً يجمعها القول بأنّ كفّار هذه الاُمّة ـ يعنون بذلك مخالفيهم من هذه الاُمّة ـ براء من الشرك والإيمان، وانّهم ليسوا مۆمنين ولا مشركين ولكنّهم كفّار، وأجازوا شهادتهم وحرّموا دماءهم في السرّ واستحلّوها في العلانية، وصحّحوا مناكحتهم، والتوارث منهم، وزعموا أنّهم في ذلك محاربون لله ولرسوله، لايدينون دين الحق، وقالوا باستحلال بعض أموالهم دون بعض، والذي استحلّوه الخيل والسلاح، فأمّا الذهب والفضة فإنّهم يردّونهما إلى أصحابهما عند الغنيمة .
ثمّ افترقت الاباضية فيما بينهم أربع فرق: الحفصية، والحارثية، واليزيدية، وأصحاب طاعة لايراد الله بها.
ثم قال: واليزيدية، منهم غلاة لقولهم بنسخ شريعة الإسلام في آخر الزمان (13) .
ولأجل تصريح عبدالله بن اباض بأنّ المراد من الكفر هو الكفر بالنعم لا محيص عن تفسير الكفر فيما نقله البغدادي عنه بالكفر بالنعم، نعم بعض الفرق منهم خرجوا عن الاعتدال وحكموا بكفر المسلمين كفراً حقيقياً .
هذا ما يقوله أصحاب المقالات عنهم ولكنّهم في كتبهم المنتشرة في السنوات الأخيرة يقولون خلاف ذلك، وانّهم لا يختلفون مع جماهير المسلمين إلاّ في مسألة التحكيم، وأمّا ما سواه فهم وغيرهم سواسية، وينكرون وجود هذه الفرق التي نسبها إليهم الأشعري ثم البغدادي (14) . ولأجل ذلك يجب دراسة مذهبهم من كتبهم .
بحوث في الملل والنحل لأية الله الشيخ جعفر السبحاني ، ج5
المصادر:
1. المبرّد: الكامل 2/214 .
2. الطبري: التاريخ 4/438 .
3. الطبري: التاريخ 4/438 .
4. الطبري: التاريخ 4/438 ـ 440 .
5. المبرّد: الكامل 2/213 ـ 214 وقد مرّ ـ كتاب ابن الأزرق ـ إليهما عند البحث عن البيهسية، فلاحظ.
6. نقله خير الدين الزركلي في الاعلام 4/184، عن هامش الأغاني: 330 من المجلد السابع .
7. الزبيدي: تاج العروس، مادة ابض .
8. المقريزي: الخطط 2/355 .
9. الشهرستاني: الملل و النحل 1/134 .
10. ابن عماد الحنبلي: شذرات الذهب 1/177 .
11. ابن نشوان الحميري: الحور العين 173 .
12. الأشعري: مقالات الإسلاميين 104 ـ 105 .
13. البغدادي: الفَرق بين الفِرق: 103، ثمّ ذكر عقائد فرق الاباضية تبعاً للشيخ الأشعري في المقالات 102 ـ 111، ومن أراد التفصيل فليرجع إليهما.
14. الاباضية بين الفرق الإسلامية 1/21 ـ 28 .
مفاجأة «قوقازية» تصدم واشنطن
كُشف القناع أمس عن المشتبه فيهما الأساسيين في تفجير بوسطن الأخير. شقيقان يعتقد أنهما من منطقة القوقاز الإسلامية، نشرت صورهما وطاردتهما الشرطة وقتلت أحدهما في ضواحي المدينة. سرّ تاميرلان وجوهر تسارناييف لم يكشف على نحو كامل بعد، ومن عرفوهما ذهلوا بخبر تورّطهما في الجريمة
تاميرلان تسارناييف (26 سنة) وجوهر تسارناييف (19 سنة)، هما الشقيقان المشتبه في تنفيذهما تفجير ماراثون بوسطن في 15 نيسان الجاري، حسبما أفادت مصادر في مكتب التحقيق الفدرالي (إف بي آي) أمس. تاميرلان قتل ليل أول من أمس خلال مطاردة الشرطة له، فيما فرّ جوهر وما زالت الشرطة تلاحقه في ضواحي مدينة بوسطن. بعض المصادر الصحافية الاميركية قالت إن الشقيقين من أصول شيشانية، فيما قال آخرون إنهما من داغستان، والبعض الآخر ذكر أنهم من قرغيزستان.
هاجر الشقيقان الى الولايات المتحدة منذ حوالى عشر سنوات، وعاشا في منطقة كامبريدج في ضاحية بوسطن وتعلّما في مدارسها وقصدا جامعاتها. والد الشقيقان تسارناييف، يؤكد «براءتهما وتوريطهما من قبل الاستخبارات الاميركية في حادثة التفجير». والرئيس الشيشاني يستنكر «اتهام الشيشانيين بكل الأحداث التي تحصل في العالم، وصولاً الى التسونامي»!
منذ ليل الخميس ــ الجمعة طاردت شرطة ولاية ماساتشوستس المشتبه فيهما بعدما حددت ملامحهما من خلال صور وتسجيلات فيديو التقطتها كاميرات في شارع بويلستون في وسط مدينة بوسطن. وخلال الليل قتل ضابط شرطة في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا بالرصاص داخل حرم المعهد، كما أصيب شرطي من هيئة النقل، وقام المشتبه فيهما بسرقة سيارة وخطف سائقها لمدة قصيرة ثم بإطلاق سراحه.
تاميرلان، الشقيق الأكبر، أصيب في تبادل لإطلاق النار خلال المطاردة الليلية، ونقل الى المستشفى حيث فارق الحياة. أما جوهر، فنجح بالفرار من قبضة الشرطة، ما حوّل مدينة بوسطن وضواحيها الى منطقة أمنية مغلقة طوال يوم أمس. فتّش عناصر مكتب التحقيقات الفدرالية منازل ضاحية ووترتاون منزلاً منزلاً بحثاً عن جوهر، وطلبت الشرطة من السكان البقاء في منازلهم وحذرتهم من «فتح أبواب منازلهم للغرباء»، كما أوقفت خدمات النقل في خليج ماساتشوستس «الى أجل غير مسمى» طيلة فترة المطاردة، كما أغلقت المدارس الرسمية.
