emamian

emamian

اعلن رئيس منظمة الطاقة الذرية الايرانية علي اكبر صالحي عن تدشين 15 جهازا للطرد المركزي من الجيل الجديد وقال، اننا نشهد اليوم تدشين سلسلة ثلاثينية من اجهزة الطرد المركزي .

وفي تصريح ادلى به لوكالة انباء الاذاعة والتلفزيون الايرانية قال صالحي، اننا نشهد اليوم تدشين سلسلة ثلاثينية لاجهزة الطرد المركزي IR6 ، هنالك مجموعة تحت عنوان S8 واجهزة طرد مركزي تخضع للاختبار والاستقرار الميكانيكي والاختبارات العملانية ومن ثم توضع في مكانها الرئيس الخاص بها ، لذا فان هذا المكان هو مكان الاتخبار والبحث والتطوير.

واضاف، ان عدد اجهزة الطرد المركزي التي قمنا بنصبها خلال الشهرين الاخيرين يقرب من 15 جهازا من الجيل الجديد وهو ما يعد انجازا كبيرا جدا.

وقال صالحي، ان انشطة منظمة الطاقة الذرية الايرانية لم تتوقف ابدا ولو كان الامر كذلك لما تمكنا في غضون شهرين من اضافة اكثر 2660 سو (وحدة فصل) الى طاقاتنا العملانية البالغة 6000 "سو".

واضاف، ان طاقتنا بلغت الان 8660 "سو" كما ان انتاجنا لليورانيوم الذي كان قبل الخطوة الثالثة لخفض الالتزامات النووية نحو 450 غراما يوميا قد بلغ الان اكثر من 5 الاف غرام يوميا.

وتابع صالحي، ان لنا اليوم 3 افتتاحات رمزية وقمنا بتدشين سلسلة ثلاثينية من اجهزة الطرد المركزي IR6 . وكانت لنا قبل ذلك سلسلة عشرينية قمنا بنصبها يوم 9 ابريل /نيسان الماضي.

وقال، ان اجمالي عدد اجهزة الطرد المركزي من طراز IR6 يبلغ الان نحو 60 جهازا ينتج كل منها 10 سو اي 600 "سو" اجمالا.

واوضح بانه لم يكن من المقرر ان نمتلك الان سلسلة ثلاثينية بل كنا نريد امتلاكها بعد 3 او 4 اعوام من الان بعد العمل على السلسلة العشرينية وانجاز الاختبارات المتعلقة بها والانتهاء منها، لكننا بادرنا اليها (السلسلة الثلاثينية) وفقا لايعاز صادر من الجهات العليا لنستعرض هذا التحدي ونثبت قدرتنا العملانية على انجاز ما نريده.

نشرت وسائل إعلام سعودية المبادئ الستة التي يرتكز عليها "اتفاق الرياض" الذي ترعاه السعودية، وبجهود تحالف دعم الشرعية باليمن، لحل الأزمة في جنوب اليمن وتخفيف معاناة اليمنيين.

إقرأ المزيد

 

 

دبلوماسي سعودي يكشف عن موعد توقيع "اتفاق الرياض"

ونقلت صحيفة "سبق" السعودية نقلا عن مصادر مطلعة، أن أهم المبادئ الستة في الاتفاق تتمثل فيما يلي.

1- الالتزام بحقوق المواطنة الكاملة ونبذ التمييز المذهبي والمناطقي.

2- وقف الحملات الإعلامية المسيئة.

3- توحيد الجهود تحت قيادة تحالف دعم الشرعية لإنهاء انقلاب "مليشيات الحوثي".

4- مواجهة تنظيمي "القاعدة" و"داعش".

5- تشكيل لجنة من التحالف بقيادة السعودية لمتابعة تنفيذ الاتفاق.

6- مشاركة المجلس الانتقالي في وفد الحكومة لمشاورات الحل النهائي.

ولاقى الاتفاق ترحيبا وتفاؤلا في أوساط اليمنيين "لتطبيع الحياة" في المناطق المحررة أمنيا واقتصاديا، وبما توصلت إليه الأطراف من تفاهمات قبيل التوقيع على الاتفاق والتي تسمح بعودة مؤسسات الدولة، وكافة السلطات إلى عدن ودمج كافة التشكيلات المسلحة في إطار وزارتي الداخلية والدفاع، وهو ما من شأنه الحفاظ على استقرار اليمن ومؤسساته وحل الملفات السياسية والعسكرية والاقتصادية بما يعود بالمنفعة على المواطن اليمني قبل كل شيء، بحسب "سبق".

ونقلت "سبق"، عن خبراء بأنه منذ التوقيع على الاتفاق بالأحرف الأولى الخميس الماضي بدأت عملية إعادة انتشار وتمركز قوات التحالف في عدن بقيادة السعودية، وفي مواقع حيوية أبرزها موانئ المدينة ومطارها وقصر المعاشيق الرئاسي ومواقع أخرى وفقا لمقتضيات تنفيذ الاتفاق وإعادة ترتيب الأوضاع العسكرية والأمنية في عدن.

وسبق أن أعلن سفير السعودية في اليمن، محمد آل جابر، في تغريدات له على موقع التواصل الاجتماعي "تويتر"، أن الرعاية السعودية أثمرت في التوصل لاتفاق الرياض بين الحكومة اليمنية والمجلس الانتقالي الجنوبي، لما يشكل فاتحة لمرحلة جديدة من الاستقرار والأمن والتنمية في اليمن.

بدوره أشاد وزير الدولة الإماراتي للشؤون الخارجية، أنور قرقاش، بالاتفاق في تغريدة، قائلا: "تحالف الحزم بقيادة السعودية الشقيقة أثبت حضوره العسكري والسياسي وحافظ على التوازن الإستراتيجي في المنطقة، ومراسم توقيع اتفاق الرياض بجهود سعودية استثنائية دليل على حيوية التحالف وقدراته وأهميته".

ويتوقع أن يتم التوقيع على الاتفاق اليوم الثلاثاء برعاية العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز وولي عهده الأمير محمد بن سلمان، وبحضور عبد ربه منصور هادي، وممثلين عن الحكومة اليمنية والمجلس الانتقالي الجنوبي.

المصدر: سبق

أثبت العلماء أن وجود اختلال وظيفي في البطانة الغشائية للأوعية الدموية الدقيقة، يشير إلى خطر تطور إصابة الشخص بأمراض القلب والأوعية الدموية والأورام الخبيثة في الوقت ذاته.

وتفيد مجلة European Journal of Preventive Cardiology الني نشرت الخبر، بأن هذا الاختلال الوظيفي لطبقة الخلايا المغطية لجدار الأوعية الدموية الداخلي، يجعلها متوترة وأكثر هشاشة. وأن سبب تطور هذا الاختلال هو ارتفاع ضغط الدم ومستوى الكوليسترول والسمنة والسكري.

وأن هذا التغير في الغشاء الداخلي يشمل الشرايين الدقيقة في القلب، ما يسبب ضعف قدرتها على التوسع ويحد من تدفق الدم المشبع بالأكسجين. لذلك فإن اكتشاف هذا الاختلال عند الشخص يشير إلى زيادة خطر تطور أمراض القلب.

وقد أثبت خبراء مستشفى مايو الأمريكي، أن هذا الاختلال الوظيفي يمكن أن يكون إشارة لإصابة الشخص بالسرطان.

واستند الخبراء في عملهم إلى تحليل عينات الدم المأخوذة من 488 مريضا خضعوا لمراقبة أطباء القلب في المستشفى مدة 12 سنة. واكتشف الأطباء خلال السنوات الست الأخيرة عند 211 منهم وجود اختلال وظيفي في البطانة الغشائية للجدران الداخلية للأوعية الدموية. وأن خطر إصابتهم بالسرطان مرتفع جدا مقارنة بالذين أوعيتهم الدموية تعمل بصورة طبيعية-9.5 و3.7 على التوالي. هذه الأرقام هي النهائية بعد الأخذ بالاعتبار العمر والجنس وأمراض الشريان التاجي وعوامل أخرى.

إقرأ المزيد

عوامل تدمر الأوعية الدموية وأخرى تدعم الصحة

يقول أمير ليرمان، المشرف على الدراسة، "قد يكون الاختلال الوظيفي لطبقة الخلايا المغطية لجدار الأوعية الدموية الداخلي، علامة مفيدة تشير إلى خطر تطور السرطان". فكما هو معلوم يظهر هذا الاختلال قبل 5 سنوات من تشخيص الإصابة بالسرطان. أي أن العلاقة بين الاختلال الوظيفي لطبقة الخلايا المغطية لجدار الأوعية الدموية الداخلي والسرطان تكون أكثر وضوحا عند الرجال والمرضى الذين يعانون من ارتفاع ضغط الدم والتدخين والسمنة ومرض الشريان التاجي.

ويمكن تشخيص الاختلال الوظيفي لطبقة الخلايا المغطية لجدار الأوعية الدموية الداخلي بطريقة بسيطة وهي قياس التوتر التفاعلي لارتفاع ضغط الدم الشرياني في الأطراف. تتم هذه العملية بالتزامن مع قياس ضغط الدم، حيث خلالها تقاس كمية الدم التي تصل إلى الأصابع.

المصدر: نوفوستي

د. سعد الله زارعي *

خطاب السيد علي خامنئي الأخير والذي تطرق فيه إلى الأوضاع في لبنان والعراق فهمه البعض على غير المراد منه، فهو أراد التأكيد على أهمية الحفاظ على الأمن مع الأخذ بالوسائل القانونية للمطالبة بالحقوق.

 

السيد خامنئي أكد خطورة إسقاط الحكومات دون وجود بدائل (أ ف ب)

تصريحات قائد الثورة الإسلامية السيد علي خامنئي يوم الأربعاء الفائت، حول التطورات في لبنان والعراق، في مراسم تخريج جامعات ضباط الجيش، ورغم أنها کانت موجزةً وجاءت في سياق موضوع آخر، لكنها لقيت أصداءً كثيرةً في هذين البلدين، وبالطبع كان البعض "سعيداً للغاية" بها، والبعض الآخر "غاضباً".

ولكن ما ورد في كلامه، وعلى عكس ما قاله معارضو الجمهورية الإسلامية، لم يكن الدخول في الاصطفافات الحالية في لبنان والعراق، ولم يرجِّح کفة الميزان لصالح جهة محددة على حساب جهة أخرى. وما قيل في هذه الکلمة، كان من الضروري والمفيد إيلاء الاهتمام به من قبل جميع الأطياف اللبنانية والعراقية.

الإهتمام بالأمن يصب في صالح الجميع

إنّ لفت السيد خامنئي الانتباه إلی مقولة "الأمن"، وأن الجميع يجب أن يأخذ الوسائل القانونية بعين الاعتبار، لن يضر المتظاهرين الذين خرجوا إلى الشوارع من أجل المطالبات المعيشية.

ومن المفارقة أن إضفاء الطابع الأمني علی الأجواء أو تجاهل التهديدات الأمنية، سيهددان في المقام الأول حياة أولئك الذين قاموا بهذه المظاهرات، كما رأينا في الأيام الأخيرة، ونتيجةً للاشتباكات بين فئات من المتظاهرين مع فئات أخرى في العراق ولبنان، قُتل أعداد من الطرفين.

كما أن إسقاط نظام أو منظومة سياسية قبل أن تكون هناك خطة بديلة صالحة، ليس في مصلحة أحد.

السيد خامنئي في کلمته، کما في مواقف مماثلة، دعم أمن الشعب وسيادته على بلده، کما دافع عن استقلال وسلامة أراضي وحياة الشعوب في العراق وسوريا ولبنان وفلسطين واليمن وأفغانستان، في أعقاب الهجمات الأميركية والإسرائيلية والسعودية والجماعات التكفيرية ضد دول وشعوب المنطقة، دون أن يکون بالإمکان التعبير عن هذا الدعم بالكلمات الشائعة التي يشار بها إلی المستبدين.

طوال هذه الفترة، تمكنت تحذيرات السيد خامنئي من خفض الکلفة البشرية والمالية التي تدفعها الشعوب والحكومات في أوقات الأزمات أو مؤامرات الدول المعادية، وزادت في المقابل تكاليف أعدائهم بشكل كبير، وأجبرتهم على قبول الفشل.

ما جاء في خطاب السید علي خامنئي فيما يتصل بمقولة الأمن، کان في الواقع لفت الانتباه إلی الخطر الذي يواجه لبنان والعراق. فمن ناحية، لا يعني ذلك أن خطر انعدام الأمن على نطاق واسع بات فعلياً في هذين البلدين، ومن ناحية أخرى، يعبر عن خطرٍ أصبح يهدد هذين الشعبين، ويجب القيام بفعل شيء للحيلولة دون حدوثه.

لم يمضِ وقت طويل علی تحذير المرشد الإيراني لبعض الحكومات الصديقة في المنطقة من خطر حدوث انعدام الأمن على نطاق واسع، وهو التحذير الذي انعکس علی أرض الواقع، لأن المخاطَب لم ينتبه لأبعاد التحذير، وبالتالي أشغل شعباً وحکومته لسنوات، وأعاق مسيرة التقدم وكلفهم الكثير من النفقات الباهظة.

خطر الاشتباكات الطائفية جادّ

لكن القليل من الاهتمام بتطورات الأيام الأخيرة في العراق ولبنان، يظهر أن بروز التهديدات الأمنية على نطاق واسع بحيث يصبح من الصعب احتوائها، خطير جداً. ومن الأمثلة على ذلك الأحداث التي وقعت في كربلاء، والتي خلفت عشرات الجرحى وتسببت بها أيدٍ خفية وبعض الجماعات المنحرفة التي تتغطى بستار الدين.

والمثال الآخر هو الأحداث التي شهدتها البصرة والعمارة في العراق، حيث امتدت الأيدي الإجرامية إلى عدد من القوات التي هزمت داعش، ولم يرض الفتنويون والأيدي الأجنبية حتی بقتلهم، بل أحرقوهم أحياءً! وهذا يدل على أن الغرض ليس قتل الناس فحسب، بل خلق توترات بين الطوائف والجماعات، الأمر الذي سيعرض سيادة الشعب ووجوده لعاصفة الفتنة، إذا انتشر وتوسَّع.

الحيلولة دون استنساخ السياسات الاستعمارية

ومن هذا المنطلق يأتي تأکيد السيد خامنئي على الحفاظ على الحكومات والهياكل القانونية في لبنان والعراق. وهذا على الرغم من أن رئيس وزراء لبنان بعيد عن إيران، بينما رئيس وزراء العراق قريب من إيران، ولهذا فإن تأکيد السيد خامنئي على متابعة المطالب الاقتصادية مع الحفاظ على الحكومات، لا يعني فرض حزب أو جماعة أو حتى فرض تيار ديني محدد.

إن تجربة العقود الثمانية الأخيرة في الدول العربية في شمال أفريقيا وغرب آسيا، وضياع الإنجاز في انهيار الحكومات، والانحراف في مطالب الناس، وتوفُّر الأرضية لاستنساخ السياسات الاستعمارية الأجنبية، واستمرار انعدام الأمن وقتل الناس، كما نرى في ليبيا ومصر، تظهر أن هاجس الحفاظ على الهياكل، ليس هاجس الانحياز لشخص أو طرف محدد، بل هو نفس الانحياز لصالح المطالب الشعبية، لأنه إذا لم تكن هناك حكومة فلا توجد طريقة لتلبية هذه المطالبات.

 

 

باحث ومحلل إيراني

الإثنين, 04 تشرين2/نوفمبر 2019 15:34

مفهوم السمع و سماع الموتی

کلمة «السمع» في القرآن علی حسب أقوال صاحبي المعاجم مضافاً علی أنها بمعنی قوّة السماع، تُطلَق بعضَ الأحیانِ علی معانٍ أخر؛ کالفهم و القبول نحو قوله تعالی: «سمعنا و عصینا»[3] بمعنی أنّنا فهمنا و لکن عصینا و لم نُطِع. کذلک نحو قوله تعالی: «إنّک لا تُسمِعُ الموتی و لا تُسمِعُ الصمَّ الدعاء»[4] أي لا تفهمهم، لكونهم كالموتى في افتقادهم بسوء فعلهم القوّةَ العاقلةَ التي هي الحياة المختصّة بالإنسانيّة.[5]

و أطلِقَت أیضاً بمعنی القبول؛ أي لا تقدر أن توفق الكفار لقبول الحق.[6]

لکنّ «الموت» في لغة العرب یکون ضدَّ الحیاة، و الحیاة لکونها لها معان متعدّدة ففي قبال کلّ حیاةٍ موتٌ متناسبٌ معه؛ ف«الموتی» لها مفاهیم متعدّدة و الذي یهمّنا منها معنیان:

۱. الأموات بمعنی الأشخاص الذین فقدوا الحیاة و رحلوا من عالم الدنیا و یُطلق غالباً علی أجسادهم؛ لأنّ الموت ضدّ الحیاة و عند الموت یموت الجسد و تبقی الروح في عالم البرزخ تستمرّ في حیاتها.
۲. الأموات بمعنی الذین زالت القوَّة العاقلة منهم، وهي الجهالة نحو: أَوَمَنْ كانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْناهُ ونحو: «إنّک لا تُسمع الموتی و لا تُسمع الصمَّ الدعاء»[7]
فمفهوم عدم سماع الموتی نستطیع أن نستعمله في الکفار الذین لم یفهموا کلام النبي و نستطیع أن نستعمله أیضا في الأجساد التي تتبدّل إلی التراب و لم یبق منها سوی العظام و سُلِبَ منها قوّة سماع الأصوات.

یمکن أن یُطرح هنا سؤالٌ و هو: هل الأموات یمسعون في لحظة وفاتهم بتلک الأُذن و ترجع الروح إلی الجسد فتکون الأُذن واعیة کما ذهب إلیه جمهور أهل السنة أم لا تحتاج الروح إلی الجسم و الأُذن المادّیَّین بل تدرک بلاحاجة إلیهما؛ کما یُستنبط من بعض الروایات. لو قلنا بالرأي الأول للزم ألّا یسمع المیّت شیئا بعد التساؤل في أول لیلة القبر و لکن إذا قلنا بالرأي الثاني فلایحتاج إلی الجسم المادّي حتی في ابتداء الوفاة بل تکون الروح مدرکة للأصوات بلاواسطة الأُذن؛ کما احتمل هذا الرأي صاحب تفسیر روح المعاني.[8]

نظر أهل السنة

هناک آراء ثلاثة عند أهل السنة حول سماع المیت و عدمه[9] :

۱. ثبت سماع المیّت مطلقاً: قال ابن عبدالبر: الأکثرین علی ذلک و هو اختیار ابن جریر الطبري و کذا ذکر ابن قتیبة.[10]
و یفتي عبدالحقّ الاشبیلی بهذه الفتوی: « فينبغي لمن زار القبور أن يسلم على أهلها» إلی أن قال: « فواجب عليك ألا تؤذيه بسماع ما لا يريد سماعه وألا تدخل عليه ما لا يريد إدخاله»[11]

و ابن تیمیة أیضاً في تفسیر الآیات التی استند بها مخالفوا السماع، ینفي السماع الذي یفید الکفار و ینفعهم و أما أصل السماع الذي جارٍ في العالم عادة فلا ینفیه.[12]

و یفتح ابن القیم الجوزی تلمیذ ابن تیمیة باباً في کتابه الروح[13] و کذلک ابن رجب الحنبلي الدمشقي أیضا في أهوال القبور[14] یفتح باباً في ما ورد في سماع الموتی و نقلوا الأحادیث التي وردت في هذا الباب.

و قال بالسماع ابن حجر في فتح الباري[15] و کذلک السیوطي فی شرح الصدور[16]؛ فإنهما صرّحا بهذا الرأي.

۱. ثبت سماع المیت في الجملة و لدیهم قدرة السماع في موارد خاصة التي صرّحت بها الآیات و الروایات. قال محمود الآلوسيّ في تفسیره روح المعاني بعد بیان أدلّة الموافقین و المخالفین: والحق أن الموتى يسمعون في الجملة وهذا على أحد وجهين، أولهما أن يخلق الله عزّ وجلّ في بعض أجزاء الميت قوة يسمع بها متى شاء الله تعالى السلام ونحوه مما يشاء الله سبحانه سماعه إياه ولا يمنع من ذلك كونه تحت أطباق الثرى وقد انحلت منه هاتيك البنية وانفصمت العرى ولا يكاد يتوقف في قبول ذلك من يجوز أن يرى أعمى الصين بقة أندلس، وثانيهما أن يكون ذلك السماع للروح بلا وساطة قوة في البدن ولا يمتنع أن تسمع بل أن تحس وتدرك مطلقا بعد مفارقتها البدن بدون وساطة قوى فيهوهذا على أحد وجهين، أولهما أن يخلق الله عزّ وجلّ في بعض أجزاء الميت قوة يسمع بها متى شاء الله تعالى السلام ونحوه مما يشاء الله سبحانه سماعه إياه ولا يمنع من ذلك كونه تحت أطباق الثرى وقد انحلت منه هاتيك البنية وانفصمت العرى ولا يكاد يتوقف في قبول ذلك من يجوز أن يرى أعمى الصين بقة أندلس، وثانيهما أن يكون ذلك السماع للروح بلا وساطة قوة في البدن ولا يمتنع أن تسمع بل أن تحس وتدرك مطلقا بعد مفارقتها البدن بدون وساطة قوى فيه.[17]
۲. لم یسمع الأموات صوت الأحیاء مطلقاً: لم تقبل عائشة تخاطب النبیّ مع قتلی بدرٍ: عن عائشة رضي الله عنها، قالت: إنما قال النبي: «إنهم ليعلمون الآن أن ما كنت أقول لهم حق»[18]
قال العلامة نعمان الآلوسيّ ابن محمود الآلوسي: لا خلاف بین الحنفیة فی عدم سماع الأموات.[19]

و نقل النووي عن الإمام المارزي المالکيّ بأنه کان معتقداً بأنّ روایة قتلی قلیب بدرٍ تختصّ بهم و لکنَّ سائر الأموات لا یسمعون.[20]

و رجّح القاضي أبویعلی الحنبلي في کتابه الجامع الکبیر، عدم سماع الموتی تبعاً لأمّ المؤمنین عائشة.[21]

و الألباني أیضاً في مقدّمته علی الآیات البیّنات و ابن الجوزي في الفروع لابن مفلح بیّنا عدم سماع الموتی.[22]

أدلة المعتقدین بسماع الموتی

مسألة سماع الموتی یعتقد بها جمیع المسلمین شیعةً و سنةً[23] و یُستند في هذا الموضوع بآیات مختلفة من القرآن؛ الآیات التي تبیّن عذابین للمنافقین[24] و تصرّح بحیاة الشهداء و تنعّمهم[25] و بعذاب آل فرعون[26] في عالم البرزخ و کذلک الروایات التي وردت حول عذاب القبر.[27] إنّ الحیاة ملازمة مع نوع شعورٍ و سماع و رؤیة و قدرة علی إتیان بعض الأفعال و باستطاعتنا مع الاستناد بالآیات و الروایات الآتیة إثبات أنّ أرواح أولیاء الله مضافاً علی أنّها تتکلّم في عالم البرزخ، لدیهم قدرة سماع صوت الأحیاء أیضاً.

۱. سورة الأعراف آیة79: بعد أن ذبح قوم صالح الناقة التي کانت معجزة له و عصوا أمرربّهم قالوا: یا صالح ائتنا بالعذاب إن کنت نبیّا فأخذتهم الصیحة فأصبحوا فی دارهم جاثمین:
(فَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالَةَ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ وَلَكِن لاَّ تُحِبُّونَ النَّاصِحِينَ)[28]

یقول ابن کثیر فی تفسیره: هذا تقريع من صالح لقومه، لما أهلكهم اللّه بمخالفتهم إياه و تمردهم على اللّه و إبائهم عن قبول الحق و إعراضهم عن الهدى إلى العمى، قال لهم صالح ذلك بعد هلاكهم، تقريعاً و توبيخاً و هم يسمعون ذلك، كما ثبت في الصحيحين.[29]

و یقول أبوحیان محمد بن یوسف الأندلسي فی تفسیره بعد نقل هذه الآیة: آیة (ولکن لا تحبون لا الناصحین) فَتَكُونُ حِكَايَةَ حَالٍ مَاضِيَةٍ و فی تأیید تخاطب الأموات ینقل روایة أموات بدر.[30]

و کذلک قال صاحب تفسیر بیان المعاني: خاطب صالح قومه بعد نزول العذاب؛ کما خاطب النبيُّ أموات قریش.[31]

و کتب محمد ثناء الله المظهري فی تفسیره بعد ذکر الآیة: فان قيل كيف خاطبهم بقوله أبلغتكم رسالة ربى ونصحت لكم بعد ما اهلكوا بالرجفة قيل كما خاطب النبي صلى الله عليه واله وسلم قتلى بدر بعد ما القوا فى القليب[32]

و قال صاحب التفسیر الواضح أیضاً: ونداؤه لهم بعد الموت ، كنداء النبي صلّى اللّه عليه وسلّم لقتلى بدر بعد أن دفنوا في القليب.[33]

وبذلک صرّح القرطبي أیضاً فی تفسیر الجامع لأحکام القرآن.[34]

قال أبوالفرج عبدالرحمن بن علي ابن الجوزي فی تفسیره: قال قتادة: ذکر لنا أنّ صالحاً أسمع قومه کما أسمع نبیّکم قومه، یعنی بعد موتهم.[35]

۱. سورة الأعراف آیة93: فتولّی عنهم و قال یا قوم لقد أبلغتکم رسالات ربّي و نصحت لکم فکیف آسی علی قومٍ کافرین. قال ابن کثیر فی تفسیر هذه الآیة: أي فتولى عنهم شعيب بعد ما أصابهم من العذاب و النقمة و النكال، و قال مقرعاً لهم و موبخاً.[36]
المفسّرون الذین استُنِد بکلامهم فی الآیة السابقة أیضاً جعلوا هذه الآیة دلیلاً علی تخاطب القوم المهلکین بعد العذاب.

۱. تکلم النبيّ مع أموات بدرٍ: عن أنس بن مالك، أنّ رسول الله ترك قتلى بدر ثلاثاً، ثم أتاهم فقام عليهم فناداهم، فقال: «يا أبا جهل بن هشام يا أمية بن خلف يا عتبة بن ربيعة يا شيبة بن ربيعة أليس قد وجدتم ما وعد ربكم حقا؟ فإني قد وجدت ما وعدني ربي حقا» فسمع عمر قول النبي فقال: يا رسول الله كيف يسمعوا وأنى يجيبوا وقد جيفوا؟ قال: «والذي نفسي بيده ما أنتم بأسمع لما أقول منهم، ولكنهم لا يقدرون أن يجيبوا»[37] و أصل هذه الروایة من المسلّمات عند أهل السنة. و إن أنکرت عائشة سماع الموتی و اعتقدت أنّ النبيّ قال: أنهم لیعلمون ما أقول لهم حقّا. و لکنّها لم تُنکِر أصل الروایة و الاختلاف بین النقل إنما وقع فی وجود کلمة «الآن» في بعض النُسخ الذي أوجب أن یستدلّ بها بعضٌ علی عدم سماع الموتی في غیر ذلک الوقت.
۲. تکلم النبيّ مع الشهداء و أموات المؤمنین: إنّ رسول الله صلی الله علیه و آله کان في أواخر عمره یذهب إلی البقیع و یقول: السلام عليکم دار قوم مؤمنين، أنتم لنا فرط و إنا بکم لاحقون ليهنئ لکم ما أصبحتم فيه.[38]
عن أبي هريرة: أن رسول الله حين انصرف من أحد مر على مصعب بن عمير وهو مقتول على طريقه، فوقف عليه رسول الله ثم قال رسول الله: « والذي نفسي بيده لا يسلم عليهم أحد إلى يوم القيامة إلا ردوا عليه»[39]

۱. وصیة النبیّ بالسلام علی أهل القبور: کان النبیّ یوصي المسلمین بالسلام علی المؤمنین و یقول: ما من أحد یمرّ بقبر أخیه المؤمن کان یعرفه فی الدنیا یسلم علیه الا عرفه و رد علیه.[40]
۲. سماع المیت قرع نعال المشیّعین: نُقِل عن أنس بن مالک أنّه قال: إن العبد اذا وضع فی قبره و تولی عنه أصحابه و إنه لیسمع قرع نعالهم[41]
۳. سماع کلام المشیّعین: یستطیع المیّت أن یسمع کلام المشیّعین حوله: أخرج ابو نعیم عن عمرو بن دینار قال ما من میّتٍ یَموتُ الا روحه فی یدِ ملکٍ یَنظُر إلی جسَدِه کیف یُغسَّل و کیف یُکفَّن و کیف یُمشی به و یقال له و هو علی سریره اسمع ثناء الناس علیک.[42]
و هذه الروایة صحیحة و جمیع رجاله ثقات کما قال مصحّح کتاب ابن طولون.[43]

۱. تکلم أمیر المؤمنین عليّ علیه السلام مع الأموات: لمّا رجع عليٌّ علیه السلام من صفین و وصل إلی قبور الکوفة خاطبهم بهذا الکلام: يَا أَهْلَ التُّرْبَةِ، يَا أَهْلَ الْغُرْبَةِ، يَا أَهْلَ الْوَحْدَةِ، يَا أَهْلَ الْوَحْشَةِ، أَنْتُمْ لَنَا فَرَطٌ سَابِقٌ، وَنَحْنُ لَكُمْ تَبَعٌ لاَحِقٌ. أمَّا الدُّورُ فَقَدْ سُكِنَتْ، وَأَمَّا الأَزْوَاجُ فَقَدْ نُكِحَتْ، وَأَمَّا الأَمْوَالُ فَقَدْ قُسِمَتْ هذَا خَبَرُ مَا عِنْدَنَا، فَمَا خَبَرُ مَا عِنْدَكُمْ؟ ثم التفت إِلى أَصحابه فقال: أَمَا لَوْ أُذِنَ لَهُمْ فِي الْكَلاَمِ لأخْبَرُوكُمْ أنَّ (خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى)[44]
الروایات التی نُقِلت بألفاظ متعددة فی کتب الصحاح و السنن تدلّ بوضوحٍ علی أنّ الأموات یسمعون کلام الأحیاء و بما أنّها أثبتت أصل السماع و لم تقیّده بمکانٍ أو زمانٍ خاصٍ یثبت أنّهم یسمعون کلام الأحیاء في أی حالٍ من الأحوال سواء کان سلاماً أم غیره، و سواء کان دفنهم فی أول أسبوع أم بعده. فبهذا لیس هناک دلیل للآلوسی صاحب تفسیر روح المعانی الذی یخصّ سماع الموتی فی الموارد المذکورة[45].

قال شریف بن عبدالله الحازميّ جواباً للآلوسيّ: الله الذی یُرجع الروح إلی القبر عند التساؤل، یستطیع أن یرجعها أیضا لسماع کلام من یکلّمهم.[46]

۱. کلام العلماء و الأعاظم: کتب محمد بن محمد العبدري المالکي في المدخل في باب زیارة القبور، ضمن شرحٍ مفصّلٍ من آداب زیارة النبيّ و الغسل و رعایة الأدب عند القبر و الترحّم علی الصحابة و التابعین: ثم یَتوسّل إلی الله تعالی بهم في قضاءِ مأربه و مغفرةِ ذبوبه و یَستغیث بهم و یَطلب حوائجَه منهُم ... فمَن توسَّل بِه أو طلَب حوائجَه منه فلا یُردُّ و لا یَخیبُ.... فالتّوسُل به علیه الصّلوة و السّلام هو محل حطّ الاوزار و أثقال الذنوب و الخطایا.[47]
نقل السمهودی عن أبي هریرة عن النبيّ أنه قال: من زارني بعد موتي فکأنّما زارني و أنا حي و من زارنی کنت له شهیداً و شفیعاً یوم القیامة.[48]

و هناک روایات أخر في کتاب تحریر المرسخ في أحوال البرزخ لابن طولون تدلّ علی السماع و النظر و علم الأموات بأحوال الأحیاء و یثبت العلم و قدرة السماع للأموات بلاشکّ فی الصفحة259 و کذلک فی الصفحة265 نقل عن ابن القیّم أحادیث تدلّ علی أنّ الزائر متی ما جاء عند القبر، یعلم المیت به و یسمع صوته و یأنس معه و یردّ سلامه. مضافاً علی أنّ النبيّ شرّع لأمته أن یسلّموا علی أهل القبور؛ سلاماً یسمعونه و یدرکونه. ثمّ ینقل روایات لتأیید کلامه.

نظرة المخالفین

استند المخالفون بآیات من القرآن و بعض الروایات؛ استند المخالف بالآیات التی لا تنفي السماع بل تنفي إسماع أهل القبور و نزلت هذه الآیات حسب سیاق الآیات القرآنیة و التفاسیر، في حقّ الکفار المعاندین.

استند المخالفون بهذه الآیات:

۱. (وَ ما أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ)[49]
۲. (لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى وَلَا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاء إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ)[50]
اعتقد المفسّرون أنّ هذه الآیات نزلت فی حق الکفار المعاصرین لزمن النبيّ و قالوا إنّ المقصود من الموتی هم الکفار الذین طُبِع علی قلوبهم و لم یهتدوا بعدُ أبداً و إذا أشیر إلی الموتی الذین في القبور فلأجل تشبیه الکفار بالأجساد التی في القبور؛ بعبارة أخری کما أنّ الأجساد في القبور لا تسمع و التکلم معهم لم ینفع، فکذلک الکفارُ لم یدرکوا کلام النبيّ و لم ینتفعوا به.

و لکنّ المخالفین لسماع الموتی أخذوا بظاهر الآیة و ما اعتنوا بشأن النزول فنفوا قدرة السماع عن أرواح أولیاء الله.

و أمّا المعتقدون بقدرة سماع الأموات لصوت الأحیاء، جعلوا السبب الأصیل للسماع و درک صوت الأحیاء هو الروح التی لم تمت بل فارقت الجسم و في عالم البرزخ مرتبطة بالجسم لتعلّقها السابق به، و حتی الذین أنکروا سماع الأموات قالوا بعود الروح للجسم في وقت التساؤل في القبر و هذا یدل علی أنهم یروا أنّ السبب الأصیل للسماع هو الروح، و تکون الأُذن وسیلة في عالم الطبیعة لاغیر.

