
Super User
واشنطن تزوّد تل أبيب بطائرات "إف 35" وتمنعها عن دول الخليج
وقعت وزارتا الدفاع الأميركية والإسرائيلية اتفاقية ضخمة تقوم بموجبها واشنطن بتوريد أربع عشرة طائرة مقاتلة من طراز "إف خمسة وثلاثين" إلى تل ابيب، فيما أعلن "البنتاغون" أنه لن يزوّد دول الخليج بطائرات من هذا الطراز، والتي تبلغ قيمة كل منها نحو مئة وعشرة ملايين دولار.
الإتفاقية نصت أيضاً على أنه بإمكان إسرائيل اقتناء سبع عشْرة مقاتلة أخرى من منصات الجيل الخامس.
وتشمل الإتفاقية تجهيز المقاتلات الجديدة بوسائل قتالية ومنظومات طيران من إنتاج الصناعات الجوية الإسرائيلية.
وتأتي هذه الصفقة -التي وافقت عليها لجنة حكومية إسرائيلية في تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي بعد شراء إسرائيل 19 مقاتلة أميركية من الطراز عينه عام 2010.
وهذه الطائرات من إنتاج شركة "لوكهيد مارتن" الأميركية للصناعات العسكرية.
وأشارت الوزارة في بيان إلى أن صفقة شراء الطائرات الإضافية وقّعت في مطلع الأسبوع وهي تضم بندا يمنح إسرائيل خيار طلب 17 مقاتلة أخرى.
ومن المتوقع أن تتسلم إسرائيل أول طائرتي "اف-35" بحلول نهاية عام 2016 على أن يكتمل أسطولها من هذه الطائرات بحلول 2021.
وتعتزم وزارة الدفاع الأميركية إنفاق ما يقرب من 400 مليار دولار على تطوير وبناء 2457 من المقاتلة القادرة على تفادي الرادار خلال العقدين المقبلين لصالح الجيش الأميركي وحلفائه.
الإمام الخامنئي يستقبل حشداً من أهالي آذربيجان بمناسبة ذكرى انتفاضة التاسع و العشرين من بهمن
استقبل سماحة آية الله العظمى السيد علي الخامنئي قائد الثورة الإسلامية صباح يوم الأربعاء 18/02/2015 م الآلآف من مختلف شرائح أهالي محافظة آذربيجان الشرقية، و قدم شكره الوافر لشعب إيران الكبير لمشاركته الكبيرة في مظاهرات الثاني و العشرين من بهمن ذكرى انتصار الثورة الإسلامية، مستعرضاً في حديث مهم الظروف الاقتصادية للبلاد و سبل علاج المشكلات، خصوصاً تطبيق سياسات الاقتصاد المقاوم، و أشار إلى تهديدات أمريكا و ما تضعه من شروط، و الحظر الجديد الذي أعلنته أوربا، مؤكداً: لقد أثبت الشعب الإيراني دوماً أنه صاحب إرادة قوية، و أنه قادر في إطار موضوع الحظر على فرض الإخفاق على هذه المؤامرة.
و أشار آية الله العظمى السيد الخامنئي إلى التقارير الدقيقة بخصوص مظاهرات الثاني و العشرين من بهمن التي تفيد مشاركة الجماهير بأعداد أضخم في مظاهرات هذه السنة مقارنة بالعام الماضي، و أضاف قائلاً: إن لساني لقاصر حقاً عن تقديم الشكر لشعب إيران الكبير و وصف مشاركته في المظاهرات.
و ألمح سماحته أيضاً إلى الجوّ البارد و الممطر في بعض المدن و كذلك عواصف الأتربة و الرمال في مدينة أهواز و محافظة خوزستان مردفاً: في هذه الظروف و رغم مضيّ 36 عاماً على انتصار الثورة، فقد كانت مشاركة الجماهير في المظاهرات لهذا العام أعظم و أضخم من الماضي، و هذا شيء منقطع النظير في العالم.
و اعتبر قائد الثورة الإسلامية السبب الأصلي لعظمة مظاهرات الثاني و العشرين من بهمن و ضخامتها التواجد الجماهيري في الساحة و إيكال الأمور للناس منوهاً: في أيّ وقت من الأوقات حيثما كانت هناك مشاركة جماهيرية شعبية في قضايا البلاد، شهدنا مثل هذه المعجزة.
و عمّم الإمام الخامنئي هذه القاعدة العامة على القضايا الاقتصادية و شدّد على المشاركة المدروسة للجماهير في الساحة الاقتصادية و الانتفاع من إمكانيات الشعب، و تطرق لبيان أسباب المشكلات الاقتصادية في البلاد قائلاً: من أهم هذه الأسباب تخطيط القوى الاستكبارية بعد نهاية الحرب المفروضة للحيلولة دون تحول إيران إلى قطب اقتصادي مؤثر في المنطقة و العالم.
و تابع سماحته يقول: الغربيون و الأمريكان خصوصاً يخططون و يستخدمون مختلف الأساليب ليعرقلوا المشاريع و النشاطات الاقتصادية الكبرى لإيران مع بلدان المنطقة و ليلتفّوا على إيران في خطوط نقل النفط و الغاز و الخطوط البرية و الجوية و خطوط شبكات المواصلات، و فرضوا عملياً و قبل سنوات من الملف النووي حظراً صامتاً، و لا تزال هذه المواجهة الاقتصادية قائمة إلى هذا اليوم.
و أكد قائد الثورة الإسلامية: إذن، في تحليل الظروف و المشكلات الاقتصادية للبلاد يجب عدم تجاهل مخططات الأعداء، و هم أمريكا و حفنة بلدان أوربية تابعة لها.
و شدد آية الله العظمى السيد الخامنئي على أنه يجب في مقابل مخططات الخصوم السعي بطريقة تجعل ضربة العدو غير مؤثرة أو قليلة التأثير، مردفاً: بالإضافة إلى مخططات جبهة الاستكبار المستمرة و الواسعة فإن اقتصاد البلاد يعاني بشدة من مشكلتين كبيرتين هما «الاقتصاد النفطي» و «الاقتصاد الحكومي».
و اعتبر سماحته بيع النفط الخام و إنفاق موارده في الشؤون الجارية للبلاد، و عدم الاستفادة من المنتجات الكثيرة للقيمة الفائضة للنفط، اعتبرها من التراث المشؤوم للنظام الطاغوتي و خسارة لا تعوض قائلاً: هذا الأسلوب هو أسهل طريق للحصول على المال، و بعض المسؤولين على مدى أزمنة مختلفة فضّلوا أن ينتفعوا من هذا المال السهل.
و بخصوص مشكلة كون اقتصاد البلاد اقتصاداً حكومياً أشار قائد الثورة الإسلامية إلى تبليغ سياسات المادة 44 قبل سنوات، و التأكيدات المتكررة لتنفيذ هذه السياسات قائلاً: لقد بذل المسؤولون مساعيهم حقاً لكن هذه المساعي ليست كافية، و ينبغي أن تأخذ هذه المساعي الاقتصادية أنفاساً جديدة.
و أوضح آية الله العظمى السيد الخامنئي أن التاسع و العشرين من بهمن يصادف الذكرى السنوية الأولى لإعلان و تبليغ السياسات العامة للاقتصاد المقاوم مؤكداً: الاقتصاد المقاوم الضروري للبلاد في أية ظروف، سواء كانت ظروف حظر أو غير حظر، يعني أن تنظم أسس البلاد الاقتصادية بشكل لا تؤثر معه عليها الاهتزازات العالمية.
و أضاف سماحته قائلاً: إذا تمت برمجة و تحكيم دعامة البلاد الاقتصادية على أساس الاستفادة من الإمكانيات الجماهيرية و الإنتاج الداخلي فلن يعود الحظر و انخفاض أسعار النفط يضرنا شيئاً بحيث نشعر بالقلق.
و عدّ قائد الثورة الإسلامية أن من اللوازم الأصلية و المهمة للخروج من الاقتصاد النفطي إنهاء تبعية ميزانية البلاد لعائدات النفط، ملفتاً: يجب أن نصل إلى هذا الهدف، و اعتقد أن هذه العملية الصعبة ممكنة التحقيق بالهمم و بالاعتماد على الشعب و الشباب و الأرصدة الداخلية و فوق ذلك بالتوكل على الله تعالى الذي وعد بالنصر.
و أكد آية الله العظمى السيد الخامنئي على أن أحد سبل إنهاء تبعية الميزانية لعائدات النفط هو الاعتماد على العائدات الناتجة من ضرائب الإنتاج و التجارة، و أضاف قائلاً: بعض أصحاب الرساميل الكبيرة الذين يمتنعون أو يفرّون من دفع الضرائب يرتكبون بذلك مخالفة، لأنهم يجعلون البلاد مرتهنة لأموال النفط أكثر فأكثر و يمهدون لظهور مشكلات أكبر.
و شدد سماحته على قضية الضرائب و أهميتها و اعتبر دفعها فريضة مردفاً: لقد صمم مسؤولو الضرائب خططاً و خطوات و برامج جيدة لعائدات الضرائب الناتجة عن الإنتاج و التجارة، و ينبغي تنفيذها بمساعدة الشعب بأسرع ما يمكن.
و أكد قائد الثورة الإسلامية على أنه من النقاط الأساسية الأخرى لحل المشكلات الاقتصادية رفع مستوى الفائدة منوّهاً: رفع مستوى الفائدة عبارة عن خفض تكاليف الإنتاج و رفع درجة الجودة.
و أوضح الإمام السيد الخامنئي أن من السبل الأخرى للخروج من المشكلات الاقتصادية البرمجة المناسبة للانتفاع إلى أقصى درجة من الإمكانيات و المصادر الداخلية، و تابع حديثه بالإشارة إلى جملة من النقاط.
النقطة الأولى التي أشار لها قائد الثورة الإسلامية هي الاستفادة من الإنتاج الداخلي، و أضاف يقول: الشعب و كل المحبين لإيران و لمستقبل إيران و كذلك الأجهزة الحكومية يجب أن لا يستهلكوا البضائع الخارجية التي لها نظائر داخلية.
و من النقاط الأخرى التي ألمح لها قائد الثورة الإسلامية ضرورة اجتناب الإسراف و الحيلولة دون إهدار المصادر العامة، و الاعتماد على الشركات العلمية المحور، و المحاربة الجادة للتهريب، و أردف قائلاً: لأجل معالجة المشكلات الاقتصادية يجب القيام بهذه الأعمال.
و لفت سماحته قائلاً: خلال هذه الأعوام أطلقت الكثير من التحذيرات و التنبيهات و بذلت الكثير من الجهود، و لكن لا تلك التحذيرات كافية و لا هذه المساعي التي يبذلها المسؤولون.
و شدد الإمام الخامنئي على ضرورة إبداء مساع أكثر جدية و الاستعانة بإمكانيات الشعب مضيفاً: بوسعنا الوقوف بوجه ضجيج الأعداء و ممارساتهم في خصوص موضوع الحظر، و فرض الإخفاق عليهم في ما يرمون إليه من أهداف.
و قال آية الله العظمى الخامنئي: إذا لم نقم بالخطوات اللازمة و المساعي الأكثر جدية في المضمار الاقتصادي فستكون النتيجة هي أن یضع العدو الآن الشروط في موضوع الملف النووي، ثم يقول إذا لم توافقوا على هذه الشروط سنفرض عليكم الحظر!
و أشار سماحته إلى استخدام جبهة الاستكبار لحربة الحظر ضد شعب إيران إلى أقصى حدّ ممكن مؤكداً: هدفهم الأساسي من هذه الممارسات هو إذلال الشعب الإيراني و إيقاف حركته العظيمة نحو الحضارة الإسلامية الجديدة، و اعتقد أننا حتى لو وافقنا في الملف النووي على مطاليبهم التي يملونها فإن الحظر لن يرفع، لأنهم يعارضون أصل الثورة.
و أكد قائد الثورة الإسلامية على ضرورة الاستفادة من الإمكانيات العالية جداً للشباب و خصوصاً الشباب التعبوي في قضايا البلاد و التقدم نحو أهداف الثورة، و أشار إلى تهديدات الحكومة الأمريكية المتعسفة العاتية و الحظر الجديد الذي أعلنه أتباعها الأوربيون، قائلاً: إذا كان الحظر هو القرار فإن الشعب الإيراني بوسعه أيضاً فرض حظر عليهم، و سيفعل ذلك.
و أضاف آية الله العظمى السيد الخامنئي: للشعب الإيراني إرادة قوية جداً و الجمهورية الإسلامية أثبتت عزيمتها الراسخة في أية قضية تخوضها.
و اعتبر الإمام الخامنئي المواجهة الجادة لإيران مع داعش نموذجاً لهذه الإرادة القوية و أشار إلى أكاذيب أمريكا و حلفائها و تزييفهم بشأن مواجهة هذه الجماعة الإرهابية ملفتاً: كتب الأمريكان إلى وزارة الخارجية الإيرانية رسالة قالوا فيها إننا لا ندعم داعش، و لكن بعد بضعة أيام نشرت صور المساعدات الأمريكية لداعش.
و ثمّن قائد الثورة الإسلامية في جانب آخر من حديثه ذكرى انتفاضة أهالي تبريز في التاسع و العشرين من بهمن سنة 1356 هـ ش [18 شباط 1978 م] و اعتبر الريادة و معرفة الظرف و المبادرة في لحظة الحاجة و الشجاعة و الإيمان الحقيقي من الخصوصيات البارزة لأهالي آذربيجان و تبريز في مختلف المراحل و الفترات، و أثنى على شخصية آية الله مجتهد شبستري كرجل دين مجاهد صاحب بصيرة.
و أكد آية الله العظمى السيد الخامنئي على أن الشعب هو المالك الأصلي للثورة و البلاد، و شدد في الخاتمة: لا شك في أن شعب إيران سيقف في المستقبل غير البعيد على قمة الشرف و الفخر.
قبل كلمة قائد الثورة الإسلامية تحدث آية الله الشيخ مجتهد شبستري ممثل الولي الفقيه في محافظة آذربيجان الشرقية و إمام جمعة مدينة تبريز فأشار إلى ملحمة الشعب الإيراني الكبرى في الثاني و العشرين من بهمن لهذه السنة مؤكداً: لقد حرس أهالي تبريز الغيارى في الظروف و المراحل الحساسة من تاريخ الثورة، و خصوصاً في انتفاضة التاسع و العشرين من بهمن سنة 1356 هـ ش استقلال البلاد و وحدة أراضيها، و كان لهم دور مؤثر في إثمار الثورة الإسلامية الكبرى.
و لفت ممثل الولي الفقيه في محافظة آذربيجان الشرقية: أهالي آذربيجان الواعون و بالنظر للإمكانيات النادرة التي يمتلكونها في مجالات العلم و الصناعة و الالتزام بالقيم الإسلامية، مستعدون كما في الماضي ليكونوا من رواد تكوين الحضارة الإسلامية الجديدة.
لماذا يعتمد الشيعة على كتاب نهج البلاغة مع أنّ سنده ضعيف؟
جواب:
نهج البلاغة هو كتاب ألّف من طرف أحد العلماء الشيعة واسمه السيّد الرضيّ (المتوفّى سنة 406 هـ ق) اعتماداً على الروايات التي وصلته عن الإمام علي عليه السلام. وقد كان الهدف من تأليف هذا الكتاب ـ بحسب ما يذكره السيّد الرضي بنفسه في مقدّمة نهج البلاغة وكما يظهر من اسم الكتاب ـ هو جمع نبذة من الكلمات الفصيحة والبليغة للإمام علي عليه السلام.
