Super User

Super User

جواب:

في تفسيره لآية المباهلة: { فَمَنْ حَاجَّكَ فيهِ مِنْ بَعْدِ ما جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وأَبْناءَكُمْ ونِساءَنا ونِساءَكُمْ وأَنْفُسَنا وأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكاذِبينَ} (سورة آل عمران، الآية 61)، ينقل ابن كثير ـ وهو من كبار المفسّرين عند أهل السنّة ـ روايةً مفادها أنّ المراد من >أبناءنا< هما الحسن والحسين (1).  وبالتالي واعتماداً على الآية القرآنيّة الشريفة والرواية الواردة في حقّها، فإنّ الله تعالى قد عدّهما من أبناء الرسول صلى الله عليه وآله وسلّم.

وقد ورد في الحديث الصحيح أنّ الرسول كان يُطلق بنفسه على كلّ من الإمام الحسن والإمام الحسين اسم الابن:

«. . . عن علي، قال: لما ولد الحسن سمّيته حرباً، فجاء رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم، فقال: أروني ابني ما سمّيتموه؟ قلنا: حرباً. قال: بل هو حسن، فلمّا وُلد الحسين فذكر مثله، وقال: بل هو حسين، فلمّا وُلد الثالث قال مثله. وقال: بل هو محسن. ثمّ قال: سمّيتهم بأسماء ولد هارون: شبّر وشبّير ومشبّر، إسناده صحيح. (2)

لكن يبقى أنّه توجد وجهات نظر أخرى يتبنّاها الشيعة حول الأسماء التي سمّى بها علي عليه السلام أبناءه في البداية، أو حول مسألة أنّه لم ينتخب لهم عليه السلام أيّ اسم قبل الرسول. (بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمّة الأطهار، ج 43، ص 250 ـ 255).

وقد عدّ ابن حجر سند هذه الرواية صحيحاً، كما أنّ المُصحِّح ذكر مصادر أخرى لها في الهامش (3)؛ فلا يوجد أيّ شكّ في تسمية الإمامين الحسن والحسين عليهما السلام بابني الرسول، كما أنّه كان من المتعارف في ذلك الوقت تسميتهما بهذا الاسم، حيث ينقل الطبري أنّه لمّا كان الإمام الحسين عليه السلام في طريقه من مكّة إلى العراق، جاء  عنده الفرزدق ـ الذي كان مطّلعاً على الأحداث ـ وقال له: ... بأبي أنت وأمّي يا ابن رسول الله، ما أعجلك عن الحجّ؟ (4)

فعلى الرغم من أنّهما كانا ابنين لعلي وفاطمة عليهما السلام، إلاّ أنّهما وبسبب المقام والمنزلة الرفيعة التي كانا يمتلكانها، فقد كانا يُنادى عليهما باسم ابني رسول الله.

الهوامش:

1. ابن كثير الدمشقي، إسماعيل بن عمرو، تفسير القرآن العظيم (ابن كثير)، بيروت، دار الكتب العلميّة، منشورات محمد علي بيضون، 1419 ق، ج‏2، ص 47: «قال أبو بكر بن مردويه: حدّثنا سليمان بن أحمد، حدّثنا أحمد بن داود المكي، حدّثنا بشر بن مهران، حدّثنا محمد بن دينار، عن داود بن أبي هند، عن الشعبي، عن جابر، قال: قدم على النبي صلّى اللّه عليه وسلّم العاقب والطيّب، فدعاهما إلى الملاعنة فواعداه على أن يلاعناه الغداة، قال: فغدا رسول اللّه صلّى اللّه عليه [وآله] وسلّم، فأخذ بيد علي وفاطمة والحسن والحسين، ثم أرسل إليهما، فأبيا أن يُجيبا وأقرّا له بالخراج، قال: فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه [وآله] وسلّم «و الذي بعثني بالحقّ لو قالا: لا، لأمطر عليهم الوادي ناراً» قال جابر، وفيهم نزلت {نَدْعُ أَبْناءَنا وأَبْناءَكُمْ ونِساءَنا ونِساءَكُمْ وأَنْفُسَنا وأَنْفُسَكُمْ}. قال جابر: {أَنْفُسَنا وأَنْفُسَكُمْ} رسول اللّه صلّى اللّه عليه [وآله] وسلّم وعلي بن أبي طالب، و{أَبْناءَنا} الحسن والحسين، وَ{ نِساءَنا} فاطمة. وهكذا رواه الحاكم في مستدركه عن علي بن عيسى، عن أحمد بن محمد الأزهري، عن علي بن حجر، عن علي بن مسهر، عن داود بن أبي هند به بمعناه، ثمّ قال: صحيح على شرط مسلم. »

2. ابن حجر العسقلاني، أحمد بن علي‏، الإصابة في تمييز الصحابة، اعتنى به: حسّان عبد المنان‏، ‏ الناشر: بيت الأفكار الدوليّة، ج ‏6، ص 192؛ ابن الأثير‌(عزّ الدين)، أسد الغابة في معرفة الصحابة، طهران، المکتبة الإسلاميّة، 1336 شمسي، ج 2، ص 10.

3. أخرجه أحمد في المسند 1/ 98، 118 والحاكم في المستدرك 3/ 165 وقال: صحيح الإسناد، ولم يُخرجاه وأقرّه الذهبي بقوله: صحيح، والطبراني في الكبير 3/ 100، وابن حبّان في صحيحه: الحديث رقم 2227، والبخاري في التاريخ الصغير 82، والهيثمي في مجمع الزوائد 8/ 52.

4. محمد بن جرير الطبري، تاريخ الطبري، القاهرة، مطبعة الاستقامة، 1358، تحقيق مجموعة من العلماء، ج 4، ص 230.

 

بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على خير خلقه محمد وآله الطيبين الطاهرين سيما بقية الله في الأرضين الإمام المهدي المنتظر (عج) ، أمل المستضعفين والمحرومين.

من البحوث الإسلامية التي قد نالت الإهتمام الكثير من قبل  علماء الإسلام ومفکريهم هو موضوع الإمام المهدي ذلک المصلح العالمي المنتظر (عج) فقد بُحث من جميع جوانبه على ضوء الكتاب والسنّة، واالعقل والعلم، وهکذا فلسفة التاريخ(السنة الإلهية) ، كما تطرَّق لبحثه غير واحد من رجالات العلم والمعرفة في الأديان والمذاهب السماوية الأخرى . ومسألة الإمام المهديّ الموعود (عج)  والبحث حولها جديرة بالاهتمام لعدّة أسباب:

أوّلاً: لأنّها من المسائل المهمة في الشريعة الإسلاميّة ويعتقد بها المسلمون بصورة عامّة ،والشيعية بصورة خاصّة فلا بُدَّ من الاهتمام بها ومعرفتها حيث ترجع هذه المسألة إلی ضرورة معرفة الحجة بعد النبي(ص) وهم الحجج الإثني عشر الذين أوصی النبي(ص) بمعرفتهم وإتباعهم والإقتداء بهم بعده وأولهم الإمام علي(ع) وآخرهم الإمام المهدي المنتظر(عج) ، فإنَّ عدم معرفتهم يوجب عدم إتِّباعهم وهو موجب للضلال کما في ورد عن النبي(ص) في حديث الثقلين وإذا مات الشخص ولم يعرف إمام زمانه وحجَّته في عصره مات ميتة جاهلية کما ورد في دعاء زمن الغيبة الوارد عن الإمام الصادق:« أللهم عرفني نفسک.....».

ثانياً: لأنَّ هذه المسألة كانت ولا تزال نافذة أمَلٍ للمستضعفين،والمحرومين وهي خير حافزٍ للعمل في سبيل نشر الإسلام، والخلاص من الظالمين ولذا أصبحت اليوم هذه المسألة غرضاً لسهام المغرضين والمنافقين والمستکبرين نظراً لأهمّيتها في حياة المسلمين.

من هنا لا بدّ من العمل بشتّى الأنواع لبثّ وتعميق وعولمة هذه العقيدة الحيوية والبنّاءَة وتكوين حالة عامة من الاعتقاد بالإمام المهدي الموعود(عج)  ونشر الثقافة المهدوية بين الناس عامة وبين المسلمين بصورة خاصّة، ليتهيئ العالم لمجيء ذلك المنقذ الكبير وذلك المُخَلص العظيم للبشرية من شرورالاستعمار و الاستكبار ومن براثن الظلم والجور، والفساد والانحراف، وليتحقق به وعدُ الله الذي لا يتخلف.وإنَّ إنعقاد أمثال هذه المؤتمرات وکتابة المقالات هوفي الواقع خطوة للوصول إلی تلک الأهداف المنشودة.

وإنَّ الإيمان بفكرة حتمية ظهور المنقذ العالمي وإنتظار ذلك الوعد الإلهي ،يعبّر عن حاجة فطرية عامة للإنسان وتقوّم هذه الحاجة على تطلع الإنسان إلى الكمال، فهي فكرة قديمة وليست مقصورة على الإسلام، وقد تعرّض القرآن لهذه الفكرة والوعد الإلهي  الذي جاء في الزبور وهو  كتاب داوود، والذِّكر وهو التوراة، کتاب موسی(ع) ،بقوله تعالى: «وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِي الصَّالِحُونَ»([1]) ، ولابدَّ أن يتحقق هذا الوعد الإلهي يوماً ما، ولو كان هذا اليوم هو آخر يومٍ من عمر الدنيا كما ورد عن رسول الله(ص): «لو لم يبقَ من الدهر إلا يوم واحد لبعث الله رجلاً من أهل بيتي يملؤها عدلاً كما ملئت جوراً»([2]).

وهذا الأمر لا خلاف فيه بين الأديان والمذاهب، وهذه الحقيقة من شأنها أن تساعد على إسقاط و بطلان الشبهة القائلة بتفرّد الشيعة بالقول بالمهدوية،وبطلان الشبهة القائلة بأن منشأ هذه الفكرة اليهود ، وبطلان القول بأنَّ المهدوية أسطورة ، إذ ليست هناك أسطورة تحظى بإجماع الأديان السماوية ويتبناها العلماء والمفكرون.

وأيضاً: تساعد على بطلان قول القائل بأنَّ فكرة المهدوية وليدة الظروف السياسية الحرجة التي عاشها أتباع أهل البيت (ع)، فما أكثر المظلومين والمضطهدين على مَرِّ التاريخ وعبر الزمن وفي شتى بقاع الأرض ومع ذلك لم يعرف عنهم هذا الاعتقاد.

إذن  فكرة المصلح العالمي ،ودولته العادلة المنتظرة لم  تخُّص الأديان السماوية، بل هي فكرة أساسية عند كبار العلماء ومدارسهم الفكرية والفلسفية، وحينما تصرِّح الأديان بفكرة المنقذ العالمي فإنما تكشف عن ضمير إنساني يتطلع إلی الحياة الأفضل والمستقبل الأزهر، وحينما يصرِّح الإسلام بهذه الفكرة، إنما يصرِّح بحقيقة دينية أكيدة آتية لا محالة و يطرحُها بنحو أفضل مما طرحتها الأديان السابقة، وحينما يتحدث أهل البيت(ع) عن هذه الفكرة فإنما يقدِّمون البيان الأكمل في هذا الموضوع، ويشخِّصون مصاديقه ويذکرون رائد هذا الإصلاح و النهضة العالمية، وقائد عملية الإنقاذ والتغيير الشامل، وهو الإمام محمد المهدي بن الإمام الحسن العسكري رجل من ذرية رسول الله(ص) ومن ولد فاطمة (س) ومن ذرية الحسين (ع)  الذي ولد في سنة 255 هـ في سامراء، وهو الآن حي يرزق غائب عن الأنظار ولکن يقوم بمهامّه وينتظر الإذن من الله للظهور والقيام لإقامة العدل والقسط في العالم([3]).