۱. (إِن تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ)[51]
المراد من هذه الآیة هم الأصنام التي کان المشرکون یعبدونها؛ ولکنّ البعض یعتقد أنّ المراد هم موتى الأولياء والصالحين الذين كان المشركون يمثلونهم في تماثيل وأصنام لهم يعبدونهم فيها وليس لذاتها[52]. قال ابن کثیر فی تفسیر الآیة: يعني الآلهة التي تدعونها من دون الله لا تسمع دعاءكم, لأنها جماد لا أرواح فيها, {وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ} أي لا يقدرون على شيء مما يطلبون منها[53]

فقد قیل فی الجواب عن هذه الآیات:

المراد نفي أهلیة السماع. فإنّ الأجساد الفاقدة للروح التي في القبور لا تسمع و لیس لها قابلیة سماع أيّ صوتٍ و لذلک شبّه الله الکفار بهم و خاطب نبیّه بأنّک لا تسمع الکفار الذین في عنادهم بلغوا درجةً لا یستطیعون درک کلام الحق و الذین هم کالأموات في القبور فإنّک لا تستطیع إسماعهم. قال ابن القیم الجوزي تلمیذ ابن تیمیة في تفسیره للآیة «لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى وَلَا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاء إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ»: أَن المُرَاد عدم أَهْلِيَّة كل مِنْهُمَا للسماع وَأَن قُلُوب هَؤُلَاءِ لما كَانَت ميتَة صماء كَانَ اسماعها مُمْتَنعا خطاب الْمَيِّت والأصم.[54]
المراد نفي انتفاع السماع أي کما أنّ الأموات لن ینتفعوا بسماع الصوت، فالکفار أیضا لن ینتفعوا بسماع کلام النبيّ. قال ابن القیّم في تفسیر قوله تعالی (وَ ما أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ)[55]: فسياق الْآيَة يدل على أَن المُرَاد مِنْهَا أَن الْكَافِر الْمَيِّت الْقلب لَا تقدر على اسماعه اسماعا ينْتَفع بِهِ كَمَا أَن من فِي الْقُبُور لَا تقدر على إسماعهم إسماعا يَنْتَفِعُونَ بِهِ[56]
و قال بعضٌ: إنّ المراد هو إنّک لا تسمع الموتی مستقلاً من دون إذننا و إرادتنا[57]
الروایات المستند بها لعدم سماع الموتی

۱. إنّ موتی بدرٍ لم یسمعوا إلا في ذلک الوقت. وردت کلمة «الآن» فی بعض الروایات التي نقلت تکلم النبيّ مع موتی قلیب بدرٍ، أي نقلوا الروایة بهذا القید: «إنهم الآن لیسمعون ما أقول لهم»[58] فقال بعضٌ إنّ کلمة «الآن» في الروایة دلّت علی أنّ سماعهم کان في ذلک الوقت و في غیره لم یسمعوا. مضافاً علی أنّ عائشة أنکرت تصریح النبيّ بسماع الأموات و اعتقدت أنّه قال: إنهم لیعلمون ما أقول لهم.[59]
۲. إنّ الملائکة تبلّغ رسول الله سلام المؤمنین: فقد روی عبدالله بن مسعود: «ان للّه ملائکة سیاحین فی الارض یبلغونی من أمتی السلام»[60] قال الألبانيّ: أنه صريح في أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - لا يسمع سلام المسلمين عليه؛ إذ لو كان يسمعه بنفسه لما كان بحاجة إلى من يبلغه إليه.[61]
۳. قال قتادة: قال قتادة: أحياهم الله حتى أسمعهم، قوله توبيخا وتصغيرا ونقيمة وحسرة وندماً.[62]
الجواب:

هذه الروایات لم تکن حجة قطعیة لعدم السماع؛ لأنَّ کلَّ واحدٍ من المتمسکین بها نقل مقطعاً لاستدلاله به و غضّ النظر عن باقی الروایات؛ کقید«الآن» الذی یوجد فی بعض الروایات، لا یدلّ علی حصر السماع فی ذلک الوقت الخاصّ فقط؛ لأنّ إثبات سماعهم في الآن لا ینفی ما عدا ذلک الزمن و لا یصلح للمعارضة مع باقي الروایات.
جمهور أهل السنة لم یقبلوا إنکار عائشة في روایة موتی قلیب بدرٍ و أظهروا بأنّ هذا خطأٌ منها[63]. قال ابن رجب: وعائشة لم تشهد ذلك وروايتها عن النبي صلى الله عليه وآله و سلم أنه قال : [ إنهم ليعلمون الآن أن ما كنت أقول لهم حق ] يؤيد رواية من روى : إنهم ليسمعون ولا ينافيه فإن الميت إذا جاز أن يعلم جاز أن يسمع لأن الموت ينافي العلم كما ينافي السمع والبصر فلو كان مانعا من البعض لكان مانعا من الجميع[64]. مضافاً علی ما قاله الشنقیطي: الثَّالِثُ: هُوَ مَا جَاءَ عَنْهَا مِمَّا يَقْتَضِي رُجُوعَهَا عَنْ تَأْوِيلِهَا، إِلَى الرِّوَايَاتِ الصَّحِيحَةِ.[65]
الروایة التي فیها: إنّ الملائکة تبلّغ السلام لرسول الله صلی الله علیه و آله تدلّ علی أنها تبلّغ سلامَ من یسلّم علیه من بعید. قال ابن عبدالهادی[66]: ومعلوم أنه أراد بذلك الصلاة والسلام الذي أمر الله به[67] وأما من سلم عليه عند قبره فإنه يرد عليه، وذلك كالسلام على سائر المؤمنين. و هناک روایاتٌ تدلّ علی سماع النبیّ و ردّه للسلام. «عن ابي هریره قال رسول الله: ما من أحد یسلم عليّ الا ردّ الله علی روحي حتی أردّ علیه السّلام» و في روایة أخری عن أبي هریرة عن رسول الله صلی الله علیه و آله: «من صلّی عليّ عند قبري سمعتُه»[68] و یعتقد ابن تیمیة أیضاً أنّ النبيّ یسمع سلام من سلّم علیه قریباً منه. [69]
قال الآلوسيّ حول قول قتادة: ولو كان الأمر كما قال قتادة لكان الظاهر أن يقول صلى الله تعالى عليه وآله وسلم له: ليس الأمر كما تقول إنّ الله عزّ وجلّ أحياهم لي أو نحو ذلك، وعائشة رضي الله تعالى عنها أنكرت ما وقع في الحديث مما استدل به على المقصود.[70]
تشریع سلام المؤمنین علی النبيّ و آله فی الصلوات الخمس دلیلٌ علی أنّ النبيّ یسمع السلام و إلّا لکان لغواً.
الشبهات المرتبطة بسماع الموتی

۱. الآیة الدالة علی عدم سماع الموتی نزلت بعد تکلّم النبيّ مع القتلی. قال صاحب الدرّ المنثور عن قول أبي سهل سري بن سهل الجنديسابوري في ذیل الآیة: (لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى وَلَا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاء إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ): وأخرج أبو سهل السري بن سهل الجنديسابوري الخامس من حديثه من طريق عبد القدوس عن أبي صالح عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله فإنك لا تسمع الموتى الروم 52 وما أنت بمسمع من في القبور قال : كان النبي صلى الله عليه و سلم يقف على القتلى يوم بدر ويقول : " هل وجدتم ما وعد ربكم حقا يا فلان بن فلان ألم تكفر بربك ؟ ألم تكذب نبيك ؟ ألم تقطع رحمك ؟ فقالوا : يا رسول الله أيسمعون ما نقول؟ قال : ما أنتم بأسمع منهم لما أقول فأنزل الله فإنك لا تسمع الموتى وما أنت بمسمع من في القبور ومثل ضربه الله للكفار أنهم لا يسمعون. و قال العلامة الطباطبائی: أقول: و في الرواية ما لا يخفى من لوائح الوضع فساحة النبي أجل من أن يقول ما ليس له به علم من ربه حتى ينزل الله عليه آية تكذبه فيما يدعيه و يخبر به. على أن ما نقله من الآية لا يطابق المصحف فصدره مأخوذ من سورة النمل الآية 80 و ذيله مأخوذ من سورة فاطر الآية 22.
۲. مضافاً علی ما ذُکِر، فسیاق الآیة یشهد بأنّها کالآیات التي قبلها و بعدها نزلت في مکّة و الروایة إنّما تحکي عن کونها نزلت في المدینة في حرب بدرٍ.[71]
۳. تکلّم النبیّ مع الموتی معجزة.
إنّ معجزات النبیّ کانت للکفّار و مع تحدٍّ لتکون دلیلاً لنبوّته صلی الله علیه و آله، و لم تکن للمسلمین مع کونها لم تکن مشیرةً بأنّ هذا العمل خارقٌ للعادة. و مع غضّ النظر عن هذا فسماع الموتی إن کان قابلاً للفهم و الدرک یکون مفیداً و إلّا فلا یثبت الإعجاز بصرف ادّعائه صلی الله علیه و آله. مضافاً إلی أنّ تکلّم أمیرالمؤمنین مع أهل القبور[72] و طلبِ الصحابة الاستغفار َمن النبيّ بعد موته[73] یدلّ علی أنّ هذا العمل ما صدر من النبيّ فقط بل کان عند السلف أمراً عادیاً.

۱. سماع الموتی لقرع نعال المشیّعین إنّما یکون فی وقت السؤال و الجواب حینما ترجع الروح إلی الجسد و حینئذٍ یسمع المیت هذه الأصوات.
هناک روایاتٌ تدلّ علی أنّ المیّت یسمع صوت من یسلّم علیه و یعرفه و یردّ علیه السلام.[74] و هذا السلام لا یختص بأولِ أسبوعٍ بل یمکن أن یکون بعد مرور سنینٍ علیه.

۱. سماع الموتی یختصّ بموارد ثبتت في الروایات کالسلام علیه و في غیر هذه الموارد لا یسمع المیّت.
هذا ادّعاء و لم یدلّ علیه دلیلٌ؛ بل علی ما في الروایات إنّ قدرة الأموات للسماع ثابتة بلا قیدٍ یقیّدها بموارد خاصة و بما أنّ العالَمَ بعد الموت و مکانةَ الروح مع الدنیا و البدن مختلفة و أنّ الله یُرجع الروح حین السؤال و الجواب، فعند التکلم مع الموتی أیضاً یستطیع أن یرجعها للسماع.[75]

۱. قد مات عزیرٌ مأة سنة و لمّا أفاق ظنّ أنه کان نائماً یوماً أو بعض یومٍ و هذا یدل علی عدم اطلاعه بما حوله.
لمّا کان المراد من إماتته و إحیائه هو إرائة کیفیة إحیاء الموتی فأراد البارئ أن یجعله غیرمطلّعٍ بما حوله. فقبض الله روحه و جعل جسده کطعامه لم یمسّه سوء حتی انقضاء مئة سنة. فبعد انقضاء السنة و بعد انحطاط أعظام حماره أحیاه الله لإرائة قدرته تعالی؛ و السؤال باقٍ في ذهنه. فأوحی الله إلیه أن انظر إلی حمارک و لنجعلک آیة للناس. فقیاس موردٍ خاصٍّ أحیاه الله بعد موته بسنین متعدّدةٍ مع باقي الموتی غیر صحیحٍ. مضافاً علی هذا فالموتی یعیشون في برزخهم إمّا في العذاب یُعذَّبون و إمّا في الجنة متنعّمون.[76] فعندهم قدرة الدرک و التوجّه إلی مرور الزمن و أمّا عزیرٌ فلم یکن هکذا. إذاً لا یصح إثبات عدم السماع بالاستناد بهذه الآیة.

۱. لمّا کان سماع الإنسان بواسطة أُذنه و الأُذن تتعطّل مع الموت فالمیّت لا یستطیع سماع صوتٍ؛
و إن کان سماع الإنسان بواسطة الأُذن و لکنّ السبب الذی یجعل الإنسان مستطیعاً للسماع فهی الروح و إذا الروح لم تکن موجودة في الجسم فلم یکن معنیً للسماع و لمّا کان العالَمُ بعد الموت یختلف مع عالَم الدنیا اختلافاً کثیراً و الروح غیر مقیّدة بالجسم، فمن الممکن أن تکون قابلة للسماع بلاواسطة أو بواسطة شیء آخر.

 

*سماع الموتی و علاقته بالتوسل

بعد أن ثبتت حیاة أرواح أولیاء الله و أنّ لدیهم مقام و جاه عندالله تعالی و عندهم قدرة سماع صوت الأحیاء، فمن الأمور العقلائیة هي إتیان المسلمین نحو قبور الأولیاء لزیارتهم و اقتفاء أثرهم و جعلهم نمطاً لیستلهموا من شخصیاتهم و لیجعلوهم واسطة بینهم و بین الله تعالی و لیطلبوا من الله أن یستجیب دعائهم ولادلیل للذي یخالف التوسّل علی منعنا من ندائهم و التکلم معهم؛ مضافاً إلی أنّه بإمکاننا الاستناد إلی بعض الروایات لإثبات أنّ لدیهم قدرة الدعاء للأحیاء؛ کما أنّ جواب السلام هو نوعٌ من الدعاء و صرّحت الروایات الصحیحة علی أنّ النبيّ و عموم المسلمین الراحلین من الدنیا یردّون سلام من یسلّم علیهم.[77]

 

 

 

المصادر
۱. نهج‌البلاغة.
۲. ابن‌تیمیة، احمد: مجموع الفتاوی، الجمع و الترتيب عبدالرحمن بن محمد ابن قاسم، بی‌تا.
۳. ابن الجوزى، ابوالفرج عبدالرحمن بن علی: زاد المسير في علم التفسير، تحقیق عبدالرزاق المهدی، بیروت: دار الكتاب العربی، الطبعة الأولي، 1422ق.
۴. ابن‌رجب الحنبلی الدمشقی، ابو‌الفرج زين‌الدين: اهوال القبور، تحقيق خالد عبد الطيف السبع العلمي، بیروت: دار الکتب العربي، الطبعة السابعة، 1422ق.
۵. ابن‌سعد: طبقات الکبری، بیروت: دارالفکر، 1405ق.
۶. ابن‌طولون، محمد بن‌علی: التحریر المرسخ فی احوال البرزخ، تصحیح عبید الله ابوعبدالرحمن اثری، مصر: دار الصحابة، 1411ق.
۷. ابن‌عبدالهادي: الصارم المنکي في الرد علي السبکي، تحقيق عقيل بن محمد مقطري يماني، بیروت: موسسة‌الريان، 1412ق.
۸. ابن‌قیم الجوزی: الروح، تحقیق: یوسف علی بدیوی، بيروت: دار ابن­کثیر، الطبعة الرابعة، 1420ق.
۹. ابن‌كثير الدمشقى، اسماعیل بن‌عمرو: تفسير القرآن العظيم، تحقیق محمد حسین شمس الدین، بيروت: دار الكتب العلمية، منشورات محمدعلى بيضون، الطبعة الأولي ، 1419ق.
۱۰. ابن‌مفلح، شمس الدین ابوعبدالله محمد: الفروع ، بیروت: عالم الکتب، الطبعة الثالثة ، بی تا.
۱۱. ابونعیم: حلیة الاولياء ‌و طبقات الاصفياء، تحقیق: مصطفی عبدالقادر عطا، بیروت: دار الکتب العلمية، بی‌تا.
۱۲. الاشبيلي، عبدالحق: العاقبة، تحقيق: ابوعبدالله محمد حسن اسماعيل، بیروت: دارالکتب العلمية، 1415ق.
۱۳. الآشتیانی، محمد جعفر، محمد رضا امامی: ترجمة نهج البلاغة، قم: مدرسة الامام علی ابن‌ابی‌طالب، الطبعة الأولى ، 1384ش.
۱۴. آل غازى، عبدالقادر ملاحويش: بيان المعانى، دمشق: مطبعة الترقى، 1382ق.
۱۵. الآلوسى، سید محمود: روح المعاني فى تفسير القرآن العظيم، تحقیق علی عبدالباری عطیه، بیروت: دارالكتب العلمية، 1415 ق.
۱۶. آلوسی، نعمان بن‌محمود: آلایات البینات في عدم سماع الاموات عند الحنفية‌السادات، تحقيق ناصر الدين آلباني، المکتب الاسلامی، الطبعة الرابعة ، 1405ق.
۱۷. الاندلسى، ابوحيان محمد بن يوسف: البحر المحيط في التفسير، تحقیق صدقی محمد جمیل، بيروت: دار الفكر، 1420ق.
۱۸. الالبانی، محمد ناصر‌الدین: موسوعة العلامة الإمام الألباني، صنعاء ـ یمن: مركز النعمان للبحوث والدراسات الإسلامية و تحقيق التراث والترجمة، الطبعة الأولى ، 1431ق/2010م.
۱۹. البخاری، محمد بن‌اسماعيل: صحيح بخاري، ریاض: دارالسلام، 1417ق.
۲۰. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ: الجامع الصحيح المختصر، تحقيق: مصطفى ديب البغا، بیروت: دار ابن‌كثير ـ اليمامة؛ الطبعة الثالثة ، 1407ق/1987م.
۲۱. الحازمی، شریف بن‌عبدالله: دراسات عقدیة في الحیاة البرزخیه، بیروت: دار ابن حزم، الطبعة الأولى ، 1424ق.
۲۲. الحاکم النیسابوری، محمد بن‌عبدالله: المستدرک علی الصحيحين، تحقيق: مصطفی عبدالقادر عطا، بیروت: دارالکتب العلمية، 1415ق.
۲۳. الحجازى، محمد محمود: التفسير الواضح، بیروت: دارالجيل الجديد، الطبعة العاشرة ، 1413ق.
۲۴. الراغب اللآصبهانى، حسین بن محمد: المفردات في غریب القرآن، تحقيق صفوان عدنان داود، دمشق ـ بیروت: دارالعلم الدار الشامية، الطبعة الأولى ، 1412ق.
۲۵. السمهودي، علی بن‌احمد: وفاء الوفاء في اخبار دار المصطفی، بیروت: داراحياء التراث العربي، 1401ق.
۲۶. السيوطي، جلال‌الدین: شرح الصدور في احوال الموتی والقبور، تحقيق عبد المجيد طعمه حلبي، بیروت: دار المعرفة، الطبعة الثالثة ، 1421ق.
۲۷. الشنقيطی، محمد امين بن‌محمد المختار: اضواء‌البيان في ايضاح القران بالقرآن، بيروت: عالم الکتب، بی‌تا.
۲۸. الشوکانی، محمد بن‌علی: نیل الاوطار شرح منتقي الاخبارمن احاديث سيد الاخيار، مصر: دارالحديث، بی‌تا.
۲۹. الطريحى، فخر الدین: مجمع البحرين، تحقيق سيد احمد الحسينی، طهران: مكتبة مرتضوى، الطبعة الثالثة ، 1375ش.
۳۰. العبدری المالکی، محمد بن‌محمد: المدخل، القاهرة: مکتبة دار التراث، بی‌تا.
۳۱. العسقلاني، ابن‌حجر: فتح الباري علی الصحيح البخاري، مصر: المکتبة‌السلفية، الطبعة الثالثة ، 1407ق.
۳۲. القرطبى، محمد بن‌احمد: الجامع لأحكام القرآن، طهران: منشورات ناصر خسرو، الطبعة الأولى ، 1364ش.
۳۳. المتقی الهندی، علاء الدین: کنز العمال في سنن الاقوال و الافعال، سوریه: دار الکتاب الاسلامي، بی‌تا.
۳۴. المظهرى، محمد ثناءالله: التفسير المظهرى، تحقیق غلام نبی تونس، باکستان: مكتبة رشديه، 1412ق.
۳۵. المناوی: فیض القدیر، بیروت: دارالفکر، الطبعة الثانية ، 1391ق.
۳۶. الموسوى الهمدانى، سید محمد باقر: ترجمه تفسير الميزان، قم: مكتب المنشورات الاسلامية لجامعة المىرسين للحوزة العلمية في قم ، الطبعة الخامسة ، 1374ش.
۳۷. النسائی، احمد بن‌علی: سنن النسائی، مکتب تحقیق التراث الاسلامی، بیروت: دارالمعرفة، الطبعة السابعة ، 1429ق.
۳۸. النمری القرطبی، ابن‌عاصم: الاستذكار، تحقيق: سالم محمد عطا، محمد علی معوض، بیروت: دارالكتب العلمية، الطبعة الأولى ، 1421ق/2000م.
۳۹. النووی، أبوزكريا يحيى بن‌شرف: المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج، بیروت: دارإحياء التراث العربی، الطبعة الثانية ، 1392.
۴۰. النیسابوری، ابوالحسین مسلم بن‌حجاج: صحیح مسلم، بیروت: دارابن‌حزم و مکتبة المعارف، 1416ق.
 

[3] سورة النساء(4)، الآیة 46.

[4] سورة النمل(27)، الآیة 80.

[5] الراغب الإصبهانى، حسین، المفردات في غریب القرآن، ص 426.

[6] الطريحي، فخر الدین، مجمع البحرین، ج4، ص 347.

[7] سورة النمل(27)، الآیة 80. الراغب الإصبهانی، حسین، السابق، ص781 .

[8] الآلوسي، سید محمود، روح المعاني، ج11، ص57.

[9] الحازمي، شریف بن‌عبدالله، دراسات عقدیة فی الحیاة البرزخیه، ص371

[10] ابن‌رجب، ابوالفرج، اهوال القبور، ص 133.

[11] الاشبيلي، عبدالحق، العاقبة، ص127.

[12] ابن‌تیمیة، احمد، مجموع فتاوی، ج4، ص298.

[13] ابن‌قیم الجوزي، الروح، ص 77.

[14] ابن‌رجب، ابوالفرج، السابق، ص132-140

[15] العسقلاني، ابن‌حجر، فتح الباري ، ج3، ص278.

[16] السيوطي، جلال‌الدین، شرح الصدور، ص 201- 225.

[17] الآلوسي، سید محمود، السابق، ج11، ص57.

[18] البخاري، محمد بن‌اسماعیل، صحیح البخاري، كتاب الجنائز، ج1، ص462.

[19] الآلوسي، نعمان بن محمود، الآیات البینات، ص 67.

[20] النووي، ابوذکریا، المنهاج شرح صحیح مسلم، ج17، ص206.

[21] ابن‌رجب، ابوالفرج، السابق، ص133.

[22] ابن‌مفلح، شمس‌الدین ابی‌عبدالله محمد، الفروع، ج2، ص302.

[23] الحازمي، شریف، دراسات عقدیة فی الحیاة البرزخیة، ص39.

[24] (سَنُعَذِّبُهُم مَّرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَى عَذَابٍ عَظِيمٍ)(سورة التوبه(9)، الآیة 101).

[25] (وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاء عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ)(سورة آل عمران(3)، الآیة 169).

[26] (النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ)(سورة غافر(40)، الآیة 46).

[27] البخاري، محمد بن اسماعیل، السابق، ص461.

[28] سورة الأعراف(7)، الآیة 79.

[29] ابن‌كثير، اسماعيل، تفسير القرآن العظيم، ج‏3، ص 399.

[30] الاندلسي، ابوحيان، البحر المحيط في التفسير، ج‏5، ص 98.

[31] آل‌غازى، عبدالقادر، بيان المعاني، ج‏1، ص 37

[32] المظهري، محمد ثناءالله، التفسير المظهري، ج‏3، ص 376.

[33] الحجازي، محمد محمود، التفسير الواضح، ج‏1، ص 73.

[34] القرطبي، محمد بن‌احمد، الجامع لأحكام القرآن، ج‏7، ص 242.

[35] ابن‌الجوزي، ابوالفرج، زاد المسير في علم التفسير، ج‏2، ص 13

[36] ابن كثير، اسماعیل، السابق، ج‏3، ص404.

[37] النیبابوري، مسلم بن‌حجاج، صحيح مسلم، ‌ج4، باب 17، ‌ح 77.

[38] ابن‌سعد، طبقات الکبری، ج2، ص203.

[39] الحاکم النیسابوری، محمد، المستدرک علی الصحیحین، کتاب التفسیر، رقم 2977، ج2، ص271؛ ابونعیم، حلیةالاولیاء، ج 1، ص 108؛ ابن سعد، السابق، ج3، ص121

[40] النمری القرطبی، ابن‌عاصم، الاستذکار، ج1، ص185؛ المناوی، فیض القدیر، ج5، ص487؛ الاشبيلي، عبدالحق، العاقبة، ص 118؛ الشوکانی، محمد بن‌علی، نیل الاوطار، ج3، ص248.

[41] البخاري، محمد بن‌اسماعیل، باب المیت یسمع خفق النعال الحدیث رقم 1273، ج1، ص448.

[42] السیوطي، جلال‌الدین، السابق، ص128؛  ابن‌طولون، محمد بن‌علی، التحریر المرسخ فی احوال البرزخ، ص 123، ح 347

[43] ابن‌طولون، محمد بن‌علی، السابق، ص123

[44] نهج البلاغة، ص 493، حکمة 130.

[45] الآلوسي، سید محمود، السابق، ج 1، ص57

[46] الحازمي، شریف، السابق، ص388

[47] العبدري المالکي، محمد، المدخل، ج1، ص258.

[48] السمهودي، علی، وفاء الوفاء باحوال دار المصطفی، ج4، ص1336

[49] سورة فاطر(35)، الآیة22

[50] سورة الروم(30)، الآیة 52.

[51] سورة فاطر(35)، الآیة 14.

[52] الآلوسي، نعمان، السابق، ص24.

[53] ابن‌كثير، اسماعیل، السابق، ج3، ص482

[54] ابن قیم الجوزي، السابق، ص62ـ63.

[55] سورة فاطر(35)، الآیة 22.

[56] السابق.

[57] الآلوسي، سید محمود، السابق، ج‏11، ص5.

[58] النسائي، احمد بن علی، سنن،‌کتاب الجنائز، ج4، ص417، ح2075

[59] البخاري، محمد بن‌اسماعیل، صحیح البخاری، كتاب الجنائز، ج1، ص462.

[60] النسایي، احمد بن‌علی، السابق، کتاب السهو، باب 46، رقم1281، ج 3، ص50

[61] الآلباني، موسوعة  الآلبانی فی العقیدة، ج3، ص772..

[62] البخاري، محمد بن‌اسماعیل، السابق، کتاب المغازی، رقم3757، ص1461.

[63] العسقلاني، ابن‌حجر، السابق، ج3، ص277؛ الشنقيطي، محمد، اضواء‌البيان، ج6، ص421.

[64] ابن رجب، ابوالفرج، السابق، ص133.

[65] الشنقیطي، محمد، السابق، ج6، ص429.

[66] ابن عبدالهادی، الصارم، ص159-160

[67] (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) (سوره احزاب(33)، الآیة 56).

[68] المتقي الهندي، علاءالدین، کنز العمال، ج1، ص 498.

[69] ابن‌تیمیة، احمد، السابق، ج27، ص 384.

[70] الآلوسي، سید محمود، السابق، ج‏11، ص55.

[71] الموسوي الهمداني، سید محمد باقر، ترجمه تفسیر المیزان، ج17، ص53.

[72] نهج البلاغة، ص 493

[73] المتقي الهندي، علاء الدین، السابق، ج1، ص506

[74] النمري القرطبي، ابن‌عاصم، السابق، ج1، ص185؛ المناوي، السابق، ج5، ص487؛ الاشبیلي، عبدالحق، السابق، ص 118؛ الشوکاني، محمد، السابق، ج3، ص 248.

[75] الحازمي، شریف، السابق، ص 388

[76] البخاري، محمد بن‌اسماعیل، السابق، كتاب الجنائز،ج1ص461

[77] النمري قرطبي، ابن‌عاصم، السابق، ج1، ص185؛ المناوي، السابق، ج5، ص487؛ الإشبیلي، عبدالحق، السابق، ص 118، الشوکاني، محمد بن‌علی، السابق، ج3، ص 248.

الجواب

السُّجودُ على نوعينِ:

النَّوعُ الأوَّلُ: سجودُ العبادَةِ: وهوَ أنْ يُسْجَدَ لشيءٍ باعتقادِ أنَّ المسجودَ لهُ إلهٌ ومعبودٌ مستحقٌّ للعبادَةِ، وذلكَ كسجودِ المؤمنينَ للهِ تعالى في صلواتِهِمْ، فإنَّ سجودَهمْ وخضوعَهمْ وتذلُّلَهمْ للهِ تعالى ناشئٌ منِ اعتقادِهِمْ بأنَّهُ إلهٌ خالقٌ مستحقٌّ للعبادَةِ.

النَّوعُ الثّاني: سجودُ التَّكريمِ والتَّحيَّةِ: وهوَ أنْ يُسْجَدَ للشَّيءِ لا بنيَّةِ واعتقادِ كونِ المسجودِ لهُ إلهٌ ومعبودٌ، وإنَّما بقصدِ التَّحيَّةِ والتَّكريمِ، وذلكَ كأمرِ اللهِ الملائكةَ بالسُّجودِ لآدمَ تحيَّةً وتعظيماً وتكريماً لهُ.

والنَّوعُ الأوَّلُ منَ السُّجودِ خاصٌّ باللهِ تعالى، فمَنْ سجدَ لغيرِ اللهِ سجودَ عبادَةٍ فقدْ كفَرَ، وخرَجَ عنِ التَّوحيدِ والفطرَةِ.

وهذا النَّوعُ منَ السُّجودِ يدخُلُ في بابِ التَّوحِيدِ والشِّرْكِ؛ لأنَّ مسائلَ الإيمانِ تابعَةٌ للنِّيَّةِ والقصدِ، فمَنْ سجدَ لصنمٍ أوْ لزعيمٍ وقائدٍ أوْ لإمامٍ منْ أئمَّةِ المسلمينَ بنيَّةِ كونِهِ إلهاً معبوداً مستحقّاً للعبادَةِ فقدْ كفَرَ باللهِ، وخرَجَ عنِ الإيمانِ والتَّوحيدِ.

والنَّوعُ الثّاني لا يدخلُ في بابِ التَّوحيدِ والشِّرْكِ مادامَ الإنسانُ يخضعُ ويسجُدُ للشَّيءِ لا بنيَّةِ كونِهِ إلهاً ومستحقّاً للعبادَةِ، وإنَّما بنيَّةِ التَّعظيمِ والتَّحيَّةِ.

نعمْ، يُمثِّلُ هذا النَّوعُ مسألةً فقهيَّةً فرعيَّةً تدخلُ في بابِ الحلالِ والحرامِ، وأنَّهُ هلْ يجوزُ سجودُ التَّعظيمِ والتَّحيَّةِ لغيرِ اللهِ أمْ لا؟ وليستْ مسألةً أصوليَّةً تدخُلُ في بابِ الإيمانِ والتَّوحيدِ والشِّركِ.

سُؤالٌ: هلْ يجوزُ السُّجودُ لغيرِ اللهِ منْ بابِ التَّعظيمِ والتَّكريمِ لا بقصدِ العبوديَّةِ واستحقاقِ العبادَةِ؟

الجوابُ: ذهبَ علماؤُنا إلى أنَّهُ غيرُ جائزٍ ومحرَّمٌ؛ لأنَّ السُّجودَ مختصٌّ باللهِ تعالى، إلّا إذا كانَ (سُجُودُ التَّحيَّةِ والإكرامِ) بأمرٍ منَ اللهِ فيكونُ جائزاً؛ لأنَّ الأحكامَ الشَّرعيَّةَ بيدِ اللهِ، فهوَ الذي يحلِّلُ ويحرِّمُ كيفَ يشاءُ، فإذا أجازَ اللهُ السُّجودَ لبعضِ عبادِهِ فيجوزُ، وإنْ لمْ يُجِزْ لا يَجُزْ، واللهُ تعالى أوجبَ على الملائكةِ السُّجودَ لآدَمَ، ففي الحقيقةِ يكونُ سجودُ الملائكةِ لآدمَ امتثالاً لأمرِ اللهِ، وعبادةً للهِ، وطاعةً للهِ تعالى؛ لأنَّهُ كانَ بأمرِ اللهِ.

- قالَ العلّامَةُ المجلسيُّ في سجودِ الملائكةِ لآدَمَ: (تحقيقٌ: اعلمْ أنَّ المسلمينَ قدْ أجمعُوا على أنَّ ذلكَ السُّجودَ لمْ يكنْ سجودَ عبادَةٍ؛ لأنهَّا لغيرِ اللهِ تعالى تُوجِبُ الشِّرْكَ، ثمَّ اختلفُوا على ثلاثةِ أقوالٍ:

الأوَّلُ: أنَّ ذلكَ السُّجودَ كانَ للهِ تعالى، وآدمُ - على نبيِّنا وآلِهِ وعليْهِ السَّلامُ - كانَ قبلةً.

والثّاني: أنَّ السُّجودَ في أصلِ اللغَةِ هوَ الانقيادُ والخُضُوعُ.

والثّالثُ: أنَّ السُّجودَ كانَ تعظيماً لآدَمَ - على نبيِّنا وآلِهِ وعليْهِ السَّلامُ - وتكرِمَةً لهُ، وهوَ في الحقيقةِ عبادَةٌ للهِ تعالى لكونِهِ بأمْرِهِ، وهوَ مختارُ جماعَةٍ منَ المفسِّرِينَ. وهوَ الأظهرُ منْ مجموعِ الأخبارِ التي أوْرَدْناها، وإنْ كانَ الخبرُ الأوَّلُ يؤيِّدُ الوَجْهَ الأوَّلَ.

ثمَّ اعلمْ أنَّهُ قدْ ظهَرَ ممّا أوْرَدْنا منَ الأخبارِ أنَّ السُّجودَ لا يجوزُ لغيرِ اللهِ ما لمْ يكنْ عنْ أمْرِهِ، وأنَّ المسجودَ لهُ لا يكونُ معبوداً مطلقاً، بلْ قدْ يكونُ السُّجودُ تحيَّةً لا عبادَةً وإنْ لمْ يَجُزْ إيقاعُهُ إلّا بأمْرِهِ تعالى). [بحارُ الأنوارِ ج11 ص140]

- قالَ ابنُ كثيرٍ: (والسَّجْدَةُ كانَتْ لآدَمَ إكراماً وإعظاماً واحتراماً وسلاماً، وهيَ طاعَةٌ للهِ؛ لأنَّها امتثالٌ لأمْرِهِ تعالى. وقدْ قوّاهُ فخرُ الدِّينِ الرّازيُّ في تفسيرِهِ) [تفسيرُ ابنِ كثيرٍ ج1 ص347]

- ونقلَ القرطبيُّ أنَّ العلماءَ اتَّفقُوا على أنَّ سجودَ الملائكةِ لآدَمَ لمْ يكنْ سجودَ عبادَةٍ، (أيِ: النَّوعَ الأوَّلَ منَ السُّجودِ)، وأنَّ السُّجودَ لغيرِ اللهِ بقصدِ التَّحيَّةِ والإكرامِ (أيِ: النَّوعَ الثّانيَ منَ السُّجودِ) كانَ جائزاً في الأممِ السّابقةِ، ولكنَّهُ نُسِخَ في شريعَةِ نبيِّنا خاتمِ الأنبياءِ، حيثُ قالَ: (واختلفَ النّاسُ في كيفيَّةِ سُجُودِ المَلائِكةِ لآدَمَ بَعْدَ اتِّفاقِهِمْ على أنَّهُ لمْ يكنْ سُجُودَ عِبادَةٍ .... واخْتُلِفَ أيضاً: هلْ كانَ ذلكَ السُّجُودُ خاصّاً بآدَمَ - عَلَيْهِ السَّلامُ -، فلا يجُوزُ السُّجُودُ لغيرِهِ منْ جَمِيعِ العالَمِ إلّا للهِ تعالى، أمْ كانَ جائِزاً بَعْدَهُ إلى زَمانِ يَعْقُوبَ - عَلَيْهِ السَّلامُ - لِقولِهِ تعالى: {وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلى الْعَرْشِ وَخَرُّوا لَهُ سُجَّداً}، فكانَ آخرَ ما أُبِيحَ منَ السُّجُودِ للمخلوقينَ؟ والذي عليْهِ الأكثرُ أنّهُ كانَ مبُاحاً إلى عَصْرِ رسولِ اللهِ (ص)، وأنَّ أصحابَهُ قالوا لهُ حينَ سجدَتْ له الشَّجَرَةٌ والجَمَلُ: نحنُ أولى بالسُّجُودِ لكَ منَ الشَّجَرَةِ والجَمَلِ الشّارِدِ، فقالَ لهمْ: لا ينبغي أنْ يُسْجَدَ لأحَدٍ إلّا للهِ ربِّ العالَمِينَ) [الجامعُ لأحكامِ القرآنِ ج1 ص436 – 437]

اكد قائد الثورة الاسلامية آية الله السيد علي الخامنئي بان عداء اميركا للشعب الايراني كان قائما على الدوام وان الخلاف بين الجانبين يعود لما قبل السيطرة على وكر التجسس الاميركي (السفارة الاميركية السابقة في طهران)، معتبرا اميركا بانها اليوم اضعف مما كانت عليه لكنها اكثر وحشية ووقاحة.

وفي كلمته التي القاها خلال استقباله اليوم الاحد حشدا ضم الالاف من التلامذة والطلبة الجامعيين من مختلف انحاء البلاد عشية اليوم الوطني لمقارعة الاستكبار العالمي، اشار قائد الثورة الاسلامية الى استمرار عداء اميركا العميق للشعب الايراني منذ انقلاب 19 اب/ اغسطس عام 1953 ولغاية الان وقال، اميركا ذئبية النزعة هي اليوم اضعف لكنها اكثر وحشية ووقاحة وبالمقابل فان الجمهورية الاسلامية الايرانية بدفاعها المقتدر وامتناعها المستدل عن التفاوض قد قطعت الطريق امام تغلغل وتسلل اميركا الى البلاد من جديد.

واعتبر سماحته انقلاب عام 1953 بداية عداء الشيطان الاكبر العلني للشعب الايراني واضاف، ان الاميركيين بانقلابهم ذلك لم يرحموا حتى حكومة مصدق التي وثقت بهم وباسقاطهم للحكومة الوطنية جاءوا بحكومة عميلة وفاسدة ودكتاتورية وبذلك  مارسوا اكبر عداء ممكن بحق الشعب الايراني.

واضاف، ان الحكومة التي اُسقِطت بالانقلاب كانت قد تلقت في الواقع الضربة لثقتها بالشيطان الاكبر وقد هيمن الاميركيون بواسطة النظام البهلوي على مقدرات البلاد في القوات المسلحة والنفط والسياسة والثقافة والاقتصاد وجميع المجالات الاخرى في البلاد هيمنة كاملة.

واشار سماحته الى ان البعض ومن ضمنهم الاميركيون يسعون عبر تحريف التاريخ لربط عداء اميركا لايران بقضية السيطرة على وكر التجسس الاميركي (مبنى السفارة الاميركية السابقة في طهران) واضاف، ان الاميركيين ومنذ بداية العلاقات مع اميركا كانوا، عبر مشاريع ودية على الظاهر، يعادون الشعب الايراني اذ برز هذا العداء الى العلن في انقلاب العام 1953 وكانت تلك المرحلة بداية اعداء اميركا العلني لايران.

واعتبر قائد الثورة انقلاب العام 1953 بانه ادى لزيادة وعي الشعب الايراني واضاف، انه وبعد 10 اعوام من ذلك اي في العام 1963 حيث انطلق الكفاح الاسلامي والشعبي، بيّن الامام الخميني بادراكه الموقع الحقيقي والقلبي للشعب هذه الحقيقة وهي انه لا شخص اكثر كراهية في اذهان الشعب الايراني من الرئيس الاميركي.

واكد سماحته بان اميركا ومنذ ذلك اليوم لغاية الان لم تتغير طبيعتها وقال، ان ذات النزعة الشريرة والصفة الذئبية والسعي لايجاد دكتاتورية دولية والهيمنة بلاد حدود موجودة اليوم لدى اميركا وبطبيعة الحال بصورة اكثر وحشية ووقاحة.

واشار الى بعض الممارسات الاميركية على مدى الاعوام الـ 41 الماضية ضد ايران ومنها التهديد والانقلاب والحظر وتحريض القوميات ونزعة الانفصال واثارة الفوضى والحصار الاقتصادي والتغلغل واساليب اخرى واضاف، لقد قاموا خلال كل هذه الفترة بكل مايمكنهم القيام به من مؤامرات وخطوات ضد المؤسسات النابعة من الثورة الاسلامية خاصة مبدا الجمهورية الاسلامية ونحن بطبيعة الحال قمنا بكل يمكننا القيام به وفي الكثير من الاحيان حصرنا المنافس في زاوية الحلبة.

*منع التفاوض مع اميركا لمنع تغلغلها في ايران من جديد

واعتبر آية الله الخامنئي "الوقوف امام التغلغل السياسي والهيمنة الاميركية من جديد على ايران" بانه الرد الاهم من جانب الجمهورية الاسلامية الايرانية لمواجهة مؤامرات حكام البيت الابيض واضاف، ان المنع المتكرر للتفاوض مع اميركا يعد احدى الادوات المهمة لغلق الطريق امام تسللهم الى ايران العزيزة.

واعتبر معارضة الجمهورية الاسلامية الايرانية للاميركيين بانها تحظى بمنطق رصين واضاف، ان هذا الاسلوب العقلاني يمنع سبيل تغلغل الاميركيين من جديد ويثبت هيبة ايران الحقيقية واقتدارها للعالم ويسقط الهيبة الخاوية للطرف الاخر في العالم.

واشار الى تكبر اميركا ونزعتها الاستكبارية واضاف، ان الاميركيين الذين يمنون على رؤساء الدول الاخرى بموافقتهم على اللقاء معهم يصرون منذ اعوام على لقاء مع المسؤولين الايرانيين الا ان الجمهورية الاسلامية الايرانية تمتنع عن ذلك وان تحمّل هذه المسالة صعب جدا على اعداء الشعب لانها تثبت لدول وشعوب العالم بان هنالك حكومة في العالم ترفض قوة اميركا الغاصبة ودكتاتوريتها الدولية ولا ترضخ لمنطق القوة.

 

*لا فائدة من التفاوض مع اميركا

واعتبر قائد الثورة التفاوض مع اميركا بانه لا فائدة منه واضاف، ان البعض الذين يتصورون التفاوض مع اميركا بانه يحل المشاكل مخطئون مائة بالمائة اذ لن تتحقق اي نتيجة من وراء التفاوض مع الاميركيين لانه من المتيقن والمؤكد انهم سوف لن يقدموا اي تنازل.

