Super User

Super User

الإثنين, 08 آب/أغسطس 2011 09:38

دور القرآن في اسلام المهتدين حديثاً

أعتقد أن الغرب الحديث قد مرّ بتجربة كبرى من ضياع الثقة. فالثقة بالحكومة والقيم التقليدية والتربية والعلاقات الانسانية والكتب المقدسة والدين والله كله قد اضمحل وتلاشى بسبب الصراع من أجل التقدم المادي. وقد خلف هذا الضياع فراغاً كبيراً للمعنى والهدف، وأنجب العديد من الأفراد الذي لا يعترفون بأي نظام فكري، والذين أصبحوا فضوليين ومستعدين لأي وجهة نظر بديلة. فمن بين جميع الديانات والايديولوجيات التي يمكن لهم أن يختاروا إحداها يبدو أن الاسلام قد جذب منهم عدداً أكبر مما كانت تتوقع له إحصائيات الحصص. والسبب وربما يعود للاهتمام الكبير الذي توليه وسائل الإعلام الغربية للإسلام، وكذلك بسبب وصول أعداد كبيرة من المهاجرين من مجتمعات إسلامية إلى الغرب، وكذلك من خلال التفاعل الكبير والمتزايد بين الدول الغربية والشرق أوسطية هذه الأيام. ولا شك أن جميع هذه العوامل قد أسهمت في زيادة الاهتمام الغربي بالاسلام.

إن المعتنقين الجدد يقدمون أسباباً عديدة لاختيارهم الاسلام، ويصفون السبل المختلفة التي قادتهم إلى اعتناق هذا الدين. وبغض النظر عن السبب الذي أثار اهتمامهم أولاً أو دفع بهم لاتخاذ القرار النهائي كي يصبحوا مسلمين، فإن هؤلاء المهتدين الجدد إلى الاسلام غالباً ما يعبرون عن الإحباط الذي يشعرون به، والذي يحتملونه في صراعهم للتأقلم مع جاليتهم الدينية الجديدة. إن أهم سؤال يجب أن نتحقق منه بشأن هؤلاء لا يتعلق بالكيفية التي دخلوا بها الاسلام، بل بالسبب الذي يجعل العديد منهم متمسكاً بقوة بهذا الدين؟ وغالباً ما يكون جوابهم أن القرآن هو السبب. وعملياً نجد أن جميع المعتنقين الجدد الملتزمين بالاسلام يعزون إيمانهم لعقيدة راسخة، وهي أن القرآن بكامله ما هو إلا تنزيل منزه من لدن رب العالمين. وقد يشيرون إلى بعض ملامح القرآن لكي يؤكدوا هذا المعتقد، ولكن غالباً ما نجد أن هذه الملامح قد تعلموها بعد أن تطور هذا الإيمان بالقرآن لديهم. وليس من السهل تعريف أو تفسير أي عنصر في القرآن من شأن المعتنق الجديد أن يشير إليه بشكل نموذجي على أنه سبب إيمانه بهذا القرآن. فبعد بعض السبر لأغوار القرآن يكتشف المعتنق الجديد أن أساس هذا الإيمان لا ينجم عن مجرد قراءة موضوعية لكتاب المسلمين المقدس (القرآن)، بل هو خبرته الخاصة به أو لنقل نتيجة لتواصله مع هذا الكتاب الكريم. فالعديد من المعتنقين الجدد، وكذلك من المسلمين، يذكرون الإحساس الرائع الذي يشعرون به عندما يتواصلون مع التنزيل المحكم عند قراءتهم للقرآن، فهم يحكون عن مناسبات شعروا من خلالها وكأن القرآن يستجيب لحالاتهم العاطفية والنفسية، ويستجيب كذلك لردة فعل استجابتهم لبعض نصوصه و:أن القرآن يتنزل عليهم شخصياً، وفي كل لحظة يقرأونه فيها، صفحة بصفحة حيث يكشف كل نص تال كيف أثر بهم النص السابق. فقد وجدوا أنفسهم ينسابون وينهمكون في حوار حقيقي مع التنزيل، حوار ينبعث من أعمق وأصدق وأطهر أعماق الوجود، حيث تنكشف لهؤلاء، ومن خلال ذلك التواصل، خصال الرحمة والعطف والمعرفة والمحبة التي يشعر بها المخلوق من الخالق والانساني من المقدس والمحدود من اللامحدود والانسان من الله.

وكما يعلم العديد من المعتنقين الجدد، فليس بالضرورة أن يكون المرء مسلماً لكي يشعر بهذه الطاقة الداخلية للقرآن؛ ذلك أن العديد منهم يختار الاسلام ديناً بعد لحظات من هذا الشعور أو بسببه. ولقد عبّر العديد من الباحثين في الاسلام من غير المسلمين عن مثل هذا الشعور الذي كان ينتابهم لدى قراءتهم للقرآن. فباحث العربية المعروف البريطاني آرثر ج.آربيري يذكر كيف أنه وجد في القرآن عوناً له في بعض الأوقات الصعبة التي مرّ بها في حياته، حيث قال: إنه حينما يستمع إلى القرآن يتلى بالعربية فكأنما يستمع إلى نبضات قلبه. ويذكر فريدريك دينّي، وهو كاتب غير مسلم، تلك (التجربة العجيبة غير الطبيعية) التي يشعر بها المرء أحياناً لدى قراءته للقرآن، لحظات يشعر القارئ من خلالها (بحضور شيء ما غامض وأحياناً مرعب معه). وبدلاً من قراءة القرآن فإن القارئ يشعر وكأن القرآن (يقرؤه)!

ومع ذلك فليس كل قراءة للقرآن تقود لمثل هذه التجربة، فالمسلمون يعتقدون أن تجربة كهذه تحتاج حالة معينة من العقل والروح ومن التواضع وصدق النية ومن الإرادة والاستعداد. فهم يقولون: إذا كان القارئ مدركاً لحالة ضعفه وهوانه أمام الله، وإذا كان لديه الاستعداد كي يرى نفسه على حقيقتها، وإذا كانت لديه القدرة كي يطرح جانباً صور الزيف التي كونها لنفسه، وتلك التي تكونت لديه من الآخرين، وإذا ما توصل للحقيقة الواقعة وهي أن لا حول ولا قوة إلا بالله، عندئذ فقط يكون جاهزاً، بحول الله تعالى، كي يتحول ويتغير بفضل هذا القرآن الكريم. فكل جيل من المسلمين كان دوماً يشعر بأن القرآن يتناسب وعلى نحو نموذجي مع تطلعات زمانه، والكتب والمقالات التي كتبها مؤخراً بعض المعتنقين الجدد تظهر أن لديهم مثل تلك التطلعات. لا أستطيع تقديم شرح كاف عن سبب شعور المسلمين القدامى بمثل هذا الشعور، أو لماذا ينتاب هذا الشعور مسلمين آخرين في أجزاء أخرى من العالم، ولكنني سوف أحاول مشاطرة المعتنقين الجدد خبرتهم في مثل هذا الشعور.

عندما يفتح القارئ الغربي القرآن للمرة الأولى فإنه سرعان ما يواجهه، وبطريقة درامية، أحد أعظم الأسئلة التي دفعت بالعديد من البشر في العصر الحديث لإنكار وجود الله، وهو موضوع سؤال الملائكة لله في القرآن: (قالوا أتجعل فيها مَن يفسد فيها ويسفك الدماء) البقرة/ 30. ثم يبدأ القرآن بالشرح، ولكن في بداية القرآن نجد الشرح مقتضباً، وذلك ما يجذب انتباه واهتمام القارئ، وما على القارئ الذي يريد الحصول على مزيد من الأدلة إلا أن يستمر في قراءة القرآن.

وبعد أن يقرأ القارئ الغربي عن آدم (ع) والذي تختلف قصته في القرآن في تفاصيل رئيسة عما يوازيها في الكتاب المقدس، يتساءل في نفسه: أين يضع الاسلام نفسه بالضبط من التراث اليهودي-المسيحي؟ وكلن القرآن يضع هذا في المنظور، أولاً: في قصة بني إسرائيل (انظر الآيات 40-86 من سورة البقرة)؛ وثانياً: في مناقشة مواقف وعقائد أهل الكتاب (اليهود والنصارى). ثم يتبع ذلك قصة بناء إبراهيم وإسماعيل (ع) للكعبة، والتي تربط الاسلام بالأب الأكبر لكل من هذه الديانات الثلاث (إبراهيم الخليل (ع)، انظر الآيات 122-141 من سورة البقرة). ويخبرنا القرآن أن الاسلام هو تجديد للعقيدة الحنيفية الطاهرة للنبي إبراهيم (ع) (انظر الآيات 142-167 من سورة البقرة).

وطبيعي أن يحول القارئ الغربي بعد ذلك انتباهه إلى مسائل أكثر عملية مثل ممارسات المسلمين التي يسمع الكثير عنها مثل (قوانين الحمية) الصوم والجهاد والحد ووضع المرأة في الاسلام؟ ونجد نقاشاً لهذه المواضيع في آيات القرآن (انظر الآيات 168-283 من سورة البقرة). ويجد القارئ بين هذه الآيات وتلك تذكيراً بوجود الله وحدانيته، ودلائل حكمة الله ورحمته وقدرته وحاجة الانسان الماسة للتوجه إليه. ثم نجد أن القرآن يحاول غرس هذه الحقائق الأساسية في عقل القارئ على نحو مستمر ومتكرر ومركز، بحيث يحاول الوصول إلى أقصى أبعاد روحه الداخلية، ثم يبعث فيه من جديد الواقع الذي يعيش ويتنفس من خلاله.

وتختتم السورة الثانية (البقرة) بالدعاء الذي تعلّم القارئ من خلاله كيف يسأل الله العون على مصائب الدهر، ويرجه المغفرة التامة والرعاية. وأما السورة الثالثة (آل عمران) فتبدأ بهذا التوسل: إن رجاءنا الحقيقي وملاذنا هو في: (الله لا إله إلا هو الحي القيوم، نزّل عليك الكتاب بالحق مصدقاً لما بين يديه وأنزل التوراة والإنجيل، من بل هدى للناس وأنزل الفرقان إن الذين كفروا بآيات الله لهم عذاب شديد والله عزيز ذو انتقام) آل عمران/ 2-4.

فعندما ينتهي القارئ من سورة البقرة (السورة الثانية) تتكون لديه بعض المعرفة بالاسلام. ثم نجد في السور 12 الباقية من القرآن تطويراً ودعماً واستطراداً وشرحاً للمواضيع الرئيسة الواردة في هذه السورة. وكما في الفصل الأول من هذا الكتاب، فإن القارئ سوف يجد أن هذه المواضيع متداخلة عبر النص. فالقرآن لا يدع القارئ يفكر في أحدها بمعزل عن الآخر، بل يطلب منه أن يرى ويدرك ترابطها بعضها مع بعض. ومع ذلك، نرى أن كل سورة من السور التالية تركز في معظم الوقت على واحد أو اثنين من هذه المواضيع الرئيسة. وأما السورة الثالثة (آل عمران) فهي تضع الخطوط العريضة للتاريخ الديني لبني البشر مع الاشارة الخاصة إلى أهل الكتاب، كما أنها تذكر المسلمين بواجبهم لمحاربة الظلم والطغيان. وأما السورة الرابعة (النساء) فإنها تعود إلى موضوع حقوق المرأة وواجبات الأسرة. وأما السورة الخامسة (المائدة) فتتعلق بشكل رئيس باليهودية والمسيحية وتؤكد من جديد فساد هاتين الديانتين اللتين انبعثت تعاليمهما النقية الطاهرة، واكتملت من جديد في الاسلام.

وكلما تقدمنا في قراءتنا للقرآن نجد أن السور تقصر بالتدريج، كما أن توكيدها وأسلوبها يتغير أيضاً. وفي سور منتصف القرآن، تصادفنا بعض الأحكام والقواعد الأخرى الإضافية، ولكن التوكيد الرئيس يتحول إلى المزيد من القصص والأخبار التي تتعلق بأنبياء سابقين، وكذلك إلى المزيد من الإشارات الدرامية إلى دلائل الإعجاز الطبيعية التي تعبر عن قدرة الله وحكمته وجوده، وهنا أيضاً تجد المزيد من التركيز على علاقة الانسان بالله ورجوعه إليه. وكلما تقدمنا بالقراءة يصبح الأسلوب الأدبي في القرآني، والذي هو خير ما يمكن تذوقه بالعربية، أكثر عاطفية وأشد وقعاً في النفس.

وكلما اقتربنا من النهاية يتركز الخطاب بشكل كلي تقريباً على القارئ وعلاقته بالله، وكذلك على العلاقة العضوية بين أعمال المرء ومصيره في الآخرة، حيث تلج هذه المواضيع من السور أذن القارئ على شكل ومضات من النشوة والتفجر العاطفي. فالجنة والنار والساعة ويوم القيامة والدنيا والآخرة وفناء الكون، ورجوعنا إلى الله، جميعها تتجه لتلتقي عند مصير واحد وهو نقطة الذروة عند قيام الساعة.