وقد حظي هذا الكتاب منذ تدوينه إلى الآن بأعلى درجة من الإقبال ـ بعد القرآن الكريم ـ من طرف العلماء الشيعة والسنّة، بل وحتّى من غير المسلمين، بحيث أنّ الآلاف من الكتب ألّفت في شرحه أو التعليق عليه أو ذكر أسانيده أو ترجمته أو بيان قسم من مسائله أو ... .
ومن الجدير بالذكر أنّه على الرغم من عدم تعرّض السيّد الرضي إلى ذكر أسانيد الخطب والرسائل الواردة في نهج البلاغة، إلاّ أنّ هذا لا يعني افتقاد خُطب ورسائل وكلمات الإمام علي عليه السلام للسند؛ إذ تمّ التطرّق إليه في كتب أخرى. ومن هنا، فقد بذل الباحثون في المسائل المرتبطة بنهج البلاغة جهوداً علميّة قيّمة في مجال مصادر نهج البلاغة، وعرضوها في قالب مجموعة من الكتب، نستعرض جملةً منها فيما يلي:
1. استناد نهج البلاغه (أسانيد نهج البلاغة)، تأليف امتياز علي خان عرشي؛
2. أسناد ومدارک نهج البلاغة، تأليف محمد الدشتي؛
3. مصادر نهج البلاغة وأسانيده، تأليف السيّد عبد الزهراء الحسيني؛
4. مدارک نهج البلاغة ودفع الشبهات عنه، هادي کاشف الغطاء.
وكمثال على هذا الأمر، فإنّ الخطبة الثالثة من نهج البلاغة (المعروفة بالخطبة الشقشقيّة والأكثر عُرضة من الجميع للاتّهام بالوضع) قد نُقلت بواسطة الشيخ الصدوق (المتوفّى سنة 381) في كتابيه علل الشرائع (1) ومعاني الأخبار (2) بشكل مُسند. كما يذكر العلاّمة الأميني في كتاب الغدير أنّ بعض رواة هذه الخُطبة كانوا يعيشون في عصرٍ لم يكن السيّد الرضي قد وُلد فيه بعد (3)، فكيف يُمكن إذن للسيّد الرضي أن يُحرّف ما تمّ نقله قبل ولادته بسنوات مديدة؟!
فمع وجود كلّ هذه المصادر والمراجع، لا مجال للشكّ والارتياب في استناد المطالب الواردة في نهج البلاغة إلى الإمام علي عليه السلام، هذا فضلاً عن أنّ مضمون العديد من الخطب والرسائل والحكم يشهد بفصاحته وبلاغته العالية على صدورها عن أمير المؤمنين علي عليه السلام، كما يذكر ابن أبي الحديد المعتزلي ـ الذي يُعدّ من شرّاح لنهج البلاغةـ :
«... لأنّ كثيراً من أرباب الهوى يقولون إنّ كثيراً من نهج البلاغة كلامٌ مُحدث صنعه قوم من فصحاء الشيعة، وربّما عزوا بعضه إلى الرضيّ أبي الحسن وغيره؛ وهؤلاء قومٌ أعمت العصبيّة أعينَهم، فضلّوا عن النهج الواضح... ». (4)
ولكي يبيّن خطأهم في الاستدلال، فإنّه يعقّب على ذلك قائلاً:
«لا يخلو إمّا أن يكون كلّ نهج البلاغة مصنوعاً منحولاً أو بعضه، والأوّل باطل بالضرورة؛ لأنّا نعلم بالتواتر صحّة إسناد بعضه إلى أمير المؤمنين عليه السلام، وقد نقل المحدّثون كلّهم أو جلّهم والمؤرّخون كثيراً منه، وليسوا من الشيعة لينسبوا إلى غرض في ذلك. والثاني يدلّ على ما قلناه؛ لأنّ من قد أنس بالكلام والخطابة وشدا طرفاً من علم البيان وصار له ذوق في هذا الباب لا بدّ أن يفرّق بين الكلام الركيك والفصيح، وبين الفصيح والأفصح، وبين الأصيل والمولّد، وإذا وقف على كرّاس واحد يتضمّن كلاماً لجماعة من الخطباء أو لاثنين منهم فقط، فلابدّ أن يُفرّق بين الكلامين ويُميّز بين الطريقتين؛ ألا ترى أنّا مع معرفتنا بالشعر ونقده، لو تصفّحنا ديوان أبي تمّام، فوجدناه قد كتب في أثنائه قصائد أو قصيدة واحدة لغيره، لعرفنا بالذوق مباينتها لشعر أبي تمّام ونفسه وطريقته ومذهبه في القريض. ألا ترى أنّ العلماء بهذا الشأن حذفوا من شعره قصائد كثيرة منحولة إليه لمباينتها لمذهبه في الشعر، وكذلك حذفوا من شعر أبي نواس شيئاً كثيراً لمّا ظهر لهم أنّه ليس من ألفاظه ولا من شعره، وكذلك غيرهما من الشعراء، ولم يعتمدوا في ذلك إلاّ على الذوق خاصّة.
وأنت إذا تأمّلت نهج البلاغة وجدته كلّه ماءً واحداً ونفساً واحداً وأسلوباً واحدا كالجسم البسيط الذي ليس بعض من أبعاضه مخالفاً لباقي الأبعاض في الماهية». (5)
الهوامش:
1. الشيخ الصدوق (المتوفّى سنة 381)، علل الشرائع، قمّ، مکتبة الداوري، 1385 ش، ج 1، ص 150.
2. الشيخ الطوسي (المتوفّى سنة 460)، الأمالي، قمّ، دار الثقافة، 1414، ص 372.
3. العلاّمة الأميني، الغدير فى الكتاب والسنّة والأدب، قمّ، مركز الغدير للدراسات الإسلاميّة، 1416 ق، ج 7، ص 109.
4. ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، قمّ، مكتبة آية الله المرعشي النجفي، 1404 ق، ج 10، ص 127.
5. نفس المصدر، ص 128.
كلمة الإمام الخامنئي في المشاركين في المؤتمر العالمي للتيارات التكفيرية من وجهة نظر علماء الإسلام
طيّب الله أنفاسكم إن شاء الله
بسم الله الرحمن الرحيم (1)
الحمد لله رب العالمين، و صلى الله على سيدنا و نبينا المصطفى الأمين محمد و آله الطيبين الطاهرين المعصومين (2) و على صحبه المنتجبين و التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.
أولاً أرحب بالضيوف الأعزاء و الحضور المحترمين و علماء المذاهب الإسلامية المتنوعة الحاضرين في هذه الجلسة. و أشكر حضوركم الفعال المفيد في اجتماعات هذا المؤتمر المهم على مدى يومين.
أرى من الضروري أن أتقدم بالشكر لعلماء و فضلاء قم الكبار، و خصوصاً سماحة آية الله مكارم شيرازي و سماحة آية الله سبحاني، الذين ابتكروا هذه الفكرة و نفذوها عملياً و قاموا بحمد الله بالخطوات الأولية التمهيدية لهذا المشروع، و هذه حركة يجب أن تستمر. اطلعت إجمالاً على كلمات المتحدثين المحترمين خلال اليومين الماضيين، و أذكر بدوري بعض النقاط:
أولاً هذا المؤتمر هو من أجل مناقشة التيار التكفيري و هو تيار مضر و خطير في العالم الإسلامي. و مع أن هذا التيار التكفيري ليس بالجديد و له سوابقه التاريخية، لكنه استعاد حياته في الأعوام الأخيرة وفق مخططات الاستكبار و بأموال بعض حكومات المنطقة و بتخطيط من الأجهزة التجسسية للبلدان الاستعمارية - مثل أمريكا و بريطانيا و الكيان الصهيوني - و ازداد قوة. هذه الجلسة و هذا المؤتمر و تحرككم هذا، كله من أجل مواجهة شاملة لهذا التيار، و ليس لأجل ما يسمى اليوم بداعش، فالتيار الذي يعرف اليوم بداعش أحد فروع هذه الشجرة التكفيرية الخبيثة، و ليس الشجرة كلها. هذا الفساد الذي أطلقته هذه الجماعة و هذا الإهلاك للحرث و النسل و سفك دماء الأبرياء جزء من جرائم هذا التيار التكفيري في العالم الإسلامي. ينبغي النظر للمسألة من هذه الزاوية.
إنني آسف قلباً لأننا في العالم الإسلامي حيث يجب أن نبذل كل طاقاتنا لمواجهة مؤامرة الكيان الصهيوني و تحركاته ضد القدس الشريف و المسجد الأقصى - و هذا ما يجب أن يحرّك العالم الإسلامي برمّته - مضطرون اليوم لأن ننشغل بالمشكلات التي أوجدها الاستكبار في داخل العالم الإسلامي، و لا مفرّ من هذا. و الواقع أن الخوض في قضية التكفير شيء فرض على علماء العالم الإسلامي و الواعين و النخبة فيه. لقد أدخل العدو هذه المشكلة المفتعلة المصطنعة في العالم الإسلامي، و نحن مضطرون للخوض فيها.
لكن القضية الأصلية هي قضية الكيان الصهيوني، و القضية الأصلية هي قضية القدس، و القضية الأصلية هي قضية قبلة المسلمين الأولى أي المسجد الأقصى. هذه هي القضايا الأساسية.
ثمة نقطة لا تقبل الإنكار هي أن التيار التكفيري و الحكومات التي تدعمه و تحميه تتحرك تماماً باتجاه نوايا الاستكبار و الصهيونية. أعمالهم تصبّ باتجاه أهداف أمريكا و الحكومات الاستعمارية الأوربية و حكومة الكيان الصهيوني المحتل. ثمة شواهد تجعل هذا المعنى أكيداً و قطعياً. التيار التكفيري له ظاهر إسلامي لكنه عملياً في خدمة التيارات الاستعمارية و الاستكبارية و السياسية الكبرى التي تعمل ضد العالم الإسلامي. هناك شواهد واضحة لا يمكن تجاهلها. أذكر بعض هذه الشواهد. أحد الشواهد هو أن التيار التكفيري استطاع تحريف حركة الصحوة الإسلامية. لقد كانت حركة الصحوة الإسلامية حركة مناهضة لأمريكا و الاستبداد و عملاء أمريكا في المنطقة. لقد كانت حركة قام بها عموم الناس في بلدان مختلفة في شمال أفريقيا ضد الاستكبار و ضد أمريكا. و قام التيار التكفيري بتغيير اتجاه هذه الحركة العظيمة المناهضة للاستكبار و لأمريكا و للاستبداد، و جعلها حرباً بين المسلمين و اقتتالاً بين الإخوة. لقد كانت حدود فلسطين المحتلة الخط الأمامي للكفاح في هذه المنطقة. و جاء التيار التكفيري و بدّل هذا الخط الأمامي إلى شوارع بغداد و المسجد الجامع في سورية و دمشق و شوارع باكستان و مدن سورية المختلفة، فصارت هذه هي الخط الأمامي للكفاح.
لاحظوا الوضع الحالي في ليبيا، و انظروا لوضع سورية، و وضع العراق، و لوضع باكستان، و لاحظوا ضد من تشهر السيوف و الطاقات في يد المسلمين؟ هذه سيوف يجب أن تشهر ضد الكيان الصهيوني. لقد غيّر التيار التكفيري اتجاه هذا الكفاح و جاء به إلى داخل البيت و داخل مدننا و داخل البلدان الإسلامية. ينفذون انفجاراً داخل المسجد الجامع في دمشق، و يفجرون حشود الناس العاديين في بغداد، و في باكستان يفتح مئات الناس النار على مئات الناس. و في ليبيا لاحظوا الوضع الذي صنعوه و أوجدوه. هذه كلها إحدى الجرائم التاريخية التي لا تنسى للتيار التكفيري الذي أوجد هذا الوضع. هذا كله يصبّ لخدمة هذا التيار، و هو تغيير في الاتجاه يخدم أمريكا و بريطانيا و الأجهزة التجسسية الأمريكية و البريطانية و الموساد و ما شابه. و الشاهد الآخر هو أن الذين يدعمون هذا التيار التكفيري يتحالفون مع الكيان الصهيوني ليحاربوا المسلمين. لا يعبسون أبسط تعبيس في وجه الكيان الصهيوني لكنهم يوجهون مختلف الضربات و المؤامرات ضد البلدان الإسلامية و الشعوب المسلمة بذرائع شتى. و شاهد آخر هو أن هذه الفتنة التي أوجدها التيار التكفيري في البلدان الإسلامية و في العراق و سورية و ليبيا و بعض مناطق لبنان و بلدان أخرى، أدّت إلى تدمير البنى التحتية القيمة في هذه البلدان. لاحظوا كم من الطرق و كم من المصافي و كم من المناجم و المطارات و الشوارع و المدن و البيوت تدمرت في هذه البلدان نتيجة هذه الحروب الداخلية و الاقتتال بين الإخوة؟ كم من الزمن و المال و التكاليف يجب أن تنفق لإعادة هذه الأشياء إلى حالها الأولى؟ هذه هي الأضرار و الضربات التي وجهها التيار التكفيري للعالم الإسلامي خلال هذه الأعوام و إلى اليوم.
و شاهد آخر هو أن التيار التكفيري شوّه وجه الإسلام في العالم و جعله قبيحاً. لقد شاهد العالم كله في التلفزة أنهم يجلسون شخصاً و يضربون عنقه بالسيف من دون أن تكون هناك جريمة معينة قد ارتكبها: «لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين و لم يخرجوكم من دياركم أن تبرّوهم و تقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين. إنما ينهاكم الله عن الذين قاتلوكم في الدين و أخرجوكم من دياركم و ظاهروا على إخراجكم أن تولوهم» (3) . لقد عمل هؤلاء بعكس هذا تماماً. قتلوا المسلمين و أجلسوا غير المسلمين الذين لم يحاربوهم تحت السيوف، و بثت صور ذلك في العالم كله و شاهده العالم برمته. شاهد العالم كله أن شخصاً و باسم الإسلام مدّ يده و استخرج من صدر إنسان مقتول قلبه و راح يعضّه؛ لقد شاهد العالم ذلك. و قد تسجلت هذه الأحداث باسم الإسلام. إسلام الرحمة و التعقل و المنطق و إسلام «لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين» يطرحه هؤلاء بهذه الصورة، فهل جريمة فوق هذه؟! و هل فتنة أخبث من هذه؟! هذا ما قام به التيار التكفيري.
و شاهد آخر هو أنهم تركوا محور المقاومة وحيداً. لقد قاتلت غزة لوحدها خمسين يوماً، و قاومت لوحدها خمسين يوماً. لم تذهب الحكومات الإسلامية لمساعدة غزة، و لم توضع الأموال و الدولارات النفطية لخدمة غزة، مع أن بعضها وضع لخدمة الكيان الصهيوني. هذا شاهد آخر.