واشار سماحته الى حقيقة ان الطرف الاخر يعتبر جلوس المسؤولين الايرانيين الى طاولة المفاوضات بمثابة اركاع الجمهورية الاسلامية الايرانية وهي تهدف من وراء الاصرار على التفاوض لتقول للعالم بان الضغوط القصوى واجراءات الحظر قد اعطت ثمارها تاليا وان الايرانيين قد رضخوا.

واضاف، انه لو تعامل المسؤولون الايرانيون بسذاجة وذهبوا للمفاوضات لم تكن الضغوط والحظر لتنخفض بل ان الطريق كان سيفتح رسميا امام توقعات وامور مفروضة جديدة من قبل الاميركيين.

 

*محاولات اميركا العبثية للحد من قدرات ايران الصاروخية

واشار قائد الثورة الاسلامية الى محاولات اميركا العبثية لشطب او تقييد قدرات ايران الصاروخية واضاف، انه اليوم وبفضل الباري تعالى وهمم شباب الوطن نمتلك صواريخ دقيقة وبمدى 2000 كم يمكنها اصابة اي هدف بهامش خطا متر واحد فقط.

واوضح سماحته بانه لو كنا قد توجهنا الى التفاوض لكان الاميركيون قد طرحوا قضية الصواريخ ايضا بان يقولوا ان صواريخ ايران  يجب ان لا تتجاوز مدى 150 كم.

واكد ضرورة اخذ العظة من تجارب كالمفاوضات العبثية بين كوريا الشمالية واميركا واضاف، ان مسؤولي اميركا وكوريا الشمالية كانوا يتحادثون بالود والصداقة الا ان الاميركيين ووفقا لنهجهم في المفاوضات لم يخفضوا ايا من اجراءات حظرهم ولم يقدموا اي تنازل.

 

*ماكرون إما انه ساذج جدا وإما متواطئ مع اميركا

واشار سماحته الى اصرار الحكومة الفرنسية على الوساطة بين ايران واميركا وقال، ان الرئيس الفرنسي اعتبر تنظيم لقاء (يجمع روحاني) مع ترامب بانه يحل كل مشاكل ايران الا انه ينبغي عليّ القول بان هذا الشخص إما انه ساذج جدا او متواطئ مع اميركا.

وتابع قائد الثورة الاسلامية، انني وبغية الاختبار وان يتضح الامر للجميع قلت انه ورغم الخطأ الذي ارتكبه الاميركيون بخروجهم من الاتفاق النووي ، يمكنهم لو ازالوا كل اشكال الحظر ان يشاركوا مع الاطراف الاخرى في اجتماع مجموعة الاتفاق النووي رغم علمي بانهم لا يقبلون بذلك وهو ما حدث بالفعل.

وطرح السؤال حول المدى الذي يمكن ان تذهب اليه مطالب وتوقعات اميركا من ايران قال، انهم يقولون في الوقت الحاضر، لا تنشطوا في المنطقة، لا تدعموا جبهة المقاومة، لا تتواجدوا في بعض الدول واوقفوا قدراتكم الدفاعية وانتاجكم للصواريخ، ومن ثم سيقولون بعد هذه المطالب؛ تخلوا عن القوانين والحدود الدينية ولا تؤكدوا على موضوع الحجاب الاسلامي، لذا فان مطالب اميركا لن تنتهي ابدا.

واشار سماحته الى ان الاميركيين يسعون لاعادة ايران الى الظروف التي كانت عليها قبل الثورة واضاف، ان الثورة الاسلامية اقوى من مثل هذه الامور وان الارادة الصلبة والعزم الراسخ للجمهورية الاسلامية لن يسمحا ابدا لاميركا بالعودة الى ايران بمثل هذه الاحابيل.

وانتقد قائد الثورة نهج "انتظار الاجانب" وقال، لقد كنا فترة ما بانتظار الاتفاق النووي وفترة اخرى بانتظار قرار الرئيس الاميركي لتمديد مهل الاشهر الثلاثة التي وضعوها للاسف في الاتفاق النووي وان نبقى فترة بانتظار ما يفعله الرئيس الفرنسي وبرامج الفرنسيين في حين ان هذه الانتظارات تؤثر سلبيا على المستثمر والناشط الاقتصادي وتدفع البلاد الى الركود والتخلف.

واكد قائلا، اتركوا هذه الانتظارات، لكنني بطبيعة الحال لا اقول اقطعوا العلاقات بل اقول لا تعقدوا الامل على الاجانب بل على الداخل فقط.

 

*ازدهار الانتاج

واعتبر قائد الثورة "ازدهار الانتاج" بانه المفتاح لحل مشاكل الشعب الاقتصادية ومنها الغلاء والتضخم وانخفاض قيمة العملة الوطنية واضاف، انه لا ينبغي علينا الان انتظار اجراءات الاوروبيين او قضايا اخرى مثلما انتظرنا عبثا الاتفاق النووي لفترة من الوقت، بل علينا عقد الامل على الداخل وان نستخدم كل طاقاتنا من اجل ازدهار الانتاج.

المؤلف

محسن الأراکی

النص الكامل

الحمد لله رب العالمین والصلاة والسلام علی محمّد وآله الطّاهرین

نتناول فی بحثنا هذا فقه الحج علی ضوء الاستدلال، مقارناً بین اهم المذاهب الفقهیة وخاصة المذاهب الخمسة التی علیها مدار العمل بین الاکثریة الساحقة للمسلمین، وهی المذاهب الجعفری، والحنفی، والحنبلی، والمالکی، والشافعی، وعلی الله نتوکل وبه نستعین.

إن بحثنا عن فقه الحج یقع ضمن فصول:

الفصل الأول:

وجوب الحج وما یتعلق به

وجوب الحج اجمالاً مما اتفقت علیه کلمة المسلمین بطوائفهم کافة، ویعتبر من الضروریات التی لا حاجة فیها إلی إقامة الدلیل، ومن طلب الدلیل یکفیه بعد الاجماع، دلیل الکتاب وهو قوله تعالی: ولله علی الناس حجّ البیت من استطاع الیه سبیلاً ١ ومن السنة الاحادیث المتواترة تفصیلاً أو اجمالاً مثل ما رواه الفریقان من ان الاسلام بنی علی خمس - منها - الحج٢.

ولا فرق فی وجوبه بین الذکر والانثی والخنثی لاطلاق ادلّة الوجوب وعدم ما یدل علی التقیید.

ثم إن هاهنا مسائل:

المسألة الأُولی: لا یجب الحج - بشرائطه - إلاّ مرة واحدة فی العمر، قام علی ذلک اجماع المسلمین، قال فی الجواهر: "ولا یجب باصل الشرع إلاّ مرة واحدة اجماعاً بقسمیه من المسلمین" ٣ وقال ابن قدامة المقدسی: "واجمعت الأُمّة علی وجوب الحج علی المستطیع فی العمر مرة واحدة" ۴ ولم یخالف فی ذلک إلاّ الصدوق فی العلل فانه قال: "والذی اعتمده وافتی به ان الحج علی اهل الجدة فی کل عام فریضة " ۵ وقد استدل لذلک بما رواه باسناده عن أبی جریر القمی عن ابی عبدالله (علیه السلام) قال: "الحج فرض علی اهل الجدة فی کل عام" ۶ بروایتین أخریین ضعیفتی السند قریبتین الی هذه الروایة فی المضمون.

ویکفی حجة علیه الاجماع الذی اشرنا إلیه وبه یسقط الاستدلال بالروایة لضرورة حملها علی ما لا یخالف المجمع علیه أو رفع الید عنها، اضف إلی ما ورد فی الروایات المستفیضة من التصریح بعدم وجوبه اکثر من مرة واحدة مثل ما رواه البرقی فی الصحیح عن علی بن الحکم، عن هشام بن سالم عن أبی عبدالله (علیه السلام) قال: "ما کلّف الله العباد إلاّ ما یطیقون - الی ان قال - وکلّفهم حجّة واحدة وهم یطیقون أکثر من ذلک، الحدیث " ٧.

وروی الصدوق باسناده عن الفضل بن شاذان عن الرضا (علیه السلام) قال: "انما امروا بحجّة واحدة لا اکثر من ذلک" ٨.

وروی ایضاً باسناده عن محمد بن سنان: أن أبا الحسن الرضا (علیه السلام) کتب إلیه فیما کتب من جواب مسائله: "علة فرض الحج مرة واحدة لان الله تعالی وضع الفرائض علی أدنی القوم قوة، فمن تلک الفرائض الحج المفروض واحداً، ثم رغّب اهل القوة علی قدر طاقتهم"٩.

وهذه الروایات صریحة فی عدم وجوب الاکثر من مرة واحدة بخلاف الروایات التی استند إلیها الصدوق فی القول بالوجوب فی کل عام، فانّ غایة دلالتها الظّهور، وروایات المرّة اظهر منها دلالة بل هی صریحة غیر قابلة للحمل علی معنی آخر.

ویمکن حمل روایات الوجوب فی کل عام علی ارادة الوجوب علی طریق البدل، وأنّ من وجب علیه الحجّ فی السنة الأُولی فلم یفعل وجب فی الثانیة.

وهذا ما قام به الشیخ الطوسی، وان کان الاقوی حملها علی ما حملها علیه صاحب الوسائل من ارادة الوجوب الکفائی، وانّ من الواجب علی المسلمین کفایة ان یحجّوا بیت الله الحرام فی کل عام، وأنه لا یجوز لهم ترک الحجّ بما یؤدّی الی تعطیل بیت الله الحرام ولو لسنة واحدة، وقد وردت روایات متعدّدة - فیها روایات صحیحة السند - تؤکد هذا المضمون:

فقد روی الکلینی فی الصحیح عن الحسین الأحمسی عن ابی عبدالله (علیه السلام) قال: " لو ترک النّاس الحج لما نوظروا العذاب، أو قال: لنزل علیهم العذاب" ١٠.

وفی روایة اخری عن حماد عن ابی عبدالله (علیه السلام) قال: کان علی صلوات الله علیه یقول لولده: " یا بنی انظروا بیت ربکم فلا یخلّون منکم فلا تناظروا " ١١.

وفی الصحیح ایضاً عن عبدالله بن سنان عن أبی عبدالله (علیه السلام) قال: " لو عطّل النّاس الحجّ لوجب علی الامام ان یجبرهم علی الحجّ ان شاؤوا وان أبوا، فان هذا البیت انما وضع للحج " ١٢.

وفی صحیحة أُخری عن ابی عبدالله (علیه السلام) قال: " لو ان النّاس ترکوا الحج لکان علی الوالی ان یجبرهم علی ذلک، وعلی المقام عنده، ولو ترکوا زیارة النبیّ صلّی الله علیه وآله لکان علی الوالی ان یجبرهم علی ذلک وعلی المقام عنده، فان لم یکن لهم اموال انفق علیهم من بیت مال المسلمین " ١٣.

وهذه الروایات کالصریحة فی الدلالة علی وجوب الحج کفایة فی کل عام، فتکون قرینة علی صرف روایات الوجوب فی کل عام - بعد تعارضها مع روایات المرة - إلی ارادة الوجوب الکفائی، وبذلک یتم الجمع بین المتعارضین.

وقد اعترض صاحب الجواهر - قدس سره - علی القول بالوجوب الکفائی المذکور " بانه خلاف الاجماع، وان النصوص الدالة علی ان الامام یجبر المسلمین علی الحج ان ترکوه خارجة عما نحن فیه من الوجوب کفایة علی خصوص اهل الجدة المستلزم لکون من یفعله من حج فی السنة السابقة منهم مؤدیاً لواجب، ولو کان مع من لم یحج منهم، وقد صرحت النصوص بان ما عدا المرة تطوّع " ١۴.

والجواب عنه: ان مقتضی الجمع بین روایات الوجوب فی کل عام، وروایات الوجوب مرة واحدة، بروایات حرمة تعطیل بیت الله الحرام عن الحجیج، حمل روایات الوجوب مرة علی صورة عدم لزوم التعطیل وحمل روایات الوجوب فی کل عام علی صورة لزوم التعطیل ویکون حاصل الجمع حینئذٍ: ان الحج لا یجب علی اهل الحدة اکثر من مرة واحدة فی العمر لکن بشرط عدم لزوم التعطیل، فان لزم التعطیل وجب علیهم الحج مرة اخری حتی لا یلزم التعطیل، وکلما لزم من عدم حج اهل الجدة تعطیل بیت الله الحرام لزم علیهم ان یحجّوا وان کانوا قد اتوا بحجة الاسلام قبل ذلک.

ولیس فی هذا شیء یخالف الاجماع، فلیس القول بوجوب الحج فی کل عام علی اهل الجدة مطلقاً لیلزم منه فی الاحوال العادیة ان یکون من حج اولاً من اهل الجدة اذا حج مرةً اخری مؤدیاً للواجب الکفائی رغم أن النصوص صرحت بان ما عدا المرة تطوّع، فإنّ هذه النصوص ناظرة الی القضیّة الخارجیّة والاحوال المتعارفة خارجاً، والتی یتقاطر فیها الحجیج الی بیت الله الحرام من کل حد وصوب، وأما نصوص وجوب الحج علی أهل الجدة فی کل عام فانما تنظر الی القضیّة الحقیقیة إلی أصل وجوب الحج بشکل عام، فهی تنظر إلی الفریضة بطبیعتها وعلی نحو القضیّة الحقیقیّة.

ثم ان مقتضی الروایات الدالة علی حرمة تعطیل بیت الله عن الحجیج الوجوب الکفائی علی المسلمین عامة، وانما قیّد الوجوب الکفائی بخصوص اهل الجدة للادلة الدالة علی التقیید کقوله تعالی: من استطاع الیه سبیلاً. . . وغیر ذلک کالروایة التی دلت علی ان الحج فرض علی اهل الجدة فی کل عام. وأما فی صورة عدم وجود المستطیع، فقد دلت الروایة علی أن من واجب الإمام بذل المال للناس لیستطیعوا فیحجّوا. وهذا یدل علی توجه وجوب آخر علی الحاکم الإسلامیّ یلزمه إقامة هذا الشعار الإلهی العظیم، وهذا من واجبات الحاکم الإسلامیّ وهو خارج عن موضوع بحثنا هنا.

هذا ونختم الکلام فی هذا الموضوع بما دل علی عدم وجوب الحج اکثر من مرة من صحیح مسلم باسناده عن ابی هریرة قال: خطبنا رسول الله (صلّی الله علیه وآله وسلّم) فقال: " ایها النّاس قد فرض الله علیکم الحج فحجّوا، فقال رجل: أکلّ عام یا رسول الله؟ فسکت حتی قالها ثلاثاً، فقال رسول الله (صلّی الله علیه وآله وسلّم) : لو قلت نعم لوجبت، ولما استطعتم، ثم قال: ذرونی ما ترکتکم، فانما هلک من کان قبلکم بکثرة سؤالهم واختلافهم علی انبیائهم، فاذا أمرتکم بشیءٍ فاتوا منه ما استطعتم، واذا نهیتکم عن شیء فدعوه " ١۵.

المسألة الثانیة: تجب العمرة علی المستطیع - کالحج - فی العمر مرة واحدة، بلا خلاف بین اصحابنا بل ادّعی فی التذکرة علیه الاجماع، وقال السید الخوئی ( ره) کما جاء فی تقریر بحثه -: " لا خلاف بین الفقهاء فی وجوب العمرة علی کل مکلّف بشرائط وجوب الحج وجوباً مستقلاً کالحج فی العمر مرة واحدة، وقد ادعی صاحب الجواهر الاجماع بقسمیه علی ذلک " ١۶.

وقال العلامة فی التذکرة: " وبه قال علی وعمروابن عباس وزید بن ثابت وابن عمر وسعید بن المسیّب، وسعید بن جبیر وعطا وطاوُس ومجاهد والحسن البصری وابن سیرین والشعبی والثوری واسحق والشافعی فی الجدید واحمد فی احدی الروایتین " ١٧.

وقاال آخرون: ان العمرة لیست واجبة، وبه قال مالک وابو حنیفة وابو ثور، وحکاه ابن المنذر وغیره عن النخعی ١٨، قیل: وروی عن ابن مسعود ١٩، وبه قال الشافعی فی القدیم، واحمد فی الروایة الثانیة ٢٠.

دلیلنا: بعد الاجماع، من الکتاب قوله تعالی: واتموا الحجّ والعمرة لله ٢١ فان المراد بالاتمام: الأداء أو الإتیان الکامل غیر المنقوص والأمر یدل علی الوجوب فتکون الآیة دلیلاً علی وجوب کل من الحج والعمرة.

وقد روی فی الصحیح عن أبی عبدالله الصادق (علیه السلام) فی قوله تعالی: واتموا الحج والعمرة لله قال: یعنی بتمامهما: اداءَ هما"٢٢

وقد ذکر الزمخشری فی الکشاف٢٣ فی معنی الآیة: ایتوا بهما تامین کاملین بمناسکهما وشرائطهما لوجه الله من غیر توان ولا نقصان یقع منکم فیهما. ثم قال: فان قلت: هل فیه دلیل علی وجوب العمرة؟ قلت: ما هو إلاّ أمر باتمامهما ولا دلیل فی ذلک علی کونهما واجبین او تطوّعین، فقد یؤمر باتمام الواجب والتطوّع جمیعاً. الا ان نقول: الامر باتمامهما امر بادائمهما بدلیل قراءة من قرأ واقیموا الحج والعمرة، والامر للوجوب فی اصله الاّ أن یدل دلیل علی خلاف الوجوب کما دل فی قوله - فاصطادوا، فانتشروا ونحو ذلک - فیقال لک، فقد دل الدلیل علی نفی الوجوب وهو ما روی انه قیل "یا رسول الله العمرة واجبة مثل الحج؟ قال: لا، وان تعتمر خیر لک" وعنه "الحج جهاد والعمرة تطوّع".

ویرد علیه: ان الامر للوجوب کما ذکر وما استشهد به علی نفی ارادة الوجوب لا یحتج به لقصوره دلالة وسنداً، ولمعارضة باحادیث أُخری رواها اصحاب السنن، والمعارض اقوی سنداً ودلالة، وعلی فرض التکافؤ یتساقط الدلیلان المتعارضان وتبقی الآیة حجة علی الوجوب.

ام قصور الشاهد - علی نفی الوجوب - دلالة، فلأن النفی فی الحدیث الأوّل نفی لمثلیّة العمرة للحج فی الوجوب، فلا تدل علی نفی اصل الوجوب واما الحدیث الثانی فلیس فیه ما یدل علی نفی الوجوب غیر التعبیر بالتطوّع، وهو غیر صریح فی نفی الوجوب.

بل ولا اقوی ظهوراً فی نفی الوجوب من ظهور الامر فی الآیة فی الوجوب. فلو سلّمنا ظهور التطوّع فی المندوب لزمنا رفع الید عن هذا الظهور بظهور الآیة فی الوجوب، لأنّ الآیة ذکرت الحجّ الی جانب العمرة ولا شک فی وجوب الحج، ولا یستعمل اللفظ الواحد فی معنیین باستعمال واحد، لامتناع ذلک، فذکر الحج بنفسه قرینة قطعیّة علی ارادة الوجوب من الامر بالإتمام، فیکون الامر دالاً علی وجوب العمرة ایضاً.

والحاصل ان القرینة الموجبة لرفع الید عن ظهور ذی القرینة لا بُدّ ان تکون اقوی دلالة من ذی القرینة، وفیما نحن فیه لیس الامر کذلک، فانّ دلالة ذی القرینة وهی الآیة علی وجوب العمرة اقوی من دلالة القرینة وهو الحدیث المذکور علی نفی الوجوب.

واما قصور الشاهد سنداً فقد روی البیهقی الحدیث الأوّل باسناده عن الحجاج بن ارطأة عن محمّد بن المنکدر عن جابر ان النبی (صلّی الله علیه وآله وسلّم) سئل عن العمرة أواجبة؟ قال: " لا وان تعتمر خیر لک " قال البیهقی: کذا رواه الحجاج بن ارطأة مرفوعاً وقد اخبرنا ابو عبدالله الحافظ، ثم ذکر اسناده إلی یحیی بن ایوب قال: اخبرنی ابن جریح والحجاج بن ارطأة عن محمّد بن المنکدر عن جابر بن عبدالله رضی الله عنه انه سئل عن العمرة اواجبة فریضة کفریضة الحج؟ قال: لا وان تعتمر خیر لک - ثم قال البیهقی -: هذا وهو المحفوظ عن جابر موقوف غیر مرفوع وروی عن جابر مرفوعاً بخلاف ذلک، وکلاهما ضعیف.

وقد ذکر البیهقی طرق الروایة المذکورة کلّها وقد بیّن أنها جمیعاً بین منقطع وضعیف وموقوف٢۴ وقال النووی فی شرحه للمذهب: واما قول الترمذی: ان هذا حدیث حسن صحیح فغیر مقبول، ولا یغتر بکلام الترمذی فی هذا فقد اتفق الحفاظ علی انه حدیث ضعیف. ثم قال: ودلیل ضعفه ان مداره علی الحجاج بن ارطأة لا یعرف إلاّ من جهته، والترمذی انما رواه من جهته، والحجاج ضعیف ومدلس باتفاق الحفاظ، وقد قال فی حدیثه عن محمد بن المنکدر، والمدلس اذا قال فی روایته: عن، لا یحتج بها بلا خلاف. ثم قال: ولان جمهور العلماء علی تضعیف الحجاج بسبب آخر غیر التدلیس٢۵.

واما الحدیث الثانی فقد قال الشوکانی: وفی الباب عن ابی هریرة عند الدار قطنی وابن حزم والبیهقی ان رسول الله (صلّی الله علیه وآله وسلّم) قال: "الحج جهاد والعمرة تطوّع" واسناده ضعیف، وعن طلحة عند ابن ماجة باسناد ضعیف، وعن ابن عباس عند البیهقی قال الحافظ "ولا یصحّ من ذلک شیء" ٢۶.

وهذا سنشیر الی الاحادیث التی وردت من طرق الفریقین والتی تدلّ علی وجوب العمرة وفیها الحجّة الکافیة.

ومما یدل من الکتاب - ایضاً - علی وجوب العمرة قوله تعالی: ولله علی النّاس حجّ البیت من استطاع الیه سبیلاً فإنّ الحجّ معناه: قصد التوجّه إلی البیت بالاعمال المشروعیة - کما جاء فی اللغة٢٧ - وهو مطلق یشمل العمرة المصطلحة کما یشمل الحجّ المصطلح، ولا دلیل علی اختصاصه بالحجّ حسب المصطلح الفقهی المقابل للعمرة، خاصّة وأنّ لفظة الحج فی الآیة استعملت مضافة إلی البیت ولا شک انّ العمرة مشتملة علی حج البیت کما هو الحال فی الحجّ، ولو کانت لفظة الحج فی الآیة غیر مضافة لامکن دعوی انصرافها الی الحج المقابل للعمرة لکنّها لیست کذلک.

اضف إلی هذا ما ورد فی تفسیر الآیة بسند صحیح عن عمر بن أذینة قال: کتبت إلی أبی عبدالله (علیه السلام) بمسائل بعضها مع ابن بکیر وبعضها مع أبی العباس فجاء الجواب بإملائه: "سألت عن قول الله عزّ وجلّ: ولله علی النّاس حج البیت من استطاع إلیه سبیلاً یعنی به الحجّ والعمرة جمیعاً لأنهما مفروضان" ٢٨.

واما من السنة فما یدلّ علی وجوب العمرة کالحج احادیث کثیرة من طرق الفریقین، اما من طرقنا فقد سبقت الاشارة الی صحیحة عمر بن اُذینة عن الصادق، وروی ایضاً فی الصحیح عن الصادق (علیه السلام) انه قال: " العمرة واجبة علی الخلق بمنزلة الحجّ علی من استطاع لانّ الله عزّ وجلّ یقول: واتموا الحج والعمرة لله " ٢٩.

واما من طریق اهل السنة، فقد روی البیهقی باسناده عن یحیی بن یعمر عن ابن عمر قال سمعت عمر بن الخطاب یقول: بینما نحن جلوس عند رسول الله (صلْی الله علیه وآله وسلّم) اذ جاء رجل علیه سحناء سفر ولیس من اهل البلد - الی ان قال - فقال یا محمّد ما الاسلام؟ قال: " تشهد ان لا إله الاّ الله وأن محمّداً رسول الله وان تقیم الصلاة وتؤتی الزکاة وتحج البیت وتعتمر وتغتسل من الجنابة وتتم الوضوء وتصوم رمضان، قال: فإن قلت هذا فأنا مسلم؟ قال: صدقت " - قال البیهقی ورواه مسلم فی الصحیح عن حجاج ابن الشاعر عن یونس بن محمّد الا انه لم یسق متنه -٣٠.

ودلالته علی وجوب العمرة من جهة ان الظاهر من سؤال السائل أنّه أراد الوقوف علی ما یعتبر ویشترط فی صدق عنوان الاسلام فانّ السؤال ب‍- "ما" عن الشیء سؤال عن ماهیّة الشیء ومقتضی التطابق بین السؤال والجواب أن یتضمن الجواب کلما یعتبر فی ماهیّة الشیء المسؤول عنه، ومعنی اعتبار الشیء فی ماهیّة ما سئل عنه انتفاؤه بانتفائه، وحینئذٍ فالجواب یتضمّن أموراً ینتفی الإسلام بانتفائها، ومقتضی ذلک وجوب کل ما ذکر فی الجواب لکونه شرطاً معتبراً فی صدق الإسلام علی الفرد المسلم، إلاّ ما دلّ الدلیل الخارج علی عدم انتفاء الإسلام بانتفائه، أو علی عدم وجوبه.

واما سند الحدیث: فقد روی الدارقطنی هذا اللفظ الذی رواه البیهقی بحروفه ثم قال: هذا اسناد صحیح ثابت٣١.

وروی روی البیهقی ایضاً باسناده عن ابی رزین انه قال: یا رسول الله ان ابی شیخ کبیر لا یستطیع الحج والعمرة ولا الظّعن قال: "احجج عن ابیک واعتمر".

ثم قال البیهقی: اخبرنا ابو عبدالله الحافظ، ثنا علی بن حمشاذ، ثنا أحمد ابن سلمة، قال: سألت مسلم بن الحجّاج عن هذا الحدیث - یعنی حدیث ابی رزین هذا - فقال: سمعت احمد بن حنبل یقول: " لا اعلم فی ایجاب العمرة حدیثاً أجود من هذا ولا اصح منه " ٣٢.

وقال النووی بعد نقله لروایة البیهقی: "وحدیث ابی رزین هذا صحیح رواه أبو داوُد والترمذی والنسائی وابن ماجة وغیرهم بأسانید صحیحة، قال الترمذی: هو حدیث حسن صحیح" ٣٣.

ودلالة الحدیث علی وجوب العمرة لیست من جهة دلالة الامر بالعمرة علی الوجوب لیقال: " لا دلالة فیه علی وجوب العمرة لانه أمَر الولد إن یحج عن ابیه ویعتمر ولا یجبان علی الولد عن ابیه إجماعاً " ٣۴ بل من جهة ان الروایة تدل علی ان السائل انما یسأل عن وظیفة العاجز عن اداء تکلیفه الشرعی، فهو یفترض فی سؤاله سلفاً ان هناک واجباً شرعیاً قد توجّه الی ابیه وقد عجز عن أدائه، فماذا علیه بعد العجز عن اداء التکلیف؟ هل یسقط عنه التکلیف نهائیاً، او یسقط عنه شرط المباشرة فی الاداء فحسب، فعلیه إذاً ان یستنیب؟

فیجیبه الرسول الکریم (صلّی الله علیه وآله وسلّم) بأنّ العجز انما یوجب سقوط المباشرة فی اداء التکلیف ولا یوجب سقوط التکلیف رأساً، فلا بُدّ للعاجز من أن یستنیب، ولا یراد من توجیه الأمر إلی الولد بیان تعیّن النیابة فیه، بل انما هو بیان لاقرب مصادیق النیابة امکاناً والصقها بالواقع العملی والتحقق الخارجی، کما اذا دلّ الطبیب المریض علی اقرب الصیدلیّات وأسهلها فی الحصول علی الدّواء الناجع لبرئه عن علته.

فلو ان الحج والعمرة المفروضین فی سؤال السائل لم یکونا واجبین، لم یکن وجه للسؤال عن التکلیف فی صورة العجز عنهما لوضوح الحال حینئذٍ فانّ العمل المتطوّع به لا الزام فی الاتیان به فی حال السلامة والقدرة فکیف بحال العجز وعدم الاستطاعة! وهذا من واضحات الشریعة التی لا تخفی علی المتشرّعة عامّة ولیس من المحتمل خفاؤه علی المتشرّع العادی لیحتاج الی السؤال.

ولعل هذا هو الوجه فیما حکی عن احمد بن حنبل: " لا اعلم فی ایجاب العمرة حدیثاً أجود من هذا "، فإنّ تصریحاً کهذا لا یصدر عن فقیه مثل احمد إلاّ فیما لا مجال للتشکیک فی دلالة.

هذا ویذکر فی الباب احادیث اخری تدل علی وجوب العمرة فقد روی البیهقی باسناده عن ابی هریرة عن النبی (صلّی الله علیه وآله وسلّم) قال: "جهاد الکبیر والضعیف والمرأة: الحج والعمرة " ٣۵.

وروی ایضاً باسناده عن جابر ان رسول الله (صلّی الله علیه وآله وسلّم) قال: "الحج والعمرة فریضتان واجبتان" ٣۶.

وروی ایضاً ان الصبی بن معبد قال لعمر بن الخطاب: " انی وجدت الحج والعمرة مکتوبین علیّ فاهللت بهما، فقال: هدیت لسنة نبیک" ٣٧ قال ابن حجر: اخرجه ابو داوُد٣٨.

المسألة الثالثة: وجوب الحج والعمرة علی المستطیع فوری لا یجوز تأخیرهما عن عام الاستطاعة بغیر عذر، وقد اتفقت علی ذلک کلمة اصحابنا، قال العلامة فی تذکرة الفقهاء: "وجوب الحج والعمرة علی الفور، لا یحل للمکلف بهما تأخیره عند علمائنا أجمع" ٣٩.

وقال المحقق النجفی فی جواهر الکلام: "وتجب - أی حجة الإسلام - بعد فرض احراز الشرایط علی الفور، اتفاقاً محکیّاً عن الناصریّات والخلاف وشرح الجمل للقاضی، وفی التذکرة والمنتهی، ان لم یکن محصّلاً " ۴٠.

وقد ذهب الی الفور مالک، واحمد، وابو حنیفة، وبعض اصحاب الشافعی۴١، وابو یوسف. المزنی۴٢.

وذهب الی جواز التأخیر الشافعی، والاوزاعی، والثوری، محمّد بن الحسن، ونقله الماوردی عن ابن عباس وانس وجابر وعطاء وطاوُس۴٣.

ادلة القول بالفور: وقد استدل اصحابنا للفور بنوعین من الدلیل:

الأوّل: دلیل العقل " فان الواجب بعدما تحقق شرطه وکان المکلف واجداً لشرائط التکلیف، فلا بُدّ للمکلّف من تفریغ ذمته بالاتیان بما امر به لیأمن العقوبة من مغبّة العصیان، ولا عذر له فی التأخیر مع احتمال الفوت.

نعم، لو اطمأن بالبقاء وبالتمکّن من اتیان الواجب ولو فی آخر الوقت لا تجب المبادرة حینئذٍ، ولذا جاز تأخیر بعض الواجبات المؤقته کالصلاة عن اول وقتها، لاجل حصول الاطمئنان والوثوق بالبقاء والتمکن من الاتیان بالمأمور به ولو فی آخر الوقت، لکون الوقت قصیراً لا یحتمل التلف والفوت فی هذه المدّة غالباً، وهذا الاطمئنان والوثوق غیر حاصل فی الحج لان الفصل طویل والطوارئ والموانع کثیرة " ۴۴.

هذا تقریر الدلیل العقلی حسبما ذکره السید الخوئی رحمه الله - وفقاً لما جاء فی تقریر بحثه - ویرد علیه:

أوّلاً: ان المتنازع فیه هو الفوریة شرعاً، ولا تثبت بهذا البیان، واما الفوریّة عقلاً - فعلی تقدیر ثبوتها بهذا التقریب - غیر مختصة بفریضة الحجّ بل تعم الفرایض کلّها وهذا ما لم یلتزم به فقهاء المذهب.

وثانیاً: ان الفوریّة التی یثبتها هذا الدلیل العقلی انما هی فوریّة مقیّدة ولیست فوریّة مطلقة، أی انها فوریّة مقیدة بعدم الوثوق بالبقاء واستمرار القدرة علی الامتثال فی المستقبل، وهذه الفوریّة اخص من المدعی ولا تفی بالمطلوب، فان المطلوب اثبات الفوریّة مطلقاً حتی عند الوثوق بالبقاء واستمرار القدرة علی الامتثال.

وثالثاً: ان ما ذکره فی الدلیل من عدم الوثوق بالبقاء غالباً انما یصحّ فی حق الذین تقدمت بهم السنّ واشرفوا علی الشیخوخة او تلبّسوا بها، اما غیرهم وخاصّة الشباب واهل القوة والغضاضة فالغالب فیهم الوثوق بالبقاء واستمرار القدرة علی الامتثال لسنین عدیدة، إذاً فالغالب فی النّاس هو الوثوق بالبقاء فیبطل ما فرعه علی عدم الوثوق من الحکم العقلی بلزوم التعجیل فی الامتثال.

ورابعاً: ان الفوریّة بالمعنی المذکور لا تکون مخالفتها معصیة بل تجریّاً علی المعصیة فلا یترتب علی مخالفتها اثر خاص بناءً علی عدم العقاب علی التجرّی.

نعم، اذا ادّی التراخی فی الامتثال إلی الفوت ثبت استحقاق العقاب لوقوع المخالفة العملیة، ولکنه خارج عما نحن فیه.

الثانی: الاحادیث المرویّة عن المعصومین (علیهم السلام) وهی کما یلی:

الاول: ما رواه الشیخ الطوسی بسند صحیح عن ابی عبدالله (علیه السلام) قال: " قال الله تعالی: ولله علی النّاس حجّ البیت من استطاع إلیه سبیلاً قال: هذه لمن کان عنده مال وصحّة، "وان کان سوّفه للتجارة فلا یسعه، وان مات علی ذلک فقد ترک شریعة من شرایع الاسلام اذا هو یجد ما یحجّ به" ۴۵الحدیث.

ودلالة الحدیث علی وجوب الفور واضحة فان قوله (علیه السلام) : "وان کان سوّفه للتجارة فلا یسعه" یدلّ بوضوح علی حرمة التسویف، ولا خصوصیّة للتجارة قطعاً وانما ذکرت کمثال لما یدعو للتسویف فی الغالب مما لا یکون عذراً مانعاً عن اداء فریضة الحج.

الثانی: ما رواه الشیخ ایضاً بسند موثق عن ابی عبدالله (علیه السلام) ، قال: " اذا قدر الرجل علی ما یحجّ به، ثم دفع ذلک ولیس له شغل یعذره به فقد ترک شریعة من شرایع الإسلام " ۴۶.

وعبارة " ثم دفع ذلک " تشمل صورة التأخیر بعد الاستطاعة فتدل الروایة علی وجوب الفور فی اداء فریضة الحج.

الثالث: ما رواه الکلینی بسند موثق عن الحلبی عن ابی عبدالله (علیه السلام) ، قال: " قلت له: أرأیت الرجل التاجر ذا المال حین یسوف الحج کلّ عام ولیس یشغله عنه إلاّ التجارة أو الدین، فقال: لا عذر له یسوّف الحج، ان مات وقد ترک الحج فقد ترک شریعة من شرایع الإسلام " ۴٧.

فان قوله (علیه السلام) : " لا عذر له یسوّف الحج " یدل علی حرمة تسویف الحج وهو تأخیره.

وهناک روایات أخری فی هذا المضمار، وفیما ذکرناه الکفایة.

واما ما استدل به سایر الفقهاء علی وجوب الفور فی الحج فهو کما یلی:

١- قوله تعالی: واتموا الحج والعمرة لله وهذا أمر، والامر یقتضی الفور.

٢- حدیث مهران ابی صفوان عن ابن عباس، قال: قال رسول الله (صلّی الله علیه وآله وسلّم) : "من اراد الحج فلیتعجل" ۴٨ رواه أبو داوُد باسناده عن مهران، ورواه الدارمی فی سننه ایضاً ۴٩.

٣- حدیث سعید بن جبیر عن ابن عباس: ان رسول الله (صلّی الله علیه وآله وسلّم) قال: "عجلوا الخروج إلی مکّة، فان احدکم لا یدری ما یعرض له من مرض أو حاجة " ۵٠.

۴- حدیث ابی أمامة قال: قال رسول الله (صلّی الله علیه وآله وسلّم) "من لم یمنعه عن الحج حاجة ظاهرة، أو سلطان جائر، أو مرض حابس فمات ولم یحج، فلیمت ان شاءَ یهودیاً أو نصرانیاً " ۵١.

ورواه البیهقی فی سننه ثم قال: وهذا وان کان اسناده غیر قوی فله شاهد من قول عمر بن الخطاب، ثم روی عن عمر بن الخطاب انه قال: " لیمت یهودیاً أو نصرانیاً - یقولها ثلاث مرات - رجل مات ولم یحج وجد لذلک سعة وخلیت سبیله، الحدیث 52

۵- روی عن رسول الله (صلّی الله علیه وآله وسلّم) انه قال: "من کسر أو عرج فقد حل وعلیه الحج من قابل" ۵٣ وهو یدلّ علی الفور بوضوح والا لم یکن وجه لوجوب الحج علیه من قابل.

۶- روی عن الحسن قال: قال عمر بن الخطاب: " لقد هممت أن أبعث رجالاً إلی هذه الامطار فینظروا کل من کان له جدة ولم یحج فیضربوا علیهم الجزیة ما هم بمسلمین ما هم بمسلمین " ۵۴. ودلالته علی وجوب الحج بالفور عنده واضحة فلو لا وجوبه فوراً لم یکن وجه فی عدّهم غیر مسلمین فان صرف عدم الحج لمن کان له جدة لا یعد مخالفة للشرع علی القول بالتراخی فإن هناک سعة لاداء الواجب ما لم یدرکه الموت.

٧- انه کالصوم عبادة تجب الکفارة بإفسادها فوجبت علی الفور، کما وجب الصوم علی الفور ۵۵.

٨ - انه کالجهاد عبادة تتعلق بقطع مسافة بعیدة، فتجب علی الفور، کما وجب الجهاد فوراً ۵۶.