وهكذا نجد أن القرآن يدفع بالقارئ وهواجسه العملية والآنية عبر عوالم الأنبياء وآباء الأنبياء والمعجزات والآيات إلى اللحظة القصوى، حيث يتبدى فيها للقارئ أنه يقف بمفرده أمام ربه وخالقه؛ ويشعر العديد من أولئك الذين يقومون بهذه الرحلة بشيء من رهبة ذلك اللقاء وهوله بينما يقتربون في قراءتهم من نهاية القرآن. وسرعان ما يساورهم الشك بأنفسهم وينتابهم الخوف، ويشعرون بالوطأة عندما يقتربون من الخيار الذي يضعه القرآن أمامهم لا محالة. فالعديد منهم يخشى المجتمع ويراجع نفسه ليرى إن كان قد اعتراه سوء في عقله، ثم إنهم يتشككون بمقدرتهم على تحويل وجهة حياتهم والاستسلام لأمر الله. ومنهم مَن يشعر أن الوقت قد فات وأنهم أبعد من أن تشملهم رحمة الله ومغفرته. ومع ذلك نجد أن الله يطمئن القارئ عبر آيات القرآن وعلى نحو مستمر ألا يركن إلى هذا النوع من الشك والقنوط من رحمة الله ومغفرته:

(وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون) البقرة/ 186.

(فاستجاب لهم ربهم ني لا أضيع عمل عامل منكم من ذكر أو أنثى بعضكم من بعض فالذين هاجروا وأخرجوا من ديارهم وأوذوا في سبيلي وقاتلوا وقتلوا لأكفرن عنهم سيئاتهم ولأدخلنهم جنات تجري من تحتها الأنهار ثواباً من عند الله والله عنده حسن الثواب) آل عمران/ 195.

(قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعاً إنه هو الغفور الرحيم) الزمر/ 53.

(ما أنت بنعمة ربك بمجنون) القلم/ 2.

(والضحى، والليل إذا سجى، ما ودعك ربك وما قلى، وللآخرة خير لك من الأولى، ولسوف يعطيك ربك فترضى، ألم يجدك يتيماً فآوى، ووجدك ضالاً فهدى) الضحى/ 1-8.

(ألم نشرح لك صدرك، ووضعنا عنك وزرك، الذي أنقض ظهرك، ورفعنا لك ذكرك، فإن مع العسر يسراً، إن مع العسر يسراً) الشرح/ 1-6.

وفي الوقت الذي يطبق فيه الخيار المطلق على القارئ نرى كيف يضع القرآن أمامه الكلمات التي ما فتئت روحه تبحث عنها، فيأمره بقول:

(قل هو الله أحد) الإخلاص/ 1.

(قل أعوذ برب الفلق) الفلق/ 1.

(قل أعوذ برب الناس) الناس/ 1.

إذ يبدو من هذه الآيات وكأن الله يخاطب القارئ قائلاً له: قل هذه الكلمات وسوف آتيك، قلها ولسوف أحميك وأواسيك، توجه إليّ فلسوف أمنحك المودة، وسوف يعرف قلبك معنى السكينة والطمأنينة.

لقد وقف العديد منّا، بعد قراءته للقرآن، وقد سقط في يديه كمن أصابه الشلل وهو على حافة من اللاقرار، تمتد من بين الإيمان والإعراض، وما بين أحلامنا المادية ورجائنا بالآخرة، وما بين رغباتنا الدنيوية وحاجاتنا الروحية. ولقد مرت عليان ليال مؤرقة، وكنا كما بدا لنا نجري خلف السراب، وكانت تستحوذ علينا رؤى من ردود فعل الأهل والأصحاب، وكانت تخطر في بالنا بعض الآيات وكان ينتابنا القلق حول وظائفنا وأعمالنا، والأسوأ من ذلك كله فراغ الفراق عمن لامس تنزيله شغاف قلوبنا إذام ا أعرضنا عن اتباع الهدى. فمن بين أولئك الذين عرفوا هذا العذاب وخبروه أعرض بعضهم وولى إلى غير رجعة. ومع ذلك فقد كان هناك مَن تخلى عن المقاومة وأخذ يركض بأذرع مفتوحة ليعانق رحمة ربه، من أذعن واستسلم لنداء أعماقه ليغوص في محيط من العطف والمودة.

فأما أولئك الذين يختارون الاسلام فسرعان ما يكتشفون وللأبد أن عليهم أن يجيبوا على السؤال التالي: (كيف أصبحت مسلماً؟) وبالطبع سوف يقدمون شروحات جزئية مختلفة في أوقات مختلفة وذلك حسب السياق الذي تم فيه السؤال. وعلى كل حال، فإننا جميعاً الذين قمنا باتخاذ ذلك القرار لا نستطيع الإجابة بشكل كامل على هذا السؤال؛ ذلك أن حكمة الله وتدبيره أمر لا يمكن الإحاطة بهما. وقد تكون أصدق وأبسط إجابة نستطيع أن نقدمها هي الإجابة التالية: في لحظة من اللحظات الخاصة في حياتنا ـ لحظة لم نتنبأ من قبل أن نمر بها عندما نكبر ـ منّ الله بواسع علمه ورحمته وعطفه علينا، بعد أن وجد فينا من العذاب ما نكابد، ومن الألم ما نشعر به، ومن عظيم الحاجة إلى ملء الخواء الروحي الكبير في أنفسنا، وبعد أن وجد لدينا الاستعداد الكبير لقبول ذلك. وعلى كل حال فقد حقق الله ذلك لنا، فله الشكر والمنة إلى يوم الدين. حقاً سبحان الله والحمد لله.

أكد جون اسبوزيتو رئيس مركز حوار الحضارات بالولايات المتحدة الأمريكية أن الإسلام دين تسامح وانه إن كان هناك من يخالف قيم الإسلام من بين المسلمين فهذا لا يعني أن نسيء للدين الإسلامي وتشريعاته النبيلة فالإسلام علي سبيل المثال دين قدم قيما عديدة لحماية غير المسلمين ولحماية حرية العقيدة وعلى سبيل المثال أيضاً .

واضاف ان الإسلام هو الدين الوحيد الذي يسمح بالتعددية الدينية والعقائدية وقدم لغير المسلمين حصانة كاملة لأداء شعائرهم الدينية بحرية كاملة وفي الإسلام نجد غير المسلم يسمي الذمي حيث منحه النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) حماية خاصة وهو أمر لم يتوافر في دين آخر كذلك فإن الإسلام يقدم قواعد واضحة ومعايير أخلاقية واضحة تحرم قتل غير المقاتلين وكذلك النساء والأطفال والمسنين ويمنع أيضاً قتل المقاتل الذي يعلن استسلامه فطالما قبل المسلم استسلام غير المسلم فلا يحق له قتله أو تعذيبه .

وقال إن الإسلام يمنع تعذيب أسير الحرب ويوجب علي المسلم حمايته وتقديم كل العون له ويمنع تدمير الممتلكات التي لا علاقة لها بالحرب ولا بالقتال باختصار فإن عقيدة الجهاد لدي المسلمين عقيدة سامية وليست كما روَّج لها البعض بأنها تحث علي الإهاب والتطرف .

وقال إن القرآن أيضاً كتاب يحث على التسامح وبه قواعد لن تجد مثيلاً لها في أي كتاب في التاريخ البشري كله ولن أكون مبالغاً إذا قلت إن القرآن الكريم هو الكتاب الوحيد الذي يقدم قواعد كاملة وشاملة للحكم الرشيد .

الأحد, 07 آب/أغسطس 2011 09:43

استصلاح الفكر الاسلامي

ان الأمراض التي يعاني منها الفكر الاسلامي هي الاختباء وراء الأقنعة وفقدان التعطش الى الجديد ومراكمة النقد على النقد الى ما لا نهاية والبقاء على الحياد السلبي وعدم الاكتراث ولجوء الى لا مبالاة كئيبة وانزواء كسول أمام مسيرة الأحداث وميل نحو تعظيم الأشخاص وشخصنة الأفكار ومغالاة في التساهل أمام الرداءة والتملق واسقاط مشاعر الداخل على ادراكات الخارج وتأثيرات الخارج على النظرة من الداخل.

نكتة الاشكال في اعتبار الاسلام قادر من جهة التقليد على الرد على كل تحديات العولمة :" الاسلام في جوهره حل من الحلول الكبرى وفكروية ايديولوجية متكاملة ، له مميزاته المستقلة التي هي وحدها سر قيمته ومجلى شخصيته. نعم هو منهج كلي لا يؤخذ تفاريق، ولا يدرس أجزاء معزولة...انه يضع في خط الحل الواحد الممتد، الحياة وما يختلف فيها، والتحرك الانساني وما يستشرف اليه."[2]

هل أماط العلايلي اللثام عن الوجه الحقيقي للإسلام؟ ألا تراه وقع في ادعاء ايديولوجي وهو تضمن الاسلام لمفاهيم كلية وحلولا شاملة لمشاكل الامم في كل زمان ومكان؟ وكيف يمكن استصلاح الفكر الاسلامي مثلما نفلح الأرض ونسكن البيت ونعمر الكون؟

ان استصلاح الفكر الاسلامي هي مهمة ينهض بها الشباب بالتعاون مع الكهول وبالاستفادة من خبرة الشيوخ. كما أن تحديات العصر هي التي تدفه الطبقة الناشئة الى أن تهب ضد التقليد والوريث الأشيب وتقاسي الأمراض الحاضر المألوف وتحرص على الدواء وتحمل البشارة لهذا العلاج وتنطلق نحو زحزحة الأبواب الموصدة والعبور نحو ينابيع الحكمة.

من هذا المنطلق ليس الشباب عمرا من الحياة بل انه استعارة حية للقوة التشكيلية للحياة.

" الفكر الاسلامي المعاصر مازال بحاجة لأن يعيد ارتباطه بخطاب حركة الاصلاح الاسلامي وتجديد المعرفة بهذا الخطاب ومراجعته وتقويمه والاستلهام منه واستحضاره أيضا. فخطاب عصر الاصلاح الاسلامي، كان على درجة عالية من التطور والتقدم، وفيه تجليات الحداثة والمعاصرة، أو بعبارة أخرى فيه تجليات الاجتهاد والتجديد كما كان شديد الارتباط بمفاهيم التقدم والمدنية."[3]

الاستصلاح هو الاعتناء العقلي بالمبنى والمعنى الذين يتكون منهما النص وذلك بغية دفع مضرة وجلب مصلحة في الواقع التاريخي والاجتماعي عن طريق التطلع المعرفي والعلمي والتمسك الأخلاقي والفضائل وبواسطة التعلق الجمالي والنزوع العشقي والايجاد الابداعي.

علاوة على أن الاستصلاح مشتق من الاصلاح على الصعيد النظري والصلاح على الصعيد العملي ومن المصالحة التي يقوم بها المرء مع نفسه ومع طبيعته وهويته والصلح الذي يجريه الحكيم العاقل بين الأفراد المتنازعين والمجموعات المتخاصمة.

من هذا المنطلق يحرص المجتهد على أن يحسن الصنع ويكون من المصلحين في الأرض والصالحين في الدنيا ويجتنب الأعمال الخاسرة وألا يظل سعيه ويطلب العاقبة الحسنة. كما يميز بين اسلام الرسالة واسلام التاريخ وبين الدين القيم والتدين الفردي وبين جوهر الاسلام والفكر الاسلامي ويجعل من المقاصد والمصالح والاستحسان والعقل هي مفاتح التأويل.

"فلما كانت شريعة الاسلام منظمة للمصالح الدنيوية، كانت الاعتبارات التي تؤسس تقسيمها اعتبارات مجتمعية دنيوية محضة. فآثار المصلحة في قوام أمر الأمة وتحقق الاحتياج اليها وتعلقها بعموم الأمة أو جماعاتها أو أفرادها، كلها اعتبارات تمثل الأصول المجتمعية التي يقوم عليها نظام المصالح في المجتمع الاسلامي."[4]

يميز المستصلح بين المصلحة والمفسدة وبين المصلحة الضرورية والمصلحة الحاجية والمصلحة التحسينية ويحرص على التأصيل التشريعي والتعليل السياسي لهذا المبدأ.

