Super User

Super User

أحد الأساليب التي اتبعها النبي (ص) في الدعوة إلى الدين الإسلامي هو أسلوب الاتصال الشخصي المباشر مع الأفراد والجماعات. ولقد عمل بهذا الأسلوب على خطين.

في الخط الأول : كان يهاجر إلى خارج مكة المكرمة، إلى الطائف في السنة العاشرة من البعثة النبوية بعد وفاة أبي طالب، وأقام فيها عشرة أيام يتجول بين أحيائها ويدعو أهلها إلى الإسلام وعبادة الله الواحد الأحد. ولكنهم لم يسمعوا منه بل جلسوا له في الطريق يرمونه بالحجارة حتى أصيب رأسه الشريف. فرجع أدراجه إلى مكة دون أن يحقق نتيجة في الطائف.

في الخط الثاني : كان النبي (ص) يغتنم الفرص في بعض المناسبات الدينية والاقتصادية داخل مكة ليعرض الإسلام على القبائل التي كان تأتي إلى مكة للحج أو التجارة ويذهب إليهم، ويجلس معهم ويحاورهم ويدخل في تفاصيل ما يدعو إليه من قيم ومبادئ.

أبو لهب كان يتعقب النبي ويلاحقه في كل خطواته :

ويقول المؤرخون إنه كان لا يسمع بقادم إلى مكة له اسم وشرف ونفوذ إلا وبادر إلى اللقاء به ودعاه إلى الإسلام. وكان لا يدع مناسبة يجتمع فيه الناس إلا ويقصدهم إلى أنديتهم ومنازلهم ليدعوهم إلى الله الواحد لا شريك له.

ولكن عمه أبا لهب كان وراءه يلاحقه أينما ذهب ويعقّب على كلامه ويطلب من الناس عدم الاستجابة له. وكان الناس في الغالب يسمعون من قريش وأبي لهب، ويتأثرون بدعاياتهم ضد النبي (ص). إما لأنهم كانوا يخافون من سلطان قريش ونفوذها وإما حفاظا على مصالحهم الاقتصادية في مكة.

ولعل هذا السبب هو ما أفشل مبادرات النبي (ص)، حيث لم يكن يجد أذاناً صاغية لدعوته بين أفراد هذه القبائل في بعض الحالات. كما أن تصدي أبي لهب، وهو عمه، بالذات لتكذيب النبي (ص) واتهامه بعقله وشخصيته والتشويش عليه، كان سبباً أخرا لعدم استجابة هذه القبائل، على اعتبار أن الناس كانت تفكر بأن هذا الرجل الذي يدعوهم إلى عدم الاستماع إلى النبي وتكذيبه هو عم النبي (ص) يعني أنه من أعرف الناس به.

فلو كان صادقاً فيما يقول ويدعو إليه لقبل منه الإسلام ولما شهّر به وكذّبه. ولأجل ذلك عندما كان النبي (ص) يعرض رسالته عليهم كانوا يردّون عليه أقبح الرد. ويقولون له :"أسرتك وعشيرتك أعلم بك حيث لم يتبعوك".

لكن النبي (ص) مع ذلك لم يفقد الأمل واستمر باتباع هذا الأسلوب، يتصل بالأفراد والجماعات. وكان يهدف من خلال الطريقة في العمل الإسلامي تحقيق عدة أمور :

أولاً : إيصال صوت الدعوة الإسلامية إلى كل مكان وكل جماعة بشكل شخصي مباشر. وعدم الاكتفاء بدعوة العامة من بعيد. إذ إن هدفه إعطاء الناس الصورة الواضحة عن الإسلام وعقائده ومفاهيمه والدخول في التفاصيل. بينما لو اعتمد الرسول (ص) الدعوة من بعيد وبشكل عام، لا يحقق هذا الهدف المطلوب ولا يقرّب للناس روح الدين ومفاهيمه ولا يهيئهم للتفاعل مع قضاياه.

والقبائل التي لم تستجب للنبي (ص) في البداية عادت ودخلت في الإسلام، خاصة بعد فتح مكة، بمجرد ارتفاع الضغوط من قريش عنهم، ولم تعد قادرة على نفوذها السابق أو وضع العراقيل والموانع في وجه الإسلام.

ثانياً : إن هدف هذا النبي (ص) من هذا الإتصال الشخصي بالأفراد والجماعات حتى مع زعماء قبائل العرب، لتتعمق معرفته أكثر عن عقليتهم وطريقة تفكيرهم واحوالهم النفسية من جهة، ومن جهة أخرى كان يريد تعريفهم بنفسه ليتأكدوا من حقيقته وصدقه.

وإنه من خلال أسلوبه وطريقة حديثه معهم والتفاصيل التي كان يناقشها وأياهم والقضايا الدينية التي كان يدعو إليها، تجعلهم يتعرفون صورة مختلفة عن شخصيته مغايرة لما يسمعوه من إشاعات مغرضة بحقه. فيكون ذلك خطة عملية لتحطيم كل الدعايات والإفتراءات التي كان المشركون يروجونها ضده.

ثالثاً : إن عرض النبي (ص) دعوته على القبائل التي كانت تأتي إلى مكة هدف منه إيضاً انتشار الدعوة في كل مكان وأن تصل إلى آذان كل الناس خارج جدران مكة، وهذا من شأنه الإسهام في الدعاية للدعوة الإسلامية ونشر صيته في مختلف أنحاء الجزيرة العربية وغيرها. إذ كان من الطبيعي أن يتداول هؤلاء الناس، حين يرجعون إلى بلادهم، بما رأوه وسمعوه في سفرهم. ولم يكن هناك خبر أكثر إثارة لهم من خبر ظهور هذا الدين الجديد وفي مكة المكرمة بالذات.

رابعاً : إن النبي (ص) كان يفتش عن قاعدة إقليمية وبشرية للإسلام يستطيع فيها الدعوة أخذ حريتها، وحماية نفسها، لأن مكة لم تكن صالحة للانطلاق إلى العالم، نظرا لكونها قاعدة للشرك، ولن يسمح المشركون للنبي (ص) فيها بالحركة بحرية. فكان لا بد من البحث عن مكان أخر تتوفر فيه الأرضية المناسبة للدعوة إلى الله بحرية، ويستطيع النبي فيه تشكيل القاعدة البشرية التي تحتاجها الدعوة حتى تنطلق إلى العالم كله. لذا كانت اتصالاته بالقبائل وهجراته خارج مكة لتحقيق هذا الهدف.

ونجحت محاولاته في نهاية المطاف حيث التقى بجماعة من أهل المدينة المنورة "يثرب" فأسلموا، وكانوا نواة دخول الإسلام إلى المدينة. وكانوا نواة المجتمع الإسلامي حيث أبدوا الاستعداد الكامل لحماية الرسول (ص) وتأييده وحماية دعوته ورسالته من خلال بعيتين، عرفتا في التاريخ "بيعة العقبة الأولى" و" بيعة العقبة الثانية".

 