سيئة أخرى و شاهد آخر هو أن التيار التكفيري حرّف حماس و اندفاع الشباب المسلم في كل العالم الإسلامي. في كل أرجاء العالم الإسلامي يحمل الشباب اليوم حماساً و اندفاعاً، و قد أثرت فيهم الصحوة الإسلامية، و هم على استعداد للعمل من أجل خدمة الأهداف الإسلامية الكبرى، و قام هذا التيار التكفيري بتحريف اتجاه هذا الاندفاع و الحماس، حيث جرّ أشخاصاً من الشباب الجهلة غير الواعين نحو قطع رؤوس المسلمين و ارتكاب مذابح ضد النساء و الأطفال في قرية؛ هذه من سيئات التيار التكفيري. لا يمكن غضّ الطرف بسهولة عن هذه الشواهد و القرائن، فهي كلها تدل على أن التيار التكفيري يعمل لخدمة الاستكبار و لخدمة أعداء الإسلام و لخدمة أمريكا و لخدمة بريطانيا و لخدمة الكيان الصهيوني. و طبعاً هناك شواهد أخرى، فقد أعلمونا بأن طائرات النقل الأمريكية قذفت الأعتدة التي تحتاجها هذه الجماعة المسماة بداعش في مناطق تواجدها في العراق، قذفتها لها من الجوّ و أوصلت لهم المساعدات. و قلنا ربما كان هذا خطأ، ثم تكرر، و حسب ما أعلموني فقد تكرر هذا الأمر خمس مرات، فهل أخطأوا خمس مرات؟ ثم يتظاهرون بأنهم شكلوا تحالفاً لمحاربة داعش، و هذا محض كذب. إن هذا التحالف ينشد أهدافاً خبيثة أخرى، فهم يريدون إبقاء هذه الفتنة ملتهبة، و إشعال الاقتتال بين الجانبين و استمرار الحرب الأهلية بين المسلمين على حالها. هذا هو هدفهم. و طبعاً سوف لن يستطيعوا؛ اعلموا هذا.
هناك عدة واجبات كبيرة ينبغي النهوض بها. لقد فكرتم أيها السادة المحترمون خلال اجتماعات هذا المؤتمر على مدى يومين بطرق و حلول و تابعتم الموضوع و حددتم واجبات، و أذكر هنا بعض الأعمال الضرورية التي لا يمكن تجاهلها. الشيء الأول هو نهضة علمية و منطقية شاملة من قبل كل علماء المذاهب الإسلامية لاستئصال التيار التكفيري، و هذا الأمر لا يختص بمذهب دون آخر. كل المذاهب الإسلامية التي تهتم لأمر الإسلام و تؤمن بالإسلام و تتحرّق قلوبهم للإسلام لهم نصيبهم في هذا الواجب و هم شركاء فيه. يجب إطلاق حركة علمية هائلة. لقد نزلوا هذه الساحة بشعار كاذب هو اتباع السلف الصالح، و يجب إثبات كراهية السلف الصالح للأعمال التي يقومون بها، بلغة الدين و العلم و المنطق الصحيح. أنقذوا الشباب! هناك البعض يتأثرون بهذه الأفكار المضلة و يتصورون أنهم يفعلون شيئاً حسناً. إنهم مصداق للآية الشريفة: «قُل هَل نُنَبِّئُكُم بِالاَخسَرينَ اَعمالاً. اَلَّذينَ ضلَّ سَعيُهُم فِي الحَيوةِ الدُّنيا وَ هُم يَحسَبونَ اَنَّهُم يُحسِنونَ صُنعاً» (4) إنهم مصداق هذه الآية. يتصورون إنهم يجاهدون في سبيل الله. إنهم الذين سيقولون لله يوم القيامة: «رَبَّنا اِنّا اَطَعنا سادَتَنا و كُبَراءَنا فَاَضَلّونَا السَّبيلا. رَبَّنا ءاتِهِم ضِعفَينِ مِنَ العَذابِ وَ العَنهُم لَعنًا كَبيرا» (5) هؤلاء هم أولئك التعساء. و منهم ذلك الذين قتل عالماً مسلماً كبيراً في مسجد دمشق. و منهم ذلك الذي يجزّ رؤوس المسلمين بذريعة الانحراف عن الدين. و الذي ينفذ التفجيرات في باكستان و أفغانستان و بغداد و مدن العراق و سورية و لبنان المختلفة و يضرّج الأبرياء بدمائهم هو من أولئك الذين سيقولون يوم القيامة: «رَبَّنا اِنّا اَطَعنا سادَتَنا و كُبَراءَنا فَاَضَلّونَا السَّبيلا. رَبَّنا ءاتِهِم ضِعفَينِ مِنَ العَذابِ» (6) ، و يقول القرآن الكريم في موضع آخر: «لِكُلٍّ ضِعفٌ» (7) ؛ لا يقبل الله منهم قولهم «رَبَّنا ءاتِهِم ضِعفَينِ»، بل يقول: «لِكُلٍّ ضِعفٌ». أي إن كلا الفريقين التابع و المتبوع سينال ضعفاً من العذاب. «تَخاصُمُ اَهلِ النّار» (8) ؛ سوف يتنازعون. يجب إنقاذ هؤلاء. يجب إنقاذ هؤلاء الشباب، و هذا يقع على عاتق العلماء. و للعلماء علاقاتهم بالأوساط التنويرية و كذلك بأوساط الناس و المجتمع و يجب أن يسعوا سعيهم. سوف يسأل الله تعالى يوم القيامة من العلماء عن هذا و ما الذي فعلوه. لذلك يجب أن يعملوا و يبادروا. هذا أحد الواجبات.
العمل الثاني و هو ضروري جداً التنوير بخصوص سياسات أمريكا و بريطانيا الاستكبارية؛ يجب التنوير؛ يجب أن يعلم العالم الإسلامي كله ما هو دور السياسات الأمريكية في هذا الخضمّ؟ و ما هو دور الأجهزة التجسسية الأمريكية و البريطانية و الصهيونية في إحياء تيار الفتنة التكفيرية؟ ينبغي للجميع أن يعلموا هذا. يجب أن يعلم الجميع أن هؤلاء يعملون لأولئك، فالمخططات من أولئك و الدعم منهم و رسم الطرق منهم. و المال من عملائهم في حكومات المنطقة. هم الذين يمنحون الأموال، و أولئك هم الذين يرسمون الخطط، و هؤلاء التعساء المساكين ينزلون هذه المشكلات بالعالم الإسلامي. هذه أيضاً عملية ضرورية أخرى يجب القيام بها.
العمل الثالث الذي يجب بالتأکید القيام به هو الاهتمام بالقضية الفلسطينية. لا تسمحوا بنسيان قضية فلسطين و القدس الشريف و قضية المسجد الأقصى، فهم يريدون هذا. إنهم يريدون للعالم الإسلامي أن يغفل عن قضية فلسطين. لاحظوا أن حكومة الكيان الصهيوني في هذه الأيام أعلنت عن يهودية بلد فلسطين. أعلنوا عنه بلداً يهودياً. كانوا يسعون لهذا منذ فترات طويلة و قاموا بهذه العملية الآن بصراحة. يسعى الكيان الصهيوني وسط غفلة العالم الإسلامي و غفلة أبناء الشعوب المسلمة لاحتلال القدس الشريف و المسجد الأقصى و إضعاف الفلسطينيين أكثر فأكثر. ينبغي التنبّه لهذا.
على كل الشعوب أن تطالب حكوماتها بالاهتمام بقضية فلسطين. على علماء الإسلام أن يطالبوا حكوماتهم بهذا و بمتابعة قضية فلسطين. هذا من الواجبات الأساسية المهمة. إننا نشكر الله على أن الحكومة و الشعب في الجمهورية الإسلامية كلمتهم واحدة في هذا الخصوص. لقد أعلنت الجمهورية الإسلامية منذ البداية و أعلن إمامنا الخميني الجليل بأن سياسيتنا هي دعم فلسطين و معاداة الكيان الصهيوني، و رفع هذا الراية التي لا تزال مرفوعة إلى اليوم، و لم ننحرف عن هذا النهج منذ ثلاثة و خمسين عاماً، و شعبنا يواكب هذا النهج بكلّ رغبة. أحياناً حين يراجع بعض شبابنا لا يسمعون جواباً، و يكتبون لي الرسائل و يتوسلون بأن نسمح لهم بالذهاب للقتال في الخطوط الأمامية ضد الكيان الصهيوني. الشعب يعشق الكفاح ضد الصهاينة و قد أثبتت الجمهورية الإسلامية ذلك. لقد تجاوزنا بتوفيق و فضل من الله قيود الاختلافات المذهبية. نفس المساعدة التي قدمناها لحزب الله لبنان و هو شيعي قدمناها لحماس و للجهاد و سوف نقدمها أيضاً (9). لم نقع أسرى القيود المذهبية، و لم نقل إن هؤلاء شيعة و هؤلاء سنة، و هؤلاء حنفية و هؤلاء حنابلة و هؤلاء شافعية و هؤلاء زيدية. مناطق فلسطين الأخرى أيضاً يجب أن تتسلح.
لقد نظرنا إلى ذلك الهدف الأصلي و قدمنا المساعدة و استطعنا تعضيد إخوتنا الفلسطينيين في غزة و في المناطق الأخرى، و سوف نستمر إن شاء الله، و قد أعلنتُ و هذا ما سوف يحدث بالتأكيد بأن الضفة الغربية أيضاً يجب أن تتسلح مثل غزة و تكون مستعدة للدفاع. و أقولها لكم أيها الإخوة الأعزاء: لا تخيفكم الهيمنة الأمريكية، فالعدو صار ضعیفاً. عدو الإسلام، و هو الاستكبار، أصبح اليوم أضعف من كل الفترات السابقة التي تمتد لمائة عام أو لمائة و خمسين عاماً. لاحظوا الحكومات الاستعمارية الأوربية. إنها تعاني من مشكلات اقتصادية و مشكلات سياسية و مشكلات أمنية و مختلف صنوف المشكلات. و أمريكا أسوء منهم، فهي تعاني مشكلات أخلاقية و مشكلات سياسية و مشكلات مالية شديدة و تعاني من ضعف في مكانتها كقوة عظمي في كل العالم، و ليس في العالم الإسلامي فقط بل في كل العالم. و الكيان الصهيوني ازداد ضعفاً بشدة قياساً إلى الماضي. إنه نفس الكيان الذي كان يرفع شعار من النيل إلى الفرات! كان يصرح و يهتف بصراحة إن المنطقة النيل إلى الفرات هي لي! طوال خمسين يوماً في غزة لم يستطيعوا فتح أنفاق الفلسطينيين. إنه نفس الكيان. استخدم طوال خمسين يوماً كل طاقاته لتخريب أنفاق حماس و الجهاد و الفلسطينيين تحت الأرض و احتلالها فلم يستطيعوا. إنه نفس الكيان الذي كان يقول إن النيل إلى الفرات هو لنا! لاحظوا كم اختلف وضعه و كم صار ضعيفاً. مشكلات أعداء الإسلام كثيرة. لقد أخفق أعداء الإسلام في العراق، و أخفقوا في سورية، و أخفقوا في لبنان، و أخفقوا في مناطق أخرى، و لم تتحقق أهدافهم. و في مواجهة الجمهورية الإسلامية تلاحظون أن أمريكا و البلدان الاستعمارية الأوربية اجتمعوا في قضية الملف النووي و استخدموا كل طاقاتهم لتركيع الجمهورية الإسلامية فلم يستطيعوا تركيعها و لن يستطعيوا (10). هذا ينمّ عن ضعف الطرف المقابل. و أنتم سوف تزدادون إن شاء الله قوة يوماً بعد يوم، فالمستقبل لكم، «وَ اللَّهُ غالِبٌ عَلى اَمرِه» (11) .
و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته.
الهوامش:
1 - أقيم هذا المؤتمر في يومي الثالث و العشرین و الرابع و العشرین من نوفمبر 2014 م بدعوة من آية الله الشيخ ناصر مكارم شيرازي (رئيس المؤتمر) و آية الله جعفر سبحاني (الأمين العلمي للمؤتمر) في مدينة قم.
2 - ارتفاع أصوات الحضور بالصلاة على النبي و آله.
3 - سورة الممتحنة، الآية 8 و شطر من الآية 9 .
4 - سورة الكهف، الآيتان 103 و 104 .
5 - سورة الأحزاب، شطر من الآية 67 و الآية 68 .
6 - م ن .
7 - سورة الأعراف، شطر من الآية 38 .
8 - سورة ص ، شطر من الآية 64 .
9 - ارتفاع أصوات الحضور بالتكبير.
10 - ارتفاع أصوات الحضور بالتكبير.
11 - سورة يوسف، شطر من الآية 21 .
حرب قريش الإعلامية ضد النبي (ص) (19)
الحرب الإعلامية والدعاية بكل ما تتضمنه من مجادلة ومهاترة وترويج إشاعات كاذبة هي من الأسلحة التي استخدمها المشركون لمحاربة الرسول (ص) والحد من نشر دعوته الإسلامية بين القبائل العربية، وخاصة تلك القبائل الوافدة إلى مكة المكرمة أيام المواسم والمناسبات الدينية والتجارية.
صحيح أن سياسة الارهاب والتهديد والتخويف التي اتبعها المشركون ضد المسلمين داخل مكة كانت تمنع في بعض الحالات بقية سكان مكة من الدخول في الإسلام خوفاً من التعذيب والتنكيل إلا إنها لم تكن لتمنع الألوف من الناس الوافدين إلى مكة بقصد الحج أو التجارة من الاستماع إلى النبي (ص).
فقد كان الوافدون من أنحاء الجزيرة العربية يلتقون في جو من الأمن والطمأنينة. وكانوا يتأثرون بدعوته، وفي الحد الأدنى يتزعزع اعتقادهم بالأصنام والأوثان. وكان هؤلاء ينقلون أخبار الدين الجديد إلى مناطقهم وأهلهم عندما يعودون إلى ديارهم.
فكان ينتشر بذلك اسم محمد رسولا لله وأخبار الدعوة الإسلامية وما تأتي به من مفاهيم وقيم في مختلف مناطق الجزيرة العربية. وكان هذا العمل بحد ذاته بمثابة ضربة قوية لقريش ولكل ما تمثله من الوثنية والشرك، وعاملاً قويا في انتشار الإسلام، وعقيدة التوحيد خارج مكة. لذلك فكّر المشركون منذ بدأ النبي (ص) يتصل بالجماعات السياسية والاقتصادية التي كانت تفد إلى مكة في المواسم والمناسبات، يدعوها إلى الإسلام، في تنظيم حملة دعائية تطال شخص النبي ورسالته.
قريش تتأمر على النبي (ص) ببث الشائعات :
التاريخ يحدّثنا أن أشخاصاً من قريش اجتمعوا عند الوليد بن المغيرة في أمر النبي (ص) وفي ما يمكن أن يمكنهم قوله بشأنه للعرب القادمين إلى مكة كي لا يتأثروا به أو يستجيبوا لدعوته. فاقترح بعضهم أن يقولوا للناس إن محمداً كاهن. فردّ الوليد لهذا الاقتراح إن ما يقوله محمد ليس فيه ما يقوله الكهنة من شيء، وبالتالي لا يمكن إقناع الناس بذلك.
واقترح أخرون أن يروجوا لجنون محمد. فردّ الوليد هذا الرأي لعدم تحقق علامات الجنون على محمد. واقترح أخرون القول بأن محمداً ساحر، ورد الوليد أيضا هذا الرأي لأن محمدا لا ينفث في العقد ولا يأتي من عملة السحرة شيئاً.
وبعد حوار وجدال طويلين اقترح الوليد عليهم أن يقولوا للوافدين والزوار إلى مكة إن هذا الرجل ساحر البيان وإنما يقوله يفرّق بين المرء وأبيه وبين المرء وأخيه وبين المرء وزوجه وبين المرء وعشيرته.
واتفقوا ان يبرهنوا على ذلك للناس بما أصاب أهل مكة أنفسهم من الفرقة والتناحر بسبب هذا الرجل. فانطلق المشركون يروجون لهذه الشائعة الكاذبة، ويحذرون زوار مكة من الالتقاء بالنبي (ص) أو الاستماع إليه. ولكن قوة الحق وعظمة شخصية النبي (ص) وعظمة القيم والمبادئ والمفاهيم التي أتى بها الإسلام كانت تعلو وتتقدم على كل ما يشيعه المشركون. وكان الإسلام يزداد كل يوم انتشاراً واتساعاً في أوساط العرب.