" نحن في حاجة الى اصلاح جوهري وعميق يساهم في صياغة وتجديد الخطاب الاسلامي المعاصر وقبل اصلاح الأمة لابد من اصلاح الفكر الذي يخاطب هذه الأمة."[5]

لقد تمحور المسعى التجديدي في تأكيد وحدة المصدر بالنسبة للبشرية وتقديس قيمة الأخوة والعمل البشري والحرية الاجتماعية والاستقلال الشخصي ومبدأ المسؤولية الجزائية والتمتع بالحق العام وتفعيل التيسير والرفق والترخيص وتقوية درجات الاجتهاد وعمقه ليشمل الأصول والأحكام والاستئناس. غير أن القرار الثوري الذي يتخذه العلايلي هو نحته لمفهوم جديد للوحي يجعل الاجتهاد العقلي البشري يكمل العلم الالهي ويعترف بالأثر العميق الذي يحدثه الزمن في فهم النصوص والتغيير الجذري الذي يحصل للعقول وامكانية حل المستعصيات بالتطور التاريخي والنمو المعرفي بقوله:

" أجل أصل هذه الشريعة الوحي، ولكنه الوحي جعل الانسان نفسه ، في صميمه، ليتحول الانسان نفسه مصدر وحي الهامي في التفصيل والتفريع، بحسب مقتضيات التي لا تنقطع ولا تتوقف حوافزها."[6] لكن ألا يوجد فرق جذري بين الوحي الالهي والالهام البشري؟ وهل يعني هذا أن العلايلي قد تخلى عن الجانب الالهي من الوحي؟

" وهذا المفهوم، الذي يجعل الانسان مصدر وحي الهامي في التفاصيل، يطعن النظرية القائلة بأن الاسلام، كغيره من الشرائع، ربوبي الانتماء. بل على العكس، هو الذي فصمها بجعله الانسان مصدر وحي تشريعي أيضا، والا فما معنى الحديث: ما رآه المسلمون حسنا فهو عند الله حسن الخ؟"[7]. فهل يقر بتواصل نزول الوحي بعد ختم النبوة من خلال الالهام الذي يتميز به الامام المعصوم؟ وهل الدين الهي ان انساني؟

"ويعتبر النص الذي لا يمس، عند الأصوليين الجدد، قانونا بحتا يتكيف مع جميع المجتمعات لخلوه من أي اشارات الى مجتمع ملموس."[8]

ان القول بتاريخية وسياقية فهم الوحي يؤدي الى فك التلازم بين الدين والقداسة وتنسيب مصدره الالهي وصفته اللاتاريخية والاطلاقية وفقدانه لصفته المرجعية التشريعية.

"وعليه فالقرآن ليس نصوصا مشفرة غير قابلة لفك رموزها وليس كتابا فوقيا غريبا لغة ومدلولا كي نضطرب في حركة وعينا لفهم طبيعته وغاياته....من هنا نفهم أيضا توكيد القرآن على عربيته لسانا ولغة دلالية."[9]

لقد يبرهن على ذلك بما قرره القدماء من أن نص الواقف كنص الشارع. نفى وجود عبادة صحيحة بإجماع وانما كل عبادة هي محاولة انسانية تخضع لمنطق الزيادة والنقصان.

"فالشريعة العملية اذا، هي من الليان بحيث تغدو طوع البنان، ازاء الظرف الموجب، مهما بدا متعسرا أو متعذرا."[10]

الدرس المستفاد مما سبق هو أن استصلاح الفكر الاسلامي يمر عبر الانفتاح على المغاير العلمي واحداث تحولات سياسية ومجتمعية جذرية والقيام بثورة معرفية موسوعية وجعل فهم الوحي يتغير مع روح العصر ومع تغير الظروف والاجتهادات وتطور الدلالات والفحوى، "وبذلك تظل للشريعة مرونتها وللتشريع حركيته و"ديناميته"[11].

غاية المراد أن "النظام الاسلامي الحضاري البديل بفلسفته الكونية يحول دون استلاب الانسان سياسيا أو اقتصاديا أو فكريا حين يحاط في التطبيق بكل هذه الأبعاد، فيرتقي فوق التنازع الطبقي أو العرقي أو السياسي، فلا يقنن الصراع بمنطق الديمقراطية والحزبية مع الابقاء على جذور الصراع الاقتصادية والاجتماعية، ولكنه يلغي الصراع بمبدأ السلم ويحقق التكافؤ بين الناس."[12]

في الختام ، توجد محاولات جادة من أجل النقد والتفكيك والتجديد في الفكر الاسلامي المعاصر ولكنها مجرد جراحات خارجية ولم تقم بتحريك البنية وزعزعة اليقينيات وكسر المرايا التقليدية والطبقات المتكلسة، ومازال ثمة امكانيات أرحب للاستصلاح والاستنبات.

فما السبيل الى الاتفاق على التأصيل والتفريع وعلى الاقتناع الحق والاقتصاد في الاعتقاد؟

المراجع:

أوليفيه روا، عولمة الاسلام، ترجمة لارا معلوف، دار الساقي،بيروت، الطبعة الأولى، 2003،

اسماعيل حسني، نظرية المقاصد عند الامام محمد الطاهر بن عاشور، المعهد العالمي للفكر الاسلامي، الطبعة الثانية، 2005.

عبد الله العلايلي، أين الخطأ؟ تصحيح مفاهيم ونظرة تجديد، دار الجديد ، بيروت، الطبعة الثانية، 1992.

حسين درويش العادلي، حرب المصطلحات، دار الهادي، بيروت، الطبعة الأولى ،2003.

زكي الميلاد، الاسلام والمدنية، الدار العربية للعلوم، ناشرون، الطبعة الأولى،2007.

محمد أبو القاسم حاج حمد، أبستيمولوجية المعرفة الكونية، دار الهادي ،بيروت، الطبعة الأولى، 2004،

[1] عبد الله العلايلي، أين الخطأ؟ تصحيح مفاهيم ونظرة تجديد، دار الجديد ، بيروت، الطبعة الثانية، 1992. التقديم،

[2] عبد الله العلايلي، أين الخطأ؟ تصحيح مفاهيم ونظرة تجديد، ص.14.

[3] زكي الميلاد، الاسلام والمدنية، الدار العربية للعلوم، ناشرون، الطبعة الأولى،2007.ص.112.

[4] اسماعيل حسني، نظرية المقاصد عند الامام محمد الطاهر بن عاشور، المعهد العالمي للفكر الاسلامي، الطبعة الثانية، 2005.ص.295.

[5] زكي الميلاد، الاسلام والمدنية، ص.136.

[6] عبد الله العلايلي، أين الخطأ؟ تصحيح مفاهيم ونظرة تجديد، ص.92.

[7] عبد الله العلايلي، أين الخطأ؟ تصحيح مفاهيم ونظرة تجديد، ص.92.

[8] أوليفيه روا، عولمة الاسلام، ترجمة لارا معلوف، دار الساقي،بيروت، الطبعة الأولى، 2003، ص.99.

[9] حسين درويش العادلي، حرب المصطلحات، دار الهادي، بيروت، الطبعة الأولى ،2003. ص.100.

[10] عبد الله العلايلي، أين الخطأ؟ تصحيح مفاهيم ونظرة تجديد، ص.18.

[11] عبد الله العلايلي، أين الخطأ؟ تصحيح مفاهيم ونظرة تجديد، ص.101.

[12] محمد أبو القاسم حاج حمد، أبستيمولوجية المعرفة الكونية، دار الهادي ،بيروت، الطبعة الأولى، 2004،ص.291.

 

يصدر في القاهرة كتاب توثيقي عن عبدالناصر منذ الطفولة حتى الوفاة.

ويحمل الكتاب عنوان (جمال عبد الناصر من القرية الى الوطن العربي الكبير 1918-1970) وأصدرته الدار المصرية اللبنانية في ذكرى ثورة 23 يوليو تموز 1952 التي مكنت تنظيم (الضباط الاحرار) بقيادة عبد الناصر من انهاء حكم فاروق الاول اخر ملوك مصر.

وقضت ثورة 1952 على نظام أسرة محمد علي الحاكمة منذ عام 1805 وأصبحت مصر جمهورية بداية من عام 1953 وأعادت الثورة الحكم الى المصريين بعد نحو 23 قرنا من الاحتلال الاجنبي المتصل اذ يرى مؤرخون أن مصر تعرضت لاطول غزو متعاقب منذ غزاها الاسكندر الاكبر عام 332 قبل الميلاد حتى خروج الاحتلال البريطاني عام 1956 تنفيذا لاتفاقية الجلاء التي وقعها عبد الناصر عام 1954 .

وكان اللواء محمد نجيب أول رئيس للجمهورية. وتولى عبد الناصر هذا المنصب منذ 1954 حتى وفاته يوم 28 سبتمبر أيلول 1970 .

والكتاب الذي يقع في 556 صفحة كبيرة القطع من تأليف المصريين خالد عزب وصفاء خليفة ويعد وثيقة تاريخية عن حياة عبد الناصر منذ الطفولة مستعينا بصوره في الطفولة وفي المدرسة الابتدائية وفي الكلية الحربية وفي الخرطوم عام 1940 حيث "قاد في السودان فصيلا عسكريا" وفي حصار الفالوجا في نهاية عام 1948 خلال الحرب مع اسرائيل والتي عاد منها عبد الناصر ليشرع في تشكيل تنظيم الضباط الاحرار بعد أن قال "معركتنا في القاهرة" في اشارة الى ضرورة تغيير نظام الحكم.

ويلقي الكتاب أضواء على ثقافة عبد الناصر واهتمامه بقراءة الفلسفة وتاريخ الثورات وبخاصة الثورة الفرنسية اذ ينشر صورة ضوئية لمقال نشره عام 1935 في مجلة (مدارس النهضة) بعنوان (فولتير رجل الحرية) ويسجل فيه أن فولتير وجان جاك روسو "حملا أقوى الاسلحة وأشدها فتكا وقد مهدا لمن أتى بعدهما للثورة الكبرى عام 1789 ."

ويقول الكتاب ان عبد الناصر قرأ سير الشخصيات المؤثرة في التاريخ مثل نابليون بونابرت وعمر بن الخطاب وغاندي والاسكندر الاكبر ويوليوس قيصر وجاريبالدي وانه كان معجبا بروايات كلاسيكية بعضها كتبه فيكتور هوجو كما تأثر برواية (قصة مدينتين) لتشارلز ديكنز "وذكر عبد الناصر أنه تعلم من رواية ديكنز كيف يمكن أن تكون الثورة بيضاء" وكانت ثورة 1952 توصف بأنها ثورة بيضاء حيث لم تمس العائلة المالكة بسوء.

وغادر الملك مصر يوم 26 يوليو 1952 بصحبة زوجته ناريمان وابنه أحمد فؤاد وبناته من زوجته الاولى فريدة على ظهر اليخت الملكي (المحروسة) وأطلقت له المدافع 21 طلقة وكان في وداعه محمد نجيب وبعض الضباط الاحرار.

ويسجل الكتاب بالصور أن عبد الناصر قام بدور قيصر في مسرحية (يوليوس قيصر) في "الحفلة التمثيلية السنوية التي أقامتها مدارس النهضة المصرية بتياترو برنتانيا يوم السبت 19 يناير سنة 1935 تحت رعاية حضرة صاحب المعالي أحمد نجيب الهلالي بك وزير المعارف العمومية."

ويضيف أنه حين كان في مدرسة النهضة الثانوية وقف يوم "عيد الجهاد" في 13 نوفمبر تشرين الثاني 1935 في فناء المدرسة وهتف "تحيا مصر حرة" ثم حمل العلم المصري وتقدم مظاهرة طافت مدارس الحي ثم انضمت الى مظاهرة لطلاب جامعة القاهرة واصطدم المتظاهرون بقوات الشرطة وسقط ضحايا وجرحى.

ويتابع أن عبد الناصر أصابت جبهته رصاصة أطلقها ضابط من قوات الاحتلال البريطاني "وتفجر الدم غزيرا من رأس الفتى الثائر للمرة الثانية وكانت الاولى.. وهو في الثانية عشرة.. عندما ضربه الجنود بالعصا على رأسه" في مدينة الاسكندرية الساحلية.

ونشر الكتاب صورة لصفحة من مجلة الجهاد في الشهر نفسه تحت عنوان (جرحى يلجأون الى دار الجهاد) وكان في مقدمتهم الطالب جمال عبد الناصر.

وفي الكتاب صورتان تجمعان عبد الناصر وتشي جيفارا بالقاهرة يوم 29 يونيو حزيران 1959 حيث قال جيفارا الثائر الارجنتيني انه لا يرغب في العمل السياسي لانه يحلم "بالثورة الكبرى... ثورتنا العالمية... في الثورة أجد نفسي" من الكونجو بافريقيا الى دول أمريكا اللاتينية.

ويسجل الكتاب أن عبد الناصر شرح له الفرق بين الثورة والعمل السياسي.. أو الثوري ورجل الدولة قائلا ان الثورة جميلة مثل علاقة رجل وامرأة "التعارف في البداية. المغامرات ثم الخطوبة. كلها مراحل جميلة لا يوجد فيها مسؤوليات. نعيش هيام الحب. نحب الثورة. نحب التمرد الى أن نصل الى الزواج. الزواج مسؤولية وجد.. أنت تريد فقط من الثورة ما هو قبل الزواج" وتبادلا الضحكات الا أن أيا منهما لم يقنع الاخر بوجهة نظره.

