Super User

Super User

اندرس بيريك بريفيك .. الشاب النرويجى الذى قتل العشرات فى هجوم اوسلو وفى جزيرة اولى القريبة منها اعلن فى موقعه على الانترنت وفى وثيقة تقع فى 1467 صفحة افكاره اليمينية المتطرفة والصادمة فى نفس الوقت الا ان القضية اتخذت بعدا بريطانيا مثيرا للاهتمام و القلق فى ان واحد -- فكيف ذلك ؟ ومتى بدات هذه الرحلة ؟

بريفيك هذا اليمينى المهووس بدا رحلته مع التطرف على يد اليمين المتشدد و العنصرى فى بريطانيا بلقاء مع بعض ساسة هذا التيار فى مقابلة مصغرة عام 2002 فى لندن كما ان هناك تقارير شبه مؤكدة بان بريفيك شارك فى مظاهرة لعصبة الدفاع الانجليزية العنصرية يميينة التوجه اقيمت فى لندن العام الماضى .

واللافت للانتباه ان بريفيك يقول انه اجتمع فى عام 2002 بثمانية من اعضاء اليمين المتشدد من مختلف انحاء اوروبا لما سموه اعادة تشكيل (فرسان الهيكل فى اوروبا) وهى جماعة تهدف الى السيطرة السياسية و العسكرية على بلدان اوروبا الغربية و فرض اجندة ثقافية محافظة فى هذه البلدان. الوثيقة المنشورة والتى وقعها النرويجى بريفيك باسمه و أرخ لها بعام 2011 و مكانها لندن تشمل اشارات متكررة الى صلاته بعصبة الدفاع الانجليزية اليمينية المتطرفة فى بريطانيا .

كما يقر بريفيك انه ربطته صداقات عبر الفيس بوك باكثر من 600 من اعضاء عصبة الدفاع الانجليزية و انه تحدث مع العشرات من اعضائها و قادتها وامدهم بافكار ايدلوجية و ساعدهم فى وضع استراتيجيات دعائية فى بدايات عملهم الا ان عصبة الدفاع الانجليزية و- التى نظمت سلسلة مظاهرات فى كثير من مدن و شوارع بريطانيا وتحولت الكثر منها الى اعمال عنف - اصدرت بيانا تندد فيه بهجمات النرويج و تناى بنفسها عن افكار بريفيك و تزعم انه كان من منتقديها .منظمة يمينية متطرفة اخرى تدعى اوقفوا اسلمة اوروبا - مقرها بريطانيا- قالت ان بريفيك حاول الانضمام الى مجموعتها على الفيس بوك الا ان رفض لما وصفته -المنظمة - بصلاته الواضحة بالنازيين الجدد الا انها فى نفس الوقت لم تستبعد ان يكون قد شارك فى احدى مظاهراتها الخمسين.

وثيقة النرويجى بريفيك التى نشرها على الانترنت موضحا التفاصيل الدقيقة للهجمات التى نفذها وضع اعلاها الصليب الاحمر و نشرت بالانجليزية تكشف هذه الوثيقة عداءه السافر للاسلام و المسلمين و الافكار الماركسية كما تظهر هوسه بالحروب الصليبية و يعتبر فيها المسلمين تهديدا مفترضا لاوروبا المسيحية كما توقع نشوب حربا اهلية اوروبية تقوم على ثلاث مراحل وتنتهى عام 2083 باستئصال ما سماه الثقافة الماركسية و ترحيل جميع المسلمين .

المفارقة هنا ان الجماعات المناهضة للعنصرية فى بريطانيا اقرت بانها لم تكن على علم بنشاطات جماعة فرسان الهيكل فى اوروبا كما حذرت من ان  بريفيك قد يكون لديه بعض او كل التفاصيل عن هذه الجماعة.

القضية اثارت مما لا شك فيه اهتمام المنظمات الاسلامية و الهيئات الحقوقية فى بريطانيا و التى اكدت انها طالما حذرت من خطورى تنامى التيار اليمينى العنصرى المتطرف الذى يستهدف المسلمين و دعت الى مواجهته و التصدى لمنع انتشار افكاره هذه المنظمات اعتبرت ان هجوم النرويج يدق جرس انذار و يجعل من الضرورى التحرك قبل انتشار هذا الهوس العنصرى فى اكثر من موقع فى اوروبا و العالم.

الأحد, 31 تموز/يوليو 2011 07:42

تخبط ازاء الاحداث في اليمن و سوريا

عملت المملكة العربية السعودية على الحد من تداعيات الحركات المطالبة بالديمقراطية في العالم العربي لكنها تنتظر لترى كيف ستتطور الأحداث في أماكن مثل سوريا واليمن خشية أن يكون هناك مبالغة في تقدير المواقف.

وعملت الاسرة السعودية الحاكمة بعد أن رأت هذا العام الانهيار المفاجئ للحكام في مصر وتونس على تنسيق تحركات دول الخليج الفارسي لمنع وصول الاضطرابات الى هذه المنطقة .

وفي مارس اذار الماضي أرسلت قوات سعودية واماراتية وكويتية الى البحرين للمساعدة في اخماد احتجاجات هددت باجبار الاسرة الحاكمة في البحرين على تنفيذ تغييرات ديمقراطية.

قدمت دول الخليج الفارسي أموالا لسلطنة عمان وللبحرين لزيادة الانفاق لتحسين الاوضاع الاجتماعية في البلدين.

وخففت قناة الجزيرة القطرية نبرة تغطيتها الانتقادية للاوضاع في دول الخليج الفارسي بعد اجتماعات بين مسؤولين سعوديين وقطريين.

وكانت الرياض المحرك الرئيسي لاقتراح مجلس التعاون في الخليج الفارسي لتوثيق العلاقات مع الاردن والمغرب في محاولة على ما يبدو لتعزيز الاسر الحاكمة الاخرى في العالم العربي. وقال مسؤول سعودي ان الاردن حصل على 400 مليون دولار الشهر الماضي.

كذلك قامت الرياض بوساطة في مارس اذار وأبريل نيسان الماضيين للتوصل الى اتفاق تسوية في اليمن - وهو دولة مختلفة من حيث الحجم والتركيب الاجتماعي عن بقية دول مجلس التعاون - اقترح تنحي الرئيس علي عبد الله صالح خلال شهر من تشكيل حكومة.

لكن بعد فورة التدخلات هذه هدأت الدبلوماسية السعودية الى حد كبير لاسيما على جبهتي اليمن وسوريا حيث يوجد للرياض مصالح كبيرة. والتزمت الرياض الصمت ازاء ما يحدث في ليبيا وهو مصدر قلق أبعد بالنسبة لها.

ويشير محللون ودبلوماسيون الى خلافات بين كبار الامراء والمسؤولين السعوديين حول ما اذا كان يتعين على السعودية اتخاذ مقعد خلفي أو التدخل بقوة أكبر لمنع التغييرات الديمقراطية أو لدعمها في بعض الحالات.

وقال تركي الرشيد وهو كاتب سعودي يدير المنتدى الالكتروني (السعودية تحت المجهر) ان أفكار زعماء المملكة بشأن كيفية التعامل مع الحركات نفدت في ظل الخلافات الداخلية وفي ضوء لامبالاة كبار الامراء الذين يدلون بتصريحات مختلفة.

وقال الرشيد "لقد هدأوا لانهم جربوا شيئا وفشل. البحرين لا تزال تغلي. الورقة الوحيدة الان هي دفع المليارات للامريكيين مقابل ما يحصلون عليه من سلاح" في اشارة الى تقارير أفادت أن مشتريات السلاح من الولايات المتحدة سترتفع الى 90 مليار دولار من 60 مليار دولار.

وبدأت أسرة آل خليفة الحاكمة حوارا في البحرين لكن الاحتجاجات استمرت واشتعلت المظاهرات من جديد في سلطنة عمان الأسبوع الماضي.

وشهدت السعودية عددا من الاحتجاجات في منطقتها الشرقية. وساعدت التحذيرات الحكومية الصارمة والوعود بالانفاق الاجتماعي الضخم في الحد من انطلاق الحركة الاحتجاجية على الاراضي السعودية.

وقال الرشيد "لا توجد سياسة سعودية واحدة. كل قضية تعالج من وجهة نظر مختلفة وكلهم (كبار الامراء) طاعنون في السن ومرضى."

وكثيرا ما قال دبلوماسيون في الرياض ان المبادرات السياسية السعودية غالبا ما تكون ميتة خلال عطلة الصيف الطويلة.

وأشار معلق سعودي لم يرغب في أن يذكر اسمه الى وجود انقسام فيما يتعلق بكيفية المضي قدما بشأن اليمن. فالامير نايف بن عبد العزيز وزير الداخلية يؤيد صالح بينما الامير سلطان بن عبد العزيز ولي العهد ووزير الدفاع يفضل بدائل من العشائر التي تمولها المملكة.

ومع هذا غادر الأمير سلطان وهو في الثمانينات من العمر المملكة الشهر الماضي للعلاج في نيويورك كذلك سافر الامير نايف وهو في السبعينات الى الخارج للراحة والاستجمام.

ويقضي صالح فترة نقاهة في مستشفى بالرياض منذ أوائل يونيو حزيران الماضي عندما أصيب بحروق خطيرة في محاولة لاغتياله على ما يبدو. وانفجرت قنبلة في مسجد بمجمع قصر الرئاسة بينما كان يؤدي هو ومسؤولون يمنيون صلاة الجمعة.

لكن الرياض لم تبذل جهدا واضحا لفرض مبادرة مجلس التعاون التي يقول دبلوماسيون عرب وغربيون انها اقتراح سعودي من البداية.

وقال غانم نسيبة وهو محلل في (بوليتيكال كابيتال) في لندن ان الاسرة السعودية الحاكمة كانت تفضل في البداية بقاء الرئيس اليمني في السلطة لكن هذا التفضيل تراجع لصالح دعم الشيخ حميد الاحمر (44 عاما) وهو رجل أعمال له صلات وثيقة مع المسؤولين الاميركيين.

والحل الامثل للسعودية هو بقاء نظام الحكم العائلي الذي يتبعه صالح والذي تجري موازنته بقوى عشائرية مدعومة من السعودية. وهذا تحديدا هو ما يريد تجنبه النشطاء المؤيدون للديمقراطية الذين خرجوا الى شوارع صنعاء في يناير كانون الثاني.

ولكن القتال اندلع في مايو أيار الماضي بين رجال صادق الاحمر زعيم اتحاد قبائل حاشد والقوات الحكومية الموالية لصالح الذي يرأس جيشه وجهازه الامني رجال من عائلته الاوسع. وأربك هذا القتال محاولات سعودية لاحداث تغيير شكلي في هذه المرحلة.

وقال نسيبة ان الرياض التي تستضيف صالح تدرس في الوقت الحالي الخيارات المتاحة لديها بشأن من يستطيع أن يكون الرجل القوي الاكثر تأثيرا بين رجال العشائر التي مولتها السعودية على مدى 33 عاما من حكم صالح.