19/04/2015استقبل سماحة آية الله السيد علي الخامنئي قائد الثورة الإسلامية جمعاً من قادة ومنتسبي القوات المسلحة الإيرانية وعوائل شهداء الجيش، وأوصى القوات المسلحة توصية أكيدة بحفظ وتعزيز البصيرة والتوجهات الدينية والثورية ورفع القدرات الدفاعية والتسليحية والجاهزية النفسية قائلاً: الجمهورية الإسلامية الإيرانية لم تكن ولن تكون أبداً تهديداً للمنطقة والبلدان الجارة لكنها ستتصرف إزاء أي اعتداء بمنتهى القدرة.
في هذا اللقاء الذي أقيم بمناسبة يوم الجيش الإيراني، بارك القائد العام للقوات المسلحة هذا اليوم، وأوضح أن تسمية يوم التاسع والعشرين من فروردين (18 نيسان) من مبادرات الإمام الخميني الراحل (رض) في بداية انتصار الثورة الإسلامية مقابل بعض الأصوات التي نادت بحلّ الجيش، مضيفاً: بوعي الإمام الخميني (رض) بقي الجيش بقوة واقتدار، ومارس دوره كمنظومة ثورية في مختلف الميادين بما في ذلك ثمانية أعوام من الدفاع المقدس، وخلق الملاحم والأمجاد للبلاد.
و أكد قائد الثورة الإسلامية على أن يوم التاسع والعشرين من فروردين يعني وقوف الجيش للدفاع عن الثورة وسيره في طريق خدمة أهداف الشعب، ملفتاً: من خصوصيات جيش الجمهورية الإسلامية التزامه بالتعهدات والمعايير الدينية.
وأشار آية الله السيد الخامنئي إلى عدم التزام الكثير من جيوش العالم بالقوانين الدولية والمعايير الإنسانية عند الانتصار أو الهزيمة، مردفاً: النموذج البارز لهذا الشيء سلوك القوى العالمية وخصوصاً أمريكا التي لا تأبه أبداً للقوانين الدولية والموازين الإنسانية، وترتكب كل جريمة.
واعتبر سماحته أحداث اليمن وحرب غزة وحرب لبنان نماذج لعدم الالتزام بالقوانين الدولية مؤكداً: القوات المسلحة للجمهورية الإسلامية الإيرانية التزمت دوماً بالتعهدات والقوانين الإسلامية، ولم تطغ أبداً لا عند الانتصار ولا عند الخطر، ولم تستخدم الأدوات والأساليب الممنوعة.
وأضاف قائد الثورة الإسلامية: أن تؤكد الجمهورية الإسلامية الإيرانية بأنها لا تسعى للحصول على سلاح نووي، فهذا بدوره يندرج ضمن إطار التزاماتها الدينية.
وأشار آية الله السيد الخامنئي إلى بعض الدعايات والاتهامات بتدخل إيران في شؤون بلدان المنطقة ملفتاً: هذه التهم بخلاف الواقع لأن إيران لم ولن تتدخل في شؤون البلدان.
وقال سماحته: إننا نبغض الذين يهاجمون المدنيين والنساء والأطفال، ونعتقد أنهم لا يمتون بصلة للإسلام والضمير الإنساني، لكننا لا نتدخل في شؤون البلدان.
وأوضح قائد الثورة الإسلامية أن الخصوصية البارزة لالتزام القوات المسلحة الإيرانية بأسس الإسلام والقوانين الإلهية هي السبب الرئيس في شعبية هذه القوات بين الناس، مضيفاً: الخصوصية الأخرى للقوات المسلحة في الجمهورية الإسلامية الإيرانية التصاعد المطرد للجاهزية الدفاعية والتسليحية والمعداتية، والذي يحصل بوحي من الآية القرآنية الشريفة: «و اَعِدّوا لَهُم مَا استَطَعتُم مِن قُوَّة».
وأكد آية الله الخامنئي على أن التقدم العسكري والدفاعي للقوات المسلحة من أفضل وأرقى نماذج التقدم العلمي والتقني في البلاد، منوهاً: حصلت هذه الحالات من التقدم والاقتدار في ظروف الضغط والحظر النادرة، وفي ظروف شحة المصادر، مما يجعلها إنجازات استثنائية، ويجب أن تستمر بكل سرعة وزخم.
وأشار سماحته إلى عدم ارتياح خصوم الشعب الإيراني للتقدم الدفاعي للقوات المسلحة والمساعي للحيلولة دون ذلك، مردفاً: على هذا الأساس نراهم يسلطون جلّ ضغوطهم الإعلامية على هذا الموضوع وخصوصاً التقدم في مجال الصواريخ والطائرات من دون طيار، غير أن المنطق العقلائي الصحيح بالاستناد إلى الآية القرآنية المذكورة يقول لنا يجب الاستمرار في هذا الدرب بكل اقتدار.
وألمح قائد الثورة الإسلامية إلى التهديدات الوقحة للأمريكان قائلاً: بعد فترة من صمت الطرف المقابل، عاد أحد ساستهم مؤخراً وتحدث عن الخيارات على الطاولة. إنهم من ناحية يرعدون بهذه الطريقة ومن ناحية أخرى يقولون على الجمهورية الإسلامية الإيرانية إيقاف تقدمها الدفاعي، وهذا كلام أبله.
وأكد آية الله الخامنئي: الجمهورية الإسلامية في إيران لن تتقبل أبداً هذا الكلام الأبله، والشعب الإيراني أثبت أنه إذا تعرض لاعتداء فسيدافع عن نفسه بكل اقتدار، وسيقف متلاحماً وكقبضة قوية بوجه المهاجم غير المنطقي.
وقال القائد العام للقوات المسلحة: على كل الأجهزة من وزارة الدفاع إلى الجيش والحرس الثوري أن يضاعفوا يوماً بعد يوم من جاهزيتهم العسكرية والدفاعية وتنظيماتهم القتالية واستعدادهم المعنوي والروحي، وهذا بمثابة أمر رسمي.
وأكد قائد الثورة الإسلامية على أن معنويات القوات المسلحة بما في ذلك الجيش عالية جداً، منوهاً: الجمهورية الإسلامية الإيرانية رغم رفع مستواها الدفاعي والعسكري لن تكون أبداً تهديداً لبلدان المنطقة والجيران.
وأشار آية الله الخامنئي إلى ما يلفقه الأمريكان والأوربيون وبعض أذنابهم من أساطير حول سعي إيران لامتلاك سلاح نووي، وإظهار إيران على أنها تهديد، مضيفاً: أكبر تهديد للعالم والمنطقة اليوم هو أمريكا والكيان الصهيوني الذان يتدخلان من دون أية موانع أو التزامات أو معايير وجدانية ودينية في أية نقطة يريدون، ويرتكبون المجازر هناك.
واعتبر سماحته الأحداث المؤسفة في اليمن ودعم أمريكا والغرب للمعتدي نموذجاً للسلوك المزعزع للأمن في العالم، ملفتاً: الجمهورية الإسلامية الإيرانية وخلافاً للقوى المنفلتة، تعتبر الأمن أكبر النعم الإلهية، وتقف وتدافع من أجل أمنها وأمن الآخرين.
وأكد قائد الثورة الإسلامية في ختام حديثه: الحفاظ على أمن البلاد وحدودها وحياة الناس من أهم واجبات المسؤولين العسكريين والشرطة.
قبيل كلمة قائد الثورة الإسلامية تحدث الأمير اللواء صالحي القائد العام للجيش الإيراني فحيّى ذكرى التاسع والعشرين من فروردين يوم الجيش في الجمهورية الإسلامية الإيرانية قائلاً: جيش الجمهورية الإسلامية الإيرانية الثوري والمتدين جاهز تماماً لحماية حدود إيران المقدسة والحفاظ على مصالح البلاد الاستراتيجية.
وأكد اللواء صالحي: المنتسبون للجيش ودون النظر للاتفاقات أو عدم الاتفاقات على الساحة الدولية، لا يعرفون خياراً سوى العزة، وهم مستعدون في أية ظروف لخلق ملاحم خالدة مرة أخرى.

 

الأحد, 19 نيسان/أبريل 2015 05:50

إسلام أبي طالب (22)

المقال السابق تعرض للحديث عن تضحيات أبي طالب (رضوان الله عليه) نؤكد هنا أن أبا طالب توفي وقلبه مملوء بالإيمان، ولا شك عندنا أن الرجل قد أسلم بقلبه ولسانه وعمله، منذ الشهور الأولى لبعثة النبي (ص)، ولكنه كان يكتم إسلامه لاعتبارات تتعلق بحماية الدعوة وحركتها.

والنصوص الواردة عن أهل البيت (عليهم السلام) في إسلام أبي طالب وإيمانه كثيرة جداً. وقد ألفّ العلماء كتباً عديدة عن إسلامه وتصديقه بالرسالة الإسلامية وصل عددها إلى أكثر من ثلاثين كتاباً. ومما يدل على إيمان أبي طالب وإسلامه :

أولاً : تلك النصوص الواردة عن أئمة أهل البيت (ع)، والتي منها ما ورد عن الإمام الباقر (ص) :"لو وضع إيمان أبي طالب في كفة وإيمان الخلق في كفة أخرى لرجح إيمانه".

ثانياً: لقد كان إسلام أبي طالب في عهد رسول الله من المسلمات التي يعرفها الصحابة الكرام.

ثالثا : لقد ناصر أبو طالب رسول الله (ص) ووقف إلى جانبه في مواجهة المشركين وتحمّل في سبيل الدعوة الام والصعاب، وضحى بمكانته وعلاقاته وحتى بأولاده. وكان على استعداد لخوض حرب طاحنة في سبيل حماية الرسول (ص) والإسلام.