الأربعاء, 03 آب/أغسطس 2011 08:36

قال الشاعر مرحبا بالشهر الفضيل

أهلا بضيف يحل اليوم اربعنا*** فيزد هى الكون نورا من محياه‏

ضيف كريم به فخر لامتنا *** و فرحة و تباشير بلقياه‏

ضيف به رحمة الرحمان مشرقة *** على المساجد يهواها و تواه‏

شهر به انزل القران خالقنا *** و ليله القدر يرضاها و ترضاه‏

من صامه مخلصا لله ادخله‏ *** فى جنة الخلد مغفور الخطاياه‏

و من اقام لياليه فان له‏ *** فضلا عظيما و فى الفردوس ماواه‏

يا امة المصطفى الرحمان فضلكم‏ *** بامة وسط اذ غيركم تاهوا

شهر به الله دون الناس خصكم‏ *** لكى تنالوا العلا انتم بالقياه

و قال ايضا:

شهر الصيام لقد كرمت نزيلا *** و شفيت من كل القلوب عليلا

فيه الجنان تفتحت لقدومه‏ *** و الحور فيه تزينت تحفيلا

و بليلة قد قام يختم ورده‏ *** متبتلا لا له تبتيلا

فاجهد عساك تنالها فيما بقى*** بالجحد و احذر ان تكون غفولا

شهر الامانة و الصيانة و التقى‏ *** و الفوز فيه لمن اراد قبولا

طوبى لعبد صح فيه صيامه‏ *** و دعا المهيمن بكره و اصيلا

شهر يفوز على الشهور بليله‏ *** من الف شهر فضلت تفضيلا

و قال ايضا مبشرا الصائمين:

ايا معشر الصوام و افتكم البشرى‏ *** و قد نشر البارى بمد حكموذكرا

خصصتم بشهر فيه عتق و رحمة *** و قد اجزل الرحمان للطائم الا جرا

و مساجده مأنوسة بتلاوة *** و ذكر و كانت قبله تشتكى الهجرا

فطوبى لم ارضى الا له مسارعا *** الى سبل تهديه للرحلة الاخرى‏

و قام و صلى فى الدياجى و دمعه‏ *** على خده يجرى بمقلته العبرا

و اخلص لله العظيم قيامه‏ *** و عاهده سرا و راقبه جهرا

و قال ايضا:

قد جاء شهر الصوم فيه الامان‏ *** و العتق و الفوز بسكنى الجنان‏

طوبى لعبد صامه، و اتقى‏ *** مولاه فى الفعل و نطق اللسان‏

ذاك الذى قد خصه ربه‏ *** بجنة الخلد و حور الحسان

و قال ايضا:

رمضان يا خير الشهور تحية *** تضفى عليك من الجلال جلالا

رمضان ها قد جئت تطرق بابنا *** و تريد منا ان نكون رجال‏

ان الصيام عبادة سرية *** و السر اوسع ما يكون مجالا

و (الصوم لى و انا الذى اجزى به)*** صدق الحديث و صح عنه تعالى‏

بالصوم تنطبع النفوس على الوفا *** فيزيدها قدسية و جمالا

(صوموا تصحوا) قالها خير الورى‏ *** و بذاك اوصى صحبه و الآلا

و قال ايضا:

هذا هلال الشهر سل حسامه‏ *** و على حواشى الافق خط علامه‏

رمضان تاج فوق مفرق عامه‏ *** وافى يتوج بالكرامة عامه‏

طوبى لمن فيه تزود بالتقى‏ *** و جرى على السنن القويم و صامه‏

ليس الصيام بان تجوع و لا بان‏ *** يدع المسى‏ء شرابه و طعامه‏

بل سره ان يمسك الانسان من‏ *** فحش و يترك سبه و خصامه‏

فحذار لا يغتب و لا يرفث و لا *** يحبط بمعصية الا له صيامه‏

و ليقرأ القرآن فيه مرتلا *** ايامه متفقها احكامه‏

فالله يجزل للماجهد اجره‏ *** و الله يحسن للتقى ختامه

و قال ايضا فى ليله القدر:

يا ليله جمعت للقول الوانا *** ماذا اثرت؟ و ماذا اوثر الآنا؟

كم فيك من امل تهفو النفوس له‏ *** و فيك من الم ينساب اشجانا؟

فى جانبيك ادكار المجد مؤتلق‏ *** لكنه النار يسرى فى حنايانا

يا ليلة زين (التنزيل) غرتها *** و انزلت فى كتاب الله (عنوانا)

فرددتها الليالى و هى رافعة *** على المدى لرسول الله شكرانا

ياليلة القدر يا ذكر مفاخرنا *** يا خير من الف شهر فى الدنا شانا

ما الف شهر بلا عز نسود به‏ *** بل ما جميع الليالى دون عليانا

يا ليله القدر لو فى الناس مدكر *** واها لذاكراك بل آها لذكرانا

اتذكرين عهودا للهدى سلفت‏ *** من بعد ما رفعت للعدل سلطانا؟

حتى اذا دارت الايام دورتها *** اذ بنا ننشد الماضى الذى كانا

فى مدرسة رمضان صفحة ٢٤٣

هادى الخزرجى

_____________________________________________________

عادنى من أطياف و حيك دفق‏ *** فمشى يؤنس الحوالك برق‏

حالمات ما كدن يخطرن حتى‏ *** أرقص الجانح المهوم خفق‏

فجسست الؤتار بعد هجوع‏ *** فتبارى شدو و ردد و جوق‏

و جلوت الصدى عن الكأس فافتر*** و بى للسلافة البكر شوق‏

أنا لولا و حى لديك لما موسق‏ *** عود عندى و عربد زق

قد تعددت فى معانيك يا *** عيد ففى كل جانح لك أفق‏

فبأحلام طفلتى أنت أثواب‏ *** حسان الألوان حمر و زرق‏

و أراجيح فى الهوى و مواصيل‏ *** على نطقة الصغار تنق‏

و شفاه تثرثر الكلم الساذج‏ *** من ناعم النسيم أرق‏

نظرات بريئة فى عيون‏ *** تسكب الطهر لم يدنسه حنق‏

و بأحلام جدتى أنت كعك‏ *** العيد يدحى بكفها و يرق‏

و حكايا مزوقات عن السلطان‏ *** فى مسمع الصغار تزق‏

و حنين الى الشباب و أولاع ترامت*** أبعادها فهى مزق‏

و بقايا صبابة نم عنها *** راحة خضبت و رجل شق‏

يا لحلو الشباب ان راح تبقى‏ *** منه للنفس ذكريات و عشق

و بدنيا المرفهين لذاذات تنزى فيها على الاثم عرق‏

كل أيامهم نعيم و أعياد فما جد فى صباحك فرق‏

خبروا أمتع اللذائذ فالبكر عتيق حتى تجشأ ذوق‏

لم يخافوا أن تنضب الكاس ما دام لهم من مناكب العرى رزق‏

انهم ما علمت عب‏ء على الدنيا يئد احتماليه و يشق‏

فاذا عدت المفاخر لم تعدم لهم زامرا و طبلا يدق‏

أى فوضى فى الكون أن يشمخ الزيف و أن يدمغ المقاييس خرق

ولدى البائسين أنت سويعات‏ *** بها قسوة الحياة ترق‏

فيفيئوا الى حصيلة حول‏ *** أد فيه الأجسام حرث و طرق‏

بين ثوب و إن تواضع الا *** أنه ليس فيه رتق و فتق‏

و رغيف يلين بالمضغ لم يتعب‏ *** كباقى أيامه منه شدق‏

و وعود لزوجة و صغار *** أنه سوف ينعش الحقل ودق

أيها العيد أنت أبعد مما نحوه من النعوت و شقوا

ان معنى تريده منك دنيا الله أسمى مما رأوا و أدق‏

لست بالعيد أو يسود القوانين بأيدى الحكام عدل و صدق‏

و بأن يفهموا و كم تكشف الأيام أن الشعوب لا تسترق‏

و بأن تسمع الصروح نداء السفح حتى يزول حقد و حمق‏

و بأن توسع الهوامش ابعادا و أن يدخل الحياة الأحق‏

من أناس عاشوا الحياة فقاعات اذا مسها النسيم تطق‏

و يذاد الغربان عن سرحة الروض ليشدو على الخمائل ورق‏

فترقب أولا فذى خدعة الأحلام أن العرجون فى النخل عذق

 

الأربعاء, 03 آب/أغسطس 2011 08:34

رمضان شهر التأمل الذاتي

لو تأمل كل إنسان في ذاته، واستقرأ حياته وأوضاعه، لوجد أن له أفكاراً يتبناها، وصفات نفسية وشخصية يحملها، وسلوكاً معيناً يمارسه، وأنه يعيش ضمن وضع وقالب يؤطر حياته الشخصية والاجتماعية.

والسؤال الذي يجب أن يطرحه الإنسان على نفسه هو: هل هو راضٍ عن الحالة التي يعيشها؟ وهل يعتبر نفسه ضمن الوضع الأفضل والأحسن؟ أم أنه يعاني من نقاط ضعف وثغرات؟ وهل أن ما يحمله من أفكار وصفات، وما يمارسه من سلوك، شيء مفروض عليه لا يمكن تغييره أو تجاوزه؟ أم أنه إنسان خلقه اللَّه حراً ذا إرادة واختيار؟

إن هذه التساؤلات كامنة في نفس الإنسان، وتبحث عن فرصة للمكاشفة والتأمل، يتيحها الإنسان لنفسه، لينفتح على ذاته، وليسبر غورها، ويلامس خباياها و أعماقها.

ورغم حاجة الإنسان إلى هذه المكاشفة والمراجعة، إلاّ أن أكثر الناس لا يقفون مع ذاتهم وقفة تأمل وانفتاح: لأسباب أهمها ما يلي:

أولاً: الغرق في أمور الحياة العملية، وهي كثيرة، ما بين ماله قيمة وأهمية، وما هو تافه وثانوي.

ثانياً: وهو الأهم، أن وقفة الإنسان مع ذاته، تتطلب منه اتخاذ قرارات تغييرية بشأن نفسه، وهذا ما يتهرب منه الكثيرون، كما يتهرب البعض من إجراء فحوصات طبية لجسده، خوفاً من اكتشاف أمراض تلزمه الامتناع عن بعض الأكلات، أو أخذ علاج معين.

دعوة إلى مكاشفة الذات: في تعاليم الإسلام دعوة مكثفة للانفتاح على الذات ومحاسبتها، بعيداً عن الاستغراق في الاهتمامات المادية، والانشغالات الحياتية، التي لا تنتهي. فقد ورد في الأثر: حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، وزنوها قبل أن توزنوا.

إن لحظات التأمل ومكاشفة الذات، تتيح للإنسان فرصة التعرف على أخطائه ونقاط ضعفه، وتدفعه لتطوير ذاته نحو الأفضل. فثمرة المحاسبة إصلاح النفس.

ولعل من أهداف قيام الليل، حيث ينتصب الإنسان خاشعاً أمام خالقه، وسط الظلام والسكون، إتاحة هذه الفرصة للإنسان.

وكذلك فإن عبادة الاعتكاف قد يكون من حكمتها هذا الغرض، والاعتكاف هو اللبث في المسجد بقصد العبادة، لثلاثة أيام أو أكثر مع الصوم، بحيث لا يخرج من المسجد إلا لحاجة مشروعة.

ولا يوجد شهر آخر يماثل شهر رمضان في هذه الخاصية، فهو خير شهر يقف فيه الإنسان مع نفسه متدبراً متأملاً، ففيه تتضاعف الحسنات، وتمحى السيئات كما روي عن رسول اللَّه (صلى الله عليه وآله وسلم)، وفي هذا الشهر فرصة عمر كبرى للحصول على مغفرة اللَّه فـ (إن الشقي من حرم غفران اللَّه في هذا الشهر العظيم) كما في الحديث النبوي، وقد يغفل البعض عن أن حصول تلك النتائج هو بحاجة إلى توجه وسعي.

فهذا الشهر ينبغي أن يشكل شهر مراجعة وتفكير وتأمل ومحاسبة للنفس، إذ حينما يمتنع الإنسان في هذا الشهر الكريم عن الطعام والشراب، وبقية الشهوات التي يلتصق بها يومياً، فإنه يكون قد تخلص من تلك الا نجذابات الأرضية، مما يعطيه فرصة للانتباه نحو ذاته ونفسه، وتأتي تلك الأجواء الروحية التي تحث عليها التعاليم الإسلامية، لتحسّن من فرص الاستفادة من هذا الشهر الكريم، فصلاة الليل مثلاً فرصة حقيقية للخلوة مع اللَّه، ولا ينبغي للمؤمن أن يفوت ساعات الليل في النوم، أو الارتباطات الاجتماعية، ويحرم نفسه من نصف ساعة ينفرد فيها مع ربه، بعد انتصاف الليل، وهو بداية وقت هذه الصلاة المستحبة العظيمة، وينبغي أن يخطط المؤمن لهذه الصلاة، حتى تؤتي بأفضل ثمارها ونتائجها، فيؤديها وهو في نشاط وقوة، وليس مجرد إسقاط واجب أو مستحب، بل يكون غرضه منها تحقيق أهدافها قال عز وجل: «وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَّكَ عَسَى أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَّحْمُودًا».

وقراءة القرآن الكريم والتي ورد الحث عليها في هذا الشهر المبارك، فهو شهر القرآن يقول تعالى: «شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ» وفي الحديث الشريف: لكل شيء ربيع وربيع القرآن شهر رمضان. هذه القراءة إنما تخدم توجه الإنسان للانفتاح على ذاته، ومكاشفتها وتلمس ثغراتها وأخطائها، لكن ذلك مشروط بالتدبر في تلاوة القرآن، والاهتمام بفهم معانيه، والنظر في مدى الالتزام بأوامر القرآن ونواهيه.