وكان المحققون الاميركيون قد نشروا صورا وتسجيلات فيديو للشابين. وفي تسجيل مدته 30 ثانية ظهر تاميرلان وجوهر وهما يسيران على مقربة من بعضهما البعض بفارق خطوات معدودة في شارع بويلستون في وسط بوسطن. وكان أحدهما يرتدي قبعة بايسبول داكنة ونظارة شمسية، والاخر يرتدي قبعة بايسبول بيضاء أدارها إلى الخلف.
وذكر الطبيب الذي يعمل في مركز بيث اسرائيل ديكونيس الطبي في بوسطن أن أحد المشتبه فيهما «وصل الى المستشفى ليلاً مصاباً بتوقف في وظائف القلب، وكانت هناك آثار إصابات أكثر من مجرد طلقات رصاص».
وبعد ساعات على كشف هوية المشتبه فيهما نقلت وسائل إعلام أميركية بعض ما نشره جوهر تسارناييف على أحد مواقع التواصل الالكتروني، ومنها «روابط لمواقع إسلامية، ومواقع أخرى تدعو الى استقلال الشيشان». ويقول جوهر عن نفسه على صفحته إنه متخرّج من إحدى المدارس الحكومية في كامبريدج بماساتشوستس عام 2011. ويذكر أيضاً أنه ارتاد مدرسة ابتدائية في ماخاتشكالا عاصمة إقليم داغستان المتاخم للشيشان، وأنه يتحدث الانكليزية والروسية والشيشانية. وفي الخانة المخصصة لوجهة نظره تجاه العالم كتب «الإسلام»، اما عن أولوياته الشخصية، فكانت «الحياة المهنية والمال».
جيران جوهر وأساتذته في المدرسة، أكّدوا أنه «ولد مهذّب وطيّب»، ونفوا أن يكون الشاب قد أظهر أي إشارة عدائية طيلة فترة معرفتهم به، كما اندهش زملاؤه من تورّطه في عمل إرهابي «لأنه كان شاباً طبيعياً جداً يحبّ السهر والتسلية وكان هادئاً». وكشف بعض الأصدقاء أن جوهر عمل كـ «عامل إنقاذ» لفترة ولم تسجل بحقه أي شكوى تذكر. أما الشقيق الأكبر، تاميرلان، فكان طالب هندسة سابقاً، وانتقل الى ممارسة رياضة الملاكمة، وكانت لديه صفحة خاصة على موقع يوتيوب فتحها في شهر آب 2012، حيث أشار الى تفضيله عدداً من التسجيلات الإسلامية.
وبعد ساعات قليلة على انتشار صور الشابين واسميهما، أكد رجل قدّم نفسه على أنه والد الشقيقين تسارناييف أن «ولديه بريئان» واتهم «أجهزة الاستخبارات بالايقاع بهما». ونقلت وكالة انترفاكس الروسية للانباء عن الوالد أنزور تسارناييف من محج قلعة، عاصمة داغستان، قوله «في رأيي أن اجهزة الاستخبارات أوقعت بولدي لانهما مسلمان متدينان». وأضاف «لماذا قتلوا تاميرلان؟ كان يمكن أن يقبضوا عليه حيّاً». وتابع الرجل «ابني الصغير يختبئ الان. كنا ننتظر وصولهما لقضاء الإجازة»، موضحاً أن جوهر يدرس الطب في الولايات المتحدة. وفي هذا الاطار، قال رسلان تسارني الذي قدم نفسه على انه خال الشقيقين تسارناييف إنهما شبّا في قرغيزستان ووصلا الى الولايات المتحدة قبل ثماني سنوات.
المشتبه به جوهر تسارناييف (أ ف ب)
من جهة اخرى، أكد الرئيس الشيشاني رمضان قديروف أمس أن الشقيقين تسارناييف غير معروفين في الشيشان، محملاً أجهزة الاستخبارات الاميركية المسؤولية عن هذه الماسأة. ونقلت وكالة «ريا نوفوستي» الروسية عن الرئيس الشيشاني قوله «لا نعرف الاخوين تسارناييف، فهما لم يعيشا في الشيشان، بل عاشا ودرسا في الولايات المتحدة. ما حدث في بوسطن هو غلطة أجهزة الاستخبارات الاميركية». وأضاف قديروف «لقد أصبح من المعتاد ربط كل ما يحدث في العالم بالشيشان، والقاء اللوم على الشيشانيين حتى بشأن تسونامي»، مضيفاً «لكن الاتهام ليس دليلاً على ان هذين الشخصين شاركا في ما حدث».
روسياً، قال المتحدث باسم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أمس إن روسيا «تندد بكل الارهابيين بصرف النظر عن جنسياتهم». وقال المتحدث ديمتري بيسكوف في مدينة سوتشي جنوب روسيا «إن السلطات الروسية تنتظر معلومات رسمية من الولايات المتحدة بشأن الرجل القتيل والاخر المشبه فيه».
سوريا | موسكو تحذّر من الوجود الأميركي في الأردن
الأخضر الإبراهيمي لن يستقيل. يريد خلع العباءة العربية والسير في محاولة أخيرة في جهوده نحو تسوية الأزمة بغطاء أمميّ فقط، في وقت سيتكرّر فيه سيناريو اجتماعات «أصدقاء سوريا». المعارضة ستطلب السلاح... والغرب سيرفض
لم يعد ممكناً للأخضر الإبراهيمي الاحتفاظ بقبعتين ولسانين بعدما أحرجته قمة الدوحة العربية. مقرّرات أريد بها نسف وثيقة «جنيف»، التي تبقى الأساس لأيّ تفاهم دولي حول الأزمة السورية. والإبراهيمي لكي يواصل أداء دور تقبل دمشق به، لا بدّ أن ينزع كوفيته القطرية، وأن يتخلى عن لسان نبيل العربي، وأن يصبح مبعوثاً دولياً يجمع ما تتفق عليه واشنطن وموسكو ودمشق وطهران، وربما أيضاً القاهرة. وقال الإبراهيمي، أمس، إنّه مستمر في مهمته ولن يستقيل، مع أنه يفكر في الاستقالة ثلاث مرات في اليوم. وأضاف أنّه أبلغ مجلس الأمن الدولي أن الأزمة السورية هي أخطر ما يواجهه العالم من أزمات، وأن على السوريين إيجاد الحل لها في أسرع وقت ممكن بمساعدة المجتمع الدولي.