ولكنه تابع قائلا انه حتى الشخصيات العشائرية المقربة من الرياض أبدت استياءها من التقاعس السعودي.

وقال "ينظرون الى رد الفعل السعودي منذ البداية." وتابع قائلا "في البداية كانوا (السعوديين) يؤيدون صالح ثم نقلوا صالح الى الرياض لكنهم ما زالوا يسمحون له أن يكون رأس النظام الحالي رغم أنه لا يحكم بشخصه."

والعلاقات السعودية مع سوريا متوترة منذ اغتيال رئيس الوزراء اللبناني الاسبق رفيق الحريري عام 2005 الذي يحمل الجنسية السعودية وكان وسيطا للسياسة السعودية في لبنان.

ولكن بينما تركز قناة الجزيرة القطرية وقناة العربية السعودية بشدة على الوضع في سوريا لم تظهر مبادرات دبلوماسية لحل.

ويقول بعض السعوديين ان هذا ليس بسبب أن المجموعة الحاكمة التي تضم العاهل السعودي الملك عبد الله والامير نايف والامير سلطان وعددا قليلا من كبار الامراء لا يريدون أن يروا الاطاحة بالاسد.

وقال المعلق السعودي الذي طلب عدم الكشف عن هويته "بالنسبة لليبيا وسوريا فانني واثق من أن الحكومة تريد أن ترى سقوط هذين الرئيسين."

وأضاف "من الطبيعي أن ترى السعودية - ولكونها مملكة- أي تغير مفاجئ في السلطة يحدث في الشرق الاوسط الآن خطرا قد يكون معديا في لحظة ما.

الأحد, 31 تموز/يوليو 2011 07:40

سقط الرئيس و بقي النظام

مفارقة: قٌدِّر للثورة التي رفعت شعار (الشعب يريد إسقاط النظام)، أن تنتهي الى إسقاط الرئيس، بينما الثورات الأخرى التي استعارت الشعار نفسه، واجهت تحدياً من نوع آخر: أن النظام باقٍ ما بقي الرئيس، لاستحالة فصام أي منهما عن الآخر، وأن سقوط أحدهما يعني، حتماً، سقوط الآخر، وهذا أيضاً يفسّر، بكثافة شديدة، المراوحة بلون الدم التي تعيشها الثورات العربية القائمة..

ولكن ما بعد التفسير الأولي والمباشر، ثمة قراءة عميقة مطلوبة في بنية، ليس النظام السياسية التي واجهت ثورات شعبية، ولكن أيضاً في بنية الدول، بين كونها تاريخية أو مؤسسية أو حزبية أو عائلية أو فردية.. لا عجب أن كل الدول التي ارتبطت بعوائل وأحزاب وأفراد بقيت صامدة فترة أطول أمام موج الثورات الشعبية. لقد حاول مبارك أن يعيد تشكيل بنية الدولة المصرية، من خلال إقرار مبدأ التوريث، ولكن ثورة 25 يناير أجهضت محاولاته، وسعى بن علي إلى تحويل الدولة التونسية إلى امتياز عائلي، وفق قواعد سياسية واقتصادية وأمنية، ولكن ثورة الياسمين قطعت دابر حلمه.. ولكن، هل عنى ذلك أن الثورة في تونس ومصر أطاحت النظام، وصنعت بديلاً ثورياً يكتسب صفة المشروعية الشعبية؟ كلا حتى الآن. بالأمس، تحدّث من شاركوا في ندوة (ربيع العرب والثورة المضادة) التي عقدت في مؤسسة أبرار وسط العاصمة البريطانية، لندن، بتاريخ 21 حزيران (يونيو) عن استبطانات، أشاح الإعلام العربي وجه كاميراته عنها. في تونس، يعتصم شباب منذ أسابيع في ساحة القصبة، حيث مقر الحكومة ومركز الجاذبية الشعبية في ثورة تونس، احتجاجاً على محاولات الالتفاف على أهداف الثورة. ويتحدّث ضحايا انتهاكات حقوق الإنسان بعد رحيل بن علي عن استمرار عمل جهازي أمن الدولة والمخابرات، وإن تبدّلت العناوين، وبقاء أجزاء كبيرة من جسد النظام السابق متماسكة وناشطة. لم يكن صدفة إصرار شباب الثورة في تونس على مطلب تشكيل مجلس لحماية أهداف الثورة، والمطالبة بإسقاط الحكومة، وحلّ مجلسي البرلمان والمستشارين، وانتخاب مجلس تأسيسي لصياغة دستور جديد. ثمّة تموقعات جرت، على حين غرّة، من رجالات النظام السابق، بما يؤسس لأزمة أخرى، الأمر الذي أثار هلع قدامى المحازبين، وحماسة شباب الثورة لجهة إعادة قطار الثورة الى سكة الخلاص..

في تقييم حمة الهمامي، الناطق الرسمي باسم حزب العمال الشيوعي التونسي أن الوضع الراهن في تونس يشهد صراعاً حقيقياً بين الثورة والقوى المعادية لها. الهمامي أشار إلى وجود ثلاثة اتجّاهات في المشهد السياسي التونسي اليوم: قوى ثورية وقوى معادية للثورة وأخرى كانت في المعارضة وتريد الحفاظ اليوم على القاعدة الاجتماعية والاقتصادية للدكتاتورية. وقالت إن حكومة الباجي قائد السبسي، ليست بنت الثورة، بل هي جزء من الماضي. الشيخ شكري المجولي، أحد المشاركين في ندوة لندن، يقول: إن بنى القمع والفساد مازالت متماسكة، ولم تحدث الثورة تغييراتها في بنى السلطة، فالوجوه القديمة نفسها مازالت تحكم تونس.

في مصر، أحاديث من اتجاهات عدّة، تدور حول ما يُحاق بثورة مصر من أخطار، فالخروج الذي بدا، بالمقارنة مع الثورات العربية الأخرى القائمة، هادئاً في مصر بعد الإعلان عن تنحي الرئيس، لم يحسم الجدل حول الترتيبات الدستورية والحزبية والثقافية لنظام الحكم الديموقراطي المأمول.

لا خشية على الثورة، هذا ما يتردد دائماً على ألسنة كهول الثورة، ولكن لشبابها كلام آخر، فقد وجد هؤلاء أنفسهم أمام معطيات جديدة لا مفكّر فيها في أدبيات الثورة، ووجدوا حاجة الى ما يشبه نظام دفاعي فاعل، لتحصين الثورة من الترهّل، والتعوّد على تدابير باسم الثورة، وإن لم تكن في جوهرية ثورية. لا يبدو أن (مجلس حماية الثورة) الذي أعلن عنه في أيار (مايو) الماضي سوى كونه إنذراً مبكّراً لتصنيع إطار رقابي علني يحظى برعاية شعبية، ولكنه واجه تحدي المصدّاقية لحظة ولادته، وبعد الإعلان عن ضمّ الأمين العام للجامعة العربية عمر موسى في عضويته، فيما لا يزال يعتبره كثير من الثوّار من رموز النظام السابق.

التعايش بين النخب السابقة والحالية لا يشي بمصالحة بينها، ولا ينبئ عن ثقافة مسامحة، فالنخب السابقة كانت ضالعة بصورة مباشرة في تكريس النظام الأمني الاستبدادي في مصر وتونس، وأما النخب الحاليّة التي لا تخفي سخطها من بقاء رموز النظام السابق في أجهزة الدولة، فهي تبحث عن مخرج مهادن في العلاقة الحذرة بين ما هو سابق وما هو حالي، ولكن شقّة الريب والحذر آخذة في الاتساع، كلما ازدادت وتيرة التدابير القمعية..

يتردد هذه الأيام كلامٌ في تونس ومصر وبلدان عربية أخرى عن تظاهر قانوني وآخر غير ذلك. إن قسمة القانونية ينطوي على نيّة اختلاس للمشروعية بغرض إعادة إنتاج بنى الاستبداد، خصوصاً حين يتم تلغيم القسمة بعناوين لا مراء في ضرورتها، مثل الأمن والاستقرار، حيث يصبح كل تظاهر غير قانوني، لأنه يمثّل مصدر تهديد للأمن والاستقرار.. والوحدة الوطنية أيضاً، بحسب وزير خارجية في دولة عربية.

حين نعيد تركيب المشهد السياسي في كل من تونس ومصر بعد رحيل بن علي ومبارك، سنجد أن ما تطوّر لا صلة له بحركة الثورة. هل مجرّد مصادفة التأسيس على (الدستور السابق) في كل من تونس ومصر لإجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية، ورفض فكرة حكومة تصريف أعمال أو مجلس وطني تأسيسي، بدلاً من تفويض حكومة، مؤلفة في الغالب من رموز النظام السابق أو دوائره القريبة، وبكامل الصلاحيات، تتولى مهمة تعطيل الانتقال السلمي للسلطة عبر تدابير.

متقنة: إجراء تعديلات دستورية عاجلة، وتنظيم استفتاء شعبي للتصويت عليها ضمن بيئة غير مستقرة، وتحديد مواعيد للانتخابات البرلمانية والرئاسية ثم تأجيلها قبل إتمام شروط التنافس الانتخابي من خلال إتاحة فرصة التأهيل الشعبي للأحزاب السياسية الهرمة أو الجنينية.

بين تأخير موعد الانتخابات وتقديمه، تتحدّد المسافة الفاصلة بين ما هو طبيعي لتعزيز المسار الديموقراطي واستكمال شروط الإنجاز الثوري للشعب، وما هو عرقلة مقصودة تفضي إلى تمويه شكل التحوّل، بحيث تخرجه في هيئة تحوّل ديموقراطي، والحال أنه ليس سوى شكل من أشكال الاستحواذ الناعم على منجزات الثورة. في تونس، يصبح تأجيل الانتخابات فرصة استقواء من داخل النظام على حساب القوى السياسية الأخرى التي تشهد حركة تموضعات ناشطة تستهدف تجميع حلفاء الأمس. أما في مصر، فإن تقديم موعد الانتخابات، فله مفعول آخر، حيث ستكون النتائج محسومة في بلد يراد تجديد هياكله الحزبية والبيروقراطية كيما يكون قادراً بدرجة كافية على التحوّل الديموقراطي، إذ لا يمكن في حال مصر الحالية أن تؤتي ببديل حائز على إمكانيات تحقيق الانتقال البنيوي للسلطة.