إن البعض من الناس تعودوا أن يقرأوا ختمات من القرآن في شهر رمضان، وهي عادة جيدة، لكن ينبغي أن لا يكون الهدف طي الصفحات دون استفادة أو تمعن.

وإذا ما قرأ الإنسان آية من الذِّكْرِ الْحَكِيمِ، فينبغي أن يقف متسائلاً عن موقعه مما تقوله تلك الآية، ليفسح لها المجال للتأثير في قلبه، وللتغيير في سلوكه، ورد عنه (صلى الله عليه وآله وسلم) أنه قال: إن هذه القلوب تصدأ كما يصدأ الحديد.

قيل: يا رسول اللَّه فما جلاؤها؟

قال: تلاوة القرآن وذكر الموت.

وبذلك يعالج الإنسان أمراض نفسه وثغرات شخصيته فالقرآن «شِفَاء لِّمَا فِي الصُّدُورِ».

والأدعية المأثورة في شهر رمضان، كلها كنوز تربوية روحية، تبعث في الإنسان روح الجرأة على مصارحة ذاته، ومكاشفة نفسه، وتشحذ همته وإرادته، للتغير والتطوير والتوبة عن الذنوب والأخطاء. كما تؤكد في نفسه عظمة الخالق وخطورة المصير، وتجعله أمام حقائق وجوده وواقعه دون حجاب.

مجالات التأمل الذاتي:

إن حاجة الإنسان إلى التأمل والمراجعة لها أهمية قصوى في أبعاد ثلاثة:

البعد الأول: المراجعة الفكرية:

أن يراجع الإنسان أفكاره وقناعاته، ويتساءل عن مقدار الحق والصواب فيها، ولو أن الناس جميعاً راجعوا أفكارهم وانتماءاتهم، لربما استطاعوا أن يغيروا الأخطاء والانحرافات فيها، غير أن لسان حال الكثير من الناس «إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ» وليكن الإنسان حراً مع نفسه، قوياً في ذاته. إذا ما اكتشف أنه على خطأ ما، فلا يتهيب أو يتردد من التغيير والتصحيح.

البعد الثاني: المراجعة النفسية:

أن يراجع الإنسان الصفات النفسية التي تنطوي عليها شخصيته، فهل هو جبان أم شجاع؟ جريء أم متردد؟ حازم أم لين؟ صادق أم كاذب؟ صريح أم ملتو؟ كسول أم نشيط؟.. الخ. وليطرح الإنسان على نفسه عدداً من الأسئلة التي تكشف عن هذا البعد، مثل: ماذا سأفعل لو قصدني فقير في بيتي؟ ماذا سأفعل لو عبث الأطفال بأثاث المنزل؟ ماذا سأفعل لو حدث أمامي حادث سير؟ وكيف سيكون رد فعلي لو أسيء إلي في مكان عام؟ وكيف أقرر لو تعارضت مصلحتي الشخصية مع المبدأ أو المصلحة العامة؟

وتأتي أهمية هذه المراجعة في أن الإنسان ينبغي أن يقرر بعدها أن يصلح كل خلل نفسي عنده، وأن يعمل على تطوير نفسه، وتقديمها خطوات إلى الأمام.

البعد الثالث: المراجعة الاجتماعية والسلوكية:

أن يراجع الإنسان سلوكه وتصرفاته مع الآخرين، بدءاً من زوجته وأطفاله، وانتهاءً بخدمه وعماله، مروراً بأرحامه وأصدقائه، وسائر الناس، ممن يتعامل معهم أو يرتبط بهم.

وهذا الشهر الكريم هو خير مناسبة للارتقاء بالأداء الاجتماعي للمؤمن، ولتصفية كل الخلافات الاجتماعية، والعقد الشخصية، بين الإنسان والآخرين، وقد حثت الروايات الكثيرة على ذلك، إلى حد أن بعض الروايات تصرّح: بأن مغفرة اللَّه وعفوه عن الإنسان يبقى مجمداً فترة طويلة، حتى يزيل ما بينه وبين الآخرين من خلاف وتباعد، حتى وإن كانوا هم المخطئين في حقه، وحتى لو كان أحدهما ظالماً والآخر مظلوماً فإنهما معاً يتحملان إثم الهجران والقطيعة، إذ المظلوم منهما يتمكن من أن يبادر لأخيه بالتنازل وإزالة الخلاف، فما أوضحها من دعوة للمصالحة الاجتماعية، وما أعظمها من نتيجة لو تحققت خلال هذا الشهر الكريم، وما أكبر منزلة تلك القلوب التي تستطيع أن تتسامى على خلافاتها، وتتصالح في شهر القرآن، من أجل الحصول على غفران اللَّه؟ من هنا يحتاج الإنسان حقاً إلى قلب طاهر متزكي، ونية خير صادقة، فاسألوا اللَّه ربكم بنيات صادقة وقلوب طاهرة.

من جانب آخر فقد تسيطر على الإنسان بعض العادات والسلوكيات الخاطئة، ومهما كان عمقها في نفس الإنسان، والتصاقه بها، فإن الإرادة أقوى من العادة، وشهر رمضان أفضل فرصة لنفض وترك العادات السيئة الخاطئة.

فهنيئاً لمن يستفيد من أجواء هذا الشهر المبارك في المكاشفة مع ذاته، وإصلاح أخطائه وعيوبه، وسد النواقص والثغرات في شخصيته، فيراجع أفكاره وآراءه، ويدرسها بموضوعية، ويتأمل صفاته النفسية ليرى نقاط القوة والضعف فيها، ويتفحص سلوكه الاجتماعي، من أجل بناء علاقات أفضل مع المحيطين به.

وبهذه المراجعة والتراجع عن الأخطاء، يتحقق غفران اللَّه تعالى للإنسان في شهر رمضان، أما إذا بقي الإنسان مسترسلاً سادراً في وضعه وحالته، فإنه سيفوّت على نفسه هذه الفرصة العظيمة، وسينتهي شهر رمضان، دون أن يترك بصمات التأثير في شخصيته وسلوكه، وبالتالي فقد حرم نفسه من غفران اللَّه تعالى، وحقاً أن من لا يستفيد من هذه الفرصة ولا يستثمر هذه الأجواء الطيبة يكون شقياً.

 

الأربعاء, 03 آب/أغسطس 2011 08:29

الشباب وشهر رمضان

لفهم العلاقة القائمة بين المقولتين المكونتين لعنوان المقال؛ "الشباب" و"شهر رمضان"، والتواصل الإيجابي بينهما، لا بدّ من بيان طبيعة وأبعاد كلّ واحدة من هاتين المقولتين:

أوّلاً: الشباب

1-الحيويّة والنشاط

تتميّز فترة الشباب بالحيويّة والنشاط، وهما يعبّران عن حالة صحيّة وإيجابيّة في واقع الشباب، ولكن بشرط أن تنضبط هذه الحيويّة وهذا النشاط بروح الإيمان وحاجز التقوى، ويصبحان حالة عطاء في الإيمان وحركة في التقوى، وفي ضوء ذلك يتحول الشاب شعلة من الضياء والعطاء، ويستحق الشاب بذلك وسام الفتوّة، وهذا الوسام وإن لم يكن مختصاً بالشباب - يعنى السن الخاص - بل يشمل كلّ مؤمن صادق في إيمانه ومتق حركيّ في تقواه، فعن الإمام الصادق (عليه السلام) قال لسليمان بن جعفر الهذلي: يا سليمان، من الفتى؟

قال: قلت: جعلت فداك، الفتى عندنا الشاب.

قال لي: أما علمت أنّ أصحاب الكهف كانوا كلّهم كهولا فسماهم الله فتية بإيمانهم، يا سليمان، من آمن بالله واتقى فهو الفتى. إلا أن الغالب حصول ذلك في السن الخاص الذي يسمى بسن الشباب، أو ما يقرب منه.

هذا، وإذا افترقت الحيوية والنشاط عن الإيمان والتقوى، وقع الشاب في حالة الغرور بل الجنون، فقد ورد عن الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم): "الشباب شعبة من الجنون". وهذا واضح، إذ الحيويّة والنشاط غير المنضبطتين بالإيمان والتقوى، والمنطلقين في أجواء اللهو والهوى، يخلقان من الشاب قنبلة موقوتة مخرّبة، وكتلة من المشاعر المتناقضة.

2- الميل لتحقيق شهواته ورغباته بالأساليب المختلفة.

هذا الميل هو الطبيعة الأولية للشباب، وهو مقتضى الحيوية والنشاط في ذاتهما، ولكن من الواضح أنّه بالإيمان والتقوى تتكون لدى الشاب طبيعة ثانية تمثل التعفف والتورع، وهذا الأمر وإن كان صعباً إلا أنّه ممكن وحاصل في ظلّ التربية الصالحة، والإرادة القوية، وهذا هو السر في الثناء الكبير في النصوص الدينية على الشاب المتعفف المتورع، والشاب التائب.

فقد روي عن الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم): إنّ الله تعالى يباهي بالشاب العابد الملائكة، يقول: انظروا إلى عبدي، ترك شهوته من أجلي.

وروي عنه (صلى الله عليه وآله وسلم) كذلك: ما من شاب يدع لله الدنيا ولهوها، وأهرم شبابه في طاعة الله إلا أعطاه الله أجر اثنين وسبعين صديقاً.

وعنه (صلى الله عليه وآله وسلم): إنّ أحب الخلائق إلى الله عز وجل، شاب حدث السن في صورة حسنة، جعل شبابه وجماله لله وفي طاعته، ذلك الذي يباهي به الرحمن ملائكته، يقول: هذا عبدي حقاً.

وعنه (صلى الله عليه وآله وسلم): إنّ الله تعالى يحب الشاب التائب.

وعنه (صلى الله عليه وآله وسلم): ما من شيء أحب إلى الله تعالى من شاب تائب.

3- القابليّة والإستعداد لتحصيل الكمالات العلميّة والعمليّة.

هذه حقيقة ملموسة، ولكن المهم إخراج هذه القابلية إلى مرحلة الفعليّة، وفي الاتجاه المناسب، واستثمار هذه الطاقة الهائلة المخزونة في كيان الشاب ووجوده.

وهذه مسؤولية المنزل أولاً، والمجتمع ثانياً، بالإضافة للإرادة الواعية المسؤولة لدى الشاب نفسه.

وهذا بالطبع يحتاج إلى جهد مدروس وتعاون صادق من جميع الجهات التي لها تأثير على حيات الشاب ومستقبله.

وفي هذا السّياق نجد الإسلام يؤكد على هذه الحقيقة، ويدعوا إلى استثمارها على أحسن وجه.

فعن الإمام الصادق (عليه السلام): وصية ورقة بن نوفل لخديجة بنت خويلد إذا دخل عليها، يقول لها: اعلمي إنّ الشاب الحسن الخلق مفتاح للخير مغلاق للشر، وأن الشاب الشحيح الخلق مغلاق للخير مفتاح للشر. فهذه الرواية تشير إلى حقيقة أنّ الواقع الخلقي الفعلي الراسخ يمثـّل منطلقاً ومفتاحاً لأبواب الخير أو الشر بما يتناسب وهذا الواقع الخلقي.

وعنه (عليه السلام): لست أحب أن أرى الشاب منكم إلا غاديا في حالين: إما عالما أو متعلما، فإن لم يفعل فرّط، فإن فرّط ضيّع، فإن ضيع أثم، وإن أثم سكن النار، والذي بعث محمدا بالحق.

وعن الإمام الباقر (عليه السلام): لو أتيت بشاب من شباب الشيعة لا يتفقه في الدين لأدبته.

وعن الرسول الكريم (صلى الله عليه وآله وسلم): من تعلم في شبابه كان بمنزلة الرسم في الحجر.

ثانياً: شهر رمضان

وأقصد به هذه الحقبة الزمنيّة المباركة بما تختزنه من بركة وعطاء: إنّه لمن الصعب القريب من المحال أن يتمكن إنسان من بيان حقيقة هذا الشهر الكريم، واستيعاب دائرة عطائاته وبركاته، فإنّه شهر الله تعالى، شهر القرآن، شهر الإسلام، ولذا يروى عن الرسول الكريم (صلى الله عليه وآله وسلم) أنّه لمّا حضر شهر رمضان، قال: سبحان الله، ماذا تستقبلون؟ وماذا يستقبلكم؟، قالها ثلاث مرّات.

وكان من دعاء الإمام زين العابدين (عليه السلام): إذا دخل شهر رمضان: الحمد الله الذي حبانا بدينه، وخصّنا بملّته، وسبّلنا في سبيل إحسانه لنسلكها بمنّه إلى رضوانه، حمداً يتقبّله منّا، ويرضى به عنّا، والحمد لله الذي جعل من تلك السبل شهره رمضان، شهر الصيام، وشهر الإسلام، وشهر الطهور، وشهر التمحيص، وشهر القيام.