فلو لم يكن مؤمنا برسالة النبي (ص) فلماذا يتحمل كل هذه التضحيات؟!.. ولماذا لم نسمع عته كلمة عتاب أو تذمر مما حصل بسبب دعوة النبي (ص). كما أننا نجد أبا طالب في مواقف أخرى كيف أنه يدفع أولاده إلى الصلاة إلى جانب النبي (ص) ويأمرهم ويأمر زوجته بالاستجابة لدعوة الرسول ويقول لهم:" إن محمداً لا يدعوكم إلا إلى خير". ثم يبعث فيهم العزيمة والتصميم على المضي في طريق الاسلام، وكيف أنه كان يأمر بني هاشم جميعا ويدعوهم إلى الدفاع عن الرسول والدعوة، ويوصيهم وهو على فراش الموت باتباع رسول الله وعدم التخلي عنه مهما كان حجم التحديات والتضحيات. فيقول لهم :"لم تزالوا بخير ما سمعتم من محمد واتبعتم أمره. فاتبعوه وأعينوه ترشدوا". فهل يتصور بعد كل هذه المواقف من أبي طالب أن يكون مشركاً؟!.. وهل يتصور في حق أحد من الناس تبني فكرة الشرك ومبدأ الكفر ثم هو في الوقت نفسه يدافع ويناصر أعداء فكرته ومبدئه ودينه بكل قوة؟!.. ثم يدعو الناس إلى ترك ما يؤمنون به وأن يقتنعوا به هو؟!..

رابعاً : إن تصريحات أبي طالب وأقواله كلها تدل على إيمانه وإسلامه، وعلى التزامه بكل ما أنزل على رسول الله (ص). ويكفي ذكر نموذج من أشعاره المتواترة التي يقرّ فيها بشكل واضح بنبوة محمد ورسالته. ومن ذلك قوله في قصيدته التي نظمها أثناء محاصرة قريش للمسلمين في شعب أبي طالب :

ألم تعلموا أنّا وجدنا محمداً          نبياً كموسى خط في أول الكتب

أنت الرسول رسول الله نعلمه      عليك نزّل من ذي العزة الكتب

خامساً : نجد استغفار النبي (ص) لأبي طالب باستمرار وترحمه عليه وجزعه عليه عند موته، حتى قال عند وفاة أبي طالب ووفاة السيدة خديجة :"اجتمعت على هذه الأمة مصيبتان لا أدي بأيهما أنا أشدّ جزعا".

ومن الواضح أنه لا يصح الاستغفار والترحم إلا على المؤمن والمسلم. وهذا يدل بشكل قاطع على إيمان أبي طالب وإسلامه. والخلاصة، إن إسلام أي شخص إنما يستفاد من أمور أربعة.

الأول هو من مواقفه العملية، حيث إنها بلغت الحد الأعلى من الوضوح والدلالة على إخلاصه وتفانيه، في الدفاع عن هذا الدين.

والثاني، هو إقراره واعترافه وتصريحه بالشهادتين. إذ من المعلوم أن أبا طالب قد صرّح بنبوة النبي (ص) وإيمانه وتصديقه برسالته في أشعاره التي أطلقها في مناسبات مختلفة.

وثالثا، هو موقف صاحب الرسالة نفسه من أبي طالب، إذ إن موقف رسول الله (ص) منه كان في غاية الوضوح والبيان، فقد استغفر النبي (ص) له وترحم عليه وأشاد بمواقفه العظيمة وتضحياته في أكثر من مناسبة. وهذا ما يدل على إسلامه وإيمانه.

ورابعاً، هو أخبار المطلعين على أموره وحياته عن قرب مثل أهل بيته، ومن يعيشون معه وحوله. وقلنا إن أهل البيت (ع) أجمعوا على إسلام أبي طالب (رضوان الله عليه) وإيمانه. إذا لا شك في إسلام أبي طالب، ولكنه ظل يكتم هذا الإيمان حتى حاصرتهم قريش في الشعب وأمرت القبائل بمقاطعتهم، عندها لم يعد يخشى من إظهار إيمانه وإسلامه.

وعن اينه أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع) قد قال :"كان والله أبو طالب مؤمناً مسلماً يكتم إيمانه مخافة على بني هاشم أن تنابذها قريش". ونستطيع القول إن سرية إيمان أبي طالب في تلك المرحلة الصعبة من تاريخ الإسلام كانت أمرا ضروريا لا بد منه، حيث إن الدعوة كانت بحاجة إلى شخصية اجتماعية مرموقة وقوبة تدعمها وتقف إلى جانبها وتحافظ على قائدها.

وفي الوقت نفسه تظهر الحياد ولا تكون طرفا في الصراع حتى تستطيع التكلم من موقع القوة، ولتتمكن من مساندة الدعوة والتخفيف من الضغوط الكبيرى عليها. لأجل هذا كله كان أبو طالب يمثل هذا الدور، ولو أنه أظهر إسلامه وإيمانه لما كان له عند المشركين وقريش وجاهة ولا كلمة مؤثرة، ولا كانوا يهابونه ويحترمونه. وعلى العكس من ذلك لو أنه أظهر إسلامه في تلك الفترة لتجرأ المشركون علية ولأسأوا له، وكانت بذلك الدعوة قد فقدت دوره في التخفيف من الضغوط الكبيرة والتحديات التي كان يواجهها النبي (ص) في سبيل الدعوة الإسلامية. وهكذا يتضح أن سرية إسلام أبي طالب إنما كانت أسلوبا في حركة الدعوة وحمايتها.

 

بين عراق ممزق، وسوريا مدمرة، ولبنان قلق، وقضية فلسطينية منسية، وعلى ذلك فقس في اليمن ومصر وليبيا والسودان، يعيش العالم الإسلامي تدميراً ممنهجاً في عبثيته، حيث أضحى القتل والذبح وأكل القلوب، هو من يرسم المستقبل البائس لشعوب المنطقة، وإن تعدّد الأسماء بين تنظيم داعش الإرهابي والكيان الإسرائيلي يبقى الإرهاب واحد.

 ما هو وجه الشبه بين داعش الارهابي والكيان الاسرائيلي؟ هنالك عدّة أسباب تدفعني الى طرح هذا السؤال، الاول يتعلق بطبيعة نشأتهما وتحولهما السريع من مجرد تنظيمات  مسلحة الى شبه دولة، و الثاني يتمثل بالواقع الجغرافي والعسكري، أما الثالث فهو الهدف الذي انيط بهما.

 ايدولوجياً

 كما أن الكيان الاسرائيلي يقوم على ايدولوجية طائفية صارمة في ظل إعتماد السياسة القائمة هناك على التمييز بين اليهود حسب إنتماءاتهم، إضافةً إلى تمييز الصهاينة أنفسهم بين أشكناز وسفارد، إعتمد تنظيم داعش الارهابي على نهج مماثل في تأسيس دولته المزعومة، حيث لم يتم التكفير على أساس طائفي فحسب، بل غدا الإجرام الداعشي لا يستثني حتى التنظيمات التي تقوم على الإيدولوجية نفسها (النصرة على سبيل المثال).

 يدعي الكيان الإسرائيلي أنه ممثل حقيقي ليهود العالم الذين بدأوا ينزعجون من الدولة التي تدعي تمثيلهم دون الحصول على إذن منهم، كما لا يدخروا جهداُ في ادانة كافة الجرائم الإسرائيلية التي كان آخرها العداون على غزة والذي خلف نحو ألفي شهيد من بينهم مئات الاطفال والنساء، وهو نفس الشعور الذي ينتاب المسلمين لما يقوم به تنظيم داعش الارهابي في العراق وسوريا وليبيا. الاصطفاء اليهودي يقابله الاصطفاء الإسلاموي الخلافي لدى التنظيم الإرهابي، نواجه مشروعين متقابلين أرض الميعاد وأرض الخلافة، للأولى أصولية يهودية متطرفة، وللأخرى سلفية تكفيرية متطرفة.

 الاخبار القادمة من قلب الكيان الاسرائيلي، تؤكد  شدة التطابق بين افكار المتطرفيين اليهود وافكار داعش الارهابي، بدءا من نبذ الاخرين وافكارهم وصولا الى فتاوى الحاخامات اليهود بقتل نساء واطفال وشيوخ ورجال "الاغيار" وسبي نسائهم واقتلاع زرعهم وبقر بطون حواملهم، ما لا يبتعد كثيراً عن فتاوى مشايخ داعش من قتل ما اسموهم كفارا والشبيه لمصطلح "الاغيار" لدى اليهود، تلك الفتاوى القائمة ايضا على القتل والسبي والحرق وتقطيع الاوصال واكل الاكباد.