وقال دبلوماسيون إن الإبراهيمي عرض في مجلس الأمن التطورات الأخيرة في سوريا، وخلص إلى أنّ الرئيس السوري بشار الأسد «غير مستعد للحوار» حتى الآن. وشدّد على أنه لمواجهة هذا المأزق لا بد من أن يتبنى المجلس موقفاً واحداً. وعرض الإبراهيمي على الدول التي لها تأثير على دمشق، «أن تطلب منه عدم القيام بذلك»، وفق دبلوماسي.
في السياق، لم يستطع مجلس الأمن بلورة موقف جديد مخالف لوثيقة «جنيف»، فخرج بعناصر للصحافة، لا ترقى إلى مستوى بيان صحافي أو رئاسي للمجلس. العناصر كرّرت ما ورد في «وثيقة جنيف»، فضلاً عن أنّ تحبيذ إدخال مساعدات إنسانية للسوريين من طرق غير رسمية عبر الحدود حيث ما يكون مناسباً، شرط أن تكون عبر منظمات دولية. وطالبوا برفع أي عوائق من أمامها من دون توجيه اتهامات إلى هذا الطرف أو ذاك. ودعموا مقترحات وكيلة الأمين العام للأمم المتحدة فاليري آموس المطالبة برفع الحواجز البيروقراطية من أمام قوافل المساعدات. وهي مساعدات بقيت ضئيلة، بل بائسة في وقت يتضاعف فيه عدد النازحين شهراً بعد شهر. كان مبلغ المليار ونصف المليار دولار الذي أقر في مؤتمر الكويت يكفي لمدة ستة أشهر للنازحين حتى ما قبل ٣ أشهر. واليوم تضاعف العدد ولم يسدد سوى نصف المبلغ.
واتفق أعضاء المجلس على أنّ الأزمة السورية تهدّد استقرار دول الجوار، وشدّدوا على أهمية مساعدة تلك الدول لاستيعاب الأعباء المترتبة عليها، والعبء الأمني قد يكون أكثر إلحاحاً من العبء الاستيعابي للنازحين.
في سياق آخر، حذّر الناطق الرسمي باسم وزارة الخارجية الروسية، ألكسندر لوكاشيفيتش، من أنّ تعزيز الوجود العسكري الأميركي في الأردن قد يؤدي إلى تعميق الأزمة في سوريا المجاورة. وتابع الدبلوماسي قائلاً: «سبق أن أشرنا مراراً في تعليقاتنا إلى هذه الأنباء وإلى المعلومات بشأن تدريب مقاتلي المعارضة السورية في دول مجاورة. وقد أكد هذه الوقائع وزير الدفاع الأميركي الذي تحدث أخيراً خلال جلسة استماع في لجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب الأميركي. كذلك رأينا تقارير بهذا الشأن في العديد من وسائل الإعلام البريطانية».
ورأى الدبلوماسي أنّ هذه الخطوات تعارض الالتزامات السياسية والمواقف التي اتفق عليها اللاعبون الخارجيون الأساسيون في التسوية السورية، خلال اجتماعهم في جنيف في العام الماضي. ورأى أنّ المتطرفين الذين يكتسبون خبرة قتالية في سوريا اليوم قد يتحوّلون إلى بلد آخر في ما بعد.
في موازاة ذلك، عبّرت المعارضة السورية عن أملها أن يثمر اجتماع «أصدقاء سوريا» المقرّر اليوم في إسطنبول عن إقرار تسليح مقاتلي المعارضة. وقال مصدر رفيع المستوى في المعارضة السورية شارك في الاجتماعات التمهيدية في إسطنبول إن اليوم سيشكّل «نقطة تحوّل». وأضاف أن «السبب الرئيسي لهذا الاجتماع يتمثل في تسليح مقاتلي المعارضة السورية. وقد اعترفت (مجموعة أصدقاء سوريا) بحقنا في الدفاع عن أنفسنا، وعليها الآن أن تمدّنا بالوسائل اللازمة».
ولم يرِد المصدر، الذي طلب عدم نشر اسمه، أن يصرّح رسمياً بأنّه جرى التوصل إلى اتفاق. ورأى أنّ دولاً خليجية مثل السعودية وقطر ستتولى مهمة إرسال الأسلحة والذخيرة، بينما ستركّز الولايات المتحدة وبعض الدول الأخرى على مهمات التدريب والمساعدات غير المميتة.
في المقابل، قال دبلوماسيان غربيان إنّ الغرض الرئيسي من الاجتماع ليس الموافقة على إرسال شحنات أسلحة. وذكر دبلوماسي أنّ من بين الأهداف الرئيسية للاجتماع الحصول على التزامات واضحة من «الائتلاف» باتخاذ موقف صارم ضد التشدّد وتعزيز وحدة صفوفه والتخطيط لما بعد رحيل النظام. وقال دبلوماسي آخر إنّ «الاجتماع لا يتعلق بتسليح مقاتلي المعارضة. فقد سارع البعض في استنتاج ذلك، بمن فيهم السوريون، ولكن هذا الاجتماع لا علاقة له بالأسلحة».
ومع ذلك، كشف مسؤول أميركي أن واشنطن تعتزم تقديم مساعدات جديدة إلى المعارضة السورية بنحو مئة مليون دولار، وهو ما قد يعني زيادة المساعدات العسكرية غير المميتة لجماعات مقاتلة محددة، تشمل دروعاً واقية للجسد وأجهزة للرؤية الليلية. وأضاف المسؤول إن من المتوقع أن يعلن وزير الخارجية الأميركي جون كيري مجموعة المساعدات الجديدة في مؤتمر إسطنبول اليوم.