ولكن لا يمنع ذلك من الإشارة إلى بعض جوانب هذا الشهر الكريم، في ضوء اللفتات التي تطرحها النصوص المتعدّدة:

1- إنّه شهر نزول القرآن وانتشار الهدى، يعتبر موسماً تربوياً ثقافيّاً.

يتميز شهر رمضان بعدة ميزات مهمة تجعله أفضل شهور شهور السنة، وأيامه أفضل الأيام، ولياليه أفضل الليالي، وساعاته أفضل الساعات.

من هذه الميزات؛ أنه شهر نزول القرآن وانتشار الهدى بين الناس، قال تعالى: «شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ...» (البقرة-185).

ولذلك تجد هذا الشهر الكريم يتميز على غيره من الشهور بانتشار النشاطات الدينية والثقافية، وانتعاش حركة التبليغ والإرشاد بين الناس، حتى يتحول الشهر الكريم بأكمله إلى موسم ثقافي تربوي، وتظاهرة دينية كبرى.

ويتزين هذا الشهر بمجموعة من المناسبات الإسلامية المهمة التي كانت - ولا زالت تصلح أن تكون - منطلقا لتحول أساسي في حيات المسلمين، كغزوة بدر، وليلة القدر، وشهادة الإمام علي (عليه السلام)، وأخص بالذكر والتأكيد ليلة القدر التي هي خير من ألف شهر (يعني خير من ستّين عاماً)، فإنّها فرصة استثنائية لإعادة الحساب وترتيب الأمور في الاتجاه الصحيح.

وهنا أؤكد على إخواني الشباب بلزوم استغلال واستثمار الفرص المتاحة في هذا الشهر الكريم للرجوع إلى الله تعالى، وتقوية العلاقة معه سبحانه، والاستنارة بنور الوعي الديني من خلال التواجد والتواصل مع الأنشطة الدينية والثقافية المنتشرة هنا وهناك.

2- إنّه شهر ضيافة الله يعتبر موسماً معنوياً.

إنّ التعبير عن شهر رمضان بأنّه؛ شهر ضيافة الله، تعبير عميق ولطيف عن البعد المعنوي لهذا الشهر الكريم، فهو تعبير مستوعب لجميع حالات القرب من العبد لمولاه، وحالات اللطف من المولى على عبده.

فعن الإمام علي (عليه السلام): قال: إنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) خطبنا ذات يوم.

فقال: أيّها الناس، إنّه قد أقبل إليكم شهر الله بالبركة والرحمة والمغفرة شهر هو عند الله أفضل الشهور، وأيامه أفضل الأيّام، ولياليه أفضل الليالي، وساعاته أفضل الساعات، هو شهر دعيتم فيه إلى ضيافة الله، وجعلتم فيه من أهل كرامة الله، أنفاسكم فيه تسبيح، ونومكم فيه عبادة، وعملكم فيه مستجاب.

وهذه الخطبة كما ترى أعطت صورة واضحة لطبيعة وأجواء الضيافة الإلهيّة، ولا شكّ إنّ طبيعة الضيافة تقتضي أن يكون الضيف متأدّباً في محضر مضيّفه، والمضيّف دائم العناية والالتفات إلى ضيفه، والخطبة أوضحت جانباً من مظاهر هذه العناية الخاصة.

إنّها فرصة ثمينة لاستنزال الرحمة والعناية الخاصة الإلهيّة، فعلينا أن نستفيد منها لما فيه خيرنا وسعادتنا في الدنيا والآخرة.

3- إنّه شهر التوبة والمغفرة والرحمة، رجوع العبد إلى مولاه، وقبول المولى لعبده.

هذه نتيجة طبيعيّة لتلك الحقيقة المتعالية لشهر رمضان، فكيف يردّ المضيّف ضيفه إذا طلب شيئاً مما هو في متناول يديه وسهل عنده، ولذا ورد في الحديث الشريف عن الرسول الكريم (ص): إنّ الشقي حقّ الشقي من خرج منه هذا الشهر ولم يغفر ذنوبه.

في ضوء فهم حقيقة هاتين المقولتين (الشباب وشهر رمضان) فهماً واعياً، تتضح طبيعة العلاقة بينهما، ومدى التفاعل والتواصل الإيجابي بينهما، فلشهر رمضان تأثير كبير في جذب الشباب للتعاليم الإسلاميّة العالية، وربطهم بالحالة الإيمانيّة، فشهر رمضان مركز إسلامي كبير لرعاية الشباب وتربيتهم، وجذبهم إلى الحياة الدينيّة الكريمة، والانطلاق بهم في مدارج الكمال والجمال الروحي.

الفهم السطحي والسلبي لشهر رمضان

ولكن ومع الأسف هناك فهم سطحي وترفي لشهر رمضان، يفرغ الشهر الكريم من محتواه الحقيقي وتأثيره الواقعي، وذلك من خلال تصوير شهر رمضان وكأنّه:

1- موسم ترفيهي، ملؤه المسابقات الرياضيّة، والبرامج الترفيهيّة، والتجمعات المختلفة التي تصبّ في هذا المصب.

2- موسم للسهرات اللاهية، من خلال البرامج المخصوصة التي تعرض في آخر الليل، والحفلات الساهرة، والسهرات غير الهادفة.

3- موسم للتنوع في الأكلات، والإفراط في الأكل، حتى عاد شهر رمضان موسماً للتخمة، والإيغال في اللذات والشهوات، على خلاف أهدافه المعلنة وغير المعلنة من أنّه موسم لتصفية النفس وتطهيرها.

وعلى كلّ حال، فبهذا الفهم الخاطئ، وهذه الممارسة السيئة، يراد مسخ شهر رمضان، وتفريغه من محتواه الحقيقي وتأثيره الواقعي، ليتحوّل شهر رمضان إلى شهر الشيطان بدلاً من شهر الله، وشهر الدنيا وشهواتها لا شهر القرآن والإسلام، وشهر السهرات اللاهية لا شهر القيام للعبادة والمناجات للمحبوب الحقيقي.

والضحيّة الأولى لهذا الفهم الخاطئ هم الشباب، فإنّهم يحرمون من الفرصة الإستثنائيّة للعودة والرجوع إلى الله، وترتيب حياتهم في خط الدين.

ولكن مع ذلك يبقى الموقف النهائي بيد الشاب، فهو الذي يقرر أن يلتحق بركب الرمضانيين الحقيقيين، ويستفيد من العطائات المعنويّة والثقافية للشهر الكريم، أو يبقى في الدائرة المفرغة للشهوات الدنيويّة على طول الخط، وأملنا في الشباب كبير أن يمثّلوا الفتوّة والوعي والإرادة القويّة أمام جميع مغريات الدنيا وطرقها الملتوية، وينجذبوا لجمال الدين وسبله المستوية، ومنها شهر رمضان كما مرّ عليك في رواية الإمام زين العابدين (عليه السلام).

هذا بالنسبة لشهر رمضان على نحو العموم، أمّا لو نظرنا إلى شعيرة الصيام في هذا الشهر الكريم، التي هي من أهم مميزات هذا الشهر، لوجدناها تعمّق تلك العلاقة الوثيقة بين الشباب وشهر رمضان، وذلك التأثير الإيجابي لشهر رمضان على واقع الشباب. وهذا التأثير بالطبع إنما هو للصيام في فهمه الصحيح الواقعي، لا السطحي والشكلي.

الفهم الصحيح للصيام

هو حالة الكف والإمساك على المستويات الثلاثة التالية:

1- عن المفطرات المذكورة في كتب الفقه، من الأكل والشرب والجماع.

2- عن المحرمات والمآثم المرتبطة بالجوارح من اللسان والسمع والبصر.

3- عن جميع أسباب الشر والرذيلة، من خلال تفريغ القلب من الاشتغال بغير الله تعالى.

هذه مراتب الصيام، وبمجموعها تعبّر عن حقيقة الصيام الرفيعة.

وقد ورد عن الإمام علي (عليه السلام): الصيام اجتناب المحارم، كما يمتنع الرجل من الطعام والشراب.

وعن فاطمة الزهراء (عليه السلام): ما يصنع الصائم بصيامه إذا لم يصن لسانه وسمعه وبصره وجوارحه.

وعن الإمام علي (عليه السلام): صوم القلب خير من صيام اللسان، وصيام اللسان خير من صيام البطن.

وعنه (عليه السلام): صيام القلب عن الفكر في الآثام أفضل من صيام البطن عن الطعام.

وعنه (عليه السلام): صوم النفس عن لذّات الدنيا أنفع الصيام.

وعنه (عليه السلام): صوم الجسد؛ الإمساك عن الأغذية بإرادة واختيار خوفاً من العقاب ورغبة في الثواب والأجر، وصوم النفس؛ إمساك الحواس الخمس عن سائر المآثم، وخلو القلب من جميع أسباب الشر.

وللصيام عدّة أبعاد، وله عدّة معاني مهمة ومعطيات أساسيّة في حيات الإنسان المؤمن:

1- يعبّر الصوم عن علاقة خاصة "موقف عبادي خفي" بين العبد ومولاه، البعد العبادي.

فهو بالإضافة لكونه واجباً شرعيّاً كباقي الواجبات العباديّة، فإنّه يتميز بخصوصيّة جعلته يختص بجناب الحق تعالى، فقد ورد في الحديث عن الإمام الصادق (عليه السلام): قال الله تبارك وتعالى: كلّ عمل ابن آدم هو له، غير الصيام هو لي وأنا أجزي به.

وقد تعدّدت الأقوال في تفسير هذه الخصوصيّة. وكيف كان، فلا شك أن الصوم بما له من كفّ وإعراض عن مجموعة من الشهوات واللذات البطنيّة والفرجيّة، واستدامة ذلك طوال اليوم، من غير أن يكون له صورة ظاهرة كالصلاة والحج وغيرهما من العبادات، ممّا ميّز الصوم بمستوى من الخلوص والمراقبة الدائمة لله تعالى، جعلته ينال هذا الوسام الرفيع.

2- يحرّك الصيام جانب الشعور بالمواساة للفقراء والمساكين، وتثبيت الخشوع والإخلاص في نفس الإنسان الصائم، البعد التربوي للصيام.

فللصيام دوره التربوي على المستوى الشخصي والذاتي، من خلال خشوع النفس، وتصفيتها وتزكيتها، والإرتقاء بها من حضيض النفس البهيميّة إلى ذروّة التشبّه بالملائكة الروحانيين، وعلى المستوى الإجتماعي والإنساني، وذلك من خلال التحسّس لآلام الضعفاء، والتعاون والتكافل بين أبناء المجتمع.

وفي هذا الإطار ورد عن الإمام الرضا (عليه السلام)، في بيان علّة وجوب الصوم: لكي يعرفوا ألم الجوع والعطش، ويستدلّوا على فقر الآخرة، وليكون الصائم خاشعاً ذليلاً مستكيناً مأجوراً محتسباً عارفاً صابراً لما أصابه من الجوع والعطش، فيستوجب الثواب، مع ما فيه من الإمساك عن الشهوات، وليكون ذلك واعظاً لهم في العاجل، ورائضاً لهم على أداء ما كلّفهم، ودليلاً لهم في الأجر، وليعرفوا شدّة مبلغ ذلك على أهل الفقر والمسكنة في الدنياً، فيؤدوا إليهم ما فرض الله تعالى لهم في أموالهم.

وعن الإمام علي (عليه السلام): فرض الله الصيام ابتلاءً لإخلاص الخلق.

وعنه (عليه السلام): وعن ذلك ما حرس الله عباده المؤمنين بالصلاة والزكوات، ومجاهدة الصيام في الأيام المفروضة، تسكيناً لأطرافهم، وتخشيعاً لأبصارهم، وتذليلاً لنفوسهم، وتخفيضاً (تخضيعاً) لقلوبهم.

3- للصيام تأثير إيجابي على سلامة وصحة الصائم، البعد الصحي.

فقد ورد عن الرسول الكريم (صلى الله عليه وآله وسلم): لكلّ شيء زكاة وزكاة الأبدان الصيام.

وعنه (صلى الله عليه وآله وسلم): صوموا تصحّوا. وهذا ما شهد به الأطباء والأخصائيين.

والحمد للّه على نعمائه وجزيل عطائه.

كاتب: السيد مجيد المشعل

 

الأربعاء, 03 آب/أغسطس 2011 08:23

أربعين حديث في فضل شهر رمضان

قال الله تبارك و تعالى:

يا ايها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون.

سوره بقره آيه ١٨٣

 

١ـ قال الباقر (عليه السلام):

بنى الاسلام على خمسة اشياء، على الصلوة و الزكاة و الحج و الصوم و الولايه.

فروع كافى، ج ٤ ص ٦٢، ح ١

 

٢ـ قال الصادق (عليه السلام):

انما فرض الله الصيام ليستوى به الغنى و الفقير.

من لا يحضره الفقيه، ج ٢ ص ٤٣، ح ١

 

٣ـ قال اميرالمومنين (عليه السلام):

فرض الله ... الصيام ابتلاء لاخلاص الخلق

نهج البلاغه، حكمت ٢٥٢

 

٤ـ قال الرضا (عليه السلام):

انما امروا بالصوم لكى يعرفوا الم الجوع و العطش فيستدلوا على فقر الاخر.