٩- انه اذا لزمه الحج وأخّره اما ان تقولوا: یموت عاصیاً، واما غیر عاص، فان قلتم: لیس بعاص خرج الحجّ عن کونه واجباً، وان قلتم: عاص، فاما ان تقولوا عصی بالموت أو بالتأخیر، ولا یجوز ان یعصی بالموت اذ لا صنع له فیه، فثبت انه بالتأخیر، فدل علی وجوبه علی الفور ۵٧.

وقد اعترض القائلون بالتراخی علی ما استدل به هؤلاء الفقهاء لوجوب الفور باعتراضات أهمّها کالتالی:

اما الأوّل: وهو الاستدلال بالآیة الکریمة بناءً علی دلالة الامر علی الفور فقد اعترض علیه أوّلاً: بانّا لا نقبل دلالة الامر علی الفور.

وثانیاً: بأنّه علی تقدیر دلالته علی الفور فإن هنا قرینة تصرفه الی الترخی وهی " أنّ الحج عبادة لا تنال إلاّ بشق الأنفس ولا یتأتّی الاقدام علیها بعینها بل یقتضی التشاغل بأسبابها والنظر فی الرفاق والطرق، وهذا مع بعد المسافة یقتضی مهلة فسیحة لا یمکن ضبطها بوقت، وهذا هو الحکمة فی اضافة الحج إلی العمر " ۵٨.

والجواب عنه: أن ما ذکر قرینة علی التراخی یفید عکس المدّعی فإنه علی الفور أدلّ منه علی التراخی، بل إنّه یدلّ علی الفور بالتعیین، فإنّ المراد بالفور أوّل عام الاستطاعة، والاستطاعة تتضمّن کلّ ما ذکر من المقدّمات التی یتوقف علیها الحج، فإذا کانت الاستطاعة وفق ما ذکر لا تحصل إلاّ بتهیّئ هذه المقدّمات الکثیرة، فاذا حصلت لزم العجیل فی أداء الواجب خوفاً من فوات الفرصة، وعروض ما یمنع أو زوال بعض المقدّمات التی لا تتوفر بسهولة. والحاصل أنّ المقدّمات التی یتوقف علیها أداء فریضة الحج إذا کانت من التعدّد وصعوبة الحصول بحیث لا تتوفر للکثیرین إلاّ مرة واحدة فی العمر ممّا اقتضی وجوب الحج مرة واحدة فی العمر - کما أشار المعترض فی کلامه - فإن هذا یقتضی لزوم اغتنام فرصة توفر المقدمات وحصول الأسباب وعدم جواز تفویت الفرصة وهذا یستلزم وجوب الفور، لا جواز التراخی.

ومن هنا یمکن أن یقال: إنه علی فرض التسلیم بعدم دلالة الأمر علی الفور لکن القرینة تقتضی دلالته علی الفور هنا، والقرینة ما ذکرناه.

أما الثانی: فقد اعترض علیه اولاً: " بأنّه ضعیف، وثانیاً: بأنّه حجّة للقائل بالتراخی، لانّه فوض فعله إلی إرادته واختیاره، ولو کان علی الفور لم یفوض تعجیله إلی اختیاره، وثالثاً: انه امر ندب جمعاً بین الأدلّة " ۵٩.

والجواب عن الأوّل: أنه علی فرض ضعفه یتأیّد بسائر الاحادیث الواردة فی هذا الباب، وبمجموعها تفید الاطمینان بصدور مضمونها عن النبی (صلّی الله علیه وآله وسلّم) .

وعن الثانی: أنّه لیس فی الحدیث تفویض الفعل إلی ارادة المکلّف لیکون حجّة للقائل بالتراخی، بل الحدیث یفترض إرادة الحج مفروغاً عنها ویثبت وجوب التعجیل لمن یحمل هذه الصفة وهی (إرادة الحج) ، وبما أنّ الامر بالتعجیل انما یناسب من اراد الحج الواجب، فانّ المتطوع بالحج لا یجب علیه اصل فعله، فکیف بالتعجیل فیه، فیکون معنی الحدیث، ان من توفرت فیه شرایط الحج الواجب فعزم علی أداء الفریضة فعلیه التعجیل فی الأداء، وهذا یعنی وجوب الفور بالحج.

وعن الثالث: ان الحمل علی الندّب انما یصحّ عند وجود القرینة علی خلاف الوجوب أو المعارض، وکلیهما منتفیان، فلا وجه للحمل علی الندب.

أما الثالث والرابع: فیعترض علیهما بضعف السند تارة واخری بأنّ المراد النهی عن تأخیر الحج الی حین الموت، ولا نزاع فی حرمته.

والجواب عن ضعف السند نفس ما اجبنا به عن الاعتراض بضعف السند علی الحدیث السابق، مع زیادة ان حدیث أبی امامة مروی بطرق متعدّدة یقوّی بعضها بععضاً، قال الشوکانی فی تعلیقه علی هذا الحدیث: وهذه الطریق یقوی بعضها بعضاً، وبذلک یتبین مجازقة ابن الجوزی فی عدّه لهذا الحدیث من الموضوعات، فان مجموع تلک الطرق لا یقصر من کون الحدیث حسناً لغیره، وهو محتج به عند الجمهور، ولا یقدح فی ذلک قول العقیلی والدارقطنی: " لا یصحّ فی الباب شیء، لأنّ نفی الصحّة لا یستلزم نفی الحسن " ۶٠.

وامّا عن الدّلالة، فدلالة حدیث ابن عبّاس علی الوجوب واضحة، فانّ فیها الامر بالتعجیل والامر یفید الوجوب، ولم یعلّق التعجیل فیه علی خوف عروض الموت، فیدّل علی وجوب الفور بالحج. واما الحدیث أبی

امامة فدلالته علی وجوب الفور من جهة الاطلاق فانه باطلاقه شامل لمن أخر الحج بغیر عذر - رغم استطاعته - مع عزمه علی الاتیان بالحج فی السنین المقبلة، فانه مشمول لقوله: من لم یمنعه عن الحج حاجة ظاهرة - الی قوله - فلیمت إن شاء یهودیاً أو نصرانیاً، فیکون دالاً علی عدم جواز التأخیر فی اداء فریضة الحج بغیر عذر.

واما الخامس والسادس: فقد یعترض علیهما بضعف السند أیضاً وجوابه نفس ما ذکرناه سابقاً، وبالمعارضة مع ما دلّ علی جواز التأخیر، وسوف نبیّن فیما یأتی عند البحث عن ادلة القائلین بالتراخی قصور ما ادّعی کونه معارضاً عن المعارضة.

واما السابع: فقد اعترض علیه بأنّ قیاس الحج بالصوم قیاس مع الفارق، فان الصوم وقته مضیّق فکان فعله مضیّقاً بخلاف الحج ۶١.

والجواب عنه: انه ان أرید من التضیق فی وقت الصوم أنّ له وقتاً معیّناً فالحجّ کذلک أیضاً، فلیست الاوقات سواءً بالنسبة إلی فعل الحج بل المتعیّن ایقاعه فی ایام خاصّة. وان أرید منه عدم جواز تأخیره فهذا عین المدّعی فی الحج، فنفیه عن الحجّ مصادرة للمطلوب.

واما الثامن: فقد فقد اعترض علیه أولاً: "بعدم التسلیم بوجوب الجهاد فوراً بل الفور والتراخی فیه موکول إلی ما یراه الامام بحسب المصلحة. وثانیاً: ان فی تأخیر الجهاد ضرراً علی المسلمین بخلاف الحج" ۶٢.

والجواب عن الأوّل من الاعتراضین:

أن الکلام مبنی علی القول بالفور فی الجهاد، اما علی تقدیر انکاره فی الجهاد فلا کلام. واما الجواب عن ثانی الاعتراضین، فبأنّ القائل بالفور فی فریضة الجهاد لا یری ذلک مختصاً بما اذا لزم الضرر من التأخیر، بل یری الفور حتی فی صورة القطع بعدم الضرر فی التأخیر، فیقاس به التکلیف بالحجّ.

واما التاسع: " فقد اعترض علیه بانا نختار انه اذا أخرّ حتی مات یکون عاصیاً، ولکن عصیانه من جهة تفریطه بالتأخیر إلی الموت، وانما جاز له التأخیر بشرط سلامة العاقبة کما اذا ضرب ولده او زوجته أو المعلم الصبی أو عزّر السلطان انساناً فمات، فانه یجب الضمان، لانه مشروط بسلامة العاقبة " ۶٣.

والجواب عنه: أنّ الفور لو لم یکن واجباً لم یکن وجه لعصیانه بالتأخیر حتی الموت، وسلامة العاقبة لیس تحت الاختیار لیعتبر شرطاً فی التکلیف، اما الضمان فإنّه حکم وضعی، ولا بأس بان یناط الحکم الوضعی بما لا یقع تحت الاختیار بخلاف الحکم التکلیفی المتنازع فیه.

أدلّة القول بالتراخی:

واحتجّ القائلون بالتراخی بعدّة أدلّة وهی:

أوّلاً: ان فریضة الحج نزلت سنة ست من الهجرة وقد حجّ النبی سنة عشر، وقد کان هو واصحابه موسرین بما غنموه من الغنائم الکثیرة ولا عذر لهم، فلم یکن تأخیره للحج إلاّ لبیان جواز التأخیر ۶۴.

اما ان فریضة الحج نزلت سنة ست فلحدیث کعب بن عجرة قال: "وقف علیّ رسول الله (صلّی الله علیه وآله وسلّم) بالحدیبیّة، ورأسی یتهافت قملاً، فقال: یؤذیک هوامّک؟ قلت: نعم، یا رسول الله. قال: فاحلق رأسک. قال: ففیّ نزلت هذه الآیة : فمن کان منکم مریضاً أو به أذیً من رأسه ففدیه. . الی آخرها وبذلک یثبت ان قوله تعالی: واتموا الحج والعمرة لله الی آخرها نزلت سنة ست من الهجرة " ۶۵.

ثانیاً: جاء فی حدیث انس عن رسول الله (صلّی الله علیه وآله وسلّم) حینما جاءه رجل من اهل البادیة فسأله قال: "یا محمّد اتانا رسولک فزعم لنا أنک تزعم أن الله أرسلک، قال: صدق، الی ان قال: وزعم رسولک ان علینا حج البیت من استطاع إلیه سبیلاً، قال: صدق" رواه مسلم فی صحیحه فی اوّل کتاب الایمان بهذه الحروف وروی البخاری أصله، وفی روایة البخاری "ان هذا الرجل ضمام بن ثعلبة، وقدوم ضمام بن ثعلبة علی النبی

 (صلّی الله علیه وآله ) کان سنة خمس من الهجرة، قاله محمّد بن حبیب وآخرون، وقال غیره: سنة سبع، وقال ابو عبید: سنة تسع " ۶۶.

وهذا الحدیث یدل ایضاً علی وجوب الحج قبل سنة عشر وقد اخر رسول الله الحج الی سنة عشر، فیدل علی جواز التأخیر وعدم وجوب الفور بالحج.

ثالثاً: جاء فی الاحادیث المستفیضة "ان رسول الله (صلّی الله علیه وآله وسلّم) امر فی حجَّة الوداع من لم یکن معه هدی، الاحرام بالحج، ویجعله عمرة " وهذا صریح فی جواز تأخیر الحج مع التمکّن ۶٧.

رابعاً: أن المکلّف إذا أخّر الحج - بعد الاستطاعة - من سنة الی سنة أو أکثر، ثم فعله، یسمی مؤدیاً للحج لا قاضیاًبإجماع المسلمین، ولو حرم التأخیر لکان قضاءً لا أداءً ۶٨.

خامساً: اذا تمکن المکلّف من الحج وأخره ثم فعله، لا ترد شهادته فیما بین تأخیره وفعله بالاتفاق، ولو حرم لردت لارتکابه المسیء۶٩.

وکل هذه الادلّة التی تمسّک بها القائلون بالتراخی علیلة والتوضیح کالتالی:

أمّا الدلیل الأوّل، فالجواب عنه بوجهین:

الأول: انه لم یثبت عندنا نزول فریضة الحج سنة ست، وقد روی أنها نزلت سنة عشر فلم یتخلّل بینها وبین حجّ رسول الله (صلّی الله علیه وآله وسلّم) زمان تفوت معه الفوریَّة.

واما حدیث کعب بن عجرة فلا دلالة فیه علی زمان النزول، وانّما الذی دل علیه الحدیث قول کعب ان الآیة نزلت فیه، ویمکن ان یرید بذلک أنّ الآیة حینما نزلت - وان کان نزولها متأخراً عن الحدیبیّة بسنین - نزلت فیه وفی امثاله ممّن یصابون بالعذر الذی أصیب به. وبعبارة اخری ان الظّرف لا یدلّ علی خصوص الظرفیّة الزمانیّة بل یصحّ ان یراد به الظرفیّة الموردیّة، بل لعل الظرف بمعنی المورد هو الظاهر فی اکثر الروایات التی تحکی شأن النزول، وان کانت الظرفیّة الموردیة کثیراً ما تقترن بالظرفیّة الزمانیّة لکن لا ملازمة بینهما.

الثانی: سلّمنا نزوول اصل فریضة الحجّ قبل عام حجّة الوداع بسنة أو سنین، لکن تشریع اصل فریضة الحج لا یعنی وجوبها الفعلی علی المسلمین.

بل یتوقف وجوبها الفعلی علی تشریع تفاصیل مناسکه واجزائه وأرکانه، ولم یکن یمکن الاکتفاء فی بیان تفاصیل مناسک الحجّ بتفسیرها النظری، لکثرة مناسکه ودقّة أحکامه وکثرة فروعه وأهمیّة الآثار المترتبة علیه بل کان من الضروری فی تشریع تفاصیل مناسک الحج وتعلیمها للمسلمین أن یقوم رسول الله (صلّی الله علیه وآله وسلّم) ، بتفسیر الحج تفسیراً عملیاً تطبیقیّاً، وذلک بأنْ یحجّ بنفسه صلوات الله علیه وآله ومعه المسلمون عامّة لیتعلموا احکام الحج وفروعه الدقیقة الکثیرة من خلال المشاهدة العملیة والمعایشة المیدانیة.

وهذا ما قام به رسول الله (صلّی الله علیه وآله وسلّم) فی حجّة الوداع، ولم یکن من الممکن القیام بهذا الحج التشریعی قبل التطهیر البیت والبقاع التی یراد اقامة الحج فیها لله من رجس وجود المشرکین، ولم یطهر البیت والبقاع المبارکة الا فی سنة تسع عندما نزلت آیة البراءة.

فقد روی الشعبی عن محرز بن أبی هریرة عن ابی هریرة قال: کنت انادی مع علی (علیه السلام) حین اذن المشرکین، فکان اذا صحل صوته فیما ینادی دعوت مکانه قال: فقلت یا أبت أیّ شیء کنتم تقولون؟ قال: کنا نقول: لایحج بعد عامنا هذا مشرک ولا یطوفن بالبیت عریان، ولا یدخل البیت إلاّ مؤمن، ومن کانت بینه وبین

رسول الله (صلّی الله علیه وآله وسلّم) مدة فان أجله إلی اربعة أشهر، فاذا انقضت الاربعة أشهر فان الله بریء من المشرکین ورسولُه ٧٠.

ورواه مع شیء من الاختلاف الدارمی فی سننه ٧١.

وقد جاء فی الکتاب العزیز قوله تعالی مخاطباً إبراهیم وولده اسماعیل أن طهّرا بیتی للطائفین والعاکفین والرّکع السجود ٧٢. ممّا یؤید أنّ الحج الکامل متوقف علی طهارة بیت الله من کل ما یدنس طهارته، والمشرکون نجس حسبما ورد فی الکتاب العزیز فهم ممّا یجب تطهیر بیت الله سبحانه منهم، مقدّمة لطواف الطائفین وصلاة المصلّین.

اذاً فقد حجّ رسول الله فی أول سنة تمکن فیها من الحج من غیر تأخیر، ولیس فی حجّه (صلّی الله علیه وآله وسلّم) ما یقوم حجة للقول بالتراخی.

واما الدلیل الثانی:

فالجواب عنه: أولاً: أنه لم یثبت کون قدوم ضمام بن ثعلبة علی النبیّ (صلّی الله علیه وآله وسلّم) سنة خمس أو سبع، بل قیل: إنه کان سنة تسع، وقد حجّ رسول الله سنة عشر فلم یثبت تأخر حجّ رسول الله عن أوّل عام الاستطاعة بعد التشریع.

وثانیاً: ما ذکرناه فی وجه الثانی من الجواب علی الدلیل الأوّل یرد فی الجواب علی هذا الوجه ایضاً.

واما الدلیل الثالث:

فجوابه واضح، فانّ امر رسول الله من لم یکن معه هدی ان یجعل حجّه عمرة لا دلالة فیه علی جواز تأخیر الحج فضلاً عن صراحته فی ذلک، بل الوجه فی امر رسول الله - کما یبدو من ظاهر الحدیث - فقدان من لم یکن معه هدی لشرط الاستطاعة.

واما الدلیل الرابع:

فالجواب عنه: ان الوجه فی تسمیة من اخّر الحج عن عام الاستطاعة ثم حج بعد ذلک مؤدیاً للحجّ، أنّ الحج فیما بعد عام الاستطاعة اداء لفریضة الحج فی وقتها بعد فوات الوقت الأول فانّ الواجب هو اداء الحجّ فی العام الأوّل من الاستطاعة فان عصی وجب علیه اداؤه فی العام الثانی وإلاّ ففی الثالث وهکذا، ولیس ذلک من باب القضاء لان معنی فوریّة الوجوب انحلال الواجب إلی عنصرین تعلّق بهما الأمر: الأول: ذات الواجب ووقته مدی العمر، والثانی: ایقاعه فی الزمن الأوّل بعد الاستطاعة، وهذا الثانی ینطبق علی کل عام أوّل بعد تعلّق التکلیف وقبل الامتثال، فما لم یمتثل یبقی وجوب ایقاع الفریضة فی أوّل عام باقیاً متوجهاً إلیه، فإذا أدّی الفریضة سقط الوجوب بکلا عنصریه لتحقق المطلوب.

وأمّا الدلیل الخامس:

انّ الفرض المذکور فی الدلیل یتضمّن افتراض العزم علی الاداء فی المستقبل، وفی هذا الفرض وان کان التأخیر اثماً یعاقب علیه لو لم یجبر بالتوبة، ولکن لیس کل اثم یوجب ردّ شهادة مرتکبة، فلا یتوقف قبول الشهادة علی عدم ارتکاب الاثم مطلقاً، وانّما الاثم المانع عن قبول الشهادة هو الاثم المقترن بالاصرار أو ما یعدّ کبیرة موبقة وعد علیها بالنّار أو غیر ذلک من القیود المعتبرة فی الاثم الموجب لردّ الشهادة.

وقد تحصل من مجموع ما ذکرناه ان الحق کون الحج واجباً فوریّاً یأثم من توفرت فیه شرایط الوجوب بتأخیره عن اول عام الاستطاعة بغیر عذر.

الهوامش:

(١) آل عمران: ٩٧.

(٢) راجع وسائل الشیعة ابواب مقدمة العبادات باب ١، وصحیح مسلم باب قول النبی بنی الاسلام علی خمس ٣۴:١.

(٣) جواهر الکلام ٢٢٠:١٧.

(۴) المغنی ٢١٧:٣.

(۵) علل الشرائع: ۴٠۵.

(۶) العلل: ۴٠۵.

(٧) الوسائل ٨: ابواب وجوب الحج، الباب ٣، الحدیث ١.

(٨) نفس المصدر، الحدیث٢.

(٩) نفس المصدر، الحدیث٣.

(١٠) نفس المصدر، الباب ۴، الحدیث١.

(١١) نفس المصدر، والباب ١، الحدیث٢.

(١٢) الوسائل، ابواب وجوب الحج، الباب ۵، الحدیث١.

(١٣) نفس المصدر، والباب الحدیث٢.

(١۴) الجواهر ٢٢٢:١٧ - ٢٢٣.

(١۵) صحیح مسلم ١٠٢:۴، باب فرض الحج مرة فی العمر.

(١۶) المعتمد فی شرح المناسک ١٩٨:٣.

(١٧) تذکرة الفقهاء للحلی ٢٩۶:١، ط حجریة.

(١٨) شرح المذهب للنووی ١٢:٧.

(١٩) المغنی لابن قدامة المقدسی ٢٢٣:٣.

(٢٠) تذکرة الفقهاء للحلی ٢٩۶:١، ط حجریة.

(٢١) البقرة: ١٩۶.

(٢٢) الوسائل ٣:٨، ابواب وجوب الحج، الباب ١، الحدیث٢.

(٢٣) تفسیر الکشاف ٣۴٣:١.

(٢۴) السنن الکبری للبیهقی ۴، باب من قال ان العمرة تطوع: ٣۴٨.

(٢۵) المجموع فی شرح المذهب ١٠:٧.

(٢۶) نیل الاوطار للشوکانی ٢٨١:۴.

(٢٧) راجع: لسان العرب، مادة حجج.

(٢٨) الوسائل ٣:٨، ابواب وجوب الحج، الباب ١، الحدیث٢.

(٢٩) نفس المصدر، الحدیث۵.

(٣٠) السنن الکبری - للبیهقی ٣۴٩:۴.

Top of Form

۵۵(٣١) شرح المذهب للنووی ٩:٧.

(٣٢) السنن الکبری ٣۵٠:۴.

(٣٣) شرح المذهب ٩:٧.

(٣۴) الجوهر النقی، لابن الترکانی، ذیل سنن البیهقی ٣۵٠:٧.

(٣۵) السنن الکبری ٣۵٠:۴.

(٣۶) نفس المصدر ٣۵٠:۴.

(٣٧) نفس المصدر ٣۵١:۴.

(٣٨) فتح الباری ۵٩٧:٣.

(٣٩) تذکرة الفقهاء ٢٩۶:١، ط حجریة.

(۴٠) جواهر الکلام ٢٢٣:١٧.

(۴١) نیل الاوطار ٢٨۵:۴.

(۴٢) شرح المذهب ٨۶:٧.

(۴٣) نفس المصدر ٨۶:٧.

(۴۴) المعتمد فی شرح المناسک ١٢:٣.

(۴۵) الوسائل ١۶:٨، ابواب وجوب الحج، الباب ۶، الحدیث١.

(۴۶) الوسائل ١٧:٨، ابواب وجوب الحج، الباب ۶، الحدیث٣.

(۴٧) نفس المصدر، الحدیث۴.

(۴٨) السنن الکبری للبیهقی ٣۴٠:۴.

(۴٩) سنن الدارمی ٢٨:٢.

(۵٠) السنن الکبری للبیهقی ٣۴٠:۴.

(۵١) سنن الدارمی ٢٨:٢، والبیهقی فی سننه ٣٣۴:۴.

(۵٢) سنن البیهقی ٣٣۴:۴.

(۵٣) نیل الاوطار ٢٨۴:۴.

(۵۴) نفس المصدر.

(۵۵) شرح المذهب ٨٧:٧.

(۵۶) نفس المصدر.

(۵٧) نفس المصدر.

(۵٨) نفس المصدر: ٩٠.

(۵٩) شرح المذهب ٩١:٧.

(۶٠) نیل الاوطار للشوکانی ٢٨۵:۴.

(۶١) شرح المذهب ٩١:٧.

Top of Form

۵۶(۶٢) نفس المصدر.

(۶٣) شرح المذهب ٩٢:٧.

(۶۴) نفس المصدر: ٨٨.

(۶۵) نفس المصدر: ٨٨.

(۶۶) شرح المذهب ٨٩:٧.

(۶٧) نفس المصدر.

(۶٨) نفس المصدر.

(۶٩) نفس المصدر.

(٧٠) مجمع البیان للطبرسی ٣:۵.

(٧١) سنن الدارمی ۶٨:٢.

(٧٢) البقرة: ١٢۵.

تعدّ البقاع و الآثار الدينيّة تجسيداً للتاريخ الإسلامي، و معلماً من معالم تطوّر الحضارة الإسلاميّة. و تعكس هذه الأماكن و الآثار مسيرة تطوّر فنون العمارة و الخطّ و الزخرفة و غيرها من الفنون الإسلاميّة على مدى التاريخ، ممّا يؤهّلها لتلعب دورها باعتبارها أفضل مراكز الجذب السياحي الثقافي، إضافةً إلى ما تلعبه من دورٍ في انتقال الثقافة الإسلاميّة الغنيّة إلى الأجيال القادمة من المسلمين، و ما تساهم به من تقديم العبر و الدروس العميقة المستقاة من حياة الرسول الأكرم& و مسلمي صدر الإسلام. من هنا يمكن القول إنّ المحافظة على هذه الأماكن أينما كانت في أرجاء العالم إنّما هي محافظة على الأصالة و الهويّة الإسلاميّة و الحضارة الدينيّة.

المؤلف : قادر سعادتي* ترجمة: محمّد حسين حكمت

 

مقدّمة:

 لمّا كان عصرنا الحاضر يشهد حضور بعض الفِرَق الساعية إلى هدم الآثار و المواقع الإسلاميّة، منطلقةً من تبريرات واهية لا تصمد أمام ما تمثّله هذه الأماكن و الآثار من تجسيدٍ لحضارة و أصالة و تاريخ كامل الأُمّة الإسلاميّة، و تجلٍّ لجانبٍ مهمّ من ثقافة و علوم المسلمين و فنونهم المختلفة في هذه الأماكن و الآثار، ممّا يفرض على الجميع المساهمة في توضيح الحقائق و لفت الأنظار إلى مختلف جوانب هذه المسألة.

 و هذه المقالة تشير إلى بعض تأثيرات هذه الآثار في الحضارة الإسلاميّة.

 

مسائل عامّة و إيضاح بعض المفاهيم

البقاع و الآثار الدينيّة:

 إنّ المقصود من البقاع و الآثار الدينيّة في هذه المقالة هو كلّ مكانٍ له علاقة بدين المسلمين و تعاليمهم و تاريخهم، مثل المساجد و المزارات و بيوت الأنبياء و الأئمّة7 و الصحابة، و الأماكن التي يُذكر فيها اسم اللّه‏، إضافةً إلى الآثار التي خلّفها أعاظم الدين، كالعصيّ و السيوف و الكتب الباقية منذ عصر صدر الإسلام.

معنى الحضارة:

 الحضارة في اللغة تعني المدنيّة أي استيطان المدن و الأُنس بها[2]. أمّا في اصطلاح علم الاجتماع فهناك العديد من التعاريف لها.

 و قد عرّف ويل ديورانت الحضارة بقوله: «إنّ الحضارة بشكلها العامّ عبارة عن نظام اجتماعي من ثماره تمهيد السبيل أمام الإبداع الثقافي و حصوله. و تقوم الحضارة على أربعة أركان و عناصر أساسيّة، هي: التنبّؤات و الاحتياط في الأُمور الاقتصاديّة، التنظيم السياسي، و الأعراف الأخلاقيّة، و السعي لنيل المعرفة و نشر الفنون»[3].

 

 أمّا المفكّر الإسلاميّ الكبير ابن خلدون فقد اعتبر الاجتماع و التعاون و وجود الدولة و القانون و النظام من أركان الحضارة المهمّة[4].

 و قال بعض آخر: «إنّ الحضارة هي ثمرة الازدهار الثقافي و مقبوليّة النظام الاجتماعي، أي الخروج من مرحلة البداوة و الدخول في مسيرة تأطير العلاقات الاجتماعيّة»[5].

علاقة الدين بالحضارة:

 تكرّرت مفردة (مدينة) في القرآن أربعة عشر مرّة، مقترنةً بـ أل التعريف أي بصيغة (المدينة). أمّا (قرية) فقد تكرّرت ستّين مرّة، بأشكالٍ مختلفة من تعريفٍ و تنكير و إفرادٍ و تثنيةٍ و جمع. و جميع المستوطنات على وجه البسيطة ـ كبيرها و صغيرها ـ هي (قرية) بالاصطلاح القرآني، عدا تلك التي تضمّ بين جنباتها أفراداً صالحين و مؤمنين.

 و لا تعني المدنيّة ـ بمقتضى الفطرة التوحيديّة ـ الحياة في المدن في قبال الحياة في القرى؛ لأنّ الإنسان المادّي حتّى لو سكن المدن يظلّ محروماً من الحضارة و المدنيّة الحقيقيّة، مثلما أنّ الإنسان الإلهي حتّى لو سكن في القرية فهو في الحقيقة يرتوي من مدنيّة الفطرة الأصيلة[6].

 و يرى العلماء و المفكّرون الغربيّون أيضاً أنّ تأثير أنبياء اللّه‏ و الأديان السماويّة في حصول التمّدن البشري هو من الأُمور القطعيّة غير القابلة للإنكار.

 و يشترك ويل ديورانت، توينبي، سمز كلير، گوستاف لوبون، كريشنان و العديد من علماء الاجتماع الغربيّين الكبار في اعتقادهم أنّ أنبياء اللّه‏ كان لهم الدور الأوّل بين بني البشر في ريادة التمدّن البشري[7]، كما أنّ الدين هو العامل الأوّل في تأسيس الأنظمة الحضاريّة[8].

 أمّا كريشنان فيعتبر الدين أساس الحضارة و جوهرها، و هو بمثابة الروح بالنسبة لجسم المؤسّسة الاجتماعيّة؛ فكما أنّ الروح هي الباعثة لحياة الجسم و بقائه، فكذلك الدين هو أساس الحياة و مرتكز مدنيّتها[9].

 و يعتبر ويل ديورانت أنّ أرقى المنظّمات نظماً و أكفأ التشكيلات و المؤسّسات مدينةٌ في وجودها و رقيّها إلى الدين[10].

 إذن، فالدين و ما يستتبعه من علومٍ و تعاليم و طقوس دينيّة، و أماكن و مواقع دينيّة لها دورها المؤثّر و الفريد في تطوّر الحضارة البشريّة.

 

وجوب صيانة الآثار و المواقع التاريخيّة من منظار القرآن:

 يظهر من التأمّل في القرآن الكريم أنّ الأُمم السالفة كانت تهتمّ بحفظ و صيانة آثار أنبيائها و التبرّك بها. و مثال ذلك التابوت الذي كان يحتوي على مواريث عائلة موسى و هارون، و كان بنو إسرائيل يحملونه معهم في حروبهم تبرّكاً و طلباً للنصر على أعدائهم، كما قال اللّه‏ تعالى في محكم كتابه:

﴿وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أنْ يَأتِيَكُمْ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَبَقِيَّةٌ مِمَّا تَرَكَ آلُ مُوسَى وَآلُ هَارُونَ﴾[11].

 قال المفسّرون: إنّ الذي كان في التابوت هو عصا موسى و ألواحه و عمامة هارون و قباءه[12].

 و يظهر من ذكر اللّه‏ تعالى هذه المسألة تأييده لحفظ و صيانة آثار موسى و هارون6؛ و من المعلوم أنّ المحافظة على آثار رسول الإسلام& أجلّ شأناً و أسمى من ذلك.

 و قد أشار اللّه‏ تعالى أيضاً في آية

﴿فِي بُيُوتٍ أذِنَ اللّه‏ُ أنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ﴾[13]

إلى بيوتٍ ذكر أ نّها تختلف عن البيوت الأُخرى، و صرّح بسموّ مقام هذه البيوت. و ذكر المفسّرون في ذيل هذه الآية أنّ رسول اللّه‏& لمّا تلا هذه الآية في المسجد قام إليه أحد الرجال فقال: «أيّ بيوتٍ هذه يا رسول اللّه‏؟»، فقال الرسول الأكرم& «بيوت الأنبياء»، فقام أبو بكر و أشار إلى بيت عليّ و الزهراء6 قائلاً: «هذا البيت منها ؟» أي من هذه البيوت التي أذن اللّه‏ بسموّها و إعطائها تلك المنزلة الرفيعة، فأجابه&: «نعم، بل من أفاضلها»[14].

 و كذلك الحال مع آية

﴿قُلْ سِيرُوا فِي الأرْضِ ثُمَّ انظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ المُكَذِّبِينَ﴾[15]

و غيرها من الآيات الأُخرى التي تشير إلى أهمّيّة المحافظة على آثار الماضين و النظر إليها، و أنّ مشاهدة تلك الآثار تساهم في انكشاف الحقائق أمام الإنسان.

 و هذه الآيات تشير إلى أنّ آثار و مساكن الأنبياء و الصالحين لها منزلة و مكانة خاصّة، و من الواضح أنّ هذه المنزلة ليست من جهة الجانب المادّي و الأحجار و الأثاث و المظاهر، بل إنّ هذه القيمة ناتجة من سكن الأفراد العظماء فيها.

 

سيرة المسلمين في المحافظة على الآثار الدينيّة:

 اعتاد الناس منذ عصر حياة الرسول& على المحافظة على آثاره و التبرّك بها. و من ذلك طلب (عتبان بن مالك) من رسول اللّه‏& أن يصلّي في بيته كي يجعل من مكان صلاة الرسول مصلّىً له؛ فلبّى الرسول& طلبه ذاك[16].

 و تشير هذه الواقعة إلى أنّه حتى مكان صلاة الرسول& لا يخلو من الأهمّيّة و الفضيلة، بحيث إنّ الصلاة فيه تعدّ أفضل من الصلاة في ما عداه من الأماكن، و أنّ هذه الفضيلة باقية ما بقي ذلك المكان.

 و بعد رحلته& أيضاً كان الصحابة يبذلون جهدهم في الحفاظ على آثاره، من لباسٍ[17]، و خواتيم[18]، و أدوات حربيّة[19]، بل حتّى الواحدة من شَعره[20].

 كما لم يغفل الصحابة عن الأمكنة التي كان الرسول& يتواجد فيها، بل أولوها اهتماماً متميّزاً. و قد اشتهر بين الصحابة (ابن عمر) بتتبّع تلك الآثار و الاهتمام بها و صيانتها.

 و يقول ابن تيمية أنّ الإمام أحمد قد سئل عن حكم الشخص الذي يذهب إلى تلك المواقع؟ و أ نّه أجاب أنّ (ابن عمر) كان يتتبّع الأمكنة التي يمرّ بها الرسول&، و كان يسير في نفس الطرق التي سار فيها رسول اللّه‏&، حتّى و إن كان الرسول قد سلك هذا الطريق عابراً و اتفاقاً.

 و ينقل البخاري في صحيحه عن موسى بن عقبة أنّه قال:

رأيت سالم بن عبد اللّه‏ و هو يبحث عن أماكن معيّنة في الطرق التي يسير فيها، ثمّ يصلّي فيها و يقول: إنّ أبي كان يصلّي في هذه الأماكن، و قد رأى رسول اللّه‏& يصلّي في تلك الأمكنة. ثمّ يقول موسى إنّ (ابن عمر) كان يصلّي في تلك الأماكن أيضاً[21].

 

 

 إنّ السياحة و التجوال في البلدان التي تحتضن قبور الأنبياء و الأولياء تشير إلى الاهتمام ‏الكبير لأتباع الأنبياء بحفظ قبورهم و تشييد الأبنية الضخمة عليها.

 كما يلاحظ عدم قيام الجيش الإسلامي بتخريب تلك القبور عند فتح الشام، بل أقرّ مَن كانوا يتولّون خدمتها في وظائفهم السابقة. و هكذا بقيت هذه الأبنية شاخصة حتّى هذا اليوم، تجذب إليها قلوب المسلمين، بل قلوب جميع موحّدي العالم.

 و لو كان في البناء على قبور الأنبياء و الأولياء ما يدلّ على معنىً من معاني الشرك؛ لكان على الفاتحين القيام بتخريب و هدم تلك الأبنية، خصوصاً أ نّهم كانوا يستمدّون سلطاتهم من الخلفاء.

 و تحفل الكتب التاريخيّة و الرحلات بما يدلّ على وجود المئات من المراقد و الأبنية الفخمة في بلاد الوحي و في بقيّة البلدان الإسلاميّة الأُخرى.

 و بيّن الرحّالة المعروف ابن جبير الأندلسي (أواخر القرن 6) في رحلاته مراقد الأنبياء و الصالحين و أئمّة أهل البيت7 في مصر و مكّة و المدينة و العراق و الشام بالتفصيل[22].

 و كلّ ذلك يؤكّد اهتمام المسلمين ـ شيعةً و سنّة ـ بصيانة الأماكن و الآثار الباقية منذ عصر صدر الإسلام.

 

مقوّمات الحضارة:

 يمكن القول ـ استناداً إلى التعاريف التي ذكرها العلماء للحضارة و معاييرها و عناصرها ـ إنّ الحضارة هي حصيلة مجموعة التجارب البشريّة المكتسبة على مدى التاريخ، و التي تتألّف من عناصر مختلفة، و تساهم عوامل عديدة في ترسيخها و ازدهارها. و هناك عدّة أركان و مميّزات مهمّة لأيّ حضارة، هي: وجود النظام الاجتماعي في المجتمعات البشريّة، و وجود المنظّمات السياسيّة و الاقتصاديّة الكفيلة بتأمين الأمن و الازدهار للمجتمع، و التطوّر العلمي، و تديّن المجتمع و إيمانه باللّه‏، و وجود القِيَم الأخلاقيّة و العدالة الاجتماعيّة، و الفنّ، و التعاون، و الحرّيّة.

 إنّ كلّ واحدٍ من الأماكن الدينيّة يعكس جانباً من جوانب الحضارة الإسلاميّة، فبعضها يعكس وجود المؤسّسات السياسيّة و الاقتصاديّة في صدر الإسلام، و بعضها يعكس غنى الإسلام و عدالته و حاكميّة الأخلاق في المجتمع الإسلامي، و بعضها يوجّه الأذهان نحو عقائد المجتمعات الإسلاميّة و عقلانيّتها، و بعضها يدلّ على تطوّر الفنون البشريّة و تداخلها مع القيم المعنويّة و الإيمانيّة باللّه‏.

 و في ما يلي من أقسام المقالة سنتحدّث بالتفصيل عن هذه النقاط.

 

علاقة الآثار و الأماكن بالحضارة الإسلاميّة

 إنّ من الأُمور التي تشير إلى أصالة و تمدّن أيّ مجتمعٍ من المجتمعات هي المواقع و الآثار الباقية من حضارة ذلك المجتمع.

 و هذه الآثار يمكن لها أن تكون مرآةً تعكس عمق و أصالة الحضارة التي تمثّلها من عدّة جهات.