في الثورات العربية الأخرى، من ليبيا في الغرب إلى البحرين في الشرق، ثمة ما يلفت حقاً إلى ما هو أكبر من مجرد مطلب تغيير شكلي. ما يبعث الحيرة ليس أن تغيير الرئيس في أغلب البلدان العربية يعادل تغيير النظام أو بالأحرى يؤول الى تغيير النظام، بل إن الإصلاح نفسه، في حال تحقق بصورة جديّة، يحقق النتيجة ذاتها. على سبيل المثال، إن مطلب الملكية الدستورية في البحرين يكافئ مطلب إسقاط النظام، ببساطة لأن الملكية الدستورية لا تعني شيئاً آخر سوى تغيير بنية النظام، وكذلك الحال في كل الملكيات العربية، التي تماهت فيها العوائل المالكة مع الدول، وصارت الأخيرة جزءاً جوهرياً من تظهيرات الملكية الشمولية. ثمة أمثلة أخرى تبدو صارخة لكونها تلامس العصب الحسي لبعض الكيانات القائمة على أساس ارتباط وحدة الكيان الجيوسياسي والعائلة المالكة بمصير واحد، ما يجعل الحديث عن إصلاحات سياسية جوهرية تكتسي بعداً كيانياً. فلا عجب أن تبقى وحدة الدولة قائمة على قدرة السلطة على استعمال إمكانيات التنكيل بأشكاله المتعددة الأمنية، والأيديولوجية، والاقتصادية، والإعلامية. فما يبدو ساخراً أحياناً حين يتم ربط المطلب الإصلاحي بالوحدة الوطنية، بما يضمر هاجساً خفيّاً لدى السلطة، يعكس بأمانة عالية بنية العلاقة بين رمز السلطة وكيانية الدولة، فبين الرمز والكيان وحدة مصير. إن الفصل بين ما هو خاص بالسلطة وآخر خاص بالدولة يرشدنا الى طبيعة الثورات العربية القائمة، بل وإلى مآلاتها أيضاً.

الأحد, 31 تموز/يوليو 2011 07:38

هل يستفيق السودان بعد انفصال جنوبه؟

خلال الفترة التي عشتها في السودان وهي مرحلة الشباب لم أفكر مطلقا في زيارة جنوب السودان، ولم يكن ذلك موقفا شخصيا بل كان موقف معظم الشباب في تلك المرحلة لأسباب كثيرة، أولها أنه لم تكن هناك وسائل مواصلات منتظمة بين الشمال والجنوب وكان معظم الذين يسافرون إلى الجنوب يصلونه بواسطة السيارات التي تنقل البضائع بين الإقليمين، وهي لا توفر وسائل نقل مناسبة أو مريحة لأفراد الجمهور، كذلك لم تكن هناك مصالح تشجع الناس على السفر إلى جنوب السودان، ناهيك بأن الظروف الأمنية لم تكن تشجع أحدا في ذلك الوقت على السفر إلى هناك.

وهكذا كانت وسائل الاتصال بين الشمال والجنوب شبه مقطوعة، يضاف إلى ذلك أن البريطانيين خلال حكمهم للسودان اتبعوا سياسة أطلقوا عليها سياسة المناطق المقفولة، وهي التي أقامت فصلا حقيقيا بين الشمال والجنوب، وكان الهدف من ذلك هو حماية الجنوبيين من الشماليين بحسب وجهة نظرهم، وبالتالي لم تكن هناك صلات تواصل بين شمال البلاد وجنوبها.

ولا نعفي الشمال من بعض مواقفه من الجنوب، إذ كان كثير من الشماليين ينظرون إلى الجنوب على أنه بؤرة مشاكل ولا توجد أرضية مشتركة للتفاهم بين قبائله المختلفة، وكان الرأي السائد هو أن الخلافات بين تلك القبائل سوف تنذر بحرب مستقبلية، ولكن الحرب جاءت بين الشمال والجنوب في حركات تمرد مختلفة استمرت منذ أن نال السودان استقلاله وحتى توقيع اتفاقية 'نيفاشا 'في عام ألفين وخمسة.

وإذا نظرنا إلى الخلافات التي امتدت خلال فترة طويلة من الزمن وجدنا أنها قامت على أسس عنصرية ودينية، ذلك أن الجنوبيين كانوا ينظرون إلى الشماليين على أنهم ينتمون إلى العنصر العربي ويدينون بعقيدة الإسلام، وعلى الرغم من انتشار الإسلام في جنوب السودان، فإن ذلك لم يوفر قاعدة للتفاهم بين الشمال والجنوب، ولكن يجب ألا نعفي هنا الشماليين من المسؤولية لأنهم ظلوا طوال الوقت ينظرون إلى الجنوب نظرة دونية ويفاخرون بأصول عربية ليس هناك دليل على صحتها، وحتى لو كان هناك دليل فلم يكن هناك مبرر للقطيعة مع هذا الجزء من الوطن..

وعلى الرغم من أن القطيعة مع الشمال استمرت زمنا طويلا فإنها دخلت مرحلة مهمة مع تولي الرئيس جورج بوش الابن السلطة في الولايات المتحدة، إذ جعل الرئيس بوش الوضع في جنوب السودان من أولى اهتماماته بسبب توجهه الديني وقد تمكن في آخر الأمر من إجبار الحكومة السودانية على توقيع اتفاق نيفاشا مع الحركة الشعبية وهو الاتفاق الذي نص على إجراء استفتاء في جنوب السودان لتقرير مصيره، وكانت الحكومة السودانية في ذلك الوقت تعتقد أن توقيع الاتفاق مع الحركة الشعبية سوف يحسن علاقاتها مع الولايات المتحدة ولكن ذلك لم يحدث، إذ لم تعمل الولايات المتحدة على سحب الاتهام الذي وجهته محكمة الجنايات الدولية للرئيس البشير وبدأت تدعم بشكل واضح حركة التمرد في إقليم دارفور.

وأصبح واضحا أن الولايات المتحدة بدأت تعمل في إطار إستراتيجية حدد معالمها الجانب الإسرائيلي كما ظهر في المحاضرة التي ألقاها 'آفي دختر' وزير الأمن الإسرائيلي في عام ألفين وثمانية والتي أكد فيها أن بقاء السودان موحدا بإمكاناته الهائلة يشكل خطرا مستقبليا على إسرائيل والأفضل هو تقسيم هذا البلد حتى لا يصبح سندا في المستقبل لمصر والأمة العربية.

وأخيرا تحقق الحلم الإسرائيلي بانفصال جنوب السودان، ليؤسس دولته المستقلة وهي دولة تشير كل الدلائل على أنها ستكون دولة معادية لدولة الشمال بدليل أنها بدأت تفكر الآن في تمرير النفط الجنوبي عبر الشمال مدة ثلاث سنوات فقط ريثما يتوافر منفذ جديد لهذه الدولة الوليدة لتصدير نفطها، كما أن من أولى التوجهات لدولة الجنوب إقامة علاقات دبلوماسية مع دولة الكيان الصهيوني إسرائيل، التي اعترفت بدورها بدولة جنوب السودان وبدأت تفكر في وضع قدمها هناك من أجل تنفيذ مخططها ضد العالم العربي.

ولكن دولة الشمال ما زالت تتغافل هذه الحقائق وتعتقد أنه بالإمكان إقامة علاقات حسنة مع دولة الجنوب، دون أن تتساءل عن الأسباب التي بررت انفصال جنوب السودان وفتحت ثغرة في جدار الوطن لمزيد من التفكك، ولو وضع الشمال نصب عينيه مثل هذه التساؤلات لأدرك أن قيام دولة الجنوب لم يكن لسبب غير الأسباب العرقية والعنصرية بكون الجنوب كان أصلا إقليما مستقلا بحكومته، كما أن وسائل الإدارة الحديثة كان يمكنها عن طريق النظام الفدرالي أو النظام الكونفدرالي الإبقاء على وحدة السودان، خاصة أن وحدة السودان الجغرافية شيء مؤكد، وقد بينت في مقالات سابقة أن السودان لا يمكن له إلا أن يكون دولة موحدة، لأنه في حال انفصال الجنوب فسوف تنشأ مشكلة المنفذ الخارجي لهذه الدولة الوليدة التي لن تستطيع الخروج إلى العالم الخارجي إلا عن طريق شمال السودان وهذا هو الحال مع إقليم دارفور، وإذن كان من المكن التفاهم على حلول لمشكلة الجنوب ولكن العالم الخارجي المتآمر على السودان لم يكن يريد مثل هذه الحلول، وكل ما كان يفكر فيه هو الوصول إلى تفكيك هذه الدولة حتى يحرمها من مصادر القوة في المستقبل. والغريب أن كل ما تفكر فيه حكومة الشمال في الوقت الحاضر هو أنها وفت بالتزامها الأخلاقي ونزلت عند إرادة شعب الجنوب، وكل ذلك هراء لأن ما فعلته حكومة السودان هو أنها فرطت في جزء كبير من الوطن وأن هذا التفريط سيكون بداية لمزيد من التفكيك في هذا القطر الكبير، ولكن كثيرا من المنتسبين إلى النظام لا يريدون التفكير في مثل هذه الأمور، وكل ما يشغلهم في الوقت الحاضر هو أن يحاول العلمانيون تجميع الصفوف من أجل مواجهة النظام، وهذا موقف سخيف، لأن قدر السودان في هذه المرحلة ليس أن يكون فيه نظام إسلامي، كما أن النظام الإسلامي ظل قائما في السودان منذ أكثر من عشرين عاما ومع ذلك لم تظهر معالمه السياسية وكل ما ظهر فيه هو تمكن المجموعات التي تنتمي إلى هذا التيار من السلطة والثروة بعد أن حرموا غيرهم منها. وهو أمر محكوم عليه بالفشل في كل الظروف.

ونعتقد أن ما يجري في السودان لم يعد شأنا سودانيا خالصا إذ هو يهم مجموعة من الأطراف وخاصة في العالم العربي ومصر على وجه التحديد، ولكن الجامعة العربية مؤسسة ميتة ولا تستطيع أن تقوم بأي عمل بناء، وأما مصر فهي غير قادرة على رؤية مصالحها الحقيقية، وتنظر إلى نفسها دائما على أنها قادرة على حل مشاكل الآخرين دون النظر إلى مشاكلها هي خاصة، وإذا تأملنا الموقف في جنوب السودان والمؤامرات الخارجية أدركنا أنه موجه بصفة خاصة تجاه مصر وبالتالي فإن التحرك المصري يجب ألا يقتصر على سرعة الاعتراف بدولة جنوب السودان، أو إقامة المشروعات في تلك الدولة وإنما يجب أن يتجاوز ذلك إلى المصالح الإستراتيجية وكيفية التنسيق مع دولة شمال السودان في هذا الأمر، أما بالنسبة إلى الولايات المتحدة فإن عليها أن تتوقف عن هذه السياسات الساذجة التي لا تقوم على أساس سليم وقد أثبتت فشلها، ذلك أن تحقيق المصالح لا يكون بخلق المشاكل أو إيجاد العملاء لا سيما بعد أن انفجرت الثورات العربية في كل مكان تهدد عملاء الولايات المتحدة السابقين، ولكن كيف تغير الولايات المتحدة أسلوبها وقد رأيناها أخيرا تدعو إلى حوار مع الأخوان المسلمين ظنا منها أنهم سيكونون القوة القادمة في العالم العربي وأنهم سيقدرون لها مبادرتها في الحوار معهم، ولا نعترض على أن تمد الولايات المتحدة يدها للتحاور مع أي فريق، ولكن يجب أن تكون الحوارات في إطار مصالح الشعوب وليس مصالح الولايات المتحدة فحسب، وما فعلته الولايات المتحدة في السودان بكل تأكيد لا يخدم مصالح شعبه كما قد لا يحقق مصالح إسرائيل المستقبلية، وحتى لو حققها فيجب ألا يدفع السودان مثل هذا الثمن الباهظ، وذلك ما يحتم أن يبحث السودان ومصر في حل لهذه المشكلة، ولكن مثل هذا البحث لا يتحقق إلا إذا اقتنع نظام الحكم في السودان أن الدولة التي يبحث عنها السودان ليست هي الدولة التي ظل يبشر بها النظام ولم يستطع تحقيقها بل هي دولة تأخذ بأسباب الحداثة وتقضي على سائر النزعات العنصرية والطائفية التي كانت سببا في وصول السودان إلى الحال التي وصل إليها.