وسائل الشيعه، ج ٤ ص ٤ ح ٥ علل الشرايع، ص ١٠

 

٥ـ قال رسول الله(صلي الله عليه و آله)

لكل شيئى زكاة و زكاة الابدان الصيام.

الكافى، ج ٤، ص ٦٢، ح ٣

 

٦ـ قال رسول الله(صلي الله عليه و آله):

الصوم جنة من النار.

الكافى، ج ٤ ص ١٦٢

 

٧ـ قال رسول الله(صلي الله عليه و آله):

الصوم فى الحر جهاد.

بحار الانوار، ج ٩٦، ص ٢٥٧

 

٨ـ قال اميرالمومنين (عليه السلام)

صوم النفس عن لذات الدنيا انفع الصيام.

غرر الحكم، ج ١ ص ٤١٦ ح ٦٤

 

٩ـ قال اميرالمومنين (عليه السلام)

الصيام اجتناب المحارم كما يمتنع الرجل من الطعام و الشراب.

بحار ج ٩٣ ص ٢٤٩

 

١٠ـ قال اميرالمومنين (عليه السلام)

صوم القلب خير من صيام اللسان و صوم اللسان خير من صيام البطن.

غرر الحكم، ج ١، ص ٤١٧، ح ٨٠

 

١١ـ قال الصادق (عليه السلام)

اذا صمت فليصم سمعك و بصرك و شعرك و جلدك.

الكافى ج ٤ ص ٨٧، ح ١

 

١٢ـ عن فاطمه الزهرا سلام الله عليها

ما يصنع الصائم بصيامه اذا لم يصن لسانه و سمعه و بصره و جوارحه.

بحار، ج ٩٣ ص ٢٩٥

 

١٣ـ قال الباقر (عليه السلام)

لا صيام لمن عصى الامام و لا صيام لعبد ابق حتى يرجع و لا صيام لامرأة ناشزة حتى تتوب و لاصيام لولد عاق حتى يبر.

بحار الانوار ج ٩٣، ص .٢٩٥

 

١٤ـ قال اميرالمومنين (عليه السلام)

كم من صائم ليس له من صيامه الا الجوع و الظمأ و كم من قائم ليس له من قيامه الا السهر و العناء.

نهج البلاغه، حكمت ١٤٥

 

١٥ـ عن الصادق (عليه السلام)فى قول الله عزوجل

«واستعينوا بالصبر و الصلوة» قال: الصبر الصوم.

وسائل الشيعه، ج ٧ ص ٢٩٨، ح ٣

 

١٦ـ قال الصادق (عليه السلام)

صدقه درهم افضل من صيام يوم.

وسائل الشيعه، ج ٧ ص ٢١٨، ح ٦

 

١٧ـ قال رسول الله(صلي الله عليه و آله): قال الله تعالى

الصوم لى و انا اجزى به

وسائل الشيعه ج ٧ ص ٢٩٤، ح ١٥ و ١٦ ؛ ٢٧ و ٣٠

 

١٨ـ قال رسول الله(صلي الله عليه و آله)

من منعه الصوم من طعام يشتهيه كان حقا على الله ان يطعمه من طعام الجنة و يسقيه من شرابها .

بحار الانوار ج ٩٣ ص ٣٣١

 

١٩ـ قال رسول الله(صلي الله عليه و آله)

طوبى لمن ظمأ او جاع لله اولئك الذين يشبعون يوم القيامة

وسائل الشيعه، ج ٧ ص ٢٩٩، ح‏ .٢

 

٢٠ـ قال الصادق (عليه السلام)

من صام لله عزوجل يوما فى شدة الحر فاصابه ظمأ و كل الله به الف ملك يمسحون وجهه و يبشرونه حتى اذا افطر.

الكافى، ج ٤ ص ٦٤ ح ٨؛ بحار الانوار ج ٩٣ ص ٢٤٧

 

٢١ـ قال الصادق (عليه السلام)

للصائم فرحتان فرحة عند افطاره و فرحة عند لقاء ربه

وسائل الشيعه، ج ٧ ص ٢٩٠ و ٢٩٤ ح‏٦ و .٢٦

 

٢٢ـ قال رسول الله(صلي الله عليه و آله)

ان للجنة بابا يدعى الريان لا يدخل منه الا الصائمون.

وسائل الشيعه، ج ٧ ص ٢٩٥، ح‏ .٣١ معانى الاخبار ص ١١٦

 

٢٣ـ قال الكاظم (عليه السلام)

دعوة الصائم تستجاب عند افطاره

بحار الانوار ج ٩٢ ص ٢٥٥ ح .٣٣

 

٢٤ـ قال رسول الله (صلى الله عليه و آله)

الشتاء ربيع المومن يطول فيه ليله فيستعين به على قيامه و يقصر فيه نهاره فيستعين به على صيامه.

وسائل الشيعه، ج ٧ ص ٣٠٢، ح .٣

 

٢٥ـ قال الصادق (عليه السلام)

من جاء بالحسنة فله عشر امثالها من ذلك صيام ثلاثة ايام من كل شهر.

وسائل الشيعه، ج ٧، ص ٣١٣، ح ٣٣

 

٢٦ـ قال الكاظم (عليه السلام)

رجب نهر فى الجنه اشد بياضا من اللبن و احلى من العسل فمن صام يوما من رجب سقاه الله من ذلك النهر.

من لا يحضره الفقيه ج ٢ ص ٥٦ ح ٢  وسائل الشيعه ج ٧ ص ٣٥٠ ح ٣

 

٢٧ـ قال الصادق (عليه السلام)

من صام ثلاثة ايام من اخر شعبان و وصلها بشهر رمضان كتب الله له صوم شهرين متتابعين .

وسائل الشيعه ج ٧ ص ٣٧٥،ح ٢٢

 

٢٨ـ قال الصادق (عليه السلام)

من فطر صائما فله مثل اجره

الكافى، ج ٤ ص ٦٨، ح ١

 

٢٩ـ قال الكاظم (عليه السلام)

فطرك اخاك الصائم خير من صيامك.

الكافى، ج ٤ ص ٦٨، ح ٢

 

٣٠ـ قال الصادق (عليه السلام)

من افطر يوما من شهر رمضان خرج روح الايمان منه

وسائل الشيعه، ج ٧ ص ١٨١، ح ٤ و ٥ من لا يحضره الفقيه ج ٢ ص ٧٣، ح ٩

 

٣١ـ قال اميرالمومنين (عليه السلام)

شهر رمضان شهر الله و شعبان شهر رسول الله و رجب شهرى

وسائل الشيعه، ج ٧ ص ٢٦٦، ح .٢٣

 

٣٢ـ قال رسول الله (صلى الله عليه و آله)

... و هو شهر اوله رحمة و اوسطه مغفرة و اخره عتق من النار.

بحار الانوار، ج ٩٣، ص ٣٤٢

 

٣٣ـ قال رسول الله (صلى الله عليه و آله)

ان ابواب السماء تفتح فى اول ليلة من شهر رمضان و لا تغلق الى اخر ليلة منه

بحار الانوار، ج ٩٣، ص ٣٤٤

 

٣٤ـ قال رسول الله (صلى الله عليه و آله)

لو يعلم العبد ما فى رمضان لود ان يكون رمضان السنة

بحار الانوار، ج ٩٣، ص ٣٤٦

 

٣٥ـ قال الرضا (عليه السلام)

من قرأ فى شهر رمضان اية من كتاب الله كان كمن ختم القران فى غيره من الشهور.

بحار الانوار ج ٩٣، ص ٣٤٦

 

٣٦ـ قال الصادق (عليه السلام)

رأس السنة ليلة القدر يكتب فيها ما يكون من السنة الى السنة.

وسائل الشيعه، ج ٧ ص ٢٥٨ ح ٨

 

٣٧ـ قيل لابى عبد الله (عليه السلام)

كيف تكون ليلة القدر خيرا من الف شهر؟ قال: العمل الصالح فيها خير من العمل فى الف شهر ليس فيها ليلة القدر.

وسائل الشيعه، ج ٧ ص ٢٥٦، ح ٢

 

٣٨ـ قال الصادق (عليه السلام)

التقدير فى ليلة تسعة عشر و الابرام فى ليلة احدى و عشرين و الامضاء فى ليلة ثلاث و عشرين.

وسائل الشيعه، ج ٧ ص ٢٥٩

 

٣٩ـ عن فضيل بن يسار قال:

كان ابو جعفر (عليه السلام) اذا كان ليلة احدى و عشرين و ليلة ثلاث و عشرين اخذ فى الدعا حتى يزول الليل فاذا زال الليل صلى.

وسائل الشيعه، ج ٧، ص ٢٦٠، ح ٤

 

٤٠ـ قال الصادق (عليه السلام)

ان من تمام الصوم اعطاء الزكاة يعنى الفطرة كما ان الصلوة على النبى (صلى الله عليه و آله) من تمام الصلوة.

وسائل الشيعه، ج ٦ ص ٢٢١، ح ٥

الأربعاء, 03 آب/أغسطس 2011 07:55

خطبة النبي الأكرم (ص)

عَنِ الرِّضَا عَنْ آبَائِهِ عَنْ عَلِيٍّ عليه السلام قَالَ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلي الله عليه وآله خَطَبَنَا ذَاتَ يَوْمٍ فَقَالَ:

 

أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّهُ قَدْ أَقْبَلَ إِلَيْکُمْ شَهْرُ اللَّهِ بِالْبَرَکَةِ وَ الرَّحْمَةِ وَ الْمَغْفِرَةِ شَهْرٌ هُوَ عِنْدَ اللَّهِ أَفْضَلُ الشُّهُورِ وَ أَيَّامُهُ أَفْضَلُ الْأَيَّامِ وَ لَيَالِيهِ أَفْضَلُ اللَّيَالِى وَ سَاعَاتُهُ أَفْضَلُ السَّاعَاتِ.

هُوَ شَهْرٌ دُعِيتُمْ فِيهِ إِلَى ضِيَافَةِ اللَّهِ وَ جُعِلْتُمْ فِيهِ مِنْ أَهْلِ کَرَامَةِ اللَّهِ أَنْفَاسُکُمْ فِيهِ تَسْبِيحٌ وَ نَوْمُکُمْ فِيهِ عِبَادَةٌ وَ عَمَلُکُمْ فِيهِ مَقْبُولٌ وَ دُعَاؤُکُمْ فِيهِ مُسْتَجَابٌ فَاسْأَلُوا اللَّهَ رَبَّکُمْ بِنِيَّاتٍ صَادِقَةٍ وَ قُلُوبٍ طَاهِرَةٍ أَنْ يُوَفِّقَکُمْ لِصِيَامِهِ وَ تِلَاوَةِ کِتَابِهِ.

فَإِنَّ الشَّقِيَّ مَنْ حُرِمَ غُفْرَانَ اللَّهِ فِى هَذَا الشَّهْرِ الْعَظِيمِ وَ اذْکُرُوا بِجُوعِکُمْ وَ عَطَشِکُمْ فِيهِ جُوعَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَ عَطَشَهُ وَ تَصَدَّقُوا عَلَى فُقَرَائِکُمْ وَ مَسَاکِينِکُمْ وَ وَقِّرُوا کِبَارَکُمْ وَارْحَمُواصِغَارَکُمْ وَ صِلُوا أَرْحَامَکُمْ.

وَ احْفَظُوا أَلْسِنَتَکُمْ وَ غُضُّوا عَمَّا لَا يَحِلُّ النَّظَرُ إِلَيْهِ أَبْصَارَکُمْ وَ عَمَّا لَا يَحِلُّ الِاسْتِمَاعُ إِلَيْهِ أَسْمَاعَکُمْ وَ تَحَنَّنُوا عَلَى أَيْتَامِ النَّاسِ يُتَحَنَّنْ عَلَى أَيْتَامِکُمْ وَ تُوبُوا إِلَى اللَّهِ مِنْ ذُنُوبِکُمْ.

وَ ارْفَعُوا إِلَيْهِ أَيْدِيَکُمْ بِالدُّعَاءِ فِى أَوْقَاتِ صَلَاتِکُمْ‏فَإِنَّهَا أَفْضَلُ السَّاعَاتِ يَنْظُرُ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ فِيهَا بِالرَّحْمَةِ إِلَى عِبَادِهِ يُجِيبُهُمْ إِذَا نَاجَوْهُ وَ يُلَبِّيهِمْ إِذَا نَادَوْهُ وَ يُعْطِيهِمْ إِذَا سَأَلُوهُ وَ يَسْتَجِيبُ لَهُمْ إِذَا دَعَوْهُ.

أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ أَنْفُسَکُمْ مَرْهُونَةٌ بِأَعْمَالِکُمْ فَفُکُّوهَا بِاسْتِغْفَارِکُمْ وَ ظُهُورَکُمْ ثَقِيلَةٌ مِنْ أَوْزَارِکُمْ فَخَفِّفُوا عَنْهَا بِطُولِ سُجُودِکُمْ وَ اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ أَقْسَمَ بِعِزَّتِهِ أَنْ لَا يُعَذِّبَ الْمُصَلِّينَ وَ السَّاجِدِينَ وَ أَنْ لَا يُرَوِّعَهُمْ بِالنَّارِ يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ.

أَيُّهَا النَّاسُ مَنْ فَطَّرَ مِنْکُمْ صَائِماً مُؤْمِناً فِى هَذَا الشَّهْرِ کَانَ لَهُ بِذَلِکَ عِنْدَ اللَّهِ عِتْقُ نَسَمَةٍ وَ مَغْفِرَةٌ لِمَا مَضَى مِنْ ذُنُوبِهِ، قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَلَيْسَ کُلُّنَا يَقْدِرُ عَلَى ذَلِکَ فَقَالَ ص اتَّقُوا النَّارَ وَ لَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ اتَّقُوا النَّارَ وَ لَوْ بِشَرْبَةٍ مِنْ مَاء.ٍ

أَيُّهَا النَّاسُ مَنْ حَسَّنَ مِنْکُمْ فِى هَذَا الشَّهْرِ خُلُقَهُ کَانَ لَهُ جَوَازاً عَلَى الصِّرَاطِ يَوْمَ تَزِلُّ فِيهِ الْأَقْدَامُ وَ مَنْ خَفَّفَ فِى هَذَا الشَّهْرِ عَمَّا مَلَکَتْ يَمِينُهُ خَفَّفَ اللَّهُ عَلَيْهِ حِسَابَهُ وَ مَنْ کَفَّ فِيهِ شَرَّهُ کَفَّ اللَّهُ عَنْهُ غَضَبَهُ يَوْمَ يَلْقَاهُ وَ مَنْ أَکْرَمَ فِيهِ يَتِيماً أَکْرَمَهُ اللَّهُ يَوْمَ يَلْقَاهُ.

وَ مَنْ وَصَلَ فِيهِ رَحِمَهُ وَصَلَهُ اللَّهُ بِرَحْمَتِهِ يَوْمَ يَلْقَاهُ وَ مَنْ قَطَعَ فِيهِ رَحِمَهُ قَطَعَ اللَّهُ عَنْهُ رَحْمَتَهُ يَوْمَ يَلْقَاهُ وَ مَنْ تَطَوَّعَ فِيهِ بِصَلَاةٍ کَتَبَ اللَّهُ لَهُ بَرَاءَةً مِنَ النَّارِ وَ مَنْ أَدَّى فِيهِ فَرْضاً کَانَ لَهُ ثَوَابُ مَنْ أَدَّى سَبْعِينَ فَرِيضَةً فِيمَا سِوَاهُ مِنَ الشُّهُورِ.

وَ مَنْ أَکْثَرَ فِيهِ مِنَ الصَّلَاةِ عَلَيَّ ثَقَّلَ اللَّهُ مِيزَانَهُ يَوْمَ تَخِفُّ الْمَوَازِينُ وَ مَنْ تَلَا فِيهِ آيَةً مِنَ الْقُرْآنِ کَانَ لَهُ مِثْلُ أَجْرِ مَنْ خَتَمَ الْقُرْآنَ فِى غَيْرِهِ مِنَ الشُّهُورِ.

أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ أَبْوَابَ الْجِنَانِ فِى هَذَا الشَّهْرِ مُفَتَّحَةٌ فَاسْأَلُوا رَبَّکُمْ أَنْ لَا يُغَلِّقَهَا عَنْکُمْ وَ أَبْوَابَ النِّيرَانِ مُغَلَّقَةٌ فَاسْأَلُوا رَبَّکُمْ أَنْ لَا يُفَتِّحَهَا عَلَيْکُمْ وَالشَّيَاطِينَ مَغْلُولَةٌ فَاسْأَلُوا رَبَّکُمْ أَنْ لَا يُسَلِّطَهَا عَلَيْکُمْ.

قَالَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام فَقُمْتُ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا أَفْضَلُ الْأَعْمَالِ فِى هَذَا الشَّهْرِ؟ فَقَالَ يَا أَبَا الْحَسَنِ أَفْضَلُ الْأَعْمَالِ فِى هَذَا الشَّهْرِ الْوَرَعُ عَنْ مَحَارِمِ اللَّهِ.

وسائل ‏الشيعة ج : 10 ص : 314

الإثنين, 01 آب/أغسطس 2011 04:48

من يصنع العالم العربى الجديد؟

انقسم السودان إلى دولتين. متفائلون جدا الذين يعتقدون أن الأمر قد انتهى عند هذا الحد. تصدعت وحدة العراق بعد الغزو الأميركى. فبين الشمال الكردى، والجنوب الشيعى والوسط السنى تبحث الجماعات الأخرى عن مواقع لها، أو عن حدود لهذه المواقع. ولا يعلم الا الله والراسخون فى علم المؤامرة أى مصير ينتظر سوريا بعد الأحداث التى عصفت بها.. واستطرادا أى مصير ينتظر لبنان الذى يعمل على ترقيع وحدته منذ ان مزقها الاجتياح الإسرائيلى فى عام 1982.

وفيما يحاول الفلسطينيون إعادة ربط ما انقطع بين غزة والضفة الغربية تمهيدا لإعلان دولة على ما تبقى من الأرض الفلسطينية المحتلة، لايزال الأردن يشعر بخطر مشاريع تحويله إلى وطن فلسطينى بديل. ... حتى مصر التى عرفت أصالة الدولة منذ عهد الفراعنة تجد نفسها اليوم بين فكى كماشة الصراع المصطنع بين الاقباط والحركات الإسلامية.

وفى الجناح الغربى من العالم العربى، فإنه منذ قيام الاضطرابات فى «تيزى أوزو» بالجزائر فى عام 1982، والحركة العنصرية الأمازيغية (البربرية) تواصل تحركاتها تحت شعارات اجتماعية واقتصادية أحيانا، وعنصرية فى معظم الأحوال، ليس فى الجزائر وحدها، انما فى المغرب أيضا. وبعد فشل، أو تفشيل المغرب فى ضم الصحراء الغربية اليه بعد انسحاب اسبانيا منها فى عام 1974 فإنه يخشى أن تعود ليبيا إلى ما كانت عليه قبل تسعين عاما، ولايات ثلاث ــ طرابلس ــ وبرقة ــــ وفزان ــ تتنازع قبائلها وتتقاتل عشائرها على الماء والكلأ.. والنفط!!.

لماذا يسير العالم العربى فى هذا الاتجاه؟ أو من يدفعه للسير فى هذا الاتجاه؟.. للإجابة عن هذا السؤال لابد من العودة قليلا إلى الوراء. فى عام 1840 عقدت الدول الأوروبية حلفا، أو تفاهما مشتركا ينص على فصل عرب أفريقيا عن عرب آسيا. ونقطة الفصل هى مصر. كان الهدف الأوروبى من وراء ذلك التفاهم قطع الطريق أمام تجربة جديدة كان يخشى أن يقوم بها «محمد على» جديد، لخلافة ــ الرجل المريض ــ الامبراطورية العثمانية. احترم الأوروبيون خاصة فرنسا وبريطانيا هذا التفاهم. وكرس احترامهم له مبدأ الاستفراد. أى استفراد مصر من جهة أولى، واستفراد منطقة غرب آسيا من جهة ثانية. وقد أدى ذلك إلى تسهيل عملية رسم حدود دول هذه المنطقة فى عام 1916 بموجب تفاهم الدبلوماسيين الإنجليزى والفرنسى سايكس وبيكو، ومن ثم إعلان وعد بلفور 1917 بمنح فلسطين وطنا قوميا لليهود. ونجح الاستفراد فى عام 1979 من خلال اتفاقية كامب دافيد، بين مصر وإسرائيل. إذ أدت الاتفاقية إلى فصل مصر عن قضية الصراع العربى ــ الإسرائيلى. لقد دفعت إسرائيل ثمن ذلك إعادة كل صحراء سيناء إلى مصر، إلا أنها كرست بالمقابل مبدأ الفصل بكل أبعاده ونتائجه الاستراتيجية. وكانت إسرائيل قد عمدت فى عام 1949، وأثناء مباحثات الهدنة فى رودس بعد حرب 1948، إلى احتلال إيلات على البحر الأحمر لتكون نقطة الحاجز الإسرائيلى الذى يفصل مصر من جهة والدول العربية الأخرى الأردن وسوريا والعراق ولبنان من جهة ثانية.

وكان الاحتلال الإسرائيلى لإيلات أول انتهاك لاتفاقية الهدنة. ولقد تحولت إيلات إلى موقع عسكرى للبحرية الإسرائيلية إلى البحر الأحمر، وعبره إلى شرق أفريقيا والشرق الأقصى.

وقبل إسرائيل حاول الفرنجة (الصليبيون) احتلال هذا الموقع لعزل مصر عن فلسطين وجوارها. ولكن صلاح الدين الأيوبى، ادراكا منه لخطورة هذا الأمر، بادر إلى قطع الطريق عليهم وحافظ على التواصل الذى مكنه فيما بعد من الانتصار فى معركة حطين ومن ثم تم طرد الفرنجة وتحرير القدس والمشرق العربى.

لقد عرفت مصر وسوريا فى عام 1973 كيف تقفزان من فوق حاجز الفصل الإسرائيلى. وأدى تفاهمهما إلى الانجاز التاريخى الذى حققتاه معا فى حرب رمضان من ذلك العام. إلا أن اتفاقيتى فك الاشتباك التى وقّعت عليها منفردة مع إسرائيل كل من مصر وسوريا، كرستها فى عام 1979 اتفاقية كامب دافيد ثم معاهدة الصلح المصرية ــ الإسرائيلية. وبموجب ذلك فرض على مصر مقابل استعادة الأرض (وهو انتصار وطنى لا شك فيه) ان تنكفئ عن مسرح الصراع الإسرائيلى مع سوريا ولبنان وفلسطين. وهكذا واصلت إسرائيل احتلال الضفة الغربية والقدس وغزة. ورفضت الانسحاب من مرتفعات الجولان السورية. واحتلت أجزاء من لبنان فى عام 1978 حتى عام 2000، ثم اجتاحت عاصمته بيروت فى عام 1982 وشنت عليه اعتداءات واسعة فى أعوام 1993 و1996 وأخيرا ــ لا آخر ــ فى 2006. وهى لاتزال حتى اليوم تحتل أجزاء منه فى الجنوب وفى البقاع الغربى. فهل كانت إسرائيل لتتجرأ على القيام بكل هذه الاعتداءات لو لم تكن يد مصر مغلولة اليد بموجب اتفاقية كامب دافيد ومعاهدة السلام؟

لا يبدو ان الهدف الإستراتيجى من وراء عزل مصر عن الدول العربية الأخرى يقف عند هذا الحد. لقد ذهب إلى أبعد من ذلك، وبدأ ينقض على مصر ذاتها أيضا. وذلك من خلال العمل على ضرب وحدتها الوطنية بين المسلمين والأقباط، وكذلك من خلال تهديدها بشريان حياتها نهر النيل، والتلاعب فى عمقها الاستراتيجى فى السودان. وفى الوقت ذاته العمل على تمزيق الكيانات الوطنية إلى دويلات صغيرة دينيا (إسلامية ومسيحية) ومذهبيا (سنية وشيعية وعلوية ودرزية) وعنصريا (عربية وكردية وأمازيغية) بحيث تكون فى حال تنابذ وتصارع مما يوفر الأمن الاستراتيجى لإسرائيل.

لقد جاهر الإسرائيليون بهذا الهدف وأعلنوه فى عام 1979 عنوانا «استراتيجية إسرائيل فى الثمانينيات» على النحو الذى نشرته مجلة ايجونيم للدراسات الاستراتيجية الإسرائيلية فى عددها الصادر صيف ذلك العام. وحاضر فيه الجنرال اريل شارون وكان يومها وزيرا للحرب. ونشرت محاضرته أيضا فى المجلة العسكرية الإسرائيلية.

وقبل ذلك أعد المفكر اليهودى ــ الأميركى الدكتور برنارد لويس دراسة لحساب وزارة الدفاع الأميركية نشرت فى النشرة الخاصة التى تصدر عن الوزارة «أميركان استراتيجيك سيرفى». ان كل تلك الدراسات تلتقى حول مبدأ أساسى وهو وجوب العمل على إعادة النظر فى خريطة المنطقة الممتدة من باكستان حتى المغرب على أساس أن يكون لكل جماعة دينية أو مذهبية أو عنصرية كيان سياسى وطنى خاص بها.

لقد تعثر هذا المشروع وواجه صعوبات كثيرة. إلا أن أصحابه لم ييأسوا ولم يتوقفوا عن محاولة التنفيذ، من شمال العراق إلى جنوب السودان. والآن من صعيد مصر إلى مرتفعات جبال الأطلس. إن مراجعة صورة العالم العربى تؤكد حقيقة اساسية وهى أننا لسنا أمام «مؤامرة» وهمية، بل أمام صناعة واقع جديد.