 في هذا السياق، يرى الكاتب العراقي فاضل الربيعي في مقالته «متلازمة الدولة اليهودية والدولة الإسلامية» أن «بقاء وتمدد دولة التنظيم الإرهابي (داعش)، لم يعد مجرد صراع بين الدولة في العراق وجماعة إرهابية متوحشة، لقد بات يرتبط بمشروع ظهور «الدولة اليهودية»؛ أي أن «الدولة الإسلامية في العراق والشام»، هي حاجة أميركية ـ إسرائيلية لتبرير وجود «الدولة اليهودية». وفي مقاربته لقيام الدولة الإسلامية والدولة اليهودية، يلاحظ الربيعي تماثلاً في مضمون إستراتيجية التوحش المؤدية لولادة إسرائيل والتي تؤدي اليوم إلى ولادة نظيرتها الدولة الإسلامية، معتبراً أن «ولادة الدولة الإسلامية تتماثل وتتطابق إلى حد بعيد من حيث الظروف العامة مع ولادة ونشأة إسرائيل. لقد قامت الأولى على أساس إستراتيجية التوحش، أي ممارسة أقصى حدّ ممكن للعنف، وبحيث يبلغ ذروته مع وقوع مجازر مروعة ضد المدنيين العزل بواسطة التطهير الديني (...) وتقوم الثانية أي الدولة الإسلامية اليوم بتطبيق إستراتيجية التوحش الشامل التي طالت كل الأعراق والأديان والمذاهب من دون تمييز، وبدعاوى دينية شديدة التزمت». ويشير الربيعي إلى أن «انسحاب البريطانيين من فلسطين أدى إلى ولادة إسرائيل؛ وأدى الانسحاب الأميركي من العراق، إلى ولادة الدولة الإسلامية في الموصل والرقة قبل أن تتمدد بسرعة إلى غرب العراق وشمال سوريا، ولقد تلازمت هذه الولادة مع ممارسة إستراتيجية في أقصى أمدائها».

 تاريخياً

لم يستطع الفارق التاريخي بين الكيان الإسرائيلي وتنظيم داعش الإرهابي التغلب على كافة المشتركات التي يغذيها بناء ديني وعنفي يتطابق في سياقات عدة، فالظروف التاريخية التي تزامنت مع احتلال فلسطين من قبل العصابات الصهيونية، تلتقي مع حقبة الفوضى والاضطراب التي يمر بها العالم العربي في الزمن الراهن.

استند التنظيم الإرهابي على تطهير الأرض التي استولى عليها تحت ذرائع دينية، فقتل من قتل وشرد المئات، وادَّعى أنه يطبق الشريعة الإسلامية، في موازاة ذلك قامت عصابة الموت الصهيوني «هاغاناه» (كلمة عبرية تعني الدفاع) بقمع انتفاضة العرب الفلسطينيين، وهاجمت المساكن والممتلكات العربية، ونظَّمت المسيرات لاستفزاز المواطنين العرب وإرهابهم، كما ساهمت في عمليات الاستيطان.

 جغرافياً

يعيش كل من الكيان الإسرائيلي وتنظيم داعش الإرهابي حالياً على أرض مسروقة، ويدوسان على الشعوب التي يرونها أقل منهم أو بالأحرى من الدرجة الثانية، ناهيك عن تشارك الطرفان في وجهات النظر الدينية، وإفتخارهم بارتكاب أفظع المجازر. في السياق نفسه يعتبر المشروع الصهيوني مشروع توسعي عنصري استيطاني لايضع حدوداً جغرافية، مملكته المملكة اليهودية من النيل إلى الفرات. كذلك لا يضع التوسع الداعشي حدوداً لجغرافيته، فأرض الله واسعة، وهو يتوعد الدول بالتمدد إليها لتطهيرها من الكفار والطواغيت. وكما اعتبر هرتزل أن إقامة الوطن القومي لليهود يتطلب زيادة عدد المهاجرين، بما يؤدي إلى اتساع رقعة الأرض، دعا أبو بكر البغدادي المسلمين إلى الهجرة لأرض الخلافة.

عسكرياً

 لم يتوقف التشابه عند هذا الحد، فقد استطاع الكيان الإسرائيلي بناء قوة عسكرية له، عبر الاستفادة من خبرات الضباط اليهود الذين شاركوا في الحرب العالمية الاولى والثانية، وقام باستقدامهم، تماما كما فعل تنظيم داعش الإرهابي عندما استقدم ضباطا من القوقاز والشيشان بالاضافة الى الاستعانة بضباط جيش صدام السابق، ولم تكتف بذلك بل استقدمت حتى المقاتلين من كل تلك الاصقاع كما استقدم الكيان الصهيوني كل المقاتلين من دول العالم جميعها.

 في الخلاصة، وكما زُرع الكيان الإسرائيلي في قلب العالم الإسلامي لتهديده وتفتيته، وضع داعش الارهابي  كسكين في خاصرته للغاية ذاتها، فداعش  والكيان الاسرائيلي كيانات إرهابية يمكنها العمل معا، ويوجد بينهم الكثير من القواسم المشتركة، بما في ذلك الطائفية وجرائم الحرب وزعزعة استقرار الدول المجاورة، والعيش على أرض مسروقة، لذلك يجب عليهما الاندماج في كيان واحد، كيان خالص ومناسب للأشخاص الذين يتمتعون بإطلاق النار على الأطفال وقطع الرؤوس وهتك المحرمات، ما يؤكد فعلاً أن تنظيم "داعش الارهابي" والكيان الإسرائيلي وجهان لعملة واحدة.

تعد امريكا من أكثر دول العالم صخباً وضجيجاً بالحديث عن حقوق الإنسان وشعاراته، كما أنها الدولة الأكثر استخداما لورقة حقوق الإنسان في سياستها الخارجية، لكن واقع الحال يحكي انها من الدول الاكثر انتهاكا "لحقوق البشر بدأ" من المجازر بحق الهنود الحمر مرورا "بالقنابل الذرية على اليابان في مدينتي هيروشيما وناجازاكي ابان الحرب العالمية الثانية وصولاً الى التاريخ الناصع السواد في حرب الفيتنام وما تلاها من كل الحروب التي خاضتها وتخوضها واشنطن في العراق وأفغانستان وصولاً الى العنصرية  بحق مواطنيها السود والتي يدمى لها جبين البشرية  فضلاً عن الانتهاكات القائمة على التمييز العنصري ضد العرب والمسلمين.

 أما كل هذا الضجيج والصخب -الأمريكي -حول حقوق الإنسان لم يكن سوى ستارا، أخفى خلفه نزعة التوسع والسيطرة التي طبعت الامبراطورية الأمريكية منذ نشأتها وقيامها فوق تلال من جماجم عشرات الملايين من الهنود الحمر، وهكذا فان حقوق الإنسان كانت هي اللافتة التي اتخذتها الولايات المتحدة ستارا لارتكاب أبشع ممارسات انتهاكات الإنسان في تاريخ البشرية.

  لذا فان اصل قيام هذه الدولة قام على انتهاك حقوق الانسان ضاربة عرض الحائط اقل المعايير الانسانية, وعليه فليس لها الحق بان تتصدى لمشاريع تتعلق بالانسانية, وخاصة في المحافل الدولية كمجلس الامن الذي يعتبر ايضا" من اكبر التجمعات العنصرية على وجه التاريخ.

 وقد دفعت هذه المفارقة الصارخة احد المحللين الى القول بان امريكا أكثر الامبرطوريات دموية في التاريخ.. كانت هي الأكثر وقاحة بين نظيراتها في استخدام حقوق الإنسان كمبرر لتلك الدموية غير المسبوقة. وقريبا من هذا المعني، ذهب المفكر الأمريكي ناعوم شومسكي الى القول "من وجهة النظر القانونية أن هناك ما يكفي من الأدلة لاتهام كل الرؤساء الأمريكيين منذ نهاية الحرب العالمية بأنهم مجرمو حرب، أو على الأقل متورطون بدرجة كبيرة في جرائم حرب".