فقد جاء طفيل بن عمير الدوسي إلى مكة وكان رجلا وجيها وشاعرا وصاحب نفوذ في مجتمعه وقومه، فخشيت قريش اتصال هذا الرجل بالرسول (ص) ويتأثر بدعوته، فجاءوا إليه وحذروه من الاستماع للنبي (ص) وقالوا له :"إن قوله كالسحر يفرّق بين الرجل وأهله بل بين الرجل ونفسه، وإنّا نخشى عليك وعلى قومك ما أصابنا من الفرقة والتناحر. فلا تكلمه ولا تسمع منه شيئاً".
ففعلت تحذيرات قريش فعلتها في نفس طفيل وقرر عدم الاستماع للنبي (ص) مطلقاً، وحشا أذنية قطناً عندما ذهب إلى الكعبة المشرفة من أجل الطواف خوفاً من أن يبلغه شيء من كلام محمد وهو لا يريد سماعه. يقول طفيل :"فغدوت إلى المسجد فإذا رسول الله قائم يصلي عند الكعبة، فوقفت بالقرب منه فسمعت كلاماً حسناً من غير اختياري. فقلت في نفسي والله لأني رجل لبيب شاعر ما يخفى علي الحسن والقبيح فما يمنعني أن أسمع هذا الرجل ما يقول؟!.. فإن كان الذي يأتي به حسناً قبلته، وإن كان قبيحاً تركته. فمكثت حتى انصرف رسول الله إلى بيته فاتبعته حتى إذا دخل إلى بيته دخلت عليه فقلت له يا محمد إن قومك حذروني من الاستماع إليك والله ما برحوا يخوفونني أمرك حتى حشوت أذني بقطن كي لا أسمع قولك ثم أبى الله إلا أن يسمعني قولك فسمعته قولاً حسناً، فاعرض علي أمرك. فعرض عليه رسول الله الإسلام وتلى عليه من القرآن.. فوالله ما سمعت قولا قط أحسن منه ولا أمرا أعدل منه، فأسلمت وشهدت شهادة الحق".
إن هذه القصة وغيرها من الشواهد تدلنا على أن النبي (ص) كان يواجه سلاح الدعاية وحرب الشائعات، التي كانت تروجها قريش عنه، بالمبادرة إلى الالقتاء بالأفراد والجماعات التي إلى مكة مباشرة، ومحاولة تعريفه بنفسه وشخصيته ليأخذوا عنه الصورة الحقيقية من خلال وضوح دعوته وطريقة تفكيره وطبيعة القضايا التي يثيرها ويدعو إلى الإيمان بها وأسلوب حديثه وكلامه وسعة عقله وأفقه وفكره. وكان ذلك هو الخطة العملية لتحطيم كل الدعايات التي أثارها المشركون ضده بنسبة الجنون والسحر والشعر إليه.
شائعة "جبرا النصراني" :
وهناك شائعة أخرى روجت لها قريش في وسط القبائل العربية أيضاً. وهي أن ما يأتي به محمد إنما يتعلمه من رجل نصراني اسمه "جبر"، كان محمد يجلس في دكانه في بعض الأوقات. فكانوا يشيعون أن جبرا النصراني هو الذي يعلم محمداً أكثر الأشياء التي يقولها ويدعو إليها. ولقد أنزل الله قوله تعالى في ذلك في سورة النحل المباركة :"ولقد نعلم أنهم يقولون إنما يعلمه بشر لسان الذي يلحدون إليه أعجمي وهذا لسان عربي مبين". فالقرآن الكريم في هذه الأية الكريمة يردّ بقوة على هذه الدعاية المغرضة بأن هذا الشخص الذي يشيعون بأنه يعلم النبي (ص) هو أجنبي، لا يفقه من اللغة العربية وبلاغتها شيئاً. والقرآن الكريم الذي جاء به محمد رسول الله (ص) هو في منتهى البلاغة والفصاحة العربية. فكيف يمكن بمثل هذه الحال أن يعلم شخص النبي بيان اللغة العربية وفصاحتها في وقت عجز أهل البيان والبلاغة عن التفوق عليه؟. حتى إن القرآن الكريم تحداهم بإتيان سورة واحدة من مثله، فما استطاعوا وعجزوا عن ذلك.
وهكذا استطاع النبي (ص) من خلال قوة شخصيته وفرادة رسالته ووضوح وعظمة ما جاء به أن يدفع كل الشبهات والدعايات التي كانت تثيرها قريش ضده. وتمكّن من تعميق الإيمان والإسلام في العقول والقلوب والنفوس مما دفع بالمشركين إلى التفكير بأسلوب جديد لمحاربته. وكان أسلوب المقاطعة لبني هاشم وفرض حصار اجتماعي واقتصادي عليهم . وهذا محور المقالة القادمة.
سر اختيار الحبشة لهجرة المسلمين (18)
قد يسأل أحدنا لماذا تمّ اختيار مدينة الحبشة للهجرة إليها وليس غيرها؟!.. هناك عدة أسباب نذكر أهمها :
أولا: ما ذكره النبي (ص) عندما أمر المسلمين بالخروج من مكة مهاجرين إلى الحبشة، حين قال لهم :"فإن بها ملكاً لا يظلم عنده أحد، وهي أرض صدق وإنه يحسن الجوار".
وما نستفيده من قول النبي (ص) عن أرض الحبشة بالصفات التي وصفها لنا بأنها أرض صدق، أنه كان في تلك البلاد شعب يعيش على الفطرة ويتعامل مع الأخرين بصدق وصفاء.
كما أن فيها ملكاً لا يظلم في بلاده أحداً، ويحسن ضيافة الوافدين إليه، فيمكن لهولاء المسلمين المهاجرين المضطهدين أن يعيشوا مع هؤلاء الناس بأمن وآمان. مما يعني أيضاً أنه بإمكانهم ممارسة عبادتهم وشعائرهم الدينية بحرية دون مساءلة أو اضطهاد من أحد.
ثانيا : لو درسنا الأوضاع السياسية، التي كانت سائدة في الجزيرة العربية وغيرها من المناطق المجاورة مثل الشام وإيران واليمن، لوجدنا أن أياً منها كان لا يصلح مكاناً لهجرة المسلمين أنذاك.
فالهجرة مثلا إلى المناطق العربية، بما يسكنها من عرب، لم يكن أمراً ممكناً كون سكانها كانوا من المشركين والوثنيين وعباد الأصنام، وبالتأكيد أن هؤلاء كانوا سيمتنعون عن قبول المسلمين في أرضهم لو قرروا اللجوء إليهم وفاء وتعصباً للإلهتهم ودين أبائهم. هذا من جهة.
من جهة ثانية فقد كان لقريش نفوذ قوي في هذه البلدان وتأثير كبير على القبائل فيها. وبالتأكيد فإن هؤلاء كانوا سيرفضون وجود المسلمين بينهم إرضاء لقريش.
وأما الهجرة إلى بلاد الروم أو بلاد الشام فلم تكن أمراً ممكناً أيضاً، للأسباب نفسها تقريباً، مثل نفوذ لقريش في هذه المناطق من خلال علاقاتها التجارية والاقتصادية معها.
وهذا يمكّن قريش من المطالبة باسترجاع المهاجرين أو على الأقل إلحاق الأذي بهم. بلاد الجوار لم تكن آمنة للمسلمين الأوائل : أما الهجرة إلى إيران واللجوء إلى ملكها كسرى فلم تكن خياراً مضموناً أيضاً. لأن كسرى ملك النظام الفارسي آنذاك كان يحتقر العرب ويكرههم، ولا يرى لهم حرمة أو شأنا يذكر. وهذا يعني عدم إمكانية قبول النظام الفارسي بالمسلمين مهاجرين إليه من بطش قريش. خصوصا إذا أدرك أنه بوجود هذا العربي قد تتسرب دعوته داخل بلاده وتؤثر على امتيازاته ومصالحه الكبيرة.
وأما الهجرة إلى بلاد اليمن وبعض المناطق العربية والقبلية القريبة منها، لم تكن مسهلة بما يفترض، حيث إن هذه البلاد كانت تخضع لنفوذ النظام الفارسي، ولم تكن سلطاته لتسمح بإقامة المسلمين في مناطق تقع تحت سيطرتهم. لأجل كل ذلك كان الخيار أن يهاجر المسلمون الأوائل إلى الحبشة البعيدة عن نفوذ الروم والفرس وكذلك بعيدة عن نفوذ قريش، حيث لا يمكن للمشركين الوصول إليها، بسهولة ويسر لبعدها عن مكة ولعدم وجود طريق برية إليها.
وهكذا تمّت الهجرة إلى الحبشة. وبعدما استقر المهاجرون المسلمون في الحبشة، ورأت قريش أن استقرارهم فيها بحرية وآمان سيكونون دعاة لدينهم الإسلام في بلد يؤمن بالمسيحية وخشيت من توجيه المسلمين نشاطهم إلى تلك البلاد فينشروا الإسلام فيها ويصبحوا قوة لا طاقة لها بها، لذلك قررت قريش إرسال وفد منها إلى ملك الحبشة لاسترداد المسلمين المهاجرين، فأرسلت عمر بن العاص وعبدالله بن عتبة بالهدايا والتحف إلى النجاشي وحاشيته.
فلمّا وصل هذان الرجلان قالا للملك في حضور المقربين إليه إنه قد لجأ إلى بلدكم غلماناً منا سفهاء فارقوا دين أبائهم وقومهم ولم يدخلوا في دينكم، وجاءوا بدين ابتدعوه لا نعرفه نحن ولا أنتم. ولقد يعثنا إليكم فيهم أشراف قومهم لتردهم إليهم".
النجاشي يستمع للمسلمين ويرفض تسليمهم لقريش:
فأبى النجاشي ردهم قبل سماعه لما يقولون. وبعث في طلب المسلمين المهاجرين فلمّا جاءوه سألهم النجاشي :"ما هذا الدين الذي فارقتم به قومكم ولم تدخلوا به في ديني ولا في دين أحد من الشعوب ؟".
فتولى جعفر بن أبي طالب (رضوان الله عليه) الجواب فقال :"أيها الملك، كنا قوماً أهل جاهلية نعبد الأصنام ونأكل الميتة ونأتي الفواحش ونقطع الأرحام ونسيء الجوار ويأكل القوي منا الضعيف.
فكنا على ذلك حتى بعث الله إلينا رسولاً منا نعرف نسبه وصدقه وأمانته وعفافه فدعانا إلى الله لنوحده ونعبده ونخلع ما كنا نعبد نحن وأباؤنا من دونه من الحجارة والأوثان وأمرنا بصدق الحديث وأداء الأمانة وصلة الرحم وحسن الجوار والكفّ عن المحارم والدماء. ونهانا عن الفواحش وقول الزور وأكل مال اليتم وقذف المحصنات.
وأمرنا ان نعبد الله ولا نشرك به شيئاً، وأمرنا بالصلاة والزكاة والصيام...". وعدّد له أمور الإسلام إلى أن قال :"فصدقناه وأمنا به واتبعناه على ما جاء به من الله. فعبدنا الله وحده ولا نشرك به شيئاً وحرّمنا ما حرّمه علينا وأحللنا ما أحلّ لنا. فعدى علينا قومنا فعذبونا وأثنونا عن ديننا ليردونا إلى عبادة الأصنام والأوثان من دون الله ولنستحل ما كنا نستحله من الخبائث، فلمّا قهرونا وظلمونا وضيقوا علينا وحالوا بيننا وبين ديننا خرجنا إلى بلادك واخترناك على سواك ورغبنا في جوارك ورجونا ألا نظلم عندك أيها الملك".
فقال الملك النجاشي :"هل معك شيئاً مما جاء به عن الله تقرأه علينا؟". فقال جعفر :"نعم". وتلى عليه سورة مريم المباركة من أولها إلى قوله تعالى :"فأشارت إليه قالوا كيف نكلم من كان في المهد صبياً قال إني عبدالله أتاني الكتاب وجعلني نبياً وجعلني مباركاً أينما كنت وأوصاني بالصلاة والزكاة ما دمت حياً وبراً بوالدتي ولم يجعلني جباراً شقياً والسلام علي يوم ولدت ويوم أموت ويوم أبعث حياً ".
ولمّا سمع النجاشي ذلك قال :"إن هذا والذي جاء به عيسى ليخرج من مشكاة واحدة". ثم التفت إلى وفد قريش وقال لهم :"والله لا أسلمهم إليكم أبداً". وهكذا فشلت محاولات قريش في التشويش على المسلمين في الحبشة وفي استردادهم.
وبقي المسلمون المهاجرون في ظل حكم النجاشي معززين مكرمين يمارسون شعائرهم الدينية ونشاطهم التبليغي بحرية كاملة.
هجرة المسلمين إلى الحبشة (17)
استمر المشركون في تعذيب أتباع رسول الله (ص) وإيذائهم بأشد أنواع الأذى. ولمّا رأى النبي (ص) ما يحدث للمسلمين وأنه غير قادر على دفع الأذى عنهم، وخاصة عن أولئك الذين لم يكن لهم عشيرة تحميهم وتدافع عنهم. فأمرهم بالخروج من مكة والهجرة إلى الحبشة. وقال لهم إن فيها ملكاً لا يُظلم عنده أحد، "فاخرجوا حتى يجعل الله لكم مخرجاً مما أنتم فيه". امتثل المسلمون لأمر نبيهم (ص) وخرجوا من مكة في السنة الخامسة بعد البعثة النبوية. وخرجوا إلى جدة وصادف أن بعض السفن التي كانت في طريقها إلى الحبشة قد رست في ميناء جدة، فركبوا بها بأجر لا يزيد على نصف دينار لكل راكب. ويبدو أن خروجهم من مكة بهذه الهجرة كان بصورة سرية وفي جوف الليل، بعيداً عن أنظار المشركين.
والهجرة إلى الحبشة لم تحصل دفعة واحدة، وإنما حصلت تباعاً وعلى مراحل، حيث يقال إنه سافر في البداية عشرة رجال وأربع نساء، ثم خرج بعدهم فريق أخر من المسلمين المهاجرين حتى صار عددهم في أرض الحبشة، ثلاثة وثمانين رجلاً وتسع عشرة امرأة، عدا الأطفال.
وكان في مقدمتهم جعفر بن أبي طالب ابن عم رسول الله (ص).
سبب هجرة جعفر بن أبي طالب :
وهجرة جعفر بن أبي طالب بالتحديد مع المهاجرين المسلمين إلى الحبشة لم تكن بسبب تعرضه للتعذيب أو التنكيل من قبل قريش. فإن جعفراً هو ابن أبي طالب زعيم بني هاشم.
ولقد كانت قريش تخشى مكانة أبي طالب في مكة، كما كانت تراعي جانب بني هاشم بصورة عامة ولا تجرؤ على مواجهتهم فكيف بتعذيب أحد منهم؟!.. إذاً لم كانت هجرته؟!.. نعتقد أن النبي (ص) أرسله مع المهاجرين ليكون أميرا عليهم ينظّم أمورهم وبتابع أوضاعهم، ويحفظهم من الذوبان في المجتمع الذي هم مهاجرون إليه. كما أننا نحتمل جداً أن يكون لجعفر مهمة أخرى إضافة إلى ذلك.
وهي مهمة التعريف بحقيقة الإسلام وأهدافه ومبادئه وقيمه في ذلك المجتمع. وخاصة أن جعفراً بن أبي طالب كان يملك فهماً ووعياً مميزاً بفكر الإسلام وبمفاهيمه يجعله مؤهلاً للقيام بهذه المهمة الخطيرة خارج الجزيرة العربية.
ومهما يكن فإن السؤال المطروح هنا هو حول دوافع هذه الهجرة وأهدافها.