 

 و هنا نشير إلى بعض تلك الجهات:

1 ـ الأماكن الدينيّة و التعبير عن التاريخ الإسلامي:

 تمثّل الآثار التي خلّفتها العصور القديمة و المنتشرة في أصقاع الأرض المختلفة شواهد حيّة تنطق بتاريخ هذه المناطق، و طالما استفاد الإنسان منها في معرفة ذلك التاريخ أكثر من استفادته من التاريخ المدوّن. إنّ تلك الآثار الباقية من العصور الماضية تنقل لنا أشكالاً و صوراً و رسوماً تعبّر عن روح و أعماق و تفكير شعوبها مثلما تعبّر عن قوّتها و عظمتها و ضعفها، في حين لا يعكس التاريخ المكتوب إلاّ الحوادث الواقعة و لا ينقل إلاّ صوراً جامدةً لا حياة فيها.

 إنّ كلّ واحدٍ من خرائب قصور الظلمة و الأبنية العملاقة لأهرام مصر و برج بابل و قصور كسرى و آثار حضارة سبأ و المئات غيرها من أمثالها المتناثرة في أرجاء المعمورة رغم السكون المخيّم عليها إلاّ أ نّها تنطق بألف لسان و تخاطب مشاهديها بأفصح العبارات[23]، و تعبّر عن الوقائع التاريخيّة التي أوجدتها.

 و من هنا كان تأكيد القرآن على دعوته للناس أن يسيروا في المناطق التي كانت تسكنها الأقوام السابقة التي خضعت للامتحانات الإلهيّة، و أن يتفكّروا في خرائبهم و آثارهم التي خلّفوها، نظراً لما في ذلك من الأهمّيّة الفائقة التي يمثّلها انعكاس واقع تلك الأقوام في تلك الآثار.

 إنّ الاهتمام بتاريخ الماضين و صيانة تراث الأجداد الثقافي يعدّ واحداً من علامات التمدّن و التحضّر لدى أيّ مجتمعٍ من المجتمعات، حتّى صارت المجتمعات لا تسمح بضياع أيّ أثرٍ من آثار حضارتها مهما كان صغيراً.

 و الحضارة الإسلاميّة هي الحضارة الوحيدة التي سبقت عصرها، و التي بناها المسلمون في ظلال تعاليمهم السماويّة. و قد وصل تطوّر هذه الحضارة أوج ازدهاره في القرنين الرابع و الخامس الهجريّين، حتّى أقرّ الباحثون الغربيّون بتأثير هذه الحضارة على أوربا و نفوذها إليها عن طريق الأندلس و الحروب الصليبيّة، و صارت من أهمّ أسباب ازدهار و نهضة الغرب في القرون الأخيرة.

 إنّ الآثار و الأبنية ذات الصلة بشخص الرسول& و أصحابه الأوفياء تمثّل جزءاً من الإرث المشترك لهذه الحضارة العظيمة، و القيام بتخريب و هدم هذه الآثار يدلّ على مدى الانحطاط الفكري و الاستهانة بصنّاع التاريخ و بناة الحضارة، بل ـ و هو الأهمّ ـ سبباً في اضمحلال الحوافز الفكريّة و العقائديّة و قتلاً لروح الإبداع في أفراد المجتمع البشري[24].

 

 و لو زالت آثار التاريخ الإسلامي و الأماكن المعبّرة عن تاريخ الإسلام و حضارته فلربما أدّى ذلك إلى نسيان بعض الوقائع و الأحداث الحاصلة في التاريخ الإسلامي، فتكون النتيجة إنكار البعض لوقوعها أصلاً.

 و قد حصل مثل هذا في قوم سبأ إذ أنكر الناس ما حصل لهم حتّى كشف العلماء أخيراً عن آثارهم التي خلّفوها فنطقت بما جرى[25].

 و في فترة من الفترات شكّك البعض بوجود السيّد المسيح4 لعدم وجود ما يدلّ عليه من الآثار. و قد ذكر المؤرّخ الأمريكي ويل ديورانت في كتابه «تاريخ الحضارة» تفاصيل ذلك التشكيك بالسيّد المسيح4 الذي استمرّ حوالي المائتي عام.

 هذا في الوقت الذي نفتخر فيه نحن المسلمون و نتباهى على غيرنا طوال التاريخ بوجود العظماء في أُمّتنا من الذين لا زالت قبورهم معلومةً شاخصةً لنا رغم مضيّ القرون المتمادية[26]، و وجود بعض آثارهم بين ظهرانينا.

 و بعبارةٍ أُخرى؛ يمكن القول إنّ الأماكن و الآثار الإسلاميّة ما هي إلاّ (التاريخ المجسّم للإسلام)، فكلّ واحدٍ من تلك الأماكن يعيد إلى الأذهان إحدى الحقائق التاريخيّة للمسلمين، من أمثال: مسجد قبا، و مسجد ذو القبلتين، و مسجد المباهلة، و أعمدة المسجد النبوي، و أماكن غزوات الرسول&، و مقابر شهداء الإسلام، و بيوت النبيّ&، و القبور الموجودة في مقبرة البقيع، و موقع شهداء معركة فخ، و بستان فدك، و سقيفة بني ساعدة، و غير ذلك من المساجد المعروفة في المدن الإسلاميّة، و المراقد المقدّسة في كربلاء و مدينة مشهد4 و ...؛ إذ تنطق كلّ واحدةٍ منها بواقعةٍ من وقائع التاريخ الإسلامي.

 

2 ـ تأثير الأماكن الدينيّة في الثقافة و العقيدة الإسلاميّة:

 أشار المحقّقون إلى عدّة فروق بين الثقافة و الحضارة، منها:

1 ـ إنّ الحضارة تعبير عن الجوانب العلميّة و الملموسة و الفنّيّة و المعلوماتيّة، بينما الثقافة تعبّر عن الجوانب الذهنيّة و المعنويّة. و هكذا تندرج الموضوعات من قبيل الفلسفة و الحكمة و الآداب و المعتقدات الدينيّة و غير الدينيّة في إطار الثقافة.

 2 ـ تغلب على الحضارة الصبغة الاجتماعيّة، بينما تغلب على الثقافة الصبغة الفرديّة»[27].

 و كما تعبّر أماكن الماضين و آثارهم عن حضارة المجتمع الإسلامي، فإنّ هذه الأماكن نفسها ـ و خصوصاً البقاع الدينيّة المقدّسة ـ تلعب دوراً موثّراً أيضاً في تسويق و انتقال الثقافة و العقائد الإسلاميّة إلى الجيل المعاصر.

 

و في ما يلي بعض توظيفات الآثار و الأماكن الدينيّة في الثقافة الإسلاميّة:

أ ـ توظيف الأماكن الإسلاميّة للتعريف بالثقافة الإسلاميّة:

 إنّ الأماكن و الآثار الإسلاميّة يمكن أن تلعب دوراً مهمّاً في التعريف بثقافة القرون السابقة، و هكذا تكتسب آثار العصر النبويّ أهمّيّةً خاصّة من هذه الزاوية حيث تساعد في تبيين الثقافة الإسلاميّة في ذلك العصر.

 و على سبيل المثال، يعكس التراث المكتوب الواصل إلينا من قرون الإسلام الأُولى حبّ المسلمين و عشقهم للعلم. في حين تبيّن الآثار الفنّيّة تطوّر الفنون و المهارات بين المسلمين. بينما تدلّ بعض الأماكن التي تعيد إلى الأذهان ذكرى بعض الوقائع الخاصّة الحاصلة في التاريخ الإسلامي على الثقافة الاجتماعيّة بين المسلمين، كساحات معارك أُحد و الخندق و خيبر، و كلّها ناطقة بانتشار قِيَم الشهامة و الشهادة و الدفاع عن الدين بين المسلمين. أمّا كثرة المساجد و المعابد فتنطق بانتشار ثقافة العبادة بينهم. و هكذا مع بقيّة الآثار و الأماكن التي يشير كلّ واحدٍ منها إلى جانبٍ من جوانب الثقافة الإسلاميّة الأصيلة القائمة على أساس التوحيد.

 و كما تلعب هذه الأماكن دورها في التعريف بالواقع الثقافي لزمانها، لكنّها يمكن أن تلعب دوراً آخر لا يقلّ أهمّيّة عن ذلك، ألا و هو المساهمة في الخلق و الإبداع الثقافي، و ذلك من خلال نقلها لثقافة الأجيال الإسلاميّة السابقة إلى الأجيال اللاحقة، ممّا يجعلها في عِداد عوامل بقاء الثقافة الإسلاميّة و استمرارها.

ب ـ دور الآثار الإسلاميّة في التذكير بأخلاق و سيرة الرسول& و المسلمين:

 يكمن خلف كلّ واحدٍ من الآثار و الأماكن التاريخيّة الدينيّة حدثٌ تاريخيّ يمكن أن يكون درساً و عبرةً للآخرين.

 و في هذا السياق تلعب آثار رسول الإسلام و أهل بيته7 ـ و هم المعصومون من كلّ ذنب ـ دوراً في هداية و توجيه الأجيال اللاحقة.

 و هنا نشير إلى بعض الأماكن و الآثار التي يمكن أن تقدّم لنا الدروس و العِبَر المختلفة:

 1 ـ البيوت البسيطة و الأماكن المتواضعة التي عاش فيها رسول اللّه‏&، و التي اندرست آثارها مع الأسف، إذ كان يمكن لها أن تكون دافعاً قويّاً للترغيب بثقافة بساطة العيش و الزهد و الابتعاد عن البذخ و الترف.

 تقول المصادر التاريخيّة: لمّا أمر الوليد بن عبد الملك عامله على المدينة عمر بن عبد العزيز أن يقوم بتخريب بيوت زوجات النبيّ& لتوسيع المسجد، قام الناس بالبكاء بكاءً شديداً حزناً على تخريب بيوت النبي&.

 

 يقول عمران بن أبي أنس: كنت في مسجد رسول اللّه‏& فرأيت جمعاً من الصحابة ـ منهم: أبو سلمة بن عبد الرحمن، و أبو أُمامة بن سهل، و خارجة بن زيد ـ يبكون بكاءً شديداً حتّى ابتلّت محاسنهم من الدمع.

 و سمعت أبو أُمامة يقول:

«ليتها تُركتْ حتّى يقصّر الناس من البنيان و يروا ما رضيَ اللّه‏ عزّ و جلّ لنبيّه& و مفاتيح الدنيا بيده»[28].

 و يقول سعيد بن المسيّب:

«واللّه‏ لوددتُ أ نّهم لو تركوها على حالها، ينشأ ناس من أهل المدينة و يقدم القادم من الأُفق فيرى ما اكتفى به رسول اللّه‏& في حياته، فيكون ذلك ممّا يزهّد الناس في التكاثر و الفخر»[29].

 و كما نقلنا على لسان هذا الصحابيّ و التابعيّ فإنّ وجود آثار و بيوت النبيّ& و الأماكن ذات الصلة بتاريخهم كان سيوجب تذكير الناس بسيرة و سلوك الرسول& ممّا يوجب أيضاً ترغيب مسلمي العصور التالية بالمضي على سيرته.

 إذن، فهذه الأماكن واحدةٌ من طرق انتقال ثقافة و أخلاق العصر النبويّ& إلى الأجيال اللاحقة.

 2 ـ أماكن عبادة الرسول& و أهل البيت7، حيث يذكّر كلّ واحدٍ منها بلزوم الارتباط بالخالق الواحد. فالإنسان إذا ما رأى مثل هذه الأماكن ـ كاسطوانة التهجّد في مسجد النبيّ&، و مكان عبادة الإمام عليّ4 في مسجد الكوفة، و مواضع و مقامات العبادة المنسوبة إلى غيرهم ـ يفهم من ذلك أنّ ثقافة الارتباط باللّه‏ يجب أن تكون حاضرةً في حياة الإنسان.

 

 3 ـ مواقع غزوات و حروب الحقّ على الباطل، و قبور الشهداء في سبيل الإسلام، كمنطقة أُحد و قبور شهداء أُحد، و منطقة شهداء معركة فخ، و كربلاء المقدّسة، حيث تؤثّر مشاهدة هذه الأماكن تذكيراً للنفوس بوجوب الدفاع عن الحقّ و مجابهة الباطل، كما تعيد إلى الأذهان سلوك بعض الصحابة حين ضحّوا بأنفسهم دفاعاً عن رسول اللّه‏& في غزواته و نصرتهم لأهل بيته7 في كربلاء، مثلما تعيد إلى الأذهان منظر فرار بعضٍ آخر و انحرافهم عن طريق الحقّ.

 و كلّ هذه الدروس يمكن أن تنتقل إلى الأجيال القادمة عند مشاهدتها لهذه الآثار.

ج ـ دور الأماكن الدينيّة في ترسيخ العقائد الإسلاميّة:

 من الوظائف المهمّة للأماكن و الآثار الدينيّة تذكير مَن يشاهدها بالعقائد الإسلاميّة.

 و هذه المسألة يشعر بها الإنسان شعوراً واضحاً عند حضوره مواضع مناسك الحجّ، حيث يغرق الحاجّ بمشاعر التوحيد و النبوّة و المعاد.

 فرمي الجمرات و التضحية في منى يذكّران بذبح النفس، و الطواف حول بيت اللّه‏ علامة التوحيد و نفي الشرك، و مقام إبراهيم و حِجر إسماعيل و ماء زمزم و المسعى كلّها تذكّر بنبوّة أنبياء اللّه‏، و الحضور في عرفات و المشعر يذكّران بعقيدة يوم المحشر.

 و مضافاً إلى أماكن مناسك الحجّ يمكن لآثار عصر الرسول الأكرم& أن تذكّر الإنسان أيضاً بالعقائد الحقّة. و من بين هذه الآثار يمكن الإشارة إلى الموارد التالية:

 1 ـ القبر النبويّ& الشريف؛ حيث ينقل كلّ مَن يشاهده إلى أجواء رسالته و نبوّته و عظمة مقامه و منزلته عند اللّه‏ تعالى، و خُلقه العظيم و الوحي المنزل عليه و تعاليم الدين الإسلاميّ.

 2 ـ قبور أئمّة أهل البيت7 في البقيع؛ المذكّرة بلزوم مودّة أهل البيت7 طبقاً للآية القرآنيّة: ﴿قُلْ لا أسْأ لُكُمْ عَلَيْهِ أجْراً إلاَّ المَوَدَّةَ فِي القُرْبَى﴾[30]. كما تذكّر مُشاهدها بتأكيد الرسول& بلزوم محبّته و اتّباعه اللذان يدعو إليهما حديث الثقلين القائل: «إنّي تاركٌ فيكم الثقلين: كتاب اللّه‏ و أهل بيتي، و أ نّهما لن يفترقا حتّى يردا عليَّ الحوض»[31].

 3 ـ مسجد ضرار؛ حيث يذكّر بلزوم معرفة العدوّ و مؤامراته و الحذر من الوقوع في مصائد نفاقه.

 4 ـ غار حرّاء؛ المذكِّر بنزول مَلَك الوحي و حقّانيّة النبوّة و نزول الوحي.

 5 ـ مسجد ذو القبلتين؛ الذي يرمز إلى تغيير قبلة المسلمين.

 6 ـ مسجد ردّ الشمس؛ حيث يعيد إلى الأذهان معجزة رسول اللّه‏& الباهرة.

 و هكذا ـ مضافاً إلى ما ذكرناه ـ تؤثّر بقيّة الآثار و الأماكن أيضاً في تذكير الزائر و المشاهد لها بالعقائد الإسلاميّة، و يكون تأثيرها أمضى مفعولاً من الحديث و الاستماع و القراءة.

د ـ مشاهدة الأماكن و الآثار التاريخيّة وسيلة من وسائل فهم القرآن و الروايات:

 إنّ وجود الآثار الإسلاميّة من القرون الماضية ـ و خصوصاً عصر الرسالة ـ لها أبلغ الأثر في فهم الآيات القرآنيّة و شأن نزولها، و في فهم الأحاديث النبويّة& كذلك.

 فالأحاديث النبويّة و السيرة الشريفة ربما امتزجت في بعض الأحيان بأسماء الأمكنة و المواقع الجغرافيّة و غيرها ممّا يرتبط بالتاريخ و الحضارة الإسلاميّة. و ربما كان هذا الارتباط في بعض الأحيان ارتباطاً وثيقاً و شديداً بالماضي الثقافي لهذا الدين الإلهي الطاهر و أتباعه حتّى صارت الإشارة إلى أيّ مكانٍ و موقع مدعاةً لتذكّر بعض الوقائع المصيريّة.

 من هنا، صار التعرّف على هذه الأمكنة من جهة ما كان لها من تاريخ و موقع جغرافيّ عاملاً مساعداً في التعرّف على ماضي المسلمين و تاريخهم و حضارتهم، مثلما يسهّل عمليّة إدراك و فهم إحدى الآيات أو الأحاديث أو الأحكام أو التعاليم الإسلاميّة[32].

 

 مثال ذلك ما أورده القرآن الکريم في بعض آياته من قصّة (قوم سبأ)، و قد ظلّ مؤرّخو العالم ردحاً من الزمن يعلنون عدم معرفتهم بوجود مثل هذا الشعب و مثل هذه الحضارة. و كان هؤلاء المؤرّخون قبل حصول الاكتشافات الجديدة لا يذكرون شيئاً عن سلسلة ملوك سبأ و حضارتهم العظيمة، معتبرين (سبأ) مجرّد شخصية وهمية و هو الأب لمؤسّس دولة (حِمْيَر)؛ هذا في الوقت الذي توجد في القرآن سورة كاملة باسم هذا الشعب، و تشير آياتها إلى واحدٍ من مظاهر حضارتهم المتمثّل في بناء سدّ مأرب التاريخي.

 أمّا بعد اكتشاف الآثار التاريخيّة لهؤلاء القوم في اليمن فقد تغيّرت عقيدة العلماء؛ إذ تحرّك عددٌ قليل من علماء التاريخ القديم ـ مدفوعين برغبتهم الشديدة في كشف أسرار آثار سبأ ـ و تمكّنوا من الوصول إلى قلب مدينة (مأرب) و أطرافها، و أخذوا نماذج من الآثار و الخطوط و الكتابات العديدة المحفورة على الصخور لدراستها.

 و منذ ذلك الحين توالت المجاميع البحثيّة في القرن التاسع عشر الميلادي في الذهاب إلى هناك حاملةً معها عند عودتها إلى أوربا آثاراً ثمينة من تلك المواضع، حتّى توصّلوا إلى حلّ ألغاز هذه المجموعة من الرسوم و الخطوط و الآثار الأُخرى التي بلغ عددها الألف نموذج، و تعرّفوا على تفاصيل حضارة هؤلاء القوم و تاريخ بناء سدّ مأرب و غير ذلك من المعلومات الأُخرى.

 و هكذا ثبت للغرب أنّ ما ذكره القرآن في هذا الخصوص لم يكن خرافةً و لا أُسطورة، بل إحدى الحقائق التاريخيّة التي لم يكونوا يعلمون شيئاً عنها، و صاروا اليوم يمتلكون خرائط تفصيليّة عن هذا السدّ العظيم و محلّ عبور الماء و سواقي البساتين من كلتا الجهتين اليمنى و اليسرى و كلّ التفاصيل الأُخرى[33].

 إنّ ضياع آثار التاريخ الإسلامي، و زوال الأماكن التي تشير إلى التاريخ و الحضارة الإسلاميّة، يمكن أن يدفع ببعض وقائع التاريخ الإسلامي إلى مصيرٍ لا يختلف كثيراً عن ما كان عليه الحال في مسألة قوم سبأ، حتّى يظهر آنئذٍ مَن ينكر تلك الوقائع أيضاً.

 

 إذن، يمكن القول إنّ المحافظة على هذه الأماكن و حمايتها، هو بمثابة حفظ و صيانة للتاريخ و الحضارة الإسلاميّة.

3 ـ دلالة الأماكن الدينيّة على رقيّ النظام الإداري الإسلامي:

 إنّ وجود القوانين المتطوّرة و النظام الإداري و التنظيم السياسي المعيّن لإدارة المجتمع يعدّ واحداً من علائم الرقيّ الحضاري.

 و قد قدّم الإسلام من الناحية القانونيّة أرقى القوانين الهادفة إلى إدارة المجتمع؛ لأنّ قوانينه موضوعة من قبل خالق الإنسان، و هي تسوقه إلى الكمال الذي يليق به من الناحيتين الفرديّة و الاجتماعيّة.

 و في عصر الرسول& كانت المجتمعات المختلفة تدار بأنظمة إداريّة ناقصة، و خصوصاً في جزيرة العرب التي لم تعرف نظاماً إداريّاً عقلانيّاً للمجتمع سوى ما كان فيها من القبليّة و استبداد الرؤساء. فلمّا هاجر رسول اللّه‏& إلى المدينة و أقام حكومته الإسلاميّة أدار المجتمع الجديد ـ الذي كان أفراده قبل ذلك أعداءً في ما بينهم ـ بشكلٍ أدّى إلى تأسيس مجتمعٍ يطفح بالصدق و العزم و النشاط، حتّى أنّ أفراد ذلك المجتمع كانوا يشعرون بالسعادة و التفاؤل رغم وجود المصاعب الجمّة المحيطة بهم.

 و يمكن تلمّس بعض أركان النظام الإداري لمجتمع تلك الفترة من الآثار الباقية منذ صدر الإسلام، حيث نشير هنا إلى بعضها في مسجدَي رسول اللّه‏& و الكوفة على سبيل المثال، و هما اللذان كانا في ذلك الزمان مركزاً للحكومة و عملها في إدارة المجتمع الإسلامي.

 و من أمثلة الآثار الباقية حتّى الآن من النظام الإداري في المسجد النبويّ& هي اسطواناته العديدة التي تشير كلّ واحدةٍ منها إلى جانبٍ من جوانب الأعمال الحكوميّة في ذلك الحين، و هي:

 

 اسطوانة الحَرَس (المحرّس)[34]؛ حيث كان الإمام عليّ4 يجلس إلى جانب هذا العمود كي يحرس الرسول&.

 و يشير هذا العمود إلى وجود قوّة لتوفير الأمن في حكومة الرسول&، و هي القوّة التي يعادلها بالمصطلحات المعاصرة وزارة الدفاع.

 اسطوانة الوفود؛ إذ كان من أعمال رسول اللّه‏& المستمرّة هو استقباله زعماء القبائل لتعريفهم بالإسلام، أو لعقد المفاوضات السياسيّة. و قد خصّص& مكاناً في المسجد لهذا الأمر، و كان يستقبل فيه الوفود دائماً. و يقع هذا المكان الذي تتمّ فيه اللقاءات إلى جانب أحد أعمدة المسجد صار يعرف بعد ذلك باسم (اسطوانة الوفود)، و هو اليوم لا يزال يعرف بهذا الاسم. و يعادل ذلك بالمصطلحات المعاصرة وزارة الخارجيّة.

 اسطوانة الحنّانة؛ في بداية دعوة رسول اللّه‏& حينما لم يكن المنبر قد صُنع بعد، كان إذا أراد تلاوة الآيات النازلة عليه على الناس اتّكأ على نخلةٍ و قرأ تلك الآيات و علّمهم دينهم.

 و يذكر المؤرّخون أ نّه لمّا صنعوا منبراً لرسول اللّه‏& و صعد عليه ليخاطب الناس، سمعوا لهذه النخلة حنّةً كأ نّها حنّة الناقة.

 و هذا العمود يذكّر مشاهده أنّ الرسول& قد خصّص مكاناً معيّناً في حكومته لتعليم الأفراد، و هو ما يعادل بالمصطلحات المعاصرة وزارة التربية و التعليم.

 الاسطوانة المخلَّقة؛ الخَلوق هو العطر، فيكون معنى المُخلَّقة هو المعطّرة. و الاسطوانة المخلّقة هي العمود الذي يضعون العود عليه حتّى يعطّروا جوّ المسجد.

 و ما تثيره رؤية هذه الاسطوانة في الذهن هو مدى اهتمام حكومة رسول اللّه‏& بالصحّة، و خصوصاً صحّة الأماكن العامّة. و هذا يعادل ما اصطلح عليه في هذا العصر بوزارة الصحّة.

 

 اسطوانة السرير؛ و من اسطوانات المسجد الأُخرى واحدةٌ كانت محلاًّ لجلوس رسول اللّه‏& أيّام اعتكافه، و كان الصحابة يصنعون من سعف النخيل ما يفرشوه في هذا المكان لجلوس الرسول& عليه. و هذا المكان يقع إلى جانب اسطوانة السرير هذه و صار يعرف باعتباره سريراً لنوم رسول اللّه‏&.

 و هذه الاسطوانة تحكي أهمّيّة العبادة، و خصوصاً العبادات الجماعيّة، باعتبارها عاملاً حيويّاً في تربية الأفراد. و ما يعادلها في هذا العصر هو وزارة الإعلام.

 مئذنة بلال: و هي التي كان بلال يرفع الأذان فيها، بالإضافة إلى كونها مكاناً لانتشار ما يلزم من الأخبار بين الناس. فعندما كان الرسول& يريد جمع الناس في المسجد لاطلاعهم على أحد الأُمور المهمّة أرسل إلى هذه المئذنة مَن يدعوهم بأعلى صوته للتجمّع. و هذا ما يقابل في أيّامنا هذه وزارة المواصلات و مؤسّسات الإذاعة و التلفزيون.

 الصفّة: و هي تحيي في الأذهان ذكرى تضحية تلك المجموعة من المسلمين المفتقرين إلى كلّ لوازم الحياة، حيث كانوا يجلسون على تلك الدكّة أمام المسجد فيجلب لهم بقيّة المسلمين ما استطاعوا من الغذاء. و هذا يقابل المؤسّسات الخيريّة في زماننا هذا.

و قد استمرّ وجود هذا النظام الإداري أيضاً في زمن حكومة الخلفاء و الإمام أمير المؤمنين علي4. و لمّا اتّسعت حدود المجتمع الإسلامي توسّع هذا النظام أيضاً، فمثلاً لمّا انتقل مركز حكومة أمير المؤمنين علي4 إلى الكوفة صار مسجدها مقرّاً لإدارة أمور الناس آنذاك، و هو ما تفصح عنه الآثار و الأماكن الباقية حتّى الآن من ذلك العصر في هذا المسجد و التي تعكس بعضاً من ملامح ذلك النظام.

 و من تلك الأماكن (رحبة أمير المؤمنين) المشهورة، حيث كان الإمام4 يجلس فيها قبل الصلاة و يتولّى الإجابة عن أسئلة الناس. و (دكّة القضاء) المعروفة أيضاً حيث كانت تعقد فيها محاكمه، و تعيد إلى أذهان الناظر إليها قصص قضائه العجيبة الممتعة. و هي تعادل اليوم السلطة القضائيّة بما فيها المحاكم المختلفة.

 

 إنّ كلّ زاوية من زوايا الأماكن و الآثار الباقية من عهود الحكومات الإسلاميّة تحكي جانباً من جوانب التطوّر الحضاري لتلك المجتمعات، و تعكس للمشاهد ما كان عليه النظام الإداري الإسلامي من قوّة، و تقدّم للأجيال الإسلاميّة القادمة نموذجاً تحتذي به.

4 ـ انعكاس الفنون الإسلاميّة في الأماكن الدينيّة:

 الفنّ ظاهرة شغلت الفكر الإنساني منذ القدم، و طوى مسيرة تكامله عبر الجوانب المختلفة لحياة الإنسان. و هذه الظاهرة كغيرها من الظواهر الأُخرى المرتبطة بالحياة الإنسانيّة تحتاج إلى التكامل من أجل ثباتها و استمرارها.

 «إنّ تكامل أيّ فنّ يحصل استناداً إلى محرّكات دنيويّة و دينيّة»، و الإسلام برسومه و أُصوله و قوانينه يعدّ واحداً من أقوى المحرّكات الدينيّة، كما أنّ الأبنية و الأماكن الدينيّة كالمساجد و المزارات تعتبر من مراكز الإبداع الفنّي المهمّة.

 و ما تحتويه المزارات و المساجد من الإبداعات الفنّيّة تساهم في نقل المفاهيم الإسلاميّة إلى الآخرين بلغة الفنّ المتمثّلة بالصورة و اللون. و هكذا تنطق الأعمال الفنّيّة المنفّذة بالكاشي أو الآجر أو الجبس و لوحات التزجيج و الرسم و النقش و النحت و غير ذلك بلسانٍ فنّيٍّ يفصح عن مدى تطوّر الثقافة و الحضارة الإسلاميّة[35].

 إنّ الفنّ الإسلامي هو ذلك الفنّ المقدّس الذي ينقل الرسالة الإلهيّة إلى البشريّة. و ممّا يتكفّل به هذا الفنّ الذي نشاهده في الأماكن المقدّسة من الرسائل و التأثيرات المعنويّة هو المحافظة على حيويّة القيم العليا، و الحياة الهادفة، و تقوية العلاقة البشريّة مع اللّه‏ في عصر موت القِيَم، و عقلنة الحياة في مقابل العبثيّة و الإلحاد و الابتعاد عن اللّه‏.

 و يمكن للفنّ الإسلاميّ في العالم المعاصر القيام بوظائف مهمّة و عجيبة تتمثّل في تأشير القبائح و الانحرافات، و إيقاظ المجتمع، و موعظة الناس لتصحيح مسير حركتهم و أُسلوب حياتهم، و هداية الفرد و المجتمع نحو الإحسان و السعادة و الكمال، و تعليم المجتمع و المساهمة في الارتقاء بمستوى ثقافة و بصيرة و وعي الأفراد و المجتمعات، و تقديم دروس الفتوّة و الكرامة و عزّة النفس و الإيثار و العفو و المساواة و الكفاح من أجل العدالة، حتّى يمكن للمرء مشاهدة الآثار المباشرة و غير المباشرة لها في مختلف أوساط المجتمع[36].

 و لا يمكن لهذا الفنّ المحمّل بكلّ هذه الوظائف أن يظهر إلاّ في الأماكن المقدّسة كالمساجد و المراقد المقدّسة.

و من بين الفنون التي برزت في الأماكن و الآثار الإسلاميّة ما سنذكره في السطور التالية:

أ ـ العمارة الإسلاميّة في الأماكن الدينيّة:

 نشأ الفنّ المعماري الإسلامي منسجماً مع لغة القرآن، و هو يعكس عمق و غنى الحضارة الإسلاميّة من خلال توظيفه للقِيَم الروحيّة، بحيث تتجلّى في العمارة الإسلاميّة عقيدة التوحيد و الإيمان بالتعاليم الإسلاميّة باعتبارهما مفهوم علم الجمال في الدين الإسلامي.

 يميّز الفنّانون بين العمارة و فنّ العمارة، معتبرين إيّاهما مفهومين منفصلين عن بعضهما انفصالاً تامّاً.

 ففي العمارة يكون المقصود هو البناء لأداء الواجبات الاجتماعيّة و توفير الخدمات، كبناء الأماكن السكنيّة أو العباديّة أو المدرسيّة. أمّا في الفنّ المعماري فيكون التأكيد على الاستفادة من الأساليب الفنّيّة و الوسائل التجميليّة على الحيطان و السقوف و الأعمدة و الشبابيك و الأبواب، بل حتّى الحدائق و الأحواض أيضاً تدخل بصورةٍ من الصور ضمن الفنّ المعماري، لتساهم في تقوية تأثير مشاهدة البناء على المشاهد.

 و هكذا امتاز فنّ العمارة الإسلاميّة على مدى القرون المختلفة بكثرة استفادته من الآيات القرآنيّة باعتبارها أبرز إبداعات الفنّ الإسلامي، حتّى انتشر توظيف كتابة الآيات القرآنيّة بخطوطٍ و أشكال معيّنة على السقوف و الجدران و الأعمدة لغاياتٍ جماليّة.

 

 و من أبرز و أقدم الخطوط الجميلة المستخدمة في الفنّ المعماري الإسلامي ما نشاهده في تزيين الجانب الداخلي من قبّة الصخرة حيث كتبت فيها الآيات القرآنيّة بالخطّ الكوفيّ المزيّن بالموزاييك.

 لقد مثّلت المساجد و الأبنية الدينيّة دوماً قمّة التطوّر الفنّي للعمارة الإسلاميّة، حيث يلاحظ المشاهد ذلك التطوّر في ملامح البناء و الإبداع في فضاءات المساجد و المراقد المقدّسة، و وضع الأقواس و السقوف و القباب و المقرنسات باعتبارها من أنواع الزخارف المجسّمة و ثلاثيّة الأبعاد[37].

يستند فنّ العمارة الإسلاميّة مضافاً إلى مكانته الفنّيّة، إلى خلفيّة علميّة عالية حيث يستفيد استفادة واسعة من المقاييس الرياضيّة و الهندسيّة الدقيقة. و من هنا كانت الأمكنة التي زيّنها الفنّانون المسلمون طوال القرون المتمادية بهذا الفنّ الراقي شاهدة على أمرين في آن واحد، أوّلهما بلوغ الفنّ الإسلامي قمّة التطوّر، و ثانيهما ازدهار العلوم المختلفة لديهم كالرياضيّات و الهندسة، و هذا بدوره أضاف إلى أهمّيّة الأماكن المقدّسة بعداً آخر هو بعد تمثيلها لتطوّر الحضارة الإسلاميّة.

 

 1 ـ نموذج من تجلّيّات فنّ العمارة الإسلاميّة:

 يعتبر (المسجد الجامع في دمشق) واحداً من أقدم الأبنية الإسلاميّة التي ظهر فيها فنّ العمارة بأجلى صوره، و قد بني في السنوات (87 ـ 96 هجريّة) في عهد الوليد بن عبد الملك على أنقاض معبد جوبيتر (إله الإلهة الرومان). و كان الوليد قد استقدم لبناء هذا المسجد اثني عشر ألفاً من أساتذة الفنّ من روما إلى دمشق. و قام هؤلاء الفنّانون بتزيين جدران المسجد بالكاشي الملوّن و الزهور و البصليّات و التلوينات البديعة. و لا يزال هذا المسجد عامراً يحتلّ مكانته الرفيعة بين أرقى الأبنية الإسلاميّة[38].

 و هناك العديد من الأبنية المهمّة التي تمتاز بالفنّ المعماري الفاخر و التي تمّ تشييدها في القرن الهجريّ الأوّل، منها: المسجد الأُموي بدمشق، مسجد عمرو بن العاص في القاهرة، مسجد القيروان في تونس، و قبّة الصخرة في مدينة القدس. و تندرج ضمن هذه القائمة أيضاً بناية أكبر مساجد العالم، و هو مسجد قرطبة في أسبانيا الذي ابتدئ في بنائه أوائل استقرار الأُمويّين في الأندلس في السنين الأخيرة من حياة عبد الرحمن (172هـ )، ثمّ توسّع تدريجيّاً و أضيفت إليه أبنية جديدة[39].

 كما شهدت مصر في فترة الخلفاء الفاطميّين أيضاً ازدهار الأعمال المعماريّة، حتّى اشتهر بناء القباب على الطريقة الفارسية في القرن الخامس الهجري. و قد رافق عمليّة بناء المساجد ازدهار الفنون التجميليّة، خصوصاً صناعة الكاشي و المقرنسات.

 و في غضون ذلك ازدهرت العمارة الإسلاميّة في الأندلس حتّى أثمرت قصر الحمراء العظيم في غرناطة (أواسط القرن السابع الهجري) بخصوصيّاته المتمثّلة بساحاته الواسعة و صالاته الفخمة و ما استخدم في تزيينه من الأعمال الجبسيّة و الكاشي و المقرنسات الفريدة حتّى صار أنموذجاً من نماذج الأبنية الإسلاميّة في الأندلس.

 و رغم انحسار حكومة المسلمين في الأندلس (897هـ ) إلاّ أنّ تأثير الفنّ الإسلامي لا يزال باقياً يلقي بظلاله على العمارة و الفنّ في تلك البلاد[40].

 لقد تطوّر هذا الفنّ طوال التاريخ الإسلامي، و كانت كلّ فترةٍ من فتراته تخلق لنفسها شكلاً جديداً، و يمكن للمشاهد أن يلاحظ هذه الأشكال جميعها حاضرةً في الأبنية المعماريّة الحديثة.

 2 ـ الأماكن المقدّسة و دورها في التجسير بين فنون الأجيال الإسلاميّة:

 إنّ مسيرة نشوء و تطوّر الفنّ و العمارة الإسلاميّة خلال الأدوار المختلفة و التطوّر الزماني انعكست و تجسّدت في المساجد و الأماكن الدينيّة و مقابر عظماء الدين. فالكثير من المساجد التاريخيّة في العالم الإسلامي كانت في بداية بنائها و تأسيسها بسيطة جدّاً، إلاّ أ نّها بعد مرور السنين الطويلة عليها استخدمت فيها الكثير من الفنون الحديثة التي جادت بها أذواق الفنّانين المسلمين و قرائحهم الذاتيّة، ثمّ تكاملت شيئاً فشيئاً.

 و لا نعدو الواقع إذا قلنا إنّ هذه المساجد هي التي يعود لها الفضل في التوحيد بين آثار و فنون الماضين عبر الأجيال العديدة المتوالية، حتّى لا يرى الناظر أيّ فجوةٍ في هذا المجال.

 إنّ جميع الأساليب و الأشكال الفنّيّة المختلفة إنّما تطوّرت و نمت في المساجد، تلك الأشكال المنسجمة مع أسس الإسلام و القيم الإلهيّة و القدسيّة.

 لقد استلهم المعماريّون المسلمون ذوقهم و إبداعهم الغنيّ عند بنائهم هذه الأماكن بأساليب و أشكالٍ فنّيّة جديدة، فأبدعوا في هذا المجال إبداعاتٍ فريدة تحوّلت معها تلك المساجد التاريخيّة إلى أجمل مواقع الجذب الثقافي العالمي في الوقت الحاضر. و هكذا يمكن القول بإمكانيّة استعراض مسيرة تطوّر الفنّ المعماري طوال القرون المتمادية عند مشاهدة الأماكن المقدّسة و بقايا آثارها، و هذه تشكّل واحدةً من الوظائف الفنّيّة و التاريخيّة لهذه الأماكن.

ب ـ الخطّ:

 من الأُمور التي نقلها التاريخ لنا أنّ الرسول الأكرم& قد أدرک منذ اليوم الأوّل لنزول القرآن أهمية تدوينه، حتّى أ نّه كلّف عدداً من أصحابه للقيام بهذا العمل، و هم الذين عيّنوا بعنوان (كتّاب الوحي).

 کان رسول اللّه‏& يستدعي واحداً من هؤلاء الكتّاب كلّما نزلت عليه آية أو سورة و يملي عليه الآيات.