الأحد, 31 تموز/يوليو 2011 07:36

احذروا الحوار مع الأميركان فهو كمين

أود أن أتناول هذه المسألة على محورين: الأول هو التذكير بحقيقة الأميركان. والثاني هو أهدافهم من الدعوة إلى هذا الحوار:

أولاـ نعلم جميعا أن أميركا قوة عظمى، يصعب على الكثيرين تجاهلها أو رفض الحوار معها، ولكنها تظل قبل ذلك وبعده عدونا الأول والرئيسي: فهي التي قامت بتصنيع النظام المصري الساقط طوبة طوبة منذ 1974 حتى الآن، وهي التي حرضت وساعدت إسرائيل على احتلال سيناء عام 1967، وهي التي منعت مجلس الأمن بعد النكسة من إصدار قرار يقضى بجلاء قوات الاحتلال من أراضينا وفقا لميثاق الأمم المتحدة التي يحظر احتلال أراض الغير بالقوة.

وبدلا من ذلك عملت على إصدار القرار الباطل رقم 242 الذي يربط الانسحاب بشرط الاعتراف بإسرائيل، أو بالأصح بالتنازل عن فلسطين لليهود الصهاينة، فلما قررنا مواصلة القتال لتحرير أرضنا المحتلة، وقمنا بمعركتنا الكبرى في أكتوبر 1973، قام الأميركان بالتدخل مرة أخرى للحيلولة دون اكتمال النصر، فدخلوا الحرب ضدنا، ومدوا العدو الصهيوني بجسر جوي من الأسلحة، وخططوا ونفذوا معه ثغرة الدفرسوار، ثم أصروا على انسحاب قواتنا إلى أماكنها الأولى قبل العبور، مقابل انسحاب القوات الإسرائيلية. ثم اخضعوا النظام وأرغموه بالتواطؤ وبالإكراه على توقيع اتفاقية سلام مع إسرائيل، قاموا فيها بتجريد 2/3 سيناء من القوات والسلاح؛ ثم قاموا بزرع قواتهم هناك بدلا من القوات الإسرائيلية تحت مسمى قوات متعددة الجنسية، فخرجت إسرائيل ودخلت أميركا، وهم هناك الآن.

ثم استكملوا خطوات القضاء على مصر الوطنية المستقلة، مصر المقاتلة، بالعمل على ضرب اقتصادنا الوطني وبيع القطاع العام الذي كان يدعم المجهود الحربي، واستبداله باقتصاد تابع سيطروا عليه هم وأتباعهم من رجال الأعمال، وهو الاقتصاد السائد في مصر الآن، حتى بعد الثورة.

ثم اتفقوا مع النظام الساقط على ضرورة حظر أي تيار سياسي لا يعترف بإسرائيل ويرفض التفريط في السيادة الوطنية، وحرمانه من المشاركة فى العمل السياسي، والعمل على تصفيته والقضاء عليه.

وقاموا من أجل ذلك بالعدوان على كافة القوى الوطنية المصرية، وعلى رأسها الإخوان المسلمون أنفسهم الذين طاردهم النظام المصري لسنوات طويلة وزج بهم في السجون وقدمهم إلى المحاكمات العسكرية. وكله بأمر الأميركان.

وبعد ثورتنا المجيدة، لم يتوقف شرهم، بل أخذوا يحرضون الإدارة المصرية الحالية على الحيلولة دون وصول التيار الإسلامي أو أي تيار معاد لأميركا، للحكم لما يمثله من خطر على إسرائيل وعلى المصالح الأميركية. وأخذوا يغدقون الأموال والمساعدات على عدد من الشخصيات والمنظمات من أجل خلق بديل مقبول لديهم؛ ناهيك عن سيل الاعتداءات والشرور والأضرار التي تطال الأمة منذ عقود طويلة على أيدي الأميركان في فلسطين والعراق والسودان والصومال ولبنان وأفغانستان من احتلال وتبعية ونهب للثروات وتخريب للاقتصاد وتقسيم للأوطان وزرع الفتن الطائفية وتمويل الحروب الأهلية وتدخل في الشؤون الداخلية....الخ.

لكل ذلك ومثله الكثير يجب الامتناع عن الحوار مع الأميركان، بل يجب أن يكون خطابنا وحركتنا السياسية الرئيسية في مواجهتهم وفي مواجهة مشروعهم وفي مواجهة تدخلاتهم لاحتواء ثورتنا.

ثانياـ ما هي أهداف الأميركان من هذا الحوار؟

أظن أنه يمكن تحديد أهمها في الآتي:

1- هدف عاجل وخبيث، يتمثل فى إزالة الآثار السلبية الناتجة عن تصريح السفيرة الأميركية الجديدة "آن باترسون" الذي ذكرت فيه أن هناك 600 منظمة مصرية طلبت دعما أميركيا،وهو التصريح الذي أثار حالة من الغضب والاستياء والرفض الوطني لدى معظم القوى السياسية. وكاد هذا الغضب يترجم إلى قرارات ذات شأن يمكن أن تضع حدا للعربدة التي تقوم بها الأجهزة الأميركية على الأرض المصرية.

ولذا جاء الإعلان عن الحوار مع الإخوان،(نفت الجماعة الحوار مع الاميركان) لإسكات أصوات الغاضبين، فها هي أكبر قوة سياسية في البلد تقبل الحوار مع الأميركان، فلماذا لا يفعل الآخرون مثلها؟ فمثل هذا الحوار سيؤدي إلى تبييض وجه رجال الأميركان في مصر، وسيفتح الأبواب على مصراعيها لعديد من الأطراف الأخرى في التواصل مع الأميركان بلا حرج وبلا تعقيب.

وإن لنا في ذلك سابقة مبدئية أصيلة، حين توافقت كل القوى الوطنية العربية على رفض زيارة فلسطين بتأشيرة إسرائيلية، حتى لو كان الزائرون من الأخيار والمناضلين، لأن في ذلك إعطاء ذريعة للأشرار العرب أن يطبعوا مع العدو على قدم وساق.

2- الهدف الثانى قد يكون بمثابة "كمين" أميركاني محترم ومقلب من الوزن الثقيل للجماعة يهدف إلى إضعاف شرعيتها وشعبيتها الوطنية لدى قطاعات كبيرة من الشخصيات والقوى والناس العادية التي عرفتها مجاهدة ضد المشروع الأميركي الصهيوني على امتداد عقود طويلة.

كما أن الحوار سيقدم على طبق من فضة مادة جديدة لمتعهدي الحملات السياسية والإعلامية ضد التيار الإسلامي، وهو الأمر الذي بدأ بالفعل بمجرد إعلان كلينتون عن رغبتها في الحوار.

ورغم ثقتنا في صلابة المواقف الوطنية للإخوان، إلا أن الحوار مع الأميركان سيؤدي الى إثارة الريبة والشك لدى عدد من القوى السياسية الأخرى في أن هناك صفقة ما قد تمت، فتنشق الصفوف أو تزداد انشقاقا، وسيفسر أي نجاح قادم للجماعة، أن وراءه صفقة أو تواطؤ ثلاثي: أميركي عسكري إخواني.

ولا زلنا نتذكر كيف أدى اختيار صبحي صالح في لجنة التعديلات الدستورية إلى اتهام لم ينقطع بوجود تواطؤ بين الجيش والجماعة. فما بالنا حين تدخل أميركا على الخط؟

3- الهدف الثالث هو جس النبض والتعرف على نوايا الجماعة مبكرا، بحيث لو ثبت أنها لا تزال تتمسك بمواقفها الجذرية من دعم المقاومة ورفض الاعتراف بإسرائيل، فسيكون على الإدارة الأميركية أن تعتمد خطة ضغط فورية على الإدارة المصرية ضدها، بدلا من الانتظار إلى ما بعد الانتخابات، فالضغط الآن أسهل وأضمن. فلماذا نمنح عدونا مزايا هذا الاستطلاع المبكر، ونمكنه من أخذ زمام المبادرة؟!!

4- الهدف الرابع هو محاولة الضغط لتغيير الموقف من فلسطين وإسرائيل وكامب ديفيد، وهو الضغط الذي تجيده أميركا بشدة، والذي نجحت من خلاله في تحقيق إنجازات باهرة مع نظام السادات ومبارك ومنظمة التحرير الفلسطينية وغيرهم، إلى الدرجة التي أصبح لدينا عقدة دفينة من أن أي تواصل مع الأميركان سينتهي حتما بمزيد من التنازلات العربية. فالعكس مستحيل، فلم يحدث أبدا أن تراجعوا هم أو قدموا لنا أي تنازلات، منذ وعينا أن هناك بلدا تسمى أميركا.

ولكن والأهم والأخطر من كل ما سبق هو أن الحوار سيرسي قاعدة باطلة وخطيرة، لطالما قاومناها، وهي أن على من يريد أن يشارك في حكم مصر، أن يتفاهم مع الأميركان أولا، ويحصل على مباركتهم.

برغم ما يبدو من اصرار امريكي على التدخل بقوة لحرف مسار الثورات العربية، اصبح امرا واضحا تراجع الدبلوماسية الامريكية امام الازمات المتعددة التي تواجهها الولايات المتحدة، خصوصا مع العالم الاسلامي وفي منطقة الشرق الاوسط على وجه التحديد.

ومن هذه الازمات: سحب القوات من العراق، توتر العلاقات مع باكستان بعد مقتل زعيم القاعدة أسامة بن لادن، جمود الوضع في ليبيا، صعوبة الحسم في سورية وضبابية السياسة الامريكية تجاهها، بروز ملامح الغضب الشعبي في البحرين ضد السياسات الامريكية لموقفها المعادي للثورة والداعم للنظام، ظواهر بوادر أزمة غير قليلة مع لبنان في اعقاب صدور الاتهام الظني.

