
Super User
التراكم الرأسمالي: الانزياح جنوباً
من المبكر الحديث عن تغيرات وشيكة في حركة الرساميل الدولية، فالتركّز الشديد لا يزال باتجاه الغرب والدول الرأسمالية في أوروبا وأميركا، إلا أن الأزمات التي تمرّ بها اقتصادات هذه الدول (وخصوصاً منطقة اليورو) بدأت تدفع باتجاه البحث عن مراكز جديدة للاستثمار و»توظيف الأموال». البنك الآسيوي للاستثمار في البنى التحتية (وهو بنك أسّسته الصين للحدّ من سيطرة الولايات المتحدة واليابان على أسواق آسيا عبر ذراعهما الاقتصادي المسمّى بنك التنمية الآسيوي) هو أحد هذه المشاريع والتعويل عليه ينبع من تركيزه على الاقتصاد الحقيقي، إذ إن الأموال التي «توظّف فيه» لا تذهب لشراء سندات دين لا يعرف إن كانت ستُسَدّد أم لا، وبالتالي «عوائده» ستكون «مضمونة» بالنسبة إلى الدول المساهمة فيه، وهذا أمر أساسي في ظلّ عدم رغبة تلك الدول بالمزيد من التعويل على الفقاعات المالية التي أدخلتها ولما تزل في أزمات بنيوية.
البنك يشبه من حيث آلية عمله البنوك الدولية الأخرى التي تموّل عمليات الإقراض للاقتصادات النامية والضعيفة، ولكنه من حيث الموقع الذي يشغله يعبّر عن انزياح حقيقي للكتلة المالية الدولية الباحثة عن أسواق جديدة. فالبنك الدولي مثلاً يتركّز عمله على أسواق شبيهة بالأسواق الآسيوية التي ينوي البنك الصيني الوليد التوسّع من خلالها غير انه يفعل ذلك - أي البنك الدولي- انطلاقاً من الأولويات التي تضعها الغالبية المسيطرة عليه، وبما أنّ هذه الغالبية غربية فهي حتماً ستكون انتقائية في اختيارها للدول التي تحتاج إلى أموال الإقراض. وحتى عندما تذهب الأموال إلى دول ليست على وفاق مع المراكز الرأسمالية في أميركا وأوروبا فإن المسارات التي توضع لها - أي للأموال - تكون مشروطة ومحدّدة سلفاً، وهذا ما يدفع بتلك الدول إلى التخلّي عن التعامل مع المؤسسات النقدية الدولية المهيمن عليها غربياً، واعتماد سبل أخرى للتمويل، هذا إن لم تمتنع أساساً عن الدفع - كما فعلت الأرجنتين - وتكتفي بالصيغ الإقليمية التي توفّر لها «مروحة تمويل واسعة» وغير مشروطة (في حالة الارجنتين تم الاعتماد على فنزويلا الحليف الإقليمي القوي والدولة الغنية بالنفط والعضو في مؤسّسة أوبك).
في هذه الحالة، تصبح المنافسة المحتدِمة حالياً بين الولايات المتحدة من جهة والصين وروسيا من جهة أخرى على إنشاء بنوك للتنمية فرصة لتنويع سلّة الإقراض، فبدلاً من الاتكال على مركز واحد للتمويل تتوسّع العملية أكثر ويزداد الاعتماد فيها على المحافظ النقدية الصاعدة، وبالتالي تتقلّص القدرة على التحكّم بالأسواق واحتكارها. وهو بالضبط ما فعلته الصين حين أنهت احتكار الغرب لتسويق المنتجات الصناعية، ولكنها تُقدِم الآن على ما هو أهمّ وأوسع من مجرّد منافسة على الأسواق، فتَنقُل عبر إنشائها بنك الاستثمار الآسيوي الإشراف على المؤسّسات النقدية الدولية من الغرب إلى «الجنوب». هذا الانتقال ينهي عصراً كاملاً من تركّز الثروة بيد الغرب ويفتح المجال أمام صعود قوى أخرى مهتمّة بتنمية مناطق الجنوب ولكن عبر أدوات لا تخضع للأولويات الغربية الخاصّة بالنّهب والسيطرة واحتكار الأسواق الدولية.
الهلع الأميركي
هذه الخطوة لم تمرّ من دون أن تحدث جَلَبة في المراكز الرأسمالية المسيطرة وخصوصاً في الولايات المتحدة. فقد فوجئت الأخيرة عقب دعوة الصين العديدَ من الدول للانضمام إلى البنك بتلبية حلفاء أقوياء لها مثل ألمانيا وبريطانيا وفرنسا للدعوة، وتبين لها أنها لم تعد قادرة على تلبية الاحتياجات المتزايدة للأسواق الدولية، إذ بات الجميع وليس فقط خصومُها السياسيون في حاجة إلى تنويع مصادر التمويل، وهذا يدخل في إطار المنافسة التي تقوم عليها الفكرة الرأسمالية أساساً. لكن في أميركا من لا يزال يعتقد بالعلاقة بين التوسّع الرأسمالي والاحتكار ويدعو إلى عدم الفصل بينهما رغم افتقاده الأدوات اللازمة لهذا الربط، وحتى لو وجدها فلن يستطيع إجبار الآخرين على التقيّد بها، بدليل عدم استطاعة أميركا إقناع أقرب حلفائها بالبقاء خارج الإطار الجديد الذي أنشأته الصين لمنافسة الولايات المتحدة في «مجال التنمية». وبدل أن تتفهّم واشنطن هذه الحقيقة وتُقرّ بعجزها عن مجاراة القوى الجديدة الباحثة عن تراكم رأسمالي «لا مكان فيه للاحتكار» نراها تهرب إلى الأمام، فتشجّع اليابان خصم الصين اللدود ليس فقط على عدم الانضمام إلى البنك الذي انضمّت إليه أعتى الرأسماليات الدولية (ألمانيا وسواها) بل أيضاً على منع الاحتكام إلى الطرق السلمية في فضّ المنازعات الحدودية مع الصين (وخصوصاً حول الجزر المتنازع عليها في بحر الصين الشرقي). وهذا في الحقيقة إطار قديم للصراع ولكنه يصلح من وجهة النظر الأميركية لاستنزاف الصين من الناحية الاقتصادية عبر دفعها لسباق تسلّح مع اليابان، الأمر الذي سينعكس على أولوياتها الاقتصادية ويدفعها للتركيز على الإنفاق الدفاعي بدل الاهتمام بالتنمية الداخلية وخلق الفوائض التي تساعد في التوسّع الرأسمالي في المحيط. هذا التوسّع هو الذي يقلق الولايات المتحدة ويجعلها تتمسّك بالإطار القديم للصراع رغم عدم جدوى الاعتماد عليه في كثير من الأحيان. واتكالها عليه مرتبط بطبيعة التهديد الذي تراه داهماً ولا يقلّ عن التهديد العسكري نفسه، فالسيطرة الاقتصادية حالياً هي الأساس وعليها يتوقّف حجم النفوذ السياسي من عدمه، وخصوصاً في مناطق تشهد تحوّلات اقتصادية وسياسية كبيرة مثل جنوب شرقي آسيا. بهذا المعنى لا تعود المنافسة التي تدعو إليها الصين وسواها من القوى الصاعدة أداةً صالحة للحفاظ على المصالح والنفوذ، وتصبح العودة إلى الإطار القديم وإن عن طريق وكلاء هذه المرّة هي الخيار الأفضل بالنسبة إلى الولايات المتحدة في ظلّ انعدام القدرة على منافسة الصين مباشرةً في محيطها الحيوي.
الدفع باتجاه العسكرة
في هذا السياق، يأتي القول بأنّ المشاريع الاقتصادية الأميركية في آسيا باتت مهدّدة «بالتوسّع الصيني» الذي تعتقد واشنطن أنه «سيبتلع الأسواق»، وهو بالضبط التعبير الذي استخدمه وزير الدفاع الأميركي آشتون كارتر في معرض حديثه أخيراً عن التحديات التي تواجه اتفاقية «الشراكة عبر المحيط الهادئ»، والمقصود بالشراكة هنا مشاريع التعاون الاقتصادي بين الولايات المتحدة واليابان في جنوب شرقي آسيا. يقول الرجل: «الوقت ينفد... نحن نرى منذ الآن دولاً في الإقليم (شرق آسيا) تحاول ابتلاع هذه الأسواق». ثم يردف: «إن فشل الولايات المتحدة في تنفيذ مشروعها للتجارة الحرة مع الإقليم يخرجنا من اللعبة... المشروع بالنسبة إلي بأهمية حاملة طائرات أخرى». هذا الوضوح يظهر إلى أيّ مدى تعتمد الولايات المتحدة في صراعها مع الصين على الأدوات القديمة، فكارتر يربط في كلامه بين الأمن القومي لأميركا وسيطرتها الاقتصادية على شرق آسيا، ولا يرى تعارضاً بين الاعتماد الأميركي المتزايد على «تسليح اليابان» - إشارته الرمزية إلى حاملة الطائرات تقع في هذا السياق - وحرية التجارة التي تسمح للصين في ظلّ نظام عالمي يقوم على المنافسة ومنع الاحتكار «بفعل ما تشاء» شريطة ألا يضرّ هذا الفعل بالمصالح الاقتصادية لشركائها التجاريين. هو يعبر - أي كارتر - عن سياسة الإدارة الحالية التي تركّز في هذه المرحلة على منطقة شرق آسيا حيث النفوذ الصيني الذي يمنع حلفاء أميركا التقليديين (اليابان وكوريا الجنوبية بدرجة أقلّ) من تحقيق التراكم الرأسمالي الذي تريده واشنطن، فالأرباح التي تُحقّقها المشاريع الصناعية هناك لم تعد تكفي الحاجة الأميركية، وبات من الضروري مضاعفتها عن طريق إجبار الحلفاء على الإذعان تماماً لرغبة واشنطن في «الصدام العسكري مع الصين». ورغم أنّ المصلحة اليابانية المباشرة تتعارض مع فكرة الصدام إلا أنها مضطرة إلى مسايرة الولايات المتحدة، على الأقلّ في رغبتها بجرّ الصين إلى سباق تسلّح، وهذا قد لا يفضي إلى حرب أو صدام مباشر ولكنه سيمنع بكين من استثمار مواردها وفوائضها المالية بالشكل الأمثل، ويبقيها رهينة هذا السباق الذي انجرّ إليه الاتحاد السوفياتي في الماضي، وكانت النتيجة انهياره وإبقاء روسيا التي ورثته خارج قطار التنمية والتصنيع لسنوات طويلة. بالطبع هذا لن يجعل الصين تتراجع عن مشروعها للتوسّع في آسيا ولكنه سيمنعها من الإبقاء على المنافسة التجارية كخيار وحيد في مواجهة أميركا وحلفائها في الإقليم، وفي هذه الحالة ستضطر إلى خوض معركة على أكثر من صعيد. فلديها من جهة الصراع على الأسواق والذي تبدو قادرة على حسمه أكثر من أميركا، ومن جهة أخرى هنالك النزاع الحدودي مع اليابان الذي تريد واشنطن تحويله إلى «صراع عسكري محدود» بما يضمن منع بكين من الوصول إلى المزيد من الأسواق والحدّ من قدرتها على استقطاب حلفاء الولايات المتحدة.
خاتمة
ورغم ذلك تواصل الصين صعودها الاقتصادي معتمدةً على المسار السلمي المرتكز إلى التنمية الداخلية، وتحاول توسيع هذا المسار عبر نقل تجربة النمو في الداخل إلى الإقليم من خلال مشاريع كالبنك الآسيوي للاستثمار في البنى التحتية و«طريق الحرير» وغيرهما. هذا الصعود لم يعد فقط حاجة داخلية أملتها شروط التراكم الرأسمالي في الداخل بل أصبح ضرورة إقليمية في ظلّ انحسار هيمنة طرف بعينه على مجمل العملية الاقتصادية في العالم. فبعد صعود الصين ستصعد روسيا بعدما تكون قد انتهت من تأثير العقوبات الغربية على اقتصادها، وبعدهما ستفعل البرازيل وجنوب أفريقيا وهكذا دواليك، إلى أن يتأكّد للجميع أن التركّز الرأسمالي للثروة في الغرب لم يعد ينفع في تقديم حلول سلمية ومتّفق عليها للصراعات الدولية. وهذا يعني حكماً انتهاء الحقبة التي كان يقترن فيها التراكم الرأسمالي بالقوّة العسكرية التي تضع على الدول شروطاً معينة للوصول إلى الثروة، ويحصل بالتالي التفاوت الذي ميّز الحقبة السابقة من العلاقات الدولية واضعاً البيض كلّه في سلة واحدة. الآن وبفضل صعود الصين وغيرها لم يعد استخدام القوّة أو حتى التلويح بها مجدياً كما كان، وباتت إمكانية الوصول إلى الأسواق المالية أسهل من السابق، ولذلك بدأت الكتلة النقدية تتحرّك بسهولة أكثر باحثةً عن «استثمارات مضمونة» وبعيدة عن الاحتكار الذي كانت تمارسه الولايات المتحدة على نطاق واسع. ومن هذا المنطلق فإنّ انضمام حلفاء أميركا المباشرين إلى مشاريع تنمية تموّلها الصين يعد بكلّ المقاييس «تغيّراّ جذرياً» في طبيعة النظام الرأسمالي الدولي، فهذا الأخير أصبح مع هذه الخطوة متعدّداً بالفعل وخاضعاً تماماً لمنطق المنافسة الذي كانت تمنعه الولايات المتحدة، رغم أنه يشكّل جوهر الرأسمالية التي تعتنقها.