في السياق، طالبت الحكومة الألمانية القوى السورية المعتدلة بالابتعاد عن الإسلاميين الراديكاليين. وأعلن المتحدث باسم وزارة الخارجية الألمانية، أندريس بيشكه، أنه «يجب على الائتلاف أن يبتعد بوضوح عن المجموعات الإسلامية العاملة داخل المعارضة.
إلى ذلك، صرح الأمين العام للحلف الأطلسي، أندرس فوغ راسموسن، في مؤتمره الصحافي الشهري، بأن الحلف لا يخطط لفرض منطقة حظر للطيران فوق جزء من الأراضي السورية لتأمين تركيا. وقال راسموسن: «لا توجد لدينا مثل هذه الخطط، لكن من البديهي أنه في حال تصعيد الوضع، فإن تأمين حليفنا يعتبر من التزاماتنا كحلف عسكري». وأضاف: «لا أتوقع تغييراً في الموقف حيال سوريا، وهو يتلخص في أن هذا النزاع له حل سياسي فقط». وتابع قائلاً إن مهمة الناتو في تركيا ترمي إلى «تأمين سكان هذا البلد» من قصف صاروخي محتمل من داخل سوريا، ولذلك نُشرت صواريخ باتريوت التابعة لنا هناك».
من ناحية أخرى، توجّه الملك الأردني عبد الله الثاني أمس إلى الولايات المتحدة ليبحث مع الرئيس باراك أوباما «تداعيات الأزمة السورية وجهود تحقيق السلام بين إسرائيل والفلسطينيين». وبحسب بيان صادر عن الديوان الملكي، غادر الملك «في زيارة عمل إلى الولايات المتحدة يعقد خلالها في 26 نيسان الحالي لقاء قمة في البيت الأبيض مع الرئيس الأميركي».
البيئة الاستراتيجيّة: سؤال يُقلق إسرائيل
كيف تبدو بيئة إسرائيل الاستراتيجية، في ظل التهديدات والفرص، المتجددة والمتغيرة من حولها؟ ماذا عن الساحة السورية وتهديداتها؟ ماذا عن إمكان الحرب مع حزب الله وسيناريوات التسلح ومستويات الردع المتبادل؟ وماذا عن الأردن، وإلى متى تصمد المملكة ذات المصالح المشتركة مع إسرائيل؟ هذه هي الأسئلة الحاضرة على طاولة البحث والتقدير في تل أبيب
إعلان
طرحت صحيفة «إسرائيل اليوم»، المقربة من رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، مجموعة من الأسئلة حول البيئة الاستراتيجية المحيطة بالدولة العبرية، وحاولت الإجابة عنها استناداً إلى المعطيات والتقديرات المتداولة في أروقة الاستخبارات الإسرائيلية. الإجابة لم تكن قاطعة، لكنها عبّرت عن القلق والخشية من الآتي، وشابها الكثير من الضبابية والقلق.
لبنان وضرورات الردع
بحسب التقرير، لا يوجد خلاف في إسرائيل حول ماهية التهديد الذي يشكله حزب الله. التهديد واضح ومحدد ومعروف، وقد تحدث رئيس الاستخبارات العسكرية، اللواء أفيف كوخافي، عما يقرب من مئة ألف صاروخ موجود في حوزة حزب الله. وقال إن «لدى التنظيم اللبناني القدرة على استهداف أي نقطة في إسرائيل، كما أنه قادر على إطلاق آلاف الصواريخ في كل يوم من أيام الحرب المقبلة». إضافة الى القدرة النارية المؤثرة لدى حزب الله، والتي تشمل أيضاً صواريخ سكود تصل الى ديمونا وإيلات، عمد حزب الله الى تحصين قرى الجنوب اللبناني، وحوّلها الى فخاخ لمواجهة القوات البرية الإسرائيلية، إذا اجتاحت لبنان.
هدف حزب الله من امتلاك هذه القدرات، إضافة الى الخطط الموضوعة لمواجهة الاجتياح البري، واضح جداً: «منع إسرائيل من التفكير بشن حرب على لبنان». أما إذا اندلعت الحرب، فلديه القدرة على نزع رغبة إسرائيل من مواصلتها، ربطاً بالأضرار القادرة على إلحاقها بالجبهة الداخلية الإسرائيلية.
مع ذلك، يضيف التقرير إن حزب الله يدرك أن تحقيق هذه المعادلة، وبشكل كامل وتام، يتطلب منه تأمين مزيد من المكونات الاستراتيجية، إضافة الى ما لديه من قدرات، ومن بينها مخزون كبير من أسلحة الدفاع الجوي، وقدرات إضافية متطورة مضادة للسفن الحربية، الأمر الذي يفسّر تكثيف جهوده أخيراً للتزود بصواريخ دفاع جوي متطورة من سوريا، كما يفسّر تغاضيه عن استهداف بطارية صواريخ الاس 17 بالقرب من دمشق قبل فترة. وإلى ذلك، هناك تساؤل حول رغبة الحزب بامتلاك أسلحة كيميائية، رغم أن سلاحاً كهذا سيورطه من ناحية سياسية، سواء في الداخل اللبناني، أو في المنطقة وفي العالم.