والمتتبع للأحاديث الصحيحة الواردة في المهدي المنتظر(عج) في كتب علماء أهل السنّة سيجدها تنسجم مع روايات علماء الشيعة وتؤكد حقيقة واحدة،وهي: أن نسب المهدي(ع) يرجع إلى رسول الله(ص) وأنه من أهل البيت(ع) ومن الأئمة الإثني عشر المعصومين، وهو آخرهم ، فهذا  ابن خلكان (المتوفی عام 681 هـ) يقول في کتابه وفيات الأعيان: «أبو القاسم محمد بن الحسن العسكري بن علي الهادي بن محمد الجواد المذكور قبله، ثاني عشر الأئمة الإثني عشر على اعتقاد الإمامية المعروف بالحجة... كانت ولادته يوم الجمعة منتصف شعبان سنة خمس وخمسين ومائتين»([4]). وإن کان المشهور عند أهل السنة أنَّ المهدي هو محمد بن عبدالله ، وهو من ولد الحسن ولکن الأمر المتفق عليه أنَّه من أهل البيت وأنَّه من ولد فاطمة. وقد روي عن أمّ سلمة أنَّهاقالت: سمعت رسول الله (ص) يقول: «المهدي من عترتي ، من ولد فاطمة »([5])  وعن ابن عمر قال: قال رسول الله (ص): «يخرج في آخر الزمان رجل من ولدي، اسمه كاسمي وكنيته ككنيتي، يملأ الأرض عدلاً كما مُلئت جوراً فذلك هو المهدي» ([6]).

 ونحن في طرح هذا البحث سلکنا دراسة هذه المسألة علی ضوء النصوص من الکتاب والسنة ، حيث أورد الشيخ علي اليزدي الحائري في کتابه «إلزام الناصب في إثبات الحجة الغائب» ما يقارب (133آية) من الايات المؤلة والمفسّرة بقيام الإمام المهدي، وسنتطرق إلی بعضها في طيات هذه البحوث وأمّا السنة لقد أحصی العلماء أربعمأة(400) حديث عن النبي(ص) في المهدي الموعود من طرق أهل السنة، کما اُحصيت أکثر من ستة آلاف (6000) رواية من طرق الشيعة من النبي وأهل بيته.

وبما أنّهّ لا يمکن دراسة هذا الموضوع من جميع جوانبه في هذا المقال سنرکِّز البحث حول حقيقة الإنتظاروتکليف المؤمنين في زمن الغيبة، ودور الإيرانيين والجمهورية الإسلامية في تمهيد ظهور الإمام المهدي وإقامة حکومته العالمية العادلة.

 

 حقيقة الإنتظاروتکليف المؤمنين في زمن الغيبة

قال الإمام الصادق (ع):  «من سرَّه أن يكون من أصحاب القائم فلينظر وليعمل بالورع ومحاسن الأخلاق وهو منتظر، فإن مات وقام القائم بعده كان له من الأجر مثل مَن أدركه... » ([7]). فالإنتظار الحقيقي لفرجه (عج) الذي يكون عبادة بل أفضل الأعمال والعبادات كما صرحت به الروايات  هو الإنتظار البنّاء الباعث للتحرك والإلتزام الديني ولا يتحقق هذا الانتظار الحقيقي إلا ضمن الشروط التالية التي تعتبر من تكاليف المؤمنين المنتظرين لظهوره(ع) بل من شرائط التعجيل في الظهور ، حيث أنَّ الاُمّة لابدّ أن تتربی علی جميع المستويات حتّی يکون لها القابلية لظهوره والعيش في ظلِّ حکومته .

 

تكاليف المؤمنين زمن الغيبة

أولاً – ترسيخ معرفة الإمام المهدي (ع) والإيمان بإمامته . والإعتقاد بظهوره وبدوره التاريخي في الإصلاح .

ثانياً – تربية النفس واعدادها بصورة كاملة من خلال العمل بالكتاب والسنّة والتمسك بالثقلين كتاب الله وعترة نبيه (ص) ، وقد الإمام المهدي(ع) صرّح بحقيقة إنتظار فرجه في كتابه إلى الشيخ المفيد ، بقوله: «فليعمل كل امرء بما يقرب به من محبتنا، ويتجنب ما يُدنيه من كراهتنا وسخطنا فإنّ أمرنا بغتة فجاء ة حين لا تنفعه توبة ولا يُنجيه من عقابنا ندم على حوبة([8])  ، والله يلهمكم الرشد، ويلطف لكم في التوفيق برحمته»([9]).

ثالثاً- ومن أهمِّ تكاليف المؤمنين في عصر الغيبة التي أكّدتها الأحاديث الشريفة، هو الدعاء للإمام المهدي (ع) بالحفظ والسلامة من الأعداء والتصدق عنه وتعجيل فرجه وظهوره والنصر على أعدائه والمواظبة على زيارته وغير ذلك مما ذكرته الروايات وقد جمعت في كتاب «مكيال المكارم في فوائد الدعاء للقائم» وكتاب«وظائف الأنام في غيبة الإمام» لآية الله السيد الأصفهاني.

إن تعميق الارتباط بالإمام الغائب عن الأبصار يتم من خلال توثيق العلاقة الروحية وتعميق الايمان به واستشعار حضوره وترقـُّب ظهوره في كل يوم بل في كل لحظة، وقد قامت الادعية والزيارات الواردة عن أهل بيت الرسالة بأداء هذا الدور خير قيام، ففي دعاء الندبة يبلغ الموالي في ندبته لإمامه قمة الارتباط والولاء والشوق حين يندبه كل جمعة بدعاء بليغ يبيّـن فيه شدة الانشداد والتعلق بإمامه المنتظر.

 ومن تلك الأدعية المهمة المعروفة التي ينبغي لكل مؤمن منتظر أن يدعو بها في زمن الغيبة، هو دعاء الإمام الصادق (ع) الذي علمه لزرارة وقال له: إذا أدركت زمن غيبة القائم ادع بهذا الدعاء: «اللهمّ عرفني نفسك فإنك إن لم تعرفني نفسك لم أعرف رسولك، اللهمّ عرفني رسولك... » ([10]).

و الزيارة هي سبيل من سبل الارتباط بالمزور ولا سيّما إذا كان غائباً عنّا كالإمام المهدي(ع) ،ففي الزيارة المعروفة بزيارة آل يس والتي وردت من ناحيته المقدسة، استعراض لحالات الإمام المهدي وسيرته حال غيبته، وما ينبغي للمنتظرين الالتزام به والاهتمام به، هي خطوة من خطوات التمهيد للظهور.

وهناك أدعية وزيارات تضمَّنت تجديد العهد بالامام المهدي(ع)والبيعة له والدُّعاء لحفظه والتعجيل لظهوره و التي يزار بها الامام (ع)أو يدعی له وهي ما بين أدعية و زيارات قصيرة ومتوسطة وتفصيلية،وهي كثيرة.

 

مشروع نشر الثقافة المهدوية بين الناس

السؤال الذي يطرح نفسه دائماً: کيف يتمُّ ترسيخ الإيمان والإعتقاد بظهور الإمام المهدي(ع) وتربية النفوس وإعدادها لذلک اليوم الموعود، وبعبارة اُخری کيف يمکن نشر الثقافة المهدوية بين الناس ، وربطهم بإمامهم الحي الذي لولاه لساخت الأرض بأهلها ، وبه رزق الوری ، وثبتت الأرض والسَّماء ، والطَّالب بدم المقتول بکربلاء.

والجواب علی هذا السؤال: إنَّ هذا الأمر يتمُّ عبر تخطيط وبرمجة مشروع متکامل لطوال السَّنة يلاحظ فيه الأمور التالية:

1- إغتنام المناسبات الإسلامية لنشر الثقافة المهدوية بالأساليب التربوية والثقافية، بالأخص المناسبات المتعلقة بالإمام الحجة کيوم ميلاده المبارک في النصف من شعبان وليالي الجمعة وأيامها، والمناسبات المتعلقة بأهل البيت (ع)، وأشهر التليغ وهي: شهري محرم وصفر وشهر رمضان المبارک ، والعُطل الصيفية .

2- إقامة سلسلة الدروس والمحاضرات والندوات والمؤتمرات، وطباعة المنشورات ، وسائر النشاطات من قبل بعض الجهات والمؤسسات کمجمع أهل البيت والحوزات والمدارس الدينية ،والمراکز الثقافية والتبليغية لنشر المعرفة المهدوية. 

3- إستخدام جميع الوسائل التبليغية الحديثة والمتطورة والإعلام خاصة الشبکة العالمية للمعلومات( الإنترنت) لعولمة مسألة المهدوية.

 

دورالإيرانيين في نهضة المهدي (ع)

لقد كان للإيرانيين الدور البارز والمشهود في مساندة الرسالة المحمدية من بداية عصر الرسالة إلی يومنا هذا، والروايات الواردة عن المعصومين والعلماء وتاريخ الإسلام يشهد لذلك ومن أراد الإطلاع علی ذلك فاليراجع كتاب الإسلام وإيران للإستاذ الشهيد مرتضی مطهري.

 وحسب الروايات والأحاديث الواردة سيكون للإيرانيين الدور المهم في التمهِّد لظهور المهدي(ع) ومواكبة ومؤازرة المسيرة الإصلاحية لنهضة حفيد الرسول(ص)  حتی النصر النهائي، وتشكيل دولته العالمية ،  ويمكن تلخيص تلك الأعمال البارزة التي سيقومون بها في ظل حركة الظهور المقدس وإقامة الدولة الكريمة ، في ضمن الأمور التالية :

أولاً:وجود أنصار المهدي(ع)  الخواص من إيران : إنَّ حضور عدد كبير من إيران بين أصحاب الإمام الخواص ، هو خير دليل علی الدور المهم الذي سيقوم به الإيرانيون في نهضة الإمام الحجة(عج)،وهؤلاء  من مدن الأهواز وشيراز والدَّيلم وقزوين و الرَّي وطوس وغيرها من المدن وأكثرهم عدداً من مدينتي قم وطالقان  وقد ذكرتهم الروايات منها الرواية المنقولة عن أمير المؤمنين (ع) في دلائل الإمامة([11]).

ولاشك إن لقم وأهلها، بحسب ما نستفيد من الأحاديث، دوراً كبيراً في التمهيد لظهور الإمام المنتظر (عج)، وسوف يكون لهم الدور الفعال في قيامه وتشكيل دولته العالة ،لقد ورد عن الإمام الصادق (ع):«إنّما سمّيت قم؛ لأنّ أهلها يجتمعون مع قائم آل محمّد (ص) ويقومون معه ويستقيمون عليه وينصرونه»([12]).