وتتضاعف المشاكل التي تواجهها الولايات المتحدة في افغانستان التي لا يبدو ان واشنطن حسمت امرها سواء بسحب القوات ام بالحوار مع طالبان ام بغلق ملف تنظيم 'القاعدة'، وبروز مؤشرات لتوتر في العلاقات بين واشنطن والرياض برغم اعلان الاخيرة عن زيادة مشترياتها العسكرية من الولايات المتحدة بنسبة 50 بالمائة الى 90 مليار دولار العام المقبل.

يضاف الى ذلك بعد آخر قد يبدو هامشيا ولكنه لا ينفصل عن ملف الدبلوماسية الامريكية وعلاقاتها الخارجية خصوصا مع 'اسرائيل'. فالأزمة التي بدأت في لندن مؤخرا بشأن الامبراطورية الاعلامية التي يملكها روبرت مردوخ اصبحت مرآة عكست القلق الغربي من تزايد النفوذ الصهيوني في الغرب خصوصا بريطانيا والولايات المتحدة، واعتبرت ضربة لذلك النفوذ، الامر الذي يشير الى تراجع أسهم الكيان الاسرائيلي لدى الغربيين خصوصا مع التوجه لاقرار اقامة دولة فلسطينية برغم الرفض الاسرائيلي. انه ملف متعدد الوجود ومتداخل الابعاد اصبح يضغط على ادارة الرئيس اوباما ولن يخفف منه استبدال وزير الدفاع روبرت غيتس بمدير الاستخبارات المركزية، ليون بانيتا الذي سوف يستلم منصبه قريبا. ومع ازدياد السخط الشعبي الامريكي بسبب استمرار الحرب في افغانستان، لجأت المؤسسة العسكرية الامريكية للاعتماد بشكل اكبر على استخدام طائرات 'درون' بدون طيار لاداء العمليات، الامر الذي ساهم بدوره في زيادة السخط في باكستان ضد تلك العمليات التي ضاعفت اعداد الضحايا المدنيين.

من الصعب النظر الى واحدة من القضايا المذكورة باعتبارها المسؤول الاساسي عن ما يبدو من تصدعات في السياسة الخارجية الامريكية، ولا يبدو ان هيلاري كلينتون قد نجحت في ادارة تلك السياسة بالشكل الذي يحفظ المصالح الامريكية او يرضي اصدقاء واشنطن، او يقلل التحديات أمام الغرب وهو يواجه تحديات القرن الحادي والعشرين، او يحسم ملف 'الحرب ضد الارهاب'. مع ذلك يمكن القول بان من أوضح مظاهر الاخفاق في تلك السياسة الموقف الامريكي ازاء الثورات العربية، وما يبدو من انسياق امريكي وراء القوى المضادة للثورة، هذا على افتراض ان واشنطن ليست زعيمة تلك القوى. وشيئا فشيئا تتجه الشعوب الثائرة في تونس ومصر والبحرين واليمن بشكل خاص لتوجيه نقد لاذع لسياسة الادارة الامريكية تجاه الثورات وسعيها المتواصل لاخمادها او احتوائها او السعي المتواصل لهندسة نتائجها وفقا للاجندة الامريكية. هذه الاجندة تخلفت كثيرا عن مواكبة تطورات الساحة السياسية العربية خصوصا في جانبها الثوري وعملت باساليب بدأت الشعوب الثائرة تدرك ابعادها الاستراتيجية التي لا تنفصل عن التحالف مع 'اسرائيل' ومسايرة رغبة الرياض في افشال كافة الثورات بسبب تعارضها مع النهج السياسي للنظام السعودي المعادي لاطروحات التغيير خصوصا عن طريق الثورات الشعبية. وبرغم ما يبدو من حضور امريكي غير مسبوق على ارض السياسة العربية، فالواضح ان ادارة الرئيس اوباما اخفقت في استيعاب عمق المشاعر الشعبية نحو التغيير لدى الشعوب العربية، ولم تنجح في طرح سياسات قادرة على مواكبة تلك المشاعر.

وسواء كان ذلك ناجما عن عجز التفكير الاستراتيجي الامريكي ام عن الإرث الامريكي الامبريالي المعادي للشعوب والداعم للانظمة الديكتاتورية فان النتيجة تكاد تكون واحدة، ومؤداها ان الدبلوماسية الامريكية اصبحت تدفع ضريبة عقود من التخلف عن مواكبة تطورات الاوضاع السياسية والمزاج الشعبي في الدول الصديقة. وهنا لا يمكن التغاضي عن توتر العلاقات بين واشنطن وإسلام آباد الذي بلغ مستوى غير مسبوق ادى الى تجميد الدعم الامريكي الذي يقدر بقرابة المليار دولار للمؤسسة العسكرية الباكستانية.

ويمكن القول بان من بين آخر أخطاء الدبلوماسية الامريكية حالة التذبذب التي هيمنت عليها ازاء ربيع الثورات العربية التي كانت فرصة مؤاتية لواشنطن لتصحيح مساراتها بعد ان اعترفت بانها كانت تتحرك على الجانب الخطأ من التاريخ. فبعد اسابيع معدودة في بداية الثورات انتهجت واشنطن خلالها سياسة كانت تتسم بشيء من الواقعية والتغيير المحدود في نمط سلوكها وذلك بالتزام سياسة محايدة وعدم دعم الحكام المستبدين، سرعان ما تغيرت تلك السياسة رأسا على عقب. واليوم اصبحت واشنطن تسعى بشكل واضح اما لافشال الثورات كما حدث في البحرين، او تأجيل حسمها كما حدث في اليمن، او حرفها باتجاه الحرب الاهلية كما يحدث في ليبيا، او السعي لهندسة نتائجها في البلدان التي اسقطت رؤساءها كما يحدث في مصر وتونس. ولا يبدو الموقف الامريكي أكثر اضطرابا منه في سوريا التي أساء التدخل الامريكي السافر فيها للثورة فيها، خصوصا بعد نزول السفير الامريكي الى الشارع في مدينة حماة، وهو تصرف بعيد عن اللباقة. وبدلا من دعم الحراك السياسي الشعبي لكسر الجمود الذي خيم على العالم العربي اكثر من نصف قرن، سعت واشنطن لوقف المسار الثوري باية وسيلة، ووحدت جهودها مع كل من بريطانيا و'اسرائيل' والسعودية لمواجهة المد الثوري بكافة اساليب المضادة للثورة على الصعدان الاعلامية والسياسية والعسكرية. بدأت هذه السياسة باقرار الاحتلال السعودي للبحرين وترويج سياسات الاحتقان الديني والمذهبي، والتدخل السعودي السافر في شؤون الثورة اليمنية لمنع سقوط علي عبد الله صالح، ثم تهيئة الاوضاع في ليبيا لتدخل عسكري غربي سافر ادى الى ضرب الحماس الثوري واستبداله بالتحول نحو ما يشبه الحرب الاهلية والسعي المتواصل لهندسة مستقبل ليبيا بما يضمن الهيمنة الامريكية المستقبلية في ذلك البلد النفطي. ولو كان الغربيون جادين في تحييد قوات القذافي ومنعها من استهداف المدنيين لما كان ذلك صعبا، ولكنهم كانوا يتحركون لايصال الوضع الى حالة الجمود وتوازن في القوى يحرم ايا من الطرفين القدرة على هزيمة الآخر. انها واحدة من ابشع اساليب التدخل لمنع حدوث التغيير، ضمن سياسة تتسم بالكثير من النفاق والعداء لتطلعات الشعوب وحقوقها. ومن نتائج تلك السياسة حدوث حالة تصدع في جبهة المعارضة، وشروخ عميقة بين مكوناتها، وسعي بعض الاطراف لممارسة سياسة الوصاية على الوضع بما يمنع اية قوة مقاتلة اخرى غير منسجمة مع المشروع الغربي من لعب دور عملي في ساحة القتال.

الولايات المتحدة وجدت نفسها امام خيارات صعبة في العديد من المناطق التي تتدخل فيها. ويمكن القول ان كلا من العراق وافغانستان تحولتا الى مستنقع سياسي وعسكري لادارة الرئيس اوباما بشكل جعل امكانات حسم خيارات واشنطن صعبة جدا.

فبعد عشرة اعوام على التدخل العسكري في افغانستان ما يزال مسلسل سقوط القتلى على كافة الجبهات مستمرا، حتى تعمقت قناعة الجنرالات الامريكيين باستحالة حسم الموقف في افغانستان عسكريا، ولم يخفف مقتل بن لادن من المشكلة، بل زادها تعقيدا واوصلها الى حالة التوتر مع الحكومة الباكستانية التي احتجت على طريقة التدخل الامريكي على اراضيها بشكل اضعف سيادتها وادى الى ردة فعل معادية للولايات المتحدة. ولا يستبعد ان تتوسع دائرة الصراع لتشمل باكستان، في الوقت الذي توسعت فيه دائرة الرفض الشعبي الامريكي لاستمرار تلك الحرب وارتفعت الاصوات المطالبة بالانسحاب. وقد لجأت واشنطن للاعتماد على طائرة 'درون' بدون طيار بشكل متصاعد رغبة في تقليل خسائرها البشرية، ولكن ادى الاستعمال المتزايد لتلك العمليات لمقتل الكثير من المدنيين الامر الذي احدث غضبا بين المواطنين فارتفعت الاصوات المعادية للوجود الامريكي وبلغ الوضع مستوى غير مسبوق من التوتر. وفي العراق تصاعدت اعداد القتلى في صفوف القوات الامريكية مع اقتراب موعد الانسحاب الامريكي، اذ بلغت 18 قتيلا في شهر واحد، فيما يسود اللغط بين الساسة العراقيين بسبب تلميح بعضهم لاحتمال تمديد بقاء القوات الامريكية على الاراضي العراقية فترة اطول.

واذا اضيف لهذه العوامل الخارجية الاوضاع المتردية للاقتصاد الامريكي تزداد صورة الموق الامريكي وضوحا. ووفقا للمعلومات المتوفرة فان الديون الامريكية تبلغ 14.3 تريليون دولار (اي 14300 مليار دولار)، وقد لا تستطيع ادارة اوباما تسديد فواتير الديون التي يجب عليها دفعها في الايام القليلة المقبلة. ان بلدا يعيش اوضاعا كهذه لا يستطيع توسيع دوائر الصراع خارج الحدود، ولذلك فثمة رأي يقول بان الولايات المتحدة تتجه نحو سياسات تركز على الداخل وتبتعد عن المزيد من التدخلات الخارجية.