ويضيف التقرير: إن للمعادلة أيضاً وجهاً آخر. إذ يدرك حزب الله أن إسرائيل تريد في أي حرب مقبلة أن تغيّر ما جرى كيّه في الوعي عام 2006، وأن تنهي المواجهة العسكرية بطريقة يتضح فيها للجميع من انتصر ومن هزم. من هنا تأتي التصريحات والمواقف الإسرائيلية العلنية، لإفهام (الطرف الآخر) بأن الجيش الإسرائيلي كله يتدرب كي يكون مستعداً وجاهزاً لخوض حرب كهذه. ومن هنا، بحسب التقرير، يأتي حرص حزب الله على التهدئة في الحدود، كما يفسر تغاضيه عن استهداف قدراته العسكرية، مثل صواريخ أرض جو (في سوريا)، وأيضاً التغاضي عن اغتيال قائده العسكري، عماد مغنية، وتوجيه جهود الرد على اغتياله باتجاه الخارج، مع «بصمات منخفضة»، خشية الانجرار الى حرب مع إسرائيل. إلا أن التقرير لا يسند «لجم» حزب الله، الى الردع الإسرائيلي وحسب، بل يرى أن العامل الأساسي في لجمه يعود الى الوضع في سوريا. ويشير التقرير الى أن خشية حزب الله على النظام السوري، وهو الجهة الأساسية التي تزوده بالسلاح، يدفع الحزب إلى تغيير أسلوبه وتصرفاته وتفكيره، باتجاه مساعدة (الرئيس السوري بشار) الأسد، الى درجة الانجرار في أتون الحرب السورية. مع ذلك، يشكك التقرير بقدرة المساعدة التي يتلقاها الأسد من حزب الله، وبأن تكون كافية لإنقاذه ونظامه، ويرجح أن اليوم الذي يلي سقوط النظام، سيشهد انضمام الأسد وداعميه في سوريا الى حزب الله، وإنشاء دولة مشتركة تمتد الى لبنان وتشمل الساحل السوري، وتكون برعاية إيرانية شيعية علوية. وبحسب التقرير، فإن هذا السيناريو يقلق جداً الأقليات الأخرى في لبنان، وهو عامل إقلاق أيضاً لحزب الله، الذي يقدم نفسه على أنه كيان لبناني سياسي يدافع عن هذا البلد.
سوريا واليوم التالي
يرى التقرير أن الواقع الأمني في الساحة السورية بات أعقد بكثير مما يتراءى للعين، وقد تكون هذه الساحة هي الأكثر إشكالية، قياساً بالساحات الأخرى المحيطة بإسرائيل. أما ما سيحدث في هذا البلد، والنتائج المتوقعة للحرب الدائرة فيه، فمسألة خارجة عن أطر التقدير والتحليل: ومن يدّعي بأن لديه فكرة كيف ستبدو سوريا في اليوم الذي يلي الأسد، وتبعاً لذلك كيف ستبدو الحدود معها، فهو إما نبي، وإما مشعوذ، إذ إن عدد السيناريوات غير محدود، لكن القدر المتيقّن هو أن إسرائيل آمنة نسبياً، طالما أن الاقتتال الداخلي في سوريا متواصل. وخلال ذلك، لا يوجد سبب للقلق إلا من نقل أو انزلاق وسائل قتالية متطورة الى حزب الله، أو سقوطها في أيدي الثوار.
من ضمن السيناريوات الممكنة، بحسب التقرير، دولة واحدة في نظام سنّي، ديني أو علماني؛ تفكك وتشعب سوريا الى دول أو دويلات، علوية على الساحل، درزية في الجبل، وسنية في باقي المناطق؛ ويمكن الافتراض بقيام نظام حديدي جديد؛ كما يمكن الافتراض بأن الحرب الأهلية ستتواصل ما بعد الأسد، مع عنف بمستويات مختلفة؛ لكن الأهم من كل ذلك أن أي سيناريو يمكن تخيّله، بالإمكان أن يتحقق في سوريا. أما من ناحية إسرائيل فلا يمكنها أن تقدّر مسبقاً من سيتزعم هذه الأنظمة وهذه الدويلات، وأي منها سيكون صديقاً أو عدواً.
الأردن والمصالح المشتركة
يرى التقرير أن الحدود مع الأردن هي الحدود الوحيدة التي تعدّ حتى الآن حدود سلام حقيقية. ورغم الخلاف السياسي مع المملكة، فإن التعاون الأمني مع السلطات الأردنية وثيق جداً. أما تفسير هذا الواقع فبسيط: أعداء إسرائيل هم أعداء المملكة الأردنية، وأعداء المملكة هم أعداء إسرائيل. نفس الجهات الإسلامية ونفس المجموعات الإرهابية التي تهدد الأردن، تهدد إسرائيل، ومن يريد منع الإرهاب هنا (في إسرائيل)، عليه أن يمنع سقوط النظام هناك (في الأردن): اليوم عمان وغداً تل أبيب. مع ذلك، يضيف التقرير إن الهدوء مضلل، ومن الصعب أن نقدر كم من الوقت سيصمد النظام الهاشمي أمام مطالب التغيير في المملكة، وخصوصاً أن الاقتصاد متردّ، والشعب يطالب بإصلاحات، كما أن الوضع الديموغرافي مقلق مع وجود مئات الآلاف من اللاجئين السابقين من العراق، وحالياً من سوريا، والذين يضغطون معاً على النظام، فضلاً عن محاولات إيران ومجموعات إرهابية متطرفة من تنظيم القاعدة لإسقاط المملكة، وتحويل الأردن الى «فرع إسلامي» لهما.
قطاع غزة وسيناء
الوضع مع شبه جزيرة سيناء بات معقداً من ناحية أمنية، والتهديدات تتعاظم، مع إمكانية شن هجمات وتنفيذ عمليات خطف على أنواعها. أما مرابطة الوحدات العسكرية هناك، والتي كانت تعد في الماضي مرابطة استجمام، فتحولت الى مرابطة حقيقية من كل النواحي: الوسائل القتالية والموازنات والقوة البشرية.
قسم من الإرهاب في هذه المنطقة يتحرك قادماً من قطاع غزة (فلسطيني)، وقسم آخر من سيناء نفسها (البدو)، وفي الآونة الأخيرة، وصلت الى شبه الجزيرة أعداد من «اللاجئين» الإسلاميين، من خريجي الحرب في العراق وأفغانستان، ويمتلكون خبرة قتالية غنية. ويحذر التقرير من تلاقي هذه العناصر والوسائل القتالية غير المحدودة الموجودة في سيناء، الأمر الذي يعني أن الحدود لن تبقى هادئة. مع ذلك، يؤكد التقرير أن الجهد الأساسي المبذول إسرائيلياً لا يتعلق فقط بمنع الإرهاب من سيناء، بل في الطرق والأساليب التي تمنع الإرهاب، وفي الوقت نفسه عدم الإضرار بالسلام مع مصر. من هنا، يرى التقرير أن الدور الأساسي يبقى للاستخبارات والمعلومات الاستخبارية و«التشويش» على الأعمال العدائية، كما أن التعاون مع مصر هام جداً، هذا إن أرادت ذلك، مع الكثير من الأمل والحظ. ولجهة قطاع غزة، ينوّه التقرير بالإنجاز الإسرائيلي الذي تحقق في أعقاب عملية «عمود السحاب» في العام الماضي، وتحديداً الاتفاق المبرم مع مصر والولايات المتحدة لمنع تهريب السلاح الى القطاع. ويرى أن الاتفاق كان ناجعاً، وأكثر بكثير مما جرى تقديره في إسرائيل، إذ إن المصريين يريدون بالفعل منع تحول النزاع الإسرائيلي الفلسطيني الى مواجهة إسرائيلية مصرية.
