
Super User
ايران لن تتخلى عن حقوقها ولا تخشى العقوبات النفطية
أكدت ايران أمس، انها لن تتخلى عن حقوقها ولا تخشى العقوبات النفطية، وذلك قبل أيام قليلة من استئناف المفاوضات مع مجموعة دول الـ «5 + 1» في اسطنبول السبت المقبل. وفيما توقعت الولايات المتحدة أن يهبط انتاج ايران من النفط الخام بنسبة 15 في المئة بسبب الحظر النفطي عليها، أفادت مصادر إعلامية بأن ايران خفضت صادراتها النفطية إلى اسبانيا بعد قطعها عن اليونان في خطة تستبق الحظر الاوروبي.
في هذه الأثناء، أعلنت وزارة الامن الايرانية إلقاء القبض على الاعضاء الرئيسيين في شبكة ارهابية تابعة للكيان الصهيوني. وأكدت في بيان لها ان اجهزتها تمكنت بعد جهود دؤوبة من تفكيك «اكبر شبكة للاغتيالات واعمال التخريب تعمل لمصلحة الكيان الصهيوني، واعتقال مجموعة من افرادها المجرمين والمرتزقة المتعاونين معهم». واشار بيان وزارة الامن الى ان عملية القاء القبض على اعضاء هذه الشبكة الارهابية تمت خلال الاشهر الماضية في عدد من محافظات الحدود وداخل البلاد بعد تدابير استخبارية وعملانية معقدة وجريئة «حيث تم الكشف عن المقر الاقليمي لهذه الشبكة الصهيونية في احدى دول الجوار والعناصر الفاعلة فيه».
واشار البيان الى ضبط كميات من القنابل الثقيلة المعدة للتفجير وبنادق اوتوماتيكية ومسدسات كاتمة للصوت ومعدات عسكرية واتصالات. واوضح البيان انه سيتم في الوقت المناسب اعطاء مزيد من التفاصيل حول هذه الشبكة الصهيونية.
وقال نجاد ان «كل من يريد المس بحقوق الشعب الايراني... سنوقفه عند حده ونوجه إليه صفعة تجعله عاجـزا عن سلـوك الطريق للعـودة
الى منزله». وقال الرئيس الايراني من جهة اخرى ان العقوبات النفطية الجديدة التي قررتها الولايات المتحدة وبلدان الاتحاد الاوروبي لتجفيف موارد تمويل برنامجها النووي لن تؤتي نتيجة. واكد نجاد ان «احتياطاتنا من الذهب والعملات الاجنبية لا مثيل لها في التاريخ... لدينا احتياطات من العملات الاجنبية تمكننا من ان ندير شؤون البلاد حتى لو لم نتمكن من بيع برميل واحد من النفط طوال سنتين او ثلاث سنوات».
من جهة اخرى، نقل موقع «شانا» الالكتروني التابع لوزارة النفط الايرانية عن وزير النفط رستم قاسمي قوله ان ايران التي تخضع لحظر نفطي تدريجي من الاتحاد الاوروبي، لن تصدر بعد اليوم النفط الى اليونان. وقال قاسمي ان «ايران في الوقت الراهن لا تبيع النفط الى اليونان». لكن الوزير الايراني اكد ان «ايران لن تواجه اي مشكلة لبيع نفطها ومشتقاتها النفطية.
وقالت قناة «برس تي في» التلفزيونية الإيرانية الحكومية إن إيران خفضت صادراتها النفطية إلى اسبانيا وقد توقف مبيعات النفط لألمانيا وإيطاليا . وقالت «برس تي في» نقلا عن مصادر لم تسمها «خفضت طهران الامدادات إلى اسبانيا بعد أن أوقفت صادرات الخام إلى اليونان في إطار ردها على العقوبات».
في المقابل، قالت إدارة معلومات الطاقة الأميركية في تقريرها الشهري ان انتاج ايران من النفط الخام سيهبط 500 الف برميل يوميا بنهاية العام 2012 مقارنة بمستويات الانتاج في نهاية العام 2011، أي بنسبة 15 في المئة. وقال التقرير انه بسبب العقوبات التي تعيق اي استثمار جديد في حقول النفط في ايران فإنه من المتوقع ان يهبط الانتاج الى 3,05 ملايين برميل يوميا من 3,55 ملايين في نهاية العام الماضي.
إلى ذلك، نفت ايران تحليق طائرات استطلاع اميركية بدون طيار فوق اراضيها كما كشفت صحيفة «واشنطن بوست» الاميركية السبت الماضي. وقال قائد القاعدة التي تضم منظومة الدفاع الجوي «خاتم الانبياء»، الجنرال فرزاد اسماعيلي ان «اي طائرة تجسس بدون طيار لم تدخل المجال الجوي الايراني والصور التي نشرت جاءت من انظمة المراقبة بالاقمار الاصطناعية». واضاف ان «اي طائرة بدون طيار او طائرة (اميركية) لم تدخل المجال الجوي وإلا لكنا عرضنا حطامها».
مفاوضات إيران و«5+1» في إسطنبول السبت المقبل
بعد تضارب واسع في المعلومات بشأن مكان انعقاد الجولة المقبلة من المفاوضات النووية بين إيران ومجموعة الدول الست، عادت الجمهورية الإسلامية والاتحاد الأوروبي ليؤكدا أن إسطنبول هي المكان، والموعد السبت المقبل
أكدت طهران، أمس، أن المحادثات بينها وبين مجموعة «5+1» بشأن ملفها النووي، والمنقطعة منذ عام، ستُعقد فعلاً السبت المقبل في إسطنبول بعد جدل دار حول المكان، فيما أعلنت عن اجتماع لاحق قد يُعقد في بغداد. وفي الوقت نفسه جدّدت إيران تحذيرها من إقامة الدرع الصاروخية في دول الخليج العربية، واصفة المشروع بأنه «أميركي ـــ إسرائيلي».
وفي هذه الأثناء، كرر الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد، أمام موظفي الوكالة الإيرانية للطاقة الذرية، أن بلاده «ستواصل بتصميم السبيل المتخذ، وممارسة حقها» في تطوير التكنولوجيا النووية.
ونقلت وكالة أنباء الجمهورية الإسلامية عنه قوله «الصناعة النوویة تعمل كالقاطرة التي تسحب معها الصناعات الأخرى. إنها مثل صناعة الفضاء التي تتبعها عشرات الصناعات الملحقة بها، ويبدو أننا بحاجة إلى مواصلة هذا
السبیل».
وأضاف «إنكم عميان لو اعتقدتم أن بوسعكم وقف النمو العلمي لإیران باغتیال العلماء الإیرانیین»، في إشارة إلى مقتل أربعة علماء إيرانيين منذ 2010.
وتابع «لا تظنوا أن بوسعكم الحد من حركة هذا النهر الهادر، واعلموا أنه إذا اغتلتم عالماً فإن المئات بل الألوف سیأخذون مكانه».
كذلك شدد نجاد، في لقاء مع رئيس الوزراء الياباني السابق يوكيو هاتوياما في طهران، على أن «إيران مستعدة للمفاوضات.
وستطرح مقترحاتها الخاصة في اللقاء المقبل» مع مجموعة 5+1، لكنّ «الغربيين لم يبدوا حتى الساعة رغبتهم في حل المسألة النووية الإيرانية».
من ناحيته، قال وزير الخارجية الإيراني، علي أكبر صالحي، للموقع الإلكتروني لمجلس الشورى، «نأمل أن تأتي الدول 5 +1 إلى طاولة المفاوضات بنية صادقة، وسنبذل أيضاً جهوداً صادقة ليتمكن الطرفان من التوصل إلى اتفاق مثمر لكل منهما».
وأضاف أن طهران لن تقبل أن تفرض القوى العالمية شروطاً مسبقة قبل المحادثات النووية. وأضاف أن طهران تأمل أن تؤدي المفاوضات إلى اتفاق «يسمح بحماية حقوق إيران (في التحكم في الطاقة النووية) وتهدئة القلق الذي تعبّر عنه دول 5+1» بشأن النيّات الإيرانية.
من جهته، قال المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني، في بيان، إنه تقرر بعد محادثات صعبة بين رئيس المجلس سعيد جليلي ووزيرة الخارجية في الاتحاد الأوروبي كاثرين أشتون «عقد الجولة من المفاوضات في إسطنبول في 14 نيسان، وستجرى دورة ثانية في بغداد»، مضيفاً أن «موعد اجتماع بغداد سيعلن بعد لقاء
إسطنبول».
بدوره قال مايكل مان، المتحدث باسم أشتون التي تمثل مجموعة «5+1» (وتضم مجموعة 5+1 الولايات المتحدة وروسيا والصين وبريطانيا وفرنسا وألمانيا)، «توصلنا إلى اتفاق على إجراء محادثات في إسطنبول في 14 نيسان»، مضيفاً «نأمل أن يكون هذا الاجتماع الأول في سلسلة طويلة منها».
في السياق أيضاً، رفض رئيس هيئة الطاقة الذرية الإيرانية، فريدون عباسي دواني، إحياء اتفاق المبادلة مع القوى الكبرى الذي انهار عام 2009، وكان ينص على إمداد إيران بوقود مخصّب في الخارج لاستخدامه في أغراض سلمية في مفاعل بحثي في طهران.
وقال دواني، خلال مقابلة تلفزيونية، إن «الجمهورية الإسلامية لن تعود أدراجها، وهي غير مهتمة بالحصول على وقود مخصّب بدرجة 20 في المئة من دول أخرى، لأنها قامت
باستثمار».
وذكرت صحيفة «نيويورك تايمز» أن الولايات المتحدة ودولاً غربية أخرى تعتزم مطالبة إيران بالإغلاق الفوري لمنشأة فوردو قرب قم وتفكيكها في نهاية المطاف، وستطالب أيضاً بوقف إنتاج اليورانيوم المخصب بدرجة نقاء 20 في المئة.
وأضاف المسؤول الأميركي لوكالة «رويترز» أن وقف تخصيب اليورانيوم بنسبة «20 في المئة وإغلاق (منشأة) فوردو يمثلان أولوية ملحة» لإدارة الرئيس باراك أوباما وشركائها الدوليين في التعامل مع إيران.
من ناحية ثانية، نسبت وكالة الأنباء الإيرانية الى وزیر الدفاع الإیراني العمید أحمد وحیدي تحذيره من مشروع إقامة الدرع الصاروخية في منطقة الخليج، واصفاً المشروع بأنه «مشروع أميركي ـــ إسرائیلي بامتیاز».
ودعا «الدول الصدیقة إلی عدم الانضمام إلى مثل هذه المشاریع»، مضيفاً أن «هذه المشاریع لن توفّر الأمن في المنطقة، بل تزید من التوتر وانعدام الأمن فیها».
من جهة أخرى، قال الرئيس التنفيذي لمؤسسة البترول الكويتية، فاروق الزنكي، إن الكويت بحثت أكثر من سيناريو تحسّباً لإغلاق مضيق هرمز، ومن بينها تخزين النفط خارج الخليج، ولكن لم يُتّخذ قرار بعد.
ونفى قيام الكويت في الوقت الحالي بتخزين النفط خارج الخليج، مؤكداً أن هذا الأمر هو مجرد فكرة خضعت للنقاش، ولا يوجد خطة محددة بشأنها، وأنها «أحد الخيارات» الممكنة.
(أ ف ب، رويترز، يو بي آي)
نتنياهو وباراك:مقاربة مختلفة للنووي الإيراني
قد تتعدد التقديرات إزاء خلفيات التباين الذي ظهر بين موقفي رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير دفاعه إيهود باراك، من الشروط التي يجب على الدول الست أن تطرحها على إيران في المفاوضات المرتقبة بين الطرفين في إسطنبول السبت المقبل، إلا أن الواقع هو أن هناك تبايناً فعلياً، بغضّ النظر عن حجمه ومفاعيله، بين ما صدر على لسان رئيس الوزراء الذي يطالب بوقف تام لأي عملية تخصيب على الأراضي الإيرانية، وإخراج كل المواد المخصّبة بأي نسبة كانت، والبالغة نحو خمسة أطنان، وبين موافقة وزير الدفاع على مواصلة تخصيب اليورانيوم في إيران، بشرط ألّا يبلغ نسبة 20 في المئة، بل ويقتصر على «بضع مئات الكيلوغرامات التي لا تسمح لاستمرار التخصيب إلى إنتاج أسلحة».
الفارق الذي يبدو أنه متمحور حول السقف الإسرائيلي الواجب تحديده، يؤكد أن نتنياهو لا يزال يكرر نفس الموقف الإسرائيلي المبدئي من تحول إيران إلى دولة نووية، بأي مستوى كان، تطبيقاً لقاعدة «إما كل شيء أو لا شيء»، مبرراً ذلك بأن إيران «تستخدم المفاوضات للتأخير والتضليل»، فيما يبدو، من خلال البيان الصادر عن باراك، أنه بات مقتنعاً بأن إيران لن تقبل تحت أي ظرف التراجع عن امتلاكها قدرات نووية، الأمر الذي قد يستوجب نوعاً من «المرونة»، وتحديداً في ظل محدودية الخيارات الإسرائيلية العملانية وفشل تل أبيب في استدراج واشنطن نحو موقف أكثر صلابة من الجمهورية الإسلامية في إيران.
ما يُضفي قدراً من الأهمية، على التباين في الموقف بين الثنائي باراك ــ نتنياهو، أنه يحصل للمرة الأولى، وبالرغم من التنسيق الدائم بينهما في الموضوع الإيراني، كما أكد مصدر في مكتب رئيس الوزراء، فيما أقر مصدر في مكتب باراك بوجود نوع من الفوارق، واصفاً إياها بـ«التكتيكية». لكن صحيفة «هآرتس» رأت أن بعض الفوارق بين البيانين الصادرين عن كل من نتنياهو وباراك، مرتبطة بـ«مسائل جوهرية»، فيما رأت «يديعوت أحرونوت» أنه «بات واضحاً بما فيه الكفاية أن إسرائيل والولايات المتحدة تنويان الموافقة على تخصيب إيراني لليورانيوم بنسبة 3.5 في المئة على أراضيها بإيقاع بطيء وبكميات محدودة، وأنه بعد هذا التنازل، باتت طهران تدرك أن واشنطن لا تلتزم شروطها، وإذا ما كان لديها شكوك فقد أتى وزير الدفاع وبدد الضباب الذي كان قائماً». مع الأخذ في الاعتبار حقيقة أن المواقف المعلنة غالباً ما يحددها أصحابها، بما يسمح لها بنوع من المرونة، يكشف موقف باراك عن وجود استعداد مبدئي للقبول بسقف من التخصيب «يطمئن» إسرائيل أو على الأقل لا يحشرها في خياراتها، وعن وجود تباين في أصل التعبير عن هذا الموقف في العلن. من هنا لفتت «يديعوت أحرونوت» إلى أن نتنياهو حاول «تصحيح الضرر الذي سببه بيان باراك». لكنها أضافت أن الإيرانيين قرأوا البيان وفهموا معناه.
في كل الأحوال، بالرغم من هذا التباين «التكتيكي» في مضمونه، و«الاستراتيجي» في دلالاته، إلا أن المسافة بين ما أُعلن وبين الحد الأدنى الإيراني، لا تزال بعيدة جداً، وخاصة في ظل رفض إسرائيل لتخصيب بمعدل يصل إلى 20 في المئة، التي يمكنها بحسب مواقف تل أبيب وواشنطن، من تحقيق «قفزة» سريعة للغاية نحو اليورانيوم المخصب بنسبة 95 في المئة، والذي يمكن استخدامه لإنتاج سلاح نووي، لو أصدرت القيادة الإيرانية قراراً بذلك. إلا أن مشكلة إسرائيل والدول الغربية هو أن إيران تجاوزت هذه المحطة بعد كباش حاد مع الولايات المتحدة وبقية الدول الغربية، واستطاعت حتى الآن إنتاج أكثر من 125 كيلوغراماً من اليورانيوم المخصب بنسبة 20 في المئة.
في موازاة ذلك، اتفق الزعيمان الإسرائيليان على ضرورة المطالبة بتفكيك منشأة فوردو، الواقعة بالقرب من مدينة قم، لكونها توفر لإيران الحماية والحصانة لأي عملية تخصيب تجري فيها، ويمنحها تنفيذ أي قرار تتخذه حتى لو قررت إسرائيل أو الولايات المتحدة توجيه ضربة عسكرية إليها. كذلك يوافق الطرفان على سماح الدول الكبرى لإيران، في مقابل التزامها المطالب الدولية، بالاحتفاظ ببرنامج مدني يخضع لإشراف دولي، ومن ضمنه تلقي قضبان وقود نووي من إحدى الدول العظمى، وهو أمر بات متوافراً في إيران بقدراتها الذاتية.
وطالب كلاهما أيضاً بوضع عموم النشاط الإيراني في المجال النووي تحت رقابة دولية وثيقة والكشف الكامل للتاريخ والنشاط في النطاقات المشبوهة التي تعود إلى البرنامج النووي العسكري لإيران.
علي حيدر
اطلب حقيقة العبودية ثم اطلب العلم
عن عنوان البصري قال: كنت أختلف إلى مالك بن أنس سنين، فلما قدم جعفر الصادق عليه السلام المدينة اختلفت إليه وأحببت أن آخذ عنه كما أخذت عن مالك.
فقال لي يوما: إني رجل مطلوب ومع ذلك فإن لي أورادا في كل ساعة من آناء الليل و النهار فلا تشغلني عن وردي وخذ عن مالك واختلف إليه كما كنت تفعل قبلا، فاغتممت من ذلك وخرجت من عنده وقلت في نفسي: لو توسّم فيّ خيرا لما زجرني عن الاختلاف إليه والأخذ عنه. فدخلت مسجد رسول الله عليه السلام وسلمت عليه ثم رجعت من الغد إلى الروضة وصليت فيها ركعتين وقلت متضرعا إلى الله: أسألك يالله يالله، أن تعطف قلب جعفر علي، وترزقني من علمه ما اهتدي به إلى صراطك المستقيم، ورجعت إلى داري مغتما ولم اختلف إلى مالك بن انس لما أشرب قلبي من حب جعفر، فما خرجت من داري إلا إلى الصلاة المكتوبة، حتى عيل صبري فلما ضاق صدري تنعلت وترديت وقصدت جعفرا، وكان بعدما صليت العصر فلما بلغت باب داره استأذنت عليه فخرج خادم له فقال: حاجتك؟ فقلت: السلام على الشريف، فقال: هو قائم مصلاه فجلست بحذاء بابه فما لبثت إلا يسيرا إذ خرج الصادق عليه السلام فقال: اجلس غفر الله لك. فجلست فاطرق مليا ثم رفع رأسه وقال: أبو من؟ قلت: أبو عبد الله . قال: ثبت الله كنيتك ووفقك يا أبا عبد الله، ما مسألتك؟
فقلت في نفسي لو لم يكن في زيارته والتسليم غير هذا الدعاء لكان كثيرا. ثم رفع رأسه قال: ما مسألتك؟
فقلت:سألت الله ان يعطف قلبك عليّ ويرزقني من علمك ،وأرجو من الله تعالى ، إجابتي إلى ما سألته.
فقال عليه السلام: يا أبا عبد الله ليس العلم بالتعلم، إنما هو نور يقع في قلب من يريد الله تبارك وتعالى أن يهديه، فإن أردت العلم فاطلب أولا في نفسك حقيقة العبودية واطلب العلم باستعماله واستفهم الله يفهمك.
المصدر:قصص الأبرار، الشيخ مرتضى مطهري
لماذا يسجد الشيعة على التربة ؟؟
ما يصح السجود عليه :
(1) مدرسة أهل البيت (ع) :
يجب أن يكون موضع الجبهة في الصلاة من الأرض أو ما أنبته الأرض مما لا يؤكل ولا يلبس في الغالب ، فلا يصح السجود على المعادن ، والرماد ، والقطن ، والكتان والصوف ، والجلود …
ويجوز السجود على القرطاس …
(2) فقهاء المذاهب الأربعة :
ويجوّزون السجود على كل شيء ( يقرأ : الفقه على المذاهب الخمسة ص100 ) .
أدلة المدرسة الإمامية :
الدليل الأول :
أحاديث الرسول صلى الله عليه وآله :
1- قال صلى الله عليه وآله :
(( جعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً )) (1) .
2- وقال صلى الله عليه وآله :
(( جعلت لنا الأرض كلها مسجداً وجعلت تربتها لنا طهوراً )) (2) .
3- وقال صلى الله عليه وآله :
(( جعلت لي الأرض مسجداً وترابها طهوراً ، أينما أدركتني الصلاة صليت )) (3) .
4- وقال صلى الله عليه وآله :
(( إن الله جعل الأرض مسجداً وطهوراً أينما كنت أتيمم وأصلي عليها )) (4) .
5- وقال صلى الله عليه وآله :
(( الأرض لك مسجداً فحيثما أدركت الصلاة فصل )) (5) .