أسباب الهجرة المباشرة :
فهل الهدف من هجرة المسلمين الأوائل إلى الحبشة في تلك الفترة العصيبة هو الفرار من المشركين بسبب ما كان يعاني منه المسلمون من ظلم واضطهاد كبيرين؟!.. أم أنها كانت لأهداف وأغراض سياسية أو غير ذلك مما يعود على الإسلام بالمصلحة والمنفعة العامة.
في الحقيقة يمكن تلخيص أهداف هذه الهجرة ودوافعها في النقاط الأتية :
أولا: إن قريشا استمرت في تعذيب من يعتنق الإسلام، خصوصا أولئك الذين لم يكن لهم عشيرة تدافع عنهم، وكان الاستمرار بهذا الوضع بالنسبة للمسلمين غير ممكن على المدى الطويل. فكان لا بد من إيجاد مخرج لهؤلاء المعذبين، ولا بد من موضع أمل لكل من يدخل في الإسلام، يلجأون إليه، فكانت الهجرة إلى الحبشة هي الحل الأنسب في تلك الفترة بعيدا عن أذى قريش وتمكنا لهم لممارسة شعائرهم الدينية بحرية.
ثانيا: إننا إذا نظرنا إلى أحاديث هذه الهجرة وما أحيط بها وبالمهاجرين أنفسهم، نجد أن في المهاجرين إلى الحبشة، عددا لابأس به ممن لم يتعرض للتعذيب والتنكيل من قريش، مثل جعفر بن أبي طالب. كما أننا نجد المهاجرين قد بقوا في الحبشة إلى ما بعد السنة الثالثة أو الرابعة وحتى إلى السنة السابعة للهجرة إلى المدينة.
ومع هذا وذاك يجعلنا نعتقد أن هدفا أخر كان أيضا أحد دوافع الهجرة. فلو اقتصر الهدف منها فقط على الفرار من التعذيب والقهر لما كان هناك مبرر لبقاء بعض المهاجرين في الحبشة. فإن المسلمين قد أصبحوا في تلك السنة السابعة من الهجرة، وحتى قبلها، في أمن وآمان على أنفسهم وإسلامهم، سواء من قريش أو سائر العرب المشركين.
فيتضح لنا أن هذا الهدف الثاني هو الدعوة إلى الإسلام والتبشير بمبادئه وأحكامه وقيمة الانسانية الراقية خارج الجزيرة العربية. وهذا كان يفهم الناس أن الإسلام لا يختص بفئة معينة من البشر في مكان محدد بل هي للعالم بأسره.
ولعله ما يؤكد ويدل على أن أهداف الهجرة إلى الحبشة والدعوة للاسلام وتعريف الناس به حسب ما جاء في بعض النصوص أن جعفرا جاء من الحبشة بعد مدة من الهجرة إليها على رأس كبير من نصارى الحبشة، الذين أعلنوا إسلامهم أمام رسول الله (ص)، ثم عاد جعفر إليها. وجاء في بعض النصوص أيضا، أن النجاشي نفسه، ملك الحبشة، قد أسلم وأرسل إلى رسول الله كتابا يبين فيه إسلامه، واستعداده للحاق بالرسول.
وبمعزل عن كل هذه الشواهد، التي تؤكد أن أحد أهداف هذه الهجرة هي الدعوة إلى الإسلام خارج مكة، فإن وجود عدد كبير من المسلمين المهاجرين خارج الجزيرة العربية، وفي الحبشة بالذات، وهم يمارسون عباداتهم وشعائرهم الدينية بحرية كاملة، هو دعاية للاسلام وله تأثيره الكبير على عرب الجزيرة وغيرهم ممن كان يأتي إلى الحبشة، للتجارة والسياحة وغير ذلك. وكان من أهداف هذه الهجرة أيضا توجيه ضربة لكبرياء لقبيلة قريش لتدرك أن قضية الدين تتجاوز حدود تصوراتها وقدراتها. وإن المسلمين قادرون على تجاوز حدود الوطن والتخلي عن كل ممتلكاتهم وكل شيء في سبيل إنقاذ إسلامهم وعقيدتهم.
السيد نصر الله: نحن ندافع عن الاسلام وتعالوا نذهب لاي مكان لمواجهة الارهاب
اشار الامين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله الى ان مصير العالم اليوم يصنع في المنطقة كما يصنع مصير شعبنا وبلدنا وكراماتنا ومستقبل أجيالنا. واضاف "مصير سورية ولبنان والعراق والاردن وغيرها من البلدان يصنع في المنطقة".
واوضح السيد نصر الله ان "لبنان اليوم متأثر بما يجري في المنطقة أكثر من أي وقت مضى "، ولفت الى ان "هناك منطق يقول إننا نريد لبنان بمعزل عن أحداث المنطقة والنأي بالنفس عن كل ما يجري في المنطقة هذا كلام جميل لكن هذا غير واقعي لانه لا يمكن ان نقول ان لبنان لا يتأثر بما يحصل في المنطقة".
كلام السيد نصر الله جاء في كلمة له مساء الاثنين خلال الاحتفال المركزي الذي اقامه حزب الله إحياء لذكرى القادة الشهداء في مجمع سيد الشهداء(ع) في الضاحية الجنوبية للعاصمة اللبنانية بيروت.
وحول خطر تنظيم "داعش" الارهابي، اشار السيد نصر الله الى ان "تهديد التيار التكفيري ليس تهديدا لبعض الأنظمة بل لكل البلاد وكل الشعوب بل هذا تهديد للاسلام كدين ورسالة"، وأكد ان "هدف داعش هو مكة المكرمة والمدينة المنورة وليس بيت المقدس"، واضاف "سمعت ان خليفة داعش أبو بكر البغدادي عيّن أميرا لمكة وأميرا للمدينة".
ولفت السيد نصر الله الى ان "كل العالم اليوم سلّم أن هذا التيار التكفيري داعش يشكل تهديدا للعالم والمنطقة وفقط اسرائيل لا تعتبر داعش خطرا وتهديدا"، واشار الى ان "كل ما فعلته داعش يخدم مصالح اسرائيل لذلك فتشوا عن الموساد الاسرائيلي والمخابرات الغربية في أهداف داعش".
وشدد السيد نصر الله على انه "يجب اعتبار المواجهة الفكرية والسياسية والميدانية ضد الارهاب دفاعا عن الاسلام"، ودعا "شعوب وحكومات المنطقة إلى العمل سوية لمواجهة هذا الخطر الارهابي وجميعنا قادرون على الحاق الضرر به ومن خلفه"، واضاف "نحن نعتبر أنفسنا ندافع عن الإٍسلام بكامله".
واشار السيد نصر الله الى انه "يجب ان لا نخدع أنفسنا في التفريق بين داعش والنصرة هما جوهر واحد وفكر واحد وثقافة واحدة الاردن"، وتابع "لا يستطيع ان يواجه داعش في العراق ويدعم النصرة في سورية"، واضاف "على الدول الخليجية مقاربة ملفات المنطقة بطريقة أخرى لأن التهديد يطال الجميع"، داعيا "حكومات المنطقة أن تعمل على تجميد الصراعات القائمة في المنطقة".
واكد السيد نصر الله ان "أميركا تستنزفنا وتؤسس من خلال داعش لأحقاد وعداوات كبيرة وتدمر المنطقة لمصلحة هيمنتها وقوة اسرائيل"، واضاف "يجب أن نبادر لمواجهة هذا التيار التكفيري وعدم السماح له بالتمدد"، وتابع "الثورة في اليمن هي التي تقف في وجه القاعدة التي تخطط للسيطرة على سورية وصولا إلى السعودية".
وحول جريمة "داعش" بقتل العمال المصريين، دان السيد نصر الله الجريمة الارهابية التي ارتكبها تنظيم "داعش" الارهابي بقتله العمال المصريين في ليبيا. وتقدم "بالعزاء من العشب المصري والكنيسة القبطية بهذه الجريمة والحادث الجلل".
واكد السيد نصر الله على "تأييده لوضع استراتيجية وطنية في لبنان لمواجهة الارهاب"، واضاف "يمكن ان نتفق على عدو اسمه الارهاب لكن للاسف قد لا نتفق على عدو اسمه اسرائيل"، واضاف "أمام خطر الارهاب نحن في حزب الله نؤيد الدعوة لوضع استراتيجية وطنية لمكافحة الارهاب"، ولفت الى انه "يجب على الدولة ان تحزم أمرها كيف ستتعامل مع الخطر الموجود على تلال وجبال السلسلة الشرقية حيث داعش والنصرة"، واعتبر ان "هذا الأمر يحتاج إلى قرار"، مجددا التحية "لضباط الجيش اللبناني والقوى الأمنية ورجال المقاومة الذين يدافعون عن لبنان".
وفيما دعا السيد نصر الله الى "التنسيق بين الجيش اللبناني والجيش السوري لمواجهة الارهابيين"، قال "تعالوا لنذهب إلى أي مكان نواجه فيه هذا التهديد الذي يتهدد أمتنا"، واضاف "لمن يدعونا للانسحاب من سورية نقول فلنذهب سويا إلى سورية والعراق ولكل مكان يوجد في الارهاب".
من جهة ثانية، أكد السيد نصر الله انه "لا يحق لمن يتدخل في سورية عسكريا وسياسيا أن ينتقد موقفنا السلمي بشأن الحراك في البحرين"، واضاف "من ينتقد موقفنا من البحرين ويعتبر ان هذا الموقف يسيء إلى علاقات لبنان مع دولة شقيقة عليه عدم التدخل في سياسة بلد آخر ولا سيما سورية"، ولفت الى ان "النظام البحريني يهدد بإبعاد اللبنانيين من البحرين بسبب بعض التصريحات لانه هكذا تتصرف الانظمة الضعيفة".
وتطرق السيد نصر الله الى الخطة الامنية التي تطبق في منطقة البقاع، ودعا الى "تواصل الخطة الامنية في البقاع وتفعيلها"، واعتبر "يجب جميعا ان ندعم ونساند ونقف وراء الجيش والقوى الأمينة في هذا المجال"، واشار الى انه "بجانب الخطة الأمنية في البقاع نحتاج خطة إنمائية للبقاع خصوصا بعلبك الهرمل وعكار ايضا وحل مشكلة عشرات الآلاف من المطلوبين باستنابات قضائية بسيطة".
وفي الشأن السياسي اللبناني الداخلي، طالب السيد نصرالله "بمعاودة الجهد الداخلي في موضوع الإستحقاق الرئاسي"، وتابع "لكل الحريصين على منع الفراغ أقول لهم لا تنتظروا المتغيرات في المنطقة والخارج لأن المنطقة متجهة إلى مزيد من المواجهات والازمات"، وأكد "نحن مع دعم الحكومة ومواصلة عملها والبديل عنها هو الفراغ".
وحول العلاقة بين حزب الله والتيار الوطني الحر، دعا السيد نصر الله الى "تعميق العلاقة بين الحزب والتيار"، وتابع " ندعو لعقد تفاهمات متشابهة على مستوى كل الوطن".
وفيما يتعلق بالحوار مع "تيار المستقبل"، قال السيد نصر الله "سنواصل الحوار مع تيار المستقبل الذي أنتج بعض الأمور الإيجابية التي كانت ضمن توقعاتنا ونأمل أن نتوصل إلى نهاية إيجابية".
وحول ذكرى القادة الشهداء، قال السيد نصر الله "في كل سنة في مثل هذا الوقت نحيي ذكرى قادتنا الشهداء السيد عباس الموسوي استاذنا وقائدنا ومعلمنا وزوجته العالمة السيدة ام ياسر وطفلهما الصغير حسين وشيخ الشهداء الشيخ راغب حرب والقائد الكبير الحاج عماد مغنية، هؤلاء الشهداء هم عنوان ثباتنا"، واضاف "نحيي هذه الذكرى من اجلنا نحن ومن اجل اجيالنا وليس من اجلهم فقط ونحيي هذه الذكرى لتثبيت الذكرى في عقولنا ووجداننا ووجدان أجيالنا وأطفالنا".
واشار السيد نصر الله الى انه "نحيي الذكرى للاطلاع على التاريخ منذ انطلاق المقاومة ومنذ انتصار الثورة الاسلامية الايرانية وبدء تطور المقاومة والانجازات التي بدأت تسجلها"، وتابع "هذه الحقبة من التاريخ تمثل مدرسة للانسانية وكان قادتنا الشهداء هم من ابرز عناوينها وهم الشهود الشهداء عليها"، واوضح "نحن نحتاج الى ان نعود الى هؤلاء القادة لنتعلم الزهد منهم عندما تقدم الدنيا علينا ونتعلم منهم الشجاعة والحكمة عندما تواجهنا الصعاب والفتن وان نأخذ منهم الهمة العالية عندما يتعب البعض والاقدام عندما نقصر ونتعلم منهم ان نثق بالله وبمجاهدينا نأخذ منهم الامل والبصيرة".
وقال السيد نصر الله "قادتنا في ثمانينات القرن الماضي لم يتحدثوا فقط ان اسرائيل فقط ستخرج من ارضنا بل كانوا يؤكدون ان اسرائيل ستزول وتنتهي"، واضاف "عندما نرجع الى هؤلاء القادة لانهم مدرسة فكرية كاملة يجب التعريف بها والتعلم منها"، وذكّر انه "من على هذا المنبر وقف الشهيد جهاد عماد مغنية ليعلن خياره وموقفه وطريقه واختار الجهاد لانه يحمل في جنباته روحية الحاج عماد فاختار الذهاب الى القنيطرة والساحات المقاومة ومن ثم الشهادة"، وشدد على ان "دم الحاج عماد مغنية سيبقى يلاحق العدو الاسرائيلي ويطارده".
من جهة ثانية، توجه السيد نصر الله الى عائلة الشهيد رفيق الحريري وعائلته ومحبيه بالتعازي لجريمة اغتياله الاليمة التي تصادف في 14 شباط، وتابع "تداعيات هذه الحادثة الاليمة ما تزال حتى اليوم"، واضاف "اتوجه بالعزاء الى جميع الشهعداء الذين سقطوا في هذه الحادثة الاليمة".
الخمس في الاسلام
الأصل في ضريبة الخمس هو قوله سبحانه : واعلموا أنّما غنمتم من شيء فأن لله خمسه وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل إن كنتم آمنتم بالله وما أنزلنا على عبدنا يوم الفرقان يوم التقى الجمعان والله على كل شيء قدير ( الأنفال/ 41 ).
لا شك أنّ الآية نزلت في مورد خاص، أعني يوم الفرقان، يوم التقى الجمعان وهو غزوة بدر الكبرى، لكن الكلام في أنّ قوله ما غنمتم هل هو عام لكل ما يفوز به الإنسان في حياته أو خاص بما يظفر به في الحرب من السلب والنهب.
وعلى فرض كونه عامّاً فهل المورد مخصّص أو لا ؟
فيقع الكلام في مقامين :
الأول : الغنيمة مطلق ما يفوز به الإنسان :
أما الأول فالظاهر من أئمة اللغة أنّه في الأصل أعم مما يظفر به الإنسان في ساحات الحرب، بل هو لغة لكلّ ما يفوز به الإنسان وإليك بعض كلماتهم.
1- قال الأزهري : (( قال الليث : الغنم : الفوز بالشيء والاغتنام انتهاز الغنم )) (2).
2- قال الراغب : الغنم معروف. .. والغُنْم : إصابته والظفر به، ثم استعمل في كل مظفور به من جهة العدى وغيرهم قال واعلموا أنّما غنمتم من شيء فكلوا مما غنمتم حلالاً طيباً والمغنم : ما يغنم وجمعه مغانم، قال : فعند الله مغانم كثيرة (3).