ورد كاسوحة - الاخبار
دول الخليج الفارسي تطلب تطمينات ومعدات أميركية مقابل دعمها الاتفاق النووي
بدأت الدول الخليجية باللعب على إيقاع الاتفاق النووي المرتقب مع إيران، في محاولة منها لترسيخ «صفقتها» الخاصة، مستغلة الاندفاعة الأميركية لإتمام هذا الاتفاق. وفي الوقت الذي تستمر فيه المفاوضات في نيويورك بين مساعدي وزراء خارجية إيران والدول الست، من أجل صياغة نص الاتفاق النهائي، يسعى قادة الدول الخليجية إلى الترويج لمقايضة دعمهم للاتفاق النووي، في مقابل ضمانات من قبل واشنطن والحصول على أنظمة أسلحة جديدة، الأمر الذي قد يخلق مواجهة جديدة بين الإدارة الأميركية والكونغرس، وأيضاً بين الإدارة الأميركية وإسرائيل.
وبحسب صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية، نقلاً عن مسؤولين عرب وأميركيين، فإن الدول الخليجية تسعى للحصول على معدات عسكرية أميركية متطورة، من طائرات مقاتلة (اف 35) وبطاريات صواريخ ومعدات مراقبة، في مقابل تقديم الدعم للاتفاق النووي بين إيران والدول الست الكبرى، وذلك خلال الاجتماع العالي الأهمية الذي سيعقد مع الرئيس باراك أوباما، هذا الشهر.
إضافة إلى ذلك، فإن دول «مجلس التعاون الخليجي»، من بينها السعودية والإمارات وقطر، تنوي الضغط على الرئيس باراك أوباما من أجل توقيع اتفاقات دفاعية جديدة مع الولايات المتحدة، تحدّد من خلالها «الشروط والسيناريوات التي ستتدخل على أساسها واشنطن، في حال برز أي تهديد من قبل إيران».
ومن المقرر أن يلتقي أوباما مع قادة البحرين والكويت وعمان وقطر والسعودية والإمارات في البيت الأبيض، في 13 من الشهر الحالي، ثم سيعقد لقاء آخر في كامب دايفيد في اليوم التالي.
ورغم أن الإدارة الأميركية طالما حاولت تجنّب تلبية الطلبات الخليجية سابقاً، إلا أنها اليوم تدرس إمكانية تلبيتها، بحسب ما نقلت الصحيفة عن مسؤولين ديموقراطيين.
لكن «طلبات القادة الخليجيين قد تُبرز واقعاً جديداً أمام المسؤولين الأميركيين، الذين يريدون إظهار الدعم للحلفاء العرب (لا سيما هؤلاء الذين يستضيفون على أراضي بلادهم قواعد أميركية)، خصوصاً أن الإدارة الأميركية طالما سعت إلى ترسيخ التفوّق العسكري الإسرائيلي في المنطقة»، وفق الصحيفة الأميركية، التي أضافت أيضاً أن «أي حركة قد يقوم بها الرئيس الأميركي من أجل تلبية طلبات القادة العرب قد تواجه معارضة في الكونغرس واحتكاكاً مع إسرائيل».
السيناتور الجمهوري ليندسي غراهام (عضو لجنة القوات المسلحة في مجلس الشيوخ)، مثلاً، أعرب عن قلقه البالغ من أن «يعد أوباما (الخليجيين) بكل لعبة عسكرية أرادوها إضافة إلى اتفاق أمني»، مضيفاً «إذا كان هناك أي تلميح بذلك... فسأقوم بكل ما يمكنني فعله من أجل منع إعطائهم أي رصاصة وأي طائرة».
في أثناء ذلك، ندّد وزير الخارجية الأميركي جون كيري، السبت، عبر شبكة تلفزيون إسرائيلية، بـ«الهستيريا الكبيرة» التي تحيط بالاتفاق النهائي الجاري النقاش حوله بشأن الملف النووي الإيراني.
وقال كيري، في مقابلة مع القناة العاشرة للتلفزيون الإسرائيلي، إن «هناك هستيريا كبيرة حول هذا الاتفاق. وعلى الناس أن تأخذ الوقائع بعين الاعتبار».
من جهته، ذكر کبير المفاوضين النوويين الإيرانيين، عباس عراقجي، أن المفاوضين الإيرانيين بدأوا «عملاً جسيماً يستمر لشهرين»، مضيفاً أن «هدفنا هو أن نتوصل خلال الأيام القليلة المقبلة إلى مسودة الاتفاق الشامل».
محمد الضيف يعدّ وحدة نخبة بمساعدة إيرانية
عاد قائد "كتائب عز الدين القسام"، محمد الضيف، ليحتل موقعاً بارزاً في الإعلام العبري، بعدما أفرجت الرقابة العسكرية الإسرائيلية قبل يومين عن المعلومات المجمعة لدى الاستخبارات، عن أن الضيف حي يرزق.
وإضافة الى ما ورد في الإعلام العبري في اليومين الماضيين عن جهود الضيف في الإعداد للحرب المقبلة مع إسرائيل، أشارت "يديعوت أحرونوت" في عددها الصادر أمس، الى أنه بعدما اعترفت جهات أمنية اسرائيلية، وبالفم الملآن، بأنها فشلت في اغتياله، ها هي المعلومات عن جهوده بدأت بالتكشف، اذ «تؤكد مصادر امنية ان الضيف لا يلعق الجراح، بل وقد عاد إلى العمل والنشاط في مسعى لتسليح حماس مجدداً بالصواريخ وبناء الأنفاق والإعداد للمعركة المقبلة».
وأشارت الصحيفة الى ان الجناح العسكري لحركة "حماس" بقيادة الضيف، سجل منذ نهاية المعارك الأخيرة مع اسرائيل، انتعاشاً خاصاً، وهو يقوم بعملية تسلح على مدار الساعة، مع جهد خاص لحفر الأنفاق التي يهدف من خلالها الى تخطي السياج الفاصل مع قطاع غزة والوصول الى الأراضي المحتلة في المعركة المقبلة.
من جهتها، ذكرت صحيفة "معاريف" ان الهدف المقبل لمحمد الضيف سيكون مدينة ايلات في اقصى الجنوب، مع مسعى خاص لتعطيل العمل في مطارها، «اذ تدرك حماس ان تعطيل هذه المدينة ايام الحرب سيكلف الاقتصاد الاسرائيلي اموالاً طائلة، فضلاً عن أنها ستكون قبلة الهاربين من المعركة في حال تجدد المعارك مع قطاع غزة». ولفتت "معاريف" الى ان الضيف أعد العدة للمواجهة المقبلة مع الجيش الاسرائيلي، من خلال وحدة نخبة خاصة تضم مئات المقاتلين تم تدريبهم من قبل الإيرانيين، وسيحاولون الوصول الى الإنجازات التي فشلوا في الوصول اليها خلال عملية "الجرف الصامد" الأخيرة.
طموح نتنياهو: اتفاق تهدئة طويل المدى مع غزة
في ظل توالي التقارير الإعلامية الإسرائيلية التي تؤكد إجراء مفاوضات غير مباشرة بين إسرائيل وحركة «حماس»، تتعزز الأسئلة عن موقع هذا المسار من رؤية رئيس حكومة العدو، بنيامين نتنياهو، واستراتيجيته العامة في مقاربة الواقع السياسي والأمني في قطاع غزة. يستمد هذا المسار خصوصية إضافية من كونه يأتي بعد حرب استمرت 51 يوماً، وعلى ضوء مساعي تشكيل حكومة إسرائيلية جديدة، وبالتوازي مع التطورات التي تشهدها المنطقة بشأن التوصل إلى اتفاق نووي نهائي مع إيران، وصولاً إلى ارتفاع درجة التوتر على الجبهة الشمالية لفلسطين المحتلة.
ولم يخفَ أن العدو الإسرائيلي حرص طوال العدوان الأخير في غزة، على منع تقديم ما سماه «مكافآت سياسية» للمقاومة، وهو ما دفعه إلى رفض القبول برفع الحصار أو بناء ميناء كشرط لوقف القتال. استغل نتنياهو استمرار المعارك لإحداث أكبر قدر من التدمير والتنكيل بسكان القطاع من أجل تأليبهم على المقاومة وخيارها، وراهن أيضاً على أن يشكل ذلك عاملاً رادعاً لاستئناف القتال في مرحلة ما بعد التوصل إلى وقف النار.
هكذا تبنت القيادة السياسية والأمنية في تل أبيب خيار الإبقاء على الوضع القائم، في ظل تعذر التوصل إلى حل سياسي نهائي مع كلفة خيار الحسم العسكري، اتكاءً على ما افترضته من تعزيز قدرة الردع الإسرائيلية. في هذه الأجواء، توالت الوساطات التي تحاول التوصل إلى تهدئة طويلة الأمد، وهي تستند إلى حاجة القطاع وسكانه ومعه المقاومة إلى صيغة تؤدي إلى رفع أو تخفيف آلام الناس بفعل الخسائر البشرية والعمرانية التي ألحقها العدوان، وأيضاً بفعل استمرار الحصار.
في المقابل، تحتاج إسرائيل إلى تكريس حالة التهدئة التي تحتل أولوية متقدمة لدى العدو عامة ونتنياهو خاصة، ولا سيما في حال كان الحديث إزاء اتفاق يستطيع ترويجه على أنه إنجاز ونتيجة للحرب الأخيرة، فضلاً عن أن أقصى ما يطمح إليه نتنياهو في هذه المرحلة هو الإبقاء على التهدئة والحصار الذي يمنع تراكم القدرات العسكرية للمقاومة في غزة. أما الحصار المدني فقد يكون من المجدي، وفق المنظور الإسرائيلي، المساومة عليه مقابل تنازلات تؤدي إلى استقرار جنوب الأراضي المحتلة.
في سياق متصل، يسمح تكريس التهدئة على جبهة غزة وشرعنتها عبر اتفاق بضمانات دولية، بتحييد هذه الجبهة التي كثيراً ما أشغلت الاحتلال واستنزفته وفرضت عليه مسارات أمنية وسياسية لا تتلاءم مع ما تفترضه من أولويات إسرائيلية في هذه المرحلة، لذا، وفي حال تمخض هذا المسار عن تهدئة مشروطة بالسقف الإسرائيلي، يمكن للقيادة الإسرائيلية أن تتفرغ كلياً لمواجهة ما تعتبره «أولوية الدولة العبرية» في هذه المرحلة، وتحديداً لجهة المسار التفاوضي بين إيران والسداسية الدولية، والتهديد الاستراتيجي لدى حزب الله.
مع ذلك، تبقى الكلمة الأخيرة لموقف «حماس» وبقية فصائل المقاومة، إذ يحسم ذلك مسألة إمكانية التوصل إلى اتفاق تهدئة وبأي شروط. وبرغم أن أياً من السيناريوات ليس محسوماً ولا تزال الأمور تقتصر على التسريبات الإعلامية، تواجه فصائل المقاومة في القطاع استحقاقاً جديداً يتمثل بالضغوط التي يمثلها الواقع المؤلم مما يعيشه سكان القطاع، ومحاولات ضغط تأخذ شكل وساطات تهدف إلى تثميره باتجاه فرض تنازلات على السقف الذي تتبناه المقاومة حتى في سياق العناوين المرحلية. ولكن، تبقى مجموعة من العقبات والإشكاليات منها ما يتصل بقضايا أخرى متداخلة، لجهة استمرار اعتقال آلاف الأسرى في السجون الإسرائيلية، وأيضاً السياسة الأمنية والعملانية التي تتبعها إسرائيل في الضفة المحتلة والقدس.