 و قد أدّى هذا التأكيد من رسول اللّه‏& على كتابة الوحي، و وجود الآيات القرآنيّة الصريحة في التأكيد على أهمّيّة الكتابة ـ مثل ﴿الَّذِي عَلَّمَ بِالقَـلَمِ﴾[41]، و آية ﴿ن وَالقَـلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ﴾[42] ـ إلى اهتمام المسلمين بالكتابة عموماً، و كتابة القرآن خصوصاً.

 و كان سكّان شبه الجزيرة العربيّة أيّام كتابة القرآن يستخدمون نوعين من الخطّ، هما:

 1 ـ الخطّ الكوفي: و كان أبرز مَن برعَ فيه الإمام عليّ4.

 و كانت الكتابة بهذا الخطّ هي السائدة في ذلك العصر، و استمرّ الحال كذلك حتّى أوائل القرن الخامس.

 2 ـ خطّ النسخ: و هذا النوع من الخطّ و إن كان مستخدماً في زمان رسول اللّه‏&، و كان هو الخطّ المستخدم من قِبَله لدى كتابة رسائله غالباً، إلاّ أنّ أوائل القرن الخامس شهد التوسّع الحقيقيّ في الاستفادة منه، حتّى لم يعد الخطّ الكوفي قادراً على منافسته.

 و خلاصة الكلام أنّ القرآن كان يُكتب في زمان حياة النبيّ& بالخطّ الكوفي غالباً، في حين كانت الصفة الغالبة في باقي المتون هي كتابتها بخطّ النسخ[43]، كما أنّ أئمّة أهل البيت7 كان كلّ واحدٍ منهم قد بذل جهده في كتابة القرآن، و توجد في المتاحف و المكتبات المعتبرة في أنحاء العالم العديد من النسخ المكتوبة بخطوط أيديهم المباركة[44]. و يعدّ كلّ واحدٍ من هذه الآثار ـ مضافاً إلى ما فيه من القيمة المعنويّة ـ دليلٌ من أدلّة تطوّر فنّ الخطّ لدى المسلمين.

 و في القرون التالية امتزج هذا الفنّ مع فنّ العمارة، و ظهرت بصماته في الأماكن المقدّسة، حتّى صارت كتابة الآيات القرآنيّة بالخطوط الجميلة غالباً ما تنتشر هناك على صفحات الجدران و السقوف. و تنتشر في مناطق أهل السنّة كتابة أسماء النبيّ& و الخلفاء و الأئمّة، في حين تنتشر في الأماكن المقدّسة الشيعيّة أسماء الخمسة آل الکساء و الأئمّة الاثنى عشر، حيث يتمّ حفرها على الجدران و المواضع المناسبة الأُخرى في الأماكن المقدّسة كالمساجد و المراقد بأُسلوب فنّي معماريّ جميل و خطٍّ بديع.

 و هكذا يمكن العثور على نماذج من هذه الخطوط التي خلّفتها لنا أجيال القرون الإسلاميّة المختلفة في المساجد القديمة الموجودة في المدن المختلفة في أرجاء العالم، حتّى صارت هذه الأمكنة بمثابة المعارض الدائمة للحضارة الإسلاميّة في مجال الفنّ المعماري و الخطّ.

ج ـ الرسم:

نهت الشريعة الإسلاميّة المقدّسة عن رسم صور الأحياء و نحت تماثيلها. و من هنا صار نحت و رسم الأحياء من المهن المحرّمة أو المكروهة، كما هو مذكور في الكتب الفقهيّة لدى الشيعة[45] و أهل السنّة[46]، و كما ذكرته الروايات الصادرة عن الرسول& و أهل بيته7 في هذا المعنى و التي وردت في الكتب الروائيّة[47].

و الرسم ـ كما هو الحال مع الخطّ أيضاً ـ إذا امتزج بالفنّ المعماري ترك آثاراً بديعةً في الأماكن المقدّسة تنبع من روح الإيمان و الاعتقاد بالمبدأ و المعاد.

و من نتائج تأكيدات رسول اللّه‏& و الأئمّة7 على الامتناع عن رسم الأحياء و نحت تماثيلها أنّ اتّسمت العمارة الإسلاميّة ـ سواء في المساجد أو في الأبنية الأُخرى ـ بميزة الامتناع عن رسم أو نحت البشر أو الحيوانات، و الاستعاضة عنها غالباً برسوم الورود و الأغصان و الشجيرات و الأشياء الجامدة في تزيين جدران المساجد و المدارس و الخانات، بل حتّى في الألبسة و السجّادات. و في هذا إشارةٌ إلى الهويّة الإسلاميّة للرسّام و المعمار.

و يكمن الفرق الأساس بين فنّ الرسم الإسلامي و الفنّ الغربي في أنّ الماهيّة الظاهريّة الشكليّة للفنّ المسيحي قد جعلت لفنّ الرسم في الغرب دوراً أساسيّاً و محوريّاً واحداً، و الطريف أنّ مسيرة حركة هذا الفنّ المؤثّر في الغرب كانت تتمحور حول الإنسان نفسه لا حول التوحيد.

 «إنّ هذا الفنّ قد تحوّل إلى مرآةٍ تعكس قبل أيّ شيءٍ آخر عُمق و دقائق نفسيّة الإنسان الغربيّ، كما تعكس الميول الجديدة التي كانت في عصر الظهور في المجتمع الغربي. إنّ الفنّ الغربي يدور حول محورٍ اسمه الإنسان، و لم يحدث إطلاقاً أن فتح عينيه و نظر إلى أُفقٍ أعلى من ذلك»[48].

 أمّا فنّ الرسم الإسلامي فالعقائد الإسلاميّة متضمَّنة فيه، و هو ينطلق في سيره من التوحيد، و يسوق الإنسان نحو اللّه‏.

 و يمكن مشاهدة فنّ الرسم الإسلامي ممتزجاً بفنّ العمارة و الخطّ في الأبنية الفخمة التي بناها المسلمون في القرون المختلفة، حيث لا تزال تلك الأبنية التوحيديّة ـ التي تذكّر كلّ زاوية من زواياها باللّه‏ ـ قائمةً تنطق بتقدّم المسلمين الفنّي.

 و هكذا يمكن اعتبار الأماكن المقدّسة مرآةً لما كانت عليه الفنون الإسلاميّة في القرون الماضية.

5 ـ الأماكن الدينيّة و دورها في السياحة الثقافيّة:

 تعدّ السياحة أيضاً واحدةً من المميّزات المهمّة للحضارة، و التي لها تأثيرها في تعلّم العلوم و تبادل الأفكار، مثلما تؤثّر في النموّ الاقتصادي و الأمن الاجتماعي أيضاً.

 و الهجرة تكون عاملاً فاعلاً في النموّ الحضاريّ عندما تكون مقترنةً بأهداف نبيلة و تسعى نحو غاياتٍ سامية. كما تتيح الهجرة و السياحة الهادفتان إمكانيّة فهم آثار الماضين و درك ما تحمله من معانٍ و الاستفادة منها.

 و أفضل مكانٍ لنشر الثقافة الإسلاميّة و تعريف المسلمين و غيرهم بالتاريخ الإسلامي هي الأماكن الدينيّة، و قد أكّد القرآن أيضاً على أهميّة السياحة إلى مثل هذه الأماكن.

أ ـ حثّ القرآن على السياحة:

 إنّ رؤية خرائب قصور الظالمين و الأبنية العجيبة لأهرام مصر و برج بابل و قصور كسرى و آثار حضارة قوم سبأ و المئات من أمثال ذلك المنتشرة في شتّى أرجاء المعمورة لها أعمق الأثر في نفوس الناس، حيث تدفعهم إلى أخذ العِبَرة من العاقبة التي آل إليها الظالمون و تلك التي آل إليها الصالحون. و من هنا نلاحظ تأثّر الشعراء الحكماء حين يشاهدون خرائب هذه القصور، و شعورهم بالصدمة الشديدة في نفوسهم، و تنطلق قرائحهم بالقصائد المؤثّرة[49].

 و هذا هو السبب في دعوة القرآن المجيد للمسلمين بأن يسيروا في الأرض و يسيحوا فيها كي يروا آثار الماضين الباقية منهم على وجه البسيطة بأُمّ أعينهم فيعتبروا بما يرون.

 و أهمّيّة السياحة في الإسلام كبيرة، إلاّ أ نّها ليست كسياحة سوّاح هذه الأيّام المتسكّعين و اللاهثين وراء غرائزهم، بل للتحقيق و دراسة آثار الماضين و مصيرهم و مشاهدة آثار عظمة اللّه‏ سبحانه في نقاط العالم المختلفة. و هذا هو الذي عبّر عنه القرآن بعبارة (السير في الأرض)، و الذي أمر به في آيات عديدةٍ من القرآن، منها:

 1 ـ ﴿قُلْ سِيرُوا فِي الأرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ المُجْرِمِينَ﴾[50].

 

 2 ـ ﴿قُلْ سِيرُوا فِي الأرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأ الخَلْقَ﴾[51].

 3 ـ ﴿أفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا ...﴾[52].

 و هذه الآية تفيد أنّ مثل هذا النوع من السياحة المعنويّة و السير على وجه الأرض يجعل قلب الإنسان واعياً، و عينه بصيرةً، و أُذنه سامعة، و ينتشله من مهاوى الخمود و الجمود[53].

 و التدبّر في هذه الآيات يبيّن مدى أهمّيّة السياحة المعنويّة و الثقافيّة في القرآن.

ب ـ هدف السياحة في القرآن هو رؤية آثار الماضين:

 من أهمّ أهداف السير في الأرض وفقاً لدعوة القرآن هو مشاهدة آثار الماضين، كما ورد في الآيات الماضية.

 و من هنا تنشأ أهمّيّة المحافظة على أماكن الماضين و آثارهم.

 و تعدّ آثار الأنبياء7 و مقاماتهم أفضل المواضع لاستذكار سيرتهم التوحيديّة، و خصوصاً رؤية الآثار و الأماكن التي تشرّفت بحضور رسول اللّه‏& فيها، حيث تحتلّ أسمى المواقع ضمن أهداف المسلمين في إطار عملهم بمضامين الآيات القرآنيّة؛ لأ نّهم بمشاهدتهم ما تركه من آثار تتوفّر لهم فرصة أخذ الدروس و العِبَر من حياته الزاهدة البسيطة و الإلهيّة، و بالتالي تقوية إيمانهم بالدين الإسلامي الحنيف.

 و المشهور وجود قولان بين علماء المسلمين حول زيارة مقامات الأنبياء و الصالحين، أي الأمكنة التي كانوا يسكنون أو يعبدون اللّه‏ فيها إلاّ أ نّهم لم ينتخبوها بعنوان المسجد، و هذان القولان هما:

 

 1 ـ نهى البعض عن هذا الأمر و قالوا: لا يجوز قصد زيارة هذه المناطق بنيّة العبادة، إلاّ إذا كان الرسول& قد نوى مثل هذا القصد، كما فعله في مقام إيراهيم حيث نوى الصلاة هناك.

 أمّا إذا كان القصد من العمل هو استذكار سيرة الرسول& و الاعتبار بها فلا إشكال في ذلك قطعاً.

 2 ـ اتّفق أكثر علماء المسلمين في قولهم بجواز مثل هذا العمل. كما نُقل عن (ابن عمر) حثّه على زيارة الأماكن التي كان رسول اللّه‏& قد مرّ بها، حتّى لو كان مروره فيها مروراً عابراً غير مقصود[54].

 و يقول (السندي الخواتيمي): سألنا أبا عبد اللّه‏ عن حكم مَن يذهب إلى هذه الأماكن؟ قال: لا إشكال في ذهاب الإنسان إلى تلك المشاهد، لسببين: أولّهما لحديث (عتبان بن مالك) الذي طلب من رسول اللّه‏& أن يصلّي في منزله كي يجعل من ذلك المكان مصلّىً له[55]. و ثانيهما: لما روي عمّا كان يفعله ابن عمر من تتبّع مواقف و آثار الرسول&.

 و الإشكال الوحيد هو أن يبالغ الناس في ذلك الأمر حتّى يفرطوا فيه[56].

 لكنّ إفراط الناس و مبالغاتهم تتمّ معالجتها و القضاء عليها بتوعيتهم، لا بتخريب آثار الأنبياء و آثارهم7.

ج ـ دور الأماكن الدينيّة في تسويق السياحة الثقافيّة:

 من بين العوامل التي تساعد في جذب السيّاح في عالم اليوم هو وجود الأماكن الدينيّة و الآثار التاريخيّة. و هكذا يمكن لهذه الأماكن و الآثار التاريخيّة الدينيّة التي تزخر بها مختلف الدول الإسلاميّة أن تكون عامل جذب للسيّاح، سواء المسلمين منهم أم غير المسلمين، و من ثمّ يمكن الاستفادة من هذه الفرصة للتبليغ الديني و نشر الثقافة الإسلاميّة الراقية.

 و من مزايا وجود الأماكن و الآثار الدينيّة و ما تؤدّي إليه في جذب السيّاح لمشاهدتها، يمكن الإشارة إلى الموارد التالية:

 أوّلاً: ازدهار الشعوب الإسلاميّة اقتصاديّاً، الذي يعدّ ركناً من أركان التطوّر الحضاري.

 ثانياً: التوظيف الثقافي، حيث يمكن للمسلمين الاستفادة من هذه الأماكن للتعريف بالثقافة الإسلاميّة في أوساط غير المسلمين، و توعيتهم بتاريخ المسلمين و آدابهم و عاداتهم.

 ثالثاً: التبليغ الديني، حيث يمكن في هذه الأماكن تنبيه الآخرين إلى حقّانيّة الدين الإسلامي و تعاليمه.

 إنّ وجود الأماكن الدينيّة في مدينةٍ ما يفتح أمامها آفاقاً رحبةً لجذب السيّاح و عقد الملتقيات الاقتصاديّة و الثقافيّة، بل و حتّى السياسيّة، و لا يخفى ما لكلّ واحدةٍ من هذه النشاطات من دورٍ هامّ في التقدّم الثقافي و الحضاري للشعوب.

6 ـ ازدهار الحضارة الإسلاميّة و انتكاسها:

 ذكر المحقّقون عواملاً مختلفة لازدهار الحضارات، منها: البنية الاجتماعيّة المناسبة، المؤسّسات الاقتصاديّة الناشطة، تطوّر الرفاه الاجتماعي، و انتشار العدالة و ...، كما يندرج ضمن هذه العوامل أيضاً شيوع العقلانيّة في السلوك الاجتماعي[57].

 و في مقابل ذلك ذكروا ـ بين أسباب انحطاط الحضارات ـ إصابة مجتمعاتها بالجمود الفكري و ضعف العقلانيّة فيها، و خصوصاً بين رجال الدولة.

 إذن، يمكن القول إنّ ازدهار و انحطاط الحضارات ـ و من بينها الحضارة الإسلاميّة ـ في العصور المختلفة هو المحصّلة لعدّة عوامل فكريّة.

 

 و ينسب بعض المفكّرين أسباب و جذور أُفول الثقافة و الفكر الإسلامي إلى فترة خلافة المتوكّل العبّاسي، فهذا الخليفة ـ و خلافاً لمَن سبقه من الخلفاء الذين كانوا يميلون إلى الاتّجاه المعتزلي ذو النزعة العقليّة ـ كان معادياً للعقل في تفكيره[58]، لهذا كان ارتكابه أفعالاً حمقاء و اتّخاذه قرارات غير منطقيّة سبباً في تمهيد السبيل أمام انحطاط حضارة المجتمع الإسلامي.

 و من مصاديق اللاعقلانيّة التي ابتليت بها الوهّابيّة في هذا العصر، ما عزمت عليه من تخريبٍ لآثار الماضين و الأماكن التاريخيّة للعالم الإسلامي، ممّا يعدّ مقدّمةً لانحطاط و أُفول الحضارة، بل سبباً للقضاء عليها تماماً.

 و تصميم الوهابيّة هذا يأتي مخالفاً تماماً لما تسالم عليه عقلاء العالم في كافّة أرجاء المعمورة من سعيهم في المحافظة على آثارهم التاريخيّة و أصالتهم و هويّتهم.

 فإذا قيل: إنّ بعض الناس يتّخذون من هذه الأماكن محلاًّ موسميّاً للعبادة، فيكونون بذلك قد اتّخذوا في عبادة اللّه‏ شريكاً يطوفون حوله، أو يعقدون الخيوط به، و يقدّمون ذبائحهم له، و يرمون برسائلهم التي كتبوها في تلك الأماكن.

 فيجب الردّ عليهم بأنّ هذه الأعمال إنّما تمارس من باب الجهل؛ لأنّ هؤلاء الأفراد الممارسين لها من المؤمنين باللّه‏، و يقرّون بالتوحيد، و يشهدون بوحدانيّة اللّه‏؛ لكنّهم يخطئون في عملهم، لجهلهم معرفة الطريق الصحيح.

 فاللازم في هذه الحالة توعيتهم و إرشادهم، و أن لا تدفعنا مثل هذه الأُمور إلى عدم الاهتمام بهذه الآثار التاريخيّة أو إزالتها و تخريبها.

 و مثل هذه التبريرات حججٌ واهية غير مقبولة لدى العلماء و العقلاء؛ لإمكانيّة التغلّب على الممارسات الطارئة الخاطئة عن طريق منعها و تشديد المراقبة عليها و من خلال الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر، و عِبرَ الدعوة إلى اللّه‏ بالحكمة و الموعظة الحسنة و الأخلاق الحميدة.

 

 و إلى جانب النصح و الإرشاد يجب المحافظة على هذه الآثار، و الاهتمام الجادّ بحفظ أصالة الأُمّة و تاريخها و أداء الأمانة التي تمثّل جزءاً من التاريخ العظيم للأُمّة الإسلاميّة و تاريخ رسول اللّه‏ محمّد&.

 

الخلاصة

 إنّ الآثار و الأماكن المقدّسة الموجودة في أرجاء العالم مرآة تعكس تاريخ الأُمّة الإسلاميّة، و ليست ممتلكات تابعة لبلدٍ معيّن أو طائفة خاصّة. فهذه الآثار بمثابة الدليل على تطوّر الحضارة الإسلاميّة، و المكان الذي يتجلّى فيه التاريخ الإسلامي، و الموضع الذي تتألّق فيه الفنون الإسلاميّة طوال القرون المتمادية، و تعدّ واحدةً من أدوات التعريف و انتقال الثقافة الدينيّة الأصيلة.

 إذن، فعلى جميع المسلمين أينما كانوا في أطراف العالم واجب السعي في المحافظة على هذه الآثار، و مجابهة الفرق الضالّة التي تضمر في نفوسها العزم على هدم الحضارة الإسلاميّة العظيمة من خلال التعكّز على حججٍ واهية.

 

 

المصادر

 1 ـ ابن تيميّة، أحمد بن عبد الحليم، اقتضاء الصراط المستقيم لمخالفة أصحاب الجحيم، تحقيق ناصر عبد الكريم العقل، دار عالم الكتب، بيروت، الطبعة السابعة، 1419هـ .

 2 ـ ابن جبير، محمّد بن أحمد، رحلة ابن جبير، دار و مكتبة الهلال، بيروت، دون تاريخ.

 3 ـ ابن خلدون، مقدّمة في التاريخ، دار و مكتبة الهلال، بيروت، 1996م.

 4 ـ ابن النجّار، محمّد بن محمود بن الحسن، الدرّة الثمينة في أخبار المدينة، تحقيق حسين محمّد علي شكري، شركة دار الأرقم، بلا تاريخ.

 5 ـ إسلامي فرد، زهرا، تاريخ فرهنگ و تمدن اسلام، مكتب نشر المعارف، قم، الطبعة الأُولى، 1389 ش.

 6 ـ الأنصاري، مرتضى، كتاب المكاسب، تحقيق لجنة تحقيق تراث الشيخ الأعظم، المؤتمر العالمي للشيخ الأنصاري، قم، الطبعة الأُولى، 1415هـ .

 7 ـ البخاري، محمّد بن إسماعيل، صحيح البخاري، تحقيق محمّد زهير بن ناصر الناصر، دار طوق النجاة، الطبعة الأُولى، 1422هـ .

 8 ـ توينبي، أرنولد، تمدنى در بوته آزمايش، ترجمة الصابري، أمير كبير، طهران، الطبعة الأُولى، 1974م.

 9 ـ جان أحمدي، فاطمة، تاريخ فرهنگ و تمدن اسلامى، مكتب نشر المعارف، قم، الطبعة الأُولى، 2007م.

 10 ـ جرجي زيدان، تاريخ التمدّن الإسلامي، دار مكتبة الحياة، بيروت، بلا تاريخ.

 11 ـ الجزيري، عبد الرحمن بن محمّد عوض، الفقه على المذاهب الأربعة، دار الكتب العلميّة، بيروت، الطبعة الثانية، 1424هـ .

 12 ـ الجوادي الآملي، سرچشمه انديشه، نشر الإسراء، قم، بلا تاريخ.

 13 ـ الحاكم النيسابوري، محمّد بن عبد اللّه‏، المستدرك على الصحيحين، تحقيق مصطفى عبد القادر عطا، دار الكتب العلميّة، بيروت، الطبعة الأُولى، 1411هـ .

 14 ـ الحجازي، فخر الدين، نقش پيامبران در تمدن انسان، بعثت، طهران، الطبعة الثانية، 1970م.

 15 ـ الحجّتي، السيّد محمّد باقر، پژوهشى در تاريخ قرآن كريم، مكتب نشر الثقافة الإسلاميّة، الطبعة التاسعة، طهران، 1996م.

 16 ـ الحلبي، علي أصغر، تاريخ تمدن اسلام (عددٌ من البحوث في الثقافة و العلوم العقليّة الإسلاميّة)، طهران، أساطير، الطبعة الثانية، 1993م.

 17 ـ الرضواني، علي أصغر، سلسلة دراسات الوهابيّة ـ رفتار وهابيان با مسلمانان، نشر المشعر، طهران، الطبعة الأُولى، ربيع 2011م.

 18 ـ السبحاني، جعفر، آيين وهابيت، نشر المشعر، طهران، الطبعة الأُولى، 1985م.

 19 ـ السمهودي، عليّ بن عبد اللّه‏ بن أحمد الحسني الشافعي، وفاء الوفا بأخبار دار المصطفى، دار الكتب العلميّة، بيروت، الطبعة الأُولى، 1419هـ .

 20 ـ السيوطي، عبد الرحمن بن أبي بكر جلال الدين، الدرّ المنثور، دار الفكر، بيروت، بلا تاريخ.

 21 ـ شراب، محمّد محمّد حسن، فرهنگ اعلام جغرافيايى ـ تاريخى در حديث و سيره نبوى، تحقيق محمّد باقر البهبودي، نشر المشعر، طهران، الطبعة الأُولى، 2004م.

 22 ـ الفيروزآبادي، محمّد بن يعقوب، المغانم المطابة في معالم طابة، تحقيق حمد الجاسر، دار اليمامة، الرياض، الطبعة الأُولى، 1389هـ .

 23 ـ الكليني، محمّد بن يعقوب، الكافي، دار الكتب الإسلاميّة، طهران، 1986م.

 24 ـ مجلّة پگاه حوزه، العدد 57، شباط/ فبراير 2008م.

 25 ـ مجلّة فرهنگ كوثر، العدد 63، خريف 2005م.

 26 ـ مجلّة مسجد، العدد 117، أيلول/ سبتمبر 2007م.

 27 ـ مركز تحقيقات الحجّ، مجموعه مقالات هم‏انديشى زيارت، نشر المشعر، طهران، الطبعة الأُولى، 2008م.

 28 ـ مكارم الشيرازي، ناصر، تفسير نمونه، دار الكتب الإسلاميّة، طهران، الطبعة الأُولى، 1995م.

 29 ـ مهيار، رضا، فرهنگ ابجدى عربى فارسى، نشر الإسلامي، طهران، الطبعة الثانية، 1996م.

 30 ـ موظّف رستمي، محمّد علي، آئين مسجد، انتشارات گويه، طهران، 2002م.

 31 ـ النيشابوري، مسلم بن الحجّاج بن مسلم، الجامع الصحيح المسمّى صحيح مسلم، دار الجيل، بيروت، بلا تاريخ.

 32 ـ ولايتي، علي أكبر، فرهنگ و تمدن اسلامى، مكتب نشر المعارف، طهران، بلا تاريخ.

 33 ـ ويل ديورانت، تاريخ تمدن، ترجمة أحمد آرام، انتشارات الثورة الإسلاميّة، الطبعة الرابعة، 1993م.

 

* باحث في موسسة دار الإعلام لمدرسة اهل ‌البیت7

[2] مهيار، رضا، فرهنگ ابجدى عربى فارسى، ص258.

[3] ويل ديورانت، تاريخ تمدّن، ج1، ص3.

[4] ابن خلدون، مقدمه تاريخ، ص217 ـ 218.

[5] ولايتي، علي أكبر، فرهنگ و تمدن اسلامى، ص19.

[6] الجوادي الآملي، عبد اللّه‏، سرچشمه انديشه، ج5، ص241.

[7] أرنولد توينبي، تمدنى در بوته آزمايش، ترجمة ي. صابري، ص22 و 207.

[8] حجازي، فخر الدين، نقش پيامبران در تمدن انسان، ص25.

[9] المصدر نفسه، ص57.

[10] المصدر نفسه، ص58.

[11] سورة البقرة 2، الآية 248.

[12] السيوطي، جلال الدين عبد الرحمن، الدرّ المنثور، ج1، ص758.

[13] سورة النور 24، الآية 36.

[14] المصدر السابق، ج6، ص203.

[15] سورة الأنعام 6، الآية 11.

[16] البخاري، محمّد بن إسماعيل، صحيح البخاري، ج1، ص92، ح 425، كتاب الصلاة، باب المساجد في البيوت.

[17] النيشابوري، مسلم بن الحجّاج، صحيح مسلم، ج6، ص139، ح 5530، كتاب اللباس والزينة، باب تحريم استعمال إناء الذهب.

[18] الفيروزآبادي، محمّد بن يعقوب، المغانم المطابة في معالم طابة، ص26.

[19] صحيح البخاري، ج5، ص81، ح 3998، كتاب المغازي، بعد باب شهود الملائكة بدراً.

[20] صحيح مسلم، ج7، ص79، كتاب الفضائل، باب قرب النبيّ من الناس.

[21] ابن تيمية، أحمد بن عبد الحليم، اقتضاء الصراط المستقيم، ج2، ص271 ـ 272.

[22] ابن جبير، محمّد بن أحمد، رحلة ابن جبير، ص155.

[23] مكارم الشيرازي، ناصر، تفسير نمونه، ج3، ص103.

[24] الرضواني، علي أصغر، رفتار وهابيان با مسلمانان، ص112.

[25] مكارم الشيرازي، ناصر، تفسير نمونه، ج18، ص69.

[26] السبحاني، جعفر، آيين وهابيت، ص51.

[27] جان أحمدي، فاطمة، تاريخ فرهنگ و تمدن اسلامى، ص43.

[28] ابن النجّار، محمّد بن محمود بن الحسن، الدرّة الثمينة في أخبار المدينة، ص91.

[29] المصدر نفسه.

[30] سورة الشورى 42، الآية 23.

[31] الحاكم النيشابوري، محمّد بن عبد اللّه‏، المستدرك على الصحيحين، ج3، ص160، ح 4711.

[32] شراب، محمّد محمّد حسن، فرهنگ اعلام جغرافيايى ـ تاريخى در حديث و سيره نبوى، ص9.

[33] مكارم الشيرازي، تفسير نمونه، ج18، ص69.

[34] وردت أسباب تسمية الاسطوانات بهذه الأسماء في كتاب وفاء الوفا، ج2، ص39 ـ 46.

[35] مركز تحقيقات الحجّ، مجموعه مقالات هم‏انديشى زيارت، ج2، ص963.

[36] مجلّة المسجد، العدد 117، ص64؛ مقالة: هنر اسلامى، در حاشيه يا در متن.

[37] الموظّف الرستمي، محمّد علي، آئين مسجد، ج3، ص82.

[38] جرجي زيدان، تاريخ التمدّن الإسلامي، ج5، ص623.

[39] إسلامي فرد، زهرا، تاريخ فرهنگ و تمدن اسلام، ص151.

[40] الحلبي، علي أصغر، تاريخ تمدن اسلام، ص355.

[41] سورة العلق 96، الآية 4.

[42] سورة القلم 68، الآية 1.

[43] الحجّتي، السيّد محمّد باقر، پژوهشى در تاريخ قرآن كريم، ص212.

[44] للاطّلاع على المكتبات والمتاحف الحاوية لنسخ القرآن المكتوبة بخطّ الأئمّة7 راجع: مجلة فرهنگ كوثر، خريف 1384 ش، العدد 63، مقالة: نقش اهل بيت7 در نگارش قرآن، بقلم: السيّد علي نقي المير حسيني.

[45] الأنصاري، الشيخ مرتضى، كتاب المكاسب، ج1، ص183.

[46] الجزيري، عبد الرحمن بن محمّد عوض، الفقه على المذاهب الأربعة، ج2، ص39.

[47] الكليني، محمّد بن يعقوب، الكافي، ج6، ص526، باب تزويق البيوت.

[48] مجلّة پگاه حوزه، العدد 57، بهمن 1387 ش، ص60، مقالة نقش معنا در نقاشى و معمارى اسلامى، بقلم: مصطفى النوروزي.

[49] كما كان حال الخاقاني في قصيدته المعروفة حين ذرف الدموع أمام إيوان المدائن، حيث قال:

تعجّبَ من عيني لِمَ تبكي هنا مستهزءا بينما المضحكُ كيف العين لا تبكي هنا ؟

[50] سورة النمل 27، الآية 69.

[51] سورة العنكبوت 29، الآية 20.

[52] سورة الحجّ 22، الآية 46.

[53] مكارم الشيرازي، تفسير نمونه، ج3، ص104.

[54] ابن تيمية، أحمد بن عبد الحليم، اقتضاء الصراط المستقيم، ج2، ص271.

[55] البخاري، محمّد بن إسماعيل، صحيح البخاري، ج1، ص92، ح 425، كتاب الصلاة، باب المساجد في البيوت.

[56] ابن تيميّة، أحمد بن عبد الحليم، اقتضاء الصراط المستقيم، ج2، ص271 ـ 272.

[57] جان أحمدي، فاطمة، تاريخ فرهنگ و تمدن اسلامى، ص31.

[58] الولايتي، علي أكبر، فرهنگ و تمدن اسلامى، ص157.

الإثنين, 04 تشرين2/نوفمبر 2019 15:21

إهداء ثواب قراءة القرآن للميت

الحمد لله رب العالمين، الهادي إلى سواء السبيل، الفعال لما يريد، خلق فسوّى، وقدر فهدى، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين والأنبياء، محمد -صلى الله عليه، وعلى آله وسلم- وعلى أصحابه أجمعين، وعلى التابعين، وتابعيهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد:

فكثيراً ما نسمع من بعض المصلين في بعض مساجد صنعاء من يقول للناس بعد الصلاة: الفاتحة نهدي ثوابها إلى روح آبائنا وآبائكم، وأمهاتنا وأمهاتكم، وكل من له حق علينا، بأن الله يُسكنهم جناتٍ تجري من تحتها الأنهار، وأن يُدخل عليهم البهجة والسرور، والضياء والنور من يومنا هذا إلى يوم النشور، وأن يغفر لنا ولهم... وكذا نسمع مثل هذه العبارات في مآتم الأموات، وكذا عند زيارة المرضى، ومثله عند زيارة المقابر... وغيرها من المواضع.

وقد وُجد من الناس من يُنكر مثل هذه الأفعال، ويقول بحرمة إهداء ثواب قراءة القرآن إلى الأموات، وأن ذلك مما لا ينفع الميت، وأنه لا يصل إليه، ويعتبر أن مثل هذه الأفعال من البدع المنكرة، التي لا بد من اجتنابها، كما وُجد فريق آخر يقول: إن ذلك من الأمور الجائزة، وأنه مما يجوز فعله، وأنه مما ينفع الميت، وأنه يصل إليه؛ ولذا فقد أحببت أن أبحث هذه المسألة من خلال ما قاله فقهاء المسلمين، وما قال علماء التفسير، وسيكون سير البحث على النحو الآتي:

-1. تمهيد.

-2. إهداء ثواب قراءة القرآن للميت.

-3. الأدلة على أن القراءة لا يصل إهداء ثوابها إلى الموتى.

-4. الأدلة على أن القراءة يصل إهداء ثوابها إلى الموتى.

-5. تأويل المجيزين لأدلة المحرمين.

-6. الخلاصة.

-7. الراجح.

ولذلك أقول مستعيناً بالله تعالى، وهو حسبي، ونِعم الوكيل:

تمهيد:

أجمع العلماء على أن إهداء أجر الصدقة إلى الميت جائز، وأنه يصل إلى الميت، وأنه ينفعه، ومثله الدعاء للميت. قال ابن كثير: "فأما الدعاء والصدقة، فذاك مجمع على وصولهما، ومنصوص من الشارع عليهما"(1). ولحديث أبي هريرة قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «إذا مات الإنسان انقطع عمله، إلا من ثلاث: من ولد صالح يدعو له، أو صدقة جارية من بعده، أو علم ينتفع به»(2)، فهذه الثلاثة -في الحقيقة- هي من سعيه وكده وعمله، كما جاء في الحديث: «إن أطيب ما أكل الرجل من كسبه، وإن ولده من كسبه »(3)... وثبت في الصحيح: «من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من اتبعه، من غير أن ينقص من أجورهم شيئاً»(4). وقال في فتح الوهاب من كتب الشافعية: "وينفعه أي الميت من وارث وغيره صدقة ودعاء، بالإجماع وغيره"(5). وقد نقل هذا الإجماع أيضاً ابن قدامة الحنبلي في الشرح الكبير، حيث قال: "وأي قربة فعلها وجعل ثوابها للميت المسلم نفعه ذلك، أما الدعاء والاستغفار والصدقة وقضاء الدين وأداء الواجبات فلا نعلم فيه خلافاً إذا كانت الواجبات مما يدخله النيابة"(6).

وقال النووي: "وأما ما حكاه أقضى القضاة أبو الحسن الماوردي البصري الفقيه الشافعي في كتابه الحاوي عن بعض أصحاب الكلام من أن الميت لا يلحقه بعد موته ثواب، فهو مذهب باطل، قطعاً وخطأ بيِّن، مخالف لنصوص الكتاب والسنة وإجماع الأمة، فلا التفات إليه ولا تعريج عليه"(7(.

كما أجمعوا على أنه لا يصلي أحد عن أحد. قال القرطبي: "وأجمعوا أنه لا يصلي أحد عن أحد"(8(

ومثله الإيمان والتوحيد، لا يمكن للعبد أن يهبه لغيره. قاله القرافي المالكي.(9(

واختلفوا في إهداء ثواب ما سوى ذلك من الأعمال، ومن هذه المسائل إهداء ثواب قراءة القرآن للميت وذلك على النحو الآتي:

إهداء ثواب قراءة القرآن للميت:

وقع بين فقهاء المسلمين اختلاف في إهداء ثواب قراءة القرآن للميت، هل يجوز له ذلك؟ وهل يصل ذلك إلى الميت؟ وهل ينفعه؟ واليك بيان ذلك على حسب مذاهبهم كالآتي:

- مذهب الحنفية:

يرى الحنفية أن إهداء ثواب قراءة القرآن للميت جائز، وأن ذلك ينفعه، وأنه يصل إليه، وهو ما نص عليه في تبيين الحقائق من كتبهم.(10(

- مذهب المالكية:

يذهب الإمام مالك إلى عدم جواز إهداء قراءة القرآن للميت، وأن ذلك لا ينفعه، ولا يصل إليه. وقال بعض أصحابه: إن ذلك ينفعه، ويصل إليه. قال في منح الجليل: "قال القرافي: القربات ثلاثة أقسام:

  1. قسم حجر الله تعالى على عبده في ثوابه، ولم يجعل له نقله إلى غيره، كالإيمان والتوحيد.
  2. وقسم اتفق على جواز نقله، وهو القربات المالية.
  3. وقسم اختلف فيه، وهو الصوم والحج والقراءة، فمنعه مالك والشافعي، رضي الله تعالى عنهما...

ثم قال: فينبغي للإنسان أن لا يتركه، فلعل الحق هو الوصول، فإنه مغيب، وكذا التهليل الذي اعتاد الناس ينبغي عمله، والاعتماد على فضل الله تعالى"(11).

ونقل في منح الجليل أيضاً عن ابن رشد قوله في فتوى له عن معنى قوله تعالى: ﴿وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى﴾ [النجم: 39]، قال: "إن قرأ وأهدى ثواب قراءته للميت، جاز ذلك، وحصل أجره للميت، ووصل إليه نفعه إن شاء الله تعالى؛ لحديث النسائي عنه -صلى الله عليه وسلم-: «من دخل مقبرة وقرأ: ﴿قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ﴾ [الإخلاص: 1]. إحدى عشرة مرة، وأهدى ثوابها لهم، كتب الله له من الحسنات بعدد من دفن فيها»(12).

ونقل الدسوقي عن ابن رشد هذا القول أيضاً، ونقل مثله عن ابن هلال، ونسب هذا القول للأندلسيين، حيث قال: "وقال ابن هلال في نوازله: الذي أفتى به ابن رشد وذهب إليه غير واحد من أئمتنا الأندلسيين: أن الميت ينتفع بقراءة القرآن الكريم ويصل إليه نفعه، ويحصل له أجره إذا وهب القارئ ثوابه له، وبه جرى عمل المسلمين شرقاً وغرباً، ووقفوا على ذلك أوقافاً، واستمر عليه الأمر منذ أزمنة سالفة"(13). وهذا هو مذهب المتأخرين من المالكية، كما نص عليه الدسوقي، حيث قال: "لكن المتأخرون على أنه لا بأس بقراءة القرآن والذكر، وجعل ثوابه للميت، ويحصل له الأجر، إن شاء الله"(14).

وقد ذكر المالكية قولاً ثالثاً في هذه المسألة، وهو: حصول ثواب الاستماع للميت، ولكن لا يصح منه ذلك؛ لانقطاع التكليف عنه.(15) ولعل مقصودهم بهذا القول هو عدم وصول ثواب الإهداء للميت، ولكنه ينتفع بهذه القراءة من جهة سماعه لها.