واذا كانت ادارة اوباما قد التزمت سياسات معادية لثورات الشعوب العربية، فانها لن تستطيع الاستمرار في التصعيد مع نظام الحكم في سوريا الذي يواجه تحديا غير قليل من الداخل. وبرغم الضغوط المتواصلة على النظام السوري من قبل قوى اجنبية واقليمية، فان احدا لا يتوقع تدخلات عسكرية خارجية على غرار ما حدث في ليبيا، لان الولايات المتحدة لم يعد لديها مزاج للتورط في حرب جديدة في الوقت الذي ترى نفسها فيه عاجزة عن تحقيق نتائج تذكر في الحروب الاخرى.

بل انها لم تستطع تحقيق توافق دولي سواء بشأن ايران ام 'الحرب ضد الارهاب' ام حل قضايا الشرق الاوسط والضغط على الكيان الصهيوني للقبول بمبدأ قيام دولة فلسطينية مستقلة. يضاف الى ذلك ما يردده الخبراء عن عجز واشنطن تحقيق توافق دولي ضد سورية لدى مناقشة الملف النووي السوري الذي تضغط الولايات المتحدة بهدف احالته الى مجلس الامن الدولي. وهكذا تبدو السياسة الخارجية الامريكية متعثرة بشكل كبير، وليس هناك ما يشير الى حدوث اختراقات كبرى تكشف نجاحا دبلوماسيا امريكيا ملموسا، الامر الذي اصبح يؤرق الساسة الامريكيين خصوصا من الحزبين الكبيرين. ولكن الخروج من هذه المآزق ليس سهلا، وبالتالي فالارجح ان تشهد السنوات القليلة المقبلة انكفاء امريكيا على النفس والتخلي التدريجي عن الدور البوليسي الذي مارسته الادارات الامريكية المتعاقبة في العقود الاخيرة.

ومع ان ذلك التطور سوف يكون مصدر ارتياح للكثيرين، خصوصا بلدان العالم الثالث وشعوبها التي عانت من التدخلات الامريكية المباشرة والحروب وانتشار اسلحة الدمار الشامل بالاضافة لتسلط الاستبداد والديكتاتورية، الا انه تطور مقلق لان اضطراب اوضاع القوة الدولية الكبرى من شأنه ان ينعكس سلبا على توازن القوى في العالم من جهة، وعجز النظام الدولي عن التعاطي مع التحالفات الاقليمية بشكل فاعل. ومن هنا فثمة رغبة غير قليلة في دور اوروبي مواز للدور الذي يمارسه التحالف الانكلو - امريكي، الذي يخضع في اعتباراته للاملاءات الصهيونية على صعيد العلاقات الدولية.

من هنا نظر البعض الى ما يحدث للامبراطورية الاعلامية التي يديرها روبرت مردوخ من زاوية اخرى. واذا كان التركيز عليها قد بدأ في بريطانيا فان الاجراءات ضدها وصلت الى الولايات المتحدة حيث قال مكتب التحقيقات الفيدرالي (اف بي آي) انه سوف يحقق في ادعاءات بان 'صحافيي' امبراطورية مردوخ ربما تنصتوا على هواتف ضحايا حوادث 11 سبتمبر. وثمة من يعتقد ان ما يحدث لهذه الامبراطوية يمثل جانبا من الصراع السري بين اللوبي الصهيوني والمؤسسات السياسية الرسمية في الغرب خصوصا بريطانيا والولايات المتحدة، وان ذلك يؤكد ما يقال حول تراجع حظوظ الاحتلال الاسرائيلي مع الدول الغربية لاسباب عديدة. ويقول اصحاب هذا التفسير ان المؤسسة الرسمية البريطانية بدأت تخشى على نفسها وسيادتها من تصرفات مؤسسة مردوخ.

فقبل أقل من عام تعرض وزير التجارة البريطاني في حكومة التحالف، فينس كيبل، لمشكلة غير مسبوقة عندما افصحت احدى الاعلاميات التابعة لصحيفة 'ديلي تلغراف' عن فحوى حديث خاص مع الوزير، الامر الذي احرج التحالف وكاد يعصف بالحكومة. مؤسسة مردوخ تجاوزت حدود الصحافة بالتجسس المباشر على الآخرين خارج اطار القانون، الامر الذي دفع المؤسسة السياسية البريطانية لاتخاذ اجراءات قاسية ادت حتى الآن لغلق صحيفة 'نيوز اوف ذا ورلد' وهي واحدة من اعرق الصحف البريطانية. ان تطورات كهذه تكشف ما يجري في عالم الصحافة من اجراءات تتجاوز المهنة وتتصل بالسيادة الوطنية، وقد يكون ذلك على حساب مصالح الآخرين وسلامتهم. وبالتالي اصبحت هذه الدول تشعر بان امنها القومي يتعرض للتهديد، وان عليها التحرك بسرعة لاحتواء آثار هذا التجسس.

ومن جانبها، اصبح امام واشطن خيارات محدودة للتعاطي مع تطورات المنطقة التي ما تزال ترفض الاعتراف بالكيان الاسرائيلي الذي تعتبره في عمق الازمات التي تعاني منها المنطقة. فاذا كانت الثورات مهددة بالافشال والاجهاض او التحريف، فان سباق الساعات الاخيرة لحماية الثورة ومكتسباتها يتم الرهان عليه بهدف اضعافه من قبل انظمة الاستبداد التي لم تغير ما لديها من اساليب.

نشر على صفحات موقع (( كسر الصنم)) مقالا ، بقلم عبد الملك الشافعي بعنوان: إلى صناديد الإمامية: إنهيار استدلالكم العقلي على العصمة المطلقة بآية إمامة إبراهيم عليه السلام.

وقد ناقش فيه الكاتب إستدلال علماء الشيعة بآية إمامة إبراهيم عليه السلام وهي قوله تعالى: { وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِي قَالَ لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ } ( البقرة / 124)

وقال: وجدتهم يحاولون (جاهدا، كذا) اشتراط العصمة في الإمام مدى الحياة، وليس وقت إمامته فقط.

وحاصل استدلالهم إنّ الناس إلى الظلم على أقسام أربعة :

1- من كان طيلة عمره ظالماً.

2- من كان طيلة عمره طاهراً ونقياً.

3- من كان ظالما في بداية عمره وتائبا في آخره.

4- من كان طاهرا في بداية عمره وظالما في آخره.

عند ذلك يجب أن نقف على أنّ إبراهيم عليه السلام الذي سأل الإمامة لبعض ذريته أراد أي قسم منها ؟

حاشا لإبراهيم عليه السلام أن يسأل الإمامة للقسم الأوّل والرابع من ذريته لوضوح أن الفارق في الظلم من بداية عمره إلى آخره أو الموصوف به أيام تصديه للإمامة لا يصلح لأن يؤتمن عليها فبقي القسمان الآخران أعني الثاني والثالث، وقد نصّ سبحانه على أنه لا ينال عهده الظالم، والظالم في هذه العبارة لا ينطبق إلا على القسم الثالث أعني من كان ظالماً في بداية عمره وصار تائباً حين التصدّي.

ثم علّق على هذا وقال : وتأمل كيف نزهوا باستدلالهم إبراهيم عليه السلام من سؤاله للإمامة للقسم الأول والرابع- من كان ظالما مدى الحياة ومن كان نقيّاً ثم أنحرف وقت تصديه للإمامة- ثم إعترفوا بأنه عليه السلام قد طلبها للقسمين الثاني والثالث، فجاء الرفض الإلهي للقسم الثالث بعدم أهليته للإمامة... ليخرجوا بالنتيجة التي استماتوا في إثباتها وهي أن الإمام يجب أن يكون نقيّاً من الظلم طيلة عمره.

ثم إنه ردّ على هذا الإستنتاج بقوله: نجد أنفسنا أمام حكمين عقليين متعارضين هما :

1- ما حكم به عقل إبراهيم عليه السلام من الإعتقاد بأن من كان ظالماً في بداية عمره تائبا وقت تصديه للإمامة، يصلح للإمامة مؤهلاً لها.

2- ما حكمت به عقول الإمامية من الإعتقاد بأن من كان ظالماً في بداية عمره وتائباً وقت تصديه للإمامة، لايصلح للإمامة وعدم أهليته لنيلها.

وعليه فسيجد الإمامية أنفسهم بين خيارين:

1- إما أن يصححوا ما حكم به عقل إبراهيم عليه السلام من أهلية القسم الثالث للإمامة، وعندئذ يترتب عليه بطلان عقيدتهم.

2- أو يصححوا ما حكمت به عقول الإمامية بمنع الإمامة عن القسم الثالث، ويترتب عليه الطعن بإبراهيم عليه السلام والمتمثل باتهام عقله بالجهل والعجز.

هذا خلاصة ما كتبه صاحب المقال، وبما أنّه قال في آخر مقاله: وإنّا بانتظار العقلاء والمنصفين من الزملاء الإمامية ليبينوا موقفهم منه، وبأي الخيارين سيلتزمون، وتمثّل بقوله تعالى { وَارْتَقِبُواْ إِنِّي مَعَكُمْ رَقِيبٌ } ( هود/93 )

ونحن نزولاً على طلبه نقول :

لا تعجلن فقد أتاك مجيب صوتك غير عاجز

وسوف يكون جوابنا مشتملا على نقطتين:

الأولى: أنَّ الكاتب بدل أن يجيب عن استدلال الإمامية بالآية المباركة على عصمة الإمام في عامّة المراحل، أنتقل إلى أمر هامشي يُعدّ جدلا لا استدلالاً، وسوف نجيب عن جدله في النقطة الثانية.

نحن نفترض أن باحثاً إسلامياً مستقلاً يريد استخراج العقيدة الإسلامية من القرآن الكريم والسنة النبوية، ولا يريد أن يكون مقلّداً أشعرياً أو ما تريدياً أو معتزلياً أو إمامياً.

فعندئذ يبدأ بالتدبر في الآية على النحو الّذي ذكرناه فوجد في صميم ذاته أنه لا يمكن أن يطلب إبراهيم عليه السلام الإمامة للقسمين التاليين:

1-الغارق في الظلم طيلة عمره.

2-النقي في بداية عمره والظالم وقت توليه الإمامة.

لأن بداهة العقل تحكم بعدم جواز تفويض مصالح الناس ونواميسهم بيد هؤلاء الذي هم رجال العبث والفساد يعبثون بنفوس الناس وأعراضهم وأموالهم.

ثم يجد هذا الباحث غير المنتسب إلى أي طائفة من الطوائف أن مطلوب إبراهيم عليه السلام من إفاضة الإمامة لذريته طبعاً هما القسمان الآخران.

إلى هنا يتفكر هذا الباحث في الموضوع فعندما ينتقل إلى جوابه سبحانه كأنه يرفض قسماً ويقبل قسماً آخر، ينتقل إلى أن المرفوض هو الفاسد في أول عمره العادل زمان توليه الإمامة.