6- وقال صلى الله عليه وآله :
(( إذا سجدت فمكن جبهتك وأنفك من الأرض )) (6) .
7- عن النبي صلى الله عليه وآله أنه (( نهى أن يسجد المصلي على ثوبه أو على كمه أو على كور عمامته )) (7) .
الدليل الثاني :
السنة العملية لرسول الله صلى الله عليه وآله :
توافرت الأخبار الكثيرة الدالة على أنّ الرسول صلى الله عليه وآله ما كان يسجد في حال الاختيار إلا على :
أ- الأرض .
ب- الخمرة .
ج- الحصير .
وندون هنا بعض النصوص الواردة في المصادر السنية :
1- عن أبي سعيد الخدري في حديث جاء فيه :
(( وكان سقف المسجد جريد النخل وما نرى في الماء شيئاً فجاءت قزعة فأمطرنا ، فصلى بنا النبي صلى الله عليه وآله حتى رأيت أثر الطين والماء على جبهة رسول الله (ص) وأرنبته )) (8) .
2- عن عائشة قالت وهي تتحدث عن صلاة رسول الله (ص) :
(( وما رأيته يتقي على الأرض بشيء )) تعني في السجود .. (9) .
3- عن عبد الجبار بن وائل عن أبيه قال : رأيت رسول الله (ص) يسجد على الأرض واضعاً جبهته وأنفه في سجوده )) (10) .
4- وعن وائل قال : رأيت رسول الله (ص) يضع أنفه على الأرض إذا سجد مع جبهته )) (11) .
5- عن أنس بن مالك :
(( أنّ رسول الله (ص) صلى على حصير )) (12) .
6- عن أنس : أن جدته مليكة دعت رسول الله (ص) لطعام صنعته فأكل منه ، ثم قال : قوموا فأصلي معكم قال أنس : فقمت إلى حصير لنا قد اسود من طول ما لبس ، فنضحته بماء فقام عليه رسول الله .. (13) .
7- عن أبي سعيد قال : صلى رسول الله (ص) على حصير (14) .
8- عن أبي سعيد الخدري أنه دخل على رسول الله (ص) فوجده يصلي عل حصير يسجد عليه (15) .
9- عن أم سلمة :
(( أن رسول الله (ص) كان يصلي على الخمرة )) (16) .
10- عن ابن عمر :
(( كان النبي (ص) يصلي على الخمرة )) (17) .
11- عن عائشة :
(( أن النبي (ص) كان يصلي على الخمرة )) (18) .
12- عن ميمونة زوج النبي (ص) قالت :
(( كان رسول الله (ص) يصلي على الخمرة )) (19) .
معنى الخمرة :
1- قال ابن منظور في (لسان العرب) :
(( الخمرة : حصيرة أو سجادة صغيرة تنسج من سعف النخل وترمل بالخيوط ، وقيل حصيرة أصغر من المصلى وقيل الحصير الصغير الذي يسجد عليه ، وفي الحديث : (( أن النبي (ص) كان يسجد على الخمرة )) وهو حصير صغير قدر ما يسجد عليه ينسج من سعف النخل .
قال الزجاج : سميت خمرة لأنها تستر الوجه من الأرض وفي حديث أم سلمة : (( قال لها وهي حائض ناوليني الخمرة )) وهي مقدار ما يضع الرجل على وجهه في سجوده من حصيرة أو نسيجة خوص ونحوه من النبات . قال : ولا تكون خمرة إلا في هذا المقدار ، وسميت خمرة لأنّ خيوطها مستورة بسعفها )) (20) .
2- وقال الفيروز ابادي في (القاموس المحيط) :
(( الخمرة بالضم حصيرة صغيرة من السعف )) (21) .
3- وقال الزبيدي في (تاج العروس) :
(( وهي (أي الخمرة) حصيرة صغيرة تنسج من سعف النخل وترمل بالخيوط )) (22) .
4- وجاء في دائرة المعارف الإسلامية (ج11/276) :
(( قد تردد أن النبي (ص) كان يؤدي الصلاة على خمرة ( البخاري كتاب الصلاة باب 21 ، مسلم كتاب المساجد حديث 370 ، الترمذي كتاب الصلاة باب 129 ، أحمد بن حنبل ج1/269،308 .. ) .
والظاهر أن الخمرة لم تكن تختلف عن الحصير في المادة وإنما كانت تختلف عنه في الحجم .. )) (23) .
5- وجاء في هامش كتاب (البحار) للعلامة المجلسي :
(( الخمرة : حصيرة تعمل من سعف النخل وترمل بالخيوط ، وكان أصل استعمالها خمرة أي سترة وغطاء لرأس الكوز والأواني ، ولما كانت مما أنبتت الأرض وكانت سهل التناول اتخذها رسول الله (ص) مسجداً لجبهته الشريفة فصارت السجدة على الأرض فريضة وعلى الخمرة سنة )) (24) .
الدليل الثالث :
أحاديث الأئمة من أهل البيت (ع) وسيرتهم العملية :
1- قال الإمام الصادق عليه السلام :
(( السجود لا يجوز إلا على الأرض أو على ما أنبتت الأرض إلا ما أكل أو لبس )) (25) .
2- وقال عليه السلام :
(( السجود على ما أنبتت الأرض إلا ما أكل أو لبس )) (26) .
3- وقال عليه السلام :
(( ولا يسجد إلا على الأرض أو ما أنبتت الأرض إلا المأكول والقطن والكتان )) (27) .
4- سئل الإمام الباقر عليه السلام عن السجود على الزفت (يعني القير) فقال : (( لا ولا على الثوب الكرسف ، ولا على الصوف ، ولا على شيء من الحيوان ، ولا على طعام ، ولا على شيء من ثمار الأرض ، ولا على شيء من الرياش )) (28) .
5- وسئل الإمام الصادق عليه السلام عن الصلاة على البساط والشعر والطنافس فقال : (( لا تسجد عليه ، وإن قمت عليه وسجدت على الأرض فلا بأس ، وإن بسطت عليه الحصير وسجدت على الحصير فلا بأس )) (29) .
6- قال الإمام الصادق (ع) :
(( دعا أبي بالخمرة فأبطأت عليه فأخذ كفاً من حصى فجعله على البساط ثم سجد )) (30) .
7- وعن الإمام الصادق أو أبيه الإمام الباقر عليهما السلام :
(( كان أبي يصلي على الخمرة يجعلها على الطنفسة ويسجد عليها ، فإذا لم تكن خمرة جعل حصى على الطنفسة حيث يسجد عليها )) (31) .
8- وروى عبد الرحمن بن أبي عبد الله عن أبي عبد الله الصادق عليه السلام :
(( عن الرجل يسجد وعليه عمامة لا يصيب وجه الأرض ، قال : لا يجزئه ذلك حتى تصل جبهته إلى الأرض )) (32) .
9- وعن الإمام الصادق أو عن أبيه عليهما السلام :
(( لا بأس بالقيام على المصلى من الشعر والصوف إذا كان يسجد على الأرض فإذا كان من نبات فلا بأس بالقيام عليه والسجود )) (33) .
10- وعن إسحاق بن الفضيل أنه سأل أبا عبد الله الصادق عليه السلام عن السجود على الحصر والبواري فقال : (( لا بأس وأن يسجد على الأرض أحبّ إليّ ، فإن رسول الله (ص) كان يحب أن يمكن جبهته من الأرض ، فأنا أحب لك ما كان رسول الله يحبه )) (34) .
_____________________________________________________________________________
(1) صحيح البخاري ج1/209 .
صحيح مسلم ج1/371 .
(2) صحيح مسلم ج1/371 .
(3) وسائل الشيعة ج3/423 .
(4) البحار ج3/277 .
(5) (6) السجود على الأرض ص48 .
(7) البحار ج85/156 .
(8) صحيح البخاري ج2/386
(9) مسند أحمد ج6/58 .
(10) مسند أحمد ج4/317 .
(11) مسند أحمد ج3/179 .
(12) صحيح البخاري ج1/231 .
(13) صحيح مسلم ج1/457 .
(14) سنن ابن ماجة ج1/328 .
(15) صحيح مسلم ج1/458 .
(16) صحيح البخاري ج1/231 .
(17) (18) صحيح الترمذي ج2/151 .
(19) سنن ابن ماجة ج1/328 .
(20) ابن منظور : لسان العرب ج4/258 (مادة خمر) .
(21) الفيروز ابادي : القاموس المحيط ص495 (مادة خمر) .
(22) الزبيدي : تاج العروس ج3/188 (مادة خمر) .
(23) يقرأ : السجود على الأرض ص85،86 .
(24) هامش بحار الأنوار ج76/136 .
(25) (26) (27) (28) (29) (30) وسائل الشيعة ج3/591، 592، 594 .
(31) (32) الكافي ج3/332 ، 334 .
(33) الكافي ج3/331 .
(34) الوسائل ج3/609 .
المصدر كتاب ( التشيع ) للعلامة السيد عبد الله الغريفي ص411-416 .
التوسل بأولياء الله
يدّعي الوهابيون حرمة التوسل بأولياء الله بعد وفاتهم ، وحرمة التوسل بمنزلة الأولياء وجاههم عند الله تعالى ، وسنذكر فيما يلي بعض ما يدل على بطلان ما يذهب إليه الوهابيون .
أولاً : قوله تعالى "ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاؤوك فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول لوجدوا الله تواباً رحيماً" (النساء/64)
تصرّح الآية الكريمة بأن التوسل برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم والاستشفاع به إلى الله عز وجل والاستغفار منه لمغفرة المعاصي ، مؤثر وموجب للتوبة والرحمة الإلهية .
والآية الكريمة مطلقة لم تحدد الاستغفار بالرسول (ص) في حياته فقط ، ومن يحددها بحياته (ص) عليه أن يأتي بدليل مقيد للإطلاق .
ثانياً : التوسل بحق السائلين
روي عن أبي سعيد الخدري عن رسول الله (ص) قال :
"مَنْ خَرَجَ مَنْ بَيْتِهِ اِلى الصَّلاةِ فَقالَ: اللَّهُمَّ إنّي أسْألُكَ بِحَقِّ السّائِلينَ عَلَيْكَ ، و َ أَسْأَلُكَ بِحَقَّ مَمْشاىَ هذا فَإنَّي لَمْ أخْرُجْ أشراً وَ لا بَطَراً وَ لا رياءً وَ لا سُمْعَةً ، وَ خَرَجْتُ اتّقاء سَخَطِكَ وَ ابْتِغاء مَرْضاتِكَ ، فَاَسْأَلُكَ أنْ تُعيذَني مِنَ النّارِ وَ أنْ تَغْفِرلي ذُنوبي، إنَّهُ لا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إلاّ أنْتَ، أقَبلَ اللّهُ عَلَيْهِ بِوَجْهِهِ، وَ اسْتَغْفَرَ لَهُ سَبْعُونَ ألْف مَلَك" (1) .
ثالثاً : توسل النبي (ص) بحقه وحق من سبقه من الأنبياء (ع)
"لَما ماتَتْ فاطِمَةُ بِنْت أسَد، دَخَلَ عَلَيْها رَسُولُ الله (ص) فَجَلَسَ عِنْدَ رَأْسِها فَقال: رَحِمَكِ اللّه يا أُمّي بعد أُمّي ثُمَّ دَعا رَسولُ اللّه أُسامَةَ بن زَيْد و أبا أيُّوبَ الأنصاري وَ عُمَرَ بن الْخَطَابِ وَ غُلاماً أسْودَ يَحْفِرُونَ، فَحَفَرُوا قَبْرَها، فَلَمّا بَلَغُوا اللَّحْد حَفَرَهُ رَسُولُ اللّه (ص) بِيَدِهِ وَ أَخْرَجَ تُرابَهُ، فَلَمّا فَرغَ دَخَلَ رَسُولُ اللّه فاضطَجَعَ فيهِ ثُمَّ قالَ: اللّهُ الَّذي يُحْيي وَ يُميتُ وَ هُوَ حَىٌّ لا يَمُوتُ، إِغْفِرْ لأُمّي فاطِمَةَ بِنْتِ أسَد، وَ وَسِّعْ عَلَيْها مَدْخَلَها، بِحَقِّ نَبِيِّكَ وَ الأنبياء الَّذينَ مِنْ قَبْلي" (2).
رابعاً : توسل النبي آدم (ع) بحق رسول الله محمد (ص)
عن رسول الله (ص) أنه قال :
" لَمّا أذْنَبَ آدمُ الذنب الَّذي أذْنَبهُ، رَفَعَ رَأسَهُ إلى السَّماء فَقالَ: أسْأَلُكَ بِحَقّ مُحَمَّد إلاّ غَفَرْتَ لي . فَأوحى اللّه إلَيْهِ: وَ مَنْ مُحَمَّدٌ؟ فَقالَ: تَبارَكَ اسْمُكَ، لَمّا خُلقْتُ رَفَعْتُ رَأَسي إلى عَرْشِكَ فَإِذا فيهِ مَكْتُوبٌ: لا إله إلاّ اللّه و مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللّه، فَقُلْتُ: إنَّهُ لَيْسَ أحَدٌ أعْظَمُ عِنْدَكَ قَدْراً مِمَّن جَعَلْتَ اسْمَهُ مَعَ اسْمِكَ، فَأوْحى إليه إنَّهُ آخِرُ النبِيّينَ مِنْ ذُرّيَّتِكَ، وَلَوْلا محمّد لَما خَلَقْتُكَ" (3) .
خامساً : صحابي يحث على التوسل تطبيقاً لتعليم رسول الله (ص)
جاء في مجمع الزوائد للحافظ الهيثمي ، المجلد الثاني ، كتاب الصلاة ، باب صلاة الحاجة :
"وعن عثمان بن حنيف أن رجلاً كان يختلف إلى عثمان بن عفان في حاجة له فكان عثمان لا يلتفت إليه ولا ينظر في حاجته فلقى عثمان بن حنيف فشكا ذلك إليه فقال له عثمان بن حنيف: ائت الميضأة فتوضأ ثم ائت المسجد فصل فيه ركعتين، ثم قل: اللهم إني أسألك وأتوجه إليك بنبينا محمد صلى الله عليه وسلم نبي الرحمة يا محمد إني أتوجه بك إلى ربي فيقضي لي حاجتي، وتذكر حاجتك، ورح إلي حين أروح معك فانطلق الرجل فصنع ما قال له ثم أتى باب عثمان فجاء البواب حتى أخذ بيده فأدخله على عثمان بن عفان فأجلسه معه على الطنفسة وقال: حاجتك؟ فذكر حاجته فقضاها له ثم قال له: ما ذكرت حاجتك حتى كانت هذه الساعة، وقال: ما كانت لك من حاجة فائتنا، ثم إن الرجل خرج من عنده فلقي عثمان بن حنيف فقال له: جزاك الله خيراً ما كان ينظر في حاجتي ولا يلتفت إلي حتى كلمته فيّ، فقال عثمان بن حنيف: والله ما كلمته ولكن شهدت رسول الله صلى الله عليه وسلم وأتاه رجل ضرير فشكا إليه ذهاب بصره فقال له النبي صلى الله عليه وسلم:
"أو تصبر؟" فقال: يا رسول الله إنه ليس لي قائد وقد شق علي، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: "ائت الميضأة فتوضأ ثم صل ركعتين ثم ادع بهذه الدعوات" فقال عثمان بن حنيف: فوالله ما تفرقنا وطال بنا الحديث حتى دخل عليه الرجل كأنه لم يكن به ضرر قط .
قلت روى الترمذي وابن ماجة طرفاً من آخره خالياً عن القصة، وقد قال الطبراني عقبه: والحديث صحيح بعد ذكر طرقه التي روي بها" .
سادساً : التوسل بالنبي (ص) عند قبره
جـاء فـي سنن الدارمي و وفاء الوفاء للسمهودي عن أوس بن عبد اللّه قال : قحط أهل المدينة قحطا شديدا فشكوا الى عائشة فقالت : انظروا قبر النبي (ص ) فاجعلوا منه كوة الى السماء حتى لا يكون بينه و بين السماء سقف قال ففعلوا فمطرنا مطرا حتى نبت العشب و سمنت الإبل (4) .
سابعاً : الإمام مالك يعلم المنصور التوسل بالنبي (ص)
سأل المنصور العباسي إمام المالكية مالك بن أنس عن كيفية زيارة النبي (ص) والتوسل به :
"يا أبَا عَبْدِاللّه أَسْتَقْبِلُ الْقِبْلَةَ وَ أَدْعُوا، أم أَسْتَقْبِلُ رَسُولَ اللّه؟ فَقالَ مالِك في جوابه: لِمَ تَصْرِفْ وَجْهَكَ عَنْهُ وَ هُوَ وَسيلَتُكَ وَ وَسيلَةُ أبيكَ آدَمُ إلى اللّه يَوْمَ الْقِيامَة؟! بَلِ اسْتَقْبِلْهُ وَ اسْتَشْفِعْ بِهِ فَيَشْفِّعُكُ اللّه، قالَ اللّه تَعالى: ولَوْ أَنَّهُمْ إذْ ظَلَمُوا أنْفُسَهُمْ ... " (5) .
سؤال : هل يمكن أن يسمع الموتى كلامنا ونداءنا ؟
الجواب :
1- روي أنه بعد انتهاء معركة بدر بهزيمة المشركين وقتل صناديدهم ، وقف رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يخاطبهم واحداً تلو الآخر، ويقول : "يا أهل القليب، يا عتبة بن ربيعة، ويا شيبة بن ربيعة، يا أُمية بن خلف، يا أباجهل، و هكذا عدَّ من كان منهم بالقليب، وقال: هل وجدتم ما وعد ربّكم حقّاً فانّي قد وجدت ما وعدني ربّي حقّاً" ؟!
فقال له أصحابه: يا رسول اللّه أتنادي قوماً موتى؟!
فقال (ص) : "ما أنتم بأسمعَ لما أقول منهم، ولكنّهم لا يستطيعون أن يجيبوني" (6) .
2- أخرج البخاري : عن نافع أنّ ابن عمر أخبره، قال: اطّلع النبي (ص) على أهل القليب، فقال: "وجدتم ما وعد ربّكم حقّاً" ؟
فقيل له : ندعوا أمواتاً ، فقال: "ما أنتم بأسمع منهم، ولكن لا يجيبون" (7) .
3- إن المسلمين على اختلاف مذاهبهم يسلّمون على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في تشهد الصلاة فيقولون : "السلام عليكم أيها النبي ورحمة الله وبركاته" .
فإن كانت صلتنا منقطعة بالنبي (ص) فما معنى سلامنا عليه خمس مرات يومياً ؟!
4- روى مسلم أن النبي (ص) كان يزور القبور ، و يخرج آخر الليل إلى البقيع ، فيقول : "السّلام عليكم دار قوم مؤمنين وأتاكم ما توعدون ، غداً مأجلون وانّا إن شاء اللّه بكم لاحقون، اللّهمّ اغفر لأهل بقيع الغرقد" (8) .
أما ما جاء في قوله تعالى "فَإِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوتى" وقوله سبحانه "وَما أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي القُبُور" ، فإن المقصود بالإسماع : الإسماع المفيد ، فإسماع الموتى لا يجدي نفعاً بعدما ماتوا كافرين .
والحمد لله رب العالمين ...
__________________________
الهامش :
(1) سنن ابن ماجة ، ج1 ص256 ح778 ، ومسند أحمد ج3 ص21 .
(2) المعجم الأوسط للطبراني ص356-357 ، والمستدرك للحاكم ج3 ص108 ، سير أعلام النبلاء للذهبي ج2 ص118 ، وصححه ابن حبان والحاكم كما يقول مؤلف "خلاصة الكلام" .
(3) المستدرك ج2 ص615 ، تفسير روح المعاني للآلوسي ج1 ص217 ، تفسير الدر المنثور للسيوطي ج1 ص59 نقلاً عن الطبراني وأبي نعيم والبيهقي .
(4) سنن الدرامي ج1 ص43-44 ، وفاء الوفا ج2 ص549 . وراجع أيضاً دلائل النبوة للبيهقي ج7 باب ما جاء في رؤية النبي في المنام ص47 حيث روى رواية مشابهة .
(5) ذكر أحمد زيني دحلان ـ في كتابه الدُرَر السنيَّة: ج 10 ـ أن القاضي عياض ذكر هذا الحوار بَسند صحيح . و كذلك ذكره السبكي في شفاء السقام ، و السمهودي في وفاء الوفا ، و القسطلاني في المواهب اللّدنيّة. قال ابن حجر ـ في الجوهر المنظّم ـ : قد روي هذا بسند صحيح . و قال العلاّمة الزرقاني ـ في شرح المواهب ـ : إنّ ابن فهد ذكر هذا بَسند حَسن، و ذكره القاضي عياض بسند صحيح . ( نقلاً عن الوهابية في الميزان للشيخ جعفر السبحاني )
(6) سيرة ابن هشام ج1 ص649 ، السيرة الحلبية ج2 ص179-180 .