وفي ما يتعلق بجديد التقارير الإعلامية الإسرائيلية، ذكر المعلق العسكري في صحيفة «هآرتس» عاموس هرئيل، أن من شأن التوصل إلى اتفاق تهدئة لعدة سنوات وبضمانات دولية، أن يؤثر في توازن القوى والعلاقات بين إسرائيل و«حماس» في القطاع والسلطة الفلسطينية، فضلا عن مفاعيله على العلاقات الوثيقة مع مصر. ولفت هرئيل إلى أن «حماس ستحصل في هذه الحالة على تسهيلات اقتصادية مهمة لغزة مع تخفيف الحصار، وقد توافق إسرائيل لاحقاً على إمكانية بناء ميناء تحت رقابة دولية»، ولكنه أوضح أن هذا الخيار غير وارد الآن أو في المرحلة الأولى من الاتفاق.
إلى ذلك، رأى هرئيل أن نتنياهو قد يكون معجباً بفكرة اتفاق التهدئة مع «حماس»، لأن ذلك «سيمكنه من تقديم الحرب في غزة خلال الصيف الماضي، كإنجاز طويل الأمد، بدلاً من كونها مهمة غير منجزة وتخضع للخلاف في الساحة الإسرائيلية، كما تبدو اليوم». وأضاف: «سيكون بإمكان نتنياهو أن يبرر، بنظرة إلى الوراء، خطواته في غزة والقول إن موافقة حماس على وقف إطلاق نار طويل تعكس نجاح الجيش الإسرائيلي في الحرب».
وتابع هرئيل: «بتسوية غير مباشرة، لن تطالب حكومة نتنياهو الجديدة بتقديم تنازلات مبدئية لحماس، واعتراف فعلي بها أو الانسحاب من أجزاء من الوطن، بل يمكن لنتنياهو عبر الاتفاق مع حماس الالتفاف على رئيس السلطة، من ناحية اليمين، وسيكون بإمكانه مواجهة قسم من الادعاءات في الساحة الدولية بأن إسرائيل لا تفعل شيئاً على المسار الفلسطيني».
من جهة أخرى، يسمح أي اتفاق محتمل مع «حماس» لنتنياهو بحرف اهتماماته من الجبهة الجنوبية مع القطاع، إلى الجبهة الشمالية في مواجهة حزب الله. وبنظرة أكثر اتساعاً «إذا كان نتنياهو ينظر إلى التحدي في الجبهة الشمالية مقابل حزب الله على أنه التهديد الأمني الأخطر، ويعتبر أن هذا التهديد قد يتصاعد في السنوات القريبة المقبلة ويصل إلى حد نشوب حرب، فإن وقف إطلاق نار طويل الأمد في غزة، سيعفيه بصورة مؤقتة من وجع رأس مقلق، وسيسمح للجيش الإسرائيلي بالتركيز على المواجهة الصعبة وذات الاحتمالات العالية بالاشتعال».
ويرى هرئيل، بقدر ما يمكن تكوين انطباع بأن القيادة السياسية لـ«حماس» في غزة تميل إلى تأييد مثل هذه التسوية وخاصة أنها تأتي بعد ثلاث حملات عسكرية خلال خمس سنوات ونصف، فإن من المشكوك به جداً أن يكون لدى اسماعيل هنية ورجاله الرغبة في جولة قتالية أخرى في المدة القريبة المقبلة، كما يرى.
واستطرد المعلق العسكري: «قد يكون للتقارب الملموس بين الجناح السياسي في حماس والسعودية صلة بذلك، إذ تبدو حماس في هذه اللحظة أكثر استعداداً للقبول بشروط الاتفاق أكثر من إسرائيل»، مشيراً إلى أن هناك في الأجهزة الأمنية الإسرائيلية من يعتقد أن بالإمكان مواصلة العمل في إطار الوضع القائم مع تغييرات طفيفة، وعدم تقييد إسرائيل بالتزامات أشد. وعلى خط مواز، رأى هرئيل أنه يمكن التقدير بثقة بأن «الجناح العسكري لحماس غير متحمس لخيار هدنة طويلة المدى، وعليه كلما نضجت الاتصالات لوقف النار ازدادت أيضاً احتمالات أن يخالف الجناح العسكري القيادة السياسية، ويبادر إلى عملية أخرى كي يضمن ألا يتبلور اتفاق غير مباشر مع إسرائيل».
علي حيدر - الاخبار
الإمام الخامنئي يستقبل حشداً من العمال الإيرانيين بمناسبة يوم العامل
التقى سماحة آية الله العظمى السيد علي الخامنئي قائد الثورة الإسلامية صباح يوم الأربعاء 29/04/2015 م الآلآف من العمال من مختلف أنحاء البلاد، و شرح واجبات المسؤولين و الأجهزة و المؤسسات و العناصر المختلفة ذات العلاقة بالإنتاج الداخلي، و شدّد على المكافحة الحقيقية للفساد و تهريب البضائع، ملفتاً: مفتاح حل المشكلات الاقتصادية للناس و معضلات مجتمع العمال في البلاد ليس في الخارج بل في الداخل و في تعزيز و ازدهار الإنتاج الداخلي.
و بارك قائد الثورة الإسلامية قرب حلول ذكرى ولادة الإمام علي بن أبي طالب و ذكرى ميلاد الإمام التاسع محمد الجواد (عليهما السلام)، و اعتبر الهدف من اللقاء بالعمال تكريم العمل و العامل، و التركيز على قيمة العمل في أذهان المسؤولين و المجتمع، مردفاً: تقبيل الرسول الأكرم (ص) ليد العامل ليس مجاملة بل هو تعليم.
و أثنى سماحته على متانة و وعي و نجابة المجتمع العمالي في إيران مقابل التحريضات الداخلية و الخارجية المستمرة طوال العقود الثلاثة المنصرمة، منوّهاً: تحمل مجتمع العمال كل الصعاب و المشكلات و بذل جهوده بشكل دؤوب دون انقطاع من أجل تقدم البلاد، و خرج من الامتحان ناجحاً بحق، و على المسؤولين أن يقدروا هذه التضحيات و النجابة بمزيد من جد و العمل لحل مشكلات العمال.
و أشار آية الله العظمى السيد علي الخامنئي إلى المشكلات القائمة في مجال العمل من قبيل إخراج العمال من أماكن عملهم، و البطالة، و تأخر الأجور، و المشكلات المعيشية، مؤكداً: هذه المشكلات لا تعالج بالكلام، إنما تتطلب مبادرات و إبداعات.
و عدّ سماحته تعزيز الإنتاج الداخلي العمود الفقري لحل مشكلات البلاد و تحقيق الاقتصاد المقاوم، مردفاً: البعض يقولون إن ازدهار الإنتاج الداخلي غير متاح في ظروف الحظر و الضغوط، و لا شك في أن الحظر الظالم له تأثير في بروز المشكلات، بيد أن الحظر و الضغوط لا تستطيع بالتأكيد الحيلولة دون الجهود و المساعي العامة و المنظمة و المبرمج لها و الرامیة إلى ازدهار الإنتاج الداخلي.
و لأجل إثبات عدم قدرة الحظر على إعاقة الجهود الداخلية، أشار الإمام السيد علي الخامنئي إلى التقدم المذهل لإيران في مجال الصناعات العسكرية، و تقنيات الأحياء، و بناء السدود، و تقنيات النانو، و الصناعات العلمية المحور، و الصناعة النووية، و سائر المجالات العلمية و الصناعية، مضيفاً: في بعض هذه المجالات كانت ضغوط الحظر أكبر و أشد بكثير، لكنها لم تستطع خلق عقبات و موانع في طريق مساعي الطاقات الداخلية و تقدمها.
و لفت سماحته قائلاً: طبعاً إذا لم يكن الحظر فمن المحتمل أن يكون تقدمنا في بعض هذه المجالات أكبر، و لكن من المحتمل أيضاً أننا كنا في تلك الحالة سنعتمد على أموال النفط و لا نحقق كل ذلك التقدم.
و أوضح آية الله العظمى السيد الخامنئي أن الاهتمام و التركيز على الإنتاج فضلاً عن معالجته للمشكلات الاقتصادية، من شأنه أيضاً أن يبعث على الشعور بالعزة و الاستغناء الوطنيين، مردفاً: تمتين البنية الداخلية للسلطة بما في ذلك على الصعيد الاقتصادي من شأنه تعزيز موقف المفاوضين خلف طاولة المفاوضات، و لو لا ذلك لوضع الطرف المقابل الشروط و القيود دائماً، و لأطلق الكثير من الكلام الاعتباطي الرخيص.
و بعد أن شرح قائد الثورة الإسلامية ضرورة التركيز على ازدهار الإنتاج الداخلي، عرّج على تبيين لوازم و ضرورات تحقيق هذا الهدف الوطني الكبير.
و اعتبر سماحته تعاطف و وحدة كلمة كل العناصر و العوامل ذات الصلة بالإنتاج الداخلي ممهداً لتنحية صخرة كبيرة عن طريق تقدم البلاد، مضيفاً: ليبذل المستثمرون الداخليون بوصفهم من العناصر المهمة لتعزيز الإنتاج الداخلي، إمكانياتهم و أرصدتهم في هذا المجال.
و أضاف آية الله العظمى السيد الخامنئي: المستثمر الذي يغض الطرف عن مزيد من الأرباح الناتجة عن السمسرة و النشاطات غير الإنتاجية، و يخوض في تحسين الإنتاج الداخلي، إنما يقوم يقيناً بعمل عبادي.
و عدّ سماحته الإنجاز المتقن و المتين للإنتاج الداخلي حصة العمال المهمة في تعزيز الإنتاج موضحاً: المستهلكون المنصفون بدورهم، و بوعيهم لمصالح البلاد، ليصرفوا النظر عن الماركات و العلامات الإجنبية، و يهبوا لمساعدة العمال من أبناء وطنهم عن طريق استهلاك البضائع الداخلية.
و أشار قائد الثورة الإسلامية إلى سعة الأجهزة الحكومية، و أوضح أن الحكومة هي أكبر مستهلك للبضائع، و أكد على وزير العمل: أصروا في الحكومة على أن تكون استهلاكات الأجهزة الحكومية داخلية بالمطلق، و أن تحرّم الحكومة على نفسها استهلاك أية بضائع خارجية كبيرة أو صغيرة، إذا كان لها نظائر داخلية.
و أضاف الإمام الخامنئي بخصوص ضرورة استهلاك البضائع الوطنية داخل الأجهزة و المؤسسات الحكومية: لتحل الحكومة دون التساهل أو لا سمح الله الاستغلال في هذا الجانب.
و عدّ آية الله العظمى السيد الخامنئي الكفاح الحاسم و العملي لتهريب البضائع واحداً آخر من العوامل المؤثرة جداً في تقوية الإنتاج الداخلي.
و أضاف سماحته قائلاً: طبعاً استيراد بعض البضائع تحت تصرف القطاع الخاص، لكن الحكومة بوسعها عن طريق الإشراف على الاستيراد و توجيهه، الحؤول دون تضرر الإنتاج الداخلي.
و اعتبر سماحته النشاط الأكثر و الأشد تأثيراً لوسائل الإعلام في ميدان الترويج لاستهلاك البضائع الداخلية و مسؤولية مجلس الشورى الإسلامي في استقرار قوانين الاستثمار و عدم تغييرها، من العوامل الأخرى لتعزيز الإنتاج مضيفاً: المسؤولون الثقافيون أيضاً ليعملوا بطريقة تجعل نبذ الكسل و الترحيب بالعمل الصعب شيء له قيمته في ثقافة المجتمع العامة.
و دار جانب مهم آخر من حديث قائد الثورة الإسلامية في هذا اللقاء حول موضوع مكافحة الفساد. و انتقد سماحته الكلام المكرر و ترك العمل في مجال مكافحة الفساد مؤكداً: أن تقول «حرامي حرامي» فهذا لن يمنع الحرامي عن السرقة، إنما يجب الحيلولة دون السارق.
و تابع قائد الثورة الإسلامية: مسؤولو البلاد ليسوا صحفاً و جرائد حتى يتحدثوا دوماً عن الفساد، بل ينبغي أن يخوضوا غمار الساحات العملية و يحولوا دون وقوع الفساد بالمعنى الحقيقي للكلمة.
و لخص آية الله العظمى السيد الخامنئي حديثه مؤكداً: مفتاح حل المشكلات الاقتصادية ليس في لوزان و جنيف و نيويورك، بل في داخل البلاد، و على الجميع أن يقوموا بمسؤولياتهم المختلفة في تعزيز الإنتاج الداخلي بوصفه الطريق الوحيد لحل المشكلات الاقتصادية.