لم يتوقف السيد الامريكي هنا, بل ذهب اكثر من ذلك عبر دعم الكيان الاسرائيلي باساليب القتل واستخدام الفيتو في المحافل الدولية ضد اي قرار يدين الاجرام الاسرائيلي بحق الفلسطنيين او غيرهم, منذ النكبة وحتى تاريخنا الحاضر الذي تجلى بدفاع جون كيري عن انتهاك حقوق الانسان من قبل اسرائيل والذي قال خلال محادثات مع الصحافيين منذ ايام انه "موقفنا دائما الدفاع عن إسرائيل وحماية مصالح إسرائيل في مجلس حقوق الإنسان".

ومضيفا "اتهامه، مجلس الأمم المتحدة لحقوق الإنسان بالتركيز بشكل غير متناسب على الاتهامات بانتهاكات "إسرائيل" لحقوق الإنسان. وقال كيري في كلمة للمجلس في جنيف، أن سجل مجلس حقوق الإنسان مقلق للغاية بشأن "إسرائيل"، و لا يمكن لأحد في هذه الغرفة إنكار وجود تركيز غير متوازن على دولة ديمقراطية واحدة. وأضاف كيري مدافعاً بشدة عن دولة صهيونية مجرمة "ان اتهام اسرائيل بانتهاك حقوق الانسن قد يقوض مصداقية هذه المنظمة". وأكد كيري، أن أمريكا ستعارض أي محاولة لأي جماعة أو مشارك في نظام الأمم المتحدة لنزع الشرعية عن "إسرائيل" أو عزلها بشكل تعسفي ومنتظم. مضيفا "أن أي تحقيقات مع إسرائيل يجب أن تكون "موضوعية ومحايدة ... وليست متحيزة ومنحازة".

 ووفق احد المسؤولين المرافقين لكيري  فإن أحد بواعث القلق الرئيسية لواشنطن هو تحقيق الأمم المتحدة الذي تجريه في عدوان إسرائيل على غزة ، الذي أدى إلى مقتل 2100 فلسطيني معظمهم من المدنيين. ففي العام الماضي فقط, عارضت امريكا 18 قرارا" للجمعية العامة للامم المتحدة  تدين  الكيان الاسرائيلي بانتهاكه حقوق الانسان, بالاضافة 5 قرارات لمجلس الامن استخدمت فيهم الفيتو..

هذا خارج امريكا اما بالنسبة للداخل فحدث ولا حرج من العنصرية اتجاه المواطنين السود, ففي بيان واضح اعترفت وزارة العدل الأمريكية إن السلطات وشرطة مدينة فيرغسون قامتا بانتهاك حقوق سكان ذوي أصول إفريقية، وفي التقرير الذي نشرته الوزارة أقرت بأن رجال شرطة فيرغسون قاموا مرارا باستخدام القوة المفرطة ضد الأمريكيين من أصول إفريقية، إضافة عن ترديدهم نكات ذات طابع عنصري، بما في ذلك تبادل الرسائل الإلكترونية.

اضافة الى ذلك, التقرير الحكومي الذي نشرته صحيفة " نيويورك تايمز" كشف أن 93% من المعتقلين في فيرغسون في الفترة بين عامي 2012 و2014 كانوا من السود. وكانت مدينة فيرغسون الأمريكية التي يعتبر السود نسبة 67% من سكانها، قد شهدت احتجاجات حاشدة ضد قسوة الشرطة والتمييز العنصري على خلفية قتل شاب أعزل من أصول إفريقية يدعى مايكل براون في آب / أغسطس الماضي، وتجددت الاحتجاجات في فيرغسون وعدد من المدن الأمريكية الأخرى في تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي عقب قرار هيئة المحلفين عدم إحالة دارين ويلسون، وهو الشرطي المتهم بإطلاق النار على براون، إلى المحكمة.

 وعطفا" على ماسبق, فبحسب تقرير لمنظمة العفو الدولية صدر في السادس والعشرين من الشهر الماضي، فان الشرطة الامريكية استخدمت قنابل غاز محرمة دوليا في مواجهة الاحتجاجات الشعبية على عدم مقاضاة الشرطي الابيض. كما شكك التقرير فيما اذا كانت السلطات الامريكية المنوط بها تنفيذ القانون قامت بواجبها على الوجه الصحيح، في اشارة الى ان اعتبارات عنصرية تدخلت في هذه القضية.وغني عن البيان ان حادث قتل مواطن اسود ثم عدم مقاضاة قاتله الابيض، لن يبدو اكثر من نقطة في بحر، اذا اردنا ان نتعرض الى تفاصيل السجل الامريكي في انتهاكات حقوق الانسان، سواء محليا او دوليا. الا ان معطيات سياسية في الاساس تمنح امريكا وضعا استثنائيا يتمثل في حصانة من المحاسبة على ما ارتكبته من جرائم كبرى ضد الانسانية.

 وفي سياق متصل, ومن اجل وضع النقاط على الحروف وفي انتقاد مقنع لامريكا وحلفائها، اتهم وزير الخارجية الايراني محمد جواد ظريف تلك الدول باستغلال حقوق الانسان “لاخفاء مخططات اجتماعية وسياسية واستراتيجية واسعة لتغيير المنطقة وتقويض حكومات اعتبرت غير صديقة”.

ان ما يحكم السياسات الامريكة هو الغريزة العنصرية التي تتحكم بهم بشكل باطني, وعلى هذه الغريزة تترجم افعالهم اللانسانية, والاكثر غرابة انتقاضها للحكومات التي يتعرض جزء من مواطنينها لاقل الممارسات العنصرية الشبيهة لامريكا فهل يمكن ان نتخيل الموقف الامريكي اذا قتلت الشرطة في اي بلد عربي نصف العدد الذي قتلته الشرطة الامريكية من متظاهري فيرغسون.

 وعادة ما ترد الخارجية الامريكية بغضب شديد اذا حاول احد تذكيرها بأن تهتم اولا بادائها في حقوق الانسان، ومثال ذلك الازمة الدبلوماسية التي نتجت عن بيان للخارجية المصرية ادان مقتل المواطن الاسود وطالب واشنطن بضبط النفس. وانه لامر مؤسف ان تستمر الانتهاكات لحقوق المواطنين السود في امريكا، في عهد اول رئيس اسود، وهو من كان يفترض ان يصنع فرقا في هذا الملف على الاقل.

ولعل العرب والمسلمين الذين وعدهم اوباما في بداية عهده بصفحة جديدة في العلاقة مع امريكا، بما في ذلك تسوية عادلة للقضية الفلسطينية، يجدون عزاء الان في ان اوباما لم يخيب امالهم وحدهم، بل وحتى ابناء جلدته من الامريكيين ايضا. لكنهم مطالبون قبل ذلك بأن يرفضوا الاستماع الى محاضرات واشنطن ودروسها في حقوق الانسان التي عادة ما تكون غطاء للتدخل في شؤونهم دفاعا عن مصالح، وليس عن مبادئ او اخلاق ينطبق عليها القول «فاقد الشيء لا يعطيه».

العالم البوذي الهندي "شایلاندرا سینغ" اعتنق الدین الإسلامي بعد الدراسة والبحث حول هذا الدین الإلهي وأتباعه، واختار لنفسه إسم "علي" نتیجة تأثره بالإمام علي بن أبی طالب (ع). و"شایلاندرا سینغ "یبلغ من العمر 33 عاماً وأکمل دراسته الجامعیة الأولی في الهند، وکان سینغ، توجه قبل إسلامه إلى مالیزیا، بعد تخرجه من الجامعة، لتلقی الدراسات العلیا في الجامعات المالیزیة، حیث تأثر بثقافة المسلمین هناک، وبدأ رحلة البحث في الدین الإسلامي، ثم انتقل إلى ترکیا لإکمال مرحلة الدکتوراة، حیث اتخذ قراره بدخول الإسلام. وزار سینغ الذی یتلقی تعلیمه في جامعة "کوجا تیبیه"، مسجد أحمد حمدي أکساکي، قرب رئاسة الشؤون الدینیة، إّذ تأثر بالأجواء الدینیة التي تغمر المسجد، واعتنق الإسلام بعدها، واختار لنفسه اسم "علي". وأقر "سینغ" أن والدته غضبت منه بسبب ترکه البوذیة واعتناقه الإسلام، مبیناً أن إسلامه جاء بعد تأثره بأصدقائه المسلمین من العرب الذین تعرّف علیهم في مالیزیا، مبیناً أنه اکتشف وجود نقص في حیاته، عندما کان یراهم یقیمون العبادات، وأنه انتبه لبعده عن الله، وبناءً علیه بدأ البحث عبر الإنترنت، واستمع إلى الکثیر من دروس الوعظ الدینیة. وأوضح سینغ أنه واصل البحث، عقب قدومه إلى ترکیا، وتأثر بالروح الدینیة في مسجد أحمد حمدي أکسکي عند زیارته، مؤکداً أنه قرر حینها اعتناق الإسلام. واختار سینغ لنفسه اسم "علي"، نتیجة تأثره بالإمام علی بن أبی طالب(ع)، بعدما قرأ سیرة حیاته، لافتًا أنه قام بالبحث في علوم الدین الإسلامي، من أجل ملء السنوات العشر التي قضاها في فراغ عقدي، مبینًا أنه بدأ الآن ملء هذا الفراغ بقراءة ترجمة القرآن الکریم.