(7) صحيح البخاري ج9 ص98 باب ما جاء في عذاب القبر من كتاب الجنائز .
(8) صحيح مسلم ج3 ص63 باب ما يقال عند دخول القبور من كتاب الجنائز .
مصادر البحث
منها :
1- الوهابية في الميزان ، بحوث في الملل والنحل ج4 ، بحوث قرآنية في التوحيد والشرك : للشيخ جعفر السبحاني .
2- التوسل بالنبي والتبرك بآثاره : للسيد مرتضى العسكري .
تركيا وحلف الناتو: من يستخدم الآخر
مع مرور 60 عاما على عضوية تركيا في الناتو، أصبح الدور التركي في الحلف أكبر مع التهديدات الأمنية الجديدة والتحديات الإقليمية. مع أخذنا بعين الاعتبار مثالي التدخل في ليبيا ونظام الدفاع الصاروخي نجد أن سياسة الناتو توضح أهمية الدور التركي ضمن الحلف بالرغم من التناقض بوجود رأي عام تركي يتعاطى مع الغرب بسلبية.
لمحة تاريخية
منذ انضمامها إلى الناتو في 18 شباط 1952 وخلال تحولاتها السياسية، استمرت تركيا في لعب دور هام في التعاون الأوروبي الأطلسي، وخلال الحرب الباردة لعبت الجغرافيا التركية دور الجناح الجنوبي في سياسة الناتو في مواجهة الاتحاد السوفيتي. لكن منذ تفكك الاتحاد السوفيتي وانضمام بلدان سوفيتية سابقة إلى الحلف أصبحت الجغرافيا التركية موضع تساؤل من الناحية الاستراتيجية.
بعد هجمات 11 أيلول وتبني الناتو لسياسة جديدة أدت إلى تدخل الناتو في أماكن بعيدة جغرافيا عن أوروبا والأطلسي استعادت تركيا بعض من تلك الاهمية نتيجة تدخل الناتو في تلك المناطق حيث ساعدت الأوروبيين وسهلت غزو افغانستان و قامت أيضا بإرسال قوات تركية وإدارة معسكر قوات التحالف في كابول عامي 2002 و2005.
بلغ عدد الجنود الأتراك الذين شاركوا في عمليات الناتو المختلفة 3250 جندي، 1840 منهم عاملون مع قوات التحالف في أفغانستان، كما أرسلت حوالي 600 عنصر كجزء من التحالف الذي أنجز عمليات الناتو في ليبيا.
أما اليوم، ومع عملية إعادة هيكلة الناتو، سيتم تخفيض عدد مقرات قيادة قوات الناتو العاملة في الخارج من 13 إلى سبعة، ونتيجة لذلك سيتم استبدال قاعدة القيادة الجوية الواقع في إزمير لتصبح قاعدة قيادة جديدة للقوات البرية، وبذلك ستستضيف تركيا إحدى أكبر مقرات القيادة للناتو على أراضيها.
بحسب حسين ديري أوز مسؤول شؤون الدفاع والتخطيط في الناتو فإن تزايد أهمية الدور التركي في الحلف ناتج عن توافق المصالح التركية الاستراتيجية مع مصالح الدول الأعضاء الأخرى.
السياسة الخارجية التركية والرأي العام التركي
بحسب وزير الخارجية التركي أحمد داود أوغلو فإن استراتيجية الناتو قد تطور ت في مرحلة ما بعد الحرب الباردة وتطورت معه النظرة الاستراتيجية التركية، وتركيا تطمح إلى لعب دور إقليمي أكبر في مشاكل القوقاز والبلقان والشرق الأوسط، لكن من ناحية أخرى يهيمن التوتر على علاقة حزب العدالة والتنمية الحاكم مع بلدان كإرمينيا وقبرص.
من ناحية أخرى، واقع الحال يقول أن شعبية الغرب والناتو عند الرأي العام التركي تناقصت، وفي استطلاع للرأي تم عام 2010 على سؤال يقول: هل تعتقد أن الناتو أمر ضروري لأمن البلاد، أجاب 30% فقط بنعم. بالرغم من أن تلك النسبة ارتفعت إلى 37% عام 2011، إلا أنها تبقى أقل بكثير من نسب الأعوام السابقة، وبالرغم من ذلك بالإضافة إلى اختلاف وجهات النظر مع الناتو في العديد من الحالات، استمرت السياسة التركية بالتماهي مع سياسات الحلف وقد بدا ذلك واضحا في مسألتي التدخل في ليبيا والدرع الصاروخي.
التدخل في ليبيا
منذ انطلاق ما يسمى بالربيع العربي في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، عارضت تركيا مرارا وتكرارا أي تدخل في ليبيا وذلك على لسان رئيس الوزراء رجب طيب إردوغان "ما شأن الناتو وليبيا؟ تدخل الناتو في ليبيا أمر مستحيل ونحن نعارض هذا التدخل" (صحيفة الزمان - 2011). لكنه تراجع بعد قرار مجلس الأمن وبدعم من الجامعة العربية وقرر المساهمة في ذلك التدخل وشاركت تركيا بغواصات وسفن حربية.
تصاعد الدور الإقليمي التركي يجعل منها حليفا استراتيجيا في الناتو وخاصة بعد التحولات الدراماتيكية في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، ويرى أمين حلف الناتو راسمنسون أن الدور التركي في المنطقة أمر حيوي للاستراتيجية الجديدة والشراكة المستقبلية، ليس فقط نتيجة حجم تركيا وموقعها، بل أيضا نتيجة الثقافة التركية وخبرتها التاريخية مع دول الجوار (يقصد بذلك قترة الاحتلال العثماني). في حين يرى وزير الدفاع التركي أن مميزات تركيا تسمح لها بتقديم النموذج للعديد من البلدان في المنطقة، وقال في كلمة له (الناتو، 2012) "من خلال التعاون يمكننا إحلال السلام والاستقرار في منطقة الشرق الأوسط".... مهمة تحققت في ليبيا!
مصالح الناتو الاستراتيجية: نظام الدفاع الصاروخي
دور تركيا في حلف الناتو هو دور هام للمصالح الاستراتيجية للحلف الساعية إلى تطوير الدرع الصاروخي وحماية الأراضي الأوروبية من تهديد الصواريخ البالستية. اتفق أعضاء الحلف في قمة لشبونة عام 2010 على تبني الدرع الصاروخي وهي مبادرة أمريكية للدفاع المشترك مع أوروبا موجهة ضد الصواريخ البالستية الإيرانية وغيرها. وافقت تركيا على إنشاء محطة على أراضيها وقد تم فعلا بناء رادار إنذار مبكر في مدينة مالاتيا جنوب شرقي أنقرة وهي الخطوة الأولى لبناء الدرع الصاروخي (سي إن إن 2012).
تم التوقيع على تلك الاتفاقية بعد مفاوضات توصلت إلى عدم ذكر سوريا وإيران بالاسم كتهديد محتمل، وفي تصريح علني لداود أوغلو قال فيه "لن نقبل أبدا مهاجمة أي من دول الجوار انطلاقا من أراضينا، ونحن لا نريد المشاركة في أي تهديد من هذا النوع وخاصة ضد إيران"
لكن ذلك لم يمنع الجدل الذي نشأ حول الدرع الصاروخي في تركيا على المستوى العالمي، وبالرغم من التصريحات السياسية التركية المدروسة بعناية فإن العلاقات التركية – الإيرانية تأزمت من المتوقع أن نشوء عواقب كنتيجة لذلك على أهمية العلاقات الأمنية التركية - الأمريكية ومصداقية نظرية الردع التي ينادي بها الناتو. روسيا هي الأخرى عارضت تلك الدرع ولم يصل الطرفان إلى اتفاق بهذا الشأن حتى الآن بانتظار قمة شيكاغو المقررة في 20 -21 أيار 2012.
الخلاصة
مع مرور 60 عاما على عضويتها في الناتو، تجمع تركيا والناتو مصالح كبيرة بالرغم من المعارضة التركية الشعبية الواسعة، وستستمر تركيا في ذلك الحلف بالرغم من العوائق المتمثلة بقبول عضويتها في الاتحاد الأوروبي.
في قمة شيكاغو في أيار المقبل سيتفق أعضاء الحلف على مجموعة من الأولويات الحيوية. بالرغم من موقع تركيا الهام لكن العلاقات مع الناتو ستشهد نوعا من التأقلم المتبادل، ومواجهة تحديات أمنية جديدة وتحول في الحقائق الجيوسياسية، لكن نتيجة قمة شيكاغو فيما يتعلق بمتانة العلاقات التركية مع الناتو وجهوزيتهما في مواجهة التحديات، فالإجابة على هذا السؤال ستبقى للمستقبل.
مـؤتـمـر اسـطـنـبـول: فـشـل الـرعـيـة
إذا كان هناك ما ميز مؤتمر «أصدقاء سوريا» الذي انعقد أمس في اسطنبول، فهو «الحضور النافر» لأمين عام جامعة الدول العربية نبيل العربي من جهة، و«الغياب العاقل» للأمين العام السابق للأمم المتحدة والمبعوث المشترك للجامعة العربية والأمم المتحـدة كوفـي أنان من جهة أخرى.
لم يغب انان حباً بالغياب، بل لأنه كان يعرف جيداً أنه مكلف بمهمة حساسة تحتاج إلى سلوك حذر وعاقل ومتوازن بين أطراف الأزمة. ولذلك جال على عواصم الدول المعنية وسيستكمل جولته على ما تبقى منها. حضوره، لو تم، في اسطنبول كان يعني بكل بساطة، انتهاء مهمته. مهمة انان قد تفشل وقد لا تفشل، لكنه لا يحبّذ إنهاء حياته السياسية الحافلة بفشل ذريع يكون هو سببه. غياب انان كان الخطوة الأكثر عقلانية في مؤتمر اسطنبول أمس، ومؤشراً على اتجاهات الرياح الدولية.
في المقابل، كان حضور نبيل العربي هزيلاً بمواقفه الحادة، ومخجلاً بدعواته المتوترة التي لا تليق بأمين عام جامعة العرب التي تولاها يوماً ما كبيران مثل محمود رياض وعبد الخالق حسونة.
لم يكتف نبيل العربي بالذهاب إلى مواقف متطرفة مثل مطالبة مجلس الأمن الدولي باستصدار قرار وفقاً للفصل السابع، بل خرج بذلك على الجامعة العربية التي لم تتخذ قراراً بهذا الخصوص.
والخروج الثاني للعربي هو على مهمة المبعوث الدولي، حيث ان انان ليس مبعوثاً فقط للأمم المتحدة بل أيضاً للجامعة العربية. وبنود مهمة أنان لا تتضمن لا من قريب ولا من بعيد مثل هذه المطالبة.
يدخل موقف «العربي» العالي السقف هذا في إطار خطة منظمة لإفشال مهمة أنان التي بدا واضحاً أن من أهم أهداف مؤتمر اسطنبول هو تعطيلها. البيان الختامي بتأييد الخطة لم يحجب حقيقة أن «رعية» المؤتمر من الدول، وكلهم من الصف الثاني والثالث وربما العاشر، على الصعيد الدولي، كانوا يسعون لهذا الهدف. إذ كان من اللافت أنها لم تحظ بإشارات داعمة بل حتى كان الحديث عنها عابراً، وفي إطار التمني لإنهائها بذريعة وضع سقف زمني لها تنتهي بانتهائه.
عكست كلمات افتتاح مؤتمر اسطنبول المأزق الذي تقع فيه القوى المعارضة للنظام السوري والمتشكلة أساساً من تركيا ومن بعض الدول الخليجية.
تعدّدت المواقف وتناقضت أحياناً. وبدا أيضاً لافتاً تراجع الدعوة العلنية لتسليح المعارضة التي لم يطالب بها حتى رئيس المجلس الوطني السوري برهان غليون. بات تسليح المعارضة أمنية لا أفق لها على أرض الواقع. وبات واضحاً أن مؤتمر اسطنبول قد انتهى إلى ما انتهى إليه مؤتمر تونس.
الجميع يكابر ولا أحد يريد الاعتراف بأن قواعد اللعبة قد تغيرت بعد اتفاق روسيا والصين وأميركا على مهمة انان، التي هي الخطوة الأولى في مسار قد يطول وقد يفشل، ولكن لا بديل عنه سوى فتح الباب أمام المزيد من الفوضى.
المتضررون من مهمة أنان هم الأكثر اندفاعاً لتصعيد الموقف. كلمة رئيس الحكومة التركية رجب طيب اردوغان كانت تعبيراً عن انسداد الأفق أمام خطوات خلاقة للخروج من النفق الذي وضعت أنقرة نفسها فيه منذ بداية الأزمة، وتصريحات مسؤوليها المشككة في مهمة أنان كانت عنوان التحرك التركي في الأيام والساعات الماضية، حيث ربط معلقون أتراك نجاح الدبلوماسية التركية بضرورة إفشال مهمة أنان. وكذلك لم تحمل كلمات الخليجيين جديداً. هم يأملون ويراهنون بذلك لتشكيل حالة ضاغطة على الموقف الأميركي الذي يتعامل بواقعية الدولة العظمى التي تعرف في اللحظة المناسبة حدود الاشتباك بين مصالحها ومصالح «الآخر» الروسي والصيني.
استعجال إنهاء مهمة أنان هي النتيجة الرئيسية التي أريد لمؤتمر اسطنبول ورعيته أن ينتهي إليها، لكن الرعية، في لحظة تدخل الراعي (الأميركي)، كانوا أضعف وأقل دهاء وحنكة من أن يترجموا هذا الهدف، والأهداف الأخرى (تسليح المعارضة وإقامة ممرات إنسانية...) إلى واقع.
بعد فشل مؤتمر اسطنبول سيكون من السخرية الحديث عن انعقاد مؤتمر ثالث في باريس. فهل من يتعظ؟
محمد نور الدين /السفير
المالكي: الشهيد آية الله الصدر رائد الوحدة الاسلامية
أشاد رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي بدور الشهيد الصدر كمفكر وكرائد للوحدة الوطنية في العراق والعالم الاسلامي.
وقال المالكي في احتفال اقيم في ذكرى استشهاد آية الله محمد باقر الصدر (قدس سره) على يد النظام العراقي البائد، اننا نستلهم من الصدر مبادئه في الوحدة التي تؤكد بان الحفاظ على وحدة الدولة لا يتحقق الا بوحدة المجتمع.
واكد ان الشهيد الصدر كان يعتبر نفسه ينتمي لجميع الطوائف والاديان والقوميات من سنة و شيعة و كرد و عرب معتبرا انه لا يمكن الحافظ على وحدة الدولة الا بوحدة المجتمع.
واضاف المالكي: ان الشهيد الصدر كان حازما مع حزب البعث ولينا لحل المشاكل وكان يجمع بين الحزم والشدة واللين في نفس الوقت مؤكدا انه يجب التعامل مع من يريد تدمير العراق بحزم وشدة.
واعتبر ان احد اسباب استشهاد الصدر على يد حزب البعث في العراق هو موقفه الداعم للثورة الاسلامية.
كما دعا المالكي الباحثين الى تطوير نظرية الشهيد الصدر في الاقتصاد الاسلامي التي تستبعد سلبيات كل من الاشتراكية والراسمالية في التطبيق.
وقد وصل المالكي صباح اليوم الاثنين الى مدينة النجف الاشرف للحضور فی احتفال اقيم في الذكرى السنوية لاستشهاد آية الله محمد باقر الصدر قدس سره.
تجليات الأمة الواحدة في مشاهد الحج
تجلّي الأمّة الواحدة وظهورها في الحج واحدة من أعظم منافع الحج {لِيَشْهَدُوا مَنافِعَ لَهُمْ ويَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُوماتٍ}(1)، ولا نعرف مشهداً للأمّة الواحدة أعظم وأروع مما نشاهده الحج.
هنالك يشهد المسلم الأمة الواحدة بكل تجلياتها، من اسقاط الفوارق وملأ الفواصل والفجوات والوقوف جميعاً في موقف واحد وفي وقت واحد.
وهذه المشاهد التي تتكرر كلّ سنة، ويحضرها نخبة من المسلمين من كلّ فجّ عميق... تعتبر أفضل تجسيد للأمة الواحدة، التي تضيع أحياناً وتختفي بسبب تراكم الخلافات المذهبية والوطنية.
وأوّل ما يتجلّى هذا المشهد التوحيدي والوحدي العظيم في (الميقات) حيث ينتزعهم الميقات من أزيائهم الوطنية ويلبسهم لباساً موحداً في غاية البساطة، وبعيداً عن مظاهر الترف، ثمّ يوحّد الميقات خطابهم الرباني «لبّيك اللهم لبّيك، لبيك لا شريك لك لبّيك»، وهذا هو الخطاب التوحيدي والوحدوي الذي يرفعه الحجاج جميعاً في الميقات... يوحّد الميقات خطابهم الذي هو جوهر هذه العبادة وهي (التوحيد) ويوحّد مظهرهم، وينتزعهم من حالة التشتت في الخطاب، وتمايز المظاهر والأزياء، فيكون مثل الميقات مثل جداول متمايزة من أقاليم شتى، تدخل في الميقات وكأنه نهر عظيم من الحجاج، يقبلون على الله بمظهر واحد، وخطاب واحد، وغاية واحدة، حتّى يَصُبّ هذا النهر في بحر عظيم من الناس بجوار بيت الله الحرام، لا تكاد تميز فيه العراقي عن اليماني، واليماني عن الجزائري، والجزائري عن الإيراني، والتركي.
ثم يأتي دور الكعبة الشريفة في توحيد هذه الأمة وإخراجها إخراجاً واحداً.
وللكعبة المعظمة دوران في توحيد هذه الأمة (القبلة والطواف)، وكلّ واحد من هذين الدورين يوحّد جبهة هذه الأمة العظيمة، المتفرقة في بلاد شتّى من القارّات الخمسة.
إنّ (القبلة) ترمز في حياة المسلمين إلي أمرين علي أعلي درجات الأهمية، ترمز (القبلة) إلي توجيه الإنسان وجهه إلي الله في كل حالاته، {وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّماواتِ والأَْرْضَ حَنِيفاً وما أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ} (2).
{فَإِنْ حَاجُّوكَ فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلَّهِ ومَنِ اتَّبَعَنِ} (3).
وعندما يوجّه الإنسان وجهه إلي نقطة معيّنة، فإنها سوف تحدّد مساره وخط حركته بشكل قطعي، كما كان يجعل أهل البادية في البر، والبحّارة في البحار النجوم بين أعينهم، ليحدّدوا بذلك خط حركتهم في البوادي والبحار، قبل أن يعرفوا نظام البوصلة.
فإذا جعل الإنسان (الله) تعالي وجهته، وتوجّه إليه بوجهه، وجعله غاية لحركته، فإنّ هذه النقطة الغائية في تحركه التي جعلها وجهته وفي قبالته سوف تحدّد له خط حركته ومساره في الحياة الدنيا، وهو الصراط المستقيم الذي يهديه إلي الله تعالي، وهو صراط الذين أنعم الله عليهم من عباده: {اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ}.
وترمز (القبلة) ثانياً إلي توحيد جهة حركة المسلمين جميعاً إلي الله، بهذا الاتجاه، فإنّ (القبلة) توجّه عامة المسلمين إلي نقطة الكعبة في اليوم خمس مرات علي أقل التقادير.
إذن القبلة ترمز أولاً إلي توجيه الإنسان المسلم إلي الله في حركته، علي الصراط المستقيم.
وترمز ثانياً إلي توحيد المسلمين عامة في هذا الاتجاه الرباني في الحركة.
وخلاصة القول: إنّ القبلة ترمز إلي الاستقامة علي الصراط المستقيم إلي الله تعالي، وتوحيد حركة المسلمين جميعاً علي هذا الصراط.
ويرمز (الطواف) إلي حركة التوحيد علي وجه الأرض وفي التاريخ، كما يرمز إلي اجتماع الموحّدين لله، بهذا الاتجاه التوحيدي في التاريخ والمجتمع.
فإنّ هذه الحركة الاستداريّة حول مركز الكعبة ترمزـ والله العالم ـ إلي الحركة التوحيدية للإنسان.
فلا ينحرف الطائف عن مركز الكعبة، في كل دائرة الطواف، بکتفه الأيسر على امتداد هذه الدائرة، بينما يتحرك كتفه الأيمن في كل الاتجاهات، من دون إستثناء، والدائرة التي يطويها الكتف الأيمن للطائف0360، وهي دائرة كاملة لاتخرج عنها جهة من الجهات علي الاطلاق، وهي إشارة رمزية ـ والله العالم ـ إلي أنّ بإمكان الإنسان أن يحافظ علي توحيد الله بالعبادة، والاستعانة، والطاعة، والعبودية في كل حركته الواسعة في الدنيا، في كل حقول الحياة، في حركته، وخطابه، ومواقفه، وعمله، من دون استثناء، {إِنَّ صَلاتِي ونُسُكِي ومَحْيايَ ومَماتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ} ليس فقط في صلاته ونسكه، وإنما في محياه ومماته أيضاً.