و ألمح سماحته إلى مساعي الحكومة و رغبتها في العمل و وجود شخصيات مطلعة في هيئة الوزراء مردفاً: سوف تعالج قضية الإنتاج بمزيد من العمل و الجد إن شاء الله، و ذلك كما عالج الشعب و المسؤولون في إيران خلال العقود الثلاثة الأخيرة مشكلات أكبر من هذه.
في بداية هذا اللقاء و قبيل كلمة الإمام الخامنئي تحدث السيد ربيعي وزير العمل و التعاون و الرفاه الاجتماعي فبارك ذكرى ولادة الإمامين محمد الجواد و علي بن أبي طالب (عليهما السلام) و حيّى أسبوع العمال، قائلاً: مسؤولو مجتمع العمال في البلاد يرون أنفسهم ملزمين بعدم توفير أي جهد لتحسين حياة المحرومين و كذلك حراسة مكتسبات النظام الإسلامي.
و أوضح وزير العمل أن من العناوين الأساسية في منحى وزارة العمل و التعاون و الرفاه الاجتماعي الاستفادة من الفرصة الكبيرة المتمثلة بالطاقات الكفوءة، و دعم المراكز الإنتاجية الصغيرة و العلمية المحور، و السير نحو اقتصاد متدفق داخلياً.
و اعتبر السيد ربيعي أن من الخدمات التي تم تقديمها في الحكومة الحالية (الحادية عشرة) تأمين جميع الإيرانيين، و زيادة تأمين القرويين، و زيادة رواتب العمال على مستوى التضخم، و أضاف قائلاً: تقوية أركان العدالة الاجتماعية و تحسين أوضاع الفئات الاجتماعية المختلفة المهمة الرئيسية لهذه الوزارة.
إثبات ظهور الإمام المهدي (عج) وغيبته
صلى الله وسلم عليك يا رسول الله وعلى أهل بيتك المعصومين المنتجبين المظلومين. ورد عن الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله: (إني مخلف فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي، وقد أنبأني اللطيف الخبير بأنّهما لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض، فانظروا كيف تخلفونني فيهما)(1)، صدق الرسول الكريم.
حديث الثقلين يدل على قضية الإمام المنتظر عجل الله تعالى فرجه باعتبار أن حديث الثقلين يصرح بأنّ العترة والكتاب لا يتفارقان أبداً إلى يوم القيامة: (وقد أنبأني اللطيف الخبير بأنهما لن يفترقا)، يعني القرآن وأهل البيت، (حتى يردا عليّ الحوض)، القرآن لا يفترق عن أهل البيت وأهل البيت لا يفترقون عن القرآن إلى يوم القيامة.
وهذا معناه أنه في كل زمان يوجد القرآن لابد من وجود رجل من أهل البيت في ذلك الزمان مع القرآن الكريم.
الحديث عن الإمام المنتظر عجل الله تعالى فرجه من خلال حديث الثقلين يتم في ثلاث نقاط:
الأولى: ظهوره وغيبته:
ذكرنا في عدة ليالٍ سابقة أن مسألة ظهور الإمام أمر مسلّم به بين جميع المسلمين، لا أحد ينكر أن هناك إماماً يظهر آخر الزمان يملأ الأرض قسطاً وعدلاً، هذا لا ينكره أحد من المسلمين، فجميع المسلمين شيعةً وسنة يسلمون أن آخر الزمان يظهر إمام يملأ الأرض قسطاً وعدلاً.
وهذا ليس فيه خلاف، وذلك لدلالة القرآن والحديث النبوي على ذلك:
القرآن الكريم يقول: (هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ)(2).
يعني لابد أن يظهر الدين الإسلامي على جميع الأديان في يوم من الأيام (لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَ لَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ) لابد في يوم من الأيام تمتد الدعوة الإسلامية ويمتد النداء الإسلامي إلى جميع أرجاء الأرض وتظهر راية الإسلام خفاقة على جميع الرايات.
(وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأَْرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوارِثِينَ)(3).
يعني يرثون الأرض، أي أنهم آخر من يحكم الأرض، هذا معنى الوارثين، والمستضعفون هم المسلمون طبعاً، المسلمون هم الوارثون.
إذن لابد من دولة إسلامية تعم أرجاء الأرض في آخر الزمان، حسب صريح القرآن الكريم، وهذا أمر مسلم به ليس فيه شك.
كذلك ورد عن الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله أنه قال _ في مستدرك الصحيحين _: (لا تقوم الساعة حتى تملأ الأرض ظلماً وجوراً، فيخرج رجل من أهل بيتي فيملؤها قسطاً وعدلاً بعد ما ملئت ظلماً وجوراً).(4)
وفي كنز العمال: (لا تقوم الساعة حتى يخرج رجل من أهل بيتي من ولد فاطمة فيملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً).(5)
كذلك أيضاً ينقل ابن حجر وذخائر العقبى عن النبي صلى الله عليه وآله أنه ضرب بيده على كتف الحسين (ع) وقال: (من ظهر هذا، أو من صلب هذا، أو من ولد هذا _ حسب اختلاف الروايات _ مهدي هذه الأمة يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً). (6)
مسألة ظهوره ليس فيها نقاش، إنما الكلام في غيبة الإمام فإنّ الشيعة الإمامية تعتقد أن الإمام ولد وهو غائب ويخرج يوماً من الأيام إذا أذن الله له بالخروج، وغيرهم من المسلمين يقولون: الإمام إلى الآن لم يولد وأنه يولد آخر الزمان ويخرج، فالخلاف في هذه النقطة، في الغيبة، هل أنه يولد آخر الزمان ويخرج، أي هل أنه ولد وهو غائب، أم لا؟
نحن الشيعة الأمامية نقول: نعم ولد وهو غائب، لماذا؟
أولاً: الدليل التأريخي ساعدنا، يعني أنت عندما تقرأ الآن كتاب وفيات الأعيان لابن خلكان(7)، أو تقرأ كتاب مطالب السؤول لمحمد بن طلحة الشافعي أو مثلاً تذكرة خواص الأمة لسبط ابن الجوزي، كلهم ينصون على أن الإمام الحسن العسكري (ع)أنجب ولداً اسمه محمد، ولد وغاب عن الأنظار، ويذكر صاحب وفيات الأعيان وغيره: وهو حي يرزق، وهذه كتب أهل السنة تنص تأريخياً على اسمه محمد ابن الإمام الحسن العسكري ولد وغاب، وهذه كتب تأريخية تنص على ذلك.
ثانياً: من جانب آخر الأحاديث تؤيد وجود الإمام، فقد ورد عن الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله: (لا يزال الدين قائماً حتى تقوم الساعة ويقوم فيكم اثنا عشر خليفة كلهم من قريش)(8)، وقلنا: إن هذا الحديث يدل على أن الأئمة متواصلين إلى يوم القيامة بمعنى أنه لا تمر فترة على الأمة الإسلامية بدون إمام، فإن هذا مستحيل (لا يزال الدين قائماً _ كما رواه البخاري _ حتى تقوم الساعة ويكون فيكم اثنا عشر أميراً أو اثنا عشر خليفة كلهم من قريش)، فلا تأتي فترة على الأمة أو زمان على الأمة الإسلامية خالية من وجود الإمام..مستحيل!!
وهذا ما أكده الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله في حديث آخر، كما رواه صحيح مسلم: (من لم يعرف إمام زمانه ومات مات ميتة جاهلية).(9)
لكل زمان إمام، كل زمان يمر على الأمة الإسلامية يوجد فيه إمام، أنت تسأل أي أحد مسلم قل له: من إمامك الذي هو إمام هذا الزمان؟ هل يوجد أحد يجرؤ ويتجاسر ويدعي أنه إمام الزمان؟ لا يوجد أحد يقول: أنا إمام الزمان، شرقاً وغرباً لا يمكن أن تنسب هذه الدعوى إلا للإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه.
الحديث يؤكد وجود إمام للزمان كله، ولا يوجد مسلم معد ومهيأ لأن يدعي هذه الدعوى إلا الإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه.
نأتي إلى حديث الثقلين الذي ذكرناه: (وقد أنبأني اللطيف الخبير بأنهما لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض)، إذن لابد لكل زمان من إمام والإمام باقٍ إلى يوم خروجه.
والدليل التأريخي _ كما ذكرنا _ ساعدنا أن هذا الإمام الغائب، هذا الإمام الموجود هو محمد بن الحسن المهدي عجل الله تعالى فرجه.
ومسألة استبعاد غيبة الإمام بأنه كيف يغيب هذه المئات من السنين، ويعيش هذه المئات من السنين؟ فهذه المسألة واضحة الدفع بعيسى بن مريم، فإن جميع المسلمين يقرون أن عيسى بن مريم لم يمت مازال حياً (وَما قَتَلُوهُ وَ ما صَلَبُوهُ وَ لكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ)(10) وفي آية أخرى (بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ)(11) وما زال حياً ويظهر آخر الزمان، ونحن طبعاً بحسب روايات الشيعة نؤكّد أن عيسى بن مريم يأتم بالإمام المنتظر عجل الله تعالى فرجه ويصلي خلف الإمام في بيت المقدس.
إذا كان يمكن أن يبقى عيسى بن مريم متمتعاً بصحة وعافية هذه السنين، وهذه المئات من السنين، فأي مانع يمنع من بقاء الإمام المنتظر هذه المئات من السنين بصحة وعافية مهيأ لذلك اليوم العظيم، وهو يوم خروجه؟
إذا صح ذلك في عيسى بن مريم صح في الإمام المنتظر ولا يوجد مانع.
الثانية: دوافع الغيبة:
لماذا الإمام غائب؟ لماذا لا يظهر؟ نفترض أن الإمام ولد والآن غائب، البشرية بلا شك تحتاج إلى وجود إمام معصوم يبلغ الأحكام الواقعية ويقيم العدل ويقيم القسط ويرشد الأمة الإسلامية إلى خيرها.
الأمة الإسلامية بحاجة ماسة إلى وجود الإمام، فلماذا لا يظهر الإمام؟ لماذا الإمام ما زال غائباً ولا يظهر؟ ما هو الدافع وما هو الداعي لغيبته وعدم ظهوره؟ الآن هذا سؤال يطرحه الكثير من الاخوة السنة وغيرهم.
نحن نذكر هنا جوابين أو وجهين:
الوجه الأول: ما طرحه علماؤنا من أن البشرية لابد أن تمر بتجربة مريرة تتهيأ فيها لدولة الإمام (ع)، كيف تتهيأ لدولة الإمام؟ خروج الإمام في هذه الظروف غير نافع، يعني لا توجد له الأرضية المهيأة للدولة الآن.
فمثلاً علماؤنا يقولون بأن الزمن والظروف التي عاش فيها الإمام علي (ع) ما كانت تتحمل دولة الإمام علي، أي أنّ دولة الإمام علي(ع) كانت أكبر من الظروف التي عاشتها، فإنّ العقلية والتجربة البشرية آنذاك ما كانت في مستوى وعي حكم الإمام علي (ع) وما كانت في مستوى إدراك حكم الإمام علي (ع) وبالتالي لم يستقر حكم الإمام علي أكثر من خمس سنوات وكلها حروب ودماء واختلافات واضطرابات بين المسلمين، نتيجة أن التجربة البشرية ما كانت في مستوى حكم الإمام(ع).
طبعاً، صحيح أن الإمام نصبه الرسول صلى الله عليه وآله خليفة على المسلمين لكن لما أُبعدت الخلافة عنه خمساً وعشرين سنة جعلت الظروف غير مهيأة، وجعلت الظروف ليست في مستوى حكم الإمام أمير المؤمنين(ع).
نقول الآن: إذا الإمام المنتظر يريد أن يقيم الدولة العادلة والدولة العامة الشاملة على أرجاء الأرض، ألا يحتاج إلى أرضية مهيأة؟ الجواب: نعم بلا إشكال.
إذا كان الإمام يريد أن يقيم الدولة الإسلامية العامة على جميع بقاع الأرض (هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى وَ دِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ)(12) إقامة الدولة الإسلامية العامة تحتاج إلى أن البشر يستقبلون الإسلام، تحتاج إلى أن البشر يكونون مهيئين نفسياً وذهنياً لقبول الإسلام ولاعتناق الإسلام ولتلقي الإسلام، ولأن يكونوا عوناً للإسلام.