فلم يبق إلا من كان نقيّا طيلة عمره لم يعبد صنماً ولم يخضع بعنوان العبادة إلاّ لله سبحانه، ولم يشرب خمرا ولم يدنس نفسه بالخطيئة. فعندئذ نسأل كاتب المقال ما هو جوابه عن استدلال هذا الباحث ولا يسوغ له أن يبحث في حواشي المسألة، من أن الإمامة بين خيارين...الخ، إذ المفروض أن الباحث لا إمامي ولا أشعري ولا ما تريدي، ولا غير ذلك، وإنما هو مسلم أسلم وجه لله وارتدى برداء الإسلام وأراد أن يعتقد بصميمه من المصدرين الكتاب والسنة فإذا الكتاب يرشده إلى هذه الفكرة .

فما هو جواب صاحب المقال، الذي قال إننا مرتقبون.

النقطة الثانية: إن الإمامية لم تتخذ عصمة الإمام عقيدة إسلامية إلا من طريق التدبر في آيات القرآن الكريم، وما اُثر في هذا الموضوع من أحاديث النبي الأكرم صلى الله عليه وآله الصحيحة. ومن الآيات التي استنتجوا منها عصمة الإمام هي آية إمامة إبراهيم عليه السلام فقد استفادوا من الحوار الدائر بين الله سبحانه وخليله بأن اللائق للإمامة هو الطاهر طول حياته.

فلو كان هناك فضل وكرامة فإنما ترجع إلى الحوار وبالتالي إلى الله سبحانه وإلى خليله عليه السلام فحوارهما بمنزلة كلام المعلم والمستفيدون بمنزلة المتعلم.

نعم استدلالهم بالآيات القرآنية على عصمة الإمام لا يصدهم في المرحلة الثانية عن الرجوع إلى الفطرة السليمة والعقل الصريح الدال بأن تفويض الأمر إلى إنسان فاسق لا يخاف الله سبحانه بالغيب أمر ناقض لهدف الخلقة، كما هو الحال في أُصول عامّة العقائد. حيث يردفون الإستدلال بالآيات القرآنية بصريح المعقول الّذي لايفارق الشرع قدر أنملة.

فالمصدر الرئيسي للباحث الإسلامي هو الكتاب والسنّة ولكن لا يمنعه ذلك من الرجوع إلى العقل الصريح، الذي به خاطب الله سبحانه عباده، وبه عرف الله وعرف رسله، وهذا كتاب الإلهيات لسماحة آية الله العظمى السبحاني يستدل على كل أصل من الأصول الإعتقادية بالكتاب والسنة والعقل ولا يصده الإستدلال بالوحي، عن الإستدلال بالعقل الفطري.

وبذلك يُعلم أن ما ذكره من أن الإمامية بين خيارين هو الأخذ بعقيدة إبراهيم (صلاحية الظالم للإمامة) والعدول عن معتقدهم، أو تفضيلهم عقولهم على عقل إبراهيم عليه السلام، غير تامّ.

إذ للإمامية أن تقول لا نأخذ بهذا، ولا ذاك، بل نأخذ بشيء آخر يجمع بين كرامة الخليل وعظمة عقليته، وبين الإعتقاد بعصمة الإمام في عامّة المراحل، وذلك أن الحوار أنّ الحوار الدائر بين الهة سبحانه وخليله هو السبب الرئيسي لتواجد فكرة العصمة في أذهانهم ولولا الحوار أو الآيات الأُخرى النازلة في هذا الصدد، لم يُتمكن من الجزم بالمسألة فلو حاولنا التقييم ، فالفضل يرجع إلى الوحي، من دون فرق بين آية الإبتلاء وغيرها.

هذا ما نقدمه إلى الكاتب لعلّه يجد فيه دواء لما سمّاه داءً، وحلاً لما تصوره أنّه إشكالاً واعضالاً.

والله من وراء القصد.

جعفر السبحاني

قم المقدسة

26 رجب المرجب 1432

 

يتغافل الكثيرون عن المطلب المتكرر على ألسنة زعماء الكيان الصهيوني، بالاعتراف بيهودية الدولة الإسرائيلية، لدرجة بلغت حد الرغبة في مقايضة الاعتراف الفلسطيني بيهودية "إسرائيل" مقابل اعتراف هذه الأخيرة بالدولة الفلسطينية التي يفترض أن تقام فوق بقايا الأراض العربية المحتلة في فلسطين.

لفهم مدى أهمية هذه المسئلة يكفي أن نتخيل إعلان قيام الدولة الإسلامية سواء في مصر أو في أي دولة عربية إسلامية أخرى بالمنطقة. فالمؤكد أن العالم سينقلب رأسا على عقب، وربما تتقاطر الأساطيل العسكرية الدولية الغربية، لحصار هذه الدولة، التي تنوى تطبيق الشريعة الإسلامية، التي تعتبر اليهود هم ألد أعدائها في المنطقة، تماما كما تعتبر الشريعة اليهودية أن المسلمين والنصارى هم من أعداء اليهود، باعتبارهم "جواييم" .. أي أقل مرتبة من الحيوانات، بحيث تستباح أموالهم ودماؤهم ... وطبعا أراضيهم.

وفي محاولة أكثر عمقا لتفنيد المزاعم الصهيونية بحق "إسرائيل" في نيل الاعتراف بكونها "دولة دينية"، استشرفنا آراء الخبراء:

في البداية يقول الدكتور محمد سيف الدولة الباحث في التاريخ اليهودي والحركات الصهيونية أن مجرد الإعتراف بالدولة الإسرائيلية مثابة الانتحار الجماعي إذ يقول: " الاعتراف يعني القبول بـ "مشروعية" الدولة الاسرائيلية، بمشروعية الاغتصاب الصهيوني لفلسطين، والقبول بصحة الأساطير الصهيونية حول الامة اليهودية والشعب اليهودي وحقه التاريخي فى ارض الميعاد.

وهو ما يعني التسليم بالعقيدة الصهيونية في الصراع وبالتالي تبنى رؤية عدونا في صراعنا معه، انها الهزيمة العربية الكبرى التي يحلم بها الصهاينة منذ قرن من الزمان.

وهو يعني الاعتراف بان الحركة الصهيونية حركة تحرر وطني نجحت عام ١٩٤٨ في تحرير وطنها المغتصب من الاستعمار العربي الاسلامى والتي يحتفلون بذكراها كل عام في عيد يطلقون عليه "عيد الاستقلال ".

واذا كان هذا صحيحا ــ وهو ليس كذلك ــ فان الضفة الغربية وغزة، هي الاخرى، وبذات المنطق، ارض يهودية مما يستوجب تحريرها عاجلا ام آجلا من (الاحتلال) العربي لها..!

وسيكون وبالقياس سيكون وجودنا نحن ايضا هنا في مصر وجودا غير مشروعا، فنحن نمثل احتلالا عربيا اسلاميا لجزء من أرض يهودية تمتد من الفرات شرقا إلى النيل غربا...!

وسيعطي الاعتراف ضوءا اخضر لكل القوى الطائفية في المنطقة بالسعي لتكرار وتقليد التجربة الصهيونية، وانشاء دولا محررة من الاحتلال العربي، دولا كردية وشيعية وسنية ومارونية وزنجية وقبطية ..الخ . إذن الاعتراف يؤدي الى تفتيت الامة.

ويضيف بقوله: إن الاعتراف باسرائيل في حقيقته هو عملية انتحار جماعي، بموجبه تقرر الامة العربية الانتحار وتعترف بان وجودها على هذه الارض هو وجود باطل وغير مشروع على امتداد ١٤ قرنا.

كما أن اسرائيل رابعا هي دولة صهيونية تؤمن بعقيدة حق العودة لكل يهود الدنيا إلي جبل صهيون واعادة بناء الهيكل فيما يسمی أرض الميعاد‏,‏ إنها خامسا بعد هذا التحليل دولة اسرائيل المنتظرة طبقا للتلمود والكتب المقدسة‏.

وستصير اسرائيل سادسا دولة استعمارية استيطانية بحكم السياق التاريخي التي يسجل هجرة يهود أوروبا المضطهدين تحت قمع العنصرية البيضاء فرارا إلی فلسطين واقتلاع اهلها وتحويلهم إلی لاجئين ومشردين في كل البقاع في إطار حركة الاستعمار الاستيطاني الأوروبي في القرنين التاسع عشر والعشرين دون أن يكون للفلسطينيين أي ذنب أو مسئولية للمحرقة التي نزلت باليهود وغيرهم تحت النازية والفاشية‏.‏

وتتحول اسرائيل سابعا كدولة استعمارية امبريالية بحكم قيامها بدور الوكيل الكومبرادوري في دعم وتنفيذ خطط الهجمة الاجنبية الغربية وعلی شعوب ودول وأمم المنطقة العربية والعالم الآسيوي تحت مسمی الشرق الأوسط حماية للمصالح الاستراتيجية الاجنبية‏.‏

وتنفضح اسرائيل ثامنا كدولة عنصرية تدافع عن اسطورة نقاوة العرق اليهودي‏,‏ وبالتالي تتحدث باسم اليهود في كل أنحاء الدنيا وتنبري للدفاع عنهم وتحصل علی التعويضات باسمهم وتفرض فردانيتها باعتبارها شعب الله المختار الموعود بالارض المقدسة وأورشليم القدس دون عباد الله الآخرين‏.‏

وبهذا تصبح إسرائيل دولة استعمارية من الدرجة الأولى تهد إلى التوسع على حساب غيرها من الدول‏.‏

ومن الناحية الأخرى يترقب العالم طبيعة الدولة المصرية الحديثة التي ستفرزها الثورة المصرية، ولا يخفى علی أحد مدى إظهار الثوار المصريين كراهيتهم لإسرائيل خلال الثورة الإعلام الفلسطينية، خاصة "يوم الزحف" والذي تسبب في رعب داخل الكيان الصهيوني، فالدولة المصرية الآن في صراع بين القوى الإسلامية التي اكتسبت حرية لم تكن تستطيع اكتسابها في عهد الرئيس المخلوع، وخاصة جماعة الإخوان المسلمين، وبين التيارات الليبرالية واليسارية من جانب آخر.

فماذا لو صعد الإسلاميون إلى سدة الحكم، والذين يعتبرون أن من أولويات الدولة في الإسلام تحرير الأراضي المحتلة والــ"الجهاد" ضد المغتصب، ولا سيما اليهود، فنحن الآن أمام مرحلة تاريخية في الصراع الصهيوني العربي، اليهود يسعون جاهدين لنيل أي اعتراف بيهودية دولتهم، حتى أنهم قايضوا الفلسطينيين(أبو مازن) على الاعتراف بيهودية الدولة مقابل بضعة أمتار من الدولة المسلوبة، ودول الطوق بها ثورات مشتعلة لا يُعرَف إلى أي شئ ستؤول إليه الأمور وربما إن لم يصعد الإسلاميون إلى سدة الحكم وهو الأرجح فإنهم سيشاركون فيه بقوة وفاعلية، وهذا يعني التبكير على الأقل في مجابهة الكيان الصهيوني، وقلب المائدة على مخططاته الشيطانية وربما تكون هذه نهاية إسرائيل.