وفي نفس الوقت ترمز الكعبة إلي تجميع المسلمين علي توحيد الله تعالي في العبادة، والعبودية، والاستعانة، والاخلاص، والدين، والطاعة، والولاء.
وهكذا تتّصل تجلّيات الأمة الواحدة في مشاهد الحج الكبرى من الميقات إلى الطواف، ومن الطواف إلى السعي، ومن البيت الحرام إلى عرفة، حيث يجتمع ملايين المسلمين في وادي عرفة، توحّدهم عرفة، وتوجههم إلى الله تعالى بالدعاء والصلاة، وتصفيهم من كلّ ذنوبهم، بلا استثناء إلاّ الشرك، والقتل، وحقوق الناس، والبدعة في دين الله، فإنّها لا تغتفر.
ويفيض الحجاج من عرفة إلى المشعر الحرام، وقد تركوا وراءهم ركام ذنوبهم ومعاصيهم في هذا الوادي الشريف.
ثم مشهد المشعرالحرام ومشاهد رمي الجمرات في وادي منى، وهو يرمز إلى جهد جمعي من جانب الحجاج كلهم لإقصاء الشيطان عن حياتهم، ورجمه، وإبعاده منهم.
ثمّ يأتي في نهاية هذه الجولة الصعبة من الميقات إلى منى «العيد الأكبر» الذي يحتفل به الحجاج جميعاً في منى، وفي رحاب بيت الله، وهو عيد الأضحى المبارك.
يوحّدهم في فرحتهم بنجاحهم في إقامة هذه الفريضة الصعبة في هذا البلد الذي اختاره الله لبيته الحرام.
إنّ أبرز شيء في الحركة العظيمة من الميقات إلى منى أمران: (توحيد) الله تعالى بالعبادة؛ و(توحيد) حركة الأمة على خط توحيد الله؛ ولا يحسّ الإنسان بهذه الأمة المباركة العظيمة، كما يحسّ بها في مشاهد الحج العظيمة.
وكما يوحّد الحج خطاب هذه الأمة، وحركتها، ومظهرها، ومضمونها، كذلك يوحّد جهد هذه الأمة في مكافحة العوامل المعيقة، لوحدة الأمة، والفتن الطائفية التي تجعل من هذه الأمة الواحدة، أمماً شتى متقاطعة ومتنافرة، على خلاف ما يريده الله تعالى من عباده المؤمنين.
الإضاءات الثلاثة في طريق وحدة الأمة
إنّ مكافحة الفتن الطائفية، والسعي إلى التقريب، والتفاهم، والتضامن، والتعاون بين المسلمين، من ثوابتنا السياسية والحضارية والاقتصادية.
وتدخل في تكوين الأمة الإسلامية الواحدة، ومن دونه لا تتحقّق الأمة الواحدة التي جعلها الله أمة وسطاً، وشاهدة على سائر الأمم.
ويتوقف عليها، إنتصارنا في المعترك السياسي، والحضاري، والثقافي، والعسكري، ومن دونها لا يتحقق النصر الذي نسعى إليه في مسيرتنا السياسية والثقافية.
وتتوقف عليها حركتنا الثقافية والعلمية.. فإنّ التقاطع الطائفي، والعزلة والانكفاء على الذات، يؤدي بالضرورة إلى الضمور الثقافي والعلمي، وبعكس ذلك التواصل، واللقاء، والحوار الإيجابي، يؤدي إلى التكامل العلمي والثقافي في حوزاتنا وجامعاتنا العلمية.
إنّ هناك ثلاث قضايا رئيسية، لابد فيها من الوعي والوضوح:
ولابد من السعي لنشر وعي سياسي ـ ثقافي، تجاه هذه النقاط في أوساط الجمهور.
وهذه النقاط هي:
1 ـ الأمة الواحدة.
2 ـ الصراع الحضاري الذي تخوضه هذه الأمة.
3 ـ ضرورة الترافد الثقافي والعلمي في أوساط هذه الأمة.
و إليك الإيضاح السريع التالي لهذه النقاط الثلاثة:
1 ـ الأمة الواحدة
هذه الأمة أمة واحدة، وليست أمماً شتى.
وقد ورد هذا المعنى بصراحة في آيتين من القرآن يقول تعالى:
{إِنَّ هَذِهِ أمَّتُكُمْ أمَّةً وَاحِدَةً وأناَ رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ} (4).
{وَإِنَّ هَذِهِ أمَّتُكُمْ أمَّةً وَاحِدَةً وَأناَ رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ} (5).
وليس معنى وحدة الأمة التطابق الكامل في الرأي والاجتهاد، فإنّ ذلك مما لا يكون.. وإنما معنى ذلك الاتفاق والتفاهم على الأصول والانسجام والتفاهم والتعاون على المواقف السياسية، وتوحيد الولاء والبراءة والطاعة والنصرة.
2 ـ الصراع الحضاري
سواءاً أردنا أم لم نرد، نحن ندخل اليوم في صراع حضاري عسير... والمواجهة العسكرية شكل من أشكال التعبير عن هذا الصراع.
وهذا الصراع صراع شرس.. وخصومنا في هذا الصرع جبهة واحدة، مهما تعددت توجهاتهم.
وليس من الصدفة أن تتفق أمريكا والاتحاد الأوربي على دعم إسرائيل في كل أعمالها العدوانية تجاه المسلمين، وأن تقف إلى جانبها من غير أن تأخذ بنظر الاعتبار حاجتها إلى المسلمين، وعلاقاتها الاقتصادية الواسعة بالعالم الإسلامي.
نحن نواجه اليوم صراعاً حضارياً، سياسياً، اقتصادياً، عسكرياً، من أشرس ما يكون الصراع، وإذا خسرنا الحرب في هذه المعركة المصيرية، فسوف نعود مرة أخرى إلى دورة جديدة من التبعية الاقتصادية والسياسية والثقافية للغرب التي طالتنا من بعد سقوط الدولة العثمانية إلى اليوم.
والانتصار والهزيمة في هذا الصراع ـ في كل أبعاده ـ قضية مصيرية في حضارتنا وتاريخنا؛ ولا نشك إننا نكسب هذا الصراع إذا واجهنا خصمنا أمة واحد، وصفاً واحداً، وموقفاً واحداً، وذلك أنّ يد الله تعالى مع الجماعة وعلى الجماعة، وإذا كانت يد الله معنا فلا يتخطانا النصر بإذن الله.
ولا نشك أنّا إذا واجهنا خصومنا مقتسمين على أنفسنا، متقاطعين في مواقفنا وإرادتنا، متخالفين في توجهاتنا، فلا نكسب هذا المعترك الحضاري الصعب.
3 ـ الترافد الثقافي
الترافد الثقافي من نتائج التقريب بين المذاهب الإسلامية ومن عوامله في نفس الوقت...
وقد كان علماء المسلمين وطلبة العلم يتوافدون على مدارس فقهية من مذاهب واتجاهات مختلفة، وكانوا يتبادلون الإجازات في رواية الحديث، فكان طلبة العلم من العراق، ومعظمهم من الشيعة يفدون إلى الحجاز ومصر والشام ومعظمهم من أهل السُنة، وكان يفد إلى العراق، على مدرسة الحلة، وهي حوزة شيعية عريقة، طلبة من الحجاز، ومصر، والشام، والمغرب العربي للدراسة، كما كان لعلماء المسلمين زيارات للأقاليم الإسلامية، وكان طلبة العلوم الدينية يلتمسون منهم أن يلقوا عليهم دروساً في الفقه والأصولَين (أصول الفقه وأصول العقائد).
واليوم تحتضن الحوزة العلمية في قم، وهي حوزة علمية عريقة تابعة لمدرسة أهل البيت (ع) طلبة العلوم الدينية من أكثر من مائة قُطْر في العالم من القارات الخمسة، وجملة من هؤلاء الطلبة الوافدين إلى هذه الجامعة من أهل السنة، ولايجدون حرجاً في الدراسة في حوزة شيعية، كما لا تجد هذه الحوزة حرجاً أن تحتضن طلبة من المدارس، والاتجاهات الفقهية الأخرى، وتجري دراسة فقه المذاهب الإسلامية الأربعة في هذه الحوزة كما تجري دراسة الفقه الإمامي.
ولهذا الترافد الثقافي والعلمي أثر بالغ في التكامل العلمي والثقافي في المراكز العلمية الإسلامية.
فإنّ الجهود العلمية، والثقافية المختلفة، عندما تلتقي مع بعض على صعيد موضوعي، علمي، غير متشنّج، يكون هذا اللقاء سبباً للإثراء والتكامل العلمي والثقافي لكل من هذه الروافد العلمية والثقافية، ويؤدي هذا الترافد إلى التقارب والتعارف بين المذاهب المختلفة، كما أنّ التقارب والتعارف بين هذه المذاهب يؤدي بالضرورة إلى الترافد العلمي والثقافي.
إنّ ظاهرة الترافد تؤدي إلى مكافحة وإبطال الفتن الطائفية.. والعكس أيضاً صحيح، فإنّ الفتن الطائفية تقلّل من فرص الترافد الثقافي، وتحوّل الثقافة والعلم إلى دوائر مغلقة غير مترابطة، وهذه الحالة من أسباب ضمور العلم والمعرفة دائماً.
وعلى كلّ حال، ظاهرة الترافد الثقافي ظاهرة مباركة في حياة هذه الأمة، يجب أن نستعيدها، ونجدّدها، ونشجعها، وندعمها، وهي من أفضل وسائل علاج الفتنة.
وفيما يلي سوف نتحدث إن شاء الله عن ثلاثة من أبرز النقاط التي تساهم في علاج الفتنة الطائفية وإخمادها، وهذه النقاط الثلاثة هي:
1 ـ الوعي والخطاب
2 ـ اللقاء والحوار
3 ـ العمل المشترك
وإليك تفصيل هذه النقاط:
أولاً: الوعي والخطاب
الفتنة الطائفية، كأية فتنة أخرى، تنشأ وتنمو في غياهب الجهل والجهالة.. والفتن في حياة الناس كثيرة، وكلها تتكون وتظهر وتنمو في ظلمات الجهل.
وأفضل العلاج لها ولأمثالها من الفتن هو المعرفة والوعي، فإنّ النور يكسح الظلمة، والمعرفة والوعي نور يزيل ما يعترضه من الظلمات، والفتن تراكم من الظلمات بعضها فوق بعض.
الوعي والتقوى
إنّ تحصين المجتمع من الفتن يتم بعاملين اثنين مع بعض، وهما عامل التقوى والمعرفة، فإذا اجتمعتا فأنهما يحصّنان المجتمع من أمثال هذه الفتن.
ومهما واجهنا فتنة من هذه الفتن التي تمحق دين الناس، وتثير الشغب والفوضى، وتحرق الأخضر واليابس، فلابدّ أن يكون من وراء هذه الفتنة عجز في (التقوى) أو (الوعي) أو فيهما معاً.
فهما يحصّنان المجتمع من كل فتنة، ويمنحان صاحبهما بصيرة وفرقاناً، إذا ادلهمت الخطوب والظلمات على الناس.
الوعي السياسي
ومن أهمّ وجوه الوعي اليوم الوعي السياسي، فإنّ عامل الاستكبار العالمي، والمخابرات، والمنظمات الجاسوسية العالمية، تكمن خلف هذه الفتن.
والمؤسسات الإعلامية (الصحف والفضائيات ودور النشر) تبثّ هذه الفتن بين الناس، وتقوم بتأجيج حرائق الفتنة الطائفية بين المسلمين.
وتجد أنظمة الاستكبار العالمي في هذه الفتن الطائفية، فرصة ذهبية لبسط نفوذها في العالم الإسلامي، وتمكّنها من أسواق المسلمين، ومصادر الثروة النفطية، والمعدنية، والمائية، والزراعية في العالم الإسلامي... وسوف نبسط الحديث في هذا الجانب إن شاء الله.
و الأداة المفضّلة لمواجهة هذه الفتن هي الوعي السياسي الذي يمكن الناس من معرفة خلفيات هذه الفتن وجذورها، والمنظمات الجاسوسية التي تخطط لها هناك في الغرب، عبر المحيطات.
ومن واجب العلماء والخطباء والمثقفين الإسلاميين نشر الوعي السياسي بين الناس، وتمكين الناس من إختراق الغطاء الإعلامي، وتمكينهم من الدرك الصحيح لما يحصل في الساحة العالمية من فنون اللعبة السياسية، وتحذير الناس من أن يكونوا ضحايا هذه اللعب، والخطط التي تنتجها باستمرار العقلية الغربية، تجاه العالم الإسلامي.
وعي الجمهور
ولست أعني بـ (الوعي السياسي) هنا وعي النخبة، ولست أنفي ضرورة الوعي السياسي عند النخبة، وأهميتها، ولكن وعي النخبة لا يغني عن وعي الجمهور، وإذا حلّ الوعي في الشارع الذي يتحرك فيه الجمهور، وتسلّح الجمهور بالوعي، لم تعد هذه اللعب السياسية، والفضائيات المضلّلة قادرة على تضليل الناس، وتفجير الفتن في وسط الناس، كالذي يحصل اليوم في العراق وفي باكستان وفي بعض الأقطار الإسلامية.
فإنّ الوعي عندما ينزل إلى مستوى الشارع ويثقف الجمهور يحصّنه من أمثال هذه الفتن... والجمهور الذي يمتلك درجة عالية من الوعي السياسي يمتلك درجة عالية من الحصانة تجاه العوامل الإعلامية والسياسية المضللة، وبالضرورة لاتحتوشه الفتن.
والجمهور غير الموجّه، وغير الراشد، هو الوسط الخصب، والتربة الصالحة لأمثال هذه الفتن؛ وعن طريق التوعية، والتثقيف السياسي، يمكننا أن نحافظ على سلامة الجمهور ورشده.
والجمهور كما هو تربة صالحة للفتن والضوضاء، كذلك هو وعاء صالح للوعي، والعقل، والسداد، والتقوى.. ويمتلك أعماقاً سليمة من الفطرة، لم ينفذ إليها الفساد، والقادة الحقيقيون هم الذين يدركون هذا العمق الفطري السليم للجمهور، ويقودون الجمهور إلى صراط الله المستقيم والتقوى، ويحذرونه من مغبّة الوقوع في أمثال هذه الفتن،ويفلحون في ذلك.
إنّ الثقة بالجمهور، وكفاءاته الكثيرة، وسلامة فطرته، هو رأس مال أولئك القادة الذين يعرفون كيف يخاطبون الجمهور، وكيف يكسبونه.. بعد الثقة بالله تعالى، والاعتماد عليه، والاطمئنان إلى وعده بالنصر، وتأييده للقلّة المؤمنة، في مواجهة أمثال هذه الفتن والتحديات.
الخطاب الإسلامي المعاصر
ولابدّ للوعي من خطاب، كما أنّ للتضليل السياسي خطاب، ولإثارة الفتنة بين الناس خطاب، ولتغرير الناس، وتجهيلهم، وتسطيح عقولهم خطاب، كذلك للوعي خطاب.
ولغة هذا الخطاب لغة العقل، وهي اللغة المفضّلة في خطاب الوعي... إنّ العاطفة جزء ضروري من خطاب الجمهور لاشك في ذلك، ولكن من الخطأ الاقتصار على العاطفة في خطاب الجمهور.. ولابد من استخدام لغة العقل في خطاب الناس، إلى جانب لغة العاطفة، ولابد أن تكون لغة العقل هي الحاكمة وهي الأصل، ولغة العاطفة تأتي في امتداد لغة العقل، ولإسناد العقل عندئذ يكون الخطاب العاطفي خطاباً صالحاً للجمهور... وأمّا عندما يتمحّض خطاب الجمهور في الخطاب العاطفي، فلا يكون مثل هذا الخطاب خطاباً راشداً أميناً غالباً، ولايكون قادراً على توجيه الجمهور إلى الوجهة الصحيحة...
إنّ مشكلة الخطاب الإسلامي المعاصر لدى أصحاب التوجهات الطائفية المعاصرة، هي الحالة العاطفية الطاغية على هذا الخطاب والحالة الشعارية، ورفض لغة العقل، وحالة الإنكفاء علي الذات، والانغلاق على الرأي الآخر، ورفض الطرف الآخر، رفضاً مطلقاً إلى حدود التكفير، واستباحة الدماء التي حرّمها الله تعالى إلاّ بحقها.
وقد يكون استجابة الجمهور أحياناً إلى الخطاب الشعاري والعاطفي أسرع من استجابتهم للخطاب العقلاني الرافض للعاطفة.. ولكن يبقى استخدام لغة العاطفة والشعار محضاً وحصراً في خطاب الجمهور، خيانة للجمهور مهما كانت استجابتهم لهذا الخطاب، واستخدام لغة العقل ومحكمات الدين في خطاب الجمهور هو الموقف الناصح الأمين من الجمهور، وإن واجهه الجمهور أحياناً بالرفض.
وعلى علماء المسلمين أن يتقوا الله في الخطاب، ولا يبتغوا مرضاة الناس في ذلك، فقد يكون في الناس من يستجيب للشعار والعاطفة، وقد يكون الخطاب العاطفي والشعاري أسرع قبولاً في وسط الجمهور.. ولكنّه على كل حال خيانة، يجب أن يحذرها العلماء الراشدون.
والجمهور الذي يتثقف من خلال الخطاب العقلائي أكثر ثباتاً وصلابة في الموقف، والجمهور الذي يتلقى الخطاب العاطفي الشعاري جمهور متقلّب في الرأي، لا يثبت على موقف ورأي، ومسؤولية هذه الحالة المتقلّبة على عهدة الخطاب العاطفي والشعاري الذي يتلقاه هذا الجمهور من حملة الخطاب الطائفي المتشنّج.
منطلقات الخطاب الديني
وكما يجب الاهتمام بلغة الخطاب في حياتنا الثقافية والسياسية المعاصرة، كذلك يجب الاهتمام بمنطلقات الخطاب الإسلامي... هناك خطابات سياسية وثقافية كثيرة معاصرة صادرة من (الولاءات) المنتحلة الوهمية، كالولاء للقوم، والوطن، والأحزاب، والعشيرة، وهي ولاءات منتحلة كاذبة في مقابل الولاء لله، ولرسوله، ولأئمة المسلمين وللمؤمنين، وهو الولاء الراشد الصحيح الذي جاء به الوحي من عند الله: {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ}(6)...
وهذا هو الولاء الحق الذي جاء به رسول الله (ص) من عند الله، وهو الولاء الذي يوحّد صف المسلمين، ويجعل منهم أمة واحدة في صف مرصوص، مقابل أعداء هذه الأمة.
وللقضاء على هذا الولاء، بادر أعداء هذا الدين إلى طرح ولاءات أخرى، في مقابل الولاء لله، ولرسوله، ولأولياء الأمور، وللمؤمنين، كالولاء للقوم والوطن والعشيرة، وبذلوا أموالاً طائلة لتثبيت هذه الولاءات في ثقافة المسلمين المعاصرة، من خلال المدرسة، والصحافة، والإذاعة، والتلفاز، وإحياء المآثر الفرعونية والبابلية والكسروية والفينيقية.. إلى غير ذلك.
من خلال هذه الثقافات عملوا على زرع ولاءات وهمية، قومية، ووطنيه.. مقابل الولاء لله ولرسوله.
ونحن عندما نتحدث عن الخطاب السياسي الذي نلقيه إلى جمهورنا يجب أن نأخذ بنظر الاعتبار منطلقات هذا الخطاب... هذا الخطاب يجب أن ينطلق عن الولاء لله ولرسوله في قوله تعالى:
{إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ}(7).
وقوله تعالى: {إِنَّ هَذِهِ أمَّتُكُمْ أمَّةً وَاحِدَةً وَأنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ}(8).
وقوله تعالى: {وَإِنَّ هَذِهِ أمَّتُكُمْ أمَّةً وَاحِدَةً وَأنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ}(9).
وقوله تعالى: {وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ وَاذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَألَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنتُمْ عَلَىَ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأنقَذَكُم مِّنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ}(10).
وقوله تعالى: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أوْلِيَاء بَعْضٍ} (11).
وقوله تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأصْلِحُوا بَيْنَ أخَوَيْكُمْ} (12).
وقوله تعالى: {وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ} (13).
وقوله تعالى: {فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ} (14).
وقوله تعالى: {وَالَّذِينَ آوَواْ وَّنَصَرُواْ أوْلَئِكَ بَعْضُهُمْ أوْلِيَاء بَعْضٍ} (15).
أمّة واحدة، وطاعة واحدة، وولاء واحد.
إنّ لكل ولاء خطاب، وخطاب كل ولاء يختلف عن الخطاب الآخر، ونحن ولاؤنا لله ولرسوله ولأولياء الأمر وللمؤمنين وليس للوطن والقوم والعشيرة.. ولهذا الولاء خطاب يختلف عن خطاب الولاء للقوم والوطن.