وأيضاً إنَّ وجود مسجد في قم ينسب إلى صاحب الأمر والزمان(ع)، والذي يقصده المسلمون من كلّ مكان، ويدعون لسلامة الإمام وتعجيل ظهوره، يدلّ على مدى أهميّة قم وأهلها كأحد القواعد الأساسية لقيام الإمام المنتظر (عج) .

وبالنسبة إلی طالقان  لقد عبرَّت عن رجالها  في الروايات ب«كنوز الطالقان»، فقد روی ابن اعثم الكوفي في كتاب الفتوح عن أميرالمؤمنين  (ع) أنَّه قال:«ويحاً للطالقان فإنَّ فيها كنوزاً ليست من ذهب ولا فضَّة ولكن بها رجال مؤمنون عرفوا الله حقَّ معرفته وهم أيضاً أنصار المهدي في آخر الزمان »([13]).

ثانياً: خروج الرايات السود و أهل المشرق بقيادة الخراساني و شعيب بن صالح:من العلامات الحتمية التي وردت في سياق علامات الظهور،تلك الروايات التي تشير إلی رايات السود لقوم من المشرق ومن خراسان ،يخرجون لنصرة المهدي ومؤازرته في قتال أعداء الدين،و لا شک أنَّ هؤلاء القوم من أهل إيران ،  فعن النبي(ص): «إنا أهل بيت اختار الله لنا الآخرة على الدنيا، وإن أهل بيتي سيلقون بعدي بلاء وتطريدا وتشريدا حتى يأتي قوم من نحو المشرق أصحاب رايات سود، يسألون الحق فلا يعطونه، فيقاتلون فينصرون، فيعطون ما سألوا فلا يقبلوها حتى يدفعوها إلى رجل من أهل بيتي، فيملأها عدلا كما ملأوها ظلما فمن أدرك ذلك منكم، فليأتهم ولو حبوا على الثلج فإنه المهدي  »([14])،  وفي رواية أخری عنه(ص)  تصرِّح بأنَّ هؤلاء الناس من المشرق، هم من أهل خرسان:« إذا رأيتم الرايات السُّود قد جاءت من قبل خراسان فاستقبلوها مشياً علی أقدامکم، لأنَّ فيها خليفة الله المهدي(عج) »([15]).

 

 الشيخ أيوب الحائري

 

الهوامش:
[1] ـ الأنبياء: 105.
[2] ـ مسند ابن حنبل 1: 378.
[3] ـ إنَّ الأخبار الوادة حول المهدي A يتمثل في مئات الروايات عن النبيn وأهل بيته G  فراجع معجم أحاديث الإمام المهدي وكتاب منتخب الأثر للصافي الگلبايگاني والكتب الأخرى التي ألِّفت في هذا الموضوع.
[4] ـ وفيات الأعيان4: 176و 562
[5] ـ الصواعق المحرقة:    141، الباب11،الفصل1 .
[6] ـ تذكرة الخواص لابن الجوزي : 363، منهاج السنّة لابن تيمية 4: 86.
[7] ـ بحار الأنوار 52: 140، الباب 22.
[8] ـ الحوبة: الخطيئة والحوب: الإثم ـ مجمع البحرين.
[9] ـ الإحتجاج للطبرسي 2: 599 .
[10] ـ أصول الكافي 1: 337، الغيبة للنعماني: 166، كمال الدين 2: 342.
[11]) راجع دلائل الإمامة:307 .
[12])ترجمة تاريخ قم: 100، وفي بحار الأنوار 60: 216.
[13]) بحار الأنوار 51: 87 باب ا ، وراجع أعيان الشيعة 1: 84  .
[14]) بحارالأنوار51: 82  باب 1  .
[15]) بحارالأنوار51: 82  باب 1 .

الأحد, 15 شباط/فبراير 2015 00:00

"رافال" الفرنسية...رسالة مصرية لواشنطن

تدشن مصر مرحلة جديدة في تنويع سلاحها بشرائها 24 مقاتلة "رافال" فرنسية، وهي توجّه بذلك رسالة ضمنية إلى واشنطن مفادها أن الأخيرة لن "تحتكر" تسليح الجيش المصري ولن تستطيع "ابتزازها" سياسياً، كما يرى خبراء.
وبعد أكثر من ثلاثة عقود من اعتماد مصر بشكل رئيسي على السلاح الأميركي، أعلن الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند، الخميس الماضي، أن بلاده ستوقع مع مصر، الإثنين المقبل في القاهرة، عقداً لبيع 24 مقاتلة "رافال" وفرقاطة متعددة المهام تصنعها مجموعة إدارة الصناعات البحرية الفرنسية "دي سي أن أس" بقيمة 5,2 مليار يورو.
وقال مستشار الأمن القومي في المركز القومي لدراسات الشرق الأوسط في القاهرة اللواء المتقاعد محمد مجاهد الزيات إن "عقد شراء المقاتلات من طراز رافال يحمل رسالة ضمنية للولايات المتحدة بأن مصر لن تعتمد على واشنطن ولن تخضع لها وحدها في التسليح".
وأضاف أن "التعاون العسكري بين القاهرة وواشنطن لا يسير في مساره الطبيعي منذ فترة طويلة. القاهرة تخضع لإبتزاز أميركي لتحقيق أهداف سياسية أميركية وواشنطن لها رؤية مغايرة لهيكلة الجيش المصري".
وتابع أن الولايات المتحدة تعترض على عقيدة الجيش التي لا تزال تقوم على أن "إسرائيل هي العدو الرئيسي له".

ويرى العسكري المتقاعد والرئيس السابق للجنة الأمن القومي في مجلس الشورى المصري أحمد عبد الحليم أن "تنويع مصادر السلاح والتكنولوجيا التي يحصل عليها الجيش المصري بشكل عام لا يعطي فرصة لأي دولة لاحتكار او إبتزاز السياسة الخارجية لمصر".
ويتابع أن "مصر لا يمكن أن تظل أسيرة للرؤى الأميركية خاصة مع التجاذب السياسي الأخير"، في إشارة منه لتعليق واشنطن المساعدات العسكرية لمصر إثر الإطاحة بمرسي.
وتتلقى القاهرة مساعدات عسكرية من الولايات المتحدة بقيمة 1،3 مليار دولار سنويا منذ توقيعها معاهدة السلام مع إسرائيل في العام 1979.

وتأخذ القاهرة على واشنطن عدم إعلانها دعم كاف لها في حربها ضد "الإرهاب" الذي تواجهه وخصوصاً المجموعات "الجهادية" في شمال سيناء التي شنّت هجمات دامية عدة ضد الجيش والشرطة خلال الشهور الأخيرة.

ولا يقتصر التنويع في مصادر السلاح المصري على الصفقة مع فرنسا فقط، فخلال زيارة قام بها الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي إلى موسكو العام الماضي، تحدّثت وسائل الإعلام الروسية عن صفقة تشتري بموجبها مصر أسلحة روسية تزيد قيمتها على ثلاثة مليارات دولار.
وأعلن السيسي خلال زيارة للرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى القاهرة هذا الأسبوع توقيع مذكرة تفاهم لإنشاء أول محطة توليد كهرباء بالطاقة النووية في مصر، مشدداً على "الإستمرار في تدعيم التعاون العسكري بين البلدين".
ويؤكد اللواء الزيات أن مصر كانت "تتجه لتنويع مصادر السلاح منذ فترة"، مشيراً إلى أن مصر "اتجهت نحو الإتحاد الأوروبي لشراء غواصات من المانيا" في العام 2012  لكن الصفقة لم تتمّ "لاعتراض إسرائيل".
من جهة ثانية، يرى خبراء آخرون أن ثلاثين عاماً وأكثر من العلاقات التي تصفها القاهرة وواشنطن بـ"الإستراتيجية" لا يمكن أن تذهب هباء بين ليلة وضحاها.
ويقول خبير فرنسي في شؤون العالم العربي والإسلامي  ماتيو غيدار إن العقد الأخير مع فرنسا "لا يمثل تغييراً كاملاً في استراتيجية مصر في شراء الأسلحة الأميركية المتدفقة إستناداً على المساعدات الأميركية العسكرية".
وأضاف غيدار المقيم في باريس أن "مصر ستواصل شراء الأسلحة من أميركا بشكل طبيعي. لكنها ستّتجه أيضاً لشراء الأسلحة من روسيا حسب ما فهمنا من زيارة الرئيس الروسي الأخيرة للقاهرة وهو ما يجعلها في موقف سياسي أفضل أمام الولايات المتحدة".

السفير

حسب القرآن عظمة، وكفاه منزلة وفخراً، أنّه كلام الله العظيم، ومعجزة نبيّه الكريم، وأن آياته هي المتكفّلة بهداية البشر في جميع شؤونهم وأطوارهم في أجيالهم وأدوارهم، وهي الضمينة لهم بنيل الغاية القصوى والسعادة الكبرى في العاجل والآجل:

{إِنَّ هذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتي هِيَ أَقْوَمُ} و{كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ  الْحَمِيدِ}(1) و{هذَا بَيَانٌ لِلنَّاسِ وَهُدىً وَمَوْعِظَةٌ لِلْمُتَّقِينَ}(2).

وقد ورد في الأثر عن النبي(ص): «فضل كلام الله على سائر الكلام كفضل الله على خلقه»(3).

نعم من الخير أن يقف الإنسان دون ولوج هذا الباب، وأن يكل بيان فضل القرآن إلى نظراء القرآن وهم أهل بيت النبي(ص)، فإنّهم أعرف الناس بمنزلته، وأدلّهم على سموّ قدره، وهم قرناؤه في الفضل، وشركاؤه في الهداية، أما جدّهم الأعظم فهو الصادع بالقرآن، والهادي إلى أحكامه، والناشر لتعاليمه. وقد قال(ص):«إنّي تارك فيكم الثقلين: كتاب الله وعترتي أهل بيتي، وإنّهما لن يفترقا حتّى يردا عليَّ الحوض»(4).

فالعترة هم الأدلاء على القرآن، والعالمون بفضله، فمن الواجب أن نقتصر على أقوالهم، ونستضيء بإرشاداتهم. ولهم في فضل القرآن أحاديث كثيرة جمعها شيخنا المجلسي في (البحار) الجزء التاسع عشر منه. ونحن نكتفي بذكر بعض ما ورد:

روى الحارث الهمداني(5) قال: «دخلت المسجد على عليّ(ع) فقلت: ألا ترى اُناساً يخوضون في الأحاديث في المسجد؟ فقال: قد فعلوها؟ قلت: نعم، قال: أما إنّي سمعت رسول الله(ص) يقول: ستكون فتن، قلت: وما الخرج منها؟ قال: كتاب الله، كتاب الله فيه نبأ ما قبلكم وخبر ما بعدكم، وحكم ما بينكم. هو الفصل ليس بالهزل، هو الذي مَن تركه من جبار قصمه الله، ومن ابتغى الهدى في غيره أضله الله، فهو حبل الله المتين، وهو الذكر الحكيم، وهو الصراط المستقيم، وهو الذي لا تزيغ به الأهواء، ولا تلتبس به الألسنة، ولا يشبع منه العلماء، ولا يخلق عن كثرة الرد، ولا تنقضي عجائبه...» (6).