3- قال ابن فارس : (( غنم )) أصل صحيح واحد يدل على افادة شيء لم يملك من قبل ثمّ يختص بما أخذ من المشركين (4).
4- قال ابن منظور : (( الغنم )) الفوز بالشيء من غير مشقة (5).
5- قال ابن الأثير : في الحديث : (( الرهن لمن رهنه، له غنمه وعليه غرمه، غنمه : زيادته ونماؤه وفاضل قيمته )) (6).
6- قال الفيروز آبادي : (( الغنم )) الفوز بالشيء لا بمشقّة، وأغنمه كذا تغنيماً نفله إياه، واغتنمه وتغنّمه، عدّه غنيمة (7).
وهذه النصوص تعرب عن أنّ المادة لم توضع لما يفوز به الإنسان في الحروب، بل معناها أوسع من ذلك وإن كان لا يستعمل في العصور المتأخرة عن نزول القرآن إلاّ في ما يظفر به في ساحة الحرب.
ولأجل ذلك نجد أنّ المادة استعملت في مطلق ما يفوز به الإنسان في الذكر الحكيم والسنة والنبوية.
لقد استعمل القرآن الكريم لفظة (( المغنم )) فيما يفوز به الإنسان وإن لم يكن عن طريق القتال بل كان عن طريق العمل المادي الدنيوي أو الأخروي إذ يقول سبحانه : يا أيها الذين آمنوا إذا ضربتم في سبيل الله فتبيّنوا ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السلام لست مؤمناً تبتغون عرض الحياة الدنيا فعند الله مغانم كثيرة (8).
والمراد بالمغانم الكثيرة : هو أجر الآخرة، بدليل مقابلته لعرض الحياة الدنيا فيدل على أن لفظ المغنم لا يختص بالأمور والأشياء التي يحصل عليها الإنسان في هذه الدنيا وفي ساحات الحرب فقط، بل هو عام لكل مكسب وفائدة.
ثم إنّه قد وردت هذه اللفظة في الأحاديث وأريد منها مطلق الفائدة الحاصلة للمرء.
روى ابن ماجه في سننه : أنّه جاء عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم : (( اللهم اجعلها مغنماً ولا تجعلها مغرماً )) (9).
وفي مسند أحمد عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : (( غنيمة مجالس الذكر الجنّة )) (10).
وفي وصف شهر رمضان عنه صلى الله عليه وآله وسلم : (( غنم للمؤمن )) (11).
وفي نهاية ابن الأثير : الصوم في الشتاء الغنيمة الباردة، سمّاه غنيمة لما فيه من الأجر والثواب (12).
فقد بان ممّا نقلناه من كلمات أئمة اللغة وموارد استعمال تلك المادة في الكتاب والسنة، أنّ العرب تستعملها في كل مورد يفوز به الإنسان، من جهة العدى وغيرهم، وإنّما صار حقيقة متشرعة في الأعصار المتأخرة في خصوص ما يفوز به الإنسان في ساحة الحرب، ونزلت الآية في أوّل حرب خاضها المسلمون تحت لواء رسول الله، ولم يكن الاستعمال إلاّ تطبيقاً للمعنى الكلّي على مورد خاص.
الثاني : المورد غير مخصّص :
إذا كان مفهوم اللفظ عامّاً يشمل كافّة ما يفوز به الإنسان، فلا يكون وروده في مورد خاص، مخصّصاً لمفهومه ومضيقاً لعمومه، إذا وقفنا على أنّ التشريع الإسلامي فرض الخمس في الركاز والكنز والسيوب أوّلاً، وأرباح المكاسب ثانياً، فيكون ذلك التشريع مؤكداً لاطلاق الآية، ولا يكون وروده في الغنائم الحربية رافعاً له. وإليك ما ورد في السّنة من الروايات في الموردين :
1- الخمس في الركاز والكنز والسيوب :
تضافرت الروايات عن النبي الأعظم على وجوب الخمس في الركاز والكنز والسيوب وإليك النصوص أوّلاً، ثم تبيين مفادها ثانياً.
روى لفيف من الصحابة كابن عباس وأبي هريرة وجابر وعبادة بن الصامت وأنس بن مالك، وجوب الخمس في الركاز والكنز والسيوب، وإليك قسماً ممّا روي في ذلك المجال :
1- في مسند أحمد وسنن ابن ماجه واللفظ للأوّل : عن ابن عباس قال : قضى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في الركاز الخمس (13).
2- وفي صحيحي مسلم والبخاري واللفظ للأول : عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : (( العجماء جرحها جبار، والمعدن جبار، وفي الركاز الخمس )) وفي بعض الروايات عند أحمد : البهيمة عقلها جبار (14).
قال أبو يوسف في كتاب الخراج : كان أهل الجاهلية إذا عطب الرجل في قليب جعلوا القليب عقله، وإذا قتلته دابة جعلوها عقله، وإذا قتله معدن جعلوه عقله. فسأل سائل رسول الله صلى الله عليه ( وآله ) وسلم عن ذلك فقال : (( العجماء جبار، والمعدن جبار، والبئر جبار، وفي الركاز الخمس )) فقيل له : ما الركاز يا رسول الله ؟ فقال : (( الذهب والفضة الذي خلقه الله في الأرض يوم خلقت )) (15).
3- وفي مسند أحمد : عن الشعبي عن جابر بن عبد الله قال : قال رسول الله صلى الله عليه ( وآله ) وسلم : (( السائمة جبار، والجب جبار، والمعدن جبار، وفي الركاز الخمس )) قال الشعبي : الركاز : الكنز العادي (16).
4- وفيه أيضاً : عن عبادة بن الصامت قال : من قضاء رسول الله صلى الله عليه ( وآله ) وسلم : أنّ المعدن جبار، والبئر جبار، والعجماء جرحها جبار، والعجماء البهيمة من الأنعام وغيرها، والجبار هو الهدر الذي لا يغرم، وقضى في الركاز الخمس (17).
5- وفيه : عن أنس بن مالك قال : خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه ( وآله ) وسلم إلى خيبر فدخل صاحب لنا إلى خربة يقضي حاجته قتناول لبنة ليستطيب بها فانهارت غليه تبراً، فأخذها فأتى بها النبي صلى الله عليه ( وآله ) وسلم فأخبره بذلك، قال : ((زنها)) فوزنها فإذا مائتا درهم فقال النبي : (( هذا ركاز وفيه الخمس )) (18).
6- وفيه : أنّ رجلاً من مزينة سأل رسول الله مسائل جاء فيها : فالكنز نجده في الخرب وفي الآرام ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه ( وآله ) وسلم : (( فيه وفي الركاز الخمس )) (19).
7- وفي نهاية اللغة ولسان العرب وتاج العروس في مادة (( سيب )) واللفظ للأوّل : وفي كتابه - أي كتاب رسول الله - لوائل بن حجر : (( وفي السيوب الخمس )) السيوب : الركاز.
قالوا :
(( السيوب : عروق من الذهب والفضة تسيب في المعدن، أي تتكوّن فيه وتظهر. . والسيوب : جمع سيب، يريد به - أي يريد النبي بالسيب - المال المدفون في الجاهلية، أو المعدن لأنّه من فضل الله تعالى وعطائه لمن أصابه )) (20).
تفسير ألفاظ الأحاديث :
العجماء : الدابة المنفلتة من صاحبها، فما أصابت في انفلاتها فلا غرم على صاحبها، والمعدن جبار يعني : إذا احتفر الرجل معدناً فوقع فيه إنسان فلا غرم عليه، وكذلك البئر إذا احتفرها الرجل للسبيل فوقع فيها إنسان فلا غرم على صاحبها، وفي الركاز الخمس، والركاز : ما وجد من دفن أهل الجاهلية فمن وجد ركازاً أدّى منه الخمس إلى السلطان وما بقي له (21).
والآرام : الأعلام وهي حجارة تجمع وتنصب في المفازة يهتدى بها، واحدها إرم، كعنب، وكان من عادة الجاهلية أنّهم إذا وجدوا شيئاً في طريقهم لا يمكنهم استصحابه، تركوا عليه حجارة يعرفونه بها حتى إذا عادوا أخذوه (22).
وفي لسان العرب وغيره من معاجم اللغة : ركزه يركزه ركزاً : إذا دفنه. والركاز : قطع ذهب وفضة تخرج من الأرض أو المعدن، واحده الركزة كأنّه ركز في الأرض.
وفي نهاية اللغة : والركزة : القطعة من جواهر الأرض المركوزة فيها وجمع الركزة الركاز.
إنّ هذه الروايات تعرب عن كون وجوب الخمس في الكنز والمعادن ضريبة غير الزكاة، وقد استند إليها أستاذ الفقهاء أبو يوسف في كتابه (( الخراج )) وإليك نصّه :
كلام أبي يوسف في المعدن والركاز :
قال أبو يوسف : في كل ما أصيب من المعادن من قليل أو كثير الخمس، ولو أنّ رجلاً أصاب في معدن أقل من وزن مائتي درهم فضّة أو أقل من وزن عشرين مثقالاً ذهباً فإنّ فيه الخمس، وليس هذا على موضع الزكاة إنّما هو على موضع الغنائم (23) وليس في تراب ذلك شيء إنّما الخمس في الذهب الخالص والفضة الخالصة والحديد والنحاس والرصاص، ولا يحسب لمن استخرج ذلك من نفقته عليه شيء، وقد تكون النفقة تستغرق ذلك كلّه فلا يجب إذن فيه خمس عليه، وفيه الخمس حين يفرغ من تصفيته قليلاً كان أو كثيراً، ولا يحسب له من نفقته شيء من ذلك وما استخرج من المعادن سوى ذلك من الحجارة - مثل الياقوت والفيروزج والكحل والزئبق والكبريت والمغرّة - فلا خمس في شيء (24) من ذلك إنّما ذلك كلّه بمنزلة الطين والتراب.
قال : ولو أنّ الذي أصاب شيئاً من الذهب أو الفضة أو الحديد أو الرصاص أو النحاس، كان عليه دين فادح لم يبطل ذلك الخمس عنه، ألا ترى لو أنّ جنداً من الأجناد أصابوا غنيمة من أهل الحرب خمّست ولم ينظر أعليهم دين أم لا، ولو كان عليهم دين لم يمنع ذلك من الخمس.
قال : وأمّا الركاز فهو الذهب والفضة الذي خلقه الله عزّ وجل في الأرض يوم خلقت، فيه أيضاً الخمس، فمن أصاب كنزاً عاديّاً في غير ملك أحد - فيه ذهب أو فضة أو جوهر أو ثياب - فإنّ في ذلك الخمس وأربعة أخماس للذي أصابه وهو بمنزلة الغنيمة يغنمها القوم فتخمّس وما بقي فلهم.
قال : ولو أنّ حربياً وجد في دار الإسلام ركازاً وكان قد دخل بأمان، نزع ذلك كلّه منه ولا يكون له منه شيء، وإن كان ذميّاً أخذ منه الخمس كما يؤخذ من المسلم، وسلّم له أربعة أخماسه. وكذلك المكاتب يجد ركازاً في دار الإسلام فهو له بعد الخمس. .. (25).
2- الخمس في أرباح المكاسب :
يظهر من غير واحد من الروايات أنّ النبيّ الأكرم أمر باخراج الخمس من مطلق ما يغنمه الانسان من أرباح المكاسب وغيرها وإليك بعض ما ورد في المقام :
1- لمّا وفد عبد القيس لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقالوا : (( إنّ بيننا وبينك المشركين وإنّا لا نصل إليك إلاّ في الأشهر الحرم فمرنا بجمل الأمر، إن عملنا به دخلنا الجنة وندعوا إليه من ورائنا )) فقال : (( آمركم بأربع وأنهاكم عن أربع، آمركم بالإيمان بالله، وهل تدرون ما الإيمان، شهادة أن لا إله إلاّ الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وتعطوا الخمس من المغنم )) (26).
ومن المعلوم أنّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم يطلب من بني عبد القيس أن يدفعوا غنائم الحرب كيف وهم لا يستطيعون الخروج من حيّهم في غير الأشهر الحرم، خوفاً من المشركين. فيكون قد قصد المغنم بمعناه الحقيقي في لغة العرب وهو ما يفوزون به فعليهم أن يعطوا خمس ما يربحون.
وهناك كتب ومواثيق، كتبها النبيّ وفرض فيها الخمس على أصحابها وستتبيّن بعد الفراغ من نقلها دلالتها على الخمس في الأرباح، وإن لم تكن غيمة حربية فانتظر.
2- كتب لعمرو بن حزم حين بعثه إلى اليمن : (( بسم الله الرحمن الرحيم. .. هذا. .. عهد من النبي رسول الله لعمرو بن حزم حين بعثه إلى اليمن، أمره بتقوى الله في أمره كلّه، وأن يأخذ من المغانم خمس الله، وما كتب على المؤمنين من الصدقة من العقار عشر ما سقى البغل وسقت السماء، ونصف العشر ممّا سقى الغرب )) (27).
والبعل ما سقي بعروقه، والغرب : الدلو العظيمة.
3- كتب إلى شرحبيل بن عبد كلال ونعيم بن عبد كلال والحارث بن عبد كلال قيل ذي رعين، ومعافر وهمدان : (( أمّا بعد، فقد رجع رسولكم وأعطيتم من المغانم خمس الله )) (28).
4- كتب إلى سعد هذيم من قصاعة، وإلى جذام كتاباً واحداً يعلّمهم فرائض الصدقة، ويأمرهم أن يدفعوا الصدقة والخمس إلى رسوليه أبيّ وعنبسة أو من أرسلاه. (29).
5- كتب للفجيع ومن تبعه : (( من محمد النبيّ للفجيع، ومن تبعه وأسلم وأقام الصلاة وآتى الزكاة وأطاع الله ورسوله وأعطى من المغانم خمس الله. .. )) (30).
6- كتب لجنادة الأزدي وقومه ومن تبعه : (( ما أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأطاعوا الله ورسوله وأعطوا من المغانم خمس الله وسهم النبي وفارقوا المشركين فإنّ لهم ذمّة الله وذمّة محمد بن عبد الله )) (31).
7- كتب لجهينة بن زيد فيما كتب : (( إنّ لكم بطون الأرض وسهولها وتلاع الأودية وظهورها، على أن ترعوا نباتها وتشربوا ماءها على أن تؤدوا الخمس )) (32).
8- كتب لملوك حمير فيما كتب : (( وآتيتم الزكاة، وأعطيتم من المغانم : خمس الله وسهم النبي وصفيّه وما كتب الله على المؤمنين من الصدقة )) (33).
9- كتب لبني ثعلبة بن عامر : (( من أسلم منهم وأقام الصلاة وآتى الزكاة وأعطى خمس المغنم وسهم النبي والصفي )) (34).
10 - كتب إلى بعض أفخاذ جهينة : (( من أسلم منهم وأقام الصلاة وآتى الزكاة وأطاع الله ورسوله وأعطى من الغنائم الخمس )) (35).
إيضاح الاستدلال بهذه المكاتيب :
يتبيّن - بجلاء - من هذه الرسائل أنّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم يكن يطلب منهم أن يدفعوا خمس غنائم الحرب التي اشتركوا فيها، بل كان يطلب ما استحقّ في أموالهم من خمس وصدقة.
ثم إنّه كان يطلب منهم الخمس دون أن يشترط - في ذلك - خوض الحرب واكتساب الغنائم.
هذا مضافاً إلى أنّ الحاكم الإسلامي أو نائبه هما اللذّان يليان بعد الفتح قبض جميع غنائم الحرب وتقسيمها بعد استخراج الخمس منها، ولا يملك أحد من الغزاة عدا سلب القتيل شيئاً ممّا سلب وإلاّ كان سارقاً مغلاَّ.