ونحن لا نرفض الارتباط بالقوم والوطن إلاّ أن هذا الارتباط من الانتماء وليس من الولاء، والولاء يحكم الانتماء.. فقد حارب المسلمون صدر الإسلام أهلهم وآباءهم وإخوانهم من مكة في الله.
وخطابنا إلى جمهور أمتنا ـ في السراء والضراء ـ يجب أن ينطلق من هذا المصدر، وهو الخطاب الذي يجمع الشمل، ويزرع المحبة والمودة في القلوب، ويؤسس التفاهم والتعاون في الأفكار والأعمال.
الصدق والنصح في الخطاب
ويجب أن يكون الخطاب صادقاً ناصحاًً.. وفي خطابنا المذهبي الطائفي المعاصر الكثير من الكذب والافتراء.. ومن يقرأ بعض أدبيات الفتنة الطائفية المعاصرة، يجد نماذج كثيرة من هذا الافتراء والكذب، ومن أمثلة هذا الافتراء: الافتراء على الشيعة الإمامية بأنهم يقولون بتحريف القرآن، وهم ينفون عن أنفسهم هذه التهمة، ويصرّحون ويكتبون عن صيانة القرآن عن التحريف.
ولو أنك سبرت بلاد المسلمين في كل العالم لا تجد غير هذا القرآن قرآناً يتلوه الناس، ويتعبدون به في مشارق الأرض ومغاربها.
وكم يتبادل المسلمون من المذاهب المختلفة، الافتراءات فيما بينهم من غير هدى ولا بيّنة.
ولا يقتصر أمر هذه الافتراءات فيما بين الشيعة والسنة، وإنما يتم بين الشيعة أنفسهم، والسنة أنفسهم بما لا يقلّ عما يجري بين الشيعة والسنة...
وهذا الخطاب الطائفي الاستفزازي، ينقصه الصدق والنصح..
ينقصه الصدق، لأنّ علماء المسلمين من جميع المذاهب يكتبون ويعلنون ويصرّحون أن ليس لله على وجه الأرض كلها قرآن غير هذا القرآن، الذي يتلوه المسلمون صباحاً ومساءاً.
وينقصه النصح، لأنّ المسلم الذي يهمّه أمر وحدة المسلمين وانسجامهم، والذي يأمر الله تعالى به ورسوله لا ينال مذاهب المسلمين بهذا اللون القاسي من الجرح والتشهير والتسقيط، من دون تثبت علمي، بل مع إعلانهم البراءة عما ينسب إليهم من الافتراء.
الشجاعة والصراحة في الخطاب
إنّ مواجهة ظروف الفتنة الطائفية اليوم تستدعي شجاعة وصراحة في الخطاب وما لم يمتلك حَمَلَةُ الخطاب الإسلامي هذه الشجاعة والصراحة لا يتمكنون من مواجهة الفتنة الطائفية المعاصرة واستئصالها.
إنّ الحالة التكفيرية المعاصرة، واستباحة دماء المسلمين بغير الحق، عودة للحالة الخارجية التي ظهرت صدر الإسلام في حرب صفين والنهروان في أيام خلافة أمير المؤمنين (ع) ، وولادة جديدة لنفس الحالة.
وهذه الحالة آخذة بالتوسع والنفوذ إلى داخل الحركة الإسلامية المعاصرة.. ولابد أن يمتلك تجاه هذه الحالة، علماء المسلمين الجرأة، والشجاعة، والصراحة الكافية في بيان موقف الإسلام من هذه الجماعة، ومن هذه الحالة التي تُعدّ انزلاقاً خطيراً للحركة الإسلامية المعاصرة.
والتردد والتريث في مثل هذا البيان والخطاب، يؤدّي إلى استشراء هذه الحالة وتوسعها، وإلى حدوث انزلاقات خطيرة في الحركة الإسلامية المعاصرة بهذا الاتجاه.
وقد حرّم الإسلام دم المسلم وماله إذا كان يشهد بالتوحيد لله والنبوة لرسول الله قولاً واحداً بين فقهاء المسلمين.
روى مسلم في الصحيح في فضائل علي (ع) : عندما دعا رسول الله (ص) علياً في فتح خيبر فأعطاه الراية وقال له: «امش ولا تلتفت حتى يفتح الله عليك، قال: فسار علي (ع) شيئاً ثم وقف ولم يلتفت فصرخ:
يا رسول الله، على ماذا أقاتل الناس؟
قال: قاتلهم حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله، وأنّ محمداً رسول الله، فإذا فعلوا ذلك فقد منعوا منك دماءهم»(16).
وفي الصحيحين بالإسناد إلى مقداد بن عمرو: أنه قال: يا رسول الله أرأيت إن لقيت رجلاً من الكفار، فاقتتلنا فضرب إحدى يدي بالسيف، فقطعها، ثم لاذ مني بشجرة، فقال: أسلمت لله، فأقتلْه يا رسول الله بعد أن قالها، فقال رسول الله (ص) : «لا تقتله، فإن قتلته فإنه بمنزلتك قبل أن تقتله، وإنك بمنزلته قبل أن يقول كلمته التي قال»(17).
و أخرج البخاري في بعث علي (ع) وخالد إلى اليمن: أنّ رجلاً قام، فقال: يارسول الله: اتق الله، فقال (ص) : «ويلك ألست أحق أهل الأرض أن يتقي الله»، فقال خالد: يا رسول الله ألا أضرب عنقه، فقال (ص) : «لا، لعله أن يكون يصلي»(18).
وعن أمير المؤمنين (ع) أنه قال: «قال رسول الله (ص) : اُمرت أن اُقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله، فإذا قالوها فقد حرم عليّ دماءهم وأموالهم»(19).
وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله (ص) :
«اُمرت أن اُقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله، فإذا قالوا لا إله إلا الله عصموا مني دماءهم وأموالهم إلاّ بحقها وحسابهم على الله»(20).
وعن أبي عبد الله الصادق (ع) أنه قال: «الإسلام يُحقن به الدم»(21).
وعنه (ع) أنه قال: «شهادة أن لا إله إلا الله والتصديق برسول الله (ص) ، به حُقنت الدماء وعليه جرت المناكح والمواريث»(22).
وعن رسول الله (ص) أنه قال: «من وحّد الله وكف بما يعبد من دونه حَرُم ماله ودمه وحسابه على الله»(23).
وعن أبي عبد الله الصادق (ع) أيضاً عن رسول الله (ص) أنه قال: «أيها الناس إنّي أمرت أن أقاتلكم حتى تشهدوا أن لا إله إلا الله وأني محمد رسول الله، فإذا فعلتم ذلك حقنتم بها أموالكم ودماءكم إلاّ بحقّها وكان حسابكم على الله»(24).
وروي الدارمي عن رسول الله (ص) أنه قال: «إنّي أمرت أن اُقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله، فإذا قالوها حرمت عليّ دماؤهم وأموالهم إلاّ بحقّها، وحسابهم على الله»(25).
عن أبي سعيد الخدري قال: وجد قتيل على عهد رسول الله (ص) ، فخرج مغضباً حتى رقى المنبر فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: «يقتل رجل من المسلمين لا يُدرى من قتله، والذي نفسي بيده لو أنّ أهل السماوات والأرض اجتمعوا على قتل مؤمن أو رضوا به لأدخلهم الله في النار»(26).
وروى مسلم في (الصحيح) روايتين عن رسول الله (ص) نعرف منهما عظيم حرمة «لا إله إلا الله» وحرمة القائل بها، ولو كان القائل بها قد تظاهر بها ليحمي نفسه من القتل، وأنّ هذه الكلمة تعطي قائلها وحاملها من الحرمة ما لا يجوز لأحد انتهاكها إلاّ بحقه.
روى مسلم أنّ رسول الله (ص) بعث بعثاً من المسلمين إلى قوم من المشركين، وأنهم التقوا فكان رجل من المشركين إذا شاء أن يقصد إلى رجل من المسلمين قصد له فقتله، وإنّ رجلاً من المسلمين قصد غفلته، قال: وكنا نحدّث أنه أسامة بن زيد، فلما رفع عليه السيف قال: لا إله إلاّ الله فقتله، فجاء البشير إلى النبي (ص) ، فسأله فأخبره، حتى أخبره خبر الرجل كيف صنع، فدعاه فسأله قال: >لِمَ قتلته؟ قال: يا رسول الله اوجع في المسلمين، وقتل فلاناً وفلاناً وسمّى له نفراً، وإنّي حملت عليه فلما رأى السيف قال: لا إله إلا الله، قال رسول الله (ص) :أقتلته؟ قال: نعم، قال: فكيف تصنع بلا إله إلا الله إذا جاءت يوم القيامة، قال:يا رسول الله استغفر لي، قال: وكيف تصنع بلا إله إلا الله إذا جاءت يوم القيامة، قال: فجعل لا يزيد على أن يقول: كيف تصنع بلا إله إلا الله إذا جاءت يوم القيامة»(27).
وروى مسلم أيضاً عن أسامة بن زيد أنه قال:
«بعثنا رسول الله (ص) في سرية فصبحنا الحرقات(28) من جهينة فأدركت رجلاً فقال: لا إله إلا الله، فطعنته، فوقع في نفسي من ذلك فذكرته للنبي (ص) فقال رسول الله (ص) : أقال لا إله إلاّ الله وقتلته! قال: قلت: يا رسول الله إنما قالها خوفاً من السلاح، قال: أفلا شققت عن قلبه حتى تعلم أقالها أم لا، فمازال يكررها عليَّ حتى تمنّيت أني أسلمت يومئذ»(29).
ورغم أنّ القتيل كان مقاتلاً يقاتل المسلمين في صفوف الكافرين حتى اللحظة الأخيرة، ونطق بكلمة التوحيد في اللحظة الأخيرة عندما وجد السيف على رأسه، وواضح من كل القرائن أنّ الرجل شهد بـ لا إله إلاّ الله خوفاً من القتل، وليس عن إيمان، كما قال أسامة بن زيد.. إلاّ أنّ رسول الله (ص) غضب غضباً واضحاً، وأنكر على أسامة بشدة وقوة، وكرّر إنكاره على أسامة حتى تمنى أسامة أن يكون قد أسلم في ذلك اليوم، حتى يكون الإسلام قد جبَّ من ذنوبه ما سبق.
خطبة رسول الله (ص) بمنى
وهذه الخطبة ألقاها رسول الله (ص) في جموع المسلمين الغفيرة بيوم النحر بمنى، وقد روى هذه الخطبة ثقاة المحدثين بألفاظ متقاربة، ونحن ننقل الخطبة برواية الإمام أبي عبد الله الصادق (ع) ، ويغنينا اشتهار روايتها بين حفاظ الحديث النبوي عن ذكر مصادرها: عن زيد الشحّام عن أبي عبد الله الصادق (ع) أنه قال: «إنّ رسول الله (ص) وقف بمنى حين قضى مناسكها في حجة الوداع فقال: أيها الناس اسمعوا ما أقول لكم، واعقلوه عني، فإني لا أدرى لعليّ لا ألقاكم في هذا الموقف بعد عامنا هذا، ثم قال: أيُّ يوم أعظم حرمة؟ قالوا: هذا اليوم، قال: فأيّ شهر أعظم حرمة؟ قالوا هذا الشهر، قال: فأيّ بلد أعظم حرمة؟ قالوا: هذا البلد، قال: فإنّ دماءكم وأموالكم عليكم حرام، كحرمة يومكم هذا، في شهركم هذا، في بلدكم هذا، إلى يوم تلقونه فيسألكم عن أعمالكم، ألا هل بلّغت؟ قالوا: نعم، قال: اللّهم اشهد، ألا من كانت عنده أمانة فليؤدّها إلى من ائتمنه عليها، فإنه لايحل دم امرئ مسلم ولا ماله إلاّ بطيبة نفسه، ولا تظلموا أنفسكم، ولا ترجعوا بعدي كفّاراً»(30).
ثانياً: الجماعة، واللقاء، والحوار
هذه ثلاثة عناوين يحبها الله تعالى، وهي أساس التقريب والتفاهم وجمع الشمل وهي:
(الجماعة) و(الاجتماع واللقاء) و(الحوار والتفاهم).
وهذه الثلاثة هي الأداة المفضلة في دين الله لمكافحة الفتن الطائفية، وإزالة التقاطعات، والوصول إلى الانسجام والتفاهم والتعاون.
وسوف نشرح هذه الثلاثة، ونقف وقفات قصيرة عند كل واحد منها:
الجماعة (الأمّة)
نقصد بالجماعة: الأمّة الإسلامية الواحدة، وتتميز هذه الأمّة من سائر الأمم في العقيدة والشريعة والرسالة، ورسالتها التعاون والتضامن الاجتماعي، علي أداء هذه الرسالة، والدعوة إلى الله والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر...
{قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أدْعُو إِلَى اللّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي}(31).
{وَلْتَكُن مِّنكُمْ أمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَاْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}(32).
{كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ}(33).
{وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أوْلِيَاء بَعْضٍ يَاْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ أوْلَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللّهُ إِنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ}(34).
هؤلاء، جماعة هذه الأمة، يحملون هماً واحداً، ومسؤولية واحدة، هي الدعوة إلى الله والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهم أسرة واحدة، متعاونة ومتفاهمة ومتعاطفة {بَعْضُهُمْ أوْلِيَاء بَعْضٍ}، وهم يؤمنون جميعاً بالله ورسوله، ويطيعون الله ورسوله؛ فإنّ الدعوة إلى الله ورسوله، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، لايكون إلاّ مع الإيمان بالله ورسوله، وطاعة الله ورسوله.
إذن هذه الجماعة تحمل ثلاث خصال:
1 ـ الإيمان بالله ورسوله، وطاعة الله ورسوله.
2 ـ الدعوة إلى الله والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وإقامة الصلاة..
3 ـ التفاهم والتعاون والتعاضد والتواصي بالحق والصبر فيما بينهم.
{إِلاّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ}(35).
وعليه فإنّ مفهوم (الجماعة) بهذا التوضيح يلتقي مفهوم (الأمة)، ويتحد معه.
وهذه الأمة أمة واحدة، وليست أمماً شتى، لا ريب في ذلك.
{إِنَّ هَذِهِ أمَّتُكُمْ أمَّةً وَاحِدَةً وَأنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ}(36).
{وَإِنَّ هَذِهِ أمَّتُكُمْ أمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ}(37).
وهذه الأمة بعرضها العريض أمّة واحدة، لها عقيدة واحدة، وشريعة واحدة، ومنهاجاً واحداً، ودعوة واحدة، وسبيل واحد، ورسالة واحدة، يؤدّونها مجتمعين.
وهذه الوحدة والاجتماع في الأداء، وتحمّل المسؤولية، والوحدة في العقيدة والشريعة والدعوة، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، هي التي تجعل من هذه الأمة جماعة واحدة.
وقد ورد التأكيد على هذا الاجتماع، والوحدة في الأداء، والوحدة في الموقف والعمل في آيات عديدة من القرآن.
منها قوله تعالى: {وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعًا} فإنّ الآية الكريمة تحمل معنيين:
الاعتصام بحبل الله، وهذا هو المعنى الأول، وأن يكون هذا الاعتصام من قبل الجميع (جميعاً) وهذا هو المعنى الثاني.
ومنها قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ ادْخُلُواْ فِي السِّلْمِ كَآفَّةً}(38).
والآية الكريمة كذلك تحمل معنيين:
1 ـ الدخول في السلم.
2 ـ وأن يكون هذا الدخول من قبل الجميع، (كافة).
وقد ورد التأكيد في أحاديث كثيرة متضافرة على لزوم الجماعة، منها ما رواه الفريقان عن رسول الله (ص) في الخطبة التي خطبها في مسجد (الخيف) بمنى عام حجة الوداع، وإليك هذا الخطاب النبوي الشريف: «نضر الله عبداً سمع مقالتي فوعاها، وبلغها من لم تبلغه، فربّ حامل فقه ليس بفقيه، وربّ حامل فقه إلى من هو أفقه منه، ثلاث لا يغل عليهن قلب امرئ مسلم: إخلاص العمل لله، والنصيحة لائمة المسلمين، واللزوم لجماعتهم، فإنّ دعوتهم محيطة من ورائهم، المؤمنون أخوة تتكافأ دماؤهم، وهم يد على من سواه، يسعى بذمتهم أدناهم»(39).
وهذا خطاب شريف يتضمن ثلاث دعوات، وأية دعوات؟
1 ـ الإخلاص في العلاقة بالله.
2 ـ والنصيحة في العلاقة بأئمة المسلمين وأولياء الأمر (ع) .
3 ـ واللزوم لجماعة المسلمين في العلاقة بالأُمة.
وسلامة الفرد والمجتمع بسلامة هذه العلاقات الثلاثة:
1 ـ العلاقة بالله.
2 ـ والعلاقة بأئمة المسلمين.
3 ـ والعلاقة بجماعة المسلمين.
فإذا سلمت علاقة الفرد بهذه المحاور الثلاثة، يسلم الفرد، وتسلم الأمة.
اللقاء والاجتماع
ورد في النصوص الإسلامية التأکيد علي اللقاء والاجتماع والنهي عن الاختلاف والتفريق والتقاطع داخل الجماعة المسلمة، والنهي عن الخروج عن جماعة هذه الأمة والشذوذ عنها.
عن رسول الله (ص) : «عليكم بالجماعة وإياكم والفرقة»(40).
وعنه (ص) : «اثنان خير من واحد وثلاثة خير من اثنين وأربعة خير من ثلاثة. فعليكم بالجماعة، فإنّ يد الله مع الجماعة، ولم يجمع الله أمتي إلاّ على هدى، واعلموا أنّ كل شيطان (البعيد من الحق) هوى في النار»(41).
وعنه أيضا (ص) : «لا يجمع الله أمر أمتي على ضلالة أبداً، اتبعوا السواد الأعظم، من شذّ في النار»(42).
وعن أمير المؤمنين (ع) : «ألزموا السواد الأعظم، فإنّ يد الله مع الجماعة، وإياكم والفرقة، فإنّ الشاذ من الناس للشيطان، كما أنّ الشاذ من الغنم للذئب، فلا تكونوا أنصاف الفتن، وأعلام البدع، وألزموا ما عقد عليه حبل الجماعة، وبنيت عليه أركان الطاعة»(43).
وعن الإمام الصادق (ع) انه قال: «إنّ قوماً جلسوا عن حضور الجماعة، فهمّ رسول الله (ص) أن يشعل النار في دورهم حتى خرجوا وحضروا الجماعة مع المسلمين»(44).
وقد جعل الله تعالى في لقاء المؤمنين رحمة وبركة وخيراً كثيراً، وجعل اللقاء والحوار من منازل رحمته وبركاته...
كما أنّ الشيطان يجعل من التباعد سبباً للنفور والقطيعة والخلاف.
واللقاء لا يتمّ من غير حوار عادة، فهما متلازمان من ناحية اللقاء، وقد رأينا بركات كثيرة في اللقاءات الأخيرة المعاصرة التي تمت في إيران بعد قيام نظام الجمهورية الإسلامية... بين المذاهب الإسلامية فقد كانت هذه اللقاءات مصدر خير كثير في حياة هذه الأمة، تعارف خلالها بعضهم على بعض، وتحاببوا، ووجدوا فرصاً واسعة للتفاهم والتعاون، لم يكونوا يعرفوها من قبل... في هذه اللقاءات إرتفع كثير من اللبس والغموض الذي كان ينظر من خلاله بعضهم إلى بعض من قبل، واكتشفوا مساحات مشتركة واسعة جداً في الفكر والثقافة والمعرفة، كانوا يعدونها من قبل مما ينفرد بها بعضهم عن بعض.
(الجماعة) و(الجمعة)
إنّ اجتماع المؤمنين واللقاء بينهم أمر يحبّه الله تعالى، وما يحبّه الله يجعل فيه البركة والخير، ويجعله من منازل رحمته.
وهذا اللقاء، وما يستتبعه من الحوار يدخل في صلب التشريع.. فقد شرَّع الله في هذا الدين للمسلمين (الجماعة) و(الجمعة) و(الحج)..
ويدخل في (الجمعة) صلاة العيدين الفطر والأضحى.
وهذه الثلاثة (الجماعة، والجمعة، والحج) تجمعات إسلامية ثلاثة تجمع المسلمين من مختلف الأقاليم والقوميات والمذاهب والاتجاهات والاجتهادات.. ولاشكّ أنّ الحالة العبادية والذكر في الصلاة والحج جزء لا يتجزأ من هذه الثلاثة... إلاّ أن حالة اللقاء والاجتماع أمر مقصود في هذه التشريعات الثلاثة من دون شك.
ورغم أن الإنسان يُقبل على صلاته في الخلوات أكثر من الإقبال عليها في الاجتماعات... مع ذلك كله يفضّل الإسلام إقامة الفرائض اليومية جماعة على الصلاة بالانفراد، وذلك نظراً لأهمية التقاء المؤمنين وتواجدهم في ساحة واحدة.