فالإمام وإن كان يحارب المرتدين ويحارب الكافرين ويحارب الظالمين، لكن لا يفني البشر كلهم، بل لابد من وجود أرضية بشرية مهيأة نفسياً وثقافياً لدولة الإمام المنتظر عجل الله تعالى فرجه.
وهذا كيف يتم؟ طبعاً يتم بأن البشرية تعيش التجربة المرّة وتمر البشرية بتجربة مرّة، فتجرب سائر الأنظمة وسائر الحضارات وسائر القوى وسائر الأجهزة إلى أن تيأس البشرية من كثرة المشاكل الاقتصادية ومن كثرة الحروب ومن كثرة الفتن ومن كثرة الويلات التي تمر بها، إلى أن تتهيأ نفسياً بكل انتظار وبكل شوق وبكل إِلحاح إلى أن الخلاص الوحيد والعلاج الوحيد لها كلها هو الإسلام، وتؤمن البشرية وقد جربت أنظمة مختلفة من رأسمالية وشيوعية واشتراكية وأنظمة أخرى وحضارات مختلفة وحضارات متباينة، نعم وأجهزة مختلفة ومتعددة، وترى فشل الجميع وعدم كفائتها.
وطبعاً تزداد المشاكل البشرية يوماً بعد يوم، تزداد نسب المجاعة ونسب الفقر ونسب الحروب ونسب الفتن ونسب القلاقل ونسب الاضطرابات يوماً بعد يوم، إلى أن تصل البشرية إلى أن لا مخلص إلاّ الإسلام ولا علاج إلا الإسلام ولا حلّ إلا الإسلام ولا كافل لسائر المشاكل إلا الإسلام.
إذا تهيأت البشرية إلى الإسلام وإلى نظام الإسلام كحل وكعلاج كان ظرفاً مهيأً ومناسباً لخروج الإمام عجل الله تعالى فرجه فيخرج والبشرية تحت رايته لأنها راية الإسلام الذي هو الحل الوحيد لسائر المشاكل المادية والاقتصادية والأمنية.
وهذا ما تؤكد عليه النصوص التي تذكر أنه يخرج بعد ما ملئت الأرض ظلماً وجوراً، والرسول لا يكذب، وهذا ليس معناه أن كل بقعة بقعة ستمتلئ ولكن أغلب بقاع العالم هكذا (تملأ الأرض ظلماً وجوراً فيخرج رجل من أهل بيتي فيملؤها قسطاً وعدلاً بعدما ملئت ظلماً وجوراً).
فلابد للبشرية أن تخوض هذه التجربة المريرة التي تهيئها لقبول دولة الإمام ولقبول صوت الإمام سلام الله عليه.
الوجه الثاني: السيد محمد باقر الصدر رحمه الله يذكر أن غيبة الإمام نافعة حتى للإمام نفسه، فضلاً عن البشرية، والرأي يختص به لا يطرحه غيره من العلماء.
يقول: كل دور يحتاج إلى كفاءة مناسبة للدور، فمثلاً موسى بن عمران متى بُعث رسولاً؟ لما بلغ أربعين سنة والقرآن الكريم يقول: (وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوى)(13) يعني أصبح عقله ناضجاً وخبرته ناضجة ورجولته كاملة.. (آتَيْناهُ حُكْماً وَ عِلْماً) الدور كان يحتاج إلى هذا النوع من الكفاءة، يعني ما كان يمكن لموسى بن عمران أن يقوم بدوره كرسول إلا بعد هذا السن وبعد هذه التجربة.(14)
نأتي إلى النبي الأعظم صلى الله عليه وآله بعث وعمره أربعون سنة، هو نبي منذ ولادته، وقد ورد عنه صلى الله عليه وآله كما في كتاب تفسير الرازي: (كنت نبياً وآدم بين الماء والطين).(15)
الله تبارك وتعالى خلق النبي نوراً قبل أن يخلق آدم وأعطاه النبوة قبل أن يخلق آدم، نور يجتبى بالنبوة والعصمة والطهارة قبل خلق آدم.
ولقد ورد عنه صلى الله عليه وآله: (إن الله خلق نوري ونور علي قبل أن يخلق آدم بألفي عام)(16)، كما ورد عنه صلى الله عليه وآله: (كنت نبياً وآدم بين الماء والطين). (17)
إذن هو نبي منذ ولادته، فلماذا لم يبعث إلا وعمره أربعين سنة؟ لأنه ما بعث بالدعوة وإن كان نبياً إلا بعد أربعين سنة، والتجربة الإسلامية تقتضي تهيئته كقائد تنقاد له النفوس وتذعن له القلوب وتلتف حول رايته وتؤمن بخبرته وتؤمن بنضجه وتؤمن بفكره، ويحتاج إلى أن يمر بهذا السن، ويحتاج إلى أن يمر بهذه التجربة، ويحتاج إلى أن يمر بهذا الحد المعين فيتهيأ لقيادة الأمة آنذاك، فالدور يحتاج إلى هذا الاستعداد.
بالنسبة للإمام المنتظر، السيد الصدر _ وهذا رأي يختص به ولعله غريب على الناس _ يقول: إنّ الدور الذي يقوم به الإمام المنتظر ليس دوراً عادياً، لم يقم به نبي ولا رسول، إقامة دولة إسلامية على جميع بقاع الأرض، هذا الدور الذي هو إقامة دولة إسلامية على جميع بقاع الأرض، وكما في بعض الروايات تستمر هذه الدولة أربعين سنة(18)، إقامة دولة على جميع بقاع الأرض ولمدة أربعين سنة دور عملاق ما قام به أحد قبله لا من الأنبياء ولا من الرسل ولا من الأوصياء.
إذن يحتاج هذا الدور إلى كفاءة تتناسب مع الدور نفسه، فإنّ ضخامة الدور تقتضي ضخامة الكفاءة وضخامة الاستعداد، كلما كان الدور عظيماً احتاج إلى عظمة في الكفاءة أكثر، وكلما كان الدور أكبر احتاج إلى كفاءات أكبر واستعدادات أكبر، والإمام المنتظر يقوم بدور ما قام به أحد، وهو إقامة دولة إسلامية عامة على جميع بقاع الأرض، وهذا يحتاج إلى إعداد وخبرة تتناسب مع الدور تماماً.
وهذا يحتاج إلى شخص عاصر جميع الحضارات وعاصر جميع المجتمعات وعاصر جميع الأنظمة وعاصر جميع الدول، لأنه إذا عاصر جميع المجتمعات تعرف على جميع الأهواء وعلى جميع الشهوات وعلى جميع أنواع الميول وإذا عاصر جميع الأنظمة تعرف على نقاط الضعف ونقاط القوة في كل نظام، وإذا عاصر جميع الحضارات تعرف على عوامل البقاء وعوامل الفناء في كل حضارة معاصرة، فجميع الحضارات معاصرة وجميع الأنظمة معاصرة وجميع المجتمعات معاصرة، وجميع الأزمنة التي تمر على البشرية تكسب هذا الشخص الذي يعاصرها قدراً كاملاً في الخبرة بما تحتاج إليه الدولة الإسلامية العامة على جميع وجه الأرض.
جميع نقاط الضعف والقوة في المجتمعات وفي الحضارات وفي الأنظمة وفي أجهزة الحكم حاصلة لديه، لأنه عاصر الجميع وجرّب الجميع فوصل إلى الإعداد الكافي للقيام بدوره كقائد عام وكقائد لدولة إسلامية عامة.
طبعاً يأتي الإنسان هنا يتساءل: هل الإمام قبلاً لا يعرف؟ وهل هو قابل للتعلم؟ أي أنه كلما عاش يتعلم أكثر، هل الإمام هكذا!! صحيح الإنسان البشر العادي كلما يعيش يزداد معرفة وخبرة وينضج ويتكامل، لكن كإمام معصوم هل الإمام كذلك؟! يعني يحتاج إلى أن يعيش فترة طويلة من الزمن يكتسب فيها خبرات ومعارف وثقافات؟ هل الإمام المعصوم كذلك؟
السيد الصدر يجيب عن هذا السؤال يقول: عندنا فرق بين العلم وبين الخبرة، العلم أمر نظري والخبرة أمر تطبيقي، والأمر التطبيقي يحتاج إليه الإمام كأي إنسان آخر، فمثلاً الطبيب عنده معلومات نظرية بحتة، فإنه عندما يبدأ يفتح عيادة ويعالج المرضى تلك المعلومات النظرية تظهر للوجود فيبدأ يطبقها أثناء عيادته وأثناء علاجه، هذا الطبييب بعد تطبيقه للمعلومات الطبية النظرية ماذا يحصل؟ يحصل على أنه كان عنده علم نظري والآن تحول إلى خبرة، وفرق بين الخبرة والعلم النظري، هذا كان منذ دراسته إلى أن انتهى إلى مستوى معين يحمل معلومات نظرية، الآن عندما بدأ بتطبيقها تحول إلى خبرة فالخبرة غير المعلومات النظرية.
مثال أوضح: النبي الأعظم صلى الله عليه وآله، انظر هذه الآية من القرآن الكريم _ وهذه الآية كثير من اخواننا أهل السنة يركزون عليها _ القرآن الكريم يقول في حق النبي صلى الله عليه وآله: (وَكَذلِكَ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنا ما كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتابُ وَلاَ الإِْيمانُ)(19) فأهل السنة يقولون: انظروا النبي قبل البعثة ما كان يعلم شيئاً، لأن الآية تقول: (ما كُنْتَ تَدْرِي...). يعني قبل الوحي أنت لا تعلم شيئاً حتى الإيمان ما كنت تدري ما هو، فكان النبي مثل الناس، (مَا الْكِتابُ) يعني من قبل نزول القرآن، ولكنه سبحانه وتعالى يقول في مورد أخر: (وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذاً لاَرْتابَ الْمُبْطِلُونَ)(20) إذا كانت تلك الآية تقول: ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان، ما هو معنى هذه الآية؟
فهذا هو الذي نركز عليه، وهو الفرق بين الدراية النظرية والدراية التطبيقية، الدراية التطبيقية، الدراية التفصيلية، والنبي الأعظم صلى الله عليه وآله قبل البعثة يدري بتمام الأمور ولكن دراية نظرية ودراية علمية، وبعد البعثة ما درى به مجال التطبيق، خاض حروباً وخاض غزوات وطبق دولة إسلامية وعاصر منافقين وعاصر اليهود وعاصر المسيحيين، جادلهم وناقشهم، وهذا النوع من التجربة التي مر بها النبي صلى الله عليه وآله ثلاث وعشرين سنة ويطبق ما درى، يطبق المعلومات النظرية خلال ثلاث وعشرين سنة.
يقول صاحب الميزان هذه الثلاث والعشرين دراية تفصيلية، يقول له: أنت قبل نزول الوحي وقبل نزول الكتاب لم تكن عندك دراية تفصيلية، دراية تطبيقية ثم أعطيناك هذه الدراية التفصيلية ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان. (21)
نحن نؤمن بأن الإمام المعصوم منذ ولادته يعلم ويدري سائر الأمور التي تحتاجها الدولة الإسلامية العامة وما تحتاج إليه المجتمعات وما تحتاج إليه الحضارات والأجهزة المختلفة، كان يعلم بذلك لكنه علم نظري.
لكن معاصرة الإمام بالفعل، فعلاً الإمام يعيش 1400 سنة تقريباً يعاصر الحضارات بنفسه ويكتشف الأنظمة بنفسه ويعاصر المجتمعات بنفسه، هذا النوع من التجربة التي يمر بها أثناء غيبته، تحوّل ذلك العلم النظري إلى خبرة تطبيقية، وهذه الخبرة التطبيقية تساعد على إقامة النظام الإسلامي العام على وجه الأرض.
وتوجد عندنا روايات تؤيد هذا، فقد ورد عن الإمام الصادق (ع) في الكافي: (لولا أننا نزداد كل جمعة لنفذ ما عندنا)(22) الإمام يتكامل ويمر بمراحل تكاملية، تزداد علومه ومعارفه.
إذن السيد رحمه الله يقرر أن الغيبة ضرورية حتى للإمام وليست ضرورية فقط لنا وللعالم، حتى يتم الإعداد الكافي المناسب للدور الذي يقوم به، وهو دور إقامة لحكم الإسلامي العام على جميع وجه الأرض.
وطبعاً إنّا ندرك أن هذا الرأي أوّلاً خاص بالسيد الصدر، وبعض العلماء يختلف معه ويرى أن الإمام المعصوم لا يحتاج إلى هذه الخبرة ولا يحتاج إلى هذه التجربة لأنه قادر على تطبيق النظام في أي ظرف وفي أي وقت وهو في غير حاجة إلى الخبرة وغير حاجة إلى أن يمر بهذه التجربة. هذا اختلاف في الآراء.