وبحسب التقرير، فإن الحوافز المصرية فاجأت حركة «حماس»، وبعدما انفصلت بشكل تام عن إيران، عادت إليها أخيراً، وها هي تطلب المساعدة من طهران، سواء بالمال أو السلاح. لكن، متى تندلع المواجهة مع غزة؟ يرى التقرير أن ذلك لن يقع في المدى المنظور، بل في أعقاب إنهاء حماس ملء مخازنها من الوسائل القتالية، التي جرى إفراغها في عملية عمود السحاب.
وهم الهدوء في الضفة الغربية
يرفض تقرير صحيفة «إسرائيل اليوم»، الحديث المتزايد عن انتفاضة فلسطينية ثالثة في الضفة الغربية، كاشفاً أن أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية تجمع على التقدير بأن لا إشارات ميدانية دالة على انتفاضة جديدة، لكنه يشدد في المقابل على وجود معطيات مجمعة لدى الاستخبارات، يمكن أن تثير القلق. ويشدد التقرير على أن معطيات الضفة الغربية تدفع الى مزيد من المتابعة الدقيقة، خشية أن تتفاقم الى وضع سلبي، ومن بين هذه المعطيات «حوادث الإخلال بالنظام، وتزايد عمليات الرشق بالحجارة وإلقاء الزجاجات الحارقة». وأشار التقرير الى وجود سعي لدى السلطة الفلسطينية لتثمير حملتها الهادفة إلى نزع الشرعية عن إسرائيل في المحافل الدولية، ومن شأن ذلك أن يؤدي الى تداعيات سلبية.
يحيى دبوق
المنهج القرآني في دراسة التأريخ والسيرة
للقرآن الكريم عناية فائقة بسيرة الانبياء الهداة وله نهج خاص في عرض سيرتهم صلوات الله عليهم أجمعين.
والمنهج القرآني يقوم على مجموعة من الاُسس والاصول العلمية في كيفية عرضه لسيرة الهداة المصطفين.
دور الهداية الربّانية في حركة التاريخ
إنّ القرآن الكريم ينطلق من عنصر الهداية وهو عنصر ترشيد حركة الإنسان نحو الكمال اللائق به فيختار أهدافاً عُليا لمجموعة من الحوادث التاريخية التي تشكّل منعطفاً مهمّاً في حياة الأفراد والاُمم وتكون مفتاحاً للدخول الى ابواب واسعة من العلوم والمعارف التي تخدم حركة الإنسان التكاملية.
أهداف الاهتمام بالتاريخ الإنساني
والقرآن الكريم ـ للوصول الى تلك الأهداف المُثلى ـ يخاطب العقل والعقلاء ويفتح أمام الفكر الإنساني آفاقاً جديدة حيث يقول:
1 ـ {فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} (1).
2 ـ {لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لاُِولِي الاَْلْبَابِ} (2).
فــ (التفكر) و (الاعتبار) في حوادث التأريخ والسيرة (تاريخ الاُمم وسيرة القادة الهُداة) يشكّلان هدفين أساسيّين في المنهج القرآني في مجال عرض ودراسة التاريخ.
ولا تقتصر الأهداف على هذين بل تتعدّاهما الى أهداف رسالية اُخرى تتجلى في قوله تعالى:
3 ـ {مَا كَانَ حَدِيثاً يُفْتَرَى وَلكِن تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيء وَهُدىً وَرَحْمَةً لِقَوْم يُؤْمِنُونَ} (3).
4 ـ وفي قوله تعالى : {وَكُلاًّ نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ وَجَاءَكَ فِي هذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ} (4).
حيث تضمّنت كلّ آية أربعة أهداف رسالية لاستعراض أنباء المرسلين والتحدّث عن قصصهم.
مبادئ وأُصول المنهج القرآني
ويعتمد القرآن الكريم في منهجه التاريخي الذي يتفرّد به على الاُصول والمبادئ التالية:
1 ـ مبدأ إكتشاف الحقّ واتّباعِهِ.
2 ـ مبدأ إتباع العلم وتجنّب الظنون والأوهام.
3 ـ مبدأ المعاصرة للأحداث.
4 ـ مبدأ الإحاطة بها.
فلا يدع مجالاً للريب والافتراء فيما يحدّث عنه ويقصّه ويستعرضه من ظواهر تأريخية وحوادث إجتماعية سابقة أو معاصرة للتنزيل. ما دام يعتمد الحق والعلم دون الخرافة والخيال.
وقد أ كّد هذين الأصلين بقوله تعالى: {إِنَّ هذَا لَهُوَ الْقَصَصُ الْحَقُّ ...} (5) وبقوله أيضاً في مطلع سورة الأعراف: {فَلَنَقُصَّنَّ عَلَيْهِمْ بِعِلْم وَمَا كُنَّا غَائِبِينَ}(6) وفيه تصريح بعنصر المعاصرة للأحداث التي يقوم بعرضها .
منهج القرآن العلمي
وللقرآن الكريم بعد ذلك كله منهج علمي في التحليل والاستنتاج الى جانب اعتماده على الإستقراء تارة وعلى الإستدلال تارة اُخرى.
وحين يستعرض القرآن حياة الرسل بشكل عام يذكر خطوطاً عريضة تجعلهم في صف واحد وخندق واحد وخط واحد هو خط الإسلام العام، كما قال تعالى : {إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللّهِ الإِسْلاَمُ} (7) .