فضل قراءة القرآن

القرآن هو الناموس الإلهي الذي تكفّل للناس بإصلاح الدين والدنيا، وضَمِنَ لهم سعادة الآخرة والأُولى، فكل آية من آياته منبع فيّاض بالهداية ومعدن من معادن الإرشاد والرحمة، فالذي تروقه السعادة الخالدة والنجاح في مسالك الدين والدنيا، عليه أن يتعاهد كتاب الله العزيز أثناء الليل وأطراف النهار، ويجعل آياته الكريمة قيد ذاكرته، ومزاج تفكيره، ليسير على ضوء الذكر الحكيم إلى نجاح غير منصرم وتجارة لن تبور.

وما أكثر الأحاديث الواردة عن أئمة الهدى(ع) وعن جدّهم الأعظم(ص) في فضل تلاوة القرآن.

قال رسول الله(ص):«مَن قرأ حرفاً من كتاب الله تعالى فله حسنة والحسنة بعشر أمثالها لا أقول الم حرف ولكن ألف حرف ولام حرف وميم حرف».

منها: ما عن الإمام الباقر(ع) ، قال:

«قال رسول الله(ص) : من قرأ عشر آيات في ليلة لم يكتب من الغافلين، ومن قرأ خمسين آية كتب من الذاكرين، ومن قرأ مائة آية كتب من القانتين، ومن قرأ مائتي آية كتب من الخاشعين، ومن قرأ ثلاثمائة آية كتب من الفائزين، ومن قرأ خمسمائة آية كتب من المجتهدين، ومن قرأ ألف آية كتب له قنطار من تبر...».

ومنها: ما عن الصادق(ع) ، قال:

«القرآن عهد الله إلى خلقه، فقد ينبغي للمرء المسلم أن ينظر في عهده، وأن يقرأ منه في كل يوم خمسين آية». وقال:

«ما يمنع التاجر منكم المشغول في سوقه إذا رجع إلى منزله أن لا ينام حتّى يقرأ من القرآن فيكتب له مكان كل آية يقرأها عشر حسنات، ويمحى عنه عشر سيئات؟». وقال: «عليكم بتلاوة القرآن، فإنّ درجات الجنة على عدد آيات القرآن، فإذا كان يوم القيامة يقال لقارئ القرآن: إقرأ وأرقَ، فكلّما قرأ آية رقى درجة».

وقد دلّت جملة من هذه الآثار على فضل القراءة في المصحف على القراءة عن ظهر القلب. ومن هذه الأحاديث قول إسحق بن عمّار للصادق(ع):

«جعلت فداك إني أحفظ القرآن عن ظهر قلبي فأقرأه عن ظهر قلبي أفضل أو أنظر في المصحف قال: فقال لي: لا، بل اقرأه وانظر في المصحف فهو أفضل. أما علمت أن النظر في المصحف عبادة؟». وقال: «مَن قرأ القرآن في المصحف متع ببصره، وخفف عن والديه وإن كانا كافرين»(7).

وفي الحث على القراءة في نفس المصحف نكتة جليلة ينبغي الإلتفات إليها، وهو الإلماع إلى كلاءة القرآن عن الإندراس بتكثير نسخه، فإنه لو اكتفي بالقراءة عن ظهر القلب لهجرت نسخ الكتاب، وأدّى ذلك إلى قلتها، ولعلّه يؤدي أخيراً إلى انمحاء آثارها.

وهكذا أن القراءة في المصحف سببب لحفظ البصر من العمى والرمد.

وقد أرشدتنا الأحاديث الشريفة إلى فضل القراءة في البيوت. ومن أسرار ذلك إذاعة أمر الإسلام، وانتشار قراءة القرآن، فإن الرجل إذا قرأه في بيته قرأته المرأة، وقرأه الطفل، وذاع أمره وانتشر. ولعلّ من أسراره أيضاً إقامة الشعار الإلهي، إذا ارتفعت الاصوات بالقراءة في البيوت بكرة وعشياً، فيعظم أمر الإسلام في نفوس السامعين لما يعروهم من الدهشة عند ارتفاع أصوات القرّاء في مختلف نواحي البلد.

فقد ورد في الأحاديث:

«إن البيت الذي يقرأ فيه القرآن ويذكر الله تعالى فيه تكثر بركته، وتحضره الملائكة، وتهجره الشياطين، ويضيء لأهل السماء كما يضيء الكوكب الدرّي لأهل الأرض، وأن البيت الذي لا يقرأ فيه القرآن، ولا يذكر الله تعالى فيه تقل بركته، وتهجره الملائكة، وتحضره الشياطين»(8).

التدبّر في القرآن ومعرفة تفسيره

ورد الحثّ الشديد في الكتاب العزيز، وفي السنّة الصحيحة على التدبّر في معاني القرآن والتفكّر في مقاصده وأهدافه، قال الله تعالى: {أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوب أَقْفَالُهَا}(9).

وفي هذه الآية الكريمة توبيخ عظيم على ترك التدبّر في القرآن، وفي الحديث عن ابن عبّاس عن النبي(ص) أنّه قال: «أعربوا القرآن والتمسوا غرائبه». وعن أبي عبدالرحمن السلمي، قال: «حدّثنا مَن كان يقرئنا من الصحابة أنّهم كانوا يأخذون من رسول الله(ص) عشر آيات فلا يأخذون في العشر الأخرى حتّى يعلموا ما في هذه من العلم والعمل»(10).

وعن عثمان وابن مسعود وأُبيّ:

«أن رسول الله(ص) كان يقرئهم العشر فلا يجاوزونها إلى عشر أخرى حتى يتعلّموا ما فيها من العمل فيعلمهم القرآن والعمل جميعاً»(11).

وعن علي بن أبي طالب(ع) أنّه ذكر جابر بن عبدالله ووصفه بالعلم، فقال له رجل: جعلت فداك تصف جابراً بالعلم وأنت أنت؟ فقال: إنّه كان يعرف(12) تفسير قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرَادُّكَ إِلَى مَعَاد}(13).

 

الهوامش:

(1) الإسراء:  9.

(2) إبراهيم: 1.

(3) بحار الأنوار ج19 ص6، صحيح الترمذي بشرح ابن العربي ج11 ص47، أبواب فضائل القرآن.

(4) رواه الترمذي ج13 ص200، 201، مناقب أهل البيت، راجع بقية المصادر في قسم التعليقات رقم(1).

(5)  انظر ترجمة الحارث وافتراء الشعبي عليه في قسم التعليقات رقم (2).

(6) هكذا في سنن الدارمي ج2 ص435، كتاب فضائل القرآن ومع اختلاف يسير في ألفاظه في صحيح الترمذي ج11 ص30 أبواب فضائل القرآن. وفي بحار الأنوار ج9 ص7 عن تفسير العياشي.

(7) هذه الروايات في أصول الكافي، كتاب فضل القرآن، وفي الوسائل طبعة عين لدولة، ج1 ص370.

(8) أصول الكافي، كتاب فضل القرآن.

(9) سورة محمّد: 24.

(10) تفسير القرطبي ج1 ص26.

(11) أصول الكافي، كتاب فضل القرآن.

(12) تفسير القرطبي ج1ص26.

(13) القصص: 85 .

 