وقد بلغ من اهتمام الإسلام بالجماعة أنّ رسول الله (ص) هدد أقواماً كانوا مقاطعين لصلاة الجماعة في المدينة بأن يحرق بيوتهم، كما في الرواية.
روى الشيخ الطوسي في التهذيب عن الصادق (ع) : أنّ أناساً كانوا على عهد رسول الله (ص) ابطئوا عن الصلاة في المسجد، فقال رسول الله (ص) : «ليوشك قوم يدعون للصلاة (يَدَعون الصلاة ظ) في المسجد أن نأمر بحطب فيوضع على أبوابهم فتوقد عليهم النار فنحرق عليهم بيوتهم»(45).
وكذلك الاهتمام بأمر (الجمعة) في الإسلام وتحشيد المؤمنين من كل منطقة في جامع عام لإقامة الجمعة، وقد روي عن الإمام الباقر (ع) : «صلاة الجمعة فريضة، والاجتماع إليها فريضة مع الإمام، فإنّ ترك رجل من غير علة ثلاث جمع فقد ترك ثلاث فرائض، ولا يدع ثلاث فرائض، من غير علة إلاّ منافق»(46).
واجتماع الحج هو الاجتماع الأوسع للأمة كلها، تجتمع في موعد واحد ومكان واحد، لإقامة هذه الفريضة، وهو أوسع اجتماع يعرفه الناس على وجه الأرض.. يقيمه المسلمون في كل عام تلبية لأذان أبيهم أبي الأنبياء إبراهيم (ع) {وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالاً وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ}(47).
الجماعة والجمعة تجمعان كل الشرائح والمذاهب
وقد حرص الإسلام أن يحضر المسلون بكل مذاهبهم واتجاهاتهم هذه الاجتماعات الثلاثة لأداء الفريضة اليومية وصلاة الجمعة وفريضة الحج مجتمعين.
وكان أئمة أهل البيت (ع) يؤكدون لشيعتهم حضور الجماعات والجمعات لأهل السنة.
عن الإمام الصادق (ع) : «من صلّى خلفهم كان كمن صلّى خلف رسول الله (ص) ».
وفي حديث آخر عنه (ع) : «إذا صليت معهم غُفِرَ بعدد من خالفك في قراء البسملة وحضر الصلاة في المسجد».
وذلك أنّ الأحناف من أهل السنّة يلغون البسملة في القراءة، على خلاف مذهب أهل البيت (ع) في اعتبار البسملة جزءاً من كل سورة، إلاّ سورة التوبة.
ويشكو أحد الرواة إلى الإمام الصادق (ع) حاله في حضور صلوات جماعة أهل السنّة يقول: إنّ لنا إماماً مخالفاً، وهو يبغض أصحابنا كلهم، فقال (ع) : «ما عليك من قوله، والله لئن كنت صادقاً لأنت أحق بالمسجد منه، فكن أنت أول داخل وآخر خارج، وأحسن خلقك مع الناس، وقل خيراً».
ويقول الإمام الصادق لإسحاق بن عمار: «يا إسحاق أتصلي معهم في المسجد؟ قال: قلت نعم، قال: صلّ معهم فإنّ المصلي معهم في الصف الأول كالشاهر سيفه في سبيل الله».
* * *
إنّ من الضروري تعبئة الجماعات والجمعات بحضور الشرائح الإسلامية المختلفة من كل المذاهب والطوائف الإسلامية، وكسر الحواجز الطائفية والمذهبية فيهما.
ومن الضروري أن يكون خطاب أئمة الجمعات والجماعات، خطاباً تقريبياً، وحدوياً، توحيدياً، يكسب كل الفرق والطوائف الإسلامية، ولا يفرّقهم ولايُنَفِّرُهم.
ومن الضروري تعبئة الحج بالحوار الهادف الموجّه بين المسلمين في شؤونهم السياسية والثقافية والاقتصادية.
مساحات اللقاء والحوار
أهم مساحات اللقاء والحوار، هي المساحة الثقافية، والمعرفية، والمساحة السياسية، والمساحة الاقتصادية، والاختلاط العائلي بالتزاوج والمصاهرة.
المساحة الثقافية والمعرفيّة
اللقاء، والحوار الموجّه في شؤون الثقافة والمعرفة، يؤدي إلى تقريب وجهات النظر من المذاهب الإسلامية في شؤون المعرفة والعلم، كالفقه واُصول الفقه والكلام والتفسير.
ويؤدي إلى اكتشاف مساحات مشتركة بين المذاهب الإسلامية في مختلف أبواب المعرفة، ويتبين لهم أنّ الخلاف في ما بين المذاهب الإسلامية في هذه المسائل لم يكن إلاّ خلافاً لفظياً، وهم متفقون على جوهر هذه المسائل.
كما يؤدي إلى التكامل والتلاقح العملي لدى الجميع.
وقد كانت هذه الطريقة مألوفة لدى العلماء، وطلبة العلوم من المذاهب الإسلامية المختلفة، في التردد على المدارس، والحوزات العلمية المختلفة لتلقي العلم، رغم اختلاف المذاهب.. وكان لهذا الترافد العلمي والثقافي أثر كبير في إثراء المعرفة والثقافة الإسلامية، وتكامل العلوم والمعارف لدى المسلمين.
المساحة السياسية
المساحة السياسية مساحة واسعة... وهذه المساحة اليوم أصبحت مساحة لهواة السياسة، والإنتهازيين، واللاعبين الدوليين في السياسة، وأنّ للسياسة لاعبين، يلعبون في هذه المساحة كما يلعب اللاعبون من هواة الشعبذة والمسرح.. ويقيسون العمل السياسي ويفهمونه ويقيّمونه بنفس المقاييس التي يفهم فيها الناس العاب التمثيل السينمائي.. يكذبون ويُكَذّبون حتى يصدقهم الناس، ويستخدمون بيوت أموال المسلمين بسخاء لكسب آراء الناس، ويبطلون الحقائق، ويحققون الزيف والكذب والباطل، بأدوات الكذب والتضليل والتغرير.
وللأسف أنّ المساحة السياسية في العالم اليوم تحكمها هذه العصابات، إلاّ ما ندر وشذّ، ولا نطيل في هذا الحديث، وسوف يطول موقفنا بين يدي الله تعالى يوم السؤال الأكبر والمحاسبة الكبرى {وَقِفُوهُمْ إِنَّهُم مَّسْئُولُونَ}(48) تجاه هذه القضية.
فقد عرف الناس الظالمين، وسكتوا عنهم، وجاوروهم وتعاونهم معهم، ولم يحرّكوا ساكناً، ولم يزعجوهم بموقف أو كلمة، وتركوهم يمرحون ويلعبون بمصالح هذه الأمة وقضاياها الكبرى، وينهبون ثرواتها، ويمكّنون أنظمة الاستكبار العالمي من بلاد المسلمين، إلاّ القليل النادر، الذين نهضوا بواجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وجابهوهم بكلمة الحق، وكسروا كبريائهم وأذلوا غرورهم.. وهؤلاء قلة في هذه الأمة، ولكنّها قلة مباركة.
والسبيل الوحيد إلى طرد هذه العصابات السياسية الانتهازيّة من الساحة الإسلامية السياسية هو حضور جمهور المسلمين في هذه الساحة، حضوراً مُوحّداً بالإيمان والوعي والعطاء.
إنّ حضور الجمهور في الساحة يغيّب هذه العصابات، ويسلب منهم الأضواء التي يتألّقون بها، وتكشفهم وتعرّيهم.
وهذا الحضور عبادة، بمستوي الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، لأنّه يطرد حملة المنكر من الساحة، ويفتح المجال للمعروف والعاملين به.
وهذا الحضور عبادة، كما أنّ الصلاة والصيام عبادة، وهو من مصاديق الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
شريطة أن يكون هذا الحضور عن وعي وبصيرة، وليس حضوراً غوغائياً انفعالياً، وبشرط أن يحمل هذا الحضور خصلة المقاومة والعطاء، وليس حضوراً واهياً ضعيفاً انفعاليّاً، تفرّقه طلقات من الرصاص والغازات المسيلة للدموع.
وبشرط أن يكون هذا الحضور حضوراً وحدوياً، تتجسّد فيه وحدة الصف.
ويتم الحوار فيه على أساس مصلحة الإسلام الكبرى، ويتعامل الجمهور في هذه الساحة من منطلق (الأمة الواحدة)، ويتفقون فيها على موقف واحد ورأى واحد.
إنّ مثل هذا الحضور واللقاء والحوار عندما يعمّ الساحة الإسلامية، وينتشر في العواصم والحواضر والمراكز الإسلامية، يكون له دور كبير في توجيه قضايانا السياسية... ولست أريد أن أشُطَّ في الخيال وأقول: إنّ حضور الناس في المساحة سوف يؤدي إلى تغيير شامل لأوضاعنا السياسية الفاسدة في العالم الإسلامي، ولكنني أقول إنّ هذا الحضور الواحد الشامل سوف يُعدّل كثيراً من قرارات الأنظمة السياسية الكبرى، مثل قرار (التطبيع)، وتبادل السلام بالأرض في فلسطين، والموقف من الإحتلال الأمريكي للعراق وأفغانستان والموقف من المسألة النووية الإيرانية، والموقف السلبي الذي اتخذته الأنظمة العربية من (حماس) في خلافها مع (منظمة التحرير الفلسطينية)، تبعاً للموقف الأميركي ـ الأوربي ـ الإسرائيلي، والموقف من التأييد الأمريكي لإسرائيل والرفض الأمريكي للمقاومة الإسلامية في لبنان وفلسطين (حزب الله وحماس والجهاد)، وضرورة التفكيك بين (المقاومة) و(الإرهاب)، واحترام الأول وتبنّيه، ونبذ الثاني ورفضه...
إنّ مثل هذا اللقاء والحوار في الساحة الإسلامية العريضة من أهم ضرورات المرحلة، شريطة أن نحصّن هذا اللقاء والحوار من نفوذ الأنظمة واختراقاتها، فإنّ الأنظمة الحاكمة في العالم الإسلامي، تملك من وسائل إختراق الساحة ما يهدّد وحدة الساحة ووعيها، ويؤدي إلى تفريقها وتضليلها، وقد شاهدنا في حياتنا السياسية المعاصرة نماذج كثيرة من هذا الاختراق والتضليل والتجهيل والتفريق.
شروط اللقاء والحوار
ولكي يكون هذا اللقاء والحوار نافعين يجب أن يتوفر فيهما الشروط التالية:
1 ـ تقديم مصلحة الإسلام العليا..
فقد تتدافع الأطراف الإسلامية فيما بينها، ولا يصلون إلى قناعة مشتركة، عند ذلك يجب عليهم أن يقدّموا المصلحة الإسلامية العليا على كل مصلحة.. وقد كان أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع) قدوة لكل المسلمين في ذلك.. يقول (ع) فيما جرى عليه من بعد رسول الله (ص) في تقديم الآخرين عليه في أمر الولاية والخلافة، وتنحيته عن حقّه في هذا الأمر: «فوالله ما كان يلقى في روعي، ولا يخطر ببالي أن العرب تُزعج هذا الأمر من بعده (ص) عن أهل بيته، ولا أنهم مُنَحُّوهُ عني من بعده، فما راعني إلاّ انثيال الناس على فلان يبايعونه، فأمسكت يدي (عن البيعة)، حتى رأيت راجعة الناس قد رجعت عن الإسلام، يَدْعُون إلى محق دين محمد (ص) ، فخشيت إنْ لم أنصر الإسلام وأهله، أن أرى فيه ثلماً أو هدماً، تكون المصيبة بها عليّ أعظم من فوت ولايتكم»(49).
2 ـ حسن الظن في التعامل والحوار
إنّ سوء الظن إذا استولى على الناس في علاقة بعضهم ببعض أفسد اللقاء، وكانت نتائج اللقاء سلبية.. وإنّ سوء الظن آفة كل لقاء وحوار وعمل مشترك... وقد نهانا الله تعالى عن سوء الظن في دائرة العلاقات التي تربط المسلمين بعضهم ببعض: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ}(50).
إنّ تعاطي سوء الظن في العلاقة يفسد العلاقة ويلغيها.
3 ـ العقلائية في اللقاء والحوار:
عندما نكون في منعطف تاريخي حساس، كالمنعطف الذي تعيشه الأُمّة الإسلامية اليوم.
وعندما تكون الأمة الإسلامية ناهضة، وتخوض صراعاً مريراً في مواجهة الأنظمة المرتبطة بعجلة الاستكبار العالمي وأنظمة الاستكبار العالمي التي تقف خلف هذه الأنظمة.
وعندما تُحشّد أنظمة الاستكبار العالمي كل إمكاناتها لمواجهة التيار الإسلامي العظيم، الذي يعمّ كل العالم الإسلامي، وكان الموقف بيننا وبين الاستكبار العالمي موقفاً تاريخياً مصيرياً فاصلاً...
أقول عند ذلك فإنّ من أفدح الأخطاء في ظروف صعبة وعسيرة مثل هذه الظروف، أن تغلب العاطفة والانفعال والشعار على مواقفنا السياسية، ولقاءاتنا، وخطابنا لجماهيرنا، وحواراتنا المتبادلة داخل البيت الإسلامي الكبير.
إنّ لغة العاطفة والانفعال والشعار، كما هو نافع في إثارة الهمم وإنهاض الجمهور، يُمكنُ أن يتحول في بعض الحالات إلى ألغام سريعة الانفجار تُحَوّل الساحة إلى ساحات للسجال والجدال العقيم الضار.
ونتمنى، لو أنّ طرفاً أو جهة أو شخصاً أراد أن يستخدم هذه اللغة في إثارة التشنج في صفوف المسلمين، ويعكر صفو العلاقات الإسلامية داخل الصف الإسلامي... من أيّ مذهب، وأيّة طائفة، نتمنى أن يواجهه الآخرون بالعقلانية الإسلامية، والدعوة إلى ما يأمرنا الله تعالى به من الاعتصام بحبل الله {وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ} والنهي عن التفرقة {وَلاَ تَفَرَّقُواْ}.
4 ـ الوعي السياسي
إنّ الحالة السياسية والإعلامية في العالم، والعلاقات السياسية والاقتصادية بين أنظمة الاستكبار العالمي، والأنظمة التابعة لها في العالم الإسلامي، والعلاقة بين السياسة والإعلام... حالات معقدة شديدة التعقيد، ويدخل في تكوينها عوامل غير مرئية كثيرة، وما يظهر على السطح من التصريحات والعلاقات لا يعبّر عن كل شيء...
أذكر في المصالحة التي تمت بين نظام عربي وإسرائيل بالوساطة الأمريكية... فتصافح زعيمان من الطرفين أمام أضواء الكاميرات في حضور الرئيس الأمريكي فاجأ الرئيس الأمريكي المسؤول العربي بالسؤال التالي:
منذ كم كانت لكم علاقة وارتباط ولقاءات مع المسؤولين في إسرائيل؟
فقال المسؤول العربي الكبير مأخوذاً بهذه المفاجأة ممتعضاً من هذا الإحراج: منذ عشرين عاماً.
إنّ هذا السؤال والجواب يكشف عن الاحتقار الأمريكي لجملة من زعماء الأنظمة العربية الذين تحميهم أمريكا نفسها، ويحمون مصالحها، كما تكشف عن عمق الفساد السياسي في طائفة من الأنظمة العربية.
منذ عشرين عاماً يتعامل مع إسرائيل، ويتعاطى معها، ويلتقي بقادتها في لندن وواشنطن.. ولا يعرف الناس على سطح الإعلام السياسي عنه إلاّ لغة الشجب والتهديد لإسرائيل..!!
إنّ هذه الأنظمة السياسية، بين الواقع والتصريحات التي يقدمونها للإعلام، تشبه الكتل الثلجية العائمة على مياه البحار، تسعة أعشار منها غاطسة في الماء لا تُرى، وعُشْرٌ منها فقط تظهر على سطح الماء...
إنّ هذه الأنظمة بين واقعها الغاطس في مستنقع العلاقة بأنظمة الاستكبار العالمي، والشطر الظاهر المسموع والمرئي منها في الإعلام، تشبه هذه الكتل الثلجية.. ومن أفدح الخطأ أن نتعامل مع هذه الأنظمة من خلال الإعلام المرئي والمسموع، ومن خلال الخطب والتصريحات السياسية التي يطلقوها بين حين وآخر.
إنّ لقاءاتنا السياسية، وخطابنا السياسي، يجب أن يمتلك خلفية غنية من الوعي السياسي، والإحاطة بالظروف السياسية المعقدة، والمعرفة بالخلفيات السياسية التي تقع خلف المواقف والقرارات والتصريحات السياسية.
ومن دون هذا الوعي السياسي سوف يقع جمهورنا وساحتنا في تخبّط سياسي واسع... ونحن قد تحدثنا عن ضرورة الوعي السياسي وأهميته الكبيرة في هذه المرحلة... وعلى علماء المسلمين، وخطبائهم، ومثقفيهم، والحركات الإسلامية، إشاعة الوعي السياسي ونشره، في الأوساط الإسلامية الشعبية.
5 ـ الحوار بالتي هي أحسن
قد ينقلب الحوار إلى جدال عقيم، بل ينقلب إلى عائق يعيق حركة الأمة، وحجاب يحجب المسلمين بعضهم عن بعض، وقد يكون الحوار جسراً للتفاهم والتعاون والتلاقي في المساحات المشتركة السياسية والثقافية والاقتصادية لهذه الأمة، وذلك عندما يكون الحوار بالأسلوب الذي علّمنا الله تعالى بـ (التي هي أحسن، وأقوم للعلاقة الحسنة والتفاهم بين المسلمين)، يقول تعالى: {وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ}(51).
ويقول تعالى: {وَقُل لِّعِبَادِي يَقُولُواْ الَّتِي هِيَ أحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنزَغُ بَيْنَهُمْ}(52).
ولا سبيل لدفع (نزغ الشيطان) في العلاقة بين أطراف هذه الأمة إلاّ أن يخاطب بعضنا بعضاً بأحسن ما نستطيع عليه من القول.
6 ـ تحصين اللقاء والحوار:
إنّ علينا أن نحصّن هذه اللقاءات والحوارات الإسلامية من نفوذ الأنظمة التي تقع تحت سلطان أنظمة الاستكبار العالمي واختراقها، فإنّ هذه الأنظمة تملك من وسائل الإعلام والاستخبار ما يمكّنها من اختراق هذه اللقاءات والحوارات، وإحباطها وإفسادها... ولكي نتمكن من تفعيل هذه اللقاءات واستثمارها يجب علينا أن نحصّن هذه اللقاءات من نفوذ هذه الأنظمة واختراقاتها.
أحاديث أهل البيت (ع) في ضرورة اللقاء والحوار
كان أهل البيت (ع) يوجهون شيعتهم واتباعهم دائماً إلى اللقاء والاجتماع بأهل السنة، والحضور معهم في جوامعهم، واجتماعاتهم، ومجالسهم، وندواتهم، وينهونهم عن الابتعاد عنهم، ويؤكدون لهم بضرورة التواجد في الساحة الإسلامية العامة، وحضور الجمعات والجماعات، وتوحيد المواقف في الحج، ولم يردنا ـ ولا حديث واحد ـ عن انفراد أئمة أهل البيت (ع) في موقف من مواقف الحج عن الموقف العام الذي كان يحدده الحكام في تلك البرهة، لعامة المسلمين.
وقد تصدى بعض المنحرفين عن أهل البيت (ع) للدسّ في أحاديثهم (ع) لعزلهم وعزل شيعتهم عن الوسط الإسلامي الكبير.. وكانت هذه الأحاديث على أنحاء، منها أحاديث الغلوّ، ومنها أحاديث التحريف، ومنها أحاديث فيها تخليط في الفقه، ومنها أحاديث فيها انتقاص وتسقيط لأهل البيت (ع) ، ومنها أحاديث في الطعن واللعن على خصومهم.
وكانوا يعملون لإشاعة هذه الأحاديث عنهم (ع) ، وقد روي عن الإمام الصادق (ع) في هذا المعنى: «إنا أهل بيت صادقون، لا نخلو من كذّاب يكذب علينا، فيسقط صدق كلامنا بكذبه»(53).
وعنه (ع) أيضاً: «إنّ المغيرة بن سعيد دسّ في كتب أصحاب أبي أحاديث لم يحدّث بها أبي، فاتقوا الله، ولا تقبلوا علينا ما خالف قول ربّنا وسنّة نبيّنا»(54).
وروي عن يونس عن أبي الحسن الرضا (ع) ، قال: «إنّ أبا الخطاب كذّب على علي بن أبي طالب (ع) ، لعن الله أبا الخطاب، وكذلك أصحاب أبي الخطاب، يدسّون من هذه الأحاديث إلى يومنا هذا في كتب أصحاب أبي عبد الله (ع) فلا تقبلوا علينا خلاف القرآن»(55).