وقد علَّق في منح الجليل على انقطاع التكليف عنه، فقال: "والظاهر حصول بركة القراءة؛ لحصولها بمجاورة الرجل الصالح، ولا تتوقف على التكليف، فقد حصلت بركة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- للخيل والدواب وغيرهما، كما ثبت بالجملة"(16).

- مذهب الشافعية:

للشافعية في هذه المسألة أقوال:

  1. فالمشهور عن الشافعي: عدم جواز إهداء ثواب قراءة القرآن للميت، وأن ذلك لا ينفعه، ولا يصل إليه.
  2. وقال الكثيرون من أصحابه: يجوز إهداء ثواب قراءة القرآن للميت، وأن ذلك ينفعه، وأنه يصل إليه.

قال النووي: "وأما قراءة القرآن، فالمشهور من مذهب الشافعي، أنه لا يصل ثوابها إلى الميت، وقال بعض أصحابه: يصل ثوابها إلى الميت"(17). وقد علَّق في فتح المعين على كلام النووي هذا فقال: "وحمل جمع عدم الوصول الذي قاله النووي على ما إذا قرأ لا بحضرة الميت، ولم ينو القارئ ثواب"(18)، ونقل في فتح الوهاب عن السبكي قوله: "الذي دل عليه الخبر بالاستنباط، أن بعض القرآن، إذا قُصِد به نفع الميت نفعه"(19). وقد نقل في فتح المعين أن القول بالجواز، هو ما اختاره كثيرون من أئمة الشافعية.(20)

وقال في نهاية المحتاج: "وفي القراءة وجه -وهو مذهب الأئمة الثلاثة- بوصول ثوابها للميت بمجرد قصده بها، واختاره كثير من أئمتنا... قال ابن الصلاح: وينبغي الجزم بنفع: اللهم أوصل ثواب ما قرأناه. أي: مثله فهو المراد، وإن لم يصرح به لفلان؛ لأنه إذا نفعه الدعاء بما ليس للداعي، فما له أولى"(21).

- مذهب الحنابلة:

وللحنابلة في هذه المسألة أقوال أيضاً كالمالكية، وهي كالآتي:

  1. جواز إهداء ثواب قراءة القرآن للميت وأن ذلك ينفعه ويصل إليه. وهذا هو المشهور عن أحمد.
  2. عدم جواز إهداء ثواب قراءة القرآن للميت وأن ذلك ينفعه ويصل إليه. ونسبه البهوتي إلى الأكثر.
  3. وقيل: الثواب للقارئ، ولكن الرحمة تُرجى للميت بها.

قال ابن قدامة: "وأي قربة فعلها، وجعل ثوابها للميت المسلم، نفعه ذلك"(22). وقال البهوتي: "وكل قربة فعلها المسلم، وجعل ثوابها أو بعضها، كالنصف ونحوه، كالثلث أو الربع، لمسلم حي أو ميت، جاز ذلك ونفعه، ذلك لحصول الثواب له، حتى لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- ذكره المجد، من بيان لكل قربة تطوع وواجب، تدخله النيابة، كحج ونحوه كصوم نذر، أو لا تدخله النيابة، كصلاة وكدعاء واستغفار، وصدقة وعتق وأضحية وأداء دين وصوم وكذا قراءة وغيرها. قال أحمد: الميت يصل إليه كل شيء من الخير؛ للنصوص الواردة فيه، ولأن المسلمين يجتمعون في كل مصر، ويقرءون ويهدون لموتاهم من غير نكير، فكان إجماعاً"(23).

وقال بعضهم: إذا قرئ القرآن عند الميت، أو أهدي إليه ثوابه، كان الثواب لقارئه، ويكون الميت كأنه حاضرها فترجى له الرحمة.(24)

وقال البهوتي: "وقال الأكثر: لا يصل إلى الميت ثواب القراءة وأن ذلك لفاعله".(25)

الأدلة على أن القراءة لا يصل إهداء ثوابها إلى الموتى:

استدل من قال من العلماء بعدم وصول إهداء ثواب قراءة القرآن للموتى، وبأن ذلك لا ينفعهم، بأدلة منها:

  1. قوله تعالى: ﴿وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى﴾ [النجم: 39] (26)، ووجه الدلالة من الآية هو أن القراءة للأموات ليس من عملهم ولا كسبهم؛ ولهذا لم يندب إليه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أمته ولا حثهم عليه، ولا أرشدهم إليه بنص ولا إيماء.(27)
  2. وقوله تعالى: ﴿لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُم مَّا كَسَبْتُمْ وَلاَ تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ [البقرة: 134]،(28). فقد دلت الآية على أن الإنسان يؤاخذ بفعل نفسه، ولا يؤاخذ بفعل غيره.
  3. واستدلوا أيضاً(29) بقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: «إذا مات ابن آدم انقطع عمله، إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به من بعده، أو ولد صالح يدعو له». فقد دل الحديث على انقطاع العمل عن الميت، إلا هذه الثلاث المذكورة في الحديث، وليس إهداء ثواب القراءة منها.
  4. واستدلوا أيضاً بقياس القراءة على الصلاة في عدم الوصول؛ لأن كل منهما عبادة بدنية.(30)
  5. واستدلوا أيضاً بأنه لم ينقل عن أحد من الصحابة -رضي الله عنهم- أنهم كانوا يُهدُون ثواب القراءة للأموات، ولو كان خيراً لسبقونا إليه.(31)
  6. واستدلوا أيضاً بأن باب القربات يقتصر فيه على النصوص، ولا يتصرف فيه بأنواع الأقيسة والآراء.(32)
  7. واستدلوا أيضاً بأن ثواب القراءة هو الجنة، وليس في قدرة العبد أن يجعلها لنفسه فضلاً أن يجعلها لغيره.(33)
  8. واستدلوا أيضاً بأن نفع القراءة لا يتعدى فاعله، فلا يتعداه ثوابه.(34)

الأدلة على أن القراءة يصل إهداء ثوابها إلى الموتى:

استدل من قال من العلماء بوصول إهداء ثواب قراءة القرآن للموتى، وأن ذلك ينفعهم، بأدلة منها:

  1. قوله تعالى: ﴿الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَّحْمَةً وَعِلْماً فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ * وَقِهِمُ السَّيِّئَاتِ﴾ [غافر: 7،8]، ودعاء الميت لهم؟ ليس من عمل الأموات بل ذلك من عمل الغير وقد نفعهم.(35)
  2. وقول الله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ جَاؤُوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ﴾ [الحشر: 10](36). ودلالته على المراد كسابِقِه.
  3. وقال سبحانه: ﴿وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ﴾ [محمد: 19](37). فقد أمر الله نبيه أن يستغفر للمؤمنين، فدل ذلك أن الاستغفار يصل إليهم وينفعهم. قال في تبيين الحقائق: "وروي عن أبي هريرة قال: يموت الرجل، ويدع ولداً، فيرفع له درجة، فيقول: ما هذا يا رب؟! فيقول سبحانه وتعالى: "استغفار ولدك". ولهذا قال تعالى: ﴿وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ﴾ [محمد: 19]، وما أمر الله به من الدعاء للمؤمنين والاستغفار لهم"(38).
  4. واستدلوا أيضاً بقوله تعالى: ﴿والذين آمَنُواْ واتبعتهم ذُرِّيَّتُهُم بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَآ أَلَتْنَاهُمْ مِّنْ عَمَلِهِم مِّن شَيْءٍ﴾ [الطور: 21]، فقد دلت الآية على أن الله سبحانه يُلحق الأبناء المؤمنين بآبائهم المؤمنين، وهذا دليل على أن الإنسان قد ينتفع بسعي غيره.(39)
  5. واستدلوا أيضاً بحديث(40): «من مر بالمقابر، فقرأ إحدى عشرة مرة ﴿قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ﴾ [الإخلاص: 1]، ثم وهب أجره الأموات، أعطى من الأجر بعدد الأموات»(41).
  6. وبحديث معقل بن يسار(42) رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «اقرءوا يس على موتاكم» رواه أبو داود.(43) فقد أمر -صلى الله عليه وسلم- بقراءة سورة يس -وهي من القرآن- على الموتى، وهذا دليل على أن القراءة تنفعهم، وإلا لما كان في الأمر لهم بقراءة يس فائدة.
  7. وعن عائشة وأبي هريرة -رضي الله عنهما- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ضحى بكبشين سمينين عظيمين أملحين أقرنين موجوئين، فذبح أحدهما، فقال: «اللهم عن محمد وأمته، من شهد لك بالتوحيد، وشهد لي بالبلاغ»(44). أي جعل ثوابه لأمته، وهذا تعليم منه عليه الصلاة والسلام أن الإنسان ينفعه عمل غيره، والاقتداء به هو الاستمساك بالعروة الوثقى.(45)
  8. واستدلوا أيضاً بحديث أبي موسى الأشعري -رضي الله عنه- قال: لما أصيب عمر -رضي الله عنه- جعل صهيب يقول: وا أخاه! فقال عمر -رضي الله عنه- أما علمت أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «إن الميت ليعذب ببكاء الحي»(46). فإذا كان البكاء يضره فالقراءة تنفعه، والله أكرم من أن يوصل عقوبة المعصية إليه، ويحجب عنه المثوبة.(47)
  9. واستدلوا أيضاً بإجماع المسلمين على جواز ذلك؛ فإنهم في كل عصر ومصر يجتمعون، ويقرأون القرآن، ويهدون ثوابه إلى موتاهم من غير نكير.(48)

قلت: نقْلُ الإجماع في هذه المسألة غريب؛ لأن الخلاف في المسألة مشهور.

  1. والقياس على الصدقة والحج، فإنهما تصلان إلى الميت بالإجماع(49)، وبالنصوص الشرعية الدالة على ذلك، كحديث ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: جاء رجل إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: «يا رسول الله! إن أمي ماتت، وعليها صوم شهر، أفأقضيه عنها؟ قال: "نعم. قال: فدين الله أحق أن يقضى»(50). وعنه أيضاً -رضي الله عنهما- أنه قال: كان الفضل بن عباس -رضي الله عنهما- رديف رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فجاءته امرأةٌ من خثعم، تستفتيه، فجعل الفضل ينظر إليها، وتنظر إليه، فجعل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يصرف وجه الفضل إلى الشق الآخر. قالت: «يا رسول الله! إن فريضة الله على عباده في الحج، أدركت أبي شيخاً كبيراً، لا يستطيع أن يثبت على الراحلة، أفأحج عنه؟ قال: نعم. وذلك في حجة الوداع»(51). وعنه أيضاً -رضي الله عنهما- أن رجلاً قال لرسول الله -صلى الله عليه وسلم-:«إن أمه توفيت، أينفعها إن تصدقت عنها؟ قال: نعم»(52)، فقد دلت هذه الأحاديث على أن الميت ينتفع بحج الحي عنه، وكذا تصدقه عنه، ويقاس عليه القراءة، فيقال: إن الميت ينتفع بقراءة الميت له. قال ابن قدامة: "وكلها أحاديث صحاح، وفيها دلالة على انتفاع الميت بسائر القرب؛ لأن الصوم والحج والدعاء والاستغفار كلها عبادات بدنية، وقد أوصل الله نفعها إلى الميت، فكذلك ما سواها، مع ما ذكرنا من الحديث في ثواب من قرأ يس وتخفيف الله عز وجل عن أهل المقابر بقراءته، ولأنه عمل بر وطاعة، فوصل نفعه وثوابه كالصدقة والصيام والحج الواجب"(53).
  2. واستدلوا أيضاً بالقياس على الدعاء(54) الذي ورد في مشروعيته للميت نصوص كثيرة، منها حديث كثير بن عبد الله عن أبيه عن جده عن عبد الله ذي البجادين، الذي هلك في غزوة تبوك أنه هلك في جوف الليل، فنـزل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في حفرته، وقال لأبي بكر وعمر -رضي الله عنهما-: «أدليا إلي أخاكما، فلما وضعه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في لحده قال: اللهم إني راض عنه، فارض عنه فقال أبو بكر: والله لوددت أني صاحب الحفرة»(55). فقد دل الحديث على مشروعية الدعاء للميت، وهو دليل على انتفاعه بهذا الدعاء، والدعاء ليس من عمل الميت، مع أنه ينتفع به. ومثل هذا يقال في الأحاديث الواردة في الدعاء على الجنازة(56)، كحديث أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يصلي على الجنازة؟ فقال: قال: «اللهم أنت ربها، وأنت خلقتها، وأنت هديتها للإِسلام، وأنت أعلم بسرِّها وعلانيتها، جئنا شفعاء، فاغفر لها»(57). وعن عوف بن مالك -رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على جنازة فقال: «اللهم اغفر له وارحمه واعف عنه، وعافه، وأكرم نزله ووسِّع مَدخله، واغسله بماءٍ وثلج وبرد، ونقِّه من الخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدَّنس، وأبدله داراً خيراً من داره، وأهلاً خيراً من أهله، وزوجاً خيراً من زوجه، وقِهِ فتنة القبر، وعذاب النار»(58). وغيرها.

تأويل المجيزين لإهداء ثواب قراءة القرآن للموتى، لأدلة المحرمين:

أوَّل المجيزون لإهداء ثواب قراءة القرآن للميت أدلة المحرمين لذلك بالآتي:

- أما قوله تعالى: ﴿وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى﴾ [النجم: 39]، فأوَّلوه بالآتي:

  1. قال القرطبي: "ويحتمل أن يكون قوله: ﴿وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى﴾ خاص في السيئة، بدليل ما في صحيح مسلم عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: «قال الله عز وجل: إذا همَّ عبدي بحسنة، ولم يعملها كتبتها له حسنة، فإن عملها كتبتها عشر حسنات إلى سبعمائة ضعف، وإذا همَّ بسيئة ولم يعملها، لم أكتبها عليه، فإن عملها كتبتها سيئة واحدة»(59).
  2. وقال أبو بكر الوراق: ﴿إِلَّا مَا سَعَى﴾ إلا ما نوى، بيانه قوله -صلى الله عليه وسلم-: «يبعث الناس يوم القيامة على نياتهم»(60).
  3. ونقل عن ابن عباس قوله: إن قوله تعالى: ﴿وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى﴾ منسوخ بقوله تعالى: ﴿والذين آمَنُواْ واتبعتهم ذُرِّيَّتُهُم بِإِيمَانٍ﴾ [الطور: 21](61).
  4. وقيل: هي خاصة بقوم موسى وإبراهيم؛ لأنه وقع حكاية عما في صحفهما عليهما الصلاة والسلام، بقوله تعالى: ﴿أَمْ لَمْ يُنَبَّأْ بِمَا فِي صُحُفِ مُوسَى وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى﴾ [النجم: 36،37](62). قال عكرمة: هذا في حقهم خاصة بخلاف شرعنا؛ بدليل حديث الخثعمية.(63).
  5. وقيل: أريد بالإنسان في الآية: الكافر، وأما المؤمن فله ما سعى أخوه.(64) قال في كشاف القناع: "أو أنها مختصة بالكافر أي: ليس له من الخير إلا جزاء سعيه، يوفَّاه في الدنيا، وماله في الآخرة من نصيب"(65).
  6. وقيل: ليس للإنسان من طريق العدل إلا ما سعى هو، وله من طريق الفضل ما سعى غيره به له.(66)
  7. وقيل اللام في (للإنسان) بمعنى على، كقوله تعالى: ﴿وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا﴾ [الإسراء: 7], أي: فعليها، وكقوله تعالى: ﴿لَهُمُ اللَّعْنَةُ﴾ [الرعد: 25] أي: عليهم.(67)
  8. وقيل ليس له إلا سعيه، لكن سعيه قد يكون بمباشرة أسبابه؛ بتكثير الإخوان، وتحصيل الإيمان، حتى صار ممن تنفعه شفاعة الشافعين.(68)

وقد رام بعض العلماء الجمع بين قوله تعالى: ﴿وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى﴾ [النجم: 39]، وقوله تعالى: ﴿والذين آمَنُواْ واتبعتهم ذُرِّيَّتُهُم بِإِيمَانٍ﴾ [الطور: 21]، ومن هؤلاء الإمام الشنقيطي، حيث قال: ﴿وَأَن لَّيْسَ لِلإِنسَانِ إِلاَّ مَا سعى﴾ يدل على أن الإنسان لا يستحق أجراً إلا على ما سعيه بنفسه، ولم تتعرض هذه الآية لانتفاعه بسعي غيره بنفي ولا إثبات، لأن قوله: ﴿وَأَن لَّيْسَ لِلإِنسَانِ إِلاَّ مَا سعى﴾ قد دلت اللام فيه على أنه لا يستحق، ولا يملك شيئاً، إلا بسعيه، ولم تتعرض لنفي الانتفاع بما ليس ملكاً له ولا مستحقاً له"(69).

وقال أيضاً: "الآية (يقصد آية النجم) إنما دلت على نفي ملك الإنسان لغير سعيه، ولم تدل على نفي انتفاعه بسعي غيره، لأنه لم يقل: وأن لن ينتفع الإنسان إلا بما سعى، وإنما قال: وأن ليس للإنسان، وبين الأمرين فرق ظاهر، لأن سعي الغير ملك لساعيه، إن شاء بذله لغيره، فانتفع به ذلك الغير، وإن شاء أبقاه لنفسه...

الثاني: أن إيمان الذرية هو السبب الأكبر في رفع درجاتهم، إذ لو كانوا كفاراً لما حصل لهم ذلك. فإيمان العبد وطاعته سعي منه في انتفاعه بعمل غيره من المسلمين، كما وقع في الصلاة في الجماعة، فإن صلاة بعضهم مع بعض يتضاعف بها الأجر زيادة على صلاته منفرداً، وتلك المضاعفة انتفاع بعمل الغير، سعى فيه المصلي بإيمانه وصلاته في الجماعة، وهذا الوجه يشير إليه قوله تعالى: ﴿واتبعتهم ذُرِّيَّتُهُم بِإِيمَانٍ﴾.

الثالث: أن السعي الذي حصل به رفع درجات الأولاد، ليس للأولاد، كما هو نص قوله تعالى: ﴿وَأَن لَّيْسَ لِلإِنسَانِ إِلاَّ مَا سعى﴾ [النجم: 39]، ولكن من سعي الآباء، فهو سعي للآباء أقر الله عيونهم بسببه، بأن رفع إليهم أولادهم؛ ليتمتعوا في الجنة برؤيتهم. فالآية تصدق الأخرى ولا تنافيها؛ لأن المقصود بالرفع إكرام الآباء لا الأولاد، فانتفاع الأولاد تبع، فهو بالنسبة إليه تفضل منَّ الله عليهم بما ليس لهم، كما تفضل بذلك على الولدان والحور العين، والخلق الذين ينشؤهم للجنة. والعلم عند الله تعالى"(70).

- كما إنهم أوَّلوا قوله تعالى: ﴿لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُم مَّا كَسَبْتُمْ﴾ [البقرة: 134](71). بأنها تدل بالمفهوم على أن المرء لا ينتفع بعمل غيره، ولكن منطوق الأحاديث التي استدلوا بها قد دلت على خلافه، وإذا تعارض المفهوم والمنطوق قُدِّم المنطوق.(72)

- وأما حديث «إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث» فقد أوَّلوه، بأن الخلاف في عمل غيره لا في عمله هو. ولا يضر جهل الفاعل بالثواب؛ لأن الله يعلمه.(73) قال ابن قدامة: "ولا حجة لهم في الخبر الذي احتجوا به؛ لأنه إنما دل على انقطاع عمله، وليس هذا من عمله، فلا دلالة عليه فيه، ولو دل عليه كان مخصوصاً بما سلموه، فيتعدى إلى ما منعوه، وما ذكروه من المعنى غير صحيح، فإن تعدي الثواب ليس بفرع لتعدي النفع، ثم هو باطل بالصوم والدعاء والحج، وليس له أصل يعتبر به"(74). وقال في تبيين الحقائق عن هذا الحديث: "لا يدل على انقطاع عمل غيره، والكلام فيه، وليس فيه شيء مما يستبعد عقلا؛ لأنه ليس فيه إلا جعل ما له من الأجر لغيره، والله تعالى هو الموصل إليه، وهو قادر عليه، ولا يختص ذلك بعمل دون عمل"(75).

الخلاصة:

اختلف العلماء في إهداء الحي لقراءة القرآن للميت، وهل يصل إليه ذلك وينفعه؟ على ثلاثة أقوال، كالآتي:

  1. إهداء القرآن من الحي للميت جائز، ويصل إليه وينفعه. وبه قال الحنفية، وبعض أصحاب مالك، والكثيرون من أصحاب الشافعي، وهو المشهور عن أحمد.
  2. لا يجوز إهداء القرآن للميت، وذلك لا يصل إليه، ولا ينفعه. وبه قال مالك، وهو المشهور عن الشافعي، وهو قول الأكثر من أصحاب أحمد، ونسبه في تبيين الحقائق من كتب الحنفية للمعتزلة.(76)
  3. حصول ثواب الاستماع للميت، ولكن لا يصح منه ذلك. وهو قولٌ عند المالكية، وقول عند الحنابلة.

الراجح:

من خلال العرض السابق لأدلة الفريقين، يتبين لنا أن الراجح هو قول القائلين بالجواز؛ للآتي:

  1. لأن أدلة القائلين بالجواز أوضح في الدلالة على حكم هذه المسألة، من أدلة القائلين بالحرمة.
  2. ولأن أدلة القائلين بالحرمة يمكن تأويلها أو الرد عليها كالآتي:

أما استدلالهم بقوله تعالى: ﴿وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى﴾ [النجم: 39] (77)، وقوله تعالى: ﴿لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُم مَّا كَسَبْتُمْ وَلاَ تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ [البقرة: 134]، وأن القراءة للأموات ليس من عملهم ولا كسبهم، فجوابه كالآتي:

إن الآيتين تتحدثان عن أصل من أصول الشريعة، وهو أن الإنسان ليس له من عمله، إلا ما كسبه هو أو سعى في تحصيله، وهذا ما هو مقرر في غير هذه الآيتين، كقوله تعالى: ﴿كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ﴾ [المدثر: 38]، وليس في الآيتين ما يدل على أن المرء لا ينتفع بما يهبه غيره له من ثواب الأعمال، على أنه يمكن القول: إن إهداء الحي للميت ثواب القراءة، من سعي الإنسان ومن كسبه؛ لأن هذا الإهداء -في الغالب- إنما يكون عن صلةٍ وعلاقةٍ وحبٍ بين الحي والميت، وهذا من كسب الميت في حياته.

وعلى فرض صحة استدلال المحرمين بهاتين الآيتين، فإنه يقال: إن الآيتين في غير موضع النـزاع؛ لأنهما تتحدثان عن سعي الإنسان لنفسه، لا في سعي الغير له، وهو موضع الخلاف.

على أن هاتين الآيتين -وهما غير صريحتين في المراد- قد عارضتا ما هو صريح في المراد، وذلك قوله تعالى: ﴿والذين آمَنُواْ واتبعتهم ذُرِّيَّتُهُم بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَآ أَلَتْنَاهُمْ مِّنْ عَمَلِهِم مِّن شَيْءٍ﴾ [الطور: 21]، والتي تدل على أن المرء ينتفع بفعل الغير.

- وأما استدلالهم بحديث: «إذا مات ابن آدم انقطع عمله، إلا من ثلاث:...». فجوابه كالآتي:

إن الحديث في غير موضع الخلاف، كما في الآيتين المتقدمتين؛ لأن الحديث يتكلم عن عمل الميت نفسه، ولم يتكلم عن عمل الغير، يُهدَى للإنسان.

كما أن هذا الحديث -وهو غير صريح في المراد- قد عارض ما هو صريح في المراد، وذلك ما تقدم في صيام المرأة وحجها وصدقتها عن أبيها أو أمها.

- وأما استدلالهم بقياس القراءة على الصلاة في عدم الوصول؛ لأن كل منهما عبادة بدنية فجوابه: أن الأولى هو قياس هذه المسألة على الدعاء، والحج، فإنهما تصلان إلى الميت، وقراءة القرآن للميت مثلهما؛ بجامع أن كلاً منها عبادة بدنية.

فإن قيل: إن الصلاة عبادة بدنية، ولكن مع ذلك لا يصل ثوابها إلى الميت، فلِمَ لا تقاس القراءة على الصلاة، في عدم جواز الإهداء، وعدم وصول ثوابها للميت؟

فالجواب عنه: إن هناك فرقاً بين المسألتين، فإن الصلاة لا يمكن النيابة فيها، ولا يمكن للمرء أن يقوم بها عن غيره، سواء قدر المرء على أدائها بنفسه، أم لم يقدر، أما في حال القدرة فواضح، وأما في حال العجز؛ فلأنه قد سقط وجوبها عنه.

بخلاف الدعاء والحج، فأما الدعاء، فإنه يمكن أن يقوم الغير به؛ بدلالة النصوص المتقدم ذكرها. وأما في الحج؛ فلأنها عبادة تقبل النيابة ممن عجز عن أدائها بنفسه.

كما أن القراءة بقيت على أصلها في جواز إهداء العبادات البدنية، المدلول عليه بأحاديث الدعاء والحج المتقدمة. وأما الصلاة، وهي وإن كانت عبادة بدنية، إلا أنه لا يجوز إهداؤها للإجماع -كما تقدم- على عدم جواز ذلك، فخرجت بهذا من الأصل الذي كانت عليه من جواز إهداء العبادات البدنية.

- وأما ما تبقى من أدلتهم، فلا تقوى على دفع النصوص الشرعية الدالة على الجواز.

والله تعالى أعلى وأعلم. وإليه المرجع والمآب، وهو حسبنا، ونِعم الوكيل.

والحمد لله رب العالمين، وهو الهادي إلى سواء السبيل. وصلى الله على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

كتبه الفقير إلى عفو ربه العلي: علي بن عبد الرحمن بن علي دبيس.

الخميس - 14 ربيع الآخر 1428هـ، 3/ 5/ 2007م.

راجعه: يونس بن عبد الرب الطلول، وعبد الوهاب بن مهيوب مرشد الشرعبي.

____________________

(1) تفسير ابن كثير 7/ 465.

(2) صحيح مسلم 8/ 405، برقم: 3084، سنن النسائي 11/ 424، برقم: 3591، سنن الترمذي 5/ 243، برقم: 1297.

(3) سنن النسائي 13/ 462، برقم: 4373، سنن أبي داود 9/ 406، برقم: 3061، عن عائشة. والحديث صحيح. انظر: مختصر إرواء الغليل 1/ 429، برقم: 2162.

(4) صحيح مسلم 13/ 164، برقم: 4831، سنن الترمذي 9/ 284، برقم: 2598. عن أبي هريرة.

(5) فتح الوهاب 2/ 31.

(6) الشرح الكبير لابن قدامة 2/ 425.

(7) شرح النووي على مسلم 1/ 25.

(8) تفسير القرطبي 17/ 114.

(9) منح الجليل شرح مختصر خليل 3/ 176.

(10) انظر: تبيين الحقائق شرح كنـز الدقائق 5/ 131.

(11) منح الجليل شرح مختصر خليل 3/ 176.

(12) منح الجليل شرح مختصر خليل 16/ 172. والحديث سيأتي تخريجه قريباً.

(13) حاشية الدسوقي على الشرح الكبير 4/ 173.

(14) حاشية الدسوقي على الشرح الكبير 4/ 172.

(15) منح الجليل شرح مختصر خليل 3/ 177.

(16) منح الجليل شرح مختصر خليل 3/ 177.

(17) شرح النووي على مسلم 1/ 25.

(18) انظر: فتح المعين 3/ 258.

(19) فتح الوهاب 2/ 31.

(20) انظر: فتح المعين 3/ 258.

(21) نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج 19/ 341.

(22) الشرح الكبير لابن قدامة 2/ 425.

(23) كشاف القناع عن متن الإقناع 4/ 431.

(24) الشرح الكبير لابن قدامة 2/ 426.

(25) كشاف القناع عن متن الإقناع 4/ 431.

(26) شرح النووي على مسلم 1/ 25، تفسير ابن كثير 7/ 465، تبيين الحقائق شرح كنـز الدقائق 5/ 131، كشاف القناع عن متن الإقناع 4/ 431. منح الجليل شرح مختصر خليل 3/ 177.

(27) تفسير ابن كثير 7/ 465.

(28) كشاف القناع عن متن الإقناع 4/ 431.

(29) شرح النووي على مسلم 1/ 25، الشرح الكبير لابن قدامة 2/ 426، كشاف القناع عن متن الإقناع 4/ 431. منح الجليل شرح مختصر خليل 3/ 177. والحديث تقدم تخريجه.

(30) منح الجليل شرح مختصر خليل 3/ 177.

(31) تفسير ابن كثير 7/ 465.

(32) تفسير ابن كثير 7/ 465.

(33) تبيين الحقائق شرح كنـز الدقائق 5/ 131، المغني5/ 80.

(34) الشرح الكبير لابن قدامة 2/ 426.

(35) تبيين الحقائق شرح كنـز الدقائق 5/ 132، فتح القدير 6/ 135.

(36) الشرح الكبير لابن قدامة 2/ 425، المغني5/ 79.

(37) انظر: الشرح الكبير لابن قدامة 2/ 425، المغني5/ 79.

(38) تبيين الحقائق شرح كنـز الدقائق 5/ 132.

(39) أضواء البيان 8/ 53.

(40) تبيين الحقائق شرح كنـز الدقائق 5/ 131.

(41) كشف الخفاء 2/ 282، برقم: 2630، وقال: رواه الرافعي في تاريخه عن علي.قال الألباني: موضوع. انظر: السلسلة الضعيفة 3/ 289، برقم: 1290.

(42) تبيين الحقائق شرح كنـز الدقائق 5/ 132.

(43) سنن أبي داود 8/ 385، برقم: 2714، سنن ابن ماجة 4/ 380، برقم: 1438، قال الألباني: ضعيف. انظر: مختصر إرواء الغليل 1/ 138، برقم: 688.

(44) المستدرك على الصحيحين للحاكم 17/ 406، برقم: 7654، شعب الإيمان للبيهقي 3/ 485، برقم: 1429. والحديث صححه الألباني بلفظ "أن أنس بن مالك حدثهم أن نبي الله -صلى الله عليه وسلم-: «ضحى بكبشين أقرنين أملحين يطأ على صفاحهما ويذبحهما ويسمي ويكبر». انظر: صحيح وضعيف سنن النسائي 9/ 490، برقم: 4418.

(45) تبيين الحقائق شرح كنـز الدقائق 5/ 132.

(46) صحيح البخاري 5/ 35، برقم: 1208، صحيح مسلم 4/ 496، برقم: 1539.

(47) الشرح الكبير لابن قدامة 2/ 426.

(48) المصدر السابق.

(49) شرح النووي على مسلم 1/ 25.

(50) صحيح البخاري 7/ 52، برقم: 1817، صحيح مسلم 6/ 6، برقم: 1936.

(51) صحيح مسلم 7/ 35، برقم: 2375، سنن النسائي 8/ 464، برقم: 2593.

(52) صحيح البخاري 9/ 321، برقم: 2563، سنن أبي داود 8/ 79، برقم: 2496.

(53) الشرح الكبير لابن قدامة 2/ 425، المغني 5/ 79.

(54) منح الجليل شرح مختصر خليل 3/ 177.

(55) المعجم الأوسط للطبراني 19/ 444، برقم: 11165. وكثير ضعيف. انظر: مجمع الزوائد ومنبع الفوائد 1/ 466.

(56) انظر: الشرح الكبير لابن قدامة 2/ 425، المغني5/ 79.

(57) سنن أبي داود 8/ 492، برقم: 2785، مسند أحمد 17/ 231، برقم: 8189. قال الألباني: ضعيف. انظر: مشكاة المصابيح 1/ 380، برقم: 1688.

(58) صحيح مسلم 5/ 75، برقم: 1601، سنن النسائي 7/ 84، برقم: 1957.

(59) صحيح مسلم 1/ 320، برقم: 184، سنن الترمذي 10/ 337، برقم: 2999.

(60) تفسير القرطبي 17/ 115. ومراده بالحديث هو حديث عائشة -رضي الله عنها- قالت: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «يغزو جيش الكعبة، فإذا كانوا ببيداء من الأرض، يخسف بأولهم وآخرهم. قالت: قلت: يا رسول الله! كيف يخسف بأولهم وآخرهم، وفيهم أسواقهم، ومن ليس منهم؟ قال: يخسف بأولهم وآخرهم، ثم يبعثون على نياتهم» رواه البخاري 7/ 314، برقم: 1975، ومسلم 14/ 55، برقم: 5134.

(61) انظر: تبيين الحقائق شرح كنـز الدقائق 5/ 132، فتح القدير 6/ 133، نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج 19/ 340، كشاف القناع عن متن الإقناع 4/ 431، 432.

(62) تبيين الحقائق شرح كنـز الدقائق 5/ 132، فتح القدير 6/ 133.

(63) كشاف القناع عن متن الإقناع 4/ 431، 432. ومراده بحديث الخثعمية، هو قولها: "إن فريضة الله على عباده في الحج، أدركت أبي شيخاً كبيراً" وقد تقدم ذكره وتخريجه.

(64) انظر: تبيين الحقائق شرح كنـز الدقائق 5/ 132، فتح القدير 6/ 133. نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج 19/ 340.

(65) كشاف القناع عن متن الإقناع 4/ 431، 432.

(66) انظر: تبيين الحقائق شرح كنـز الدقائق 5/ 132، فتح القدير 6/ 133. نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج 19/ 340، كشاف القناع عن متن الإقناع 4/ 431، 432.

(67) انظر: تبيين الحقائق شرح كنـز الدقائق 5/ 132، فتح القدير 6/ 133، كشاف القناع عن متن الإقناع 4/ 431، 432.

(68) تبيين الحقائق شرح كنـز الدقائق 5/ 132، فتح القدير 6/ 133.

(69) أضواء البيان 8/ 52.

(70) أضواء البيان 8/ 53.

(71) كشاف القناع عن متن الإقناع 4/ 431.

(72) انظر: كشاف القناع عن متن الإقناع 4/ 431، 432.

(73) المصدر السابق.

(74) الشرح الكبير لابن قدامة 2/ 426.

(75) تبيين الحقائق شرح كنـز الدقائق 5/ 132، فتح القدير 6/ 133.

(76) تبيين الحقائق شرح كنـز الدقائق 5/ 131.

(77) شرح النووي على مسلم 1/ 25، تفسير ابن كثير 7/ 465، تبيين الحقائق شرح كنـز الدقائق 5/ 131، كشاف القناع عن متن الإقناع 4/ 431. منح الجليل شرح مختصر خليل 3/ 177.

الحمد لله رب العالمين، الهادي إلى سواء السبيل، الفعال لما يريد، خلق فسوّى، وقدر فهدى، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين والأنبياء، محمد -صلى الله عليه، وعلى آله وسلم- وعلى أصحابه أجمعين، وعلى التابعين، وتابعيهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد:

فكثيراً ما نسمع من بعض المصلين في بعض مساجد صنعاء من يقول للناس بعد الصلاة: الفاتحة نهدي ثوابها إلى روح آبائنا وآبائكم، وأمهاتنا وأمهاتكم، وكل من له حق علينا، بأن الله يُسكنهم جناتٍ تجري من تحتها الأنهار، وأن يُدخل عليهم البهجة والسرور، والضياء والنور من يومنا هذا إلى يوم النشور، وأن يغفر لنا ولهم... وكذا نسمع مثل هذه العبارات في مآتم الأموات، وكذا عند زيارة المرضى، ومثله عند زيارة المقابر... وغيرها من المواضع.

وقد وُجد من الناس من يُنكر مثل هذه الأفعال، ويقول بحرمة إهداء ثواب قراءة القرآن إلى الأموات، وأن ذلك مما لا ينفع الميت، وأنه لا يصل إليه، ويعتبر أن مثل هذه الأفعال من البدع المنكرة، التي لا بد من اجتنابها، كما وُجد فريق آخر يقول: إن ذلك من الأمور الجائزة، وأنه مما يجوز فعله، وأنه مما ينفع الميت، وأنه يصل إليه؛ ولذا فقد أحببت أن أبحث هذه المسألة من خلال ما قاله فقهاء المسلمين، وما قال علماء التفسير، وسيكون سير البحث على النحو الآتي:

-1. تمهيد.

-2. إهداء ثواب قراءة القرآن للميت.

-3. الأدلة على أن القراءة لا يصل إهداء ثوابها إلى الموتى.

-4. الأدلة على أن القراءة يصل إهداء ثوابها إلى الموتى.

-5. تأويل المجيزين لأدلة المحرمين.

-6. الخلاصة.

-7. الراجح.

ولذلك أقول مستعيناً بالله تعالى، وهو حسبي، ونِعم الوكيل:

تمهيد:

أجمع العلماء على أن إهداء أجر الصدقة إلى الميت جائز، وأنه يصل إلى الميت، وأنه ينفعه، ومثله الدعاء للميت. قال ابن كثير: "فأما الدعاء والصدقة، فذاك مجمع على وصولهما، ومنصوص من الشارع عليهما"(1). ولحديث أبي هريرة قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «إذا مات الإنسان انقطع عمله، إلا من ثلاث: من ولد صالح يدعو له، أو صدقة جارية من بعده، أو علم ينتفع به»(2)، فهذه الثلاثة -في الحقيقة- هي من سعيه وكده وعمله، كما جاء في الحديث: «إن أطيب ما أكل الرجل من كسبه، وإن ولده من كسبه »(3)... وثبت في الصحيح: «من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من اتبعه، من غير أن ينقص من أجورهم شيئاً»(4). وقال في فتح الوهاب من كتب الشافعية: "وينفعه أي الميت من وارث وغيره صدقة ودعاء، بالإجماع وغيره"(5). وقد نقل هذا الإجماع أيضاً ابن قدامة الحنبلي في الشرح الكبير، حيث قال: "وأي قربة فعلها وجعل ثوابها للميت المسلم نفعه ذلك، أما الدعاء والاستغفار والصدقة وقضاء الدين وأداء الواجبات فلا نعلم فيه خلافاً إذا كانت الواجبات مما يدخله النيابة"(6).

وقال النووي: "وأما ما حكاه أقضى القضاة أبو الحسن الماوردي البصري الفقيه الشافعي في كتابه الحاوي عن بعض أصحاب الكلام من أن الميت لا يلحقه بعد موته ثواب، فهو مذهب باطل، قطعاً وخطأ بيِّن، مخالف لنصوص الكتاب والسنة وإجماع الأمة، فلا التفات إليه ولا تعريج عليه"(7(.