استقبل سماحة آية الله العظمى السيد علي الخامنئي صباح يوم الأحد 08/02/2015 م قادة و منتسبي القوة الجوية في الجيش و العاملين في المضادات الجوية، و أوضح السبب و الهدف الرئيس من عداء الحكومة الأمريكية المستمر لإيران طوال 36 عاماً، و خطأ حساباتهم الرامية لتركيع شعب إيران و إهانته، و أشار إلى الأداء و السلوك المنطقي و الرصين لإيران في المفاوضات النووية، و السلوك غير المنطقي و الابتزازي للطرف المقابل مؤكداً: سوف يثبت شعب في إيران في الثاني و العشرين من بهمن أنه لا يخضع لمنطق القوة، و أنه يردّ بضربات مقابلة على كل من تسوّل له نفسه توجيه الإهانات.
في هذا اللقاء الذي جاء في الذكرى السنوية للبيعة التاريخية للطيارين و المنتسبين للقوة الجوية في الجيش الإيراني للإمام الخميني في التاسع عشر من بهمن سنة 1357 هـ ش (8 شباط 1979 م) قبل انتصار الثورة الإسلامية بثلاثة أيام، اعتبر آية الله العظمى السيد الخامنئي أن تلك الحادثة المهمة تنطوي على مضمون عميق و خالد، و أضاف قائلاً: المبادرة الشجاعة لقادة و منتسبي القوة الجوية في التاسع عشر من بهمن سنة 57 تدل على صحة الخطاب الحق و الجذاب للثورة الإسلامية الذي استطاع التغلغل حتى إلى أعماق قلوب المنتسبين للقوة الجوية في جيش الشاه في ذلك الحين، و هي القوة التي كانت حتى أمريكا تراهن عليها.
و أكد سماحته على ضرورة معرفة و صيانة هذه الحقيقة المهمة، و ألمح إلى بعض الحقائق في الساحة و منها النفوذ الواسع للثورة الإسلامية مردفاً: بانتصار الثورة الإسلامية، عندما شاهدت الشعوب شجاعة الشعب الإيراني و بسالته، حيث وقف علنياً بوجه التعسف الأمريكي، عمّ الهياج تلك الشعوب و انجذبت لرسالة الثورة.
و لفت قائد الثورة الإسلامية قائلاً: في الطرف المقابل أيضاً لم تتوان القوى المتعسفة و على رأسها أمريكا منذ اليوم الأول للثورة عن أية خطوة أو ضغط لإطفاء جذوة هذه الحركة العظيمة و الآخذة في الاتساع، و قد استمر هذا العداء إلى يومنا هذا.
و أضاف آية الله العظمى السيد علي الخامنئي: عداء أمريكا و القوى الاستكبارية ليس مع الأشخاص، إنما هم يعادون أصل حركة الشعب الإيراني و اتجاهه المصحوب بالصمود و النزوع إلى الاستقلال و العزة.
و ذكّر سماحته بتصريحات بعض الساسة الأمريكان في الأعوام الأخيرة الذين عبروا بصراحة عن ضغائنهم و أحقادهم على شعب إيران، مضيفاً: إنهم غاضبون من صمود الشعب الإيراني، و هدف أمريكا و من لفّ لفها تركيع الشعب الإيراني و إهانته، و هم طبعاً مخطئون في تحليلاتهم.
و اعتبر قائد الثورة الإسلامية أن سبب إخفاقات أمريكا المتتابعة في قضايا المنطقة و خصوصاً قضايا إيران هو هذا الخطأ في الحسابات و الأخطاء الاستراتيجية مردفاً: من النماذج على هذه الأخطاء تصريحات أحد الساسة الأمريكان قبل عدة أيام حين قال إن الإيرانيين مغلولو الأيدي في المفاوضات النووية، و واقعون في ورطة.
و أكد آية الله العظمى السيد الخامنئي: في يوم الثاني و العشرين من بهمن سوف ترون التواجد الذي سيسجله شعب إيران في الساحة، و عندها سيتبين ما لو كان شعب إيران مغلول الأيدي.
و لفت سماحته قائلاً: أيدي الشعب و المسؤولين في إيران لم تكن مغلولة في أي وقت من الأوقات، و هذا ما أثبتوه عملياً، و سوف يثبتوه في المستقبل أيضاً بمبادراتهم و شجاعتهم.
و تابع قائد الثورة الإسلامية: الطرف الذي وقع حالياً في الورطة و المشكلة هو أمريكا، و كل الحقائق في هذه المنطقة و خارج هذه المنطقة تثبت هذه الحقيقة.
و أشار آية الله العظمى السيد الخامنئي إلى هزيمة السياسات الأمريكية في سورية و العراق و لبنان و فلسطين و غزة و أفغانستان و باكستان، و كذلك هزيمة أمريكا في أوكرانيا، و خاطب الأمريكان مؤكداً: إنكم أنتم الذين تمنون بالهزائم المتلاحقة على مدى سنين طويلة، أما الجمهورية الإسلامية الإيرانية فتتقدم إلى الأمام، و هي اليوم لا تقبل المقارنة إطلاقاً بما كانت عليه قبل ثلاثين و نيف من السنين.
و ألمح سماحته إلى تقدم الجمهورية الإسلامية الواسع في العلوم و التقنيات و في القضايا الاجتماعية المختلفة و في القضايا الدولية و كذلك إلى نفوذها الهائل في المنطقة و رسوخ أسس الثورة في قلوب الشباب مردفاً: الجمهورية الإسلامية في إيران بهذا الخزين القيم من التجارب تسير في درب التقدم باقتدار، و لم يستطع الأمريكان استئصال هذه الجذور، لذا فهم اليوم مضطرون لتحمّل نظام الجمهورية الإسلامية، و مخططاتهم السياسية و الأمنية و الاقتصادية و الثقافية لن تمنع هذا التقدم.
و أشار قائد الثورة الإسلامية إلى المفاوضات النووية و جهود المعاندين و ذوي الطويّة السيئة في الترويج لتورّط إيران في هذا الموضوع، و ذكّر بعدة نقاط مهمة حول المفاوضات النووية.
النقطة الأولى التي أشار لها الإمام الخامنئي هي موافقته على أصل الاتفاق حيث قال: إنني أوافق على الاتفاق الذي يمكن أن يحصل، لكنني لا أوافق على الاتفاق السيئ.
و ألمح سماحته إلى تصريحات الأمريكان المتكررة حيث يقولون: «عدم الاتفاق أفضل من الاتفاق السيئ» مضيفاً: نحن أيضاً نعتقد بهذا! و نرى أن عدم الاتفاق أفضل من الاتفاق الذي يكون في ضرر المصالح الوطنية و ممهداً لإهانة شعب إيران الكبير.
و كانت النقطة الثانية التي ذكرها قائد الثورة الإسلامية هي الجهود الدؤوبة للمسؤولين و الوفد الإيراني المفاوض لانتزاع حربة الحظر من أيدي الأعداء، و أضاف يقول: إذا حصل هذا الاتفاق و سقطت به حربة الحظر من أيدي الأعداء فنعمّا ذلك، و لكن إذا لم يحصل هذا الاتفاق فليعلم الجميع أن هناك سبلاً عديدة داخل البلاد لجعل حربة الحظر كليلة غير فاعلة.
و أكد آية الله العظمى السيد الخامنئي: إذا ركّزنا بهمّة و سعي و بصورة مناسبة على الفرص المتوفرة لدينا، فحتى لو لم نستطع انتزاع حربة الحظر من يد العدو، سوف نستطيع جعلها كليلة غير قاطعة.
و كانت النقطة الثالثة بخصوص النهج المنطقي للجمهورية الإسلامية الإيرانية في المفاوضات النووية و السلوك غير المنطقي و التعسفي للطرف المقابل.
و أشار آية الله العظمى السيد الخامنئي إلى كلام رئيس الجمهورية قبل عدة أيام حيث قال إن المفاوضات تعني وصول الطرفين إلى قدر مشترك موضحاً: على هذا الأساس يجب أن لا يسعى أحد الأطراف سعياً غير منطقي لتحقيق كل ما يتوقعه.
و لفت سماحته قائلاً: نهج الأمريكان و بعض البلدان الأوربية التابعة لها في المفاوضات نهج غير منطقي، فهم يتوقعون الكثير و يريدون تحقيق كل إراداتهم، و هذا ليس بنهج تفاوضي.
و أكد الإمام السيد علي الخامنئي على أن صمود المسؤولين بوجه جشع الطرف المقابل صحيح تماماً، و أشار إلى الأداء المنطقي القويم للجمهورية الإسلامية في مختلف المراحل و الفترات بما في ذلك فترة الدفاع المقدس و القبول بالقرار 598 ، و كذلك الأمور و القضايا المختلفة التي أعقبت الحرب، منوهاً: في المفاوضات النووية أيضاً يتصرف النظام الإسلامي على أساس المنطق، لكن الطرف المقابل ليس له أي منطق، إنما يعتمد على التعسف و القوة و عدم المنطق.
و أكد سماحته قائلاً: الشعب الإيراني لن يخضع لمنطق القوة و الجشع و التصرفات غير المنطقية.
و أضاف قائد الثورة الإسلامية: إنني أوافق استمرار المفاوضات و تقدمها و وصولها إلى اتفاق جيد، و لا شك أن شعب إيران أيضاً لا يعارض أي اتفاق يتضمن عزته و احترامه.
و أكد آية الله العظمى السيد الخامنئي: في المفاوضات ينبغي صيانة كرامة الشعب الإيراني و حرمته و تقدمه، لأن هذا الشعب لم يتعود على تقبل منطق القوة من الطرف المقابل سواء كان أمريكا أو غيرها.
و أشار سماحته إلى بعض ما يطرح من كلام حول اتفاق ذي مرحلتين حيث يجري أولاً الاتفاق على الأصول العامة و يحصل بعد فترة الاتفاق على التفاصيل، منوهاً: مثل هذا الاتفاق غير مستحسن، لأننا بتجاربنا عن الطرف المقابل نعلم أن الاتفاق على أمور عامة سيكون وسيلة لتذرّعاته المتتابعة بشأن التفاصيل.
و أكد قائد الثورة الإسلامية: إذا حصل اتفاق فيجب أن يكون في مرحلة واحدة و يضم جميع الشؤون العامة و التفاصيل إلى جانب بعضها.
و أضاف آية الله العظمى السيد الخامنئي: فحوى الاتفاق أيضاً يجب أن تكون واضحة و جلية و لا تقبل التفسير و التأول، و ينبغي أن لا يكون مفاد الاتفاق بشكل يسمح للطرف المقابل المتعوّد على المساومات بالتذرّع حول القضايا المختلفة.
و لفت سماحته قائلاً: بلطف من الله سيثبت شعب إيران في الثاني و العشرين من بهمن أن كل من يروم إهانته سيواجه ضربات مقابلة.
و قال قائد الثورة الإسلامية: كل شعب إيران و كل المخلصين متفقون على أن العزة الوطنية لبلد ما مهمة جداً جداً، إذ لو لم تكن العزة لما كان الأمن و التقدم. إذن ينبغي صيانة العزة الوطنية، و المسؤولون يعرفون هذه القضية.
و قال سماحة الإمام الخامنئي في الختام: بفضل من الله سوف يفرض الشعب الإيراني بمشاركته المقتدرة و عزيمته الراسخة في الثاني و العشرين من بهمن الركوع على العدو.
في بداية هذا اللقاء ألقى اللواء الطيار حسن شاه صفي قائد القوة الجوية في الجيش الإيراني كلمة حيّى فيها يوم التاسع عشر من بهمن ذكرى البيعة التاريخية لمنتسبي القوة الجوية مع الإمام الخميني (رض) و قدم تقريراً عن قدرات القوة الجوية و تقدمها.
و سبق هذا اللقاء اجتماع خاص مصغر للإمام الخامنئي القائد العام للقوات المسلحة الإيرانية بالقادة الكبار في القوة الجوية و المضادات الجوية في جيش الجمهورية الإسلامية الإيرانية، أشار فيه سماحته إلى الدور الحساس و الخطير للقوة و المضادات الجوية في جيش الجمهورية الإسلامية الإيرانية داخل النظام الدفاعي للبلاد مردفاً: القوة الجوية حسب ما تقتضيه مهنياً تعتمد على العلم و التقانة، و هذا ما يزيد من أهمية هذه القوة من عدة وجوه في إطار مواجهة التهديدات المحيطة.

في إجراء غير معهود، اعترفت وكالة الاستخبارات المركزية بمسؤوليتها "المشتركة مع الموساد" في اغتيال المسؤول العسكري في حزب الله، عماد مغنية، عام 2008. وجاء الاعتراف عبر نشر رواية متزامنة في صحيفة "واشنطن بوست"، 30 كانون الثاني 2015؛ واسبوعية "نيوزويك،" 31 كانون الثاني؛ تقاطعت روايتيهما بالعديد من المحطات والتفاصيل لا سيما وأن المشترك بينهما هو المصدر عينه. جاء ذلك من دون مسبقات أو تطورات ظاهرية في الفترة الراهنة تستدعي الكشف عن مسؤولية الاغتيال، وهما الجهازين الابرز عالمياً بعمليات القتل والاغتيال. 

ما يهمنا في سردية الرواية إقرار الوكالة بأنها مسؤولة عن إجراء التجارب على العبوة الناسفة في الأراضي الاميركية وتسليمها لمحطة الاستخبارات في المنطقة "مروراً بالاراضي الأردنية". أما ما تبقى من تفاصيل وادعاءات، فلا يعدو كونه يندرج تحت باب التكهنات والحرب النفسية، حتى وإن تضمن معلومات تبدو واقعية ومقنعة للوهلة الأولى. ومنها ما نُقل عن نائب الرئيس الاميركي السابق، ديك تشيني، بإجراء مكالمة هاتفية مع رئيس الوزراء الاسرائيلي السابق، إيهود اولمرت، لتهنئته "والاشادة بتعاونه لإنجاح العملية فور اغتيال مغنية. 


الرسائل الكامنة
من البديهي طرح جملة تساؤلات تتعلق بالدافع أو جملة الدوافع التي استدعت الوكالة للكشف عما يعتقد واثبتت التحقيقات والدلائل المادية مسؤولية الطرفين فيها بامتياز؛ خاصة في ظل حادثتين بارزتين: الأولى، المفاوضات النووية مع إيران والحرب الاستخبارية الباردة معها؛ والثانية، عملية حزب الله العسكرية في مزارع شبعا ضد دورية عسكرية إسرائيلية، وما رافقها من تصريحات للأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله، وأبرز ما أشارت إليه وسائل الاعلام الغربية بشكل خاص أن "ما قبل العدوان الاسرائيلي في الجولان ليس كما بعده، ونهاية ما كان يعتبر قواعد الاشتباك"، وما تناقلته الأوساط المحلية بأن الحزب تعهد "بملاحقة العدو أينما كان وكيفما كان وفي أي مكان"، مستحضراً مقولة القائد الفلسطيني وديع حداد "وراء العدو في كل مكان"، إذ تشير بعض الروايات إلى تمكّن الموساد من اغتياله بدس السم في نوع مفضل له من الحلوى أو الشوكولاته، وقضى يوم 28 آذار/مارس 1978. 

يذكر أيضاً أن الفترة الراهنة تشهد "تراشقاً علنياً بين واشنطن وتل ابيب"، على خلفية ما اعتبره البيت الابيض "حشر نتنياهو نفسه في المشاحنات الداخلية الاميركية"، أي الصراع العلني بين البيت الابيض والكونغرس، والتي يعتبرها البعض مبالغاً في التفسير أنها أحد العوامل التي دفعت الوكالة للإعلان. توتّر العلاقات بين أوباما ونتنياهو ليس جديداً، ولا ينبغي تضخيمه لدرجة تصويره أزمة مستعصية تهدد العلاقة العضوية مع الكيان الاسرائيلي. 