هذا بالنسبة إلى النقطة الثانية، مسألة غيبة الإمام المنتظر ودوافع الغيبة.
الثالثة: التفاعل بين المسلمين وبين إمامهم الغائب:
كيف نتفاعل مع الإمام وهو غائب؟ إذا كان غائباً عن أنظارنا كيف نتفاعل معه ونستفيد من أنواره ونستفيد من وجوده عجل الله تعالى فرجه وهو غائب؟
التفاعل مع الإمام بعدة أمور:
الأولى: الإحساس برقابته
نحن عندنا روايات تدل على أن الأعمال تعرض على الإمام، فالإمام الصادق(ع) قال: إن الله تبارك وتعالى يقول: (وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ)(23) قال الإمام: المؤمنون هم الأئمة من آل محمد صلى الله عليه وآله، وإن أعمالكم كانت تعرض على رسول الله صلى الله عليه وآله وعلى الإمام من بعده. (24)
وفي رواية أخرى عن سماعة بن مهران يقول الإمام (ع): ما لكم تسوؤون رسول الله صلى الله عليه وآله؟ قلت: كيف سيدي؟ قال: إن أعمالكم لتعرض عليه فإذا رأى سيئة ساءه ذلك.(25)
المؤمن طبعاً يشعر برقابة الله تبارك وتعالى (وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ)(26) (يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفى)، لكن إذا زاد إحساسي برقابة الله يزداد إحساسي برقابة الإمام أيضاً، طبعاً يزداد خوفي ويزداد خشوعي ويزداد بُعدي ونفوري عن الذنب والرذيلة، إذا شعرنا بأن الإمام يرانا ويراقبنا وتعرض عليه أعمالنا وتعرض عليه سيئاتنا ورذائلنا زاد إحساسنا بالرقابة، وزاد بعدنا عن الذنب وبعدنا واجتنابنا للرذيلة.
فإذن التفاعل مع الإمام عجل الله تعالى فرجه وهو غائب بالشعور بغيبته والإحساس برقابته عجل الله تعالى فرجه.
الثاني: التسديد والتأييد
كلنا نعتقد أن الإمام يسدد الشيعة وإن كان غائباً، ولولا تسديده وتأييده لانقرض التشيع من زمن طويل، فالتشيع منذ زمن السلطة الأموية وزمن السلطة العباسية تيار مبغوض محارب معارض من جميع ألوان المعارضة والمحاربة، وبقى التشيع مستمراً وامتد وكثر ونمى، يحمل علماء ومفكرين ومثقفين على مدى التأريخ وعلى مدى الأيام، نتيجة تسديد الإمام(ع) وتأييد الإمام (ع).
وإذا الإمام يكتب إلى الشيخ المفيد «إنا لنحضر أفراحكم وأتراحكم ولا يعزب عنا شيء من أخباركم ولولانا لاصطلمتكم اللأواء وألمت بكم الأعداء».(27)
دعاء الإمام، بركات الإمام، تسديد الإمام، هو الذي يحفظ التشيع على وجه الأرض.
فنحن هذه البركات التي نراها والامتداد الشيعي المستمر على وجه الأرض نعزوه لوجود الإمام وخير الإمام وبركة الإمام عجل الله تعالى فرجه.
الثالث: رؤية الإمام:
كيف يرى الإنسان الإمام؟ طبعاً نحن عندنا رواية تنفي رؤية الإمام (ع).
الإمام كتب إلى علي بن محمد السمري _ آخر السفراء _ يا علي بن محمد السمري عظم الله أجور اخوانك فيك، فإنك ميت ما بينك وبين ستة أيام، ولا تعهد لأحد من بعدك فقد وقع البلاء والغيبة التامة، ولا ظهور إلا بإذن الله، وذلك بعد قسوة القلوب وطول الأمد، وسيأتي قوم من شيعتنا يدعون مشاهدتنا فمن ادعى المشاهدة قبل خروج السفياني وقبل الصيحة فهو كاذب مفتر، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.(28)
كيف نوفق بين هذه الرواية وبين ما علم من رؤية كثير من العلماء ورؤية كثير من الصلحاء ورؤية كثير من الأبرار للإمام المنتظر عجل الله تعالى فرجه؟
العلامة الحلي أحد أقطاب الشيعة الإمامية كان يدرس عند عالم من علماء السنة، هذا العالم كتب كتاباً للرد على الشيعة والتشيع، العلامة الحلي طلب هذا الكتاب من أستاذه ولم يوافق لأنه يعرف أن العلامة ذكي وقادر على الرد، فلم يعطه الكتاب، حاول معه العلامة أن يعطيه، قال: إذا كان كذلك أعطيك إياه ليلة واحدة فقط، أخذ العلامة الكتاب من أستاذه وصمم على أن يسهر تلك الليلة على الكتاب ويستنسخه بالكامل. ونام وهو يستنسخ الكتاب من شدة التعب لما نام رأى كأن رجلاً ماثلاً أمامه أخذ منه الكتاب قال له: أساعدك على نسخه، ولم يستيقظ العلامة إلا قريب الفجر، إلاّ والكتاب منسوخ، فعلم العلامة أنه الإمام الحجة عجل الله تعالى فرجه.(29)
أيضاً السيد بحر العلوم عندما سئل قيل له: الإمام يقول: من ادعى المشاهدة فهو كاذب مفتر، وأنت كما يقولون عنك رأيت الإمام، كيف نوفق بين رؤيتك وكلام الإمام؟ قال: ماذا أقول وقد ضمني إلى صدره؟! وكثير من القصص التي تذكر للإمام عجل الله تعالى فرجه.(30)
نحن نقول: المقصود بهذا الحديث (من ادعى المشاهدة فهو كاذب مفتر) يعني من ادعى السفارة والنيابة، الإمام يقول: بعد علي بن محمد السمري لا توجد سفارة، أما رؤية الإمام والتشرف بمحضره الشريف والاستفادة من أنواره الشريفة ومن تأييده ومن تسديده فهو أمر شائع مشهور لكثير من العلماء والصلحاء والأبرار، حتى الشخص العادي، فالإمام ورد عنه أنه قال: (لولا ذنوب شيعتنا لرأونا رأي العين)(31) ولا يحجبنا عنه إلا ذنوبنا ومعاصينا وتجاوزنا ورذائلنا.
وفي بعض الروايات من قرأ دعاء العهد أربعين صباحاً وفق لرؤية الإمام، إما يقظة وإما في المنام(32)، ودعاء العهد فيه تشويق لرؤية الإمام؛ «اللهم إن حال بيني وبينه الموت الذي جعلته على عبادك حتماً فأخرجني من قبري مؤتزراً كفني شاهراً سيفي مجرداً قناتي ملبياً دعوة الداعي في الحاضر والبادي، اللهم أرني الطلعة الرشيدة والغرة الحميدة واكحل ناظري بنظرة مني إليه وعجل فرجه وأوسع منهجه».
دعاء الندبة.. دعاء الفرج، أدعية وردت عن أهل البيت لتقوية علاقتنا بالإمام المنتظر، لنظل على علاقة نفسية بالإمام، لنظل على شوق وعلى انتظار وعلى لهفة وعلى توجه نفسي للإمام (ع) هذه الأدعية إذا مارسناها تزداد اللهفة والشوق والانتظار له عجل الله تعالى فرجه، وهذا الشوق النفسي له آثار طيبة على السلوك وله آثار طيبة على الرزق وله آثار طيبة على العمر وله آثار طيبة على التوفيق وعلى التعلق النفسي بالإمام المنتظر عجل الله تعالى فرجه.
وكثير من الصلحاء يذكرون عنه الرؤيا الجميلة والرؤيا المفيدة، فأحد العلماء في النجف كان يكرر أبيات السيد حيدر الحلي «الله يا حامي الشريعة... الخ» فهذا العالم يقرأ أبيات العتاب للسيد الحلي في الليل ويبكي...
ماذا يهيجك إن صبرت لوقعة الطف الفظيعة
أترى تجيء فجيعة بأمضّ من تلك الفجيعة
حيث الحسين على الثرى خيل العدى طحنت ضلوعه
ذبحته آل أمية ظامٍ إلى جنب الشريعة
ورضيعه بدم الوريد مخضب فاطلب رضيعه(33)
ونام هذا العالم ورأى في المنام الإمام المنتظر جالساً حزيناً مطأطئ الرأس باكي العين وقف عنده هذا العالم قبّل يديه قال: سيدي مالي أراك حزيناً؟ قال: يا هذا أبلغ سيد حيدر السلام وقل له: لا يعاتبني فليس الأمر بيدي كلما عاتبني مزق قلبي أنا لا أقدر على ذكر مصيبة جدي الحسين.
اللهم بحق الإمام تقبل أعمالنا وشافي مرضانا ومرضى المؤمنين وعجل لوليك الفرج واقض حوائج المؤمنين وأيّد من نصر الدين وانصر الإسلام والمسلمين.
وآخر دعوانا ان الحمد لله ربّ العالمين
السيد منير الخباز
الهوامش:
(1) راجع سنن الترمذي، ج5: 328، السنن الكبرى للنسائي، ج5: 45، المعجم الكبير للطبراني، ج5: 154 _ 186،....
(2) سورة التوبة، الآية: 33.
(3) سورة القصص، الآية: 5.
(4) المستدرك للحاكم، ج4: 464، 557.
(5) كنز العمال للمتقي الهندي، ج14: 261، ح38653، ج14: 264، ح38662.
(6) راجع ذخائر العقبى للطبري: 136، لسان الميزان لابن حجر، ج3: 238.
(7) راجع وفيات الأعيان لابن خلكان، ج4: 176.
(8) راجع صحيح البخاري، ج8: 127، صحيح مسلم، ج6: 3، مسند أحمد، ج5: 86 _ 107، سنن أبي داود، ج2: 309، المستدرك للحاكم، ج3: 618.
(9) صحيح مسلم، ج6: 22، ولفظ الحديث: «...ومن مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية».
(10) سورة النساء، الآية: 157.
(11) سورة النساء، الآية: 158.
(12) سورة التوبة: الآية: 33.
(13) القصص (28): الآية 14.
(14) راجع بحث حول المهدي للسيد الشهيد الصدر (قدس سره).
(15) تفسير الرازي، ج3: 213.
(16) راجع معاني الاخبار للصدوق: 56، ح4، مناقب آل أبي طالب لابن شهر آشوب، ج1: 27.
(17) المناقب لابن شهر آشوب، ج1: 214، مسند أحمد، ج4: 66 وفيه (,آدم بين الروح والجسد)، كنز العمال للمتقى الهندي، ج11: 450، ح32115، وفيه: (بين الروح والطين).
(18) راجع عقد الدرر للشافعي السلمي: 241، باب 11، الفتن لابن طاووس: 80، باب 182.
(19) سورة الشورى، الآية: 52.
(20) سورة العنكبوت، الآية: 48.
(21) راجع تفسير الميزان للطباطبائي، ج18: 77.
(22) الكافي للكليني، ج1: 54، باب لولا ان الأئمة يزدادون لنفد ما عندهم، ولفظ الحديث في الكافي: «لولا أنا نزداد لانفدنا».
(23) سورة التوبة، الآية: 105.
(24) راجع مناقب آل أبي طالب لابن شهر آشوب ج3: 504، تفسير القمي، ج1: 304.
(25) راجع بصائر الدرجات للصفار: 446، الأمالي للشيخ المفيد: 196.
(26) ق (50): الآية 16.
(27) راجع الاحتجاج للطبرسي، ج2: 323.
(28) الاحتجاج للطبرسي، ج2: 297، كمال الدين للصدوق: 516، ح44.
(29) راجع البحار للمجلسي، ج53: 252.
(30) راجع البحار للمجلسي، ج53: 302، ج102: 4.
(31) راجع توقيع الناحية المقدسة إلى الشيخ المفيد في كتاب الاحتجاج للطبرسي، ج2: 325، ولفظه: ولو أن اشياعناً وفقهم الله لطاعته على اجتماع من القلوب في الوفاء بالعهد عليهم لما تأخر عنهم اليمن بلقائنا ولتعجلت لهم السعادة بمشاهدتنا...
(32) راجع مهج الدعوات لابن طاووس: 334، البحار للمجلسي، ج53: 328.
(33) راجع البحار للمجلسي، ج53: 331.