كما أجمعوا على أنه لا يصلي أحد عن أحد. قال القرطبي: "وأجمعوا أنه لا يصلي أحد عن أحد"(8(

ومثله الإيمان والتوحيد، لا يمكن للعبد أن يهبه لغيره. قاله القرافي المالكي.(9(

واختلفوا في إهداء ثواب ما سوى ذلك من الأعمال، ومن هذه المسائل إهداء ثواب قراءة القرآن للميت وذلك على النحو الآتي:

إهداء ثواب قراءة القرآن للميت:

وقع بين فقهاء المسلمين اختلاف في إهداء ثواب قراءة القرآن للميت، هل يجوز له ذلك؟ وهل يصل ذلك إلى الميت؟ وهل ينفعه؟ واليك بيان ذلك على حسب مذاهبهم كالآتي:

- مذهب الحنفية:

يرى الحنفية أن إهداء ثواب قراءة القرآن للميت جائز، وأن ذلك ينفعه، وأنه يصل إليه، وهو ما نص عليه في تبيين الحقائق من كتبهم.(10(

- مذهب المالكية:

يذهب الإمام مالك إلى عدم جواز إهداء قراءة القرآن للميت، وأن ذلك لا ينفعه، ولا يصل إليه. وقال بعض أصحابه: إن ذلك ينفعه، ويصل إليه. قال في منح الجليل: "قال القرافي: القربات ثلاثة أقسام:

  1. قسم حجر الله تعالى على عبده في ثوابه، ولم يجعل له نقله إلى غيره، كالإيمان والتوحيد.
  2. وقسم اتفق على جواز نقله، وهو القربات المالية.
  3. وقسم اختلف فيه، وهو الصوم والحج والقراءة، فمنعه مالك والشافعي، رضي الله تعالى عنهما...

ثم قال: فينبغي للإنسان أن لا يتركه، فلعل الحق هو الوصول، فإنه مغيب، وكذا التهليل الذي اعتاد الناس ينبغي عمله، والاعتماد على فضل الله تعالى"(11).

ونقل في منح الجليل أيضاً عن ابن رشد قوله في فتوى له عن معنى قوله تعالى: ﴿وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى﴾ [النجم: 39]، قال: "إن قرأ وأهدى ثواب قراءته للميت، جاز ذلك، وحصل أجره للميت، ووصل إليه نفعه إن شاء الله تعالى؛ لحديث النسائي عنه -صلى الله عليه وسلم-: «من دخل مقبرة وقرأ: ﴿قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ﴾ [الإخلاص: 1]. إحدى عشرة مرة، وأهدى ثوابها لهم، كتب الله له من الحسنات بعدد من دفن فيها»(12).

ونقل الدسوقي عن ابن رشد هذا القول أيضاً، ونقل مثله عن ابن هلال، ونسب هذا القول للأندلسيين، حيث قال: "وقال ابن هلال في نوازله: الذي أفتى به ابن رشد وذهب إليه غير واحد من أئمتنا الأندلسيين: أن الميت ينتفع بقراءة القرآن الكريم ويصل إليه نفعه، ويحصل له أجره إذا وهب القارئ ثوابه له، وبه جرى عمل المسلمين شرقاً وغرباً، ووقفوا على ذلك أوقافاً، واستمر عليه الأمر منذ أزمنة سالفة"(13). وهذا هو مذهب المتأخرين من المالكية، كما نص عليه الدسوقي، حيث قال: "لكن المتأخرون على أنه لا بأس بقراءة القرآن والذكر، وجعل ثوابه للميت، ويحصل له الأجر، إن شاء الله"(14).

وقد ذكر المالكية قولاً ثالثاً في هذه المسألة، وهو: حصول ثواب الاستماع للميت، ولكن لا يصح منه ذلك؛ لانقطاع التكليف عنه.(15) ولعل مقصودهم بهذا القول هو عدم وصول ثواب الإهداء للميت، ولكنه ينتفع بهذه القراءة من جهة سماعه لها.

وقد علَّق في منح الجليل على انقطاع التكليف عنه، فقال: "والظاهر حصول بركة القراءة؛ لحصولها بمجاورة الرجل الصالح، ولا تتوقف على التكليف، فقد حصلت بركة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- للخيل والدواب وغيرهما، كما ثبت بالجملة"(16).

- مذهب الشافعية:

للشافعية في هذه المسألة أقوال:

  1. فالمشهور عن الشافعي: عدم جواز إهداء ثواب قراءة القرآن للميت، وأن ذلك لا ينفعه، ولا يصل إليه.
  2. وقال الكثيرون من أصحابه: يجوز إهداء ثواب قراءة القرآن للميت، وأن ذلك ينفعه، وأنه يصل إليه.

قال النووي: "وأما قراءة القرآن، فالمشهور من مذهب الشافعي، أنه لا يصل ثوابها إلى الميت، وقال بعض أصحابه: يصل ثوابها إلى الميت"(17). وقد علَّق في فتح المعين على كلام النووي هذا فقال: "وحمل جمع عدم الوصول الذي قاله النووي على ما إذا قرأ لا بحضرة الميت، ولم ينو القارئ ثواب"(18)، ونقل في فتح الوهاب عن السبكي قوله: "الذي دل عليه الخبر بالاستنباط، أن بعض القرآن، إذا قُصِد به نفع الميت نفعه"(19). وقد نقل في فتح المعين أن القول بالجواز، هو ما اختاره كثيرون من أئمة الشافعية.(20)

وقال في نهاية المحتاج: "وفي القراءة وجه -وهو مذهب الأئمة الثلاثة- بوصول ثوابها للميت بمجرد قصده بها، واختاره كثير من أئمتنا... قال ابن الصلاح: وينبغي الجزم بنفع: اللهم أوصل ثواب ما قرأناه. أي: مثله فهو المراد، وإن لم يصرح به لفلان؛ لأنه إذا نفعه الدعاء بما ليس للداعي، فما له أولى"(21).

- مذهب الحنابلة:

وللحنابلة في هذه المسألة أقوال أيضاً كالمالكية، وهي كالآتي:

  1. جواز إهداء ثواب قراءة القرآن للميت وأن ذلك ينفعه ويصل إليه. وهذا هو المشهور عن أحمد.
  2. عدم جواز إهداء ثواب قراءة القرآن للميت وأن ذلك ينفعه ويصل إليه. ونسبه البهوتي إلى الأكثر.
  3. وقيل: الثواب للقارئ، ولكن الرحمة تُرجى للميت بها.

قال ابن قدامة: "وأي قربة فعلها، وجعل ثوابها للميت المسلم، نفعه ذلك"(22). وقال البهوتي: "وكل قربة فعلها المسلم، وجعل ثوابها أو بعضها، كالنصف ونحوه، كالثلث أو الربع، لمسلم حي أو ميت، جاز ذلك ونفعه، ذلك لحصول الثواب له، حتى لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- ذكره المجد، من بيان لكل قربة تطوع وواجب، تدخله النيابة، كحج ونحوه كصوم نذر، أو لا تدخله النيابة، كصلاة وكدعاء واستغفار، وصدقة وعتق وأضحية وأداء دين وصوم وكذا قراءة وغيرها. قال أحمد: الميت يصل إليه كل شيء من الخير؛ للنصوص الواردة فيه، ولأن المسلمين يجتمعون في كل مصر، ويقرءون ويهدون لموتاهم من غير نكير، فكان إجماعاً"(23).

وقال بعضهم: إذا قرئ القرآن عند الميت، أو أهدي إليه ثوابه، كان الثواب لقارئه، ويكون الميت كأنه حاضرها فترجى له الرحمة.(24)

وقال البهوتي: "وقال الأكثر: لا يصل إلى الميت ثواب القراءة وأن ذلك لفاعله".(25)

الأدلة على أن القراءة لا يصل إهداء ثوابها إلى الموتى:

استدل من قال من العلماء بعدم وصول إهداء ثواب قراءة القرآن للموتى، وبأن ذلك لا ينفعهم، بأدلة منها:

  1. قوله تعالى: ﴿وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى﴾ [النجم: 39] (26)، ووجه الدلالة من الآية هو أن القراءة للأموات ليس من عملهم ولا كسبهم؛ ولهذا لم يندب إليه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أمته ولا حثهم عليه، ولا أرشدهم إليه بنص ولا إيماء.(27)
  2. وقوله تعالى: ﴿لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُم مَّا كَسَبْتُمْ وَلاَ تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ [البقرة: 134]،(28). فقد دلت الآية على أن الإنسان يؤاخذ بفعل نفسه، ولا يؤاخذ بفعل غيره.
  3. واستدلوا أيضاً(29) بقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: «إذا مات ابن آدم انقطع عمله، إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به من بعده، أو ولد صالح يدعو له». فقد دل الحديث على انقطاع العمل عن الميت، إلا هذه الثلاث المذكورة في الحديث، وليس إهداء ثواب القراءة منها.
  4. واستدلوا أيضاً بقياس القراءة على الصلاة في عدم الوصول؛ لأن كل منهما عبادة بدنية.(30)
  5. واستدلوا أيضاً بأنه لم ينقل عن أحد من الصحابة -رضي الله عنهم- أنهم كانوا يُهدُون ثواب القراءة للأموات، ولو كان خيراً لسبقونا إليه.(31)
  6. واستدلوا أيضاً بأن باب القربات يقتصر فيه على النصوص، ولا يتصرف فيه بأنواع الأقيسة والآراء.(32)
  7. واستدلوا أيضاً بأن ثواب القراءة هو الجنة، وليس في قدرة العبد أن يجعلها لنفسه فضلاً أن يجعلها لغيره.(33)
  8. واستدلوا أيضاً بأن نفع القراءة لا يتعدى فاعله، فلا يتعداه ثوابه.(34)

الأدلة على أن القراءة يصل إهداء ثوابها إلى الموتى:

استدل من قال من العلماء بوصول إهداء ثواب قراءة القرآن للموتى، وأن ذلك ينفعهم، بأدلة منها:

  1. قوله تعالى: ﴿الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَّحْمَةً وَعِلْماً فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ * وَقِهِمُ السَّيِّئَاتِ﴾ [غافر: 7،8]، ودعاء الميت لهم؟ ليس من عمل الأموات بل ذلك من عمل الغير وقد نفعهم.(35)
  2. وقول الله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ جَاؤُوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ﴾ [الحشر: 10](36). ودلالته على المراد كسابِقِه.
  3. وقال سبحانه: ﴿وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ﴾ [محمد: 19](37). فقد أمر الله نبيه أن يستغفر للمؤمنين، فدل ذلك أن الاستغفار يصل إليهم وينفعهم. قال في تبيين الحقائق: "وروي عن أبي هريرة قال: يموت الرجل، ويدع ولداً، فيرفع له درجة، فيقول: ما هذا يا رب؟! فيقول سبحانه وتعالى: "استغفار ولدك". ولهذا قال تعالى: ﴿وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ﴾ [محمد: 19]، وما أمر الله به من الدعاء للمؤمنين والاستغفار لهم"(38).
  4. واستدلوا أيضاً بقوله تعالى: ﴿والذين آمَنُواْ واتبعتهم ذُرِّيَّتُهُم بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَآ أَلَتْنَاهُمْ مِّنْ عَمَلِهِم مِّن شَيْءٍ﴾ [الطور: 21]، فقد دلت الآية على أن الله سبحانه يُلحق الأبناء المؤمنين بآبائهم المؤمنين، وهذا دليل على أن الإنسان قد ينتفع بسعي غيره.(39)
  5. واستدلوا أيضاً بحديث(40): «من مر بالمقابر، فقرأ إحدى عشرة مرة ﴿قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ﴾ [الإخلاص: 1]، ثم وهب أجره الأموات، أعطى من الأجر بعدد الأموات»(41).
  6. وبحديث معقل بن يسار(42) رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «اقرءوا يس على موتاكم» رواه أبو داود.(43) فقد أمر -صلى الله عليه وسلم- بقراءة سورة يس -وهي من القرآن- على الموتى، وهذا دليل على أن القراءة تنفعهم، وإلا لما كان في الأمر لهم بقراءة يس فائدة.
  7. وعن عائشة وأبي هريرة -رضي الله عنهما- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ضحى بكبشين سمينين عظيمين أملحين أقرنين موجوئين، فذبح أحدهما، فقال: «اللهم عن محمد وأمته، من شهد لك بالتوحيد، وشهد لي بالبلاغ»(44). أي جعل ثوابه لأمته، وهذا تعليم منه عليه الصلاة والسلام أن الإنسان ينفعه عمل غيره، والاقتداء به هو الاستمساك بالعروة الوثقى.(45)
  8. واستدلوا أيضاً بحديث أبي موسى الأشعري -رضي الله عنه- قال: لما أصيب عمر -رضي الله عنه- جعل صهيب يقول: وا أخاه! فقال عمر -رضي الله عنه- أما علمت أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «إن الميت ليعذب ببكاء الحي»(46). فإذا كان البكاء يضره فالقراءة تنفعه، والله أكرم من أن يوصل عقوبة المعصية إليه، ويحجب عنه المثوبة.(47)
  9. واستدلوا أيضاً بإجماع المسلمين على جواز ذلك؛ فإنهم في كل عصر ومصر يجتمعون، ويقرأون القرآن، ويهدون ثوابه إلى موتاهم من غير نكير.(48)

قلت: نقْلُ الإجماع في هذه المسألة غريب؛ لأن الخلاف في المسألة مشهور.

  1. والقياس على الصدقة والحج، فإنهما تصلان إلى الميت بالإجماع(49)، وبالنصوص الشرعية الدالة على ذلك، كحديث ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: جاء رجل إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: «يا رسول الله! إن أمي ماتت، وعليها صوم شهر، أفأقضيه عنها؟ قال: "نعم. قال: فدين الله أحق أن يقضى»(50). وعنه أيضاً -رضي الله عنهما- أنه قال: كان الفضل بن عباس -رضي الله عنهما- رديف رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فجاءته امرأةٌ من خثعم، تستفتيه، فجعل الفضل ينظر إليها، وتنظر إليه، فجعل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يصرف وجه الفضل إلى الشق الآخر. قالت: «يا رسول الله! إن فريضة الله على عباده في الحج، أدركت أبي شيخاً كبيراً، لا يستطيع أن يثبت على الراحلة، أفأحج عنه؟ قال: نعم. وذلك في حجة الوداع»(51). وعنه أيضاً -رضي الله عنهما- أن رجلاً قال لرسول الله -صلى الله عليه وسلم-:«إن أمه توفيت، أينفعها إن تصدقت عنها؟ قال: نعم»(52)، فقد دلت هذه الأحاديث على أن الميت ينتفع بحج الحي عنه، وكذا تصدقه عنه، ويقاس عليه القراءة، فيقال: إن الميت ينتفع بقراءة الميت له. قال ابن قدامة: "وكلها أحاديث صحاح، وفيها دلالة على انتفاع الميت بسائر القرب؛ لأن الصوم والحج والدعاء والاستغفار كلها عبادات بدنية، وقد أوصل الله نفعها إلى الميت، فكذلك ما سواها، مع ما ذكرنا من الحديث في ثواب من قرأ يس وتخفيف الله عز وجل عن أهل المقابر بقراءته، ولأنه عمل بر وطاعة، فوصل نفعه وثوابه كالصدقة والصيام والحج الواجب"(53).
  2. واستدلوا أيضاً بالقياس على الدعاء(54) الذي ورد في مشروعيته للميت نصوص كثيرة، منها حديث كثير بن عبد الله عن أبيه عن جده عن عبد الله ذي البجادين، الذي هلك في غزوة تبوك أنه هلك في جوف الليل، فنـزل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في حفرته، وقال لأبي بكر وعمر -رضي الله عنهما-: «أدليا إلي أخاكما، فلما وضعه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في لحده قال: اللهم إني راض عنه، فارض عنه فقال أبو بكر: والله لوددت أني صاحب الحفرة»(55). فقد دل الحديث على مشروعية الدعاء للميت، وهو دليل على انتفاعه بهذا الدعاء، والدعاء ليس من عمل الميت، مع أنه ينتفع به. ومثل هذا يقال في الأحاديث الواردة في الدعاء على الجنازة(56)، كحديث أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يصلي على الجنازة؟ فقال: قال: «اللهم أنت ربها، وأنت خلقتها، وأنت هديتها للإِسلام، وأنت أعلم بسرِّها وعلانيتها، جئنا شفعاء، فاغفر لها»(57). وعن عوف بن مالك -رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على جنازة فقال: «اللهم اغفر له وارحمه واعف عنه، وعافه، وأكرم نزله ووسِّع مَدخله، واغسله بماءٍ وثلج وبرد، ونقِّه من الخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدَّنس، وأبدله داراً خيراً من داره، وأهلاً خيراً من أهله، وزوجاً خيراً من زوجه، وقِهِ فتنة القبر، وعذاب النار»(58). وغيرها.

تأويل المجيزين لإهداء ثواب قراءة القرآن للموتى، لأدلة المحرمين:

أوَّل المجيزون لإهداء ثواب قراءة القرآن للميت أدلة المحرمين لذلك بالآتي:

- أما قوله تعالى: ﴿وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى﴾ [النجم: 39]، فأوَّلوه بالآتي:

  1. قال القرطبي: "ويحتمل أن يكون قوله: ﴿وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى﴾ خاص في السيئة، بدليل ما في صحيح مسلم عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: «قال الله عز وجل: إذا همَّ عبدي بحسنة، ولم يعملها كتبتها له حسنة، فإن عملها كتبتها عشر حسنات إلى سبعمائة ضعف، وإذا همَّ بسيئة ولم يعملها، لم أكتبها عليه، فإن عملها كتبتها سيئة واحدة»(59).
  2. وقال أبو بكر الوراق: ﴿إِلَّا مَا سَعَى﴾ إلا ما نوى، بيانه قوله -صلى الله عليه وسلم-: «يبعث الناس يوم القيامة على نياتهم»(60).
  3. ونقل عن ابن عباس قوله: إن قوله تعالى: ﴿وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى﴾ منسوخ بقوله تعالى: ﴿والذين آمَنُواْ واتبعتهم ذُرِّيَّتُهُم بِإِيمَانٍ﴾ [الطور: 21](61).
  4. وقيل: هي خاصة بقوم موسى وإبراهيم؛ لأنه وقع حكاية عما في صحفهما عليهما الصلاة والسلام، بقوله تعالى: ﴿أَمْ لَمْ يُنَبَّأْ بِمَا فِي صُحُفِ مُوسَى وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى﴾ [النجم: 36،37](62). قال عكرمة: هذا في حقهم خاصة بخلاف شرعنا؛ بدليل حديث الخثعمية.(63).
  5. وقيل: أريد بالإنسان في الآية: الكافر، وأما المؤمن فله ما سعى أخوه.(64) قال في كشاف القناع: "أو أنها مختصة بالكافر أي: ليس له من الخير إلا جزاء سعيه، يوفَّاه في الدنيا، وماله في الآخرة من نصيب"(65).
  6. وقيل: ليس للإنسان من طريق العدل إلا ما سعى هو، وله من طريق الفضل ما سعى غيره به له.(66)
  7. وقيل اللام في (للإنسان) بمعنى على، كقوله تعالى: ﴿وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا﴾ [الإسراء: 7], أي: فعليها، وكقوله تعالى: ﴿لَهُمُ اللَّعْنَةُ﴾ [الرعد: 25] أي: عليهم.(67)
  8. وقيل ليس له إلا سعيه، لكن سعيه قد يكون بمباشرة أسبابه؛ بتكثير الإخوان، وتحصيل الإيمان، حتى صار ممن تنفعه شفاعة الشافعين.(68)

وقد رام بعض العلماء الجمع بين قوله تعالى: ﴿وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى﴾ [النجم: 39]، وقوله تعالى: ﴿والذين آمَنُواْ واتبعتهم ذُرِّيَّتُهُم بِإِيمَانٍ﴾ [الطور: 21]، ومن هؤلاء الإمام الشنقيطي، حيث قال: ﴿وَأَن لَّيْسَ لِلإِنسَانِ إِلاَّ مَا سعى﴾ يدل على أن الإنسان لا يستحق أجراً إلا على ما سعيه بنفسه، ولم تتعرض هذه الآية لانتفاعه بسعي غيره بنفي ولا إثبات، لأن قوله: ﴿وَأَن لَّيْسَ لِلإِنسَانِ إِلاَّ مَا سعى﴾ قد دلت اللام فيه على أنه لا يستحق، ولا يملك شيئاً، إلا بسعيه، ولم تتعرض لنفي الانتفاع بما ليس ملكاً له ولا مستحقاً له"(69).

وقال أيضاً: "الآية (يقصد آية النجم) إنما دلت على نفي ملك الإنسان لغير سعيه، ولم تدل على نفي انتفاعه بسعي غيره، لأنه لم يقل: وأن لن ينتفع الإنسان إلا بما سعى، وإنما قال: وأن ليس للإنسان، وبين الأمرين فرق ظاهر، لأن سعي الغير ملك لساعيه، إن شاء بذله لغيره، فانتفع به ذلك الغير، وإن شاء أبقاه لنفسه...

الثاني: أن إيمان الذرية هو السبب الأكبر في رفع درجاتهم، إذ لو كانوا كفاراً لما حصل لهم ذلك. فإيمان العبد وطاعته سعي منه في انتفاعه بعمل غيره من المسلمين، كما وقع في الصلاة في الجماعة، فإن صلاة بعضهم مع بعض يتضاعف بها الأجر زيادة على صلاته منفرداً، وتلك المضاعفة انتفاع بعمل الغير، سعى فيه المصلي بإيمانه وصلاته في الجماعة، وهذا الوجه يشير إليه قوله تعالى: ﴿واتبعتهم ذُرِّيَّتُهُم بِإِيمَانٍ﴾.

الثالث: أن السعي الذي حصل به رفع درجات الأولاد، ليس للأولاد، كما هو نص قوله تعالى: ﴿وَأَن لَّيْسَ لِلإِنسَانِ إِلاَّ مَا سعى﴾ [النجم: 39]، ولكن من سعي الآباء، فهو سعي للآباء أقر الله عيونهم بسببه، بأن رفع إليهم أولادهم؛ ليتمتعوا في الجنة برؤيتهم. فالآية تصدق الأخرى ولا تنافيها؛ لأن المقصود بالرفع إكرام الآباء لا الأولاد، فانتفاع الأولاد تبع، فهو بالنسبة إليه تفضل منَّ الله عليهم بما ليس لهم، كما تفضل بذلك على الولدان والحور العين، والخلق الذين ينشؤهم للجنة. والعلم عند الله تعالى"(70).

- كما إنهم أوَّلوا قوله تعالى: ﴿لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُم مَّا كَسَبْتُمْ﴾ [البقرة: 134](71). بأنها تدل بالمفهوم على أن المرء لا ينتفع بعمل غيره، ولكن منطوق الأحاديث التي استدلوا بها قد دلت على خلافه، وإذا تعارض المفهوم والمنطوق قُدِّم المنطوق.(72)

- وأما حديث «إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث» فقد أوَّلوه، بأن الخلاف في عمل غيره لا في عمله هو. ولا يضر جهل الفاعل بالثواب؛ لأن الله يعلمه.(73) قال ابن قدامة: "ولا حجة لهم في الخبر الذي احتجوا به؛ لأنه إنما دل على انقطاع عمله، وليس هذا من عمله، فلا دلالة عليه فيه، ولو دل عليه كان مخصوصاً بما سلموه، فيتعدى إلى ما منعوه، وما ذكروه من المعنى غير صحيح، فإن تعدي الثواب ليس بفرع لتعدي النفع، ثم هو باطل بالصوم والدعاء والحج، وليس له أصل يعتبر به"(74). وقال في تبيين الحقائق عن هذا الحديث: "لا يدل على انقطاع عمل غيره، والكلام فيه، وليس فيه شيء مما يستبعد عقلا؛ لأنه ليس فيه إلا جعل ما له من الأجر لغيره، والله تعالى هو الموصل إليه، وهو قادر عليه، ولا يختص ذلك بعمل دون عمل"(75).

الخلاصة:

اختلف العلماء في إهداء الحي لقراءة القرآن للميت، وهل يصل إليه ذلك وينفعه؟ على ثلاثة أقوال، كالآتي:

  1. إهداء القرآن من الحي للميت جائز، ويصل إليه وينفعه. وبه قال الحنفية، وبعض أصحاب مالك، والكثيرون من أصحاب الشافعي، وهو المشهور عن أحمد.
  2. لا يجوز إهداء القرآن للميت، وذلك لا يصل إليه، ولا ينفعه. وبه قال مالك، وهو المشهور عن الشافعي، وهو قول الأكثر من أصحاب أحمد، ونسبه في تبيين الحقائق من كتب الحنفية للمعتزلة.(76)
  3. حصول ثواب الاستماع للميت، ولكن لا يصح منه ذلك. وهو قولٌ عند المالكية، وقول عند الحنابلة.

الراجح:

من خلال العرض السابق لأدلة الفريقين، يتبين لنا أن الراجح هو قول القائلين بالجواز؛ للآتي:

  1. لأن أدلة القائلين بالجواز أوضح في الدلالة على حكم هذه المسألة، من أدلة القائلين بالحرمة.
  2. ولأن أدلة القائلين بالحرمة يمكن تأويلها أو الرد عليها كالآتي:

أما استدلالهم بقوله تعالى: ﴿وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى﴾ [النجم: 39] (77)، وقوله تعالى: ﴿لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُم مَّا كَسَبْتُمْ وَلاَ تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ [البقرة: 134]، وأن القراءة للأموات ليس من عملهم ولا كسبهم، فجوابه كالآتي:

إن الآيتين تتحدثان عن أصل من أصول الشريعة، وهو أن الإنسان ليس له من عمله، إلا ما كسبه هو أو سعى في تحصيله، وهذا ما هو مقرر في غير هذه الآيتين، كقوله تعالى: ﴿كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ﴾ [المدثر: 38]، وليس في الآيتين ما يدل على أن المرء لا ينتفع بما يهبه غيره له من ثواب الأعمال، على أنه يمكن القول: إن إهداء الحي للميت ثواب القراءة، من سعي الإنسان ومن كسبه؛ لأن هذا الإهداء -في الغالب- إنما يكون عن صلةٍ وعلاقةٍ وحبٍ بين الحي والميت، وهذا من كسب الميت في حياته.

وعلى فرض صحة استدلال المحرمين بهاتين الآيتين، فإنه يقال: إن الآيتين في غير موضع النـزاع؛ لأنهما تتحدثان عن سعي الإنسان لنفسه، لا في سعي الغير له، وهو موضع الخلاف.

على أن هاتين الآيتين -وهما غير صريحتين في المراد- قد عارضتا ما هو صريح في المراد، وذلك قوله تعالى: ﴿والذين آمَنُواْ واتبعتهم ذُرِّيَّتُهُم بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَآ أَلَتْنَاهُمْ مِّنْ عَمَلِهِم مِّن شَيْءٍ﴾ [الطور: 21]، والتي تدل على أن المرء ينتفع بفعل الغير.

- وأما استدلالهم بحديث: «إذا مات ابن آدم انقطع عمله، إلا من ثلاث:...». فجوابه كالآتي:

إن الحديث في غير موضع الخلاف، كما في الآيتين المتقدمتين؛ لأن الحديث يتكلم عن عمل الميت نفسه، ولم يتكلم عن عمل الغير، يُهدَى للإنسان.

كما أن هذا الحديث -وهو غير صريح في المراد- قد عارض ما هو صريح في المراد، وذلك ما تقدم في صيام المرأة وحجها وصدقتها عن أبيها أو أمها.

- وأما استدلالهم بقياس القراءة على الصلاة في عدم الوصول؛ لأن كل منهما عبادة بدنية فجوابه: أن الأولى هو قياس هذه المسألة على الدعاء، والحج، فإنهما تصلان إلى الميت، وقراءة القرآن للميت مثلهما؛ بجامع أن كلاً منها عبادة بدنية.

فإن قيل: إن الصلاة عبادة بدنية، ولكن مع ذلك لا يصل ثوابها إلى الميت، فلِمَ لا تقاس القراءة على الصلاة، في عدم جواز الإهداء، وعدم وصول ثوابها للميت؟

فالجواب عنه: إن هناك فرقاً بين المسألتين، فإن الصلاة لا يمكن النيابة فيها، ولا يمكن للمرء أن يقوم بها عن غيره، سواء قدر المرء على أدائها بنفسه، أم لم يقدر، أما في حال القدرة فواضح، وأما في حال العجز؛ فلأنه قد سقط وجوبها عنه.

بخلاف الدعاء والحج، فأما الدعاء، فإنه يمكن أن يقوم الغير به؛ بدلالة النصوص المتقدم ذكرها. وأما في الحج؛ فلأنها عبادة تقبل النيابة ممن عجز عن أدائها بنفسه.

كما أن القراءة بقيت على أصلها في جواز إهداء العبادات البدنية، المدلول عليه بأحاديث الدعاء والحج المتقدمة. وأما الصلاة، وهي وإن كانت عبادة بدنية، إلا أنه لا يجوز إهداؤها للإجماع -كما تقدم- على عدم جواز ذلك، فخرجت بهذا من الأصل الذي كانت عليه من جواز إهداء العبادات البدنية.

- وأما ما تبقى من أدلتهم، فلا تقوى على دفع النصوص الشرعية الدالة على الجواز.

والله تعالى أعلى وأعلم. وإليه المرجع والمآب، وهو حسبنا، ونِعم الوكيل.

والحمد لله رب العالمين، وهو الهادي إلى سواء السبيل. وصلى الله على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

كتبه الفقير إلى عفو ربه العلي: علي بن عبد الرحمن بن علي دبيس.

الخميس - 14 ربيع الآخر 1428هـ، 3/ 5/ 2007م.

راجعه: يونس بن عبد الرب الطلول، وعبد الوهاب بن مهيوب مرشد الشرعبي.

____________________

(1) تفسير ابن كثير 7/ 465.

(2) صحيح مسلم 8/ 405، برقم: 3084، سنن النسائي 11/ 424، برقم: 3591، سنن الترمذي 5/ 243، برقم: 1297.

(3) سنن النسائي 13/ 462، برقم: 4373، سنن أبي داود 9/ 406، برقم: 3061، عن عائشة. والحديث صحيح. انظر: مختصر إرواء الغليل 1/ 429، برقم: 2162.

(4) صحيح مسلم 13/ 164، برقم: 4831، سنن الترمذي 9/ 284، برقم: 2598. عن أبي هريرة.

(5) فتح الوهاب 2/ 31.

(6) الشرح الكبير لابن قدامة 2/ 425.

(7) شرح النووي على مسلم 1/ 25.

(8) تفسير القرطبي 17/ 114.

(9) منح الجليل شرح مختصر خليل 3/ 176.

(10) انظر: تبيين الحقائق شرح كنـز الدقائق 5/ 131.

(11) منح الجليل شرح مختصر خليل 3/ 176.

(12) منح الجليل شرح مختصر خليل 16/ 172. والحديث سيأتي تخريجه قريباً.

(13) حاشية الدسوقي على الشرح الكبير 4/ 173.

(14) حاشية الدسوقي على الشرح الكبير 4/ 172.

(15) منح الجليل شرح مختصر خليل 3/ 177.

(16) منح الجليل شرح مختصر خليل 3/ 177.

(17) شرح النووي على مسلم 1/ 25.

(18) انظر: فتح المعين 3/ 258.

(19) فتح الوهاب 2/ 31.

(20) انظر: فتح المعين 3/ 258.

(21) نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج 19/ 341.

(22) الشرح الكبير لابن قدامة 2/ 425.

(23) كشاف القناع عن متن الإقناع 4/ 431.

(24) الشرح الكبير لابن قدامة 2/ 426.

(25) كشاف القناع عن متن الإقناع 4/ 431.

(26) شرح النووي على مسلم 1/ 25، تفسير ابن كثير 7/ 465، تبيين الحقائق شرح كنـز الدقائق 5/ 131، كشاف القناع عن متن الإقناع 4/ 431. منح الجليل شرح مختصر خليل 3/ 177.

(27) تفسير ابن كثير 7/ 465.

(28) كشاف القناع عن متن الإقناع 4/ 431.

(29) شرح النووي على مسلم 1/ 25، الشرح الكبير لابن قدامة 2/ 426، كشاف القناع عن متن الإقناع 4/ 431. منح الجليل شرح مختصر خليل 3/ 177. والحديث تقدم تخريجه.

(30) منح الجليل شرح مختصر خليل 3/ 177.

(31) تفسير ابن كثير 7/ 465.

(32) تفسير ابن كثير 7/ 465.

(33) تبيين الحقائق شرح كنـز الدقائق 5/ 131، المغني5/ 80.

(34) الشرح الكبير لابن قدامة 2/ 426.

(35) تبيين الحقائق شرح كنـز الدقائق 5/ 132، فتح القدير 6/ 135.

(36) الشرح الكبير لابن قدامة 2/ 425، المغني5/ 79.

(37) انظر: الشرح الكبير لابن قدامة 2/ 425، المغني5/ 79.

(38) تبيين الحقائق شرح كنـز الدقائق 5/ 132.

(39) أضواء البيان 8/ 53.

(40) تبيين الحقائق شرح كنـز الدقائق 5/ 131.

(41) كشف الخفاء 2/ 282، برقم: 2630، وقال: رواه الرافعي في تاريخه عن علي.قال الألباني: موضوع. انظر: السلسلة الضعيفة 3/ 289، برقم: 1290.

(42) تبيين الحقائق شرح كنـز الدقائق 5/ 132.

(43) سنن أبي داود 8/ 385، برقم: 2714، سنن ابن ماجة 4/ 380، برقم: 1438، قال الألباني: ضعيف. انظر: مختصر إرواء الغليل 1/ 138، برقم: 688.

(44) المستدرك على الصحيحين للحاكم 17/ 406، برقم: 7654، شعب الإيمان للبيهقي 3/ 485، برقم: 1429. والحديث صححه الألباني بلفظ "أن أنس بن مالك حدثهم أن نبي الله -صلى الله عليه وسلم-: «ضحى بكبشين أقرنين أملحين يطأ على صفاحهما ويذبحهما ويسمي ويكبر». انظر: صحيح وضعيف سنن النسائي 9/ 490، برقم: 4418.

(45) تبيين الحقائق شرح كنـز الدقائق 5/ 132.

(46) صحيح البخاري 5/ 35، برقم: 1208، صحيح مسلم 4/ 496، برقم: 1539.

(47) الشرح الكبير لابن قدامة 2/ 426.

(48) المصدر السابق.

(49) شرح النووي على مسلم 1/ 25.

(50) صحيح البخاري 7/ 52، برقم: 1817، صحيح مسلم 6/ 6، برقم: 1936.

(51) صحيح مسلم 7/ 35، برقم: 2375، سنن النسائي 8/ 464، برقم: 2593.

(52) صحيح البخاري 9/ 321، برقم: 2563، سنن أبي داود 8/ 79، برقم: 2496.

(53) الشرح الكبير لابن قدامة 2/ 425، المغني 5/ 79.

(54) منح الجليل شرح مختصر خليل 3/ 177.

(55) المعجم الأوسط للطبراني 19/ 444، برقم: 11165. وكثير ضعيف. انظر: مجمع الزوائد ومنبع الفوائد 1/ 466.

(56) انظر: الشرح الكبير لابن قدامة 2/ 425، المغني5/ 79.

(57) سنن أبي داود 8/ 492، برقم: 2785، مسند أحمد 17/ 231، برقم: 8189. قال الألباني: ضعيف. انظر: مشكاة المصابيح 1/ 380، برقم: 1688.

(58) صحيح مسلم 5/ 75، برقم: 1601، سنن النسائي 7/ 84، برقم: 1957.

(59) صحيح مسلم 1/ 320، برقم: 184، سنن الترمذي 10/ 337، برقم: 2999.

(60) تفسير القرطبي 17/ 115. ومراده بالحديث هو حديث عائشة -رضي الله عنها- قالت: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «يغزو جيش الكعبة، فإذا كانوا ببيداء من الأرض، يخسف بأولهم وآخرهم. قالت: قلت: يا رسول الله! كيف يخسف بأولهم وآخرهم، وفيهم أسواقهم، ومن ليس منهم؟ قال: يخسف بأولهم وآخرهم، ثم يبعثون على نياتهم» رواه البخاري 7/ 314، برقم: 1975، ومسلم 14/ 55، برقم: 5134.

(61) انظر: تبيين الحقائق شرح كنـز الدقائق 5/ 132، فتح القدير 6/ 133، نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج 19/ 340، كشاف القناع عن متن الإقناع 4/ 431، 432.

(62) تبيين الحقائق شرح كنـز الدقائق 5/ 132، فتح القدير 6/ 133.

(63) كشاف القناع عن متن الإقناع 4/ 431، 432. ومراده بحديث الخثعمية، هو قولها: "إن فريضة الله على عباده في الحج، أدركت أبي شيخاً كبيراً" وقد تقدم ذكره وتخريجه.

(64) انظر: تبيين الحقائق شرح كنـز الدقائق 5/ 132، فتح القدير 6/ 133. نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج 19/ 340.

(65) كشاف القناع عن متن الإقناع 4/ 431، 432.

(66) انظر: تبيين الحقائق شرح كنـز الدقائق 5/ 132، فتح القدير 6/ 133. نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج 19/ 340، كشاف القناع عن متن الإقناع 4/ 431، 432.

(67) انظر: تبيين الحقائق شرح كنـز الدقائق 5/ 132، فتح القدير 6/ 133، كشاف القناع عن متن الإقناع 4/ 431، 432.

(68) تبيين الحقائق شرح كنـز الدقائق 5/ 132، فتح القدير 6/ 133.

(69) أضواء البيان 8/ 52.

(70) أضواء البيان 8/ 53.

(71) كشاف القناع عن متن الإقناع 4/ 431.

(72) انظر: كشاف القناع عن متن الإقناع 4/ 431، 432.

(73) المصدر السابق.

(74) الشرح الكبير لابن قدامة 2/ 426.

(75) تبيين الحقائق شرح كنـز الدقائق 5/ 132، فتح القدير 6/ 133.

(76) تبيين الحقائق شرح كنـز الدقائق 5/ 131.

(77) شرح النووي على مسلم 1/ 25، تفسير ابن كثير 7/ 465، تبيين الحقائق شرح كنـز الدقائق 5/ 131، كشاف القناع عن متن الإقناع 4/ 431. منح الجليل شرح مختصر خليل 3/ 177.