 

عثر علماء في ألمانيا على نسخة من القرآن الكريم تعود إلى القرن السابع الميلادي، وكانت قد وصلت إلى مكتبة جامعة «توبينغن» في العام 1864، ويُعتقد أنها خُطت بعد وفاة الرسول محمد(ص) بحوالي 20 إلى 40 عاماً. وذكرت جامعة «توبينغن» الألمانية أمس الأول ان النسخة الموجودة في مكتبة الجامعة «أقدم مما كان العلماء يعتقدون عند اكتشافها»، حيث اعتقدوا بداية أنها كُتبت في القرن الثامن أو التاسع الميلادي، إلا أنهم أصبحوا يرجحون الآن أنها تعود إلى فترة صدر الإسلام.

وفحصت عينات من المخطوطة خلال مشروع بحثي عالمي، يحـاول الباحثون خلاله تتبع تاريخ كتـابة القرآن على وجه الدقة. وأوضحت متحدثة باسم الجامعة أن مخطوطة المصحف التي عثر عليها «كتبت بالخط الكوفي»، وهو أحد أقدم خطوط اللغة العربية، مشيرة إلى أنه «من الممكن مبدئياً معرفة عمر نصوص القرآن من خلال دراسة خصوصيات المخطوطة، والاستعانة في الوقت ذاته بالطرق الفيزيائية، للتحقق من مدى مطابقة النتائج». وقالت المتحدثة باسم الجامعة «نعتقد بأن هذه المخطوطة هي الأقدم لدينا».وكانت هذه النسخة من القرآن وصلت إلى مكتبة الجامعة في العام 1864، عندما اشترت جزءاً من مجموعة الكتب الخاصة بالقنصل البروسي يوهان غوتفريد فيتس شتاين.

 

السبت, 18 نيسان/أبريل 2015 03:02

"إسرائيل" تضلّل الحجاج المسيحيين

يفضح فيلم «الحجّ المحرّم» الوثائقي للمخرج والمؤلف الموسيقي الفلسطيني أحمد ضامن، تضليل إسرائيل الحجاج المسيحيين الآتين لزيارة الأراضي المقدسة من كل بقاع العالم، والذين يصل عددهم إلى أكثر من مليوني مسيحي. والفيلم يستقصي بشكل درامي– وثائقي كيف ترسم وزارة السياحة الإسرائيلية بالتعاون مع شركات السياحة الإسرائيلية خططاً سياسية واقتصادية عنصرية للترويج لزيارة «مسارات الحج المسيحي» في فلسطين المحتلة عبر العالم، وكيف ترسم مساراً يمنع السائح/ الحاج من التواصل مع أي من السكان الفلسطينيين في بيت لحم والقدس والناصرة، وكيف تضلّلهم بتحديد أماكن الزيارة التي تريدها هي وتخدم مصالحها. وعبر مقابلات مع رجال دين مسيحيين فلسطينيين، وصاحب شركة سياحة وسفر من بيت لحم، ورجل دين بريطاني زار الأراضي المقدسة مع إحدى الشركات الإسرائيلية، يكشف الفيلم كيف تزرع إسرائيل الرعب في نفوس هؤلاء الحجاج خوفاً من نشوء علاقة ولو قصيرة جداً مع سكان البلد الأصليين وأصحاب الأرض، وخوفاً من إخبارهم عن «إنجازات» الدولة الإسرائيلية بحق أصحاب الحق. ويكشف نوعاً جديداً من اضطهاد المسيحيين في القرن الحادي والعشرين في مهد المسيح، ويحاول مقارنته مع فترة الاضطهادات الأعنف في القرن الثاني الميلادي ضد المسيحيين الأوائل. وهنا يلعب المخرج لعبة ذكية باختياره البدء بمشاهد تمثيلية لأوريغانوس، أو أوريغون، أحد آباء الكنيسة في الجبال والصحراء الفلسطينية، حيث هرب وتعقّب خُطى المسيح مقاوماً كل أنواع التعذيب والعنف المعنوية والجسدية، ووصل به الأمر الى الصلاة بالأقبية وفي الخفاء حتى وافته المنية. ومن هذا الباب الدرامي التاريخي يدخل أحمد ضامن إلى التاريخ الحديث والشكل الجديد للاضطهاد، غامزاً الى أن محاربة اليهود للمسيحيين بدأت منذ فجر التاريخ وليست مسألة جديدة. من بيت لحم يطلّ فادي قطان صاحب إحدى الشركات السياحية ليُخبرنا أن دولة الاحتلال «تمثّل» أنها تسمح بممارسة الشعائر الدينية وأنها دولة ديموقراطية، لكنها تمنع المسيحيين الفلسطينيين من زيارة الأماكن المقدسة. و «في حال سمحت للبعض منهم بالدخول في فترة الأعياد المسيحية، تتقصّد «نسيان» إعطاء أذون للأم مثلاً التي من المفروض أنها ستأتي برفقة عائلتها كلها. ومن المعروف أن العائلة أمر مقدس في المسيحية وأن الأعياد ومثل هذه الزيارات تتم بوجود شمل عائلي، لذا عندما لا يعطون إذناً لأحد أفراد العائلة الواحدة، فهم إما ينغّصون على العائلة زيارتها وعيدها، أو يمنعون الجميع من دخول الأراضي المقدسة بطريقة غير مباشرة، وهذا -وفق الفيلم- يدخل في الاضطهاد المعنوي.