أحيلونا على بعض المصادر الدينيّة الشيعيّة المهمّة التي تُعالج مواضيع نظير الكلام والتفسير والفقه؟
جواب:
من أجل التعرّف بشكل صحيح على الأصول العقائديّة والتفسيريّة والفقهيّة لأتباع أهل البيت من الإماميّة الشيعة الإثنى عشريّة، يُمكنكم الرجوع إلى المصادر التالية:
1. الشيعة في الإسلام، تأليف العلاّمة السيّد محمد حسين الطباطبائي؛
2. تشيع در مسير تاريخ (التشيّع في مسار التاريخ)، تأليف العلاّمة حامد حسين الهندي؛
3. منشور اماميه (بيان الإماميّة)، تأليف آية الله جعفر السبحاني؛
4. الإلهيّات على هدى الکتاب والسنّة والعقل، تأليف آية الله جعفر السبحاني؛
5. کشف المراد في شرح تجريد الاعتقاد، تأليف العلاّمة الحلّي؛
6. أصل الشيعه وأصولها، تأليف الشيخ محمد حسين آل کاشف الغطاء؛
7. الميزان في تفسير القرآن، تأليف العلاّمة الطباطبائي؛
8. مجمع البيان، تأليف علي بن الفضل الطبرسي؛
9. جواهر الکلام في شرائع الاسلام، تأليف الشيخ محمد حسن النجفي.
الإمام الخامنئي يستقبل قادة قوات الشرطة في الجمهوریة الإسلامیة
استقبل سماحة آية الله العظمى السيد علي الخامنئي قائد الثورة الإسلامية صباح يوم الأحد 26/04/2015 م المشاركين في ملتقى قادة و مدراء و رؤساء المكاتب العقيدية السياسية في قوات الشرطة في الجمهورية الإسلامية الإيرانية، و اعتبر هذه القوات تجسيداً للسيادة و الأمن في الجمهورية الإسلامية، و أكد على أن توفير الأمن الفردي و الاجتماعي و الأخلاقي و الروحي و النفسي في المجتمع من أهم مسؤوليات قوات الشرطة، مضيفاً: اقتدار قوات الشرطة ضروري لتوفير الأمن، بيد أن هذا الاقتدار يجب أن يكون مصحوباً بالعدالة و الإنصاف و الرحمة.
و بارك قائد الثورة الإسلامية في بداية حديثه حلول شهر رجب و اعتبر هذا الشهر و شهر شعبان فرصة ثمينة للتقرب إلى القيم الإلهية و بناء الذات و مقدمة للدخول في شهر رمضان المبارك، و أوصى جميع أبناء الشعب بالانتهال أكثر فأكثر من بركات هذه الشهور.
و اعتبر آية الله العظمى السيد الخامنئي أهمية توفير و تكريس الأمن باعتباره المهمة الرئيسية لقوات الشرطة مؤشراً على أهمية التنظيم في هذه القوات مردفاً: توفير الأمن ليس قضية إعلامية أو لسانية، إنما يجب أن يشعر الناس بوجود الأمن.
و شدد سماحته على أن قوات الشرطة يجب أن لا تقنع بأية حدود في قضية توفير الأمن على مختلف مستوياتها بما في ذلك توفير الأمن في الطرق الخارجية و أمن المدن و الحدود و شتى الأماكن، و اعتبر توفير الأمن النفسي للمجتمع من المصاديق المهمة جداً للأمن ملفتاً: مواجهة حالات انعدام الأمن النفسي في المجتمع من قبيل قلق العوائل من تواجد أبنائها في الشوارع و الحدائق العامة بسبب احتمال انجرارهم إلى الإدمان و المخدرات أو قلقهم من انجراف الشباب نحو المنكرات و الفحشاء، أهم بكثير من مواجهة حالات انعدام الأمن الإجرامية العملية، و يجب مواجهة مثل هذه الحالات من انعدام الأمن بكل جد.
و اعتبر الإمام السيد علي الخامنئي الحركات غير الطبيعية لبعض الشباب السكرى بغرور ثرواتهم بسيارات غالية في الشوارع واحداً آخر من مصاديق زعزعة الأمن النفسي في المجتمع، و أضاف مؤكداً: يجب أن يكون لقوات الشرطة برامجها لمختلف أبعاد انعدام الأمن، كي تواجهها.
و أوضح قائد الثورة الإسلامية أن اقتدار قوات الشرطة ضروري لتوفير الأمن في المجتمع، مضيفاً: قوات الشرطة تجسيد لسيادة الجمهورية الإسلامية و أمنها، لذلك يجب أن تتمتع هذه القوات بالاقتدار، غير أن هذا الاقتدار لا يعني ممارسة الظلم أو التصرفات المنفلتة.
و أكد آية الله العظمى السيد الخامنئي على أننا لا ننشد اقتدار الشرطة على طريقة هوليوود و كما في المجتمعات الغربية و الأمريكية مردفاً: مثل هذا الاقتدار لن يحقق الأمن، و ليس هذا و حسب بل سيؤدي إلى انعدام الأمن.
و اعتبر قائد الثورة الإسلامية تصرف شرطة أمريكا مع السود نموذجاً للاقتدار الظالم ملفتاً: في أمريكا التي رئيس جمهوريتها في الوقت الحاضر من السود، يتعرض الزنوج لظلم الشرطة و إهاناتهم و إهمالهم، و مثل هذه السلوكيات أفضت إلى انبثاق اضطرابات.
و أكد آية الله العظمى السيد الخامنئي: الاقتدار المنشود لدى النظام الإسلامي هو الحسم إلى جانب العدالة و المروءة و الرحمة، كما أن الذات الإلهية المقدسة رحمن رحيم و في الوقت نفسه صاحب عذاب أليم.
و شدد سماحته على ضرورة و أهمية الالتزام بالقانون على مستويي التعامل مع الناس و داخل تنظيمات قوات الشرطة قائلاً: بسبب المديات الواسعة لعلاقات قوات الشرطة مع الناس، فإن نزاهة و سلامة هذه القوات على جانب كبير من الأهمية، بحيث أن قوات سليمة و حازمة يمكنها أن تحقق سمعة حسنة لنظام الجمهورية الإسلامية في أنظار الناس.
و أكد قائد الثورة الإسلامية على ضرورة رفع المستويات العقيدية و الأخلاقية و كذلك الاعتماد على العلم و الإبداعات العلمية في قوات الشرطة، موصياً المسؤولين في القطاعات المختلفة بالتعاون مع هذه القوات.
و قدم آية الله العظمى السيد الخامنئي في جانب آخر من حديثه الشكر و التقدير لقوات الشرطة على جهودها و مساعيها، خصوصاً في أيام النوروز.
قبيل كلمة القائد العام للقوات المسلحة الإيرانية، تحدث اللواء أشتري قائد قوات الشرطة في الجمهورية الإسلامية الإيرانية مقدماً تقريراً عن نشاطات و برامج هذه القوات، و قال: زيادة نسبة اكتشاف الجرائم المهمة، و استمرار مكافحة مهربي المخدرات، و رفع مستوى الجاهزية للسيطرة على الحدود، و انخفاض الخسائر الناجمة عن حوادث المرور بنسبة سبعة بالمائة، و تنمية العلاقات مع النخبة، و التحرك التقدمي على صعيد العلم و التقنية، و حراسة القيم الثورية و الإسلامية و الدفاع عنها، من أهم عناوين نشاطات قوات الشرطة في الجمهورية الإسلامية الإيرانية.
و أوضح قائد قوات الشرطة في الجمهورية الإسلامية الإيرانية أن قطع خطوات عريضة من دون وجود تنظيم متدين و ثوري و إشاعة التفكير التعبوي و الإدارة الجهادية، و كذلك من دون توفر التعاطف و وحدة الكلمة مع الناس و كل المؤسسات، أمر غير متاح، مضيفاً: نبذل كل جهودنا بصدق و إخلاص لنقترب من مستوى الشرطة اللائقة بمكانة الجمهورية الإسلامية.
ما هي منزلة الدعاء في الفكر الشيعي؟
جواب:
الدعاء لغةً هو بمعنى أن تجلب الشيء نحوك بصوت أو كلام. ويقول ابن فارس عند تعرّضه لبيان أصل هذه الكلمة: «هو أن تميل الشيء إليك بصوتٍ وكلامٍ يكون منك». (1)
وعليه، فإنّ «الدعاء» هو بمعنى توجيه نظر المدعوّ نحو الداعي من أجل جلب النفع أو دفع الضرر. وقد تمّ استعمال كلمة «الدعاء» في القرآن والروايات الإسلاميّة مع الأخذ بعين الاعتبار لمعناها اللغوي. وما يهمّنا بيانه هنا هو المعنى الحقيقي لدعاء الإنسان تجاه الخالق تعالى، وتجميع مجمل الآيات والأحاديث الواردة حوله:
ألف. حقيقة الدعاء
عند التأمّل في الاستعمالات القرآنيّة والحديثيّة لكلمة «الدعاء»، يتبيّن أنّ دعاء الإنسان لله تعالى هو ـ بمعناه الحقيقي ـ أن يرى الإنسان نفسَه عبداً محضاً لله تعالى وفقيراً مطلقاً إليه، وأن يسعى إلى استجلاب رحمته وعنايته من خلال طاعته وعبادته. ومن هنا، فكلّما ازداد الإنسان إدراكاً ومعرفةً، كلّما ازداد دعاءً. ونُلاحظ كيف أنّ أئمّة الدين ـ وبسبب استقرارهم في أعلى مراتب العقل والمعرفة ـ كانوا يرون أنفسهم أفقر الناس إلى الله تعالى، ويهتمّون بالدعاء بشكل غير طبيعي. وأبرز نموذج على ذلك، ما نُشاهده في الصحيفة السجّادية للإمام علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلام.
وقد حثّت العديد من الآيات القرآنيّة الشريفة الإنسانَ على الدعاء والاستجداء من الله تعالى، مثلما نُطالع في إحدى هذه الآيات الكريمة: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ}. (2)
وتدلّ هذه الآية الكريمة بجلاء على أنّ حقيقة الدعاء من وجهة نظر القرآن هو شعور الإنسان بالعبوديّة في مقابل خالقه، وطلب قربه ورحمته عن طريق طاعته وعبادته. ولهذا، فإنّها تُعبّر عن هذه الحقيقة بدايةً بلفظة «الدعاء»، ثمّ بعد ذلك بكلمة «العبادة».
ب. أهميّة الدعاء ودوره في الحياة
تدلّ العديد من الآيات والروايات على الآثار والبركات العظيمة للدعاء في حياة الإنسان. ونُطالع في إحدى هذه الآيات: { قُلْ ما يَعْبَؤُا بِكُمْ رَبِّي لَوْ لا دُعاؤُكُمْ}. (3)
كما تعرّضت عدّة أحاديث إلى بيان آثار الدعاء وبركاته.
وعلاوةً على ذلك، فقد تمّ الحديث في الروايات عن الشروط والآداب التي تجب مراعاتها لاستجابة الدعاء، غير أنّ التعرّض لذكرها يستدعي مجالاً آخر.
ج. الطلب من غير الله تعالى
إنّ المسألة التي يجدر بنا البحث حولها هي: هل من اللازم أن يكون الطلب من الله تعالى بشكل مباشر، أو أنّه من الممكن أن نطلب من الله عزّ وجلّ حاجتنا من خلال واسطة؟
بالنظر إلى الآيات والروايات المتعدّدة التي تدلّ على جواز الطلب من الله تعالى بشكل غير مباشر، فإنّ الشيعة يعدّون التوسّل بأحبّاء الله عزّ وجلّ في الدعاء والاستجداء منه تعالى أمراً جائزاً، بخلاف الوهابيّين الذين يرون هذا العمل منافياً للتوحيد، ويتّهمون الشيعة بالشرك.
وسنتعرّض في هذا الموضع إلى ذكر نموذج من الآيات والروايات التي تدلّ على جواز هذا العمل، لنترك الحكم الأخير بعهدة القاريء المحترم.
1. لو كان التوسّل والاستعانة بغير الله تعالى شركاً أو بدعةً، فلماذا لم يقل موسى عليه السلام لقومه حينما تقدّموا بطلبهم إليه: لقد جعلتم لله بطلبكم هذا شريكاً.