وعن أبي الحسن الرضا (ع) في حديث إلى ابن أبي محمود: «يابن أبي محمود، إنّ مخالفينا وضعوا أخباراً في فضائلنا، جعلوها على ثلاثة أقسام: أحدها الغلوّ، وثانيها التقصير في أمرنا، وثالثها التصريح بمثالب أعدائنا، فإذا سمع الناس الغلوّ فينا كفّروا شيعتنا، ونسبوهم إلى القول بربوبيتنا، وإذا سمعوا التقصير اعتقدوه فينا، وإذا سمعوا مثالب أعدائنا بأسمائهم ثلبونا بأسمائنا»(56).
وقد كان أئمة أهل البيت (ع) يعملون لكسر هذا الطوق عنهم وعن شيعتهم بتكذيب هذه الأحاديث، وفضح الوضّاعين الذين كانوا يضعون عليهم من الحديث ما لم يتحدثوا به والتأكيد على رفض كل حديث يروى عنهم يخالف القرآن.
فكانوا يقولون: «فاتقوا الله ولا تقبلوا علينا ما خالف قول ربّنا وسنّة نبينا»، «فلا تقبلوا علينا خلاف القرآن»(57).
وكانوا يطلبون من فقهاء شيعتهم، ورواة أحاديثهم، أن يتحرّوا الأحاديث الصادقة المروية عنهم (ع) ويحذروا ما وضعه النواصب، والمنحرفون عنهم، عليهم من الأحاديث المنتحلة، وكانوا يضعون لهم الأصول والقواعد العلاجية لمعرفة الأحاديث الصادقة من الأحاديث المتعارضة، والأحاديث الضعيفة، وكانوا يَدْعُون شيعتهم للتعايش مع سائر الطوائف الإسلامية، والانفتاح عليهم، والتعاطي العلمي والثقافي معهم وحضور اجتماعاتهم وصلواتهم.
وكانوا لا يرضون لشيعتهم أن يعتزلوا الوسط الإسلامي العام، فهم جزء من هذه الأمة الكبيرة، واختلافهم عن أهل السنة في بعض الفروع والأصول، ومقاطعتهم للحكام الظلمة الذين كانوا يحكمون المسلمين في العصر الأموي والعباسي لم يكن يحمل معنى الاعتزال عن الساحة والانقطاع عنها.
وقد كان أئمة أهل البيت (ع) يعيشون معهم وفي أوساطهم، ويجتمع إليهم المسلمون من كافة المذاهب والاتجاهات، ويحضرون مجالسهم، ويأخذون منهم العلم، ولو أحصينا أهل العلم الذين أخذوا العلم عن الإمامين الباقر والصادق (ص) ، لوجدناهم اُمة كبيرة من أهل العلم، وكانت مجالسهم ومحاضرهم عامرة بفقهاء المسلمين، وحملة الحديث النبوي، وأهل العلم من كل اتجاه ومن كل بلد... وهذه الحالة يعرفها جيداً من يعرف حديث أئمة أهل البيت (ع) وسيرتهم، وهي تعبّر عن حالة الانفتاح والتعايش المذهبي الإيجابي السليم لكل الاتجاهات والمذاهب الإسلامية. في الوقت الذي كان أهل البيت (ع) يرسمون ويوضحون لشيعتهم وللمسلمين عامة الخط الفكري الصحيح في الاُصول والفروع بوضوح وصراحة وبشكل دقيق.
وفي أحاديث أهل البيت (ع) دعوة واضحة وصريحة إلى هذا الانفتاح مع المسلمين والتعايش الإيجابي، والتواصل، والتعاطف، والتعاون معهم، وإليك نماذج من أحاديث أهل البيت (ع) في هذا الشأن:
روى محمد بن يعقوب الكليني بسند صحيح في الكافي عن أبي اُسامة زيد الشحّام قال: قال أبو عبد الله (ع) : «أقرأ على من ترى أنه يطيعني منهم، ويأخذ بقولي السلام، أوصيكم بتقوى الله عزّ وجلّ والورع في دينكم والاجتهاد لله وصدق الحديث وأداء الأمانة وطول السجود، وحسن الجوار، فبهذا جاء محمد( (ص) ). وأدوا الأمانة إلى من ائتمنكم عليها برّاً أو فاجراً، وأنّ رسول الله( (ص) ) كان يأمر بأداء الخيط والمخيط.
صِلُوا عشائركم واشهدوا جنائزهم وعودوا مرضاهم، وأدّوا حقوقهم، فإنّ الرجل منكم إذا ورع في دينه، وصدق الحديث وأدّى الأمانة، وحسن خلقه مع الناس قيل: هذا جعفري، فَيسُرّني ذلك ويدخل عليّ منه السرور، وقيل هذا أدب جعفر، وإذا كان على غير ذلك دخل عليّ بلاؤه وعاره، وقيل هذا أدب جعفر، والله لحدثني أبي (ع) إنّ الرجل كان يكون في القبيلة من شيعة عليّ فيكون زينها، أدّاهم للأمانة، وأقضاهم للحقوق، وأصدقهم للحديث، واليه وصاياهم وودائعهم، تسأل العشيرة عنه فتقول: من مثل فلان أنّه أدّانا للأمانة، وأصدقنا للحديث»(58).
وأيضاً بسند صحيح عن معاوية بن وهب قال: قلت لأبي عبد الله الصادق (ع) : كيف ينبغي لنا أن نصنع فيما بيننا وبين قومنا، وفيما بيننا وبين خلطائنا من الناس؟ قال: فقال (ع) «تؤدون الأمانة إليهم وتقيمون الشهادة لهم وعليهم، وتعودون مرضاهم، وتشهدون جنائزهم»(59).
وأيضاً بسند صحيح عن معاوية بن وهب قال: قلت له (الصادق (ع) ): كيف ينبغي أن نصنع فيما بيننا وبين قومنا وبين خلطائنا من الناس ومن ليسوا على أمرنا فقال: «تنظرون إلى أئمتكم الذين تقتدون بهم فتصنعون ما يصنعون فوالله إنهم ليعودون مرضاهم، ويشهدون جنائزهم، ويقيمون الشهادة لهم وعليهم ويؤدون الأمانة لهم»(60).
وفي رواية اُخرى للكليني في الكافي بسند صحيح عن حبيب الحنفي قال: سمعت أبا عبد الله الصادق (ع) يقول: «عليكم بالورع والاجتهاد، وأشهدوا الجنائز، وعودوا المرضى، وأحضروا مع قومكم مساجدهم، وأحبّوا للناس ما تحبون لأنفسكم، أما يستحي الرجل منكم أن يعرف جاره حقه ولا يعرف حقّ جاره»(61).
وبسند صحيح عن مرازم قال: قال أبو عبد الله الصادق (ع) : «عليكم بالصلاة في المساجد، وحسن الجوار للناس، وإقامة الشهادة، وحضور الجنائز، إنه لابدّ لكم من الناس، أنّ أحداً لا يستغني عن الناس في حياته، والناس لابدّ لبعضهم من بعض»(62).
ثالثاً ـ الأعمال والمشاريع المشتركة
قرأنا فيما سبق أنّ النقاط الثلاثة التالية من أفضل المناهج لمكافحة الفتنة الطائفية.. وهذه الثلاثة هي:
1 ـ الوعي والخطاب.
2 ـ اللقاء والحوار.
3 ـ العمل المشترك.
وقد تحدثنا فيما مضى عن النقطة الأولى والثانية، وها نحن نتحدث إن شاء الله عن النقطة الثالثة، وهي العمل المشترك، سواءً كان العمل في المجال العملي والثقافي أم في مساحة العمل السياسي، أم في المساحة الاقتصادية.
والتجارب العديدة التي مارسها المسلمون في الآونة الأخيرة في المشاريع الاقتصادية والفقهية تؤكّد هذا المعنى.
ونظراً للتحديات العظيمة التي يواجهها المسلمون اليوم لابدّ من مواجهة هذه التحديات بالمشاريع الإسلامية السياسية، والاقتصادية، والثقافية، التي يشترك فيها عامّة المسلمين من كل المذاهب والشرائح الإسلامية، فلم تعد الأعمال الفردية، والتي تقوم بها طائفة من المسلمين كافية لمقابلة هذه التحديات، فإنّ التحديات التي تواجهنا في ساحتنا أكبر من أن نقابلها بمثل هذه المشاريع.
إنّ مشاريعنا السياسية والاقتصادية والثقافية والإعلامية يجب أن تكون بحجم الأمة كلها.. عندئذ تكون يد الله مع هذه المشاريع، وعليها، إن شاء الله تعالى.
وعندئذ تكون هذه المشاريع والأعمال قادرة على مقابلة التحديات القويّة التي تواجهنا في ساحة عملنا.
جدلية الشرعية والواقع:
وسوف أتحدّث عن واحدة من هذه التحدّيات التي تواجهنا في حياتنا السياسية والثقافية، ولايتأتّى لنا مقاومتها وإحباطها إلاّ ضمن مشروع سياسي وثقافي كبير، وبتضامن إسلامي واسع على قدر سعة هذه الأمة.
أمامنا قضيتان متخالفتان ومتقاطعتان، في ساحة حياتنا ويجب علينا أن نتعامل معها بالضرورة، وليس بوسعنا التشكيك في أي منهما، وليس بوسعنا الإعراض عن أي منها أو كليهما ومقابلته باللامبالاة.
القضية الأولى: وحدة الأمة الإسلامية، وليس بوسع أحد أن يشك في هذه الحقيقة، وقد تلوت عليكم قريباً قوله تعالى: {إِنَّ هَذِهِ أمَّتُكُمْ أمَّةً وَاحِدَةً وَأنَا ربُّكُمْ فَاعْبُدُونِ}.
وقوله تعالى: {وَإِنَّ هَذِهِ أمَّتُكُمْ أمَّةً وَاحِدَةً وأنَا ربُّكُمْ فَاتَّقُونِ}.
وهذه حقيقة من حقائق الوحي.
ووحدة الأمة بوحدة ولائها وبراءتها، من غير شك ولا ترديد، وإذا تعددت الولاءات والبراءات تتعدد الأمة، ولا تبقى الأمة واحدة، كما تخبرنا بها سورة (الأنبياء) و(المؤمنون).
ولا يمكن فصل القيادة السياسية والنظام والقرار السياسي عن مسألة الولاء.
كما لايمكن فصل التقاطعات والصراعات السياسية والعسكرية بين الأنظمة عن مسألة البراءة...
أقول إنّ وحدة الأمة بوحدة ولائها وبراءتها، فإنّ الولاء للقيادة السياسية الصالحة للأمة تأتي في امتداد الولاية لله ولرسوله ولأولي الأمر.. يقول تعالى: {أطِيعُواْ اللّهَ وأطِيعُواْ الرَّسُولَ واُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ}(63).
ووجود ولائين أو أكثر من ذلك ـ في عرض بعض ـ ينافي وحدة الأمة... فضلاً عما إذا كانت هذه الولاءات متعارضة فيما بينها، كما هو حاصل عادة في الأنظمة السياسية المتعددة الواقعة على خطوط سياسية متعددة.
أما الولاءات السياسية الطولية (التي يقع بعضها في امتداد بعض) فلا تنافي وحدة الأمة مهما تعددت وكثرت.
إذن لهذه الأمة، طبقاً لهاتين الآيتين الكريمتين من سورتي الأنبياء والمؤمنون قيادة واحدة صالحة.. وهذه هي الحالة الشرعية التي نطلبها في نظام الحكم والقيادة السياسية للعالم الإسلامي.
هذه هي القضية الأولى: (الشرعية).
القضية الثانية: قيام أنظمة متعددة من الحكم في طول العالم الإسلامي وعرضها...
وهذه الأنظمة ـ في الأغلب ـ لا تمثّل الحالة الشرعية لأنها غير صالحة، وغير مؤتمنة على دين الناس ودنياهم، وغير منتخبة من قبل الناس، وإنما تُفرض على الناس بآليات عسكرية، أو عبر وسائل أنظمة الاستكبار العالمي... وهذه الأنظمة تفرض طاعتها والالتزام بقراراتها على الناس بالنار والحديد والعنف.. والتغرير والتجهيل الإعلامي.
ولابدّ للناس من الالتزام بقرارات هذه الأنظمة: وهذا هو (الأمر الواقع) اللاشرعي.
وبين هذا (الأمر الواقع) و(الشرعية) تقاطع شديد ولكل منهما ثقافة، وسياسة، وقوانين، وأنظمة، وآليات، وقوة للتنفيذ.
هذه هي الجدلية القائمة بين (الشرعية) و(الأمر الواقع).
ما هو تكليف المسلم تجاه هاتين القضيتين (الشرعية المحظورة) و(الواقع المفروض).
(فلا يجوز) الاستسلام للأمر الواقع المفروض، وإلغاء الحالة الشرعية، و(لايمكن) تجاوز الأمر الواقع المفروض بالقوة من قبل الأنظمة..
هذه هي الجدلية بين (ما لا يجوز) و(ما لا يمكن) وهي جدلية قديمة في التاريخ الإسلامي.
فما هو موقف (الفقه الإسلامي) تجاه هذه الجدلية الصعبة.
منهج أهل البيت (ع) الفقهي
إنّ منهج أهل البيت (ع) الفقهي تجاه هذه الجدلية في الفترة الطويلة التي عاشوها في العصر الأموي والعباسي، تتلخص في ثلاث نقاط:
1 ـ النهي عن إسناد هذه الأنظمة ودعمها، وتحريم (التعاون مع الظلمة)، فلايجوز للمسلم أن يقوم بأيّ عمل فيه إسناد ودعم لهذه الأنظمة غير الصالحة بأي شكل، ولو كان ذلك بإعداد ليقة دواة للحاكم الظالم.. وقد وردت روايات كثيرة عن أهل البيت (ع) في هذا المعنى(64).
2 ـ الأمر بمعايشة الواقع السياسي الاجتماعي لأنّ الانفصال عنه بمعنى الخروج من ساحة الحياة والانتحار السياسي والاقتصادي.
ولا مناص للمسلمين من أن ينتظم أمر معاشهم ومعادهم ضمن هذا الواقع، ولامناص لهم من أن يعايشوا هذا الواقع، لتستقيم لهم أمور معاشهم ودينهم.. حتى لو يتطلب الأمر أن ينضمَّ المؤمنون إلى مواقع المسؤولية من هذه الأنظمة الفاسدة، ولكن لا لغاية إنعاشها ودعمها، وإنما لغاية تحقيق الضمان لمعيشة المؤمنين وخدمة الناس في معايشهم ومكاسبهم(65).
فلا يستغني الناس عن المدارس والجامعات، وجهاز الشرطة، والمستشفيات، والمؤسسات الخدمية وغيرها، وكل هذه المؤسسات مؤسسات قائمة ضمن هذه الأنظمة الفاسدة... لاحيلة للناس عنها، فيجوز الدخول في هذه المؤسسات لخدمة الناس، ويجوز الاستفادة من هذه المؤسسات، ومن دون ذلك تتعطل حياة الناس، والله تعالى لا يريد تعطيل حياة الناس.
وبين الأمر الأول (المحظور)، والأمر الثاني (السائغ) فرق واضح.
3 ـ العمل على تحويل هذا الواقع الفاسد إلى نظام صالح، وقيادة صالحة وقوانين وتشريعات صالحة.
وهذه النقطة الأخيرة تختلف من مجتمع إلى مجمع، فقد يتم ذلك عن طريق ثورة مسلحة، وقد يكون ذلك عن طريق الترحيل الثقافي والتبليغي للناس، وقد يكون بالوسائل الديمقراطية الحديثة، التي تمكّن الأكثرية الصالحة من الوصول إلى مواقع الحكم وتغيير الحكم إلى نظام صالح، وقيادة صالحة، بصورة سليمة، أو غير ذلك من الوسائل والآليات(66).
وهذه ثلاثة مشاريع عمل إسلامية سياسية، تتطلب مشاركة عامة من المسلمين، من كل المذاهب والفرق والشعوب الإسلامية التي تعاني من سلطة الحكومات الظالمة:
1 ـ مقاطعة الأنظمة الفاسدة وتحريم دعمها وإسنادها، ووجوب عزل هذه الأنظمة عن الأمة والتشهير بها وتسقيطها.
2 ـ المشاركة الإيجابية في كل مسالك الحياة السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية، والنفوذ إلى مواقع مختلفة من الحكم بهذه الذهنية، ولهذه الغاية.
3 ـ مشاريع أسلمة الأنظمة، وإقامة الدولة الإسلامية، على أسس شرعية، وترحيل الحالة السياسية إلى قيام حكومة عالمية إسلامية صالحة، كما وعدنا الله تعالى في كتابه.. وهذا المشروع يختلف من بلد إلى بلد، ومن حالة سياسية إلى حالة أخرى، ولا يخضع لوصفة سياسية أو حركية واحدة.
المشروع السياسي الإسلامي
الأنظمة في العالم الإسلامي ـ في الغالب ـ غير صالحة، ولا يمكن الاعتماد عليها في تقرير الموقف الإسلامي من القضايا السياسية الكبرى في العالم الإسلامي.. ومن الواضح أنّ المواقف الرسمية للأنظمة تجاه القضايا الكبرى تبقى خاضعة لتأثير الدول الكبرى، وليس بوسع هذه الأنظمة أن تتجاوز الخطوط الحمراء التي ترسمها دول الاستكبار العالمي...
نعم، هناك مساحات صفراء يتحرك عليها هؤلاء الحكام.. وقد تكون هذه الحركة مخالفة لقرارات الدول الكبرى...
أما الخطوط الحمراء، فليس بوسع هذه الأنظمة تجاوزها، مهما كان الثمن الذي تدفعها هذه الأنظمة.. مثل النفط، فليس بوسع هذه الأنظمة أن تستخدم «النفط» في قضايا الأمة السياسية، والعكس حاصل فعلاً، فانّ الدول الكبرى، ومجلس الأمن يستخدمان العامل الاقتصادي سلاحاً قاطعاً في قراراتها السياسية، وفي عقوبة الأنظمة التي تتجاوز الخطوط الحمراء، في حين لا يجرأ حُكّامنا، أو لايملكون في أكثر مناطق العالم الإسلامي، تجاوز الخطوط الحمراء، فيما يتعلق بأنظمة الاستكبار العالمي.
ومهما يكن السبب، فإنّ الساحة الإسلامية الواسعة، لاتمتلك اليوم مقومات القرار، والموقف السياسي الراشد الإسلامي، إلاّ ما يصدر بصورة عفوية من مواقف وقرارات، يتبناه جمهور المسلمين في مختلف أقاليم العالم الإسلامي، كما رأينا ذلك في التعاطف الشديد لمواقف المقاومة الإسلامية في جنوب لبنان (حزب الله)، من جانب جماهير المسلمين في كل أقاليم العالم الإسلامي، وفي المهاجر الغربية.
ورغم أنّ الأنظمة العربية ـ في الغالب ـ كانت ممتعضة من انتصار المقاومة، وماسجلتها من انتصارات باهرة خلال 33 يوماً إلاّ أنّ تيار التضامن والتعاطف الإسلامي مع حزب الله كان أقوى من أن تعاكسها الأنظمة، وأدواتها الإعلامية المسخّرة لخدمة مواقفها السياسية... ولكن هذه الأنظمة تمكّنت أخيراً من إبراز كراهيتها لانتصار حزب الله، في الاصطفاف الواسع الذي قامت به إلى جانب فؤاد السنيورة، وجعجع، والحريري، وجنبلاط، في إفشال مشروع حكومة الوحدة الوطنية التي دعت إليها المعارضة.. وفي مقدمتها حزب الله؛ ولولا التصرف العقلائي لحزب الله في هذا الموقف المعارض لاستئثار الأقلية بالحكم في لبنان، لكانت العاقبة حرباً أهلية واسعة في لبنان، إلاّ أنّ (حزب الله) آثر ممارسة الاعتراض، بصورة سلمية، حتى عندما كانت الحكومة تقابل المعارضة بالعنف.. وكفى الله اللبنانيين القتال.
ومهما يكن من أمر فلابدّ للساحة الإسلامية الكبرى من أدوات نابعة من إرادة الأمّة، ومن عمق الساحة لتنضيج القرار السياسي الذي يهم الأمة ـ كلها ـ ولتوحيد الرأي، والموقف السياسي في القضايا الكبرى، وتعميمها على كل الساحة الإسلامية، وتحشيد الرأي العام الإسلامي لإسناده، والوقوف إلى جانبه، وتفعيله في الساحة من خلال المسيرات، والاحتجاجات، والهتافات، والإعلاميات، والآليات المشاعة التي يمتلكها الشارع، للتعبير عن موقفه، ورأيه، واعتراضه، واحتجاجه، وحبّه، وبغضه.
ومن دون وجود مشروع سياسي ـ مثل هذا المشروع ـ ينضّج الرأي السياسي الراشد الناضج الموحّد، تبقى الساحة معرّضة لأمواج الفتن السياسية، وضغوط وسائل الإعلام الرسمية التي تجعل من الحق باطلاً ومن الباطل حقاً، وتقرّب البعيد، وتبعّد القريب.