الالتزام الصارم بالأسلوب العلمي للتحليل يقتضي البحث في القضايا والابعاد غير البارزة، ومقاربتها بما يحدث من أجل التوصل إلى استنتاجات حقيقية تقترب من جوهر المسألة بعيداً عن التهويل والإيحاء والإدعاء. 

قبل الولوج في الدوافع البينة والمستترة لإعلان الوكالة، تجدر الاشارة إلى جملة من المعطيات المرتبطة مباشرة بسياق الصراع الاستراتيجي في المنطقة بين المشروع الاميركي وأدواته وأعوانه المحليين، وبين الفئات الشعبية المناهضة له والمسحوقة وهي الأغلبية. 


أبعاد مكتومة
أولى تلك المعطيات ما كشفته "ويكيليكس" من وثائق سرية تتعلق باختراق الاجهزة المركزية لمعهد "ستراتفور" الاستخباري الاميركي، عام 2011، حول أبعاد التدخل العسكري والاستخباري الأميركي في المنطقة، وما دلّت عليه من ردود فعل لإعلان "حزب الله" كشفه عن اعتقال خلية تجسسية تتبع وكالة الاستخبارات المركزية الاميركية، والتي وصفها بأنها "جزءاً يسيراً" مما لديه،" 10 كانون الاول 2011. وأوضح المعهد أن حزب الله "رمى إبلاغ رسالة قاسية لوكالة الاستخبارات بأنه يتعين عليها الكف عن اللعب بالساحة اللبنانية". 

شبكة التلفزيون الأميركية، ايه بي سي، 20 تشرين الثاني 2011، أوضحت حجم الضرر الذي أصاب محطة وكالة الاستخبارات بالقول "تبين أن كان هناك في لبنان حلقتي تجسس منفصلتين إستهدفتا إيران وحزب الله، واللتين كشف أمرهما بصورة منفصلة بيد أنهما تسببتا بانتكاسة هامة لجهود الولايات المتحدة تتبع نشاطات إيران النووية وعمليات حزب الله المناهضة لإسرائيل". وأضافت نقلاً عن لسان مسؤولين أميركيين أن "الضرر الناجم عن شبكة التجسس في لبنان كان أشدّ من المعتاد. الضرر أصاب سر المهنة في مقتل". 

الحرب الاستخبارية بين الولايات المتحدة وايران لم تهدأ، واستطاعت إيران تعقّب واعتقال عدد من المتهمين بالتجسس لصالح "وكالة الاستخبارات المركزية"، بمن فيهم عناصر أميركية أشهرها "عنصر مكتب التحقيقات الفيدرالي روبرت لفينسون الذي اختفى أثره" في ايران في شهر آذار عام 2007؛ فضلاً عن آخرين من أصول إيرانية ألقي القبض عليهم. ونشرت وكالة "اسوشيتد برس" الاميركية للأنباء تقريراً يوم 12 كانون الاول 2013، يوضح علاقة لفينسون بوكالة الاستخبارات المركزية، تبعتها صحيفة "نيويورك تايمز" باستعراض تاريخ علاقته المطوّل لصالح الوكالة. بالمقابل، إستطاعت الاجهزة الأميركية "بمساعدة الموساد، كما يعتقد" النيل من العلماء الايرانيين في شتى المجالات النووية والعلوم الطبيعية. 

وفي باب المعطيات الداخلية الاميركية، نشير إلى حادثتين لا ترابط بينهما في البدء، لكنهما تكملان المشهد الداخلي ودوافعه. 


الدور التقليدي للوكالة

إختار أوباما في كانون الثاني الماضي ديفيد كوهين لمنصب نائب مدير وكالة الاستخبارات المركزية
الأولى، إصدار المحكمة الفيدرالية حكماً يدين ضابط الاستخبارات السابق، جيفري ستيرلنغ، 27 كانون الثاني 2015، بالكشف غير المرخّص عن معلومات تتعلق بالأمن القومي "سربها للصحافي في جريدة نيويورك تايمز، جيمس رايزن،" كما ورد. وجّهت التهمة بالبداية إلى الصحافي المذكور للضغط عليه بالكشف عن مصادره التي استقى منها معلوماته المنشورة، وواجه بشجاعة تهديداً قضائياً بسجنه 18 شهراً إن لم يمتثل للكشف عن مصادره، واستمر بالرفض الذي رافقه حملات تضامن مكثفة لحماية حقوقه في التعبير المنصوص عليها دستورياً. 

ونواة الاتهام الممزدوج تتعلق بمعلومات ضمّنها رايزن في كتابه "حالة حرب: التاريخ السري للسي آي ايه وادارة (الرئيس جورج) بوش" الابن، إصدار 2006، تتعلّق بالعمليات السرية ضد إيران وتمرير رسم بياني "ملغوم" للمكونات النووية عبر عنصر روسي سلّمها لعميل أميركي في إيران تبيّن فيما بعد أنه عميل مزدوج، والذي سلّمها بدوره للسلطات الإيرانية. وصف رايزن المشرفين على العملية في مقرّ وكالة الاستخبارات بأنهم أرفقوا الرسومات المشار إليها تفاصيل أخرى "قد تستخدم في الكشف عن هوية كافة جواسيس الوكالة تقريباً داخل إيران". وأوضح أنه بناء على ما تقدم استطاعت السلطات الإيرانية اعتقال كافة عناصر شبكة التجسس داخل إيران. 

الحادثة الثانية تمّت بإعلان الرئيس أوباما، يوم السادس من شهر كانون الثاني الماضي، عن اختياره ديفيد كوهين لمنصب نائب مدير "وكالة الاستخبارات المركزية"، والذي شغل منصباً رفيعاً في وزارة المالية كمساعد الوزير "لشؤون الارهاب والاستخبارات المصرفية"، ولعب دوراً محورياً في تطبيق سياسة العقوبات الاميركية على كل من روسيا وإيران. كما شارك كوهين في "عدد من الاجتماعات رفيعة المستوى في البيت الابيض تناولت مسائل متعددة شملت سوريا وأوكرانيا وإيران وجهود مكافحة الارهاب"، وفق تصريحات نائب مستشار الأمن القومي، بن رودس. 

واللافت في هذا التعيين ردود فعل وابتهاج اللوبي اليهودي وإسرائيل، التي أوضحت أن طاقم وكالة الاستخبارات المركزية كان "يشغله الواسب منذ تأسيسها"، في إشارة إلى "البيض من الانغلو ساكسون البروتستانت". وأضافت الصحف الاسرائيلية أن المدير السابق لمحطة الوكالة في تل أبيب كان يهودياً؛ بالإضافة إلى مدير الوكالة اليهودي الأسبق، جون دويتش، 1995-1996. 

وأضخى كوهين اليهودي الثاني في تراتبية أهم المناصب داخل الادارة الأميركية، بعد مسؤوله السابق وزير المالية جاكوب لو. وجاء في أحد التعليقات للصحافي الاسرائيلي يوسي ميلمان أن كوهين عمل بشكل وثيق مع "جهاز الأمن الاسرائيلي – الشين بيت، في سياق توقيف تدفق المال لحركة حماس، وبشكل أخص في الجهود المشتركة لتعقب آلية تمويل حزب الله ومحاولات إيران للتملص من العقوبات الاقتصادية المفروضة عليها". 


رسائل سياسية متعددة الاطراف
وفي العودة للتوقف عند الدوافع المعلنة، نشير إلى ما تناقلته الصحف الاسرائيلية وشاطرتها وسائل الاعلام الأميركية بأن "الكشف رمى توصيل رسالة قاسية لحزب الله وايران" للحدّ من تنامي نفوذهما في الاقليم "عبر الاشارة إلى اليد الطولى للاستخبارات". 

أيضاً، يجمع عدد كبير من خبراء الأمن والسياسة الاميركيين أن "إدارة أوباما تقف مباشرة وراء التسريب"، نظراً للعلاقة المتوترة مع بنيامين نتنياهو، أحد أهدافها ربما توجيه تهديد مبطن بأن "حاجته للولايات المتحدة لا يقدر على التضحية بها وعليه التزام التهدئة"، كما يتعيّن عليه التذكر بأنه "الشريك الاصغر في تحالف تقوده دولة عظمى". ويشير "مسؤولون أميركيون" بشدة إلى الدور المركزي والمميز لوكالة الاستخبارات المركزية في اغتيال القائد في حزب الله عماد مغنية، بينما "لعب الموساد دوراً مؤازراً". 

كما يذهب البعض إلى القول إن الرسالة الاخرى لنتنياهو أن الولايات المتحدة لديها كمّ هائل من الاسرار التي من شأن الكشف عنها الحاق الضرر بنتنياهو إن لم يرتعد عن اتخاذ مواقف "تحرج" الرئيس أوباما. 

ومن ضمن احتمالات الدوافع أيضاً النزعة العدوانية لعدد من كبار مسؤولي أجهزة الاستخبارات الاميركية، والذين ينسقون خطواتهم على وقع تأزيم التوترات الراهنة في المنطقة. لكن نظرة سريعة على سجلّ الرئيس اوباما في تعقّب وملاحقة ومقاضاة أي موظف حكومي ضالع في تسريب معلومات "محرجة سياسياً"، يستبعد ذلك البعد كما تبيّن أعلاه في  مقاضاة الثنائي رايزن – ستيرلنغ بصورة مهينة تنمّ عن حقد دفين. كما تجدر الاشارة إلى أن اغتيال عماد مغنية تمّ في عهد الرئيس جورج بوش الابن، ومن ثم فإن المعلومات المسربة ذات الطبيعة الاستخبارية لا ينطوي عليها توريط إدارة الرئيس اوباما – بل تشير إلى عمق العلاقة العضوية والعملية لجهازي الوكالة المركزية والموساد. 


إستراتيجية الاغتيالات وثمارها
تعود الاغتيالات إلى عمق تاريخ البشرية كوسيلة مكمّلة لسياسات وقوى ومصالح قائمة. والاغتيالات السياسية لاحقت سياسة الولايات المتحدة، منذ الحرب العالمية الثانية بصعودها على المسرح الدولي، ووفّرت الغطاء اللازم لحليفتها إسرائيل في التمادي بتوسيع ساحة الاغتيالات إلى مناطق متعددة من العالم دون رقيب أو محاسبة. ودخول عامل طائرات الدرونز ضمن قائمة الموارد المتاحة للاغتيالات أكبر دليل على إدراك الطرفين باستمرار مسلسل الاغتيالات لعناصر وقيادات وكفاءات في مختلف الاختصاصات الرامية للارتقاء بالحياة الانسانية إلى مستويات أرفع. 

وتبرز بين الحين والآخر صيحات تنادي بمراجعة سياسة الاغتيالات نظراً لما تلحقه من ضرر بسمعة الولايات المتحدة ومردودها المادي على الطرف الفاعل. وأشارت بعض وثائق ويكيلكس إلى مذكرات داخلية لوكالة الاستخبارات، مؤرخة يوم 7 تموز / يوليو 2009، تتساءل عن مدى نجاح سياسة "الاهداف ذات القيمة العالية"، أو اغتيال يستهدف عناصر محددة عبر العالم تنوي التخلص منها. وورد في إحدى تلك الوثائق ما توصلت إليه الوكالة من استنتاج بأن محاولات الاغتيال التي مارستها القوى الاستعمارية والنظم الاستبدادية لم تفلح في إخماد ثورات الشعوب العالمية؛ فضلاً عن أن الاعتماد المكثّف بشنّ غارات جوية على أهداف منتقاة عادة ما تفشل في تحقيق الاهداف المرجوة. 