حيث نُطالع في إحدى الآيات القرآنيّة:
{وَلَمَّا وَقَعَ عَلَيْهِمُ الرِّجْزُ قالُوا يا مُوسَى ادْعُ لَنا رَبَّكَ بِما عَهِدَ عِنْدَكَ لَئِنْ كَشَفْتَ عَنَّا الرِّجْزَ لَنُؤْمِنَنَّ لَكَ ولَنُرْسِلَنَّ مَعَكَ بَني إِسْرائيل}. (4)
وعليه، يتبيّن أنّ طلبهم من نبيّ الله موسى عليه السلام لم يكن مخالفاً للتوحيد وعبادة الإله الواحد، ولا تُستشمّ منه أيّ رائحة للشرك؛ لأنّ قوم موسى عليه السلام توسّلوا به لأجل رفع البلاء والشدائد عنهم بواسطة العهد والميثاق الذي كان له مع الله تعالى (أي الرسالة والنبوّة والولاية). فلو كانت الاستغاثة والاستعانة بغير الله تعالى شركاً، فلماذا طلب أتباع موسى عليه السلام المساعدة منه عند حلول البلاء؟! ولماذا حكى الله تعالى عنهم هذه الاستغاثة من دون نقد ولا إنكار؟!
2. ونقرأ في سورة يوسف عليه السلام:
{قَالُواْ يَأَبَانَا اسْتَغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا إِنَّا كُنَّا خَاطِئينَ * قَالَ سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبي إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيم}. (5)
حيث طلب إخوة يوسف من أبيهم أن يستغفر لهم عند الله تعالى، فقبل يعقوب بدوره منهم هذا الطلب.
ونستخلص من الآيات السابقة أنّ طلب الاستغفار من الغير ـ فضلاً عن عدم مخالفته للتوحيد ـ فإنّه يُعدّ طريقاً لاستجلاب اللطف الإلهي، وإلاّ كيف يُمكن لنبيّ الله يعقوب أن يقبل من أبنائه طلبهم، ويردّ بالإيجاب على توسّلهم.
3. يأمر القرآن المجيد العصاة بأن يأتوا عند رسول الله، ويطلبوا منه أن يدعو الله تعالى لهم بالعفو والمغفرة؛ لأنّ دعاء الرسول لهم مستجاب، مثلما جاء في الآية الكريمة:
{وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جاؤُكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّاباً رَحيماً}. (6)
ومن الممكن أن يُقال هنا أنّ هذه المسائل مرتبطة بزمن حياة الرسول صلى الله عليه وآله وسلّم، وأمّا بعد وفاته صلّى الله عليه وآله وسلّم، فإنّه لا يسمع كلامنا، وبالتالي سيكون عملنا هذا لغواً.
وجواباً عن ذلك نقول: لو صحّت دعواكم هذه، لماذا نُسلّم على الرسول في تشهّد الصلاة ونُخاطبه بـ: «السلام عليك أيّها النبيّ ورحمة الله وبركاته»؟
وإذا كان الأموات لا يسمعون أصوات الأحياء، لماذا ورد في الروايات أنّ الرسول كان يُخاطب الأموات ـ حينما يأتي لزيارتهم ـ بهذا الكلام: «السَّلاَمُ عَلَيْكُمْ دَارَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ، وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللهُ بِكُمْ لاَحِقُونَ... ». (7)
أفلا يكون الاعتقاد بأنّ الإنسان لا يسمع أيّ كلام بعد موته مخالفاً للروايات التي وردت في صحيح البخاري ومفادها أنّ الرسول قال: «الْعَبْدُ إِذَا وُضِعَ فِي قَبْرِهِ وَتُوُلِّيَ وَذَهَبَ أَصْحَابُهُ حَتَّى إِنَّهُ لَيَسْمَعُ قَرْعَ نِعَالِهِم». (8)
فبالنظر إلى كلّ هذه المسائل، ينبغي علينا القول أنّ الدعاء والطلب من غير الله تعالى لا تفوح منه رائحة الشرك إلاّ حينما نعدّ المدعوّ مستقلاًّ عن الله تعالى وفي عرضه، وأمّا إذا لم نعتبره كذلك، وجعلناه وسيلةً لاستجابة الدعاء، ففضلاً عن عدم مخالفته للتوحيد، فإنّنا نعثر على العديد من النماذج لمثل هذا العمل في الآيات والروايات والتي تدلّ على جوازه ومطلوبيّته، مثلما ورد في صحيح البخاري ـ الذي يعدّه أهل السنّة أصحّ كتاب بعد القرآن ـ عن توسّل الخليفة الثاني بعمّ الرسول صلى الله عليه وآله وسلّم في حادثة الاستسقاء، حيث قال: «اللهمّ إنّ كنّا نتوسّل إليك بنبيّنا فتسقينا، وإنّا نتوسّل إليك بعمّ نبيّنا، فاسقنا». (9)
وتدلّ المطالب السابقة على أنّ التوسّل بأولياء الله تعالى هو أمر جائز إجمالاً، وأنّ الذين يحظرونه ويعدّونه مخالفاً لأصل التوحيد، إمّا أنّه لا اطّلاع لهم على المعارف القرآنيّة، وإمّا أنّ التعصّب الخاطيء والأغراض النفسانيّة صارت تحجبهم عن الرؤية.
الهوامش:
1. ابن فارس، معجم مقاييس اللغة، قمّ، منشورات مكتب الإعلام الإسلامي التابع للحوزة العلميّة بقمّ، 1404 ق، ج 2، ص 279.
2. غافر (40)، الآية 60.
3. الفرقان (25)، الآية 77.
4. الأعراف (7)، الآية 134.
5. يوسف (12)، الآيتان 97 ـ 98.
6. النساء (4)، الآية 64.
7. النيشابوري القشيري، أبو الحسين مسلم بن الحجّاج، صحيح مسلم، بيروت، دار إحياء التراث العربي، بدون تاريخ، ج 1، ص 218.
8. البخاري الجعفي، محمد بن إسماعيل أبو عبد الله، صحيح البخاري، بيروت، دار ابن كثير، اليمامة، 1407 ق، ج 1، ص 448 (باب المّيت يسمع خفق النعال).
9. نفس المصدر، ص 342، ح 964.
أمريكا تتصدر لائحة الإنتهاك المنهجي لحقوق الإنسان، والتمييز العنصري ضد السود أحد تجلياتها
تعتبر امريكا أكثر دول العالم حديثاً عن حقوق الإنسان وشعاراته، كما أنها الدولة الأكثر إستخداما للمناداة بحقوق الإنسان، كورقةٍ في سياستها الخارجية. إلا أنها على صعيد التطبيق الفعلي، تعد الدولة الأخطر التي انتهكت وتنتهك حقوق الإنسان، على مر التاريخ. فكل هذا الإهتمام الأمريكي بحقوق الإنسان، كان ستاراً، أخفى خلفه نزعة التوسع والسيطرة وحكم الشعوب التي اتصفت بها السياسة الأمريكية منذ نشأة أمريكا. فكيف يتمثل الإنتهاك المنهجي لحقوق الإنسان في أمريكا؟ وكيف تزداد ردات الفعل الداخلية على التمييز العنصري بحق السود؟
أولاً: الإنتهاك المنهجي لحقوق الإنسان في أمريكا، صفة قديمة للسياسة الأمريكية:
المفكر الأمريكي ناعوم شومسكي ذهب بأقواله لحد أنه وصف قائلاً: "من وجهة النظر القانونية أن هناك ما يكفي من الأدلة لاتهام كل الرؤساء الأمريكيين منذ نهاية الحرب العالمية بأنهم مجرمو حرب، أو على الأقل متورطون بدرجة كبيرة في جرائم حرب" .
وتعتبر لغة الأرقام، دليلاً على هذا، لتثبت كيف أن أمريكا أنتهكت حقوق الإنسان، على الصعيد الخارجي والداخلي. فمنذ نهاية الحرب العالمية وإلى اليوم حصلت 75حرباً وتدخلاً عسكرياً أو دعماً لانقلابٍ عسكريٍ نفذتها امريكا في مناطق شتى من العالم، تحت عناويين الدفاع عن حقوق الإنسان، والمساعدة على نشر الديمقراطية للشعوب المغلوبة.
ومن يقرأ بعضاً من تاريخ الإدارات الأمريكية المتعاقبة، يلحظ بكل وضوح زيف الشعارات التي بشرت بها العالم عقب الحرب العالمية الثانية، والنفاق الذي استخدمته، فهي التي لم تجد مشكلةً في أن تدوس على كل القيم التي نادت بها إذا ما تبين أنها تحول دون تحقيق مصالحها الذاتية. ففي عام 1944م قامت ثورة في جواتيمالا، وأسست حكومة ديمقراطية وبدت بشائر التنمية الاقتصادية المستقلة، فأثار ذلك زوبعةً هستيرية في واشنطن، ووصف الموقف في (جواتيمالا) عام 1952 بأنه معاد للمصالح الأمريكية، مما استدعى إنقلاباً عسكرياً دعمته إدارة كارتر، فسفكت الدماء، وسار الفساد في جواتيمالا لا لشيء إلا لأن المصلحة الأمريكية تقتضي ذلك. وكانت أمريكا اللاتينية، أو ما تسميه واشنطن بفنائها الخلفي، هي المسرح الرئيسي لحروب أمريكا (الديمقراطية)، فبعد 12 عاماً من الإنقلاب الدموي في جواتيمالا، هيَّأت إدارة كندي في عام 1964 لانقلاب عسكري في البرازيل، أدى لوأد التجربة الديمقراطية البرازيلية الواعدة في مهدها. كل ذلك من أجل عيون الشركات الأمريكية العملاقة المسيطرة على مقدرات البلاد، والتي تعود لإسرائيليين، وليعيش البرازيليون تحت خط الفقر رغم أن بلادهم تتمتع بثروة تمكنها من أن تكون من أغنى بلاد العالم. وبعدها يتحدث التاريخ عن أكثر من ذلك. ولكن ماذا على الصعيد الداخلي؟
ثانياً: الإنتهاك المنهجي لحقوق الإنسان في الداخل الأمريكي:
على الصعيد الداخلي تعتبر أمريكا من أكثر دول العالم انتهاكا لحقوق الإنسان. حيث يعيش المجتمع الأمريكي بعنصرية كبيرة وفقرٍ مدقع في مناطق السود والملونيين هذا بالإضافة إلى ارتفاع نسبة الجريمة والإنحلال الخلقي بين جنبات المجتمع الأمريكي .
ولا تحتاج الأمور للكثير من الأدلة لتثبت ذلك. فالأحداث الأمريكية الأخيرة ضد السود والتي أصبح يحفظها العالم بأسره، كافية لتدل على ذلك. وهنا تأتي الإشارة الى الثورة النقابية التي تجري منذ فترة ليست بقصيرة في أمريكا، للمطالبة بحقوق العمال في أمريكا. فخلال شهر ديسمبر الماضي أقام إتحاد النقابات العالمي، مسيرة في العاصمة واشنطن، بالإنابة عن 90 مليون عامل منظم نقابياً حول العالم والذي يمثلهم الإتحاد، تعبيراً عن تضامنهم مع الطبقة العاملة والشعب الأمريكي ومطالبةً بالعدل من أجل ضحايا الإضطهاد العرقي. كما وطالب العشرات فى المدن الأمريكية الأخرى، بالعدل من أجل الضحايا الأمريكيين من أصول افريقية أفرو- أمريكان بسبب العنف الأمني فى مدينة فيرجسون بمقاطعة ميسوري في نيويورك.
لذلك فإن عمليات القتل في فيرجسون وأماكن أخرى وبراءات المذنبين إنما تضع في المقدمة مشكلة العنصرية في أمريكا والبلدان المتقدمة الأخرى. فالوحشية التي ارتكبت بواسطة الشرطة الأمريكية تعكس الظلم اللامتناهي للعِرق والطبقة في أمريكا، والظلم الأكثر وحشية تجاه الأفرو- أمريكان والمجتمعات الملونة الأخرى. فالطبقة العاملة والقطاعات الأكثر فقرا من السكان بصفة عامة هم الأكثر ضحايا للعنف الشُرطي. كما وأدان إتحاد النقابات العالمي، الهجمات والسياسات العنصرية المستخدمة بواسطة الوكالات القضائية التنفيذية في أمريكا. وإن الحركة النقابية النضالية الدولية قد ناضلت على الدوام لمناهضة العنصرية وأي أشكال أخرى من التفرقة بين الشعب العامل. مؤكدةً أن عنف الدولة ضد الطبقة العاملة وضد القطاعات الأكثر اضطهادا وغير المحصنة لن يدوم طويلاً.
إذاً، إنها أمريكا التي تشن الحروب لحماية حقوق الإنسان كما تدعي. لكن الديمقراطية الأمريكية المنافقة، لا تشعر بما يحصل في داخلها، بالإنتهاكات التي تقوم بها بحق شعبها. لكن الأهم من ذلك هو أن أمريكا اليوم، تتصدر لائحة الدول التي تنتهك حقوق الإنسان منهجياً. فهل من سيبقى يراهن على الديمقراطية الأمريكية المدعاة؟