وتبقى الساحة الإسلامية تتخبط بين اختلاف الآراء والمواقف، والفتن، والضغوط الإعلامية.
ولكي تسلم الساحة الإسلامية الكبرى من هذا التخبّط، لابدّ من مشروع سياسي إسلامي كبير، خارج حوزة نفوذ هذه الأنظمة، تمارس هذه المسؤولية في تنضيج القرار، والموقف الإسلامي، وتوحيده، وتعميقه، وتفعيله في الساحة.
ولابدّ أن يمثّل هذا المشروع السياسي كل الشرائح والمذاهب والأقاليم الإسلامية تمثيلاً صادقاً حقيقياً، ليكون لرأي هذا التجمع الإسلامي، النفوذ والتأثير الفعلي على كل الساحة الإسلامية.
ويكون هذا التجمّع مركزاً لتنضيج القرار الإسلامي الراشد الذي تتبناه الساحة الإسلامية كلها، في المسائل الأمّ الكبرى في العالم الإسلامي، مثل قضية القدس والمسجد الأقصى، والقضية الفلسطينية، والاحتلال الإسرائيلي لأجزاء واسعة من أراضي الوطن الإسلامي من سوريا ومصر والأردن ولبنان؛ ومثل المشكلة الصومالية، وتدخل القوى المتعددة الجنسيات في دارفور؛ والمشروع الإيراني النووي السلمي؛ والاحتلال الأمريكي لأفغانستان والعراق؛ والموقف الأمريكي المعادي للقضية الفلسطينية، والداعم لإسرائيل؛ والموقف البريطاني، بل الاتحاد الأوروبي من دعم المرتد سلمان رشدي؛ والموقف الروسي المتعنت من الولايات الإسلامية كالشيشان، وقضية الصحراء المغربية، واضطهاد الأنظمة في العالم الإسلامي لأبناء الحركة الإسلامية، كما في الجزائر وتونس ومصر، وكما في العراق في عهد الطاغية، ومثل الصراع الفلسطيني ـ الفلسطيني بين حماس وفتح، والدعم الإسرائيلي والأوربي والأمريكي والعربي لفتح، وتضييق الحصار على غزة وحماس إقتصادياً وسياسياً، وعزل حماس عزلاً سياسياً كاملاً... وأمثال ذلك، والتخريب الواسع الذي قامت به إسرائيل للبنان، انتقاماً لانتصار حزب الله عليها في الحرب التي دارت بينها وبين حزب الله في جنوب لبنان، وسكوت الدول الغربية ـ الأوروبية والأمريكية ـ برمّتها تجاه هذا العدوان السافر على لبنان، ودعم الموقف الإسرائيلي بشكل مطلق، بكل أشكال الإسناد والدعم... وأمثال ذلك.
وقد يتساءل أحد عن الصيغة العملية لهذا المشروع السياسي... فأقول: إنني لست بصدد عرض صيغة محددة لهذا المشروع السياسي... يمكن أن يكون على هيئة مؤتمر دوري لأهل الحل والعقد من المسلمين، ويمكن أن يكون بصيغة أخرى... وأيّاً ما تكون الصيغة العملية لهذا المشروع، فهو مركز سياسي، يمثل الأمّة الإسلامية، بعرضها العريض، في تنضيج القرارات، والتوصيات السياسية، والاقتصادية، والثقافية، وغيرها، وبلورتها وتقديمها، في الأمور التي تهمّ الأمّة، ويكون هذا المركز في مقابل مراكز القرار الرسمية للأنظمة، يعبّر عن إرادة الناس وانتمائهم، وهويتهم الإسلامية... وهو أمر قائم فعلاً، في بعض الحدود، ولكن يحتاج إلى تثبيت، وتطوير، وتوسعة، وتعديل، وتقنين، وتبني من قبل المسلمين.
تساؤلات حول هذا المشروع
وقد يثير أحد حول هذا المشروع التساؤلات التالية:
1 ـ أين يمكن إقامة هذا المشروع السياسي المستقل، عن الإرادة الأمريكية ـ والدول الغربية، وأمريكا تقول اليوم للسحاب: أينما تذهبين فإنّك تمطرين في مساحة نفوذي وسلطاني.
2 ـ ما جدوى رأي هذا المركز السياسي إذا كان لا يملك آلية التنفيذ في مقابل قرارات الأنظمة التي ينفذها أصحابها بالإرهاب والإعلام.
3 ـ وكيف يمكن عزل رأي هذا المركز أو توصياته عن تأثير ونفوذ الأنظمة ودول الاستكبار العالمي، في هذه الدنيا المتشابكة المتداخلة.
والجواب عن السؤال الأول:
إنّ ارض الله واسعة، ونحن لدينا مناقشات جوهرية في صدقية النفوذ الأمريكي الكوني المطلق، ليس هنا مجال بسط الكلام فيها.
وعن السؤال الثاني:
أقول إنّ رأي هذا المشروع وتوصياته، يكون مدعوماً بالرأي العام الإسلامي، وسوف يكون له دور واضح في تعديل القرارات السياسية للأنظمة إن لم تكن قادرة على إلغائها.
وعن التساؤل الثالث:
لا ننفي إمكانية نفوذ الأنظمة ومن ورائها أنظمة الاستكبار العالمي إلى صلب هذا المركز وآرائه وتوصياته، ولكنه على كل حال إمكانية محدودة وليست مطلقة، ولايمكن أن يحقق أي مشروع سياسي في هذه الدنيا المتداخلة المتشابكة غايته بصورة مطلقة.
وبعد فإننا نرى أنّ أمثال هذه المشاريع طموحات سياسية واقعية، يمكن أن نسعى إليها وليست ضرباً من أحلام اليقظة في واقعنا السياسي المعاش.
المرجعية السياسية للعالم الإسلامي:
نحن اليوم أمة فاعلة قوية على وجه الأرض؛ ولهذه الأمة ثقل كبير في المعادلات السياسية، وحضور واسع في القضايا السياسية ذات الشأن بالحالة الإسلامية خصوصاً، وبالحالة الكونية عموماً.
ورغم أنّ أكثر الأنظمة الحاكمة في العالم الإسلامي تعمل لتشتيت هذه القوة الكبرى على وجه الأرض، لكن تبقى الأمة الإسلامية التحدي الأكبر للغرب؛ والذين يقرءون التاريخ والمستقبل من المنظّرين في الغرب يفهمون هذه الحقيقة، وينذرون أنظمة الاستكبار الغربي من هذا العملاق الذي بدأ ينهض من سباته في القرن العشرين.
وفي ضوء هذا الفهم نقول:
1 ـ إنّ الحقائق المتقدمة في نهضة الأمة بعرضها العريض لايمكن أن تخفى على مراكز الرصد الاستكباري في الغرب.
2 ـ ولابدّ أن تلقى هذه الأمة تحديات صعبة من ناحية الغرب لإحباط المشروع الإسلامي الكوني الكبير.
3 ـ ولاتخصّ هذه التحديات إقليماً، أو قوماً ومذهباً من المذاهب، وإنما تعم الأمة الإسلامية برمّتها، لأنّ هذه الأمة هي التربة الصالحة للمشروع الكوني الذي يخبرنا به الله تعالى في كتابه: {وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبوُرِ مِن بعْدِ الذِّكْرِ أنّ الأرضَ يَرثُهَا عِبَادِيَ الصَّالحوُن} والذي يتنبّأ به المنظرون في الغرب.
4 ـ إذن المسلمون جميعاً في مواجهة صراع حضاري، وعسكري، وسياسي، وثقافي قاس، من أقسى ما يعرفه تاريخ الإنسان من الصراعات الحضارية السياسية، والعسكرية، شئنا ذلك أم أبينا.
والمطالبة بالمعايشة السلمية، وشجب الحروب والصراعات، لايعفينا من هذه المعركة.. ولسنا نحن الذين ندفع الغرب إلى مثل هذا الصراع، وإنما العكس هو الصحيح، الغرب هو الذي يدفعنا إلى مثل هذه المعركة... فإنّ الكيانات السياسية، والعسكرية، والثقافية في الغرب، يرون أنهم قد وصلوا إلى نهايات التاريخ، والعاقبة التي آل إليها أمر الاتحاد السوفيتي ليس ببعيد عنهم، والقوانين والسنن التي آلت إلى سقوط الاتحاد السوفيتي هي التي تؤول بهم إلى تلك العاقبة؛ وهم يدافعون عن أنفسهم في معركة مصيرية بالنسبة لحضارتهم، وكيانهم الاقتصادي، والسياسي، والعسكري، ومن الطبيعي أن يكون هذا الصراع أشرس صراع يعرفه الإنسان، لأنه صراع على الموت والحياة.
5 ـ ومن أفدح الخطأ أن ندخل هذا الصراع من غير الإعداد المكافئ لهذه المعركة الحضارية، ومن غير الإعداد لآليات هذا الصراع.. والدخول في مثل هذه المعركة من غير الإعداد المكافئ لها يعادل الفشل والهزيمة فيها... يقول تعالى: {وَأعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ}(67) وليست القوة كلها في السلاح، وإن كان السلاح من مقومات ساحة القتال، إلاّ أنّ دائرة الإعداد الذي يأمرنا به الله تعالى أوسع من السلاح.
6 ـ ومن أهم الآليات التي تُعِدُّ هذه الأمة لدخول مثل هذه المعركة التي نتوقعها كل حين، بل نعايشها اليوم، دون أن ننتبه لها.. في مقدمة هذه الآليات: (المرجعية السياسية الواحدة للأمة الإسلامية)... فليس من الممكن أن تدخل هذه الأمة صراعاً سياسياً، وحضارياً واسعاً، وتواجه تحديات كثيرة، دون أن تمتلك الأمّة (مرجعية سياسية)، توحّد قرارها، وموقعها، وصفّها.
إنّ وحدة الأمة، ووحدة القرار السياسي، لاتتحقق إلاّ من خلال الآليات التي أعدّها الله تعالى لذلك، وفي مقدمة هذه الآليات المرجعية السياسية التي يسميها الفقهاء بـ (ولاية الأمر).
يقول تعالى: {أطِيعُوا اللّهَ وَأطِيعُواْ الرَّسُولَ واُولِي الأَمْرِ مِنكُمْ}.
7 ـ و(الموقع الأول) و(الموقع الثاني) الذين تحدّثنا عنهما مؤسستان إسلاميتان للأمة الإسلامية كلها تتكاملان، يؤدي الأولى دور الشورى وتنضيج القرار السياسي الذي تشير إليه آية الشورى {وَأمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ}(68) وتقوم الثانية بدور (الولاية السياسية) في حياة المسلمين.. تنفيذاً لقوله تعالى:
{أطِيعُوا اللّهَ وَأطِيعُواْ الرَّسُولَ واُولِي الأَمْرِ مِنكُمْ}.
{إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ}(69).
في المساحة الاقتصادية
إنّ عملاً واسعاً يجري اليوم لإلحاق أسواق العالم الإسلامي، ومصادر ثرواته الطبيعية بشبكة العولمة الاقتصادية، وهو أمر حاصل بالفعل في بعض الحدود، ولكن الحركة التي تقوم بها الأنظمة في العالم الإسلامي هي إلحاق أسواقنا في العالم الإسلامي وثرواتنا الطبيعية بشبكة العولمة الاقتصادية بشكل كامل.. وهذا الأمر إذا تمّ يجعل من حركتنا الاقتصادية حركة تابعة لاقتصاد الدول الصناعية الكبرى، وتجعل من أسواقنا معرضاً ومحلاً لاستهلاك ما تنتجه المصانع في الدول الصناعية الكبرى، وتجعل مصادرنا الطبيعة للثروة مثل النفط، والكبريت، والصلب، والحديد، والقطن، وقصب السكر، والمطاط، والتمور، مصدراً لتموين المعامل والمصانع في الغرب.
ونتحول من موقع الإنتاج والاكتفاء الاقتصادي إلى مركز لتموين المصانع في الدول الصناعية الكبرى بالمواد الخام التي تحتاجها هذه المصانع، ومحلاً لاستهلاك ما تنتجه هذه المعامل.
وهذه العاقبة، أسوأ عاقبة اقتصادية للعالم الإسلامي، وتؤدي هذه التبعية الاقتصادية إلى تبعية سياسية خالصة، وانهيارات اقتصادية واسعة كما حصل لجنوب شرق آسيا قبل سنين، وتفقدنا حالة الاكتفاء الذاتي في الاقتصاد، بشكل كامل.
وكما يستخدم الغرب الآلة الصناعية والاقتصادية في تحقيق (التبعية السياسية) في العالم الإسلامي، بشكل واسع، كذلك يستخدم الغرب المقاطعة الاقتصادية والحظر الاقتصادي لإخضاع أنظمة العالم الإسلامي لإرادتها السياسية، كما حصل ذلك لإيران وليبيا وسوريا والسودان... عندما امتنعت من تنفيذ إرادتها.
وقد كان بوسع العالم الإسلامي أن يستخدم الآلة الاقتصادية، مثل تصدير النفط في تعديل بعض المواقف الغربية المتطرفة عموماً، والأمريكية خصوصاً، تجاه العالم الإسلامي، مثل الجنوح المتطرف إلى جانب إسرائيل، والوقوف إلى جانب إسرائيل في كل مراحل عدوانها على فلسطين ولبنان؛ والتشديد على إيران بسبب محاولاتها لتخصيب اليورانيوم، والوصول إلى مرحلة استخدام الطاقة النووية لإنتاج الكهرباء وسائر الغايات السلمية، والسكوت عن إسرائيل ومفاعلاتها النووية وترساناتها التي تختزن أكثر من200 رأساً نووياً جاهزاً للتفجير والعدوان، كما يقول بعض المؤسسات العسكرية.
لو أنّ المسلمين كانوا يستخدمون الآلة الاقتصادية في تعديل المواقف السياسية الغربية المتطرفة تجاه العالم الإسلامي لتغيّر وجه العلاقات الإسلامية ـ الغربية، ولم يتمكن الغرب من أن يمارس هذا النفوذ الواسع في العالم الإسلامي، ولم يسع الغرب أن يستهتر بهذه الصورة بكل القيم الدبلوماسية، والسياسية، في علاقاتها بالعالم الإسلامي.
ولكن ما الحيلة إذا كان حكام العالم الإسلامي في الغالب لا يجرءون على التطوّل على الإرادة السياسية الغربية، وبشكل خاص الإرادة السياسية الأمريكية، ولا يمتلكون الشجاعة الكافية لاتخاذ أي قرار سياسي أو اقتصادي يعارض مصالح أنظمة الاستكبار العالمي، ويتجاوز الخطوط الحمراء المرسومة لهم؟!
إنّ حركة غاضبة عفوية قامت بها جماهيرنا في مقاطعة البضائع الدنماركية، عندما أساءت صحيفة دانمركية إلى رسول الله (ص) ، وامتنعت الدانمارك من الاعتذار إلى المسلمين ومعاقبة الصحيفة، كان لها تأثير كبير في تعديل موقف الحكومة الدانمركية والحكومات الاسكندنافية، التي وقفت إلى جانب الدانمارك في حينه.
إنّ الموقف الصحيح في هذه المسألة الخطيرة هو الحضور المليوني الموحّد في الساحة، والهتاف بمقاطعه العولمة الاقتصادية الزاحفة إلى العالم الإسلامي، والمطالبة باستخدام الآلة الاقتصادية في قضايانا السياسية الأُم، والمناداة بتحرير أسواقنا من سيطرة البضاعة التي تصدرها إلينا الدول الصناعية الكبرى؛ والدعوة إلى تحرير مصادرنا الطبيعية للثروة وإنتاجنا الزراعي والحيواني من نفوذ الدول الكبرى، والمناداة بالوصول إلى حالة الاكتفاء الذاتي، والتشهير بالأنظمة والحكام الذين يستخدمون مواقعهم في الحكم لتمكين النفوذ الاقتصادي الغربي والشرقي (الاستكباري) من أسواقنا ومصادرنا الطبيعة، ودعوة الجمهور إلى استخدام المقاطعة الاقتصادية عندما يتطلب الأمر، ويتقاعس الحكّام، ويجبنون عن اتخاذ القرار الاقتصادي المناسب.
إنّ الحضور الواعي القوي للأمة في الساحة الإسلامية، في كل المراكز والحواضر والعواصم الإسلامية يؤدي بالضرورة إلى تعديل قرار كثير من الأنظمة، والحكام الذين يحكمون العالم الإسلامي، كما يؤدي إلى تعديل القرارات الاقتصادية والسياسية لدول الاستكبار العالمي تجاه العالم الإسلامي، وتخفيف الضغوط السياسية والاقتصادية عليه.
الشيخ محمد مهدي الآصفي
(1 ) الحج: 28.
(2 ) الأنعام: 79.
(3 ) آل عمران:20.
(4 ) الأنبياء: 92.
(5 ) المؤمنون: 52.
(6 ) المائدة: 55.
(7 ) المائدة: 55.
(8 ) الأنبياء: 92.
(9 ) المؤمنون: 52.
(10) آل عمران: 103.
(11) التوبة: 71.
(12) الحجرات: 10.
(13) الأنفال: 46.
(14) النساء: 59.
(15) الأنفال: 72.
(16) صحيح مسلم 4: 1871 ـ 1872 كتاب فضائل الصحابة.
(17) صحيح البخاري 4: 1581 ح4094 وصحيح مسلم 1: 95 كتاب الإيمان ح155 عدى الجملة الأخيرة.
(18) صحيح البخاري 4: 1581 ح 4094 ومسند احمد 4: 10 ـ 11.
(19) بحار الأنوار 68: 242.
(20) مشكاة المصابيح ج12 ـ 14.
(21) المحاسن: 285؛ وبحار الأنوار 68: 243.
(22) الكافي 2: 25؛ وبحار الأنوار 68: 248.
(23) مسند أحمد بن حنبل 3: 472.
(24) المحاسن: 284، بحار الأنوار 68: 282.
(25) سنن الدارمي 2: 218، ورواه بلفظ قريب منه عن رسول الله (ص) البخاري في 1: 57 من الصحيح في فضل استقبال القبلة، وأبو داود في السنن 2: 41 ـ 42 باب على ما يقاتل المشركون، واحمد بن حنبل في المسند 3: 199، و2: 445، 3: 339، و4: 8 ـ 9، وابن ماجة في السنن 2: 1285 ـ 1286، والنسائي في السنن 8: 109
(26) بحار الأنوار 75: 150.
(27) صحيح مسلم 1: 68 ـ 69.
(28) الحرقات بضم المهملة والراء وقاف بعدها من جهينة، هم بنو حميس بن عمرو بن ثعلبة بن مودوعة بن جهينة، كما في جمهرة ابن حزم: 446.
(29) صحيح مسلم 1: 67.
(30) روى هذه الخطبة جمع غفير من الحفاظ والمحدّثين من الفريقين ولشهرتها نعرض عن ذكر مصادر الخطبة.
(31) يوسف: 108.
(32) آل عمران: 104.
(33) آل عمران: 110.
(34) التوبة: 71.
(35) العصر: 3.
(36) الأنبياء: 92.
(37) المؤمنون: 52.
(38) البقرة: 208.
(39) بحار الأنوار 27: 69 ح7.
(40) ميزان الحكمة 1: 765.
(41) كنز العمال 1: 205 ح1025.
(42) ميزان الحكمة 1: 406.
(43) نهج البلاغة: الخطبة 127.
(44) مستدرك الوسائل 6: 450.
(45) التهذيب 3: 25، ووسائل الشيعة 5: 376، نقلاً عن ميزان الحكمة 5: 410.
(46) وسائل الشيعة 5: 4 نقلاً عن ميزان الحكمة 5: 426.
(47) الحج: 27.
(48) الصافات: 24.
(49) نهج البلاغة: كتاب رقم 62.
(50) الحجرات: 12.
(51) النحل: 125.
(52) الإسراء: 53.
(53) رجال الكشي: 305 الرقم 549.
(54) المصدر السابق: 195 ترجمة المغيرة بن سعيد.
(55) رجال الكشي: 224 الرقم 401.
(56) عيون أخبار الرضا (ع) 1: 303.
(57) بحار الأنوار 2: 250 ح62.
(58) وسائل الشيعة 8: 398، كتاب الحجّ آداب أحكام العشرة، الباب الأوّل، ح1.
(59) المصدر السابق، ح2.
(60) المصدر السابق، ح3.
(61) وسائل الشيعة 8: 399، كتاب الحجّ آداب أحكام العشرة، الباب الأوّل، ح4.
(62) المصدر السابق، ح5.
(63) النساء: 59.
(64) راجع أبواب: (حرمة التعاون مع الظلمة) في مباحث المكاسب المحرمة، وكتاب (الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر)، في وسائل الشيعة وسائر كتب الحديث والفقه.
(65) راجع الروايات الواردة في مستثنيات التعاون مع الظلمة وأبواب التقية.
(66) راجع روايات باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وأبواب الجهاد.
(67) الأنفال: 60.
(68) الشورى: 38.
(69) المائدة: 55.