واستعرضت دراسة الوكالة التي قامت بها "مؤسسة راند" التجارب الثورية ومقاومة الاحتلالات في: أفغانستان 2001-2009؛ الجزائر 1954-1962؛ كولومبيا 2002-2009؛ العراق 2004-2009؛ فلسطين المحتلة 1972-منتصف التسعينيات، ومن ثم لشهر حزيران 2009؛ البيرو 1980-1999؛ ايرلندا الشمالية 1969-1998؛ وسري لانكا 1983-2009. كما تضمنت المشهد في كل من الشيشان وليبا والباكستان وتايلند. 

وأتت توصيات الدراسة برسالة تحذيرية من مردود الاغتيالات على المدى الابعد "إذ بوسعها زيادة مستويات دعم الشعب للحركات" المسلحة، لا سيما عند وقوع ضحايا من المدنيين العزل. وأقرّت الدراسة بدور العمل النفسي للحركات المسلحة وتراجع أهمية دور طرفي الصراع أمام مدى إدراك المزاج الشعبي لما يجري من أحداث. 

وفي الشق المتعلق بالاغتيالات في فلسطين المحتلة، أوضحت الدراسة "تعزيز أواصر اللحمة" في صفوف المسلحين "ورفعت منسوب الدعم الشعبي للقادة المتشددين، حسبما أفاد مسؤولون في القنصلية الاميركية في القدس وقسم إعداد التقارير السرية". ويتّضح أن الوجهة لا تحبّذ استمرار برنامج الاغتيالات. 

وفيما يخص الثورة الجزائرية أوردت الدراسة أن "هدف جبهة التحرير الوطني الجزائرية استفزاز ردة فعل الفرنسيين الذين عاقبوا عموم الشعب الجزائري، وأدى تزايد عدد ضحايا المدنيين إلى ترسيخ شعبية الجبهة"، واستعرضت الدراسة لجوء الاحتلال الفرنسي لاعتراض طائرة مدنية كانت تقلّ الرئيس الاسبق أحمد بن بيلا "المعتدل نسبياً بين صفوف القادة"، وأربعة قياديين آخرين مما "تسبّب في تعزيز نفوذ قيادات الداخل الجزائري المتشددين". وخلصت بالقول إن "الاجراءات الفرنسية القاسية .. أسهمت في تراجع التأييد داخل فرنسا وكذلك التأييد العالمي، مما أدّى لتحقيق الجزائر استقلالها عام 1962". 


تحذيرات تم تجاهلها
أدرجت الدراسة المشار إليها عدداً من التوصيات في سياق اعتماد الاغتيالات كحلّ سريع في مواجهة القوى الشعبية، محذّرة من العقبات المواكبة للحل. منها، على سبيل المثال، إفراط "الاعتماد عليها يؤدي إلى فقدان الدولة البعد الاستراتيجي للصراع أو التغاضي عن قضايا هامة في عملية مكافحة التمرد". ومضيّ أوباما في اعتماد الاغتيالات يدلّ على إخفاق المسؤولين في أخذ التحذيرات الواردة محمل الجد. 

ويتحكم الرئيس اوباما مباشرة بإصدار قرار الاغتيال من عدمه، وفق التوصيات الواردة له كل "يوم ثلاثاء" من الاسبوع من قبل الاجهزة الأمنية. 

ومن ضمن التوصيات أيضاً، التحذير من استخدام الاغتيالات بكثافة والتي من شأنها تعديل هيكلية المجموعات المسلحة واعتماد وحداتها على إبراز عناصر قيادية أكثر تشدداً؛ كما تشهد عليه المجموعات المتوالدة من تنظيم القاعدة في اليمن وسوريا والعراق والصومال وشمال إفريقيا. 

ومن المفارقة أن تقرير وزارة الخارجية الاميركية حول الارهاب للعام الماضي حذّر من تحديات شبيهة بما سبق، وقال "خسارة قادة القاعدة في باكستان، سارعت في اتخاذ المجموعة قرار اللامركزية في العمل وأدى لبروز فصائل أخرى تابعة لشبكة القاعدة لكنها مستقلة في عملياتها وتحصر جهودها لتحقيق أهداف محلية واقليمية". بالامكان القول إن التوصيات تنطبق أيضاً على تشكيلات الدولة الاسلامية، وأسهمت سياسة أوباما في الاغتيالات في رفع منسوب الدعم لداعش بدل القضاء عليها. 

واعتماد الاستراتيجية الاميركية على عنصر الاغتيالات بطائرات الدرونز، في عهدي بوش الابن واوباما، لم تثمر نتائج ملموسة ولم تخلّص العراق من تهديد داعش. وارتفعت معدلات الشك بفعالية عمليات وكالة الاستخبارات المركزية خاصة في ظل تعاونها الصارخ مع الموساد لاغتيال عناصر قيادية. 

  
ترميم الميزان المعنوي
تبقى العمليات الأمنية والاغتيالات وسيلة مفضلة للكيان الصهيوني، الوكيل للأصيل الأميركي، مع تراجع قدراته على ردع واستنزاف أطراف معسكر المقاومة، في ظل انكشاف عجزه عن تحقيق أهدافه في الحروب التي يشنّها وخاصة منذ إرغامه على الانسحاب من معظم أراضي الجنوب اللبناني المحتلة في عام 2000. 

ويمكن الاستنتاج في حالة الصراع العربي– الصهيوني، وتحديداً في حالة المجابهة مع حزب الله، أن العمليات الأمنية والاغتيالات تشكل وسيلة لترميم ما يعتبره القادة "لاسرئيليون انكساراً أو انهياراً في ميزان الحرب النفسية والمعنوية، كلما سجّلت المقاومة صموداً أو إنجازاً ميدانياً أو أطلق قائدها السيد حسن نصر الله تحدياً جديداً او تهديداً تعتبره وجودياً لها. 

ومع كل جولة مواجهة بين معسكر المقاومة والكيان المحتل وداعميه يبدو تماسك الحاضنة الشعبية للمقاومة أقوى واكثر استدامة قياسا ًبقلق وتوتر واهتزاز ثقة مستوطني الاحتلال بمستقبلهم ومصير كيانهم. 

ولا شك أن فقدان معسكر المقاومة قادة وكفاءات مجربة (أمثال الشهيد عماد مغنية) يشكل خسارة مادية ومعنوية كبرى، ولكن التجربة تثبت أن المعسكر يخرج من حالة الاحباط وألم الخسارة ويتجاوز عمليات الغدر الجبانة. 

وفي معسكر المقاومة نجد قوافل القادة المتمرسين تتجدد، وفي معسكر الاحتلال يتجدد الخوف والقلق، وخاصة بعد إعلان قائد المقاومة في لبنان وباسم معسكر المقاومة إلغاء قواعد الاشتباك القائمة لتاريخه.

الأحد, 08 شباط/فبراير 2015 00:00

الحوثي: نريد دولة لكل اليمنيين

أكد زعيم حركة "أنصار الله" عبد الملك الحوثي، أن حركته تريد دولة لكل اليمنيين وخاطب اليمنيين بالقول إنه "لن يكون هناك إقصاء أو إلغاء". 

ورأى الحوثي خطوة الاعلان الدستوري "خطوة تاريخية وكان لا بد منها لمواجهة الفراغ"، متهماً البعض في الداخل والخارج بمحاولة ما أسماه "تنفيذ مؤامرات ضد الشعب اليمني". 

وقال زعيم حركة "أنصار الله" إن الهدف من استقالة الرئيس عبد ربه منصور هادي ورئيس الوزراء خالد بحاح هو "خلق حالة من الفراغ في البلاد وهو مؤامرة وخطوة سلبية". 

وحذر من أن الفراغ ليس في مصلحة اليمن على المستويين الأمني والسياسي، معتبراً ان الإعلان الدستوري كان بمثابة "خطوة لتصحيح المسار لإدارة المرحلة الانتقالية نحو الشراكة". 

ودعا الحوثي المجتمع الدولي ودول الجوار إلى عدم شغل أنفسهم ببيانات الإدانة بل التعاطي بإيجابية وحكمة مع الموضوع اليمني. 

وأكد الحرص على الالتفات إلى مطالب أبناء الجنوب "الذين طالما ظلموا من رعاة التعطيل".

الأربعاء, 04 شباط/فبراير 2015 00:00

حزب الله وهزيمة الوعي

أخذنا السيد حسن نصر الله في خطابه يوم الجمعة الماضي إلى المنطقة الاكثر أهمية وحساسية في الصراع مع إسرائيل، وهي «منطقة الوعي»، حين قال بأن «المهم هو ما أصاب إسرائيل بعد اعلان عملية الاغتيال في القنيطرة»، مشيراً بذلك الى حالة الاستنفار العالية في صفوف جيشها، ومعتبراً أن «أول الانجازات لدماء الشهداء هو انه من الاحد الى الأربعاء، إسرائيل واقفة على رجل ونص».
يبدو أن الأمين العام لحزب الله، تجاوز في فهمه لردة الفعل الإسرائيلية هذه اطار الحسابات المادية والتوازنات العسكرية، وأراد أن يضعها لنا ضمن مشهد أشمل وأعمق، يتمثل في حالة الوعي الجديد الذي بات يتشكل لدى الإسرائيلي عن نفسه اولاً وعن خصمه ثانياً. وهي جبهة صراع مهملة لم نولِها الاهتمام الكافي طوال العقود الماضية، في حين هو حاربنا بها ومن خلالها.