ومن بيت لحم والناصرة والقدس وجنين وغيرها، يأخذ صاحب الفيلم آراء مطارنة ورجال دين بحرمان أهل البلد من هذه الزيارات، فيسجلون اعتراضهم الساخط، لكن ما يدلي به الأب البريطاني الدكتور ستيفن سايرز، مؤلف كتابَي «خطى المسيح والحواريين» و»المسيحية الصهيونية»، هو ما يؤجّج الغضب الأعرم في نفوس أي مشاهد، إذ يقول سايرز: «تستغل وزارة السياحة الإسرائيلية المناطق الفلسطينية للتنقيب، لأهمية مواقعها الأثرية والتاريخية في الكتاب المقدس، وتُظهر خرائط لا تظهر الحدود الدولية أو الخط الأخضر، وتعتبر أن الجولان والضفة الغربية هما جزء من إسرائيل». ويدعّم أحمد ضامن هذا الكلام بإعلان مصوّر لوزارة السياحة الإسرائيلية يعرض في كثير من بلدان العالم بعنوان «إسرائيل... رحلة حميمة إلى الأرض المقدسة». ويقول الإعلان حرفياً: «إسرائيل المكان الوحيد في العالم الذي تستطيع فيه تتبّع خُطى المسيح. جميع الحقوق الدينية لكل المعتقدات محمية في سائر البلاد. القدس أيضاً تولد من جديد كعاصمة دولة إسرائيل الديموقراطية». وقد قصد ضامن عرض هذا الإعلان كاملاً، ليؤكد أن إسرائيل لديها أجندة لإبراز رواية إسرائيلية حول الأرض المقدسة، وليُبرهن كيف تتضمن رحلات الحجاج زيارة مواقع مرتبطة بالتاريخ الإسرائيلي إضافة الى مناطق تؤكد حاجة إسرائيل للأرض، بحجة الأمن، وبالتالي تمسكها بأراض سرقت من الفلسطينيين. وهذا الأمر الذي أكده د. سايرز، يدعّمه ضامن بمواد أرشيفية غنية ومتنوعة مختارة بعناية ومواد فنية، مثل الغرافيك والموسيقى التي ألّفها بنفسه وتحفر على الوتر الحساس. ما يجعل المشاهد يتساءل: لمَ يسكت الفاتيكان عن تشويه مسار المسيح وتضليل أبناء الكنيسة؟ ولماذا لا يتطرق الإعلام لهذه القضية وقد أفرد الفيلم مساحة جيّدة لمدينة الناصرة، التي يستثنيها الإسرائيليون من زيارة المقدسات أو يقصرون زيارتها على 45 دقيقة، في حين أن المدينة ذات قدسية مهمة في الديانة المسيحية، حيث بشّر جبريل السيدة مريم بولادة المسيح، الذي أمضى فيها طفولته. وذلك خوفاً من أي تواصل بين الزوار الأجانب والعرب في المدينة. في المقابل يؤكد د. سايرز أنه عندما يذهب الحجاج الى متحف المحرقة الذي تضعه وزارة السياحة وشركاتها الإسرائيلية على «مسارات الحج» المزعومة، «يقول المرشد الإسرائيلي: انظروا ماذا فعل الألمان باليهود... أتُدركون لماذا نحتاج الأمن؟». ويضيف الأب والمؤرخ: «عادة تكون هذه الزيارة في اليوم الأول من رحلة الحج، حتى يتعرض الحجاج لصدمة ويصمتون عن انتقاد إسرائيل». ثم يكشف د. سايرز أن المرشدين الإسرائيليين في القدس يوزّعون قصاصات لمَن يسأل عن الفلسطينيين يكتب عليها اقتباس لغولدا مائير تقول فيه: «الفلسطينيون غير موجودين. هؤلاء عرب يمكنهم العيش في أي مكان آخر»... «الحج المحرّم» غني بالمعلومات والأحداث والصور حول هذا الموضوع وغني بالشهادات، ناهيك بأن نوتات العود وأنغام الموسيقى التي كتبها ضامن من قلب موجوع وصوت يتألم على تاريخ وحضارة عظيمين، هي الأجمل في الفيلم. ولا ننسى أن هذا الشاب يبدو مهووساً بالموسيقى، وخصوصاً العود، منذ الثانية عشرة من عمره، وألّف موسيقى تصويرية لأكثر من 12 فيلماً وثائقياً ودرامياً. كما حاز فيلمه الأول «الحجر الأحمر» اهتمام النقاد والمهرجانات الدولية، وحاز ثناء من لجنة تحكيم مهرجان «تورنتو فلسطين الدولي»، كما مثّل فلسطين في مهرجانات دولية، منها روتردام وإسطنبول. والحال أن ما ينقص الفيلم أن ينزل إلى الشارع متتبّعاً الحجاج العرب والأجانب وهم يمارسون شعائرهم، لنعرف آراءهم وما إذا كانوا يدركون أو يشكّون بما تمارسه عليهم شركات السياحة والوزارة من تضليل واضطهاد؟ كما كان في وسع الفيلم أن يقتصر على موضوع الحجّ حصراً دون التطرق إلى مسألة اضطهاد رجال الدين والكنائس، لكونه أمراً شبه يومي في إسرائيل، ولأنه لم يغن الموضوع الأساسي، بل شتّت الفيلم لدقائق، ولو معدودة.

 

الأربعاء, 15 نيسان/أبريل 2015 07:18

الهند بين العرب وإسرائيل

تعتبر الهند من أهم الدول نمواً اقتصادياً، فهي القوة الاقتصادية الثالثة عالمياً من حيت القدرة الشرائية. يبلغ عدد سكانها نحو ١.٣ مليار نسمة ما يجعلها ثاني أكبر الدول كثافة بعد الصين، هذان البعدان الاقتصادي والديمغرافي يسمحان لها بتأثير سياسي كبير في العالم. الهند المتشبثة بحضارتها وهويتها ترفض كل أشكال الاستعمار، فتميزت سياستها الخارجية بمنهج قومي راديكالي منذ الاستقلال عام 1947.

وقد جمعها مع الدول العربية المستقلة حديثاً السعي الدائم للاستقلال ودعم السياسات والحركات المعادية للاستعمار والإمبريالية. تجلى ذلك بكل وضوح من خلال التنسيق مع الرئيس الراحل جمال عبد الناصر في عهد الزعيم الهندي جواهر لال نهرو، وتأسيس حركة عدم الانحياز بغية مساعدة الدول المستعمرة على تحقيق استقلالها الذاتي وتقرير مصيرها واحترام سيادتها.

هذه المبادئ المؤسسة والتقارب مع العرب، دفعا الهند الى رفض الاعتراف بإسرائيل، كما ان انديرا غاندي كانت في طليعة المعترفين بمنظمة التحرير الفلسطينية ودعمتها واعتبرتها الممثل الشرعي للشعب الفلسطيني. لكن سياسة الهند التي تقاربت كثيراً مع العرب منذ منتصف خمسينيات القرن الماضي، شهدت انتكاسات متتالية منذ التسعينيات وذلك بسبب عدم إيلاء العرب الأهمية الفعلية لهذا الدول المرشحة لأن تصبح الدولة الاقتصادية الأولى في العالم، كما ان حل الجمهورية العربية المتحدة وتراجع الحركات والمنظمات القومية العربية وقيام منظمة التعاون الإسلامي عام 1969، أسباب باعدت بين الهند والعرب خصوصاً في ظل تنامي الحركات الإسلامية المتطرفة. وجاءت معاهدة كامب ديفيد ثم مؤتمر مدريد للسلام فالمعاهدات العربية الإسرائيلية لتزيل من أمام الهند كل عائق للتطبيع مع إسرائيل...
برز التناقض جلياً في السنوات اللاحقة بين الهند ذات النظام الجمهوري الديمقراطية والمبادئ الاشتراكية والعلمانية، وبين دول ثيوقراطية ترتكز إلى الشريعة الدينية والشمولية السياسية. ووجدت الهند أن دولة عربية كبيرة هي المملكة العربية السعودية تذهب بعيداً في دعم باكستان، ما شجع حركات إسلامية متطرفة على التحرك اكثر في الداخل الهندي. عزز ذلك شعور نيودلهي بأن التقارب مع إسرائيل قد يكون اكثر فائدة لها، خصوصاً في صراعها مع باكستان لا سيما وأن إسرائيل دعمتها في قضية كشمير وعقدت معها اتفاقيات عسكرية وتقنية واقتصادية استراتيجية بالغة الأهمية. ووصل الامر الى تبادل الخبرات العسكرية وتدريب مشترك لتصبح الهند اليوم أول المستهلكين للمعدات العسكرية الإسرائيلية المتطورة. ومؤخراً أبرم البلدان اتفاقاً اقتصادياً يمكن الهند من الاستفادة من التكنولوجيا الإسرائيلية في القطاع الصناعي في مقابل أن تفتح هذه الأخيرة اسواقها المحلية للاستثمارات الإسرائيلية، حيث بلغ حجم التبادل التجاري لعام ٢٠١٢ ما يقرب من الـ ٦ بليون دولار أميركي.
بالرغم من ذلك فإن الهند التي طورت سياستها الخارجية حيال اميركا وانفتحت على محاولات التقرب الأميركي منها، نحت صوب عقلانية أكثر في إعادة العلاقات جيدة مع الدول العربية، خصوصاً بعدما شعرت ان تقارب السعودية مع باكستان قد يكون ذا اهداف إيرانية اكثر من أي شيء آخر. بدا ذلك واضحاً في خلال موقف باكستان الأخير بمساندة السعودية في اليمن. كان من نتيجة ذلك ان الملك السعودي الراحل عبدالله بن عبدالعزيز قام بأول زيارة الى نيودلهي عام ٢٠٠٦ بعد خمسين عاماً من تجميد العلاقات بين البلدين. ارتكزت العلاقات المستجدة إلى المصالح الاقتصادية والتجارية المشتركة، خصوصاً أن المملكة هي المورد النفطي الأساسي للهند إضافة إلى الحجم الكبير لليد العاملة الهندية في السعودية والخليج، وتقول الاحصائيات إن أكثر من ١.٤ مليون هندي يعملون في السعودية وحدها وأكثر من ٦ مليون في العالم العربي. يساهم هؤلاء في تدفق أكثر من ٣٥ بليون دولار سنوياً إلى الداخل الهندي. هذا الواقع دفع بالهند إلى اعادة النظر بعلاقتها مع العرب، والتروي وتخطي الكثير من العقبات رغم تعارض المصالح وابتعاد الأفكار. في الخلاصة، قادت سياسة العرب غير المسؤولة إلى ابعاد الهند ورميها في الحضن الإسرائيلي بعد ان أجبرتها هذه السياسة على التخلي عن صراعها المبدئي ضد الاستعمار وإعادة النظر بعلاقتها مع الغرب خصوصاً بعد انهيار الاتحاد السوفياتي، حيث حقق لها هذا التقارب الكثير من المكاسب بعد ان تحولت علاقتها مع العرب إلى خطر حقيقي يهدد أمنها القومي.