فإذا كان اعلان الحرب وإخراج خمس الغنائم على عهد النبي صلى الله عليه وآله وسلم من شؤون النبي صلى الله عليه وآله وسلم فماذا يعني طلبه الخمس من الناس وتأكيده في كتاب بعد كتاب وفي عهد بعد عهد ؟.
فيتبيّن أنّ ما كان يطلبه لم يكن مرتبطاً بغنائم الحرب. هذا مضافاً إلى أنّه لا يمكن أن يقال : إنّ المراد بالغنيمة في هذه الرسائل هو ما كان يحصل الناس عليه في الجاهلية عن طريق النهب، كيف وقد نهى النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن النهب والنهبى بشدّة، ففي كتاب الفتن باب النهي عن النّهبة عنه صلى الله عليه وآله وسلم : (( من انتهب نهبة فليس منّا )) (36) وقال : (( إنّ النهبة لا تحلّ )) (37)، وفي صحيح البخاري ومسند أحمد عن عبادة بن الصامت : بايعنا النبي صلى الله عليه وآله وسلم على أن لا ننهب (38).
وفي سنن أبي داود، باب النهي عن النهبى، عن رجل من الأنصار قال : خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه ( وآله ) وسلم فأصاب الناس حاجة شديدة وجهدٌ، وأصابوا غنماً فانتهبوها، فإنّ قدورنا لتغلي، إذ جاء رسول الله يمشي متّكئاً على قوسه فأكفا قدورنا بقوسه، ثمّ جعل يرمّل اللحم بالتراب ثمّ قال : (( إنّ النهبة ليست بأحلّ من الميتة )) (39).
وعن عبد الله بن زيد : نهى النبي صلى الله عليه ( وآله ) وسلم عن النهبى والمثلة (40).
إلى غير ذلك من الأحاديث التي وردت في كتاب الجهاد.
وقد كانت النهيبة والنهبى عند العرب تساوق الغنيمة والمغنم - في مصطلح يومنا هذا - الذي يستعمل في أخذ مال العدو.
فإذا لم يكن النهب مسموحاً به في الدين، وإذا لم تكن الحروب التي يقوم بها أحد بغير اذن النبي صلى الله عليه وآله وسلم جائزة، لم تكن الغنيمة في هذه الوثائق تعني دائماً ما يؤخذ في القتال، بل كان معنى الغنيمة الواردة فيها هو ما يفوز به الناس من غير طريق القتال بل من طريق الكسب وما شابهه، ولا محيص حينئذ من أن يقال : إنّ المراد بالخمس الذي كان يطلبه النبي صلى الله عليه وآله وسلم هو خمس أرباح الكسب والفوائد الحاصلة للإنسان من غير طريق القتال أو النهب الممنوع في الدين.
وعلى الجملة : أنّ الغنائم المطلوب في هذه الرسائل النبوية أداء خمسها إمّا أن يراد ما يستولي عليه أحد من طريق النهب والإغارة، أو ما يستولي عليه من طريق محاربة بصورة الجهاد، أو ما يستولى من طريق الكسب والكد.
وألأول ممنوع بنصّ الأحاديث السابقة فلا معنى أن يطلب النبي صلى الله عليه وآله وسلم خمس النهيبة.
والثاني يكون أمر الغنائم فيه بيد النبي صلى الله عليه وآله وسلم مباشرة فهو الذي يأخذ كل الغنائم ويضرب لكلّ من الفارس والراجل ماله من الأسهم بعد أن يستخرج الخمس بنفسه من تلك الغنائم، فلا معنى لأن يطلبه النبي صلى الله عليه وآله وسلم من الغزاة، فيكون الثالث هو المتعيّن.
وورد عن أئمة أهل البيت - عليهم السلام - ما يدلّ على ذلك، فقد كتب أحد الشيعة إلى الإمام الجواد - عليه السلام - قائلاً : أخبرني عن الخمس أعلى جميع ما يستفيد الرجل من قليل وكثير من جميع الضروب وعلى الصنّاع وكيف ذلك ؟
فكتب - عليه السلام - بخطّه : الخمس بعد المؤنة (41).
وفي هذه الإجابة القصيرة يظهر تأييد الإمام - عليه السلام - لما ذهب إليه السائل، ويتضمّن ذكر الكيفية التي يجب أن تراعى في أداء الخمس.
وعن سماعة قال : سألت أبا الحسن ( الكاظم ) - عليه السلام - عن الخمس ؟ فقال : في كل ما أفاد الناس من قليل أو كثير (42).
وعن أبي علي بن راشد ( وهو من وكلاء الإمام الجواد والإمام الهادي - عليهما السلام ) قال : قلت له ( أي الإمام المنتظر ) : أمرتني بالقيام بأمرك وأخذ حقّك، فأعلمت مواليك بذلك فقال لي بعضهم : وأي شيء حقّه ؟ فلم أدر ما أجيبه ؟ فقال : يجب عليهم الخمس، فقلت : وفي أي شيء ؟ فقال : في أمتعتهم وصنائعهم، قلت : والتاجر عليه، والصانع بيده ؟ فقال : إذا أمكنهم بعد مؤنتهم (43).
إلى غير ذلك من الأحاديث والأخبار المرويّة عن النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم وأهل بيته الطاهرين - عليهم السلام - التي تدلّ على شمول الخمس لكل مكسب.
مواضع الخمس في الكتاب :
يقسم الخمس حسب تنصيص الآية على ستة أسهم، فيفرق على مواضعها الواردة في الآية، قال سبحانه : واعلموا أنّما غنمتم من شيء فأن لله خمسه وللرّسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل ( الأنفال /41) غير أنّه يطيب لي تعيين المراد من ذي القربى.
إنّ ذي القربى بمعنى صاحب القرابة والوشيجة النسبية، ويتعيّن فرده، بتعيين المنسوب إليه. وهو يختلف حسب اختلاف مورد الاستعمال، ويستعان في تعيينه بالقرائن الموجودة في الكلام وهي : الأشخاص المذكورون في الآية، أو ما دلّ عليها سياق الكلام.
قال سبحانه : ما كان للنّبي والّذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولي قربى ( التوبة /113 ) والمراد أقرباء المذكورين في الآية أي النبي والمؤمنين.
وقال سبحانه : وإذا قلتم فاعدلوا ولو كان ذا قربى ( الأنعام /152 )، والمراد أقرباء المخاطبين في الآية بقوله : قلتم و فاعدلوا .
وقال سبحانه : وإذا حضر القسمة أولوا القربى ( النساء /8 ) والمراد أقرباء من يقسم ماله أعني الميّت.
وعلى ضوء ذلك فالمراد منه في آية الخمس، أقرباء الرسول، المذكور قبل هذه الكلمة، قال سبحانه : وللرسول ولذي القربى .
ومثلها قوله سبحانه : ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى فللّه وللرّسول ولذي القربى ( الحشر /7 ) وقوله سبحانه : قل لا أسألكم عليه أجراً إلاّ المودة في القربى ( الشورى /23). وذلك بقرينة ذكر الرسول قبله في الآية الثانية وكون المتكلّم هو الرسول في الآية الثالثة لأعني قوله : لا أسألكم .
وبذلك يظهر حال (( اليتيم والمساكين )) أي يتامى أقرباء الرسول ومساكينهم وأبناء سبيلهم وهذا هو المفهوم من الآية.
مواضع الخمس في السّنة :
وأمّا السنة فهي أيضاً تدعم ما هو مفاد الآية :
روي عن ابن عباس : (( كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقسم الخمس ستة : لله وللرسول سهمان وسهم لأقاربه حتى قبض )) (44).
وروي عن أبي العالية الرياحي (45) : كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يؤتى بالغنيمة فيقسمها على خمسة فتكون أربعة أخماس لمن شهدها، ثم يأخذ الخمس فيضرب بيده فيه فيأخذ منه الذي قبض كفّه، فيجعله للكعبة وهو سهم الله، ثمّ يقسّم ما بقي على خمسة أسهم فيكون سهم للرسول وسهم لذوي القربى وسهم لليتامى وسهم للمساكين وسهم لابن السبيل. قال : والذي جعله للكعبة فهو سهم الله (46).
ولعلّ جعله للكعبة كان لتجسيد السهام وتفكيكها وربّما خالفه كما روى عطاء بن أبي رباح (47) قال : (( خمس الله، وخمس رسوله واحد، وكان رسول الله صلى الله عليه ( وآله ) وسلم يحمل منه ويعطي منه ويضعه حيث شاء ويصنع به ما شاء )) (48).
والمراد من كون سهمهما واحداً كون أمره بيده صلى الله عليه وآله وسلم بخلاف الأسهم الأخر فإنّ مواضعها معيّنة.
وبذلك يظهر المراد ممّا رواه الطبري : (( كان نبي الله إذا اغتنم غنيمة جعلت أخماساً، فكان خمس لله ولرسوله، ويقسم المسلمون ما بقي ( الأخماس الأربعة ) وكان الخمس الذي جعل لله ولرسوله، لرسوله، ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل، فكان هذا الخمس خمسة أخماس خمس لله ولرسوله )) (49).
فالظاهر أنّ المراد كان أمر السهمين بيد الرسول ولذا جعلهما سهماً واحداً بخلاف السهام الأخر، وإلاّ فالخبر مخالف لتنصيص القرآن الكريم.
وأما تخصيص بعض سهام الخمس بذي القربى ومن جاء بعدهم من اليتامى والمساكين وابن السبيل، فلأجل الروايات الدالة على أنه لا تحل لهم الصدقة فجعل لهم خمس الخمس. روى الطبري : كان آل محمد صلى الله عليه وآله وسلم لا تحل لهم الصدقة فجعل لهم خمس الخمس، وقال : قد علم الله أنّ في بني هاشم الفقراء فجعل لهم الخمس مكان الصدقة (50). كما تضافرت الروايات عن أئمة أهل البيت أن السهام الأربعة من الخمس لآل محمد صلى الله عليه وآله وسلم (51).
هذا ما يستفاد من الكتاب والسّنة غير أنّ الاجتهاد لعب دوراً كبيراً في تحويل الخمس عن أصحابه وإليك ما ذهبت إليه المذاهب الأربعة :
(( قالت الشافعية والحنابلة : تقسم الغنيمة، وهي الخمس، إلى خمسة أسهم، واحد منها سهم الرسول، ويصرف على مصالح المسلمين، وواحد يعطى لذوي القربى، وهم من انتسب إلى هاشم بالأبوّة من غير فرق بين الأغنياء والفقراء، والثلاثة الباقية تنفق على اليتامى والمساكين وأبناء السبيل سواء أكانوا من بني هاشم أو من غيرهم.
وقالت الحنفية : إنّ سهم الرسول سقط بموته، أمّا ذوو القربى فهم كغيرهم من الفقراء يعطون لفقرهم لا لقرابتهم من الرسول.
وقالت المالكية : يرجع أمر الخمس إلى الإمام يصرفه حسبما يراه من المصلحة.
وقالت الإمامية : إنّ سهم الله وسهم الرسول وسهم ذوي القربى يفوّض أمرها إلى الإمام أو نائبه، يضعها في مصالح المسلمين. والأسهم الثلاثة الباقية تعطى لأيتام بني هاشم ومساكينهم وأبناء سبيلهم، ولا يشاركهم فيها غيرهم )) (52).
وقال ابن قدامة في المغني، بعد ما روى أنّ أبا بكر وعمر - رضى الله عنهما - قسّما الخمس على ثلاثة أسهم : (( وهو قول أصحاب الرأي - أبي حنيفة وجماعته - قالوا : يقسّم الخمس على ثلاثة : اليتامى والمساكين وابن السبيل، وأسقطوا سهم رسول الله بموته، وسهم قرابته أيضاً.
وقال مالك : الفيء والخمس واحد يجعلان في بيت المال.
وقال الثوري : والخمس يضعه الإمام حيث أراه الله عزّ وجل.
وما قاله أبو حنيفة مخالف لظاهر الآية، فإنّ الله تعالى سمّى لرسوله وقرابته شيئاً وجعل لهما في الخمس حقّاً كما سمّى الثلاثة الأصناف الباقية، فمن خالف ذلك فقد خالف نصّ الكتاب، وأمّا جعل أبي بكر وعمر - رضى الله عنهما - سهم ذي القربى في سبيل الله، فقد ذكر لأحمد فسكت وحرّك رأسه ولم يذهب إليه، ورأى أنّ قول ابن عباس ومن وافقه أولى، لموافقته كتاب الله وسنّة رسوله صلى الله عليه ( وآله ) وسلم. .. )) (53).
الاجتهاد تجاه النص :
ثمّ إنّ الخلفاء بعد النبيّ الأكرم اجتهدوا تجاه النص في موارد منها : إسقاط سهم ذي القربى من الخمس، وذلك أنّ الله سبحانه وتعالى جعل لهم سهماً، افترض أداءه نصاً في الذكر الحكيم والفرقان العظيم يتلوه المسلمون آناء الليل وأطراف النهار، وهو قوله عزّ من قائل : واعلموا أنّما غنمتم من شيء فأنّ لله خمسه وللرّسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل إن كنتم آمنتم بالله وما أنزلنا على عبدنا يوم الفرقان يوم التقى الجمعان والله على كل شيء قدير ( الأنفال : الآية 41 ).
وقد أجمع أهل القبلة كافّة على أنّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان يختصّ بسهم من الخمس ويخص أقاربه بسهم آخر منه، وأنه لم يعهد بتغيير ذلك إلى أحد حتى دعاه الله إليه، واختار الله له الرفيق الأعلى.
فلما ولي أبو بكر - رضى الله عنه - تأوّل الآية فأسقط سهم النبي وسهم ذي القربى بموت النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ومنع بني هاشم من الخمس، وجعلهم كغيرهم من يتامى المسملين ومساكينهم وأبناء السبيل منهم.
قال الزمخشري : وعن ابن عباس : الخمس على ستة أسهم : لله ولرسوله، سهمان، وسهم لأقاربه حتى قبض أبو بكر الخمس على ثلاثة، وكذلك روي عن عمر ومن بعده من الخلفاء قال : وروي أنّ أبا بكر منع بني هاشم الخمس (54).
وقد أرسلت فاطمة - عليها السلام - تسأله ميراثها من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ممّا أفاء الله عليه بالمدينة وفدك وما بقي من خمس خيبر، فأبى أبو بكر أن يدفع إلى فاطمة منها شيئاً، فوجدت فاطمة على أبي بكر في ذلك فهجرته فلم تكلّمه حتى توفيت، وعاشت بعد النبي صلى الله عليه وآله وسلم ستة أشهر فلمّا توفيت دفنها زوجها علي ليلاً ولم يؤذن بها أبا بكر، وصلى عليها. الحديث (55).
وفي صحيح مسلم عن يزيد بن هرمز قال : كتب نجدة بن عامر الحروري الخارجي إلى ابن عباس قال ابن هرمز : فشهدت ابن عباس حين قرأ الكتاب وحين كتب جوابه وقال ابن عباس : والله لولا أن أردّه عن نتن يقع فيه ما كتبت إليه، ولا نعمة عين. قال : فكتب إليه : إنّك سألتني عن سهم ذي القربى الذين ذكرهم الله من هم ؟ وإنّا كنّا نرى أنّ قرابة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم هم نحن فأبى ذلك علينا قومنا، الحديث (56).
وأخرجه الإمام أحمد من حديث ابن عباس في أواخر ص 294 من الجزء الأول من مسنده.