ثم إنه يغور في أعماق سيرة كل واحد من اُولي العزم من الرسل ليحيط المتلقي بأهم مفاصل سيرتهم وزواياها وليربط بينها وبين ما سبقها وما يلحقها من حوادث تتعلق بالخط الرسالي المستمر باستمرار الحياة.
موقف القرآن من التحريف التاريخي
إنّ من طبيعة البحث التاريخي أن تناله يد التحريف وقد يغطيه الإبهام والغموض وقد تستره سحب داكنة ريثما تتكشف الحقيقة بالتدريج وينمو الانكشاف حتى يبلغ حدّاً لا يستسيغ المجتمع الانساني التغافل عنه وتجاوز الحقائق فيه.
وتشير الآية المباركة السابقة من سورة يوسف، إلى إمكان الإفتراء والتلاعب بحقائق التاريخ أو المبالغة والبحث عن غير علم وسدل الستار على الحق الذي لابدّ أن يظهر.
ومن هنا; كان على المدرسة القرآنية أن تسلّح الباحث عن الحقيقة بسلاح موضوعي قادر على اكتشاف الحقيقة بشكل كامل.
نظرية الثوابت في القرآن وعند الإنسان
لقد طرح القرآن الكريم نظرية الثوابت التي لا يمكن للفكر إلانساني أن يتجاوزها في حال من الاحوال وسمّاها بالمحكمات واُم الكتاب. وهي الحقائق الثابتة والبينة للفكر إلانساني، وهي لا تقبل الريب أو الترديد أو التشكيك بحال من الأحوال.
والثوابت دائماً تشكّل الخطوط العريضة والمعالم الأساسية للفكر الإنساني الذي يستوعب ما لا يستوعبه عالم المادة، ولكنه لا يستسيغ أن يقف مكتوف اليدين أمام المبهمات وما يختلف فيه أبناء آدم ×.
ويسوق القرآن الكريم للقارئ الواعي موقفين واُسلوبين من التعامل مع المبهمات أو ما يختلف فيه بنو آدم، ويحاكم هذين الأسلوبين ليخرج الى نتيجة بيّنة تصبح معياراً وتقدم قاعدة عامة للتعامل مع كل خبر يرد على الفكر الانساني.
ويعود كل نوع من أنواع التعامل إلى جذور نفسية واضحة تنسحب على نوع التعامل وتنعكس في اُسلوب المواجهة مع كل حديث ينقل الى الإنسان ويراد من الفكر الإنساني أن يتخذ منه الموقف المناسب والجدير به.
قال تعالى بعد أن أشار إلى أن القرآن هو الفرقان الذي أنزله الله على رسوله الأمين:
{هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَـبَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرَ مُتَشَابِهاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِندِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُولُوا الأَلْبَابِ* رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَدُنْـكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ}(8).
إن سلامة النفس من الزيغ تحول بين الإنسان وبين ابتغاء الفتنة. ومن هنا يتوقف الإنسان الذي يتحرّى الحقيقة عن اتّباع المتشابه من الآيات، بل يُرجع الأمر الى ربّه.
دور العقل في كشف الحقائق والأخطاء
فالعقل يقف حائلاً بينه وبين أيّ تفسير غير علمي أو غير مستند الى دليل صحيح وحقائق ثابتة، بل العقل هو الذي يرشده إلى الركون إلى المحكمات والالتزام بأم الكتاب حيث يشكّل ذلك الاطار العام والخطوط الثابتة التي لا يمكن تجاوزها بحال من الاحوال، وحينئذ من الطبيعي أن نلاحظ الآيات الأخرى في ظل هذه الثوابت وهذه المعالم التي لا يمكن تجاوزها.
وهنا تتفتح آفاق النفس لآفاق الفكر لتتأمل فيما لا يكون صريحاً أو واضحاً في بداية الامر. وبهذا سوف يضمن العاقل الذى آمن بربّه عدم الزيغ وعدم التسرّع في تفسير وتحليل ما يشاهده من الآيات المتشابهة، بل يقف منها موقف اللبيب الحكيم، وإن لم يفلح في اكتشاف الحقيقة فإنه لا ينكرها ولا يستنكرها، وإنّما يرجع الأمر إلى مصدره ويوكل الأمر إلى ربه الذي نزّل الآيات هذه ويستفهم منه ما يبتغيه، طالباً منه استمرار الهداية ونزول الرحمة.
إنّه الموقف السليم الذي يمثل النضج والتعامل المنطقي مع النصوص إذ لا يتسرع العاقل في التوجيه والتحليل.
ومن هنا: قد نفهم الوجه في قوله تعالى في مطلع سورة هود: {الر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِن لَدُنْ حَكِيم خَبِير} (9) فإن التفصيل إنما يكون بعد الإحكام وبعد أن تتعين الآيات التي هي اُم الكتاب، والتي تعدّ هي الاُسس والخطوط الثابتة كما أفصحت بذلك الآية السابعة من سورة آل عمران {مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتابِ} (10).
والآية (39) من سورة الرعد تلقي بظلالها على هذه النقطة أيضاً إذ تقول: {يَمْحُوا اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِندَهُ أُمُّ الْكِتَـبِ} (11) فإن ما لا يتعرض للمحو والتغيير هو أم الكتاب. وما دونه قد يتعرض للمحو والتغيير تبعاً لاختلاف الظروف والحالات والطوارىء.
وتكفي هذه الآيات لرسم المنهج العام الذي يسير عليه القرآن الكريم في تعامله مع وقائع التاريخ، فإنّ الاختلاف في التفاصيل لايسمح لنا بإنكار الأصل والتغافل عنه وإدانة ما ثبت لدينا وتحققنا من وجوده.
عرض كتب السيرة على كتاب الله ومنهجه
وفي ضوء هذا يمكن تقويم كل ما ورد في كتب السيرة النبوية أو التاريخ الإسلامي أو تاريخ ما قبل الإسلام مما يرتبط بالإنبياء واُممهم ; فإنّ الثوابت التاريخية هي محطّات الإشعاع وهي المحكمات التي لايمكن تجاوزها بحال من الأحوال وإليها نحتكم في تفسير أو قبول أو ردّ ما أثبتته كتب التأريخ من نصوص تحتوي على الصحيح والخطأ .