لفهم أهمية «جبهة الوعي» هذه والتي برزت اكثر من مرة في خطاب تكريم شهداء القنيطرة، علينا ان ندرك حقيقة قاسية تركها لنا تاريخ صراعنا مع إسرائيل، وهي أن وعي الإسرائيلي تشكّل مبكراً وسريعاً على قاعدة «التفوق والتفرد». قاعدة ارتسمت حدودها ما بين النكبة والنكسة، فحين كان الجندي الإسرائيلي يراكم انتصاراته المتتالية علينا، كان في الوقت نفسه يتراكم لديه شعور التفوق وتتعمق بداخله صورة البطل المنتصر وسط محيط من الهزائم. وفي المقابل كانت تتراكم داخلنا نحن الانكسارات وفقدان الثقة بالنفس والندية. ومن هنا ولدت ثقافة جلد الذات وتضخيم الآخر. وحين شكّلت الثورة الفلسطينية آنذاك اهم محاولة عربية في القرن العشرين لوضع حد لهذه الانكسارات داخلنا، جاءت «هزيمة اوسلو» لتفتح لها الباب من جديد.
لا نبالغ ان قلنا بأنّ هذا التفوق داخل الإسرائيلي وعياً وشعوراً، وذاك الانكسار داخلنا، شكلا الانجاز الاهم له. وهي اهمية تعود لطبيعة وتركيبة الكيان الذي نحن في مواجهة معه. فإسرائيل ربما هي الحالة الوحيدة في التاريخ التي ولدت كجيش اولا ثم أصبحت دولة، ما يعني أن أساسها وجوهرها قائمان على هذا الجيش، وبالتالي لا قوة لديها يمكن أن تحفظ بقاءها وتضمن استمراريتها سوى القدرة العسكرية. على عكس الدول التي تولد من رحم مجتمع له تاريخ وثقافة ووطن وهوية وانتماء. هذه الدول لا تنتهي بهزيمة جيوشها، بينما الدولة التي تفتقر أساسيات الوجود هذه، فلا بقاء لها ولا حصن يحميها سوى الجندي. وهذا الجندي لا قيمة له مهما راكم من أسلحة وخبرات عسكرية ان كان مهزوماً من داخله.
لذلك فإن الانتصار الذي نحن امامه اليوم، والذي راكمته المقاومة طوال السنوات الماضية، يتمثل في القدرة على اختراق وعي الإسرائيلي واعادة هندسته وبنائه على قاعدة جديدة غير قاعدة «التفوق والتفرد» التي تشكلت في غفلة منا ومن التاريخ. ويمكننا الاجتهاد والتأريخ لتجلي اعادة الهندسة هذه مع حرب 2006، التي مع كل اسف لم تأخذ حقها الكافي في الدراسة والتحليل واستخلاص النتائج والمدلولات، بل العكس بذلت وما زلت تبذل محاولات جبارة للتقليل من أهميتها. ولكنها وجدت ارتدادها الطبيعي والايجابي داخل فلسطين نفسها.
لم أجد اكثر سطحية من ذلك الذي تناول تلك الحرب بمنطق الحسابات العسكرية المجردة، مع انه حتى هذا المنطق، من انتصر فيه هو حزب الله، ولكن النتيجة الاهم برأينا والتي تتجاوز بكثير ما رسم انذاك من قواعد اشتباك، والتي اعتبرها السيد نصر الله انها بعد عملية القنيطرة لم تعد قائمة، هو أن حزب الله استطاع كي وعي الإسرائيلي زارعاً داخله «مبدأ الندية»، وهو المبدأ الذي ترجم عملياً في وقوف إسرائيل «على رجل ونص». فهي اليوم تدرك انها أمام ند وتخشاه.
وذات السذاجة والسطحية التي فهمت بها حرب 2006 على لبنان، انسحبت على فهم وتحليل الحرب الأخيرة على قطاع غزة، فهنالك أيضاً تم تحقيق اختراق جديد لوعي الإسرائيلي ولصورته المتضخمة عن نفسه، حيث لم نلتفت الى الاثر الذي يمكن ان تتركه ارادة مقاتل فلسطيني استطاع رغم الحصار بناء قدرات قتالية جديدة والخروج لعدوه من باطن الأرض. وهو اثر وجد صداه الأكبر في الضفة الغربية حيث تحاول ثقافة «اوسلو» يومياً تكريس هزيمة الوعي. وقد أشرنا حينها في مقال هنا بعنوان «في السؤال عن المكسب السياسي للمقاومة... وعباس»، كيف ان الاطراف التي ترفض اعادة صياغة وعي الفلسطيني والعربي عموماً على قاعدة الندية تنبهت الى ذلك وعملت سريعاً على التقليل من ذلك الاثر.
الهزائم ليست دائماً مدمرة اذا بقيت ضمن النطاق العسكري المجرد، والانتصارات أيضاً لا تتحقق فقط بالتفوق العسكري. هذا ما يدركه الإسرائيلي واصدقاؤه جيداً، وهذا ما يدفعهم لخوض حرب شرسة ضد تحقيق اي اختراق للمقاومة على «جبهة الوعي». وهو ما يترجم في سيل المقالات والتحليلات والقنوات الفضائية التي تحاول ليل نهار الانتقاص مما يحدث على حدود فلسطين وداخلها، ولكن يبدو أن الوقت بات متأخراً ووعي الإسرائيلي قد هزم، وفي المقابل المقاومة باتت ثقافة تزرع الايمان بحاملها انه قادر على هزيمة عدوه. بالتالي أكثر ما هو مطلوب اليوم هو توسيع قاعدة هذه الثقافة وتحصينها من كل ما يتهددها.
معز كراجة صحافي فلسطيني ــ الاخبار

أعدت وزارة الخارجية الإسرائيلية وثيقة سرية ستوزعها على سفاراتها في دول العالم لمواجهة الادعاء الذي تريد محكمة الجنايات الدولية في لاهاي فتحه بخصوص الانتهاكات التي ترتكبها إسرائيل في الأراضي الفلسطينية وفقاً للقانون الدولي.
وتتضمن الوثيقة السرية التي نشرتها صحيفة «يديعوت احرونوت» في تقرير أمس أدلة سياسية وقانونية رئيسية ستُعرَض خلال الأسابيع المقبلة على جميع الدول لمواجهة خطر إمكانية جرّ إسرائيل إلى المحكمة الدولية، لأن هذا الإجراء جزء من قرار سياسي للعمل بكل الوسائل المتاحة لها على مختلف المستويات لإحباط الخطوة الفلسطينية.

وأشارت الصيحفة إلى أن الوثيقة تحدد الرسائل الأساسية بأن إسرائيل ستظهر للمجتمع الدولي لمنع هذه الخطوة في لاهاي.
وشددت الوثيقة على أن الفلسطينيين ليسوا دولة، و«بالتالي ليس لديهم الصلاحية في رفع قضية أمام المحكمة»، ولفتت إلى أن غياب سيطرة السلطة الفلسطينية على قطاع غزة، حيث السلطة الفعلية هناك لحركة حماس، «يعتبر مخالفاً لما نص عليه القانون الدولي».
وأوضحت وثيقة وزارة الخارجية أن السلطة الفلسطينية لم تحصل في الأمم المتحدة على حقوقها كدولة، وهي فقط حصلت على عضو مراقب، ولذلك هي «ليست جهة أو كياناً قانونياً، وأن قرار المدعية العامة بفتح تحقيق لا يمت إلى القانون بصلة، ما يشير إلى وجود اعتبارات في قراراها ويشكك بصدقيتها».
ونبهت الوثيقة من أن «الشرعية التي منحتها المحكمة للإجراء الفلسطيني ستمس بصدقية المحكمة وبسمعتها ومهمتها التي أقيمت من أجلها، وهي فضّ النزاعات الخطيرة في العالم».
وأكدت الوثيقة أن إسرائيل ملتزمة القانون الدولي، وأن «لديها قيماً قضائية مستقلة وتقوم بالتحقيق في أي انتهاك يشتبه في حدوثه، في حين أن المحكمة تملك الصلاحية فقط بفتح تحقيق في حال عدم قيام الدولة بهذه المهمة المعنية من تلقاء ذاتها».
وأشارت الوثيقة إلى أنّ «من السخافة أن تطلب حكومة تشارك فيها منظمة إرهابية منحها الصلاحيات لتقديم دعوى أمام المحكمة ضد دولة ديموقراطية تمارس القوانين المطلوبة لكي تحافظ على نفسها أمام تهديدات «حماس»».
وشددت على أنه «لا يمكن السماح لمحكمة الجنايات أن تمسّ بسيادة دولة إسرائيل التي لن تسمح بالتدخل بشؤونها الداخلية».
واعتبرت الوثيقة أن الخطوة الفلسطينية أمام المحكمة «ستلحق الضرر وبالدرجة الأولى بأي فرصة لإمكانية عودة المفاوضات»، موضحةً أن «الخطوة الفلسطينية تُعَدّ انتهاكاً للاتفاق المرحلي الذي وقّعته إسرائيل والفلسطينيون «اتفاق أوسلو»، وانتهاك لبعض البنود، ومن ضمنها محاولة تغيير الوضع القائم بصورة أحادية الجانب وليس من طريق المفاوضات، بالإضافة إلى أن ذلك يُعَدّ خرقاً لصلاحية الفلسطينيين في إقامة علاقات خارجية».

قرر رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، تجميد عائدات الضرائب التي تجبيها السلطة الفلسطينية عن شهر كانون الثاني، والبالغة قيمتها 400 مليون دولار. وهو الشهر الثاني على التوالي الذي تقدم فيها إسرائيل على مثل هذه الخطوة، وهو من شأنه أن يزيد من العراقيل أمام السلطة الفلسطينية في تأدية مهماتها، الأمر الذي سيترك أثراً بالغاً على الخدمات التي تقدمها السلطة.
وكشفت مصادر حكومية لصحيفة «إسرائيل اليوم» المقربة من نتنياهو، أن إسرائيل ستواصل تجميد عائدات الضرائب للسلطة الفلسطينية إلى حين بلورة خطوات الرد على «تجاوز الخط الأحمر من قبل (الرئيس الفلسطيني محمود) عباس المتمثل بالتوجه إلى محكمة الجنايات في لاهاي». وأضافت أنه رغم تجميد تحويل هذه العائدات، إلا أن السلطة لم تتراجع عن تلك الخطوة.

ويأتي القرار الإسرائيلي بالرغم من أن تجميد تحويل الضرائب لقي ردود فعل دولية منددة من الولايات المتحدة ودول أوروبية، لكن من دون ترجمة ذلك إلى خطوات عملانية ضاغطة بشكل جدي على إسرائيل.
وكانت إسرائيل قد جمَّدت عائدات شهر كانون الأول البالغة قيمتها نحو 500 مليون دولار، وبالتالي يصبح مجموع الأموال المجمدة حتى الآن نحو 900 مليون دولار.
مع ذلك، إن الخطوات الإسرائيلية مقرونة بمخاوف تحاول الأجهزة الأمنية رصدها لجهة إمكانية أن يؤدي الضغط على السلطة، والذي ينعكس شعبياً، إلى التصعيد في الضفة الغربية.
وفي هذا السياق، أكدت المصادر أن أجهزة الأمن الإسرائيلية تتوقع انفجار الأوضاع في الضفة خلال شهر نيسان المقبل، بسبب تجميد أموال ضرائب السلطة، ووقف التمويل الأميركي لمشاريع في الضفة الغربية.
وكان رئيس أركان جيش العدو، بني غانتس، قد حذَّر في ندوة عقدت في ذكرى رئيس الأركان أمنون شاحك، من أن يؤدي الجمود في المفاوضات إلى دفع إسرائيل إلى واقع إشكالي. وأضاف غانتس أن «كل واحد يعرف أن الموضوع الفلسطيني هو الموضوع الأهم». وتأتي هذه المواقف الحذرة لرئيس الأركان، على الرغم من أنه ما زال في الخدمة العسكرية ومقيد في تصريحاته.
من جهة أخرى، اتهم الرئيس الأسبق للاستخبارات العسكرية، اللواء عاموس يادلين رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو بأنه سبّب تدهور العلاقات مع الولايات المتحدة إلى الدرك الأسفل، بسبب قراره إلقاء كلمة أمام الكونغرس والأزمة التي رافقت هذا الخطاب. ورأى يادلين أن رئيس حزب البيت اليهودي، نفتالي بينيت، شريك في المسؤولية عن هذا التدهور، مشدداً على أن نتنياهو «لن ينتصر على إيران بالخطابات الانفعالية والتقاط الصور في الكونغرس، بل ببناء علاقة وثيقة مع الرئيس الأميركي، وهو ما يتطلب سياسة حكيمة وخطوات عملانية خلاقة».