ورواه كثير من أصحاب المسانيد بطرق كلها صحيحة، وهذا هو مذهب أهل البيت المتواتر عن أئمتهم - عليهم السلام -.
لكن الكثير من أئمة الجمهور أخذوا برأي الخليفتين - رضى الله عنهما - فلم يجعلوا لذي القربى نصيباً من الخمس خاصاً بهم.
فأمّا مالك بن أنس فقد جعله بأجمعه مفوّضاً إلى رأي الإمام يجعله حيث يشاء في مصالح المسلمين، لاحقّ فيه لذي قربى ولا يتيم ولا لمسكين ولا لابن سبيل مطلقاً.
وأمّا أبو حنيفة وأصحابه فقد أسقطوا بعد النبي صلى الله عليه وآله وسلم سهمه وسهم ذي قرباه، وقسموه بين مطلق اليتامى والمساكين وابن السبيل على السواء لا فرق عندهم بين الهاشميين وغيرهم من المسلمين.
والشافعي جعله خمسة أسهم : سهماً لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يصرف إلى ما كان يصرف إليه من مصالح المسلمين كعدّة الغزاة من الخيل والسلاح والكراع ونحو ذلك، وسهماً لذوي القربى من بني هاشم وبني المطلب دون عبد شمس وبني نوفل يقسم بينهم للذكر مثل حظ الأنثيين والباقي للفرق الثلاث اليتامى والمساكين وابن السبيل مطلقاً (57).
إلى هنا خرجنا بنتيجتين :
1- وجوب الخمس في كل ما يفوز به الإنسان، وأنه لا يختص بالغنائم الحربيّة.
2- إنّ الخمس يقسم على ستة أسهم الثلاثة الأولى، أمرها بيد الإمام يتولاها حسب ما رأى من المصلحة، والثلاثة الأخرى، للأيتام والمساكين وأبناء السبيل من آل النبيّ الأكرم لا مطلقهم.
بقلم : الشيخ جعفر السبحاني.
___________________________________
(1) ربّما يتخيّل بعض البسطاء أنّ الشيعة تنفرد بالقول بوجوب الخمس في غير الغنائم، ولأجل توضيح الحال ندرس الموضوع في ظل الكتاب والسّنة، وكلمات الفقهاء.
(2) الأزهري : تهذيب اللغة، مادة (( غنم )).
(3) الراغب الأصفهاني : المفردات، مادة ((غنم)).
(4) ابن فارس : مقاييس اللغة مادة (( غنم )).
(5) ابن منظور الأفريقي : لسان العرب نفس المادة.
(6) نهاية اللغة، مادة (( غنم )).
(7) قاموس اللغة، مادة ((غنم)).
(8) النساء : الآية 94.
(9) ابن ماجه : السنن : كتاب الزكاة، باب ما يقال عند اخراج الزكاة، الحديث 1797.
(10) أحمد : المسند : ج 2 ص 330 و 374 و 524.
(11) المصدر نفسه : ص 177.
(12) النهاية، مادة (( غنم )).
(13) أحمد : المسند : 1/314، وسنن ابن ماجه 2/839 ط 1373 هـ.
(14) مسلم : الصحيح : 5/127 باب جرح العجماء والمعدن والبئر جبار، من كتاب الحدود، وصحيح البخاري 1/182 باب في الركاز الخمس.
(15) الخراج : 22.
(16) أحمد : المسند : 3/335.
(17) المصدر نفسه : 5/326.
(18) المصدر نفسه : 3/128.
(19) المصدر نفسه : 2 / 186.
(20) ابن الأثير : النهاية، مادة ((سيب)).
(21) الترمذي : السنن 6/145 باب ما جاء في العجماء.
(22) النهاية، مادة ((ارم)).
(23) ترى أنّ أبا يوسف يعد الخمس الوارد في هذا الموضع من مصاديق الغنيمة الواردة في الخمس وهو شاهد على كونها عامة مفهوماً.
(24) هذا رأي أبي يوسف، وإطلاق الآية يخالفه مضافاً إلى مخالفته روايات أئمة أهل البيت فإنّها تفرض الخمس في الجميع.
(25) الخراج : 22.
(26) البخاري : الصحيح : 4/250 باب (( خلقكم وما تعملون )) من كتاب التوحيد، وج1 ص 13 و 19، وج 3 ص 53، ومسلم : الصحيح 1/35-36 باب الأمر بالإيمان، النسائي : السنن : 1/333، وأحمد : المسند 1/318، الأموال : ص 12 وغيرها.
(27) البلاذري : فتوح البلدان : 1/ 81 باب اليمن، وسيرة ابن هشام : 4/265. وتنوير الحوالك في شرح موطأ مالك : 1/157.
(28) الوثائق السياسية : 227 برقم 110. ( ط 4 بيروت ).
(29) ابن سعد : الطبقات الكبرى : 1/270.
(30) المصدر نفسه : ص 304 - 305.
(31) المصدر نفسه : ص 270.
(32) الوثائق السياسية : ص 265 برقم 157.
(33) فتوح البلدان : 1/82 وسيرة ابن هشام : 4/258.
(34) الاصابة : 2/189 وأسد الغابة : 3/34.
(35) ابن سعد : الطبقات الكبرى : 1/271.
(36) و (37) ابن ماجه : السنن : كتاب الفتن ص 1298 برقم 3937 و 3938.
(38) البخاري : الصحيح : 2/48 باب النهب بغير اذن صاحبه.
(39) أبو داود : السنن : 2/12.
(40) رواه البخاري في الصيد، راجع التاج : 4/334.
(41) الوسائل : ج6 الباب 8 من أبواب الخمس، الحديث 1.
(42) المصدر نفسه، الحديث 6.
(43) المصدر نفسه، الحديث 3.
(44) النيسابوري : ط بهامش الطبري : 10/4.
(45) أبو العالية الرياحي : هو رفيع بن مهران مات سنة 90، لاحظ تهذيب التهذيب : 3 / 246.
(46) أبو عبيد القاسم بن سلام : الأموال : 325، الطبري : التفسير : 10/4، والجصاص : أحكام القرآن : 3/60.
(47) عطاء بن أبي رباح مات سنة 114، أخرج حديثه أصحاب الصحاح.
(48) الطبري : التفسير : 10/4.
(49) المصدر نفسه. والأصح أن يقول ستة أسداس وعرفت وجه العدول عنه.
(50) المصدر نفسه /5، فجعل خمس الخمس، بلحاظ المواضع الخمسة ما سوى لله، وجعله كله لهم باعتبار أنّ أمره أيضاً بيده، فلا منافاة بين الجعلين.
(51) الوسائل : ج 6 الباب 29 من أبواب المستحقين للزكاة، ولاحظ أيضاً صحيح البخاري 1/181، باب تحريم الزكاة على رسول الله.
(52) محمد جواد مغنية : الفقه على المذاهب الخمسة : 188.
(53) أبو فرج عبد الرحمان بن قدامة المقدسي : الشرح الكبير - على هامش المغني - : 10/493- 494.
(54) الكشاف : 2/126.
(55) البخاري : الصحيح : 3/36 باب غزوة خيبر. وفي صحيح مسلم : 5/154 : ((. .. وصلّى عليها علي )).
(56) مسلم : الصحيح : 2/105، كتاب الجهاد والسير.
(57) لشرف الدين : النص والإجتهاد : 25 - 27.
ما هي المصادر الحديثّية المعتمدة لدى الشيعة؟
جواب:
قبل التعرّض لبيان المصادر الحديثيّة المعتمدة عند الشيعة، من اللازم التذكير بالفارقين الأساسيين بين المراحل التاريخيّة التي قطعها الحديث عند كلّ من الشيعة والسنّة:
ألف. لقد تعرّض الحديث عند أهل السنّة إلى العديد من التقلّبات بعد وفاة الرسول الأكرم صلّى الله عليه وآله وسلّم، أبرزها المنع من تدوين الحديث وتصنيفه الذي استمرّ منذ عهد الخلفاء إلى زمان حكم عمر بن عبد العزيز (سنة 99 هجريّة). وتُعدّ هذه المسألة من مسلّمات تاريخ الحديث التي لا يرتاب حولها أيّ باحث، كما يدلّ عليه ما نُقل عن الخليفة الثاني، حيث قال: >أقلّوا الرواية عن رسول الله إلاّ فيما يُعمل به<. (1)
وأمّا بالنسبة لتاريخ الحديث الشيعي، فقد كانت حلقاته ـ خلافاً لأهل السنّة ـ متّصلة بعصر الرسالة والإمامة بشكل كامل، ولم تُفقد أيّ واحدة من هذه الحلقات، بحيث لا نعثر على أيّ مقطع من تاريخ الحديث الشيعي تحت اسم >عصر المنع من تدوين الحديث<.
ب. أنّ المجمّعين للموسوعات والجوامع الحديثيّة السنّية الأولى قاموا بإعدادها اعتماداً على الروايات الشفاهيّة. فقد عمد كلّ من البخاري ومسلم ـ في الواقع ـ إلى تأليف الصحيحين من خلال المسموعات الروائيّة التي انتقلت إليهما عن طريق شيوخهما وأساتذتهما، بينما نجد أنّ المصنّفين للجوامع الحديثيّة الشيعيّة الأولى قد استفادوا من السنّة المكتوبة المعروفة عندنا بالأصول الأربعمائة؛ ولهذا يُطلق على هذه المرحلة اسم مرحلة تشكّل التراث الروائي الشيعي في قالب الأصول الأربعمائة، وهي مرحلة يختصّ بها تاريخ الحديث لدى الشيعة.
ويُطلق اسم الأصول الأربعمائة على مجموعة من المؤلّفات الحديثيّة التي تمّ إعدادها من قبل أصحاب الأئمّة عليهم السلام ـ وخاصّة في عصر الصادقين عليهم السلام ـ، وتمّت الاستفادة منها عند تصنيف الجوامع الروائيّة الشيعيّة؛ ولهذا يجب عدّها ـ بالنظر إلى اعتماد الجوامع الأوليّة عليها ـ بمثابة الرأسمال الأوّلي لتدوين الموسوعات الحديثيّة.
وبحسب النقولات التاريخيّة، فقد كانت هذه الأصول متواجدة إلى عصر أصحاب الجوامع الشيعيّة الأولى الذين عملوا على الاستفادة منها، كما أنّ عدداً منها بقي موجوداً إلى زمان كلّ من محمد بن إدريس الحلّي (ت 598)، والسيّد بن طاووس (ت 673) والشهيد الثاني (ت 966) والكفعمي (ت 1104) والميرزا حسين النوري (1320)، حيث كانوا يستندوا إليها أحياناً.
إنّ وجود العديد من العوامل، من ضمنها تطوّر المجتمع الشيعي وتكامله في عصر الغيبة الصغرى وبداية الغيبة الكبرى لصاحب العصر والزمان عجّل الله تعالى فرجه، الحاجة المستمرّة لعلماء الدين الشيعة ـ أعمّ من الفقهاء والمتكلّمين والمفسّرين ـ لتراث روائي مدوّن ونشأة الخلاف في الرؤى الفقهيّة والكلاميّة على إثر تبعثر الأصول الروائيّة، كلّ ذلك ساهم في جعل مسألة تدوين الجوامع الحديثيّة من طرف الشيعة أمراً ضروريّاً أكثر من أيّ زمان آخر.
وكاستجابة لهذه الحاجة الملحّة، فقد بادر المرحوم الكليني (ت 329) والشيخ الصدوق (ت 381) والشيخ الطوسي (ت 460) إلى تصنيف موسوعات روائيّة، وأخرجوا لنا كلاًّ من كتاب >الكافي<، >من لا يحضره الفقيه<، >مدينة العلم<، التهذيب< و>الاستبصار<. لكن لا يخفى أنّ علماء كبار، نظير أحمد بن محمد بن خالد البرقي (ت 274)، محمد بن الحسن الصفّار(ت 290) والحميري القمّي (ت 300) قد سبقوهم في تأليف هذه الكتب التي سنذكرها بالترتيب: المحاسن، بصائر الدرجات وقرب الإسناد. وبالتزامن مع عصر المرحوم الكليني والصدوق والشيخ الطوسي، فقد تمّ تدوين كتب حديثيّة أخرى من طرف هؤلاء العظماء ومحدّثين آخرين، نظير عيون أخبار الرضا عليه السلام، الخصال والأمالي للشيخ الصدوق، الغيبة والاقتصاد للشيخ الطوسي و... . لكن بما أنّ هذه الكتب الخمسة كانت تتمتّع بالجامعيّة والإتقان من ناحية متن الروايات وسندها، فقد حظيت باهتمام العلماء الشيعة في القرون المتأخّرة، لتُعرف ـ تدريجيّاً ـ باسم الكتب الروائيّة الشيعيّة الخمسة، لكن وبعد فقدان كتاب مدينة العلم، فقد اشتهرت بالكتب الحديثيّة الشيعيّة الأربعة.
وعلى هذا، تكون الكتب الروائيّة الأساسيّة الأربعة للشيعة بالشكل الآتي:
1. الكافي، ثقة الإسلام محمد بن يعقوب الكليني (ت 329)؛
2. من لا يحضره الفقيه، الشيخ الصدوق محمد بن علي بن بابويه القمّي (ت 381)؛
3. تهذيب الأحكام فى شرح المقنعة، شيخ الطائفة محمد بن الحسن الطوسي (ت 460)؛
4. الاستبصار فيما اختلف من الأخبار، الشيخ الطوسي (ت 460).
وقد صُنّفت بعد ذلك مجموعة من الكتب الأخرى من أجل تكميل الجوامع الحديثيّة الشيعيّة وتنظيمها، وهي عبارة عن:
1. بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمّة الأطهار (عليهم السلام)، العلاّمة محمد باقر المجلسي (ت 215)؛
2. تفصيل وسائل الشيعة إلى تحصيل مسائل الشريعة، محمد بن الحسن الحرّ العاملي (ت 1104).
ومن بين جميع الكتب الروائيّة الشيعيّة، يُمكننا الإشارة إلى الكتابين البارزين: نهج البلاغة والصحيفة السجّادية.
فنهج البلاغة ـ الذي عُدّ من قبل البعض فوق كلام البشر ودون كلام الخالق وبمثابة أخٍ للقرآن ـ هو اسم لكتاب أطلقه مصنّفه (أي السيّد الرضي المتوفّى سنة 406) على مجموعة من خطب الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام ورسائله وكلماته القصار. ويحتوي نهج البلاغة (الموجود بين أيدينا حاليّاً) على 241 خطبة و79 رسالة و480 حكمة (كلمة قصيرة).
وأمّا الصحيفة السجّادية التي تُلقّب بـ >زبور آل محمد عليهم السلام< و>إنجيل أهل البيت عليهم السلام< و>أخت القرآن<، فهي عبارة عن مجموعة من الأدعية المنسوبة إلى الإمام الرابع للشيعة.. علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلام، وقد حوت هذه الأدعية في مطاويها على العديد من الدروس والتعاليم المهمّة في مختلف ميادين المعارف الدينيّة والتي وردت على شكل مناجاة وابتهالات.
كما توجد أيضاً العديد من الكتب الأخرى، لكنّنا سنتجنّب ذكرها رعايةً للاختصار.
الهوامش:
1. ابن كثير، البداية والنهاية، بيروت، دار الفكر، 1407 ق، ج 8، ص 107.
2. لمزيد من الاطّلاع، يُرجى مراجعة: نصيري، علي، آشنايى با علوم حديث (التعرّف على علم الحديث)، قمّ، مركز إدارة الحوزة العلميّة بقمّ، 1383 هـ ش، الفصل الثاني (التعرّف على تاريخ الحديث عند الشيعة).