ساره صفا - باحثة لبنانية ــ باريس

احتلت منظومة «أس 300» التي ستسلمها روسيا لإيران صدارة الاعلام العبري. فتزوّد إيران بوسائل دفاعية متطورة لا يعني فقط إنهاء قدرة التهديد الإسرائيلية لطهران، بل ما هو أخطر: «قطار صفقات» دولية لمصلحة إيران، وإطلاق يدها في المنطقة.

خطوة تل أبيب الأولى خارج إطار «الصراخ» الكلامي جاءت بمبادرة من رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، الذي بادر إلى الاتصال بالرئيس الروسي فلاديمير بوتن، معرباً له عن استيائه وإسرائيل من قرار تزويد إيران بمنظومة صواريخ «أس 300».
ونقل عن نتنياهو قوله إن «هذه الخطوة ستزيد فقط من عدوانية إيران في المنطقة، وستقوّض الأمن في الشرق الأوسط».
ولفتت وسائل الاعلام العبرية إلى أن رد الفعل الروسي كان «بارداً»، وبحسب تعبير موقع صحيفة «يديعوت أحرونوت»، فإن البيان الصادر عن الكرملن حول المحادثة الهاتفية بين الجانبين جاء عاماً جداً، مشدداً على ما سمّاه «عرض وجهات النظر»، العبارة التي تعني أنهما لم يتوصلا إلى اتفاق حول هذه المسألة، خاصة أن البيان الروسي كشف ردّ بوتن على استياء نتنياهو وتأكيده أن منظومة «أس 300» ليست إلا «منظومة دفاعية ولا تشكل خطراً على أي بلد في المنطقة، بما يشمل إسرائيل».

بدوره، أعرب وزير الأمن، موشيه يعلون، عن قلقه الشديد من الخطوة الروسية، وأمل أن تتيح الفترة المقبلة إمكان إصلاحها، محذراً من أن خطوة كهذه تعدّ سيئة جداً لإسرائيل وللمنطقة، لأن «إيران تواصل التسلح والتسليح لكل من هم في محيطنا».

وأكد يعلون أن «هذه الصفقة التي وقّعت بين الدولتين (إيران وروسيا) هي نتيجة مباشرة لاتفاق الإطار بين إيران والدول الكبرى»، لافتاً إلى أن «إيران تسلح حزب الله في الشمال، وتدعم القتال في سوريا، وتنقل السلاح إلى مناطقنا بهدف فتح جبهة في الجولان. وكل ذلك يعكس النيات الإيرانية... وهذا الأمر مقلق جداً، وأنا آمل أن يكون الوقت لا يزال متاحاً لإعادة إصلاحه في الأشهر المقبلة».
وفي ردّ على الطريقة الشرق أوسطية، أعربت محافل أمنية إسرائيلية لموقع صحيفة «معاريف» عن تقديرها أن إسرائيل ستعمد بالفعل إلى تزويد أوكرانيا وجورجيا بأسلحة، رداً على إعلان روسيا أنها رفعت الحظر عن صفقة «أس 300» لإيران، مشيرةً إلى أن الأسلحة المنوي تزويد كييف وتبليسي بها هي صفقات كانت إسرائيل جمّدتها جراء اتفاق متبادل قبل سنوات مع روسيا، تمتنع بموجبه موسكو عن تزويد طهران ودمشق بأسلحة متطورة.
والأمل بإمكان إصلاح الخطوة الروسية، كما عبّر يعلون، لم ينعكس في الاعلام العبري أمس، الذي تعامل مع الخطوة الروسية وكأن الصفقة أبرمت وجرى بالفعل تسليم المنظومة لإيران، إذ ركزت وسائل الاعلام الإسرائيلية على نعي قدرة تل أبيب، بل وأيضاً واشنطن، على مهاجمة المنشآت النووية الإيرانية في المستقبل، وحذرت من تداعيات الصفقة على ميزان القوى في المنطقة، الذي بات يميل لمصلحة الإيرانيين، بعد أن أقدمت موسكو على كسر الباب المغلق أمامهم باتجاه العالم، حتى قبل توقيع الاتفاق النووي معها.
وأشارت صحيفة «معاريف» إلى أن القرار الروسي فاجأ إسرائيل وفاجأ أيضاً الولايات المتحدة، لافتةً إلى أن خطوة موسكو تنطوي على أربع خلاصات يجب الوقوف عندها: إنها خطوة أولى من شأنها أن تفكك نظام العقوبات القائم على إيران قبل توقيع الاتفاق النووي معها. وإنها خطوة تصعب كثيراً القدرة الإسرائيلية والأميركية على شنّ هجوم جوي على منشآت إيران النووية، إن لم تجعل منها مهمة مستحيلة. كذلك إنها تشير إلى أن روسيا غير مستعدة لخسارة إيران التي تنظر إليها باعتبارها ذخراً لها في الشرق الأوسط. وأخيراً الخطوة الروسية تؤكد من جديد أنه رغم السياسة التصالحية لتل أبيب تجاه موسكو، إلا أن التأثير الإسرائيلي لا يزال هامشياً بالنسبة إلى الروس في ما يتعلق بإيران.
صحيفة «يديعوت أحرونوت» أشارت إلى ضرورة التريث وانتظار التوضيح الروسي حول أي طراز من منظومة «أس 300» تنوي بالفعل تزويد إيران بها، رغم تأكيد الصحيفة أن أي نوع من هذه المنظومة سيحدّ من قدرة الخيارات الإسرائيلية على شنّ هجوم ضد إيران. وبحسب الصحيفة، يوجد تقدير بأن الأزمة الروسية في أوكرانيا هي الدافع الأساسي وراء هذه الصفقة، و«هناك من يرى أن القرار غير نهائي ويهدف فقط إلى فحص ردود فعل الغرب وبثّ رسالة تهديد على خلفية الوضع في أوكرانيا»، علماً بأنه بالنسبة إلى إسرائيل، تؤكد الصحيفة، فإن القرار الروسي يعدّ بداية انهيار نظام العقوبات والقيود المفروضة على إيران.
ونقلت الصحيفة عن مصادر في المؤسسة الأمنية الإسرائيلية خشيتها من إمكان أن يؤدي الاتفاق النووي مع طهران إلى سباق تسلح إيراني، إذ من شأن الاتفاق أن يفتح الباب العريض أمام الشركات الغربية للقيام بخطوات مماثلة للخطوة الروسية، وذلك في مجالات حساسة أخرى، كما هي الحال في مجال السايبر والتكنولوجيا المتطورة والأسلحة الدقيقة.
بدورها، وصفت صحيفة «هآرتس» «انتقال» صواريخ «أس 300» إلى إيران بـ«العائق المقلق» أمام أي هجوم مستقبلي على المنشآت النووية الإيرانية، الذي يبدو مع هذه المنظومة وكأنه غير واقعي. وأشارت الصحيفة إلى أن من شأن المنظومة الروسية أن تحسّن من وضع إيران بصورة جوهرية بعد أقل من أسبوعين على اتفاق الاطار في لوزان، «فالإيرانيون بدأوا بالفعل يتمتعون بثمار الاتفاقات التي لم تبرم بعد، وفوائد رفع العقوبات التي لم ترفع بعد».
وأكدت القناة العاشرة العبرية في نشرتها الإخبارية المركزية، أمس، أن تزويد إيران بمنظومة «أس 300» لا يقاس فقط بمدلولاته المادية الدفاعية وعملية تصعيب أي هجوم جوي ضد منشآتها النووية، بل بالقيمة المطلقة للخطوة الروسية التي قامت بكسر نظام العقوبات قبل رفعها، الأمر الذي سيليه «قطار» من الصفقات المشابهة من قبل دول في العالم تصطف لبدء العمل مع الإيرانيين، في مختلف المجالات التي تنص العقوبات الدولية عليها.

الأخبار