يقول الدكتور الراحل‏‏ السيد عليوة أستاذ العلوم السياسية بجامعة حلوان في بحثه الذي نشره في الأهرام قبل رحيله مباشرة: عندما تصبح اسرائيل دولة يهودية - دينية بمعنى أن تكون دولة لليهود فقط فإن ذلك سوف يترتب عليه أخطر انتهاك لحقوق الانسان العربي الفلسطيني‏,‏ ولقرار الأمم المتحدة بحق عودة الفلسطينيين إلی بيوتهم وبلادهم وأرضهم بل ومصادرة حق البقاء لنحو ربع سكان إسرائيل من المواطنين العرب الخاضعين للسيادة الإسرائيلية‏.‏

ثم يستنتج الدكتور عليوة أن إسرائيل بكونها دولة دينية يهودية فإنها ستطبق الشريعة اليهودية والتلمودية علی كل سكانها حتي العلمانيين منهم سواء كانوا عربا أم يهودا أو من اجناس أخری‏,‏ ثم إن اسرائيل ثالثا دولة عبرية‏,‏ بمعنی أن حق المواطنة فيها مقصور علی من يتحدثون العبرية وينتسبون تاريخيا إلی الثقافة العبرية التي أحياها الاسرائيليون بعد موت وانقراض دام آلاف السنين‏.‏

إذا إسرائيل المزعومة ستطبق الشريعة اليهودية والتي-أي الشريعة اليهودية - تعتبر غير اليهودي لا يستحق الحياة، وهذا يقتضى محاربة كل من يدين بغير اليهودية، واعتبار أنه ليس هناك من يستحق الاستمتاع بالأرض "المحتلة" سوى اليهود وبالتالي الاستيلاء على مزيد من الأراضي العربية.

 

أثارَت الثورات التي يشهدها العالم العربي المخاوف لدى كلٍّ من صنَّاع القرار وأرباب المرافق الاقتصاديَّة من أن تمثل التحولات الناجمة عنها تهديدًا لكل الإنجازات التي حقَّقتها إسرائيل بفعل عوائد التسوية، فقد اعتبرت النخب الإسرائيليَّة أن ما حدث في العالم العربي يمثل تهديدًا لاتفاقيَّة "كامب ديفيد"، التي أتاحت لإسرائيل تقليص نفقات الأمن ومضاعفة الاستثمار في المجالات المدنيَّة التي تعزز النمو، وتبعد شبح الركودالاقتصادي.

ويرى عوديد عيران، رئيس معهد أبحاث الأمن القومي الإسرائيلي أنه منذ التوقيع على المعاهدة عام 1979، وحتى اندلاع المظاهرات المطالبة بالتغيير في ميدان التحرير في الخامس والعشرين من يناير الماضي لم تطرحْ أي علامات استفهام حول مدى التزام مصر باتفاقية "كامب ديفيد" على الإطلاق.

ويشير عيران إلى أن النظام المصري فاجَأ إسرائيل عندما صمدت اتفاقيَّة "كامب ديفيد" في الوقت الذي قامت إسرائيل بقصف المفاعل الذري العراقي عام 1981 وغزت لبنان عام 1982، وفي خضمّ انتفاضتي الحجر والأقصى وكذلك حرب لبنان الثانية 2006، وحرب غزة 2008، بل إن مصر بدلًا من الاحتجاج الحقيقي على سلوك إسرائيل، حرصت على تهدئة الأطراف العربيَّة عندما أثارت الممارسات الإسرائيليَّة أعصاب العالم العربي، ولا يستبعد عيران تخلي مصر عن اتفاقية "كامب ديفيد"، مستندًا في حكمه هذا إلى نتائج استطلاع للرأي العام أجراه معهد "the Pew Research Cente "، التي أظهرت أن 64% من المصريين يرون وجوب إلغاء معاهدة "كامب ديفيد"، مقابل 36% رأوا وجوب الحفاظ عليها.

ويذهب دان إلدار، الذي تولَّى في السابق مناصب قيادية في جهاز "الموساد" ويعمل حاليًا محاضرًا لدراسات الشرق الأوسط في جامعة تل أبيب، إلى ما ذهب إليه عيران، مشيرًا إلى أن غياب نظام الرئيس مبارك سيسمح بالتعبير عن "عداوة إسرائيل الراسخة عميقًا في الوعي الجمعي للمصريين" وهو لا يستبعد أن يؤدي اندماج الإسلاميين في الحياة السياسيَّة المصريَّة إلى تحالفهم مع قادة الجيش، متوقعًا أن يسهم مثل هذا التحالف في التعجيل بوضع حدٍّ لمعاهدة "كامب ديفيد".

أما المستشرق إلكساندر بلي فيرى أن نظام الحكم القادم في مصر لن يلجأ إلى إلغاء اتفاقية "كامب ديفيد"، حتى لا يخسر الشرعيَّة الدوليَّة، لكنه في المقابل سيعمل على إضعافها على نحو تقع المسؤوليَّة فيه عن إلغائها على إسرائيل، وهو يدعي أن اندلاع الثورات العربيَّة ينذر بكارثة ستحلُّ بالتجارة الخارجيَّة الإسرائيليَّة عبر التحذير من إمكانية إغلاق الممرات البحريَّة أمام التجارة الخارجيَّة لإسرائيل.

واستنادًا إلى هذه المخاوف، ترى النخبة العسكريَّة وعدد من الخبراء الاقتصاديين وبعض أرباب المرافق الهامة أن التهديدات التي تنطوي عليها الثورات العربيَّة تفرض إدخال تغييرات جذريَّة على حجم وبنية موازنة الأمن، علاوةً على إعادة صياغة سلم الأولويَّات الإسرائيلي بشكلٍ جذري.

وقد عبَّر عن ذلك بشكلٍ واضح رئيس هيئة أركان الجيش بني جانز الذي قال: إن التحولات التي يشهدها العالم العربي توجب تخصيص موازنات إضافيَّة للجيش، معتبرًا أن هذه التحولات فاقمت من مستوى وحجم التهديدات على كل الجبهات، وتحدث رئيس شعبة الاستخبارات العسكريَّة السابق عاموس يادلين عن "انقلاب" يجب أن تشهده موازنة الأمن في حال تحقَّقت التنبؤات

السوداويَّة" بانهيار "كامب ديفيد" في أعقاب التحولات في العالم العربي، ويعتبر أن إسرائيل باتت مطالبةً بالاستعداد لمراكمة الردْع في مواجهة مصر مع كل ما يعنيه ذلك من إدخال تغييرات جذريَّة على بنية الجيش الإسرائيلي وانتشاره، وهذا ما يعني زيادة حجم موازنة الأمن بشكلٍ كبير.

ويتفق وزير الحرب الإسرائيلي إيهود براك مع أولئك الذين يرون أن التحولات في مصر تمثل خطرًا حقيقيًّا على مصير معاهدة "كامب ديفيد"، متوقعًا أن تتنافس الأحزاب المصريَّة بعد الثورة فيما بينها على إظهار عدائها لكل من إسرائيل والولايات المتحدة، ويرى براك أن هذا السيناريو يعني زيادة النفقات الأمنيَّة بشكلٍ جذري، لكن براك يرى أن إسرائيل ليس

بإمكانها تأمين النفقات الأمنيَّة لوحدها، لذا لا يتردَّد في مطالبة الولايات المتحدة بدفع عشرين مليار دولار إضافية لموازنة الأمن، إسهامًا منها في مساعدة إسرائيل على تحمل تبعات الثورات العربيَّة على أمن إسرائيل القومي في المرحلة القريبة القادمة، ولم يفت براك أن يذكِّر الأميركيين أن استثمار هذا المبلغ سيعود بالنفع على الولايات المتحدة "لأن ضمان تفوُّق إسرائيل يمثل أحد عوامل الاستقرار في منطقة غير مستقرَّة".

وعلى الرغم من أن أرباب المرافق الاقتصاديَّة الإسرائيليَّة يرفضون بشكلٍ تقليدي المسوّغات التي تقدمها النخبة الأمنيَّة لتبرير زيادة موازنة الأمن، إلا أن بعضهم يرى أن التحولات التي يشهدها العالم العربي تبرِّر بالفعل إدخال تغييرات جذريَّة على هذه الموازنة، ويرى أوري جلاي، مدير عام المجموعة الاستثماريَّة "سيجما" أن حجم موازنة الأمن الإسرائيلية اعتمد في العقود الثلاثة الماضية بشكل أساسي على حالة الهدوء التي تسود الحدود مع مصر والأردن وسوريا، وهو ما لن يستمر، لذا يتوقع جلاي أن يدفع تعاظم النفقات الأمنية الحكومة الإسرائيليَّة لتجريد الوزارات المدنيَّة المختلفة من الكثير من مواردها الماليَّة ونقلها لوزارة الحرب لتغطية المصاريف الأمنيَّة.

ويتوقع ميشيل ستربتسنسكي، نائب رئيس قسم الأبحاث في بنك إسرائيل أن يتمَّ تجاوز إطار موازنة الأمن بفعل التطورات في العالم العربي، التي ستترك تأثيرها على نفقات الأمن، متوقعًا تجاوز إطار الميزانيَّة.

إن الإسرائيليين ينطلقون من افتراض مفاده أن نجاح الثورة في مصر قد يدفع إلى إحداث تغييرات جوهريَّة في العالم العربي تُفضي إلى بروز تحديات أمنيَّة ذات كلفة اقتصادية باهظة، ويرى داني روتشيلد، رئيس "مركز هرتسليا متعدد الاتجاهات" والذي شغل في الماضي منصب رئيس قسم الأبحاث في شعبة الاستخبارات العسكريَّة الإسرائيليَّة أن الذي يُفاقم خطورة التداعيات الناجمة عن الثورات العربيَّة حقيقةً أنها اندلعت في ظلّ حالة الجمود الذي تشهده المفاوضات مع الفلسطينيين، مما يحمل في طياته إمكانيَّة الانزلاق إلى تدهور أمني.

ويبرِّر المطالبون بزيادة موازنة الأمن ذلك بالقول بأن النفقات الأمنيَّة تمثل في الواقع استثمارًا ذا طابع استراتيجي في النشاط الاقتصادي، لأن هذه النفقات توظّف في الجهد الهادف لتقليص المخاطر الأمنيَّة التي تؤثِّر بدورها على عجلة الاقتصاد.

يتضح مما تقدم أن الاتجاه السائد في تحليلات الإسرائيليين يشدِّد على أن الثورات العربيَّة تنذر بتغيير البيئة الاستراتيجيَّة لإسرائيل، وهو ما يوجب القيام باحتياطات أمنية واسعة تتطلب زيادة مستويات الإنفاق الأمني بشكلٍ كبير، وما هو سيفضي بالتأكيد إلى إلحاق أذى كبير بالاقتصاد الإسرائيلي.