إذن; حقل التاريخ ـ وهو حقل اختلاط الحقائق بالأباطيل ـ يتطلب منا استعمال أدوات تسعفنا لكشف تمام الحقيقة الثابتة.
وثوابت التاريخ ـ التي أيّدتها محكمات العقل والنقل ـ هي المنطلق لأي تفسير أو تأويل أو محاكمة أو إدانة.
تطبيقات المنهج القرآني في القرآن
وقد طبّق القرآن الكريم هذا المنهج على سيرة الأنبياء واُممهم بالذات حينما رسم لنا صورة واضحة يشترك فيها كل الأنبياء واعتبر النبوّة والإصطفاء ناشئَينِ من مواصفات أساسية ـ في شخصية كل نبيّ ـ ، أهّلته لأن يختاره الله نبيّاً لِهداية الخلق على يديه، وهذه المواصفات هي : اكتمال العقل والوعي والصلاح والصبر والعبودية التامّة لله القائمة على الوعي والبصيرة، قال تعالى مخاطباً نبيّه: {قُلْ إِنِّي عَلَى بَيِّنَة مِن رَبِّي ...} (12)، كما قال له: {قُلْ هذِهِ سَبِيلي أَدْعُوا إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَة أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي...} (13).
هذا هو المنطق القرآني الذي يمثّل الإحكام والثبات... فكيف يبعث الله نبيّاً لا يعي ولا يدرك أنه مبعوث أو مرسَل من ربه ولا يطمأن الى ما يراه من آيات ربه إلاّ أن يطمأنه الآخرون؟! فلا يعقل أن يُبعث ويهيّأ للنبوة وهو لا يعلم أنه نبي ومبعوث من الله الى الخلق، أو يتردد أو يشك في مهمّته، فضلاً عن تصوّره أنه يستلهم الحقيقة ممّن يراد منه هدايته. قال تعالى مُشيراً الى هذه الحقيقة : {... أَفَمَن يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَن يُتَّبَعَ أَمْ مَن لاَ يَهِدِّي إِلاَّ أَن يُهْدَى فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ}(14).
إن الصورة الواضحة التى يرسمها القرآن الكريم عن شخصية أنبياء الله والتي تؤيّدها محكمات العقل هي التي تصبح موئلاً ومرجعاً محكماً وثابتاً لمحاكمة كل صورة تسرّبت من التوراة والانجيل أو جاءت فيما سمّي بالصحاح أو عامّة كتب التأريخ التي وردت فيها بعض القصص عن أنبياء الله، سواء كان ذلك النبيّ هو إبراهيم× أو موسى × أو عيسى× أو محمد’، وسواء كان الناقل لهذه الصورة بعض اُ مّهات المؤمنين، أو بعض الصحابة، أو من يَمُتُّ الى الرسول الأعظم ’ بصلة من قريب أو بعيد.
الهوامش
(1) الأعراف (7) : 176.
(2) يوسف (12) : 111 .
(3) يوسف (12) : 111.
(4) هود (11) : 120.
(5) آل عمران (3) : 62.
(6) الأعراف (7) : 7.
(7) آل عمران (3):19 .
(8) آل عمران (3) : 7 ـ 8 .
(9) هود (11) : 1.
(10) آل عمران (3) : 7 .
(11) الرعد (13): 39.
(12) الانعام (6) : 57.
(13) يوسف (12) : 108.
(14) يونس (10): 35.
حَقّ بَطْنِكَ
8. وَ أَمّا حَقّ بَطْنِكَ فَأَنْ لَا تَجْعَلَهُ وِعَاءً لِقَلِيلٍ مِنَ الْحَرَامِ وَ لَا لِكَثِيرٍ وَ أَنْ تَقْتَصِدَ لَهُ فِي الْحَلَالِ وَ لَا تُخْرِجَهُ مِنْ حَدّ التّقْوِيَةِ إِلَى حَدّ التّهْوِينِ وَ ذَهَابِ الْمُرُوّةِ وَ ضَبْطُهُ إِذَا هَمّ بِالْجُوعِ وَ الظّمَإِ فَإِنّ الشّبَعَ الْمُنْتَهِيَ بِصَاحِبِهِ إِلَى التّخَمِ مَكْسَلَةٌ وَ مَثْبَطَةٌ وَ مَقْطَعَةٌ عَنْ كُلّ بِرٍّ وَ كَرَمٍ وَ إِنّ الرّيّ الْمُنْتَهِيَ بِصَاحِبِهِ إِلَى السّكْرِ مَسْخَفَةٌ وَ مَجْهَلَةٌ وَ مَذْهَبَةٌ لِلْمُرُوّةِ .
بوتين ومرسي يدعوان لوقف النار في سوريا
دعا الرئيسان الروسي والمصري فلاديمير بوتين ومحمد مرسي الجمعة ، الأطراف في سوريا إلى وقف إطلاق النار في أسرع وقت ممكن وبدء مفاوضات، معربين عن معارضتهما للتدخل الخارجي في هذا البلد.
وقال بوتين للصحافيين في ختام المباحثات مع نظيره المصري في سوتشي على البحر الأسود، وفقا لوكالة "يو بي اي": " تدعو روسيا ومصر إلى وقف إطلاق النار في سوريا وإطلاق عملية المفاوضات بين الأطراف السورية".
وأضاف: "يتفق البلدان في الرأي على ضرورة الحل السياسي ـ القانوني للأزمة السورية بدون تدخل من الخارج".
من جانبه، أشار الرئيس المصري إلى أن القضية السورية احتلت مكانة خاصة في المباحثات، وقال "اتفقنا على ضرورة التوصل إلى حل للقضية السورية في المستقبل القريب كأقصى حد".
وقال أنه يثمّن "موقف روسيا من هذه القضية والذي يتطابق بشكل قريب جداً مع موقف مصر".